تفسير سورة سبأ

الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية
تفسير سورة سورة سبأ من كتاب الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المعروف بـالفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية .
لمؤلفه النخجواني . المتوفي سنة 920 هـ

العقل المنشعب من حضرة علمه المحيط إليهم ليدركوا به احوال مبدئهم ومعادهم
[الآيات]
الْحَمْدُ المحيط المستوعب لجميع المحامد والاثنية الناشئة من ألسنة عموم ما لمع عليه برق الوجود ثابت حاصل لِلَّهِ المستجمع لجميع الأوصاف والأسماء المربية المظهرة لعموم الأشياء الكائنة غيبا وشهادة المالك الَّذِي قد ثبت لَهُ ملكا وتصرفا إظهارا واعداما إبداء واعادة جميع ما فِي السَّماواتِ اى علويات عالم الأسماء والصفات والأعيان الثابتة في الأزل وَكذا جميع ما فِي الْأَرْضِ اى سفليات عالم الطبعة المنعكسة من العلويات وَكذا ما بينهما من الكوائن والفواسد الممتزجة التي قد برزت بنور الوجود على مقتضى الجود الإلهي من مكمن العدم الى فضاء الظهور بعد ما قد ثبت ان الكل منه بدأ في الابتداء وماليه يعود في الانتهاء ثبت لَهُ الْحَمْدُ والثناء الصادر من ألسنة عموم المظاهر المتوجهة نحو المظهر الموجد طوعا لا لغيره من الوسائل والأسباب العادية إذ منتهى الكل اليه فِي الْآخِرَةِ كما ان مبدأه منه في الاولى فله الحمد في الاولى والاخرى وَكيف لا هُوَ الْحَكِيمُ المتقن في أفعاله بالاستقلال بلا شريك وظهير الْخَبِيرُ عن كيفية إيجاد المظاهر وإعدامها أولا وآخرا ازلا وابدا إذ هو سبحانه بمقتضى حضرة علمه المحيط الحضوري
يَعْلَمُ ما يَلِجُ ويدخل فِي الْأَرْضِ اى ظلمة الطبيعة القابلة لفيضان مطلق الاستعدادات الفائضة من المبدأ الفياض وَما يَخْرُجُ مِنْها من المعارف والحقائق الكاملة المختفية فيها بمقتضى تربية مربيها ومظهرها وَكذا يعلم بعلمه الحضوري ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ اى عالم الأسماء الى ارض المظاهر والمسميات من الفيوضات والفتوحات الشاملة المشتملة على انواع الكمالات وَكذا يعلم ما يَعْرُجُ فِيها ويرتقى متصاعدا من المكاشفات والمشاهدات الحاصلة من تلك الفتوحات الهابطة منها على قلوب كمل المظاهر وخلص العباد وَبالجملة هُوَ الرَّحِيمُ لعباده بافاضة انواع الكرامات حسب رحمته الواسعة الْغَفُورُ الستار لذنوب انانياتهم وتعيناتهم الباطلة العاطلة بعد ما رجعوا اليه وتوجهوا نحوه سبحانه تائبين آئبين مخلصين. رزقنا الله الوصول الى محل القبول
وَبعد ما قد اخبر سبحانه بقيام الساعة في كتبه وبألسنه رسله سيما في كتابك يا أكمل الرسل وعلى لسانك قالَ الجاحدون المنكرون الَّذِينَ كَفَرُوا بالحق وستروه بالباطل الزاهق الزائل وكذبوا الرسل وعاندوا معهم سيما معك يا أكمل الرسل مستهزئين متهكمين لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ الموعودة على لسانك ايها المدعى مع انك قد ادعيت الصدق في جميع اخبارك وأقوالك فكيف لا تأتى الساعة التي ادعيت إتيانها واختبرت بها وبوقوعها لعلك قد كذبت وافتريت الى ربك قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما استهزؤا معك ونسبوك الى الكذب والافتراء وأنكروا بإتيان الساعة وقيامها بَلى تأتى الساعة الموعودة علىّ وعلى عموم الرسل والأنبياء بلا شك وريب في إتيانها وقيامها وَبحق رَبِّي القادر المقتدر على انجاز جميع ما وعد به بلا خلف لَتَأْتِيَنَّكُمْ الساعة الموعودة من عنده إذ وعده سبحانه مقضي حتما جزما بلا شائبة شك وطريان غفلة وذهول عليه وسهو إياه وكيف يطرأ عليه سبحانه سهو وذهول مع انه هو بذاته عالِمِ الْغَيْبِ بالعلم المحيط الحضوري بعموم المغيبات حاضرة عنده غير مغيبة عنه إذ لا يَعْزُبُ ولا يغيب عَنْهُ سبحانه وعن حيطة حضرة علمه المحيط مِثْقالُ ذَرَّةٍ ومقدار خردلة لا من الكوائن فِي السَّماواتِ اى العلويات وَلا من الكوائن فِي الْأَرْضِ اى السفليات ولا من المكونات الحادثة بينهما وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ المقدار
وَلا أَكْبَرُ منه إِلَّا وهو مثبت مسطور فِي كِتابٍ مُبِينٍ هو حضرة علمه المحيط ولوح قضائه المحفوظ انما اثبت واحضر الكل في لوح قضائه
لِيَجْزِيَ سبحانه المؤمنين الَّذِينَ آمَنُوا بتوحيده واعترفوا بتصديق رسوله وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ المقربة اليه سبحانه المقبولة عنده خير الجزاء ويعطيهم احسن المواهب والعطاء وبالجملة أُولئِكَ السعداء المقبولون عنده سبحانه المستحقون لانواع الكرامات من لدنه لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لما تقدم من ذنوبهم تفضلا عليهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ صورى في الجنة ومعنوي عند وصولهم الى شرف لقائه بلا كيف واين وبون وبين وجهة ووجهة ومكان وزمان وشأن
وَليجزي سبحانه ايضا أسوأ الجزاء وأشد العذاب والنكال الكافرين الَّذِينَ سَعَوْا واجتهدوا فِي ابطال آياتِنا الدالة على توحيد ذاتنا وكمالات أسمائنا وصفاتنا حال كونهم مُعاجِزِينَ قاصدين عجزنا عن إتيان الآيات البينات منكرين لايجادنا وانزالنا إياها بل لوجودنا في ذاتنا مكذبين لرسلنا الحاملين لوحينا صارفين الناس عن تصديقهم وعن الايمان بنا وبهم وملتهم وبالجملة أُولئِكَ الأشقياء المردودون المبعدون عن روح الله وسعة رحمته المنهمكون في الغىّ والضلال لَهُمْ عَذابٌ عظيم أشد وأسوأ مِنْ كل رِجْزٍ أَلِيمٌ وعقوبة مؤلمة لعظم جرمهم وسعيهم في ابطال آياتنا الناشئة عن كمال قدرتنا ووفور حكمتنا وانما سعوا واجتهدوا في ابطال آياتنا لجهلهم بنا وبها وبما فيها من الهداية العظمى والسعادة الكبرى وعدم تأملهم وتدبرهم في رموزاتها ومكنوناتها لذلك أنكروا بها واجتهدوا في ابطالها وتكذيبها جهلا وعنادا
وَيَرَى يا أكمل الرسل العلماء العرفاء الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ من قبلنا تفضلا منا إياهم المتعلق بان الكتاب الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ تأييدا لشأنك وترويجا لأمرك هُوَ الْحَقَّ المطابق للواقع الحقيق بالمتابعة والإطاعة الثابت نزوله من عندنا بلا ريب وتردد وَكيف لا يكون حقا مع انه هو يَهْدِي بأوامره ونواهيه وتذكيراته المندرجة فيه عموم الضالين المنصرفين عن جادة العدالة إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الغالب القادر المقتدر على انتقام عموم المنحرفين عن منهج الرشد الْحَمِيدِ المستحق في ذاته لجميع المحامد والكرامات لولا تحميد الناس له وتمجيدهم والأفعال المنبئة عن إسقاط عموم الإضافات ورفع مطلق التعينات
وَبعد ما قد سمع المشركون من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم احوال الحشر والنشر والمعاد الجسماني واهوال الفزع الأكبر قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا اى بعضهم لبعض على سبيل الاستهزاء والتهكم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستفهمين مستنكرين متعجبين هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يعنون الرسول صلّى الله عليه وسلّم وانما نكروه لاستبعادهم قوله وانكارهم على مقوله وانما يتحدثون بينهم به لغرابته يُنَبِّئُكُمْ بالمحال العجيب ويخبركم بالممتنع الغريب معتقدا إمكانه بل جازما بوقوعه ووجوده وهو انكم إِذا مُزِّقْتُمْ وفرقتم كُلَّ مُمَزَّقٍ يعنى تمزيقا وتفريقا بليغا وتشتيتا شديدا بحيث قد صرتم هباء فذهب بكم الرياح إِنَّكُمْ بعد ما صرتم كذلك لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ على النحو الذي كنتم عليه في حياتكم قبل موتكم بلا تفاوت كتجدد الاعراض بأمثالها وبعد ما قد سمعتم قوله كيف تتفكرون في شأنه وهو يدّعى النبوة والرسالة والوحى اليه من عند الله العليم الحكيم مع انه قد صدر عنه أمثال هذه المستحيلات واىّ شيء تظنون في امره وشأنه هذا
