تفسير سورة القيامة

التفسير الحديث
تفسير سورة سورة القيامة من كتاب التفسير الحديث .
لمؤلفه دروزة . المتوفي سنة 1404 هـ
سورة القيامة
في السورة توكيد لمجيء يوم القيامة وبرهنة على قدرة الله على بعث الناس، وتنبيه لهم بأن أعمالهم محصاة، وبيان لمصائرهم حسب سلوكهم. وتنديد باستغراق من يستغرق في الحياة ويهمل واجباته نحو الله والناس. وفيها آيات تتصل بظروف الوحي القرآني وتحتوي دلالة خطيرة في سوره. وأسلوب آياتها يمكن أن يعتبر عرضا عاما وإنذارا وتبشيرا وتنديدا عاما أيضا.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ لا أقسم بيوم القيامة( ١ ) ولا أقسم بالنفس اللوامة١ ( ٢ ) أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه( ٣ ) بلى قادرين على أن نسوي بنانه٢ ( ٤ ) بل يريد الإنسان ليفجر أمامه٣ ( ٥ ) يسأل أيان يوم القيامة( ٦ ) ﴾ [ ١-٦ ].
في الآيات قسم رباني مقدر الجواب، وهو توكيد البعث والقيامة وتكذيب الإنسان فيما يظنه من عدم قدرة الله على جمع عظامه وتساؤله تساؤل المنكر الجاحد عن يوم القيامة الموعود. فالله الذي سوّى بنانه العجيب الصنع بعظامه الصغيرة وتكوينه الدقيق قادر على ذلك. وجحوده إنما هو بسبيل رغبته في الاستمرار فيما هو فيه من إثم وفجور، دون أن يخشى العواقب الوخيمة.
وأسلوب القسم مما هو متكرر في القرآن، وقد سبق مثله في سورة التكوير وعلقنا عليه بما فيه الكفاية.
وقد قال بعض المفسرين : إن المناسبة بين يوم القيامة وبين النفس اللوامة قد تكون فيما يظهر من الآثمين الجاحدين من ندم وحسرة وتلوم في ذلك اليوم. وفي القول وجاهة قد تدعمها آيات عديدة حكت ما سوف يكون من الجاحدين والمجرمين من ندم وحسرة يوم القيامة مثل آية سورة الأنعام هذه :﴿ قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون٣١ ﴾ ومثل آية سورة سبأ هذه :﴿ وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون٣٣ ﴾.
ولقد روى البغوي أن الآيات نزلت في عدي بن ربيعة الذي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن القيامة، فلما بين له أمرها قال له : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أومن بك. أو يجمع الله العظام ؟
والرواية محتملة، وفيها صورة لما كان يقع بين النبي صلى الله عليه وسلم والجاحدين من محاورات. وقد اقتضت حكمة التنزيل أن تحكي بأسلوب منسوب إلى الإنسان مطلقا ؛ لأن أكثرية الناس كانوا جاحدين إلا أن مضمونه يدل على أن ذلك حكاية موقف الجاحد ليوم البعث والحساب فقط. أما المؤمن بذلك الذي يزعه إيمانه عن الفجور، ويسوقه إلى العمل الصالح فهو خارج عن متناول التنديد الذي تضمنته وفي الفصل الأخير من السورة تأييد لذلك.
وواضح أن الآيات في تنديدها وتكذيبها وتوكيدها تستهدف بالإضافة إلى تقرير الحقيقة الإيمانية وهي البعث تنبيه السامعين الجاحدين إلى وجوب الارعواء والارتداع، لأن بعثهم وحسابهم حقيقة لا تتحمل ريبا. فوعد الله بذلك صادق واقع وهو قادر عليه.
تعليق على محاولة ربط البنان بفن بصمات الأصابع
الحديث، وعلى محاولة استخراج النظريات
الفنية الحديثة من العبارات القرآنية بصورة عامة
وبمناسبة ورود كلمة البنان في الآيات نذكر أننا كنا قرأنا مقالا أرد كاتبه أن يجعل صلة بين اختصاص البنان بالذكر، وبين ما ظهر حديثا من علم بصمات الأصابع، وما صار له من خطورة في إثبات شخصيات الناس، وتمشيا مع الفكرة التي سادت بعض الناس من استخراج النظريات العلمية والفنية والكونية من الكلمات والآيات القرآنية للتدليل على صدق القرآن وإعجازه. ومعجزات الله المشار إليها فيه، وفي هذا في اعتقادنا تحميل لكلمات القرآن وآياته غير ما تتحمل وإخراج له من نطاق قدسيته وغايته التي هي هداية البشر إلى أسباب سعادتهم ونجاتهم.
وفي كل كبيرة وصغيرة وجليلة ودقيقة من خلق الله وملكوته، وفي عالم الحياة والجماد من الدقة والإتقان ما يبعث الذهول في النفس ويملأها بالدهشة، وليس البنان وتكوينه إلا نقطة من محيط عظيم، وعدم التشابه بعد ليس محصورا في أصابع اليد وبصماتها لا هو شامل لكل أعضاء الناش وأشكالهم وصورهم ! بل ليس هو خاصا بالبشر، وإنما هو شامل لمخلوقات الله عز وجل على اختلافها، وكل ما هنالك أن الذهن البشري اهتدى إلى طريقة تسجيل البصمة للدلالة على الشخصية فانتشرت لأنها سهلة، واختصاص البنان بالذكر ليس بدعا في القرآن يستلزم استنتاج أمور خاصة منه، فقد جرت حكمة التنزيل القرآني على اختصاص شؤون بالذكر دون شؤون، وأعمال دون أعمال، وأخلاق دون أخلاق في معرض العظة والتذكير والإنذار والتبشير دون أن يكون الشيء المختص بالذكر هو الأهم والأخطر دائمان، وقد مر من ذلك أمثلة نبهنا إليها.
ويستشهد بعضهم للتدليل على هذا المذهب ببعض آيات القرآن، ومنها آية سورة فصلت هذه :﴿ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أن على كل شيء شهيد٥٣ ﴾ ومنها آيات سورة الذاريات هذه :﴿ وفي الأرض آيات للموقنين٢٠ وفي أنفسكم أفلا تبصرون٢١ ﴾ وليس في الآيات ما يؤيد مذهبهم في تطبيق الآيات والإشارات القرآنية على ما يظهر من نواميس الكون والأنفس التي لم تكن معروفة. وهي تخاطب السامعين الجاحدين للرسالة النبوية وتنذرهم. والآية التي تلي آية سورة فصلت تنطوي على دليل حاسم على ذلك وهي :﴿ ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط٥٤ ﴾ وكذلك الأمر في الآيات التي تلت آيات سورة الذاريات.
وواضح من هذا أنه ليس من مانع من الاستشهاد بالعبارة القرآنية على ما في الكون من عظمة وإبداع ونواميس وعجائب ظاهرة وخفية أو مكتشفة حديثا. بل هذا واجب ؛ لأن حكمة التنزيل قد هدفت إلى التدليل على عظمة الخالق وشمول قدرته وإيجاب الاتجاه إليه وحده فيما استعملته من أساليب التنبيه والاسترخاء والتنويه بما في الكون من عجائب وبدائع. على أن يبقى الأمر في نطاق هذه الأساليب التي وجهت إلى جميع الناس على اختلاف عقولهم ومداركهم والتي فيها الكفاية كل الكفاية لتحقيق تلك الحكمة، ودون أن يخرج إلى نطاق التمحلات في التطبيقات الفنية التي كثيرا ما تؤدي إلى مأزق، وليس من ورائها في الوقت نفسه طائل في صدد الهدف القرآني.
تعليق آخر على ما تفيده ظواهر الآيات من بعث الناس بأجسادهم
وظاهر الآية الرابعة أن الناس يبعثون في الحياة الأخرى بأجسامهم وما ركبت عليه في الدنيا من عظام ولحم ودم وأعضاء بأعيانها. وهذه المسألة من المسائل التي يختلف فيها المؤمنون بالحياة الأخروية١ حيث ينفي بعضهم بعث الناس بأعيان أجسامهم ؛ لأن هذه الأعيان تنحل وتدخل في بنيان أجسام أخرى بشرية وغير بشرية، ويظل هذا يتكرر بصورة مستمرة ؛ وقالوا بناء على ذلك : إن البعث الأخروي وما يكون فيه من حساب ونعيم وعذاب هو روحاني أي إنه يقع على الأرواح التي هي وحدها التي تكسب وتستحق الجزاء حسب كسبها، لا على الأجسام التي هي غلاف للروح، وقال آخرون : إن الناس يبعثون جسمانيا، وإن ذلك في نطاق قدرة الله على كل حال، وإن هذا هو المؤيد باستمرار في مختلف آيات القرآن، ورد بعضهم بأنه ليس من الضروري أن تبعث الأجسام بأعيانها ؛ لأنها ليست إلا غلافا للروح الكاسبة المستحقة للنعيم والعذاب، فمن الممكن أن يبعثها الله بأجسام جديدة ؛ لأن الروح المستحقة للنعيم والعذاب لا تشعر بهما إلا بالإحساس الجسماني.
