تفسير سورة المسد

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة المسد من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة تبت، وهي مكية.

قَوْله تَعَالَى: ﴿تبت يدا أبي لَهب وَتب﴾ سَبَب نزُول هَذِه السُّورَة هُوَ مَا روى أَبُو مُعَاوِيَة [الضَّرِير مُحَمَّد بن خازم] عَن الْأَعْمَش، عَم عَمْرو بن مرّة، عَن سعيد ابْن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صعد ذَات يَوْم الصَّفَا وَقَالَ: " يَا صَبَاحَاه " فاجتمعت قُرَيْش فَقَالُوا لَهُ: مَالك؟ فَقَالَ: " (أَرَأَيْتُم) لَو أَخْبَرتكُم أَن الْعَدو مصبحكم أَو ممسيكم، أما (تصدقونني؟) " قَالُوا: بلَى.
قَالَ: " فَإِنِّي نَذِير لكم بَين يَدي عَذَاب شَدِيد " فَقَالَ أَبُو لَهب: تَبًّا لَك، أَلِهَذَا دَعوتنَا جَمِيعًا فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿تبت يدا أبي لَهب وَتب﴾ إِلَى آخر السُّورَة ".
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو مُحَمَّد الْمَكِّيّ بن عبد الرَّزَّاق، أخبرنَا جدي أَبُو الْهَيْثَم، أخبرنَا الْفربرِي، أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، أخبرنَا (مُحَمَّد) بن سَلام، عَن [أبي] مُعَاوِيَة.. الحَدِيث
298
﴿مَا أغْنى عَنهُ مَاله وَمَا كسب (٢) سيصلى نَارا ذَات لَهب (٣) ﴾
قَوْله: ﴿وَتب﴾ قَالَ مقَاتل وَغَيره: خسرت، والتباب فِي اللُّغَة هُوَ الْهَلَاك، وَهُوَ الخسران أَيْضا.
قَالَ الْفراء: الأول دُعَاء، وَالثَّانِي إِخْبَار، فَالْأول هُوَ قَوْله ﴿تبت يدا أبي لَهب﴾ وَالثَّانِي قَوْله: ﴿وَتب﴾ على مَا معنى الْخَبَر أَي: وَقد خسر وَهلك، وَفِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: " وَقد تبت ".
299
وَقَوله: ﴿مَا أغْنى عَنهُ مَاله وَمَا كسب﴾ أَي: لَا يدْفع عَنهُ مَاله وَولده شَيْئا من عَذَاب الله، فَيكون قَوْله: ﴿وَمَا كسب﴾ بِمَعْنى وَمَا ولد على هَذَا القَوْل.
قَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس: وَيبعد أَن تكون مَا بِمَعْنى من فِي اللُّغَة.
فَقَوله: ﴿وَمَا كسب﴾ أَي: وَمَا كسب من جَاءَ وَمَا يُشبههُ وَأما أَبُو لَهب فَهُوَ عَم النَّبِي واسْمه عبد الْعزي، وَيُقَال: سمي أَبُو لَهب لتلهب وَجهه حسنا.
وَذكره الله تَعَالَى بكنيته؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْرُوفا بذلك أَو لِأَن اسْمه كَانَ عبد الْعزي فكره أَن تنْسب عبوديته إِلَى غَيره.
وَفِي تَفْسِير النقاش: أَن أَبَا لَهب انْتَفَى بني هَاشم، وانتسب إِلَى أبي أُميَّة، وَقَالَ: لَا أكون من قوم فيهم كَذَّاب مثل مُحَمَّد.
وَمن الْمَعْرُوف عَن طَارق الْمحَاربي أَنه قَالَ: " كنت بسوق ذِي الْمجَاز فَإِذا أَنا بشاب يَقُول: أَيهَا النَّاس، قُولُوا: لَا إِلَه إِلَّا الله تُفْلِحُوا، وَإِذا الرجل خَلفه يرميه بِالْحجرِ، وَقد أدْمى (عَقِبَيْهِ)، وَهُوَ يَقُول: أَيهَا النَّاس، لَا تُصَدِّقُوهُ فَإِنَّهُ كَذَّاب.