أَفْتَرى وكذب عن عمد ونسبه عَلَى اللَّهِ كَذِباً تغريرا وتلبيسا على ضعفاء الأنام ليقبلوا منه أمثال هذه الخرافات الباطلة ويعتقدوه رسولا مخبرا عن المغيبات وعجائب الأمور
وغرائبه أَمْ بِهِ جِنَّةٌ خبط واختلال قد عرض دماغه فأفسده فيتكلم بأمثال هذه الهذيانات هفوة بلا قصد وشعور بها كما يتكلم بأمثالها سائر المجانين وسماها وحيا وإلهاما تغريرا وإلزاما. ثم لما بالغ المشركون المفرطون في قدحه وطعنه صلّى الله عليه وسلّم وتجهيله وتخبيطه رد الله عليهم بانه لا افتراء ولا مراء في كلامه صلّى الله عليه وسلّم وفي مطلق اخباره ولا خبط ولا اختلال في عقله ولا جنون له بل هو صلّى الله عليه وسلّم من اعقل الناس وارشدهم وابعدهم عن الافتراء والمراء وأسلمهم عن الكذب وسائر الآراء والأهواء ومن عموم الكدورات الطبيعية مطلقا بَلِ الكافرون الضالون المفرطون الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ولا يعتقدون بالأمور التي قد اخبر الله بها وبوقوعها فيها ولا يصدقون بها ولا يمتثلون بما نطق به الكتب والرسل مطلقا هم يخلدون في النشأة الاخرى فِي الْعَذابِ المؤبد المخلد وَهم متوغلون في الضَّلالِ الْبَعِيدِ عن الهداية بمراحل ابد الآبدين ولا نجاة لهم منها وبالجملة من شدة غيهم وضلالهم تكلموا بأمثال هذه الهذيانات الباطلة سيما بالنسبة الى من هو منزه عن أمثالها مطلقا عنادا ومكابرة. ثم أشار سبحانه الى كمال قدرته سبحانه واقتداره على انتقام عموم المكذبين ليوم الحشر والجزاء والمفترين على رسوله على سبيل المراء من الخبط والجنون وغير ذلك من الأمور التي لا يليق بشأنه صلّى الله عليه وسلّم فقال مستفهما على سبيل التقريع والتوبيخ
أَهم قد عموا وفقدوا لوازم أبصارهم وبصائرهم اى أولئك المعاندون المفرطون فَلَمْ يَرَوْا ولم ينظروا ولم يبصروا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ المحيطة بهم خلفا ووراء وَالْأَرْضِ الممهدة لهم بين أيديهم يتمكنون عليها ويتنعمون بمستخرجاتها ومما نزل عليها من السماء وعالم الأسباب ولم يتفكروا ولم يتأملوا ان احياء الموتى أهون من خلق الأرض والسموات العلى والقدرة على ايجادهما أكمل من القدرة على اعادة المعدوم فينكرون قدرتنا عليها مع انهم قد رأوا وشاهدوا منا أمثال هذه المقدورات العظام ولم يخافوا عن بطشنا وانتقامنا ولم يعلموا انا من مقام قهرنا وجلالنا إِنْ نَشَأْ إهلاكهم واستئصالهم نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ كما قد خسفنا على قارون وأمثاله أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً بالتحريك والتسكين على القرائتين اى قطعا مِنَ السَّماءِ فنهلكهم بها إِنَّ فِي ذلِكَ البيان على وجه التقريع والتعيير لَآيَةً دالة على قدرتنا وقهرنا على انتقام من خرج عن ربقة عبوديتنا لِكُلِّ عَبْدٍ تحقق بمقام العبودية وفوض أموره كلها إلينا مُنِيبٍ رجع نحونا هاربا من مقتضيات قهرنا وجلالنا وبعد ما قد عرفت ان الكل منا بدأ وبحولنا وقوتنا ظهر ولاح وقد عاد ايضا كما بدأ إذ منا المبدأ وإلينا المنتهى وليس سوانا مقصد ومرمى
وَمن كمال قدرتنا وفور حولنا وحكمتنا لَقَدْ آتَيْنا عبدنا داوُدَ المتحقق بمقام الخلافة والنيابة والحكومة التامة مِنَّا فَضْلًا له وامتنانا عليه مما لم نتفضل بأمثاله الى سائر الأنبياء وهو انا قد أمرنا عموم الجمادات والحيوانات بإطاعته وانقياده الى ان قلنا مناديا لها يا جِبالُ أَوِّبِي ورجعي مَعَهُ التسبيح وسيرى معه حيث سار ولا تخرجي عن حكمه وامره فانقادت له الجبال بحيث متى سبح سمع منها التسبيح والتذكير والى حيث سار قد سارت معه وَكذا قد سخرنا له الطَّيْرَ وصارت تنقاد لحكمه وامره كسائر العقلاء فيحكم عليها ويأمر لها ما شاء وأراد فامتثلت هي بامره واطاعت بحكمه بلا منع وإباء وَمن جملة ما قد فضلنا عليه انا قد أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ بلا نار ومطرقة حيث جعلناه لينا في يده كالشمعة كان يبدله كيف يشاء
بلا تعب ومشقة وبعد ما قد ألنا له الحديد أمرنا له
أَنِ اعْمَلْ يا داود بارشادنا وتعليمنا سابِغاتٍ دروعات واسعات وَقَدِّرْ ضيق وكثف فِي السَّرْدِ والنسج بقدر الحاجة بحيث لا يمكن مرور السهام والنصال عنها أصلا وَبعد ما قد آتيناه واتباعه الملك والولاية التامة والنبوة العامة فضلا منا إياه وامتنانا له اصالة ولاتباعه تبعا قلنا لهم تعليما وإرشادا اعْمَلُوا يا آل داود عملا صالِحاً من الأعمال والأخلاق مقبولا عندي مرضيا لدىّ إِنِّي بمقتضى حضرة علمي واطلاعى بِما تَعْمَلُونَ من عموم الأعمال ناقد بَصِيرٌ انقد كلا منها اقبل صالحها وارد فاسدها
وَمن مقام فضلنا وجودنا قد سخرنا لِسُلَيْمانَ بن داود عليهما السلام الرِّيحَ العاصفة وجعلناها مسخرة تحت حكمه وتصرفه بحيث تحمل كرسىّ سليمان وهو عليه عليه السلام وجنوده عليها وتسير حيث أشار وشاء غُدُوُّها شَهْرٌ يعنى جريها في الغداة مسيرة شهر وَرَواحُها ورجوعها ايضا شَهْرٌ كذلك وَمع ذلك قد أَسَلْنا وأذبنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ اى النحاس فذاب في معدنه ونبع منها نبوع العيون الجارية في كل شهر ثلاثة ايام قيل اكثر ما في الناس من النحاس من ذلك وَسخرنا له ايضا عناية منا إياه مِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ مقهورا تحت حكمه وتصرفه بِإِذْنِ رَبِّهِ قد أمرهم سبحانه بإطاعتهم وانقيادهم إياه بحيث لم ينصرفوا ولم يستنكفوا عن حكمه أصلا وَقد شرط معهم سبحانه تأكيدا لاطاعتهم إياه انه مَنْ يَزِغْ اى يعدل ويمل مِنْهُمْ اى من الجن عَنْ أَمْرِنا وحكمنا المبرم المحكم عليهم وهو اطاعتهم نبينا سليمان عليه السلام نُذِقْهُ في هذه النشأة مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ إذ قد وكل سبحانه على الجن ملكا بيده سوط من نار فمن مال منهم عن حكم سليمان ضربه بها فأحرقه ولا يراه الجنى لذلك قد صاروا مقهورين تحت حكمه وأمرهم عليه السلام ما شاء بحيث
يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ مساجد لطيفة وحصون حصينة واماكن منيعة انما سمى بها لأنها قد يحارب عليها ويلتجأ إليها من الشدة ولدى الحاجة. ومن جملة ما قد عملوا له من المساجد الحصينة العجيبة بيت المقدس في غاية الحسن والبهاء ونهاية المنعة والدفاع ولم يزل على عمارته عليه السلام الى ان قد خربه بختنصر وَتَماثِيلَ هي الصور من زجاج ورخام ونحاس وصفر وشبهه فكانوا يعملون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في البقاع الشريفة والمساجد والمعابد ترغيبا للناس في دخولها والعبادة فيها وتنشيطا لهم وقد عملوا له عليه السلام في أسفل كرسيه أسدين وفي فوقه نسرين فإذا أراد الصعود عليه بسط له الأسدان ذراعيهما فارتقى وإذا تمكن عليه اظله النسران بجناحيهما وحرمة التصاوير شرع مجدد وَجِفانٍ اى يعملون له من صحاف عظيمة وقصاع كبيرة وسيعة كَالْجَوابِ والحياض الكبار ومن غاية كبرها يقعد على كل جفنة عند الاكل ألف رجل وَقُدُورٍ راسِياتٍ ثابتات على اثافيهن بحيث لا تنزل عنها لغاية ثقلها وكبرها قيل اثافيها متصلة بها وكان يرتقى إليها ويؤخذ منها ما فيها بالسلاليم وبعد ما قد اعطى آل داود من الجاه والثروة العظيمة ما لم يعط أحدا من العالمين قيل لهم من قبل الحق تنبيها عليهم وحثا لهم على مواظبة الشكر ومداومة الرجوع نحو المفضل الكريم اعْمَلُوا يا آلَ داوُدَ عملا صالحا مرضيا عند الله ولا سيما الشكر اشكروا له شُكْراً مستوعبا لعموم جوارحكم وجوانحكم وفي جميع أوقاتكم وحالاتكم بحيث لا يشذ عنكم نفس ووقت لم يصدر عنكم فيها شكر وَاعلموا انكم وان بالغتم في أداء شكر نعم الله وحقوق كرمه
وبلغتم المرتبة القصوى منه ما أديتم حق شكره إذ قَلِيلٌ نزير يسير في غاية القلة مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ لأنه وان استوفى واستوفر في ادائه بحيث يستوعب عموم أركانه وجوارحه وجوانحه وجميع خواطره وهواجس نفسه وسره ونجواه في عموم أوقاته وساعاته ومع ذلك لا يوفى حقه إذ توفيقه واقداره سبحانه عليه ايضا نعمة اخرى مستحقة للشكر مستدعية إياه وهلم جرا لا الى نهاية ولذا قيل الشكور من يرى نفسه عاجزا عن الشكر إذ لا يمكن الإتيان به على وجه لا يترتب عليه نعمة اخرى مستلزمة لشكر آخر. ثم لما كان داود عليه السلام قد أسس بيت المقدس في موضع فسطاط موسى عليه السلام فمات قبل إتمامه فوصى بإتمامه الى سليمان عليه السلام فاستعمل الجن فيه فلم يتم ايضا إذ قد اخبر عليه السلام من قبل الحق باجله فتغمم غما شديدا لعدم إتمامه البيت فأراد ان يعمى ويستر على الجن موته ليتموه فأمرهم ان يعملوا له صرحا من قوارير له باب فعملوا صرحا كذلك فدخل عليه على مقتضى عادته المستمرة من التحنث والتخلي للعبادة شهرا وشهرين وسنة وسنتين فاشتغل بالصلاة متكئا على عصاه فقبض وهو متكئ عليها فبقى كذلك حتى ان أكلت الارضة عصاه فخر ثم فتحوا عنه وأرادوا ان يعرفوا وقت موته فوضعوا الارضة على العصا فأكلت يوما وليلة مقدارا منها فقاسوا على ذلك فعلموا انه قد مات منذ سنة وكان عمره حينئذ ثلاثا وخمسين سنة وملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة وابتدأ لعمارة البيت لأربع مضين من ملكه وقد اخبر سبحانه في كتابه على هذا الوجه الذي مضى وأوجزه فقال
فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ على سليمان عليه السلام الْمَوْتَ فأخبرناه بموته فدعا نحونا بان نعمى على الجن امر موته حتى يتموا عمارة البيت فأعميناهم موته الى ان قد تمت ثم ما دَلَّهُمْ وما هداهم واشعرهم عَلى مَوْتِهِ وما أخبرهم عنه إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ اى الارضة تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ اى عصاه التي هو متكئ عليها فَلَمَّا اكلتها وانكسرت عصاه خَرَّ وسقط عليه السلام على الأرض فحينئذ قد تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ وظهر دونهم وانكشف امر موته عليهم وعلموا بعد ما التبس الأمر عليهم في موته بخروره وسقوطه فظهر حينئذ للانس ان الجن لم يكونوا من المطلعين على عموم الغيوب على ما زعموا في حقهم لأنهم لو كانوا مطلعين الغيب لعلموا موته أول مرة ولم يعلموا مع أَنْ اى ان الجن لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مطلقا لعلموا امر موته حين وقوعه ولو علموا ما لَبِثُوا وما استقروا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ الذي هو العمل المتضمن لانواع المتاعب والمشاق مع انهم لم يرضوا به لكنهم لبثوا وعملوا سنة بعد موته فظهر انهم ما كانوا عالمين بالغيوب كلها وبعد ما قد ذكر سبحانه قصة آل داود وسليمان ومواظبتهم على شكر نعم الله وأداء حقوق كرمه اردفه سبحانه بكفران اهل سبأ على نعمه سبحانه وانكارهم على حقوق كرمه فقال
لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ اى لأولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان فِي مَسْكَنِهِمْ ومواضع سكناهم وهي باليمن يقال لها مأرب بقرب صنعاء مسيرة ثلاثة مراحل آيَةٌ عظيمة ونعمة جسيمة دالة على كمال معطيها وموجدها وعلى اتصافه بالأوصاف الكاملة والأسماء الحسنى الشاملة وهي جَنَّتانِ حافتان محيطتان عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ اى جنة عجيبة عن يمين بلدهم واخرى عن يسارهم وبعد ما قد أعطيناهم هاتين الجنتين العظيمتين المشتملتين على غرائب صنايعنا وبدائع مخترعاتنا قلنا لهم على طريق الإلهام كُلُوا ايها المتنعمون المتفضلون من عندنا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ الذي رباكم بأنواع الكرامات وَاشْكُرُوا لَهُ نعمه وواظبوا على أداء حقوق كرمه مع ان بلدتكم التي أنتم تسكنون فيها بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ماء وهواء بريئة عن مطلق
المؤذيات وَايضا ربكم الذي رباكم فيها بأنواع النعم رَبٌّ غَفُورٌ ستار عليكم عموم فرطاتكم بعد ما اخلصتم في شكر نعمه وأداء حقوق كرمه وبعد ما قد نبهنا عليهم بشكر النعم وبالمداومة عليه لم يتنبهوا ولم يتفطنوا بل قد استكبروا
فَأَعْرَضُوا عن الشكر واشتغلوا بأنواع الكفران والإنكار على المفضل المنان والمكرم الديان وبعد ما انصرفوا عنادا عن شكر نعمنا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وهي الحجارة المركومة بالجص والنورة وانواع التدبيرات والترصيعات المحكمة للابنية والأساس وذلك انه قد كان لهم سد قد بنته بلقيس بين الجبلين وقد جعلت لها ثلاث كوات بعضها فوق بعض وقد بنت ايضا دونها بركة عظيمة فإذا جاء المطر اجتمع إليها مياه او ديتهم فاحتبس السيل من وراء السد فيفتح الكوة العليا عند الاحتياج ثم الثانية الوسطى ثم الثالثة السفلى فلا ينفد ماؤها الى السنة القابلة فلما طغوا وكفروا لنعم الله بعد ما أمروا بالشكر على ألسنة الرسل قيل قد أرسل الله إليهم ثلاثة عشر نبيا فكذبوا الكل وأنكروا لهم ولهذا قد سلط الله على سدهم الجرد قيل نوع من الفأرة فنقبت في أسفل السد بالهام الله إياها فسال الماء فغرقت جنتهم ودفنت بيوتهم في الرمل وقد كان ذلك من غضب الله عليهم على كفرانهم نعمه وَبعد ما قد اعرضوا عن شكرنا وأرسلنا عليهم من السيل ما أرسلنا بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ المذكورتين المشابهتين للجنة الموعودة الاخروية جَنَّتَيْنِ أخريين سماهما سبحانه جنتين على سبيل التهكم والاستهزاء ذَواتَيْ أُكُلٍ وثمر خَمْطٍ بشيع سمج كزقوم اهل النار وَذواتي أَثْلٍ طرفاء لا ثمر لها ولا ظل وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ نبق قَلِيلٍ النفع والفائدة إذ لا يسمن ولا يغنى من جوع وبالجملة
ذلِكَ الجزاء الذي قد جَزَيْناهُمْ من تبديل النعمة عليهم نقمة والجنة جحيما واللذة ألما والفرح ترحا والمنح محنة بِما كَفَرُوا اى كل ذلك بشؤم كفرهم وكفرانهم على نعمنا وغيهم وطغيانهم على رسلنا وكما بدلوا الشكر بالكفران قد بدلنا عليهم الجنان بالنيران والحرمان وانواع الخيبة والخسران وَبالجملة هَلْ نُجازِي بضم النون وكسر الزاى وما ننتقم بأمثال هذا الجزاء إِلَّا الْكَفُورَ المعرض المتناهي في الاعراض عن شكر نعمنا الجاحد على حقوق لطفنا وكرمنا المبالغ في ستر الحق المصر على اظهار الباطل الزاهق الزائل