والذي يتبادر لنا بالنسبة للآية التي نحن في صددها أنها بسبيل المساجلة في أسلوب الإنكار وتعبير المنكرين. فقد أنكر كفار العرب الذين وجهت إليهم الدعوة والقرآن لأول مرة جمع العظام بعد الموت فردت عليهم الآية بأسلوب مثل أسلوبهم منوهة بقدرة الله تعالى على كل ما يحسبونه غير ممكن. وقد تكرر في القرآن حكاية أقوالهم وإنكارهم كثيرا وكان الجدل حول البعث بين النبي والكفار من أكثر ما دار الجدل حوله على ما ذكرناه في تعليق سابق.
واحتوى القرآن ردودا قوية بأساليب متنوعة في كل مرة حكى فيها إنكارهم ومراءهم مؤكدا بأن ذلك في نطاق قدرة الله تعالى الذي خلقهم أول مرة، وبأن الله تعالى لم يخلقهم ولم يخلق الأكوان عبثا، وإنما ليبلوهم أيهم أحسن عملا ويجزي كل الناس حسب أعمالهم في الدنيا. والآيات كثيرة كثرة تغني عن التكرار، ويمكن القول : إن الآيات القرآنية مؤيدة في ظاهرها للقائلين بالبعث الجسماني، وإن قدرة الله لا يعجزها شيء فإذا اقتضت حكمة الله بعث الأجسام جسمانيا فإن ذلك داخل ولا ريب في نطاق هذه القدرة. مع التنويه بوجاهة قول القائلين بأنه ليس من الضروري أن تبعث نفس الأجسام، وأن من الجائز أن تحل الروح في أجسام جديدة ؛ لأن الأجسام غلاف أو وعاء والروح هي التي تحس بالنعيم والعذاب. ومعلوم أن الجسم الإنساني تتبدل خلاياه دوما في أثناء حياة صاحبه. ومع ذلك تظل شخصيته محتفظة بذاتيتها مع قواها العقلية وذكرياتها منذ أيام الطفولة إلى آخر أيام الحياة. وقد يكون في هذا تقريب وتوضيح.
وعلى كل حال فالحياة الأخروية مسألة غيبية يجب على المسلمين أن يؤمنوا بها في نطاق ما جاء عنها في القرآن ؛ لأن ذلك من أركان الإسلام، وإن كان جاء بأساليب وألفاظ دنيوية مألوفة للناس مما قد يكون من حكمته قصد التقريب والتأثير والمساجلة في الجدل، ولسنا نرى الآية وأمثالها يقتضي أن تكون مثار جدل ولا خلاف بينهم ولا تتحمل ذلك من حيث المدى والقصد. وعلى المسلم أن يعتقد أن ما جاء في القرآن هو في نطاق قدرة الله وحكمته، وأن يقف عنده بدون تمحل ومراء، وأن يكل ما يعجز عن إدراكه من صورة وكيفيات إلى الله تعالى، والله تعالى أعلم.
١ - انظر مثلا تفسير المنار ج ٨ الطبعة الثانية الصفحة ٢٦٤ وما بعدها..
( ١ ) النفس اللوامة : قيل إنها إشارة إلى ما طبع الإنسان عليه من التلوم والندم على ما يفوته، أو إلى ما طبع بعض الناس عليه من التلوم على كل شيء. وقيل : إنها نفس المؤمن الذي يظل يلوم نفسه مهما اجتهد في العمل الصالح خشية التقصير. وقيل : إنها إشارة إلى ما يستشعر به الخاسر يوم القيامة من الندم والتلوم على ما فاته١. ولعل المعنى الأخير أوجه ؛ لأنه متسق مع ذكر القيامة في الآية السابقة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ لا أقسم بيوم القيامة( ١ ) ولا أقسم بالنفس اللوامة١ ( ٢ ) أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه( ٣ ) بلى قادرين على أن نسوي بنانه٢ ( ٤ ) بل يريد الإنسان ليفجر أمامه٣ ( ٥ ) يسأل أيان يوم القيامة( ٦ ) ﴾ [ ١-٦ ].
في الآيات قسم رباني مقدر الجواب، وهو توكيد البعث والقيامة وتكذيب الإنسان فيما يظنه من عدم قدرة الله على جمع عظامه وتساؤله تساؤل المنكر الجاحد عن يوم القيامة الموعود. فالله الذي سوّى بنانه العجيب الصنع بعظامه الصغيرة وتكوينه الدقيق قادر على ذلك. وجحوده إنما هو بسبيل رغبته في الاستمرار فيما هو فيه من إثم وفجور، دون أن يخشى العواقب الوخيمة.
وأسلوب القسم مما هو متكرر في القرآن، وقد سبق مثله في سورة التكوير وعلقنا عليه بما فيه الكفاية.
وقد قال بعض المفسرين : إن المناسبة بين يوم القيامة وبين النفس اللوامة قد تكون فيما يظهر من الآثمين الجاحدين من ندم وحسرة وتلوم في ذلك اليوم. وفي القول وجاهة قد تدعمها آيات عديدة حكت ما سوف يكون من الجاحدين والمجرمين من ندم وحسرة يوم القيامة مثل آية سورة الأنعام هذه :﴿ قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون٣١ ﴾ ومثل آية سورة سبأ هذه :﴿ وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون٣٣ ﴾.
ولقد روى البغوي أن الآيات نزلت في عدي بن ربيعة الذي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن القيامة، فلما بين له أمرها قال له : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أومن بك. أو يجمع الله العظام ؟
والرواية محتملة، وفيها صورة لما كان يقع بين النبي صلى الله عليه وسلم والجاحدين من محاورات. وقد اقتضت حكمة التنزيل أن تحكي بأسلوب منسوب إلى الإنسان مطلقا ؛ لأن أكثرية الناس كانوا جاحدين إلا أن مضمونه يدل على أن ذلك حكاية موقف الجاحد ليوم البعث والحساب فقط. أما المؤمن بذلك الذي يزعه إيمانه عن الفجور، ويسوقه إلى العمل الصالح فهو خارج عن متناول التنديد الذي تضمنته وفي الفصل الأخير من السورة تأييد لذلك.
وواضح أن الآيات في تنديدها وتكذيبها وتوكيدها تستهدف بالإضافة إلى تقرير الحقيقة الإيمانية وهي البعث تنبيه السامعين الجاحدين إلى وجوب الارعواء والارتداع، لأن بعثهم وحسابهم حقيقة لا تتحمل ريبا. فوعد الله بذلك صادق واقع وهو قادر عليه.
تعليق على محاولة ربط البنان بفن بصمات الأصابع
الحديث، وعلى محاولة استخراج النظريات
الفنية الحديثة من العبارات القرآنية بصورة عامة
وبمناسبة ورود كلمة البنان في الآيات نذكر أننا كنا قرأنا مقالا أرد كاتبه أن يجعل صلة بين اختصاص البنان بالذكر، وبين ما ظهر حديثا من علم بصمات الأصابع، وما صار له من خطورة في إثبات شخصيات الناس، وتمشيا مع الفكرة التي سادت بعض الناس من استخراج النظريات العلمية والفنية والكونية من الكلمات والآيات القرآنية للتدليل على صدق القرآن وإعجازه. ومعجزات الله المشار إليها فيه، وفي هذا في اعتقادنا تحميل لكلمات القرآن وآياته غير ما تتحمل وإخراج له من نطاق قدسيته وغايته التي هي هداية البشر إلى أسباب سعادتهم ونجاتهم.
وفي كل كبيرة وصغيرة وجليلة ودقيقة من خلق الله وملكوته، وفي عالم الحياة والجماد من الدقة والإتقان ما يبعث الذهول في النفس ويملأها بالدهشة، وليس البنان وتكوينه إلا نقطة من محيط عظيم، وعدم التشابه بعد ليس محصورا في أصابع اليد وبصماتها لا هو شامل لكل أعضاء الناش وأشكالهم وصورهم ! بل ليس هو خاصا بالبشر، وإنما هو شامل لمخلوقات الله عز وجل على اختلافها، وكل ما هنالك أن الذهن البشري اهتدى إلى طريقة تسجيل البصمة للدلالة على الشخصية فانتشرت لأنها سهلة، واختصاص البنان بالذكر ليس بدعا في القرآن يستلزم استنتاج أمور خاصة منه، فقد جرت حكمة التنزيل القرآني على اختصاص شؤون بالذكر دون شؤون، وأعمال دون أعمال، وأخلاق دون أخلاق في معرض العظة والتذكير والإنذار والتبشير دون أن يكون الشيء المختص بالذكر هو الأهم والأخطر دائمان، وقد مر من ذلك أمثلة نبهنا إليها.
ويستشهد بعضهم للتدليل على هذا المذهب ببعض آيات القرآن، ومنها آية سورة فصلت هذه :﴿ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أن على كل شيء شهيد٥٣ ﴾ ومنها آيات سورة الذاريات هذه :﴿ وفي الأرض آيات للموقنين٢٠ وفي أنفسكم أفلا تبصرون٢١ ﴾ وليس في الآيات ما يؤيد مذهبهم في تطبيق الآيات والإشارات القرآنية على ما يظهر من نواميس الكون والأنفس التي لم تكن معروفة. وهي تخاطب السامعين الجاحدين للرسالة النبوية وتنذرهم. والآية التي تلي آية سورة فصلت تنطوي على دليل حاسم على ذلك وهي :﴿ ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط٥٤ ﴾ وكذلك الأمر في الآيات التي تلت آيات سورة الذاريات.