قَالَ: فَسَأَلت عَنْهُمَا، فَقيل: إِن الشَّاب مُحَمَّد، وَالرجل الَّذِي خَلفه عَمه أَبُو لَهب ".
299
﴿وَامْرَأَته حمالَة الْحَطب (٤) فِي جيدها حَبل من مسد (٥) ﴾.
وَيُقَال فِي قَوْله: ﴿مَا أغْنى عَنهُ مَاله﴾ : أَي: أَي شَيْء أغْنى عَنهُ مَاله ﴿وَمَا كسب﴾ إِذا دخل النَّار؟.
300
وَقَوله: ﴿سيصلى نَارا ذَات لَهب﴾ يُقَال: صلى الشَّيْء إِذا قاسى شدته وحره.
وَيُقَال: صليته أَي شويته، وَمِنْه: شَاة مصلية أَي مشوية وَالْمعْنَى: سَوف يصلى أَي يدْخل نَارا ذَات لَهب أَي: ذَات التهاب وتوقد.
وَقَوله: ﴿وَامْرَأَته﴾ أَي: تصلى امْرَأَته أَيْضا.
وَقَوله: ﴿حمالَة الْحَطب﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: مَا رَوَاهُ الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس أَنَّهَا كَانَت تحمل الشوك فتلقيه على طَرِيق النَّبِي لتعقر رجله.
قَالَ عَطِيَّة: كَانَت تلقى الْعضَاة فِي طَرِيق النَّبِي.
وَكَانَت كالكثيب من الرمل لقدم النَّبِي، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿حمالَة الْحَطب﴾ مَعْنَاهُ: الْمَاشِيَة بالنميمة.
قَالَ الشَّاعِر:
(إِن بني الأجرم حمالوا الْحَطب... هم الوشاة فِي الرِّضَا وَفِي الْغَضَب)
(عَلَيْهِم اللَّعْنَة تترى وَالْحَرب... )
وَامْرَأَته هِيَ أم جميل بنت حَرْب بن أُميَّة أُخْت أبي سُفْيَان.
وَقد قرئَ: " حمالَة الْحَطب " بِالنّصب فالبرفع على معنى حمالَة الْحَطب، وَبِالنَّصبِ على معنى أَعنِي حمالَة الْحَطب.
وَقَوله: ﴿فِي جيدها حَبل من مسد﴾ فِيهِ قَولَانِ: أظهرهمَا أَنه السلسلة الَّتِي ذكر الله تَعَالَى فِي كِتَابه: ﴿فِي سلسلة ذرعها سَبْعُونَ ذِرَاعا﴾ والمسد هُوَ الفتل والإحكام قَالَ: لِأَنَّهُ أحكم من الْحَدِيد، وَالْقَوْل الثَّانِي: إِن المُرَاد من الْآيَة أَنَّهَا كَانَت تحمل الْحَطب بِحَبل من مسد فِي عُنُقهَا فَذكر الله تَعَالَى ذَلِك على أحد وَجْهَيْن: إِمَّا
300
لبَيَان تخسيسها وتحقيرها، أَو لِأَنَّهَا عيرت رَسُول الله بالفقر فابتلاها الله تَعَالَى بِمَا هُوَ من عمل الْفُقَرَاء، وَقيل: حَبل من مسد أَي: حَبل من شعر أحكمت فتله، وَقيل: من لِيف أحكم فتله.
وروى " أَن هَذِه السُّورَة لما نزلت وَسمعتهَا امْرَأَة أبي لَهب أخذت (فهرا) بِيَدِهَا، وَجَاءَت تطلب النَّبِي وَتقول:
(مذمم أَبينَا... وَدينه قلبينا... وَأمره عصينا... )
وتعني بمذمم مُحَمَّدًا - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - لِأَن كفار قُرَيْش كَانُوا يشتمونه مذمما، فَلَمَّا جَاءَت، قَالَ أَبُو بكر للنَّبِي: إِن هَذِه الْمَرْأَة قد جَاءَت، فَقَالَ: إِنَّهَا لَا تراني فَدخلت وَلم تَرَ رَسُول الله، فَقَالَت لأبي بكر: أَيْن صَاحبك؟ فَقَالَ: مَا شَأْنك؟ فَقَالَت: بَلغنِي أَنه هجاني، فَجئْت لأكسر رَأسه بِهَذَا الْحجر، فَقَالَ أَبُو بكر: إِنَّه مَا هجاك، فَرَجَعت وعثرت فِي مرْطهَا، فَقَالَت: تعس مذمم وَمَضَت ".