وَمن كمال لطفنا وجودنا إياهم قد جَعَلْنا بَيْنَهُمْ اى بين بلاد اهل سبأ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي قد بارَكْنا فِيها وكثرنا الخير على ساكنيها بتوسعة الأرزاق والفواكه والمتاجر ألا وهي ارض الشأم قُرىً ظاهِرَةً متواصلة متظاهرة يرى كل منها عن الاخرى مترادفة متتالية على متن الطريق تسهيلا لهم ليتجروا نحوها بلا كلفة وتعب وَقد قَدَّرْنا لهم فِيهَا السَّيْرَ اى في تلك القرى المترادفة على قدر مقيلهم ومبيتهم غاديا ورايحا بحيث لا يحتاجون الى حمل زاد وماء لقرب المنازل والخصب والسعة. وبعد ما قد أعطيناهم هذه الكرامات قلنا لهم على ألسنة الرسل المبعوثين إليهم او إلهاما لهم على قلوبهم بلسان الحال سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً على التعاقب والتوالي حيث شئتم لحوائجكم ومتاجركم آمِنِينَ من عموم المؤذيات مصونين من مكر الأعداء شاكرين على عموم الآلاء والنعماء غير كافرين عليها وبعد ما توجه الفقراء الى ديارهم وازدحموا حولها لغاية الخصب والرفاهية والمعيشة الوسيعة وسهولة الطريق
فَقالُوا باثين شكواهم عند الله من مزاحمة الفقراء وكثرة إلمامهم عليهم كافرين على نعمة التوسعة والسهولة رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ منازل أَسْفارِنا حتى نحتاج الى حمل الزاد وشد الرواحل والعقل ليشق الأمر
على الفقراء فيتنحوا عنا ولا يزدحموا علينا وَبالجملة قد ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بطلب هذا التعب فأجاب الله دعاءهم وخرب القرى التي بينهم وبين الشأم وانصرف الفقراء عنهم وانقطع دعاؤهم لهم فاشتد الأمر عليهم وتشتتوا في البلاد ولم يبق عليهم شيء من الخصب والتوسعة بل قد صاروا متشتتين متفرقين فَجَعَلْناهُمْ اى قصة امنهم ورفاهيتهم وجمعيتهم بعد ما قد عكسنا الأمر عليهم أَحادِيثَ لمن بعدهم يتحدثون بينهم متعجبين قائلين على سبيل التحسر في أمثالهم قد تفرق أيدي سبأ وَبالجملة قد مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ يعنى فرقناهم في البلاد تفريقا كليا الى حيث قد لحق غسان منهم بالشأم وانمار بيثرب وجذام بتهامة والأزد بعمان إِنَّ فِي ذلِكَ التبديل والتشديد والتشتيت وانواع المحن والنقم بعد النعم لَآياتٍ دلائل واضحات على قدرة العليم الحكيم القادر المقتدر على انواع الانعام والانتقام لِكُلِّ صَبَّارٍ على المتاعب والمشاق الواردة عليه حسب ما ثبت له في لوح القضاء الإلهي ومضى على الرضا بمقتضيات تقدير العليم الحكيم شَكُورٍ لنعم الله الفائضة عليه مواظبا على أداء حقوقها. ثم قال سبحانه مقسما
وَالله لَقَدْ صَدَّقَ بالتشديد والتخفيف عَلَيْهِمْ اى على هؤلاء الهالكين في تيه الخسران والكفران إِبْلِيسُ العدوّ لهم المصرّ المستمر على عداوتهم من بدء فطرتهم ظَنَّهُ الذي قد ظن بهم حين قال لأبيهم آدم لأحتنكن ذريته الا قليلا وقال ولا تجد أكثرهم شاكرين وقال ايضا ولأضلنهم ولأمنينهم الى غير ذلك وبعد ما أضلهم عن طريق الشكر والايمان فَاتَّبَعُوهُ وكفروا النعم والمنعم جميعا إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الموقنين بتوحيد الله المصدقين لرسله المتذكرين لعداوة إبليس وخصومته المستمرة فانصرفوا عنه وعن إضلاله فبقوا سالمين عن غوائله
وَالعجب كل العجب انهم قد اتبعوا له وقبلوا اغراءه واغراءه وتغريره مع انه ما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ حجة قاطعة قاهرة ملجئة لهم الى متابعته وقبول وسوسته من قبله بل من قبلنا ايضا وبالجملة ما ابتلينا وأغرينا هؤلاء الغواة البغاة الطغاة بمتابعته لعنه الله إِلَّا لِنَعْلَمَ نميز ونظهر تفرقة مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ وبجميع المعتقدات الاخروية التي قد اخبر الله بها وفصلها مِمَّنْ هُوَ مِنْها اى من النشأة الآخرة والأمور الكائنة فيها فِي شَكٍّ تردد وارتياب ولهذه التفرقة والتميز اتبعناهم اليه لعنه الله وَلا تستبعد يا أكمل الرسل أمثال هذه الابتلاءات والاختبارات من الله إذ رَبُّكَ الذي قد رباك على الهداية العامة والرشد التام عَلى كُلِّ شَيْءٍ من مقدوراته ومراداته الكائنة والتي ستكون والجارية على سرائر عباده وضمائرهم والتي ستجرى حَفِيظٌ شهيد لا يغيب عنه ايمان مؤمن وكفر كافر وشك شاك واخلاص مخلص. وبعد ما قد اثبت المشركون المصرون على كفران نعم الله أمثال هؤلاء الغواة المذكورين آلهة سوى الله سبحانه وسموهم شفعاء وعبدوا لهم مثل عبادته سبحانه
قُلِ لهم يا أكمل الرسل إلزاما وتبكيتا ادْعُوا ايها الضالون المشركون آلهتكم الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنتم وأثبتم مِنْ دُونِ اللَّهِ ليستجيبوا لكم في مهماتكم ويستجلبوا لكم المنافع ويدفعوا عنكم المضار كما هو شأن الألوهية والربوبية وكيف تدعونهم لأمثال هذه المهام مع انهم في أنفسهم لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ من الخير والشر والنفع والضر لا فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ لا استقلالا إذ هم ليسوا في أنفسهم قابلين للالوهية وَلا مشاركة إذ ما لَهُمْ فِيهِما وفي خلقهما وايجادهما مِنْ شِرْكٍ ومشاركة مع الله الواحد الأحد الفرد الصمد في ألوهيته وربوبيته بل هم من جملة مخلوقاته سبحانه
بل من أدونها وَلا شك انه لا شركة للمخلوق المرذول مع خالقه ولا مظاهرة ايضا إذ ما لَهُ سبحانه مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ يعنى لا منهم ولا من غيرهم ايضا معاون له في ألوهيته وربوبيته إذ هو سبحانه مستقل في عموم تصرفاته منزه عن المعاونة والمظاهرة مطلقا
وَكذلك ليس لهم عنده سبحانه شفاعة مقبولة حتى يشفعوا لهم ويخلصوهم عن عذاب الله بعد ما قد حل ونزل عليهم إذ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ سبحانه من احد من عباده إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ
سبحانه بالشفاعة لغيره عنده عز وجل لاتصافه بالشرف والكمال كنبينا عليه السلام واذن لبعض العصاة بشفاعة الغير له من الشرفاء المأذونين لاستحقاقه بالكرامة والمرحمة في علم الله وان كان منغمسا بالرذالة والمعصية طول عمره وبعد ما وقعت الشفاعة واذن بها من عنده سبحانه لا بد وان ينتظر الشافعون والمشفعون بعد وقوعها وجلين خائفين مهابة وخوفا من سطوة سلطنة صفات جلاله سبحانه حَتَّى إِذا فُزِّعَ وكشف الفزع وأزيل الخوف والوجل عَنْ قُلُوبِهِمْ اى قلوب الشافعين والمشفعين والمشفوعين قالُوا اى بعضهم لبعض او المشفعون للشافعين ماذا قالَ رَبُّكُمْ في جواب شفاعتكم لنا أيقبلها أم يردّها قالُوا اى الشفعاء القول الْحَقَّ الثابت عنده المرضى دونه وهو سبحانه قد قبل شفاعتنا في حقكم وقد أزال عنكم عذابه بفضله ولطفه وَكيف لا يخافون من الله ولا يهابون من ساحة عز حضوره إذ هُوَ سبحانه الْعَلِيُّ ذاته وشأنه المقصور المنحصر على العلو الأعلى ولا أعلى الا هو الْكَبِيرُ حسب أوصافه وأسمائه إذ الكبرياء رداؤه والعظمة إزاره لا يسع لأحد ان يتردى بردائه ويتأزر بإزاره سواه سبحانه