وواضح من هذا أنه ليس من مانع من الاستشهاد بالعبارة القرآنية على ما في الكون من عظمة وإبداع ونواميس وعجائب ظاهرة وخفية أو مكتشفة حديثا. بل هذا واجب ؛ لأن حكمة التنزيل قد هدفت إلى التدليل على عظمة الخالق وشمول قدرته وإيجاب الاتجاه إليه وحده فيما استعملته من أساليب التنبيه والاسترخاء والتنويه بما في الكون من عجائب وبدائع. على أن يبقى الأمر في نطاق هذه الأساليب التي وجهت إلى جميع الناس على اختلاف عقولهم ومداركهم والتي فيها الكفاية كل الكفاية لتحقيق تلك الحكمة، ودون أن يخرج إلى نطاق التمحلات في التطبيقات الفنية التي كثيرا ما تؤدي إلى مأزق، وليس من ورائها في الوقت نفسه طائل في صدد الهدف القرآني.
تعليق آخر على ما تفيده ظواهر الآيات من بعث الناس بأجسادهم
وظاهر الآية الرابعة أن الناس يبعثون في الحياة الأخرى بأجسامهم وما ركبت عليه في الدنيا من عظام ولحم ودم وأعضاء بأعيانها. وهذه المسألة من المسائل التي يختلف فيها المؤمنون بالحياة الأخروية١ حيث ينفي بعضهم بعث الناس بأعيان أجسامهم ؛ لأن هذه الأعيان تنحل وتدخل في بنيان أجسام أخرى بشرية وغير بشرية، ويظل هذا يتكرر بصورة مستمرة ؛ وقالوا بناء على ذلك : إن البعث الأخروي وما يكون فيه من حساب ونعيم وعذاب هو روحاني أي إنه يقع على الأرواح التي هي وحدها التي تكسب وتستحق الجزاء حسب كسبها، لا على الأجسام التي هي غلاف للروح، وقال آخرون : إن الناس يبعثون جسمانيا، وإن ذلك في نطاق قدرة الله على كل حال، وإن هذا هو المؤيد باستمرار في مختلف آيات القرآن، ورد بعضهم بأنه ليس من الضروري أن تبعث الأجسام بأعيانها ؛ لأنها ليست إلا غلافا للروح الكاسبة المستحقة للنعيم والعذاب، فمن الممكن أن يبعثها الله بأجسام جديدة ؛ لأن الروح المستحقة للنعيم والعذاب لا تشعر بهما إلا بالإحساس الجسماني.
والذي يتبادر لنا بالنسبة للآية التي نحن في صددها أنها بسبيل المساجلة في أسلوب الإنكار وتعبير المنكرين. فقد أنكر كفار العرب الذين وجهت إليهم الدعوة والقرآن لأول مرة جمع العظام بعد الموت فردت عليهم الآية بأسلوب مثل أسلوبهم منوهة بقدرة الله تعالى على كل ما يحسبونه غير ممكن. وقد تكرر في القرآن حكاية أقوالهم وإنكارهم كثيرا وكان الجدل حول البعث بين النبي والكفار من أكثر ما دار الجدل حوله على ما ذكرناه في تعليق سابق.
واحتوى القرآن ردودا قوية بأساليب متنوعة في كل مرة حكى فيها إنكارهم ومراءهم مؤكدا بأن ذلك في نطاق قدرة الله تعالى الذي خلقهم أول مرة، وبأن الله تعالى لم يخلقهم ولم يخلق الأكوان عبثا، وإنما ليبلوهم أيهم أحسن عملا ويجزي كل الناس حسب أعمالهم في الدنيا. والآيات كثيرة كثرة تغني عن التكرار، ويمكن القول : إن الآيات القرآنية مؤيدة في ظاهرها للقائلين بالبعث الجسماني، وإن قدرة الله لا يعجزها شيء فإذا اقتضت حكمة الله بعث الأجسام جسمانيا فإن ذلك داخل ولا ريب في نطاق هذه القدرة. مع التنويه بوجاهة قول القائلين بأنه ليس من الضروري أن تبعث نفس الأجسام، وأن من الجائز أن تحل الروح في أجسام جديدة ؛ لأن الأجسام غلاف أو وعاء والروح هي التي تحس بالنعيم والعذاب. ومعلوم أن الجسم الإنساني تتبدل خلاياه دوما في أثناء حياة صاحبه. ومع ذلك تظل شخصيته محتفظة بذاتيتها مع قواها العقلية وذكرياتها منذ أيام الطفولة إلى آخر أيام الحياة. وقد يكون في هذا تقريب وتوضيح.
وعلى كل حال فالحياة الأخروية مسألة غيبية يجب على المسلمين أن يؤمنوا بها في نطاق ما جاء عنها في القرآن ؛ لأن ذلك من أركان الإسلام، وإن كان جاء بأساليب وألفاظ دنيوية مألوفة للناس مما قد يكون من حكمته قصد التقريب والتأثير والمساجلة في الجدل، ولسنا نرى الآية وأمثالها يقتضي أن تكون مثار جدل ولا خلاف بينهم ولا تتحمل ذلك من حيث المدى والقصد. وعلى المسلم أن يعتقد أن ما جاء في القرآن هو في نطاق قدرة الله وحكمته، وأن يقف عنده بدون تمحل ومراء، وأن يكل ما يعجز عن إدراكه من صورة وكيفيات إلى الله تعالى، والله تعالى أعلم.
١ - انظر مثلا تفسير المنار ج ٨ الطبعة الثانية الصفحة ٢٦٤ وما بعدها..


١ - انظر تفسيرها في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والطبرسي والزمخشري..
( ٢ ) البنان : الظاهر من باطن الأصابع. وأوجه التأويلات لآية ﴿ بلى قادرين على أن نسوي بنانه ﴾ أنها جواب على الجاحد الذي يحسب أن الله لن يجمع عظامه على ما جاء في الآية السابقة لها، بمعنى أن الله عز وجل الذي قدر على تكوين البنان من عظام دقيقة قادر على جمع عظام الإنسان مرة أخرى١.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ لا أقسم بيوم القيامة( ١ ) ولا أقسم بالنفس اللوامة١ ( ٢ ) أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه( ٣ ) بلى قادرين على أن نسوي بنانه٢ ( ٤ ) بل يريد الإنسان ليفجر أمامه٣ ( ٥ ) يسأل أيان يوم القيامة( ٦ ) ﴾ [ ١-٦ ].
في الآيات قسم رباني مقدر الجواب، وهو توكيد البعث والقيامة وتكذيب الإنسان فيما يظنه من عدم قدرة الله على جمع عظامه وتساؤله تساؤل المنكر الجاحد عن يوم القيامة الموعود. فالله الذي سوّى بنانه العجيب الصنع بعظامه الصغيرة وتكوينه الدقيق قادر على ذلك. وجحوده إنما هو بسبيل رغبته في الاستمرار فيما هو فيه من إثم وفجور، دون أن يخشى العواقب الوخيمة.
وأسلوب القسم مما هو متكرر في القرآن، وقد سبق مثله في سورة التكوير وعلقنا عليه بما فيه الكفاية.
وقد قال بعض المفسرين : إن المناسبة بين يوم القيامة وبين النفس اللوامة قد تكون فيما يظهر من الآثمين الجاحدين من ندم وحسرة وتلوم في ذلك اليوم. وفي القول وجاهة قد تدعمها آيات عديدة حكت ما سوف يكون من الجاحدين والمجرمين من ندم وحسرة يوم القيامة مثل آية سورة الأنعام هذه :﴿ قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون٣١ ﴾ ومثل آية سورة سبأ هذه :﴿ وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون٣٣ ﴾.
ولقد روى البغوي أن الآيات نزلت في عدي بن ربيعة الذي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن القيامة، فلما بين له أمرها قال له : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أومن بك. أو يجمع الله العظام ؟
والرواية محتملة، وفيها صورة لما كان يقع بين النبي صلى الله عليه وسلم والجاحدين من محاورات. وقد اقتضت حكمة التنزيل أن تحكي بأسلوب منسوب إلى الإنسان مطلقا ؛ لأن أكثرية الناس كانوا جاحدين إلا أن مضمونه يدل على أن ذلك حكاية موقف الجاحد ليوم البعث والحساب فقط. أما المؤمن بذلك الذي يزعه إيمانه عن الفجور، ويسوقه إلى العمل الصالح فهو خارج عن متناول التنديد الذي تضمنته وفي الفصل الأخير من السورة تأييد لذلك.
وواضح أن الآيات في تنديدها وتكذيبها وتوكيدها تستهدف بالإضافة إلى تقرير الحقيقة الإيمانية وهي البعث تنبيه السامعين الجاحدين إلى وجوب الارعواء والارتداع، لأن بعثهم وحسابهم حقيقة لا تتحمل ريبا. فوعد الله بذلك صادق واقع وهو قادر عليه.
تعليق على محاولة ربط البنان بفن بصمات الأصابع
الحديث، وعلى محاولة استخراج النظريات
الفنية الحديثة من العبارات القرآنية بصورة عامة
وبمناسبة ورود كلمة البنان في الآيات نذكر أننا كنا قرأنا مقالا أرد كاتبه أن يجعل صلة بين اختصاص البنان بالذكر، وبين ما ظهر حديثا من علم بصمات الأصابع، وما صار له من خطورة في إثبات شخصيات الناس، وتمشيا مع الفكرة التي سادت بعض الناس من استخراج النظريات العلمية والفنية والكونية من الكلمات والآيات القرآنية للتدليل على صدق القرآن وإعجازه. ومعجزات الله المشار إليها فيه، وفي هذا في اعتقادنا تحميل لكلمات القرآن وآياته غير ما تتحمل وإخراج له من نطاق قدسيته وغايته التي هي هداية البشر إلى أسباب سعادتهم ونجاتهم.
