تفسير سورة قريش

فتح البيان
تفسير سورة سورة قريش من كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن المعروف بـفتح البيان .
لمؤلفه صديق حسن خان . المتوفي سنة 1307 هـ
بسم الله الرحمان الرحيم
سورة قريش
ويقال : سورة لإيلاف. هي أربع آيات، وهي مكية عند الجمهور، وقال الضحاك والكلبي : هي مدنية، والأول أصح. قال ابن عباس : نزلت بمكة، وعن أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" فضل الله قريشا بسبع خصال : لم يعطها أحدا قبلهم، ولا يعطيها أحدا بعدهم، أني فيهم، وفي لفظ النبوة فيهم، والخلافة فيهم، والحجابة والسقاية فيهم، ونصروا على الفيل، وعبدوا الله سبع سنين- وفي لفظ عشر سنين- لم يعبده أحد غيرهم، ونزلت فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها أحد غيرهم﴿ لإيلاف قريش ﴾ " أخرجه البخاري في تاريخه والطبراني والحاكم -وصححه- وابن مردويه والبيهقي.
قال ابن كثير : هو حديث غريب، ويشهد له ما أخرجه الطبراني في الأوسط وابن مردويه وابن عساكر عن الزبير بن العوام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" فضل الله قريشا بسبع خصال : فضلهم بأنهم عبدوا الله عشر سنين لا يعبده إلا قرشي، وفضلهم بأنه نصرهم يوم الفيل وهم مشركون، وفضلهم بأنها نزلت فيهم سورة من القرآن لم يدخل فيها أحد من العالمين غيرهم، وهي ﴿ لإيلاف قريش ﴾. وفضلهم بأن فيهم النبوة والخلافة والسقاية ".
وأخرج الخطيب في تاريخه عن سعيد بن المسيب مرفوعا نحوه، وهو مرسل.