قُلْ لهم ايضا على سبيل التبكيت والإلزام مقرعا إياهم مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ اى عالم الأسباب وَالْأَرْضِ اى عالم المسببات فيبهتون البتة عن سؤالك هذا قُلْ يا أكمل الرسل بعد ما بهتوا اللَّهُ إذ هو متعين للجواب وان سكتوا عنه عنادا او تلعثموا مخافة الإلزام والافحام الا انهم قد اضمروا في قلوبهم هذا إذ لا جواب لهم سواه ولا رازق في الوجود الا هو ولا معطى غيره وَبعد ما قد بهتوا وانخسروا واستولى الحيرة والقلق عليهم قل لهم على سبيل المجاراة والمداراة إِنَّا يعنى نحن فرق الموحدين أَوْ إِيَّاكُمْ يعنى أنتم فرق المشركين اى كل منا ومنكم لَعَلى هُدىً اى على منهج الصدق والصواب الموصل الى الحق المطابق للواقع أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ظاهر انحرافه موصل الى الباطل الزاهق الزائل المضاد للحق الحقيق بالمتابعة والانقياد فتربصوا وانتظروا أنتم بنا كما نتربص نحن بكم ثم
قُلْ لهم ايضا على سبيل المجاراة والمبالغة في المداراة معهم بحيث تسند الجريمة والمعصية الى انفسكم والعمل إليهم مبالغة في الإسكات والتبكيت لا تُسْئَلُونَ أنتم عَمَّا أَجْرَمْنا وجئنا به من الآثام والمعاصي وَكذا لا نُسْئَلُ نحن ايضا عَمَّا تَعْمَلُونَ من الأعمال بل كل منا ومنكم رهين بما اكتسبنا من العمل فعليكم ما حملتم وعلينا ما حملنا ثم
قُلْ يا أكمل الرسل إياهم ايضا على طريق الملاينة والملاطفة في الإلزام والتبكيت يَجْمَعُ بَيْنَنا وبينكم رَبُّنا وربكم يوم نحشر اليه ونعرض عليه جميعا ثُمَّ يَفْتَحُ يحكم ويفصل بَيْنَنا ويرفع عنا نزاعنا بِالْحَقِّ والعدل السوى بلا حيف وميل إذ لا يتصور هذا في شأنه سبحانه فحينئذ يساق المحقون الى الجنة والمبطلون الى النار وَكيف لا يحكم ولا يفصل ولا يفتح سبحانه مع انه هُوَ الْفَتَّاحُ الكشاف لمعضلات الأمور ولمغلقات مطلق القضايا والاحكام الْعَلِيمُ الذي
يكتنه عنده كل معلوم ولا يشتبه عليه شيء من المحسوس والمفهوم
قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما قد أشبعت الكلام الدال على اسكاتهم وإلزامهم أَرُونِيَ وأخبروني ايها المشركون المفرطون الآلهة الباطلة الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ سبحانه وادعيتموهم أنتم من تلقاء انفسكم شُرَكاءَ معه سبحانه مستحقين للعبادة مثله ظلما وعدوانا وأخبروني عن أخص اوصافهم التي بها يستحقون الألوهية والعبودية لا تأمل ايضا في شأنهم وأتدبر في حقهم حتى ظهر عندي ولاح لدى ايضا استحقاقهم للشركة في الألوهية والربوبية. ثم رد عليهم سبحانه ردعا لهم وزجرا عليهم عماهم عليه وإرشادا لهم الى ما هو الحق الحقيق بالاتباع فقال كَلَّا اى ارتدعوا ارتداعا بليغا ايها المشركون المسرفون المفرطون عن دعوى الشركة مع الله الواحد الأحد الصمد الفرد الوتر الذي ليس له شريك ولا نظير ولا وزير ولا ظهير مطلقا بَلْ هُوَ اللَّهُ الواحد الأحد المستقل بالالوهية والربوبية بل في الوجود والتحقق الْعَزِيزُ الغالب القادر القاهر على من دونه من الاظلال والأشباح الهالكة المستهلكة في شمس ذاته المتشعشعة المتجلية حسب شئون أسمائه وصفاته الْحَكِيمُ المتقن في أفعاله المترتبة على علمه المحيط وارادته الكاملة وقدرته الشاملة يفعل ما يشاء ارادة واختيارا ويحكم ما يريد استقلالا وانفرادا ليس لاحد ان يتصرف في ملكه وملكوته او يدعى الشركة معه او المظاهرة والمعاونة. تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا
وَبعد ما قد ثبت ان لا معبود في الوجود سوانا ولا مستحق للعبادة غيرنا فاعلم يا أكمل الرسل انا ما أَرْسَلْناكَ بعد ما قد انتخبناك من بين البرايا واصطفيناك لأمر الرسالة إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ يعنى الا رسالة عامة تامة شاملة لقاطبة الأنام لتكفهم أنت عن جميع الآثام وتمنعهم عن مقتضيات نفوسهم ومشتهيات قلوبهم مما يعوقهم عن سبيل السلامة وطرق الاستقامة وبعد ما قد أرسلناك إليهم هكذا قد صيرناك عليهم بَشِيراً تبشرهم بدرجات الجنان والفوز بلقاء الرحمن وَنَذِيراً تنذرهم وتبعدهم عن دركات النيران ولحوق انواع العذاب والخذلان فيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ المجبولين على الكفران والنسيان لا يَعْلَمُونَ حكمة الإرسال والإرشاد والهداية الى سبيل الصواب والسداد ولذلك عاندوا معك يا أكمل الرسل وكذبوك وأنكروا بكتابك وبجميع ما جئت به من عندنا عنادا ومكابرة
وَمن شدة انكارهم وعنادهم يَقُولُونَ لك يا أكمل الرسل منكرين ومتهكمين بعد ما قد وعدتهم بقيام الساعة وبعث الموتى من قبورهم وحشر الأموات من الأجداث مَتى هذَا الْوَعْدُ الذي قد وعدتنا به عينوا لنا وقت وقوع الموعود إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في وعدكم ودعواكم هذه يعنون بالخطاب رسول الله صلّى الله عليه والمؤمنين جميعا
قُلْ يا أكمل الرسل في جوابهم بعد ما اقترحوا على سبيل الإنكار قد يأتى ويبادر لَكُمْ ايها المنكرون للبعث بغتة مِيعادُ يَوْمٍ اى وعده وزمانه بحيث لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ يعنى لا يسع لكم متى فاجأتكم الساعة الموعودة ان تطلبوا التأخر عنه آنا ولحظة او التقدم عليه طرفة ولمحة وبالجملة قيام الساعة مثل حلول الأجل فكما إذا حل عليكم اجلكم لا يمكنكم طلب التقديم والتأخير فكذلك قيام الساعة إذا حل عليكم لا يمكنكم هذا ولذا قيل الموت هو القيامة الصغرى وقال صلّى الله عليه وسلّم من مات فقد قامت قيامته
وَمن كمال غيظ المشركين معك يا أكمل الرسل وشدة انكارهم على كتابك بسبب اشتماله على الأوامر والنواهي الشاقة والتكليفات الشديدة وكذا بواسطة ما اخبر فيه من قيام الساعة واهوال الفزع الأكبر والطامة الكبرى
قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ستروا الحق واعرضوا عن مقتضاه لَنْ نُؤْمِنَ ولن نصدق ابدا نحن بِهذَا الْقُرْآنِ المفترى وبما فيه من الإنذارات والتخويفات سيما حشر الأجساد واعادة المعدوم بعينه وَلا نصدق ايضا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ من الكتب السالفة المشتملة على ذكر القيامة وغيرها وذلك انهم قد فتشوا من احبار اليهود والنصارى ومن جميع من انزل إليهم الكتب والصحف فسمعوا منهم جملة انه قد ذكر في كتابهم نعت محمد صلّى الله عليه وسلم وحليته ووصف كتابه ايضا وذكر الحشر والنشر وعموم المعتقدات الاخروية لذلك قد بالغوا في تكذيب الكتب الإلهية رأسا وصرفوا الناس ايضا عن تصديقها والايمان بها وبمن انزل إليهم سيما بالقرآن وبمحمد ﷺ وَلَوْ تَرى ايها الرائي لرأيت امرا فظيعا فجيعا وقت إِذِ الظَّالِمُونَ الخارجون عن ربقة العبودية بتكذيب الرسل وانكار الكتب وما فيها من احوال النشأة الاخرى سيما القرآن ومحمد صلّى الله عليه وسلم مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ محبوسون للعرض والحساب قد يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يعنى يتحاورون فيما بينهم ويتراجعون في الأقوال ويتلاومون ويتلاعنون فيها حيث يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا من الاتباع والخدمة المتسمين بذل التبعية والفرعية لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا من المتبوعين المتعززين بعزّ الثروة والرياسة لَوْلا أَنْتُمْ موجودون مقتدون بيننا لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ مهتدين موقنين بتوحيد الله مصدقين لكتبه ورسله وبجميع ما جرى على ألسنة الرسل والكتب ثم