301

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿قل هُوَ الله أحد (١) ﴾.
تَفْسِير سُورَة الْإِخْلَاص
وَهِي مَدَنِيَّة
وَقيل: إِنَّهَا مَكِّيَّة
يزِيد بن كيسَان، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله: " احشدوا أَقرَأ عَلَيْكُم ثلث الْقُرْآن فَخرج رَسُول الله، فَقَرَأَ عَلَيْهِم: ﴿قل هُوَ الله أحد﴾ ثمَّ دخل بَيته قَالَ: فَقَالَ الْقَوْم: قَالَ لنا رَسُول الله: احشدوا أَقرَأ عَلَيْكُم ثلث الْقُرْآن فَقَرَأَ: ﴿قل هُوَ الله أحد﴾ ثمَّ دخل، مَا هَذَا إِلَّا شَيْء؟ قَالَ: فَسَمعَهَا فَخرج إِلَيْنَا فَقَالَ: إِن هَذِه السُّورَة تعدل ثلث الْقُرْآن " رَوَاهُ مُسلم فِي كِتَابه عَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَيَعْقُوب الدَّوْرَقِي، عَن يحيى بن سعيد، عَن (يزِيد) بن كيسَان.. الحَدِيث.
وروى إِسْمَاعِيل بن أبي (زِيَاد) عَن جُوَيْبِر، عَن الضَّحَّاك، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: دخلت الْيَهُود على نَبِي الله فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد، صف لنا رَبك، وانسبه لنا فقد وصف نَفسه فِي التَّوْرَاة ونسبها فارتعد رَسُول الله حَتَّى خر مغشيا عَلَيْهِ، فَقَالَ: " كَيفَ تسألونني عَن صفة رَبِّي وَنسبه، وَلَو سَأَلْتُمُونِي أَن أصف لكم الشَّمْس لم أقدر عَلَيْهِ "، فهبط جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، قل لَهُم: الله أحد الله الصَّمد لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد أَي: لَيْسَ بوالد وَلَا بمولود، وَلَيْسَ لَهُ
302
﴿الله الصَّمد (٢) لم يلد وَلم يُولد (٣) ﴾. شَبيه من خلقه ".
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث الشَّيْخ الْعَفِيف أَبُو عَليّ بن بنْدَار بهمدان بِإِسْنَادِهِ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد.. الحَدِيث.
وَفِي بعض (الْأَخْبَار) : أَن سُورَة قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ وَسورَة قل هُوَ الله أَحدهمَا المقشقشتان أَي: تبرئان من الشّرك والنفاق، وَيُقَال: قشقش الْمَرِيض من علته إِذا برأَ، وَسميت السُّورَة سُورَة الْإِخْلَاص لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا وصف الرب عَن اسْمه وَلَيْسَ فِيهَا أَمر وَلَا نهى وَلَا وعد وَلَا وَعِيد.
وَذكر أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي كِتَابه بِرِوَايَة أبي جَعْفَر الرَّازِيّ عَن الرّبيع بن أنس، عَن أبي الْعَالِيَة، عَن أبي بن كَعْب أَن الْمُشْركين قَالُوا: يَا رَسُول الله، انسب لنا رَبك، فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد لم يلد وَلم يُولد﴾ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْء يُولد إِلَّا سيموت، وَلَيْسَ شَيْء يَمُوت إِلَّا سيورث، وَإِن الله لَا يَمُوت وَلَا يُورث، ﴿وَلم يكن لَهُ كفوا أحد﴾ قَالَ: لم يكن لَهُ شَبيه وَلَا عدل، وَلَيْسَ كمثله شَيْء.
303
Icon