(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) اللام قيل متعلقة بآخر السورة التي قبلها كأنه قال سبحانه أهلكت أصحاب الفيل لأجل تألف قريش، قال الفراء هذه السورة متصلة بالسورة الأولى لأنه ذكر سبحانه أهل مكة بعظيم نعمته عليهم فيما فعل بالحبشة، ثم قال لإيلاف قريش، أي فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منا على قريش، وذلك أن قريشاً كانت تخرج في تجارتها فلا يغار عليها في الجاهلية، يقولون هم أهل بيت الله عز وجل حتى جاء صاحب الفيل ليهدم الكعبة ويأخذ حجارتها فيبني بها بيتاً في اليمن يحج الناس إليه فأهلكهم الله عز وجل، فذكرهم نعمته؛ أي فعل ذلك لإيلاف قريش أي ليألفوا الخروج ولا يجترىء عليهم؛ وذكر هذا ابن قتيبة.
قال الزجاج: والمعنى فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش، أي أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش وما قد ألفوا من رحلة الشتاء والصيف ولهذا جعل أبيّ بن كعب هذه السورة وسورة الفيل واحدة ولم يفصل بينهما في مصحفه بالبسملة.
والذي عليه الجمهور من الصحابة وغيرهم وهو المستفيض المشهور أن هذه السورة منفصلة عن سورة الفيل وأنه لا تعلق بينهما.
وقال في الكشاف أن اللام متعلقة بقوله (فليعبدوا) أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلاف الرحلتين، ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط لأن المعنى إما لا فليعبدوه.
397
وقد تقدم صاحب الكشاف إلى هذا القول الخليل بن أحمد؛ والمعنى إن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الجليلة، وقال الكسائي والأخفش: اللام لام العجب أي إعجبوا لإيلاف قريش وقيل هي بمعنى إلى وقرىء لإلف وقرىء ليألف بفتح اللام على أنها لام الأمر، وكذلك هو في مصحف ابن مسعود وفتح لام الأمر لغة معروفة.
قال سليمان الجمل قرأ ابن عامر لإلاف قريش دون ياء قبل اللام الثانية والباقون لإيلاف بياء قبلها، وأجمع الكل على إثبات الياء في الثاني وهو إيلافهم.
ومن غريب ما اتفق في هذين الحرفين أن القراء اختلفوا في سقوط الياء وثبوتها في الأول مع اتفاق المصاحف على إثباتها خطاً واتفقوا على إثبات الياء في الثاني مع اتفاق المصاحف على سقوطها منه خطاً فهو أدل دليل على أن القراء متبعون الأثر والرواية لا مجرد الخط انتهى.
وقريش هم بنو النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، فكل من كان من ولد النضر فهو قرشي ومن لم يلد النضر فليس بقرشي، وقريش يأتي منصرفاً إن أريد به الحي، وغير منصرف إن أريد به القبيلة، وقيل إن قريشاً بنو فهر بن مالك بن النضر والأول أصح.
وقوله
398
(إيلافهم) تأكيد لفظي ولذلك اتصل بضمير ما أضيف إليه الأول وقيل هو بدل لأنه أطلق المبدل منه وقيد البدل بالمفعول وهو قوله (رحلة الشتاء والصيف) لما فيه من الإبهام في المبدل منه ثم التبيين في البدل، وإنما أفرد الرحلة ولم يقل رحلتي الشتاء لأمن الإلباس، وقيل إن رحلة منصوبة بمصدر مقدر أي ارتحالهم رحلة الشتاء وقيل منصوبة على الظرفية والرحلة الارتحال وكانت إحدى الرحلتين إلى اليمن في الشتاء لأنها بلاد حارة، والرحلة الأخرى إلى الشام في الصيف لأنها بلاد باردة، وروي أنهم كانوا يشتون بمكة ويصيفون في الطائف والأول أولى فإن ارتحال قريش للتجارة
398
معلوم معروف في الجاهلية والإسلام.
قال ابن قتيبة إنما كانت تعيش قريش بالتجارة، وكانت لهم رحلتان كل سنة رحلة في الشتاء إلى اليمن، ورحلة في الصيف إلى الشام، ولولا هاتان الرحلتان لم يمكن بها مقام، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف.
قال ابن عباس في الآية نعمتي على قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف، وعنه قال إيلافهم لزومهم، وقيل رحلة اسم جنس وكانت لهم أربع رحلات وجعله بعضهم غلطاً، وليس كذلك وأول من سن لهم الرحلة هاشم بن عبد مناف.
399
(فليعبدوا رب هذا البيت) أمرهم سبحانه بعبادته بعد أن ذكر لهم ما أنعم به عليهم أي إن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الخاصة المذكورة، والبيت الكعبة وعرفهم سبحانه بأنه رب هذا البيت لأنها كانت لهم أوثان يعبدونها، فميز نفسه عنها وقيل لأنهم شرفوا بالبيت على سائر العرب فذكر لهم ذلك تذكيراً لنعمته.
(الذي أطعمهم من جوع) أي أطعمهم بسبب تينك الرحلتين من جوع شديد كانوا فيه قبلهما، وقيل إن هذا الإطعام هو إنهم لما كذبوا النبي ﷺ دعا عليهم فقال اللهم إجعلها عليهم سنين كسني يوسف، فاشتد القحط فقالوا يا محمد ادع الله لنا فإنا مؤمنون فدعا فأخصبوا وزال عنهم الجوع وارتفع القحط، قال ابن عباس يعني قريشاً أهل مكة بدعوة إبراهيم حيث قال (وارزق أهله من الثمرات).
(وآمنهم من خوف) أي من خوف شديد كانوا فيه، قال ابن زيد كانت العرب يغير بعضها على بعض ويسبي بعضها بعضاً فأمنت قريش من ذلك لمكان الحرم.
وقال الضحاك والربيع وشريك وسفيان آمنهم من خوف الحبشة مع
399
الفيل، وقال ابن عباس من الجذام وعنه في الآية قال آمنهم من خوف حيث قال إبراهيم (رب اجعل هذا بلداً آمناً) قال ابن عباس نهاهم عن الرحلة وأمرهم أن يعبدوا رب هذا البيت، وكفاهم المؤنة وكانت رحلتهم في الشتاء والصيف ولم تكن لهم راحة في شتاء ولا صيف، فأطعمهم الله بعد ذلك من جوع وآمنهم من خوف، وكان ذلك من نعمة الله عليهم، وعنه قال أمروا أن يألفوا عبادة رب هذا البيت كإلفهم رحلة الشتاء والصيف.
وقد وردت أحاديث في فضل قريش وإن الناس تبع لهم في الخير والشر، وإن هذا الأمر يعني الخلافة لا يزال فيهم ما بقي منهم اثنان وهي في دواوين الإسلام.
400
سورة أرأيت
ويقال لها سورة الدين وسورة الماعون وسورة اليتيم وهي ست أو سبع آيات وهي مكية في قول عطاء وجابر وأحد قولي ابن عباس، ومدنية في قول قتادة وآخرين، وعن ابن عباس نزلت بمكة وعن ابن الزبير مثله، وقيل نصفها الأول مكي ونصفها الثاني مدني، والأول في العاص بن وائل والثاني في عبد الله بن أبيّ بن سلول، وقال مقاتل والكلبي نزلت في العاص بن وائل السهمي، وقال السدي في الوليد بن المغيرة، وقال الضحاك في عمرو بن عائذ وقال ابن جريج في أبي سفيان، وقيل في رجل من المنافقين.
401

بسم الله الرحمن الرحيم

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (٣) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (٧)
403
Icon