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا اى المتبوعون المتعظمون بعز الثروة والرياسة وبشرف الجاه والسيادة لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا اى للاتباع والسفلة أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى يعنى لم نكن نحن صادين صارفين لكم عن الايمان بالرسل والكتب بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ الرسل بالكتب المشتملة على الهدى والبينات ودعوكم الى الايمان بل نحن حينئذ ما صددنا وصرفنا الا أنفسنا بلا تغرير وتضليل منا إياكم بَلْ كُنْتُمْ حينئذ مُجْرِمِينَ تاركين الايمان والهداية تقليدا علينا بلا صد منا وذب من قبلنا
وَقالَ الاتباع الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لم يكن اضلالكم وتغريركم علينا منحصرا في الصد والذب باللسان والأركان بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ يعنى مكركم وخداعكم في تضليلنا قد كان دائما مستوعبا للأيام والليالى وليس مخصوصا بوقت دون وقت لأنكم رؤساء بيننا اصحاب الثروة والجاه فينا فتخدعون بنا قولا وفعلا وقد مالت قلوبنا الى ما أنتم عليه إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وبتوحيده وننكر رسله وكتبه وَنَجْعَلَ لَهُ اى نثبت ونعتقد لله الواحد الأحد الصمد المنزه عن الشريك مطلقا أَنْداداً شركاء معه سبحانه في استحقاق العبادة والإطاعة والتوجه والرجوع في مطلق الخطوب والمهام وَبالجملة هم قد أَسَرُّوا اى أظهروا او اخفوا النَّدامَةَ على ما قد فات عنهم يعنى لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ النازل عليهم بشؤم ما صدر عنهم في النشأة الاولى أظهروا الندامة تحسرا وتحزنا او اخفوها مخافة التعيير والتقريع وَبعد ما أردنا تعذيبهم قد جَعَلْنَا الْأَغْلالَ الممثلة لهم من تعديهم وظلمهم بالخروج عن مقتضى الحدود الإلهية فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا بوحدة الحق واثبتوا له أندادا وأنكروا لعموم رسله وكتبه تابعين ومتبوعين ضالين ومضلين وقلنا لهم حينئذ توبيخا وتقريعا هَلْ يُجْزَوْنَ ما يعذبون هؤلاء البعداء من ساحة عز القبول إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ يعنى بمقتضى أعمالهم وأفعالهم وبحسبها وطبقها بمقتضى العدل الإلهي
وَكيف لا نأخذهم بشؤم أعمالهم وأفعالهم إذ ما أَرْسَلْنا وما بعثنا فِي قَرْيَةٍ من القرى الهالكة مِنْ نَذِيرٍ من النذر المبعوثين لإصلاح مفاسدهم
إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها ورؤساؤها ومتنعموها للرسل من فرط عتوهم وعنادهم اتكاء على ما عندهم من الجاه والثروة على سبيل التأكيد والمبالغة إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وبعموم ما قد جئتم لأجله ايها المدعون للرسالة والهداية والدعوة العامة واقامة الحدود بين الأنام كافِرُونَ جاحدون منكرون لا نقبل منكم أمثال هذه الخرافات
وَقالُوا مفتخرين بما عندهم من الجاه والثروة نَحْنُ اولى وأحرى بما ادعيتم من الرسالة والنبوة منكم إذ نحن أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وبالأموال نقتنص عموم المطالب والآمال وبمظاهرة الأولاد ندفع كل ملمة ومكروه وَبالجملة ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ لا في الدنيا لما سمعت من كرامة الأموال والأولاد ولا في الآخرة ايضا ان فرض وقوعها لأنا قوم أكرمنا الله في الدنيا فكذا يكرمنا فيها
قُلْ يا أكمل الرسل بعد ما بالغوا في الافتخار والمباهات بما عندهم من حطام الدنيا ومتاعها إِنَّ رَبِّي القادر المقتدر على انواع الانعام والانتقام يَبْسُطُ ويكثر الرِّزْقَ الصوري الدنيوي لِمَنْ يَشاءُ من عباده اختبارا لهم وابتلاء وَيَقْدِرُ اى يقل ويقبض عمن يشاء تيسيرا له وتسهيلا عليه حسابه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ المجبولين على السهو والنسيان لا يَعْلَمُونَ حكمة قبضه وبسطه سبحانه كذلك يفرحون بوجوده ويحزنون بعدمه ولم يتفطنوا ان وجوده يورث حزنا طويلا وعذابا أليما وعدمه يورث انواع الكرامات ونيل المثوبات ورفع الدرجات. ثم قال سبحانه تقريعا على المفتخرين بالأموال والأولاد
وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ ايها المغرورون بهما المحرومون عن اللذات الاخروية بسببهما ان تكونا وسيلتين وواسطتين بِالَّتِي اى بالخصلة الحسنى التي تُقَرِّبُكُمْ ايها المأمورون بالتقرب إلينا بالأعمال المقبولة عِنْدَنا زُلْفى يعنى تقريبا مطلوبا لكم مصلحا لأعمالكم وأحوالكم ومواجيدكم إِلَّا مَنْ آمَنَ منكم ايها المتمولون المتكثرون للأولاد وأيقن بتوحيده سبحانه وصدق رسله وكتبه وَمع ذلك قد عَمِلَ عملا صالِحاً مقبولا مرضيا عند الله متقربا به اليه سبحانه بان أنفق ماله في سبيل الله بلا من ولا أذى طلبا لمرضاته او علم أولاده علم التوحيد والاحكام وكذا علم العقائد المتعلقة بدين الإسلام فَأُولئِكَ السعداء المتمولون المقبولون عند الله المبسوطون من عنده بالرزق الصوري في هذه النشأة لَهُمْ في النشأة الاخرى جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا يعنى جزاؤهم من الرزق المعنوي في النشأة الاخرى بأضعاف ما استحقوا بأعمالهم الدنيوية الى العشرة بل الى ما شاء الله من الكثرة وَبالجملة هُمْ فِي الْغُرُفاتِ المعدة لأهل الجنة آمِنُونَ مصونون محفوظون عن جميع المؤذيات والمكروهات. ثم قال سبحانه
وَالكافرون المنكرون المكذبون لرسلنا وكتبنا الَّذِينَ يَسْعَوْنَ ويجتهدون فِي قدح آياتِنا الدالة على عظمة ذاتنا وكمالات أسمائنا وصفاتنا وعلى مطلق الاحكام الشرعية الجارية بين عبادنا المتعلقة لأحوالهم في النشأتين حال كونهم مُعاجِزِينَ ساعين قاصدين عجزنا عن اقامة حدودنا بين عبادنا واتخاذنا العهود والمواثيق منهم وعن وضع التكاليف والاحكام والآداب بينهم وبالجملة أُولئِكَ البعداء الطاعنون لآياتنا الكبرى الغافلون عن فوائدها العظمى فِي الْعَذابِ المؤبد المخلد مُحْضَرُونَ لا يتحولون منه ولا يغيبون عنه أصلا
قُلْ يا أكمل الرسل للمسرفين المنحرفين عن جادة العدالة الإلهية متكئين بما عندهم من الأموال والأولاد الفانية الزائلة مفتخرين بها تفوقا وتبجحا إِنَّ رَبِّي العليم المطلع على عموم استعدادات عباده الحكيم المتقن في افاضة ما يليق بهم يَبْسُطُ الرِّزْقَ يزيد ويفيض الصوري لِمَنْ يَشاءُ
مِنْ عِبادِهِ
تارة بمقتضى مشيته ومراده وَيَقْدِرُ لَهُ اى ينقص ويقبض الرزق عنه تارة اخرى ارادة واختيارا على حسب حكمته ومصلحته التي قد استأثر بها في غيبه وحضرة علمه المحيط وَبعد ما قد سمعتم هذا اعلموا ايها المبسوطون المنعمون ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ مما قد استخلفكم الله سبحانه عليه من الرزق وأمركم بإنفاقه على فقرائه فَهُوَ سبحانه يُخْلِفُهُ ويعوض عنه بأضعافه وآلافه على وفق الحكمة ان صدر عنكم الانفاق في النشأة الاولى بالاعتدال بلا تبذير وتقتير وَكيف لا يخلف الرزق الصوري سبحانه لخلص عباده مع انه هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ بالرزق الصوري والمعنوي لعباده الخلص وهذا للمخلصين له عن مقتضيات بشريتهم ومشتهيات أهويتهم البهيمية
