تفسير سورة الذاريات

أحكام القرآن للجصاص
تفسير سورة سورة الذاريات من كتاب أحكام القرآن المعروف بـأحكام القرآن للجصاص .
لمؤلفه الجصَّاص . المتوفي سنة 370 هـ

بِهِ وَالصَّلَاةُ تَشْتَمِلُ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَأَذْكَارٍ هِيَ تَنْزِيهٌ لِلَّهِ تَعَالَى آخِرُ سُورَةِ ق.
سورة الذاريات

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قَوْله تَعَالَى كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَالضَّحَّاكُ الْهُجُوعُ النَّوْمُ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانُوا أَقَلَّ لَيْلَةٍ تَمُرُّ عَلَيْهِمْ إلَّا صَلَّوْا فِيهَا وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ لَا يَنَامُونَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عبد الله أقل لَيْلَةٌ تَأْتِي عَلَيْهِمْ لَا يُصَلُّونَ فِيهَا إمَّا مِنْ أَوَّلِهَا وَإِمَّا مِنْ أَوْسَطِهَا وَقَالَ مُجَاهِدٌ كَانُوا لَا يَنَامُونَ كُلَّ اللَّيْلِ وَرَوَى قَتَادَةُ عن أنس قال كانوا ينتفلون بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَرَوَى أَبُو حَيْوَة عَنْ الْحَسَنِ قَالَ كَانُوا يُطِيلُونَ الصَّلَاةَ بِاللَّيْلِ وَإِذَا سَجَدُوا اسْتَغْفِرُوا وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ كَانُوا لَا يَنَامُونَ عَنْ الْعَتَمَةِ يَنْتَظِرُونَهَا لِوَقْتِهَا كَأَنَّهُ جَعَلَ هُجُوعَهُمْ قَلِيلًا فِي جَنْبِ يَقَظَتِهِمْ لِصَلَاةِ الْعَتَمَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ كَانَتْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَرْضًا فَنَسَخَ فَرْضَهَا بِمَا نَزَلَ فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ وَرَغَّبَ فِيهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَارٌ فِي فَضْلِهَا وَالتَّرْغِيبِ فِيهَا
وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ فِي اللَّيْلِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ فِيهَا بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ
وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ قُلْت لِأَبِي ذَرٍّ أَيُّ صَلَاةِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ نِصْفُ اللَّيْلِ وَقَلِيلٌ فَاعِلُهُ
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى صَلَاةُ دَاوُد كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيُصَلِّي ثُلُثَ اللَّيْلِ وَيَنَامُ سُدُسَ اللَّيْلِ
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ قال ما يرقدون وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قَالَ مَدُّوا الصَّلَاةَ إلَى السَّحَرِ ثُمَّ جَلَسُوا فِي الدُّعَاءِ وَالِاسْتِكَانَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ
وقَوْله تَعَالَى وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي تَأْوِيلِهِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ هُوَ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ وَاجِبٌ فِي الْمَالِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ وَقَالَ ابْنُ سيرين وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ قَالَ الصَّدَقَةُ حَقٌّ مَعْلُومٌ وَرَوَى حَجَّاجٌ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ نَسَخَتْ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ وَالْحَجَّاجُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مِثْلَهُ وَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ عَنْهُ مَا يَحْتَجُّ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ
فَرَوَى طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قِصَّةَ الرَّجُلِ الَّذِي
294
سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا عَلَيْهِ فَذَكَرَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ شَيْءٌ غَيْر هَذَا قَالَ لَا
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْك فِيهِ
وَرَوَى دَرَّاجٌ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَدَّيْت زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْت الْحَقَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْك
فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ يَحْتَجُّ بِهَا مَنْ تَأَوَّلَ حَقًّا مَعْلُومًا عَلَى الزَّكَاةِ وَأَنَّهُ لَا حَقَّ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ غَيْرُهَا وَاحْتَجَّ ابْنُ سِيرِينَ بِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقٌّ مَعْلُومٌ وَسَائِرُ الْحُقُوقِ الَّتِي يُوجِبُهَا مُخَالِفُوهُ لَيْسَتْ بِمَعْلُومَةٍ وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ فِيهِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ بِمَا
رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ فَتَلَا لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
الْآيَةَ فَذَكَرَ الزَّكَاةَ فِي نَسَقِ التِّلَاوَةِ بَعْدَ قوله وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ وَيَحْتَجُّونَ أَيْضًا
بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا فِي عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا إلَّا بَرَزَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَطَأُهُ بِأَخْفَافِهَا وَذَكَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَمَا حَقُّهَا قَالَ تَمْنَحُ الْغَزِيرَةَ وَتُعْطِي الْكَرِيمَةَ وَتَحْمِلُ عَلَى الظَّهْرِ وَتَسْقِي اللَّبَنَ
وَفِي حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَقُّهَا قَالَ إطْرَاقُ فَحْلِهَا وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا وَمِنْحَتِهَا وَحَلْبُهَا عَلَى الْمَاءِ وَحَمْلٌ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ انْتَهَيْت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَلَمَّا رَآنِي مُقْبِلًا قَالَ هُمْ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ هُمْ الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا إلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا حَثَا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ مَا مِنْ رِجْلٍ يَمُوتُ وَيَتْرُكُ إبِلًا لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا إلَّا جَاءَتْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَأُهُ بِأَخْفَافِهَا كُلَّمَا بَعُدَتْ أُخْرَاهَا أُعِيدَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ هَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ وَفِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ مَا يَلْزَمُ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى وَالِدَيْهِ إذَا كَانَا فَقِيرَيْنِ وَعَلَى ذَوِي أَرْحَامِهِ وَمَا يَلْزَمُ من إطعام الْمُضْطَرِّ وَحَمْلُ الْمُنْقَطِعِ بِهِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذلك من الحقوق اللازمة عند ما يَعْرِضُ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وقَوْله تَعَالَى لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ قال ابن عباس رواية عائشة وابن المسيب ومجاهد رواية عطاء وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالنَّخَعِيُّ وَعِكْرِمَةُ الْمَحْرُومُ الْمُحَارَفُ وَقَالَ الْحَسَنُ الْمَحْرُومُ الَّذِي يَطْلُبُ فَلَا يُرْزَقُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رِوَايَةً وَمُجَاهِدٌ الْمَحْرُومُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْإِسْلَام سَهْمٌ وَفِي لَفْظٍ آخَرَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ وَقَالَ عكرمة الذي لا ينموا
295
Icon