وفي كل كبيرة وصغيرة وجليلة ودقيقة من خلق الله وملكوته، وفي عالم الحياة والجماد من الدقة والإتقان ما يبعث الذهول في النفس ويملأها بالدهشة، وليس البنان وتكوينه إلا نقطة من محيط عظيم، وعدم التشابه بعد ليس محصورا في أصابع اليد وبصماتها لا هو شامل لكل أعضاء الناش وأشكالهم وصورهم ! بل ليس هو خاصا بالبشر، وإنما هو شامل لمخلوقات الله عز وجل على اختلافها، وكل ما هنالك أن الذهن البشري اهتدى إلى طريقة تسجيل البصمة للدلالة على الشخصية فانتشرت لأنها سهلة، واختصاص البنان بالذكر ليس بدعا في القرآن يستلزم استنتاج أمور خاصة منه، فقد جرت حكمة التنزيل القرآني على اختصاص شؤون بالذكر دون شؤون، وأعمال دون أعمال، وأخلاق دون أخلاق في معرض العظة والتذكير والإنذار والتبشير دون أن يكون الشيء المختص بالذكر هو الأهم والأخطر دائمان، وقد مر من ذلك أمثلة نبهنا إليها.
ويستشهد بعضهم للتدليل على هذا المذهب ببعض آيات القرآن، ومنها آية سورة فصلت هذه :﴿ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أن على كل شيء شهيد٥٣ ﴾ ومنها آيات سورة الذاريات هذه :﴿ وفي الأرض آيات للموقنين٢٠ وفي أنفسكم أفلا تبصرون٢١ ﴾ وليس في الآيات ما يؤيد مذهبهم في تطبيق الآيات والإشارات القرآنية على ما يظهر من نواميس الكون والأنفس التي لم تكن معروفة. وهي تخاطب السامعين الجاحدين للرسالة النبوية وتنذرهم. والآية التي تلي آية سورة فصلت تنطوي على دليل حاسم على ذلك وهي :﴿ ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط٥٤ ﴾ وكذلك الأمر في الآيات التي تلت آيات سورة الذاريات.
وواضح من هذا أنه ليس من مانع من الاستشهاد بالعبارة القرآنية على ما في الكون من عظمة وإبداع ونواميس وعجائب ظاهرة وخفية أو مكتشفة حديثا. بل هذا واجب ؛ لأن حكمة التنزيل قد هدفت إلى التدليل على عظمة الخالق وشمول قدرته وإيجاب الاتجاه إليه وحده فيما استعملته من أساليب التنبيه والاسترخاء والتنويه بما في الكون من عجائب وبدائع. على أن يبقى الأمر في نطاق هذه الأساليب التي وجهت إلى جميع الناس على اختلاف عقولهم ومداركهم والتي فيها الكفاية كل الكفاية لتحقيق تلك الحكمة، ودون أن يخرج إلى نطاق التمحلات في التطبيقات الفنية التي كثيرا ما تؤدي إلى مأزق، وليس من ورائها في الوقت نفسه طائل في صدد الهدف القرآني.
تعليق آخر على ما تفيده ظواهر الآيات من بعث الناس بأجسادهم
وظاهر الآية الرابعة أن الناس يبعثون في الحياة الأخرى بأجسامهم وما ركبت عليه في الدنيا من عظام ولحم ودم وأعضاء بأعيانها. وهذه المسألة من المسائل التي يختلف فيها المؤمنون بالحياة الأخروية١ حيث ينفي بعضهم بعث الناس بأعيان أجسامهم ؛ لأن هذه الأعيان تنحل وتدخل في بنيان أجسام أخرى بشرية وغير بشرية، ويظل هذا يتكرر بصورة مستمرة ؛ وقالوا بناء على ذلك : إن البعث الأخروي وما يكون فيه من حساب ونعيم وعذاب هو روحاني أي إنه يقع على الأرواح التي هي وحدها التي تكسب وتستحق الجزاء حسب كسبها، لا على الأجسام التي هي غلاف للروح، وقال آخرون : إن الناس يبعثون جسمانيا، وإن ذلك في نطاق قدرة الله على كل حال، وإن هذا هو المؤيد باستمرار في مختلف آيات القرآن، ورد بعضهم بأنه ليس من الضروري أن تبعث الأجسام بأعيانها ؛ لأنها ليست إلا غلافا للروح الكاسبة المستحقة للنعيم والعذاب، فمن الممكن أن يبعثها الله بأجسام جديدة ؛ لأن الروح المستحقة للنعيم والعذاب لا تشعر بهما إلا بالإحساس الجسماني.
والذي يتبادر لنا بالنسبة للآية التي نحن في صددها أنها بسبيل المساجلة في أسلوب الإنكار وتعبير المنكرين. فقد أنكر كفار العرب الذين وجهت إليهم الدعوة والقرآن لأول مرة جمع العظام بعد الموت فردت عليهم الآية بأسلوب مثل أسلوبهم منوهة بقدرة الله تعالى على كل ما يحسبونه غير ممكن. وقد تكرر في القرآن حكاية أقوالهم وإنكارهم كثيرا وكان الجدل حول البعث بين النبي والكفار من أكثر ما دار الجدل حوله على ما ذكرناه في تعليق سابق.
واحتوى القرآن ردودا قوية بأساليب متنوعة في كل مرة حكى فيها إنكارهم ومراءهم مؤكدا بأن ذلك في نطاق قدرة الله تعالى الذي خلقهم أول مرة، وبأن الله تعالى لم يخلقهم ولم يخلق الأكوان عبثا، وإنما ليبلوهم أيهم أحسن عملا ويجزي كل الناس حسب أعمالهم في الدنيا. والآيات كثيرة كثرة تغني عن التكرار، ويمكن القول : إن الآيات القرآنية مؤيدة في ظاهرها للقائلين بالبعث الجسماني، وإن قدرة الله لا يعجزها شيء فإذا اقتضت حكمة الله بعث الأجسام جسمانيا فإن ذلك داخل ولا ريب في نطاق هذه القدرة. مع التنويه بوجاهة قول القائلين بأنه ليس من الضروري أن تبعث نفس الأجسام، وأن من الجائز أن تحل الروح في أجسام جديدة ؛ لأن الأجسام غلاف أو وعاء والروح هي التي تحس بالنعيم والعذاب. ومعلوم أن الجسم الإنساني تتبدل خلاياه دوما في أثناء حياة صاحبه. ومع ذلك تظل شخصيته محتفظة بذاتيتها مع قواها العقلية وذكرياتها منذ أيام الطفولة إلى آخر أيام الحياة. وقد يكون في هذا تقريب وتوضيح.
وعلى كل حال فالحياة الأخروية مسألة غيبية يجب على المسلمين أن يؤمنوا بها في نطاق ما جاء عنها في القرآن ؛ لأن ذلك من أركان الإسلام، وإن كان جاء بأساليب وألفاظ دنيوية مألوفة للناس مما قد يكون من حكمته قصد التقريب والتأثير والمساجلة في الجدل، ولسنا نرى الآية وأمثالها يقتضي أن تكون مثار جدل ولا خلاف بينهم ولا تتحمل ذلك من حيث المدى والقصد. وعلى المسلم أن يعتقد أن ما جاء في القرآن هو في نطاق قدرة الله وحكمته، وأن يقف عنده بدون تمحل ومراء، وأن يكل ما يعجز عن إدراكه من صورة وكيفيات إلى الله تعالى، والله تعالى أعلم.
١ - انظر مثلا تفسير المنار ج ٨ الطبعة الثانية الصفحة ٢٦٤ وما بعدها..


١ - انظر تفسيرها في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والطبرسي والزمخشري..
( ٣ ) بل يريد الإنسان ليفجر أمامه : بمعنى أن الإنسان الجاحد يرغب في الاستمرار على الفجور فينكر الآخرة ولا يخشى عواقبها٢.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ لا أقسم بيوم القيامة( ١ ) ولا أقسم بالنفس اللوامة١ ( ٢ ) أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه( ٣ ) بلى قادرين على أن نسوي بنانه٢ ( ٤ ) بل يريد الإنسان ليفجر أمامه٣ ( ٥ ) يسأل أيان يوم القيامة( ٦ ) ﴾ [ ١-٦ ].
في الآيات قسم رباني مقدر الجواب، وهو توكيد البعث والقيامة وتكذيب الإنسان فيما يظنه من عدم قدرة الله على جمع عظامه وتساؤله تساؤل المنكر الجاحد عن يوم القيامة الموعود. فالله الذي سوّى بنانه العجيب الصنع بعظامه الصغيرة وتكوينه الدقيق قادر على ذلك. وجحوده إنما هو بسبيل رغبته في الاستمرار فيما هو فيه من إثم وفجور، دون أن يخشى العواقب الوخيمة.
وأسلوب القسم مما هو متكرر في القرآن، وقد سبق مثله في سورة التكوير وعلقنا عليه بما فيه الكفاية.