وَاذكر يا أكمل الرسل لمن عبد الملائكة واتخذوهم أربابا من دون الله مستحقين للعبادة والرجوع في الملمات مثله سبحانه وسموهم شفعاء يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ في المحشر جَمِيعاً العابدين والمعبودين ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ على رؤس الاشهاد تفضيحا للعابدين وتقريعا لهم أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ يعنى أهؤلاء المشركون المسرفون يعبدون إياكم ايها الملائكة كعبادتى بل يخصونكم بالعبادة ويهتمون بشأنكم مزيد اهتمام هل تستعبدونهم أنتم وتسترضون بعبادتهم وتوالون معهم أم هم يعبدونكم من تلقاء أنفسهم
قالُوا اى الملائكة خائفين من بطشه سبحانه مستحيين منه متضرعين نحو جنابه سُبْحانَكَ ننزهك يا مولانا عما لا يليق بشأنك أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ وأنت المراقب علينا المطلع على سرائرنا وضمائرنا المتولى لعموم ما قد صدر عنا وبالجملة أنت تعلم واعلم منا يا مولانا ان لا موالاة بيننا وبينهم إذ لا يخفى عليك خافية ومن اين يسع لنا ويتأتى منا الرضا بأمثال هذه الجرأة والجريمة العظيمة وأنت اعلم ايضا بمعبوداتهم التي قد اتخذوها وأخذوها هؤلاء الغواة الطغاة الهالكون في تيه الجهل والغفلة بعلو شأنك وبشأن الوهيتك وربوبيتك بَلْ هم قد كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ اى الشياطين الداعين لهم الى عبادتهم الراضين منهم بعد ما قيدوا لهم إذ هم قد يتمثلون بصور الملائكة ويدعون الألوهية والربوبية لأنفسهم ويأمرونهم بالعبادة بل أَكْثَرُهُمْ اى كل المشركين وعموم المتخذين لله أندادا بِهِمْ مُؤْمِنُونَ اى بالشياطين وباغوائهم واغرائهم وتغريرهم عابدون لهم متوجهون نحوهم في عموم مهامهم
فَالْيَوْمَ تبلى السرائر وظهر ما في الضمائر وقد لاح سلطان الوحدة الذاتية وانقهر الاظلال والأغيار وظهر ان الأمور كلها مفوضة اليه سبحانه وان كان قبل ذلك ايضا كذلك وقد علمتم الآن انه لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ ايها الاظلال المستهلكة في شمس الذات لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا لا جلبا ولا دفعا ولا لطفا ولا قهرا وَبعد ما قد انقطع عنهم التصرف مطلقا ولم يبق لهم الاختيار لا صورة ولا معنى ولا حقيقة ولا مجازا نَقُولُ بمقتضى قهرنا وجلالنا لِلَّذِينَ ظَلَمُوا وخرجوا عن ربقة عبوديتنا ومقتضيات حدودنا الموضوعة لا صلاح احوال عبادنا ذُوقُوا ايها الضالون المنهمكون في بحر العدوان والطغيان عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ في النشأة الاولى سيما قد أخبرتم على ألسنة الرسل والكتب
وَكيف لا نقول لهم ما نقول إذ هم قد كانوا من عدوانهم وظلمهم على الله ورسله وكتبه إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا الدالة على إصلاح أحوالهم المتعلقة بالنشأتين مع كونها بَيِّناتٍ في الدلالة على أهم مقاصدهم ومطالبهم لو كانوا من ذوى الرشد والهداية قالُوا من شدة شكيمتهم وغيظهم على رسول الله ما هذا المدعى للرسالة والنبوة يعنون الرسول صلّى الله عليه وسلم
إِلَّا رَجُلٌ حقير مستبد برأيه مستبدع امرا من تلقاء نفسه يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ ويصرفكم عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ ويستتبعكم بل يستعبدكم بأمثال هذا التلبيس والتغرير وَقالُوا ايضا في حق القرآن ما هذا الذي جاء به إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وكذب مختلق غير مطابق للواقع قد افتراه على الله تلبيسا وتغريرا على ضعفاء الأنام وَبالجملة قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ الصريح وستروه بالباطل عدوانا وعنادا لَمَّا جاءَهُمْ وحين عاينوا به وعلموا انه من الخوارق العجيبة وقد اضطروا عن معاوضته خائبين حائرين عن جميع طرق الرد والمنع غير انهم نسبوه الى السحر وقالوا إِنْ هذا ما هذا الذي سماه قرآنا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ظاهر سحريته عظيم اعجازه. ثم أشار سبحانه الى غاية تجهيل المشركين ونهاية تسفيههم فقال
وَما آتَيْناهُمْ وما أنزلنا عليهم مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وفيها دليل الإشراك واثبات الآلهة بل كل الكتب والصحف انما هي منزلة على طريق التوحيد وبيان سلوكه وَكذلك ما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ يا أكمل الرسل مِنْ نَذِيرٍ ينذرهم عن التوحيد ويدعوهم الى الشرك المنافى له ثم أشار سبحانه الى تسلية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتهديدهم بالبطش والأخذ فقال
وَكما كذب هؤلاء المكذبون بك يا أكمل الرسل وبكتابك كذلك قد كَذَّبَ الَّذِينَ مضوا مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم رسلهم وقد أنكروا الكتب المنزلة إليهم أمثالهم بل وَهم اى هؤلاء الغواة المكذبون لك يا أكمل الرسل ما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ وعشر ما قد أعطينا لأولئك المكذبين الماضين من الجاه والثروة والامتعة الدنياوية وطول العمر فَكَذَّبُوا رُسُلِي فأخذناهم مع كمال قوتهم وشوكتهم فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ إنكاري وانتقامي إياهم بالتدمير والهلاك بسبب انكارهم وظهورهم على رسلي وكتبي بالتكذيب والاستخفاف نستأخذ هؤلاء المكذبين ايضا ونستأصلهم بأشد من ذلك
قُلْ يا أكمل الرسل بعد ما قد بلغ إلزامهم وتهديدهم غايته إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ يعنى ما اذكر لكم وما أنبه عليكم الا بخصلة واحدة كريمة وهي أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ وحده وتوحدوه عن وصمة الكثرة مطلقا وتواظبوا على أداء الأعمال الصالحة المقربة اليه المقبولة عنده سبحانه وتخلصوها لوجهه الكريم بلا شوب شركة ولوث كثرة وخباثة رعونة ورياء وسمعة وعجب وخديعة وتسترشدوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلم مَثْنى اثنين اثنين وَفُرادى واحدا واحدا يعنى متفرقين بلا زحام مشوش للخاطر مخلط للأقوال والأصوات عنده صلّى الله عليه وسلّم حتى يظهر لكم شأنه صلّى الله عليه وسلّم ويتبين دونكم برهانه ثُمَّ بعد ما ترددتم عليه صلّى الله عليه وسلّم على سبيل التعاقب والتفريق تَتَفَكَّرُوا وتتأملوا فيما لاح عليكم منه صلّى الله عليه وسلّم وتتدبروا حق التأمل والتدبر على وجه الإنصاف معرضين عن الجدل والاعتساف لينكشف لكم ويظهر دونكم انه ما بِصاحِبِكُمْ يعنى محمدا صلّى الله عليه وسلم مِنْ جِنَّةٍ جنون وخبط يعرضه ويطرأ عليه هو يحمله على ادعاء الرسالة بلا برهان واضح يتضح له وينكشف دونه كما زعم في حقه صلّى الله عليه وسلّم مشركوا اهل مكة خذلهم الله كي يفتضح على رؤس الاشهاد كما نشاهد من متشيخة زماننا احسن الله أحوالهم أمثال هذه الخرافات والمزخرفات بلا سند ومستند واضح صريح سوى التلبيس والتدليس الذي هو من شيم إبليس وبعد ما لم يساعدهم البرهان والكرامة افتضحوا بأصناف اللوم والملامة وهو صلّى الله عليه وسلّم مع كمال عقله ورزانة رأيه ومتانة حكمته كيف يختار ما هو سبب الشنعة والافتضاح تعالى شأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عما
