تفسير سورة الفلق

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة الفلق من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الفلق، وهي مكية.

قَوْله تَعَالَى: ﴿قل أعوذ بِرَبّ الفلق﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا - وَهُوَ الْأَظْهر -: أَن الفلق هُوَ الصُّبْح، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿فالق الإصباح﴾، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه جَمِيع الْخلق، وَالْقَوْل الثَّالِث: أَنه بَيت فِي النَّار، إِذا فتح بَابه صَاح أهل جَهَنَّم من شدَّة حره، قَالَه كَعْب الحبر، وَالْقَوْل الرَّابِع: جب فِي جَهَنَّم، قَالَه مُجَاهِد.
وَقَوله: ﴿من شَرّ مَا خلق﴾ أَي: من شَرّ جَمِيع مَا خلق.
وَقَوله: ﴿وَمن شَرّ غَاسِق إِذا وَقب﴾ فِيهِ أَقْوَال أَيْضا: أَحدهَا: من شَرّ اللَّيْل إِذا أظلم، فالغاسق هُوَ اللَّيْل، قَالَه الْحسن وَمُجاهد وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة، وَيُقَال: من شَرّ اللَّيْل إِذا أقبل.
يُقَال: وَقب: دخل، وَقيل: أقبل، وَمعنى الِاسْتِعَاذَة من اللَّيْل؛ (لِأَن) فِيهِ يكون تحرّك الهموم وهجوم كل ذِي شَرّ بِقصد، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿وَمن شَرّ غَاسِق إِذا وَقب﴾ هُوَ الْقَمَر، وَفِيه خبر مَعْرُوف روى ابْن أبي ذِئْب، عَن الْحَارِث بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة قَالَت: " أَخذ رَسُول الله بيَدي، وَأَشَارَ إِلَى الْقَمَر وَقَالَ: تعوذي بِاللَّه من شَرّ هَذَا، هُوَ الْغَاسِق إِذا وَقب ".
وَذكره أَبُو عِيسَى
305
﴿وَمن شَرّ النفاثات فِي العقد (٤) وَمن شَرّ حَاسِد إِذا حسد (٥) ﴾. فِي جَامعه وَقَالَ: هُوَ حَدِيث صَحِيح.
قَالَ النّحاس: يجوز أَن تكون الِاسْتِعَاذَة من الْقَمَر، لِأَن قوما أشركوا بِسَبَبِهِ، فنسب إِلَيْهِ الِاسْتِعَاذَة على الْمجَاز.
قَالَ القتيبي: من شَرّ غَاسِق إِذا وَقب: هُوَ الْقَمَر إِذا دخل فِي شاهوره - أَي: فِي غلافه - وَهُوَ إِذا غَابَ.
وَذكر بَعضهم: أَن الِاسْتِعَاذَة من الْقَمَر؛ لِأَن أهل الْبَريَّة يتحينون وَجه الْقَمَر - أَي غروبه - وهم اللُّصُوص وَأهل الشَّرّ وَالْفساد، وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن الْغَاسِق هُوَ الثريا.
وَقَوله: ﴿إِذا وَقب﴾ إِذا غَابَ، وَذكر ذَلِك إِذا غَابَ الثريا ظَهرت العاهات والبلايا، وَإِذا طلع الثريا رفعت العاهات والبلايا.
وَقد ورد عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " إِذا طلع النَّجْم رفعت العاهة عَن كل بلد ".
وَذَلِكَ مثل الوباء والطواعين والأسقام وَمَا يشبهها.
وَقيل: " من شَرّ غَاسِق إِذا وَقب " أَي: من شَرّ الشَّمْس إِذا غربت.
وَذكر النقاش بِإِسْنَادِهِ عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من شَرّ غَاسِق إِذا وَقب: من شَرّ الذّكر إِذا دخل، قَالَ النقاش: فَذكرت ذَلِك لمُحَمد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، وَقلت: هَل يجوز أَن تفسر الْقُرْآن بِهَذَا؟ ! قَالَ: نعم، قَالَ النَّبِي: " أعوذ بك من شَرّ منيى "، وَهُوَ خبر مَعْرُوف، وَهُوَ أَن النَّبِي قَالَ: " أعوذ بك من شَرّ سَمْعِي وَمن شَرّ بَصرِي " فعدد أَشْيَاء، وَقَالَ فِي آخرهَا: وَمن شَرّ منيى ".
306
وَقَوله: ﴿وَمن شَرّ النفاثات فِي العقد﴾ أَي: السواحر، والنفث هُوَ النفخ بالفم،
306
والتفل هُوَ إِذا كَانَ مَعَه ريق.
307
وَقَوله: ﴿وَمن شَرّ حَاسِد إِذا حسد﴾ الْحَسَد هُوَ تمني زَوَال النِّعْمَة عَن الْمُنعم عَلَيْهِ، وَقد ذكرنَا فِي الْحَسَد أَشْيَاء من قبل، وَقيل: من شَرّ حَاسِد إِذا حسد أَي: إِذا ظلم.
وَاعْلَم أَن الْمُفَسّرين قَالُوا: إِن هَذِه السُّورَة وَالَّتِي تَلِيهَا نزلتا حِين سحر النَّبِي، سحره لبيد بن أعصم الْيَهُودِيّ.
والنفاثات فِي العقد يُقَال: إنَّهُنَّ بَنَاته.
وَكَانَ لبيد قد سحر النَّبِي، وَجعل ذَلِك فِي بِئْر (ذِي أروان) (فاعتل) النَّبِي، واشتدت علته وَكَانَ يخيل إِلَيْهِ أَنه يفعل الشَّيْء وَلَا يَفْعَله، ثمَّ إِن جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - أنزل المعوذتين.
وروى أَنه قَالَ لعَائِشَة: " هُنَا [و] أَنا نَائِم نزل عَليّ ملكان، فَقعدَ أَحدهمَا عِنْد رَأْسِي، وَالْآخر عِنْد رجْلي، فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: مَا حَال الرجل؟ فَقَالَ: مطبوب، فَقَالَ: وَمن طبه؟ قَالَ: لبيد بن أعصم الْيَهُودِيّ، فَقَالَ: وَأَيْنَ ذَلِك؟ فَقَالَ: فِي مشط ومشاطة تَحت راعونة فِي بِئْر (ذِي أروان)، ثمَّ إِن النَّبِي بعث علينا، وَقيل: إِنَّه بعث عمارا، وَقيل: بعث أَبَا بكر وَعمر حَتَّى اسْتخْرجُوا ذَلِك السحر، وَأنزل الله تَعَالَى هَاتين السورتين، وَكَانَ على ذَاك الشَّيْء [إِحْدَى عشرَة] عقدَة، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل: اقْرَأ آيَة فانحلت عقدَة، وَكَانَ كلما قَرَأَ آيَة انْحَلَّت عقدَة، حَتَّى انْحَلَّت العقد كلهَا، وَقَامَ النَّبِي كَأَنَّمَا أنشط من عقال ".
307

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿قل أعوذ بِرَبّ النَّاس (١) ملك النَّاس (٢) إِلَه النَّاس (٣) من شَرّ الوسواس الخناس (٤) الَّذِي يوسوس فِي صُدُور النَّاس (٥) من الْجنَّة وَالنَّاس (٦) ﴾.
تَفْسِير سُورَة النَّاس
وَهِي مَدَنِيَّة
308
Icon