وقد قال بعض المفسرين : إن المناسبة بين يوم القيامة وبين النفس اللوامة قد تكون فيما يظهر من الآثمين الجاحدين من ندم وحسرة وتلوم في ذلك اليوم. وفي القول وجاهة قد تدعمها آيات عديدة حكت ما سوف يكون من الجاحدين والمجرمين من ندم وحسرة يوم القيامة مثل آية سورة الأنعام هذه :﴿ قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون٣١ ﴾ ومثل آية سورة سبأ هذه :﴿ وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون٣٣ ﴾.
ولقد روى البغوي أن الآيات نزلت في عدي بن ربيعة الذي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن القيامة، فلما بين له أمرها قال له : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أومن بك. أو يجمع الله العظام ؟
والرواية محتملة، وفيها صورة لما كان يقع بين النبي صلى الله عليه وسلم والجاحدين من محاورات. وقد اقتضت حكمة التنزيل أن تحكي بأسلوب منسوب إلى الإنسان مطلقا ؛ لأن أكثرية الناس كانوا جاحدين إلا أن مضمونه يدل على أن ذلك حكاية موقف الجاحد ليوم البعث والحساب فقط. أما المؤمن بذلك الذي يزعه إيمانه عن الفجور، ويسوقه إلى العمل الصالح فهو خارج عن متناول التنديد الذي تضمنته وفي الفصل الأخير من السورة تأييد لذلك.
وواضح أن الآيات في تنديدها وتكذيبها وتوكيدها تستهدف بالإضافة إلى تقرير الحقيقة الإيمانية وهي البعث تنبيه السامعين الجاحدين إلى وجوب الارعواء والارتداع، لأن بعثهم وحسابهم حقيقة لا تتحمل ريبا. فوعد الله بذلك صادق واقع وهو قادر عليه.
تعليق على محاولة ربط البنان بفن بصمات الأصابع
الحديث، وعلى محاولة استخراج النظريات
الفنية الحديثة من العبارات القرآنية بصورة عامة
وبمناسبة ورود كلمة البنان في الآيات نذكر أننا كنا قرأنا مقالا أرد كاتبه أن يجعل صلة بين اختصاص البنان بالذكر، وبين ما ظهر حديثا من علم بصمات الأصابع، وما صار له من خطورة في إثبات شخصيات الناس، وتمشيا مع الفكرة التي سادت بعض الناس من استخراج النظريات العلمية والفنية والكونية من الكلمات والآيات القرآنية للتدليل على صدق القرآن وإعجازه. ومعجزات الله المشار إليها فيه، وفي هذا في اعتقادنا تحميل لكلمات القرآن وآياته غير ما تتحمل وإخراج له من نطاق قدسيته وغايته التي هي هداية البشر إلى أسباب سعادتهم ونجاتهم.
وفي كل كبيرة وصغيرة وجليلة ودقيقة من خلق الله وملكوته، وفي عالم الحياة والجماد من الدقة والإتقان ما يبعث الذهول في النفس ويملأها بالدهشة، وليس البنان وتكوينه إلا نقطة من محيط عظيم، وعدم التشابه بعد ليس محصورا في أصابع اليد وبصماتها لا هو شامل لكل أعضاء الناش وأشكالهم وصورهم ! بل ليس هو خاصا بالبشر، وإنما هو شامل لمخلوقات الله عز وجل على اختلافها، وكل ما هنالك أن الذهن البشري اهتدى إلى طريقة تسجيل البصمة للدلالة على الشخصية فانتشرت لأنها سهلة، واختصاص البنان بالذكر ليس بدعا في القرآن يستلزم استنتاج أمور خاصة منه، فقد جرت حكمة التنزيل القرآني على اختصاص شؤون بالذكر دون شؤون، وأعمال دون أعمال، وأخلاق دون أخلاق في معرض العظة والتذكير والإنذار والتبشير دون أن يكون الشيء المختص بالذكر هو الأهم والأخطر دائمان، وقد مر من ذلك أمثلة نبهنا إليها.
ويستشهد بعضهم للتدليل على هذا المذهب ببعض آيات القرآن، ومنها آية سورة فصلت هذه :﴿ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أن على كل شيء شهيد٥٣ ﴾ ومنها آيات سورة الذاريات هذه :﴿ وفي الأرض آيات للموقنين٢٠ وفي أنفسكم أفلا تبصرون٢١ ﴾ وليس في الآيات ما يؤيد مذهبهم في تطبيق الآيات والإشارات القرآنية على ما يظهر من نواميس الكون والأنفس التي لم تكن معروفة. وهي تخاطب السامعين الجاحدين للرسالة النبوية وتنذرهم. والآية التي تلي آية سورة فصلت تنطوي على دليل حاسم على ذلك وهي :﴿ ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط٥٤ ﴾ وكذلك الأمر في الآيات التي تلت آيات سورة الذاريات.
وواضح من هذا أنه ليس من مانع من الاستشهاد بالعبارة القرآنية على ما في الكون من عظمة وإبداع ونواميس وعجائب ظاهرة وخفية أو مكتشفة حديثا. بل هذا واجب ؛ لأن حكمة التنزيل قد هدفت إلى التدليل على عظمة الخالق وشمول قدرته وإيجاب الاتجاه إليه وحده فيما استعملته من أساليب التنبيه والاسترخاء والتنويه بما في الكون من عجائب وبدائع. على أن يبقى الأمر في نطاق هذه الأساليب التي وجهت إلى جميع الناس على اختلاف عقولهم ومداركهم والتي فيها الكفاية كل الكفاية لتحقيق تلك الحكمة، ودون أن يخرج إلى نطاق التمحلات في التطبيقات الفنية التي كثيرا ما تؤدي إلى مأزق، وليس من ورائها في الوقت نفسه طائل في صدد الهدف القرآني.
تعليق آخر على ما تفيده ظواهر الآيات من بعث الناس بأجسادهم
وظاهر الآية الرابعة أن الناس يبعثون في الحياة الأخرى بأجسامهم وما ركبت عليه في الدنيا من عظام ولحم ودم وأعضاء بأعيانها. وهذه المسألة من المسائل التي يختلف فيها المؤمنون بالحياة الأخروية١ حيث ينفي بعضهم بعث الناس بأعيان أجسامهم ؛ لأن هذه الأعيان تنحل وتدخل في بنيان أجسام أخرى بشرية وغير بشرية، ويظل هذا يتكرر بصورة مستمرة ؛ وقالوا بناء على ذلك : إن البعث الأخروي وما يكون فيه من حساب ونعيم وعذاب هو روحاني أي إنه يقع على الأرواح التي هي وحدها التي تكسب وتستحق الجزاء حسب كسبها، لا على الأجسام التي هي غلاف للروح، وقال آخرون : إن الناس يبعثون جسمانيا، وإن ذلك في نطاق قدرة الله على كل حال، وإن هذا هو المؤيد باستمرار في مختلف آيات القرآن، ورد بعضهم بأنه ليس من الضروري أن تبعث الأجسام بأعيانها ؛ لأنها ليست إلا غلافا للروح الكاسبة المستحقة للنعيم والعذاب، فمن الممكن أن يبعثها الله بأجسام جديدة ؛ لأن الروح المستحقة للنعيم والعذاب لا تشعر بهما إلا بالإحساس الجسماني.
والذي يتبادر لنا بالنسبة للآية التي نحن في صددها أنها بسبيل المساجلة في أسلوب الإنكار وتعبير المنكرين. فقد أنكر كفار العرب الذين وجهت إليهم الدعوة والقرآن لأول مرة جمع العظام بعد الموت فردت عليهم الآية بأسلوب مثل أسلوبهم منوهة بقدرة الله تعالى على كل ما يحسبونه غير ممكن. وقد تكرر في القرآن حكاية أقوالهم وإنكارهم كثيرا وكان الجدل حول البعث بين النبي والكفار من أكثر ما دار الجدل حوله على ما ذكرناه في تعليق سابق.
واحتوى القرآن ردودا قوية بأساليب متنوعة في كل مرة حكى فيها إنكارهم ومراءهم مؤكدا بأن ذلك في نطاق قدرة الله تعالى الذي خلقهم أول مرة، وبأن الله تعالى لم يخلقهم ولم يخلق الأكوان عبثا، وإنما ليبلوهم أيهم أحسن عملا ويجزي كل الناس حسب أعمالهم في الدنيا. والآيات كثيرة كثرة تغني عن التكرار، ويمكن القول : إن الآيات القرآنية مؤيدة في ظاهرها للقائلين بالبعث الجسماني، وإن قدرة الله لا يعجزها شيء فإذا اقتضت حكمة الله بعث الأجسام جسمانيا فإن ذلك داخل ولا ريب في نطاق هذه القدرة. مع التنويه بوجاهة قول القائلين بأنه ليس من الضروري أن تبعث نفس الأجسام، وأن من الجائز أن تحل الروح في أجسام جديدة ؛ لأن الأجسام غلاف أو وعاء والروح هي التي تحس بالنعيم والعذاب. ومعلوم أن الجسم الإنساني تتبدل خلاياه دوما في أثناء حياة صاحبه. ومع ذلك تظل شخصيته محتفظة بذاتيتها مع قواها العقلية وذكرياتها منذ أيام الطفولة إلى آخر أيام الحياة. وقد يكون في هذا تقريب وتوضيح.