يقول في حقه الظالمون علوا كبيرا او المعنى ثم بعد ما جلستم عنده صلّى الله عليه وسلّم على الوجه وتكلمتم معه على طريق الإنصاف تتفكروا وتتأملوا هل تجدونه صلّى الله عليه وسلّم معروضا للخبط والجنون أم للأمر السماوي الباعث له صلّى الله على اظهار أمثال هذه الحكم والاحكام والعبر والأمثال التي قد عجزت دونها فحول العقلاء وجماهير الفصحاء والبلغاء البالغين أقصى نهاية الإدراك مع وفور دواعيهم بمعارضتها والتحدي معها بل إِنْ هُوَ وما هذا الرسول المرسل إليكم المؤيد بالبراهين الواضحة والمعجزات اللائحة المثبتة لرسالته إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ من قبل الحق بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ يعنى قبيل وقدام يوم القيامة المعدة لانواع العذاب والنكال على عصاة العباد وان اتهموك يا أكمل الرسل بأخذ الأجر والجعل على أداء الرسالة وتبليغ الاحكام بل قد حصروا ادعاك الرسالة ودعوتك على هذا فقط
قُلْ لهم على سبيل الإسكات والإلزام ما سَأَلْتُكُمْ عنكم شيأ من الجعل أصلا وان فرض انى سألت منكم شيأ فاعلموا ان ما سألتكم مِنْ أَجْرٍ على إرشادكم وتكميلكم فَهُوَ لَكُمْ اى هو هبة موهوبة لكم من قبلي مردودة عليكم منى وبالجملة إِنْ أَجْرِيَ وما جعلى على تحمل هذه المشاق والمتاعب الواردة على في تبليغ الرسالة واظهار الدعوة إِلَّا عَلَى اللَّهِ الذي قد أرسلني بالحق وبعثني بالصدق على الصدق وهو المراقب المطلع على عموم أحوالي الحكيم المتقن بافاضة ما ينبغي ويليق بشأنى وحالي وَكيف لا يطلع سبحانه على احوال عباده إذ هُوَ بذاته عَلى كُلِّ شَيْءٍ ظهر من الموجودات ولاح عليه لمعة الوجود وبروق التجليات شَهِيدٌ حاضر دونه غير بعيد عنه ومغيب عليه
قُلْ يا أكمل الرسل بعد ما قد تمادى مراء اهل الضلال وتطاول جدالهم لا أبالي باستهدائكم واسترشادكم ولا أبالغ في تكميلكم ورشادكم بل إِنَّ رَبِّي العليم باستعدادات عباده الحكيم بافاضة الايمان والعرفان على من أراد هدايته وإرشاده يَقْذِفُ بِالْحَقِّ اى يلقيه وينزل على قلوب عباده الذين قد جبلهم على فطرة الإسلام واستعدادات التوحيد والعرفان إذ هو سبحانه عَلَّامُ الْغُيُوبِ يعلم استعدادات عموم عباده وقابلياتهم على قبول الحق ويميزهم عن اهل الزيغ والضلال المجبولين على الغواية الفطرية والجهل
قُلْ يا أكمل الرسل بعد ما قد بينت لهم طريق الحق كلاما ناشئا عن محض الحكمة خاليا عن وصمة الكذب مطلقا قد جاءَ الْحَقُّ الحقيق بالاتباع وظهر الإسلام الجدير للاطاعة والتسليم فلكم ان تغتنموا الفرصة وتنقادوا له مخلصين وَنبههم يا أكمل الرسل ايضا انه بعد ما قد ظهر نور الإسلام وعلا قدره وارتفع شأنه ما يُبْدِئُ الْباطِلُ الذي قد زهق واضمحل ظلمته بنور الإسلام وغار مناره في مهاوي الجهل واغوار النسيان أصلا وَقد صار بحيث ما يُعِيدُ ابدا في حين من الأحيان فسبحان من اظهر نور الإسلام ورفع اعلامه وقمع الكفر واخفض اصنامه. ثم لما طعن المشركون على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعيروه بانك قد تركت دين آبائك واخترعت دينا من تلقاء نفسك فقد ضللت باختيارك هذا وبتركك ذاك عن منهج الرشد وسبيل السداد رد الله سبحانه عليهم قولهم هذا وتعييرهم آمرا للنبي على وجه الامتنان
قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما قد عيروك وطعنوا في شأنك ودينك إِنْ ضَلَلْتُ انا وانحرفت عن سبيل السلامة وجادة الاستقامة فَإِنَّما أَضِلُّ وانحرف عَلى نَفْسِي بمقتضى اهويتها ومشتهياتها وبشؤم لذاتها وشهواتها وَإِنِ اهْتَدَيْتُ الى التوحيد والعرفان ونلت الى اسباب درجات الجنان فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي بسبب وحيه والهامه على
وامتنانه بأنواع الهداية والكرامات وبأصناف اللذات الروحانية والمكاشفات والمشاهدات وبالجملة إِنَّهُ سبحانه سَمِيعٌ قَرِيبٌ يسمع عموم مناجاتي ويقضى جميع حاجاتي على وجهها ان تعلق ارادته ومشيته بها بعد ما قد جرى وثبت في حضرة علمه ومضى عليها قضاؤه في لوح المحفوظ بحيث لا يفوته شيء
وَمن غاية قرب الله سبحانه لعباده لَوْ تَرى ايها المعتبر الرائي وقت إِذْ فَزِعُوا يعنى الكفرة والمشركين وقت حلول الأجل ونزول العذاب عليهم في يوم الساعة لرأيت امرا فظيعا فَلا فَوْتَ يعنى حين لا فوت لهم عن الله ولا غيبة عنده سبحانه لا منهم ولا من أعمالهم وأحوالهم شيء وَان تحصنوا بالحصون الحصينة والقلاع المنيعة المتينة والبروج المشيدة بل أُخِذُوا حيثما كانوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ من الله ولو كانوا في قعر الأرض او قلل الجبال او في قلب الصخرة الصماء او فوق السموات العلى وفي أى مكان من الأمكنة المخفية وبالجملة قد أخذوا من مكان قريب بالنسبة اليه سبحانه إذ هو سبحانه منزه عن مطلق الأماكن شهيد حاضر في جميعها غير مغيب عنها
وَبعد ما قد اضطروا الى الموت والهلاك او العذاب في يوم الجزاء قالُوا حين انقرض وقت الايمان وقد مضى أوانه آمَنَّا بِهِ اى بمحمد صلّى الله عليه وسلم وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ يعنى من أين يتأتى ويحصل لهم تناول الايمان وتلافيه وتداركه يومئذ سيما قد صاروا مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ بمراحل عن الايمان إذ قد انقرض مدة التكليف والاختبار وزمان التلافي والتدارك
وَحين كانوا قريبا له قادرا على تناوله وتعاطيه لم يختاروه ولم يتصفوا به بل قَدْ كَفَرُوا بِهِ صلّى الله عليه وسلّم وأنكروا على دينه وكتابه مِنْ قَبْلُ في النشأة الاولى او في الصحة وحين الدعوة يعنى قبل ما عاينوا بالعذاب والهلاك وَهم قد كانوا في زمان الايمان به صلّى الله عليه وسلّم وبكتابه يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ يعنى يرمونه صلّى الله عليه وسلّم ويرجمونه رجما بالغيب ويقولون في شأنه على سبيل التخمين والحسبان عدوانا وظلما انه شاعر كاهن مجنون ويقولون في شأن كتابه انه كلام المجانين وأساطير الأولين مع ان أمثال هذه الخرافات بالنسبة اليه صلّى الله عليه وسلّم والى كتابه مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ بمراحل عن شأنه العظيم وعن شأن كتابه الكريم وبالجملة ايمانهم في حالة اضطرارهم ابعد عن محل القبول بمراحل ايضا
وَبعد ما قد ايسوا عن قبول الايمان وقت الاضطرار قد حِيلَ وحجب بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ من الايمان والنجاة المترتبة عليه ففعل بهم حينئذ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ أحزابهم وأشباههم مِنْ قَبْلُ من الكفرة الماضين الهالكين الملتجئين الى الايمان وقت اضطرارهم وهجوم العذاب عليهم كفرعون وقارون وهامان وغيرهم إِنَّهُمْ قد كانُوا أمثال هؤلاء الغواة المنهمكين فِي شَكٍّ تردد وغفلة مُرِيبٍ موقع أصحابه في ريب عظيم وكفر شديد وانكار غليظ. أعاذنا الله وعموم عباده عن أمثاله بمنه وكرمه
خاتمة سورة السبأ
عليك ايها السالك المتدرج في درجات اليقين من العلم الى العين ثم الى الحق وفقك الله أعلى مطالبك واعانك على إنجاحها ان تتمكن في مقعد الصدق الذي هو مرتبة الرضاء معرضا عن الشك والتردد في مقتضيات القضاء ومبرمات الاحكام المثبتة في حضرة العلم المحيط الإلهي وان تتوجه نحوه سبحانه في حالاتك متشبثا بذيل كرم نبيه المؤيد من عنده سبحانه الذي أرشدك الى توحيده الذاتي مسترشدا
Icon