وعلى كل حال فالحياة الأخروية مسألة غيبية يجب على المسلمين أن يؤمنوا بها في نطاق ما جاء عنها في القرآن ؛ لأن ذلك من أركان الإسلام، وإن كان جاء بأساليب وألفاظ دنيوية مألوفة للناس مما قد يكون من حكمته قصد التقريب والتأثير والمساجلة في الجدل، ولسنا نرى الآية وأمثالها يقتضي أن تكون مثار جدل ولا خلاف بينهم ولا تتحمل ذلك من حيث المدى والقصد. وعلى المسلم أن يعتقد أن ما جاء في القرآن هو في نطاق قدرة الله وحكمته، وأن يقف عنده بدون تمحل ومراء، وأن يكل ما يعجز عن إدراكه من صورة وكيفيات إلى الله تعالى، والله تعالى أعلم.
١ - انظر مثلا تفسير المنار ج ٨ الطبعة الثانية الصفحة ٢٦٤ وما بعدها..

( ١ ) برق البصر : زاغ من الفزع أو اتسعت حدقتاه منه.
﴿ فإذا برق البصر١ ( ٧ ) وخسف القمر( ٨ ) وجمع الشمس والقمر( ٩ ) يقول الإنسان يومئذ أين المفر( ١٠ ) كلا لا وزر٢ ( ١١ ) إلى ربك يومئذ المستقر( ١٢ ) ينبؤا الإنسان يومئذ بما قدم وأخر( ١٣ ) بل الإنسان على نفسه بصيرة٣( ١٤ ) ولو ألقى معاذيره٤( ١٥ ) ﴾ [ ٧-١٥ ].
الآيات استمرار للسياق السابق كما هو ظاهر، وقد هدفت إلى توكيد قيام القيامة وإنذار السامعين وتكذيب المكذبين. فيوم القيامة آت لا ريب فيه، وستزوغ من هوله الأبصار، ويخسف القمر ويجتمع أو يصطدم الشمس والقمر، ويتساءل الناس وهم مأخوذون فزعون عما إذا كان من مجال لفرار فيجابون أن لا ملجأ من الله ولا معصم. ويحاسب الناس على جميع ما عملوه في الدنيا وهم يعرفون ما عملوه لأن جوارحهم شاهدة عليه، ولن ينفعهم ما قد يبدونه من حجج وأعذار.
والآيتان الأخيرتان مفحمتان ملزمتان، وقد احتوتا تلقينا جليلا أو وسيلة تربوية نفسية، فالأعذار والحجج لن تغني عن الناس شيئا ؛ لأن للإنسان على نفسه بصيرة وشاهدا.
( ٢ ) وزر : ملجأ أو معصم.
﴿ فإذا برق البصر١ ( ٧ ) وخسف القمر( ٨ ) وجمع الشمس والقمر( ٩ ) يقول الإنسان يومئذ أين المفر( ١٠ ) كلا لا وزر٢ ( ١١ ) إلى ربك يومئذ المستقر( ١٢ ) ينبؤا الإنسان يومئذ بما قدم وأخر( ١٣ ) بل الإنسان على نفسه بصيرة٣( ١٤ ) ولو ألقى معاذيره٤( ١٥ ) ﴾ [ ٧-١٥ ].
الآيات استمرار للسياق السابق كما هو ظاهر، وقد هدفت إلى توكيد قيام القيامة وإنذار السامعين وتكذيب المكذبين. فيوم القيامة آت لا ريب فيه، وستزوغ من هوله الأبصار، ويخسف القمر ويجتمع أو يصطدم الشمس والقمر، ويتساءل الناس وهم مأخوذون فزعون عما إذا كان من مجال لفرار فيجابون أن لا ملجأ من الله ولا معصم. ويحاسب الناس على جميع ما عملوه في الدنيا وهم يعرفون ما عملوه لأن جوارحهم شاهدة عليه، ولن ينفعهم ما قد يبدونه من حجج وأعذار.
والآيتان الأخيرتان مفحمتان ملزمتان، وقد احتوتا تلقينا جليلا أو وسيلة تربوية نفسية، فالأعذار والحجج لن تغني عن الناس شيئا ؛ لأن للإنسان على نفسه بصيرة وشاهدا.
( ٣ ) بل الإنسان على نفسه بصيرة : قيل : إن معنى الآيتين هو أن جوارح الإنسان شهيدة عليه مهما أنكر وحاجّ وقيل : إن معناهما هو الإنسان يعلم في نفسه ماهية أفعاله مهما أنكر وحاجّ، وقيل : هما بمعنى أن الإنسان أدرى بنفسه ؛ ولذلك يكون ما يلقاه على عمله جزءا حقا ؛ لأنه عمله باختياره، وقيل هما بمعنى ﴿ كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا١٤ ﴾١ وجميع الأقوال وجيهة، والمقصد في الآيتين واضح.
﴿ فإذا برق البصر١ ( ٧ ) وخسف القمر( ٨ ) وجمع الشمس والقمر( ٩ ) يقول الإنسان يومئذ أين المفر( ١٠ ) كلا لا وزر٢ ( ١١ ) إلى ربك يومئذ المستقر( ١٢ ) ينبؤا الإنسان يومئذ بما قدم وأخر( ١٣ ) بل الإنسان على نفسه بصيرة٣( ١٤ ) ولو ألقى معاذيره٤( ١٥ ) ﴾ [ ٧-١٥ ].
الآيات استمرار للسياق السابق كما هو ظاهر، وقد هدفت إلى توكيد قيام القيامة وإنذار السامعين وتكذيب المكذبين. فيوم القيامة آت لا ريب فيه، وستزوغ من هوله الأبصار، ويخسف القمر ويجتمع أو يصطدم الشمس والقمر، ويتساءل الناس وهم مأخوذون فزعون عما إذا كان من مجال لفرار فيجابون أن لا ملجأ من الله ولا معصم. ويحاسب الناس على جميع ما عملوه في الدنيا وهم يعرفون ما عملوه لأن جوارحهم شاهدة عليه، ولن ينفعهم ما قد يبدونه من حجج وأعذار.
والآيتان الأخيرتان مفحمتان ملزمتان، وقد احتوتا تلقينا جليلا أو وسيلة تربوية نفسية، فالأعذار والحجج لن تغني عن الناس شيئا ؛ لأن للإنسان على نفسه بصيرة وشاهدا.
١ - انظر تفسيرها في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والطبرسي والزمخشري..
( ٤ ) معاذيره : أعذاره وحججه
﴿ فإذا برق البصر١ ( ٧ ) وخسف القمر( ٨ ) وجمع الشمس والقمر( ٩ ) يقول الإنسان يومئذ أين المفر( ١٠ ) كلا لا وزر٢ ( ١١ ) إلى ربك يومئذ المستقر( ١٢ ) ينبؤا الإنسان يومئذ بما قدم وأخر( ١٣ ) بل الإنسان على نفسه بصيرة٣( ١٤ ) ولو ألقى معاذيره٤( ١٥ ) ﴾ [ ٧-١٥ ].
الآيات استمرار للسياق السابق كما هو ظاهر، وقد هدفت إلى توكيد قيام القيامة وإنذار السامعين وتكذيب المكذبين. فيوم القيامة آت لا ريب فيه، وستزوغ من هوله الأبصار، ويخسف القمر ويجتمع أو يصطدم الشمس والقمر، ويتساءل الناس وهم مأخوذون فزعون عما إذا كان من مجال لفرار فيجابون أن لا ملجأ من الله ولا معصم. ويحاسب الناس على جميع ما عملوه في الدنيا وهم يعرفون ما عملوه لأن جوارحهم شاهدة عليه، ولن ينفعهم ما قد يبدونه من حجج وأعذار.
والآيتان الأخيرتان مفحمتان ملزمتان، وقد احتوتا تلقينا جليلا أو وسيلة تربوية نفسية، فالأعذار والحجج لن تغني عن الناس شيئا ؛ لأن للإنسان على نفسه بصيرة وشاهدا.
﴿ لا تحرك به لسانك لتعجل به( ١٦ ) إن علينا جمعه وقرآنه١ ( ١٧ ) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه( ١٨ ) ثم إن علينا بيانه( ١٩ ) ﴾ [ ١٦-١٩ ].
وفيها تطمين بأن الله عز وجل مثبت في وعيه ما يلقى عليه وملهمه بيانه وفهمه.
والآيات جاءت كما هو ظاهر معترضة بين آيات تؤكد مجيء يوم القيامة، وتنذر منكريه وتبين مصائر الناس فيه.
والآيات التالية لها استمرار في نفس الموضوع والسياق. حيث يبدو من هذه أن لا صلة لهذه الآيات بالسياق.
وقد روى المفسرون : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حينما يوحى إليه بالقرآن يردد الآيات واحدة بعد أخرى بشفتيه قبل انتهاء وحيها مستعجلا حفظها وتذكرها خشية نسيانها فنزلت الآية للتنبيه والتعليم والتطمين١.
والرواية متسقة مع الآيات. وورودها في الموضع الذي وردت فيه، والذي يبدو عجيبا لا يستقيم والله أعلم إلا بفرض أن تكون هذه الحادثة قد وقعت أثناء نزول الآيات السابقة لها، فأوحى الله عز وجل بهذه الآيات فورا لبيان ما في العمل من عجلة لا ضرورة لها، فأملى النبي صلى الله عليه وسلم على كاتبه الآيات مع الآيات الأخرى ولو لم تكن متصلة بها موضوعا.
تعليق على دلالة آيات ﴿ لا تحرك به لسانك لتعجل به ﴾ وأخواتها
وفي الآيات صورة رائعة من صورة التنزيل القرآني ووحيه ترد لأول مرة في وقت مبكر نوعا ما من العهد المكي. وهي تثير معاني خطيرة وجليلة نبهنا إليها بإسهاب في كتابنا " القرآن المجيد "، ومن ذلك أنها لا تدع محلا لشك ولا مراء حتى من أشد الناس شكا ومراء بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مؤمنا أقوى الإيمان بأن الوحي الرباني هو الذي كان يوحى إليه بالقرآن، لا على معنى أنه نابع من ذاته، بل على معنى أنه من خارج ذاته، يشعر به في أعماق نفسه ويستمع إليه بأذن بصيرته ويعيه بقلبه. ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شديد الحرص على ألا يفلت منه آية أو كلمة أو حرف أو معنى مما يوحى إليه. ومن ذلك أنه كان يأمر بتدوين ما يوحى إليه حالا ويملي على كاتبه حتى ما هو تعليم خاص له بكيفية تلقيه وحي الله عز وجل وقرآنه ؛ لأنه وحي. ومن ذلك أن الوحي القرآني كان يقذف من الله رأسا في روع النبي صلى الله عليه وسلم. ولما كان هناك آيات صريحة أخرى تفيد أن الله كان ينزل القرآن على النبي بواسطة جبريل الذي ذكر اسمه صراحة في هذا الصدد في آية سورة البقرة [ ٩٧ ] وذكر بوصف الروح الأمين في آية سورة الشعراء [ ١٩٣ ] وبوصف روح القدس في آية سورة النحل [ ١٠٢ ]٢ فيقال بسبيل التوفيق : إن في الآيات التي نحن في صددها صورة من صور الوحي القرآني، وهي قذف هذا الوحي من الله عز وجل رأسا في روع النبي صلى الله عليه وسلم. وهذه الصورة إحدى الصور الثلاث لاتصال الله سبحانه بمن يصطفيهم من عباده التي انطوت في آية سورة الشورى هذه :( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم٥١ }.
هذا، ولقد قال بعض المفسرين في صدد آية ﴿ فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ﴾ إنها أمر بوجوب اتباع أوامر القرآن ونواهيه. والمتبادر أنها في صدد أمر النبي عليه السلام بمتابعة استماع وحي الله. ومضمون الآيات جميعها والآية التي جاءت بعد هذه الآية بنوع خاص مما يدعم ذلك ؛ على أن في أقوال المفسرين ما يتطابق مع هذا بل إن بعضهم فنّد القول الأول٣.
١ - انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والطبرسي. وقد روى ذلك أيضا البخاري والترمذي عن ابن عباس (انظر التاج ج ٤ ص ٢٤٨) وهذا نص الحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي وكان مما يحرك في لسانه وشفتيه فيشتد عليه وكان يعرف منه فأنزل الله الآيات فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعد الله)..
٢ - أوردنا الآيات في سياق تفسير سورة القدر..
٣ - انظر تفسير الآيات في الطبري والطبرسي والنيسابوري وغيرهم والتفنيد في تفسير النيسابوري..
( ١ ) قرآنه : هنا بمعنى قراءته لأن قرآن مصدر من مصادر قرأ.
الخطاب في الآيات موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها أمر بعدم تحريك لسانه بالقرآن الذي يوحى إليه مستعجلا آية بعد آية، بل عليه متابعة سماع الآيات إلى أن ينتهي وحيها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦:﴿ لا تحرك به لسانك لتعجل به( ١٦ ) إن علينا جمعه وقرآنه١ ( ١٧ ) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه( ١٨ ) ثم إن علينا بيانه( ١٩ ) ﴾ [ ١٦-١٩ ].
وفيها تطمين بأن الله عز وجل مثبت في وعيه ما يلقى عليه وملهمه بيانه وفهمه.
والآيات جاءت كما هو ظاهر معترضة بين آيات تؤكد مجيء يوم القيامة، وتنذر منكريه وتبين مصائر الناس فيه.
والآيات التالية لها استمرار في نفس الموضوع والسياق. حيث يبدو من هذه أن لا صلة لهذه الآيات بالسياق.
وقد روى المفسرون : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حينما يوحى إليه بالقرآن يردد الآيات واحدة بعد أخرى بشفتيه قبل انتهاء وحيها مستعجلا حفظها وتذكرها خشية نسيانها فنزلت الآية للتنبيه والتعليم والتطمين١.
والرواية متسقة مع الآيات. وورودها في الموضع الذي وردت فيه، والذي يبدو عجيبا لا يستقيم والله أعلم إلا بفرض أن تكون هذه الحادثة قد وقعت أثناء نزول الآيات السابقة لها، فأوحى الله عز وجل بهذه الآيات فورا لبيان ما في العمل من عجلة لا ضرورة لها، فأملى النبي صلى الله عليه وسلم على كاتبه الآيات مع الآيات الأخرى ولو لم تكن متصلة بها موضوعا.
تعليق على دلالة آيات ﴿ لا تحرك به لسانك لتعجل به ﴾ وأخواتها
وفي الآيات صورة رائعة من صورة التنزيل القرآني ووحيه ترد لأول مرة في وقت مبكر نوعا ما من العهد المكي. وهي تثير معاني خطيرة وجليلة نبهنا إليها بإسهاب في كتابنا " القرآن المجيد "، ومن ذلك أنها لا تدع محلا لشك ولا مراء حتى من أشد الناس شكا ومراء بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مؤمنا أقوى الإيمان بأن الوحي الرباني هو الذي كان يوحى إليه بالقرآن، لا على معنى أنه نابع من ذاته، بل على معنى أنه من خارج ذاته، يشعر به في أعماق نفسه ويستمع إليه بأذن بصيرته ويعيه بقلبه. ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شديد الحرص على ألا يفلت منه آية أو كلمة أو حرف أو معنى مما يوحى إليه. ومن ذلك أنه كان يأمر بتدوين ما يوحى إليه حالا ويملي على كاتبه حتى ما هو تعليم خاص له بكيفية تلقيه وحي الله عز وجل وقرآنه ؛ لأنه وحي. ومن ذلك أن الوحي القرآني كان يقذف من الله رأسا في روع النبي صلى الله عليه وسلم. ولما كان هناك آيات صريحة أخرى تفيد أن الله كان ينزل القرآن على النبي بواسطة جبريل الذي ذكر اسمه صراحة في هذا الصدد في آية سورة البقرة [ ٩٧ ] وذكر بوصف الروح الأمين في آية سورة الشعراء [ ١٩٣ ] وبوصف روح القدس في آية سورة النحل [ ١٠٢ ]٢ فيقال بسبيل التوفيق : إن في الآيات التي نحن في صددها صورة من صور الوحي القرآني، وهي قذف هذا الوحي من الله عز وجل رأسا في روع النبي صلى الله عليه وسلم. وهذه الصورة إحدى الصور الثلاث لاتصال الله سبحانه بمن يصطفيهم من عباده التي انطوت في آية سورة الشورى هذه :( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم٥١ }.
هذا، ولقد قال بعض المفسرين في صدد آية ﴿ فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ﴾ إنها أمر بوجوب اتباع أوامر القرآن ونواهيه. والمتبادر أنها في صدد أمر النبي عليه السلام بمتابعة استماع وحي الله. ومضمون الآيات جميعها والآية التي جاءت بعد هذه الآية بنوع خاص مما يدعم ذلك ؛ على أن في أقوال المفسرين ما يتطابق مع هذا بل إن بعضهم فنّد القول الأول٣.
١ - انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والطبرسي. وقد روى ذلك أيضا البخاري والترمذي عن ابن عباس (انظر التاج ج ٤ ص ٢٤٨) وهذا نص الحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي وكان مما يحرك في لسانه وشفتيه فيشتد عليه وكان يعرف منه فأنزل الله الآيات فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعد الله)..
٢ - أوردنا الآيات في سياق تفسير سورة القدر..
٣ - انظر تفسير الآيات في الطبري والطبرسي والنيسابوري وغيرهم والتفنيد في تفسير النيسابوري..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦:﴿ لا تحرك به لسانك لتعجل به( ١٦ ) إن علينا جمعه وقرآنه١ ( ١٧ ) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه( ١٨ ) ثم إن علينا بيانه( ١٩ ) ﴾ [ ١٦-١٩ ].
وفيها تطمين بأن الله عز وجل مثبت في وعيه ما يلقى عليه وملهمه بيانه وفهمه.
والآيات جاءت كما هو ظاهر معترضة بين آيات تؤكد مجيء يوم القيامة، وتنذر منكريه وتبين مصائر الناس فيه.
والآيات التالية لها استمرار في نفس الموضوع والسياق. حيث يبدو من هذه أن لا صلة لهذه الآيات بالسياق.
وقد روى المفسرون : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حينما يوحى إليه بالقرآن يردد الآيات واحدة بعد أخرى بشفتيه قبل انتهاء وحيها مستعجلا حفظها وتذكرها خشية نسيانها فنزلت الآية للتنبيه والتعليم والتطمين١.
والرواية متسقة مع الآيات. وورودها في الموضع الذي وردت فيه، والذي يبدو عجيبا لا يستقيم والله أعلم إلا بفرض أن تكون هذه الحادثة قد وقعت أثناء نزول الآيات السابقة لها، فأوحى الله عز وجل بهذه الآيات فورا لبيان ما في العمل من عجلة لا ضرورة لها، فأملى النبي صلى الله عليه وسلم على كاتبه الآيات مع الآيات الأخرى ولو لم تكن متصلة بها موضوعا.
تعليق على دلالة آيات ﴿ لا تحرك به لسانك لتعجل به ﴾ وأخواتها
وفي الآيات صورة رائعة من صورة التنزيل القرآني ووحيه ترد لأول مرة في وقت مبكر نوعا ما من العهد المكي. وهي تثير معاني خطيرة وجليلة نبهنا إليها بإسهاب في كتابنا " القرآن المجيد "، ومن ذلك أنها لا تدع محلا لشك ولا مراء حتى من أشد الناس شكا ومراء بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مؤمنا أقوى الإيمان بأن الوحي الرباني هو الذي كان يوحى إليه بالقرآن، لا على معنى أنه نابع من ذاته، بل على معنى أنه من خارج ذاته، يشعر به في أعماق نفسه ويستمع إليه بأذن بصيرته ويعيه بقلبه. ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شديد الحرص على ألا يفلت منه آية أو كلمة أو حرف أو معنى مما يوحى إليه. ومن ذلك أنه كان يأمر بتدوين ما يوحى إليه حالا ويملي على كاتبه حتى ما هو تعليم خاص له بكيفية تلقيه وحي الله عز وجل وقرآنه ؛ لأنه وحي. ومن ذلك أن الوحي القرآني كان يقذف من الله رأسا في روع النبي صلى الله عليه وسلم. ولما كان هناك آيات صريحة أخرى تفيد أن الله كان ينزل القرآن على النبي بواسطة جبريل الذي ذكر اسمه صراحة في هذا الصدد في آية سورة البقرة [ ٩٧ ] وذكر بوصف الروح الأمين في آية سورة الشعراء [ ١٩٣ ] وبوصف روح القدس في آية سورة النحل [ ١٠٢ ]٢ فيقال بسبيل التوفيق : إن في الآيات التي نحن في صددها صورة من صور الوحي القرآني، وهي قذف هذا الوحي من الله عز وجل رأسا في روع النبي صلى الله عليه وسلم. وهذه الصورة إحدى الصور الثلاث لاتصال الله سبحانه بمن يصطفيهم من عباده التي انطوت في آية سورة الشورى هذه :( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم٥١ }.
هذا، ولقد قال بعض المفسرين في صدد آية ﴿ فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ﴾ إنها أمر بوجوب اتباع أوامر القرآن ونواهيه. والمتبادر أنها في صدد أمر النبي عليه السلام بمتابعة استماع وحي الله. ومضمون الآيات جميعها والآية التي جاءت بعد هذه الآية بنوع خاص مما يدعم ذلك ؛ على أن في أقوال المفسرين ما يتطابق مع هذا بل إن بعضهم فنّد القول الأول٣.
١ - انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والطبرسي. وقد روى ذلك أيضا البخاري والترمذي عن ابن عباس (انظر التاج ج ٤ ص ٢٤٨) وهذا نص الحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي وكان مما يحرك في لسانه وشفتيه فيشتد عليه وكان يعرف منه فأنزل الله الآيات فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعد الله)..
٢ - أوردنا الآيات في سياق تفسير سورة القدر..
٣ - انظر تفسير الآيات في الطبري والطبرسي والنيسابوري وغيرهم والتفنيد في تفسير النيسابوري..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦:﴿ لا تحرك به لسانك لتعجل به( ١٦ ) إن علينا جمعه وقرآنه١ ( ١٧ ) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه( ١٨ ) ثم إن علينا بيانه( ١٩ ) ﴾ [ ١٦-١٩ ].
وفيها تطمين بأن الله عز وجل مثبت في وعيه ما يلقى عليه وملهمه بيانه وفهمه.
والآيات جاءت كما هو ظاهر معترضة بين آيات تؤكد مجيء يوم القيامة، وتنذر منكريه وتبين مصائر الناس فيه.
والآيات التالية لها استمرار في نفس الموضوع والسياق. حيث يبدو من هذه أن لا صلة لهذه الآيات بالسياق.
وقد روى المفسرون : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حينما يوحى إليه بالقرآن يردد الآيات واحدة بعد أخرى بشفتيه قبل انتهاء وحيها مستعجلا حفظها وتذكرها خشية نسيانها فنزلت الآية للتنبيه والتعليم والتطمين١.
والرواية متسقة مع الآيات. وورودها في الموضع الذي وردت فيه، والذي يبدو عجيبا لا يستقيم والله أعلم إلا بفرض أن تكون هذه الحادثة قد وقعت أثناء نزول الآيات السابقة لها، فأوحى الله عز وجل بهذه الآيات فورا لبيان ما في العمل من عجلة لا ضرورة لها، فأملى النبي صلى الله عليه وسلم على كاتبه الآيات مع الآيات الأخرى ولو لم تكن متصلة بها موضوعا.
تعليق على دلالة آيات ﴿ لا تحرك به لسانك لتعجل به ﴾ وأخواتها
وفي الآيات صورة رائعة من صورة التنزيل القرآني ووحيه ترد لأول مرة في وقت مبكر نوعا ما من العهد المكي. وهي تثير معاني خطيرة وجليلة نبهنا إليها بإسهاب في كتابنا " القرآن المجيد "، ومن ذلك أنها لا تدع محلا لشك ولا مراء حتى من أشد الناس شكا ومراء بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مؤمنا أقوى الإيمان بأن الوحي الرباني هو الذي كان يوحى إليه بالقرآن، لا على معنى أنه نابع من ذاته، بل على معنى أنه من خارج ذاته، يشعر به في أعماق نفسه ويستمع إليه بأذن بصيرته ويعيه بقلبه. ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شديد الحرص على ألا يفلت منه آية أو كلمة أو حرف أو معنى مما يوحى إليه. ومن ذلك أنه كان يأمر بتدوين ما يوحى إليه حالا ويملي على كاتبه حتى ما هو تعليم خاص له بكيفية تلقيه وحي الله عز وجل وقرآنه ؛ لأنه وحي. ومن ذلك أن الوحي القرآني كان يقذف من الله رأسا في روع النبي صلى الله عليه وسلم. ولما كان هناك آيات صريحة أخرى تفيد أن الله كان ينزل القرآن على النبي بواسطة جبريل الذي ذكر اسمه صراحة في هذا الصدد في آية سورة البقرة [ ٩٧ ] وذكر بوصف الروح الأمين في آية سورة الشعراء [ ١٩٣ ] وبوصف روح القدس في آية سورة النحل [ ١٠٢ ]٢ فيقال بسبيل التوفيق : إن في الآيات التي نحن في صددها صورة من صور الوحي القرآني، وهي قذف هذا الوحي من الله عز وجل رأسا في روع النبي صلى الله عليه وسلم. وهذه الصورة إحدى الصور الثلاث لاتصال الله سبحانه بمن يصطفيهم من عباده التي انطوت في آية سورة الشورى هذه :( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم٥١ }.
هذا، ولقد قال بعض المفسرين في صدد آية ﴿ فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ﴾ إنها أمر بوجوب اتباع أوامر القرآن ونواهيه. والمتبادر أنها في صدد أمر النبي عليه السلام بمتابعة استماع وحي الله. ومضمون الآيات جميعها والآية التي جاءت بعد هذه الآية بنوع خاص مما يدعم ذلك ؛ على أن في أقوال المفسرين ما يتطابق مع هذا بل إن بعضهم فنّد القول الأول٣.
١ - انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والطبرسي. وقد روى ذلك أيضا البخاري والترمذي عن ابن عباس (انظر التاج ج ٤ ص ٢٤٨) وهذا نص الحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي وكان مما يحرك في لسانه وشفتيه فيشتد عليه وكان يعرف منه فأنزل الله الآيات فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعد الله)..
٢ - أوردنا الآيات في سياق تفسير سورة القدر..
٣ - انظر تفسير الآيات في الطبري والطبرسي والنيسابوري وغيرهم والتفنيد في تفسير النيسابوري..

﴿ كلا بل تحبون العاجلة( ٢٠ ) وتذرون الآخرة( ٢١ ) وجوه يومئذ ناضرة١ ( ٢٢ ) إلى ربها ناظرة( ٢٣ ) ووجوه يومئذ باسرة٢ ( ٢٤ ) تظن لن يفعل بها فاقرة٣( ٢٥ ) ﴾ [ ٢٠-٢٥ ].
الخطاب في الآيات موجه إلى مخاطبين سامعين. وهي بسبيل تقرير أسباب ما يحدو بالناس إلى تكذيب يوم القيامة، وهي استغراقهم في محبة الدنيا وإهمالهم الآخرة. وقد احتوت بيانا استطراديا على سبيل الإنذار فالناس في الآخرة فريقان : فريق ناضر الوجه لما يشعر به من الرضى والطمأنينة ينظر إلى ربه، وفريق عابس لما يتوقعه من الهول الذي يكسر فقار الظهر.
والخطاب في الآيات وإن كان مطلقا، فإن الآيتين الأوليين منها تدلان على أنه موجه بخاصة إلى منكري البعث والجزاء على سبيل التنديد بهم.
والذي تلهمه روح الآيات أن التنديد ليس موجها لمحبة الناس الدنيا ورغبتهم في الاستمتاع بخيراتها وطيباتها إطلاقا، فهذا من فطرة الله التي فطر الناس عليها، وإنما هو موجه بخاصة للذين يندفعون في ذلك بدون تقيد ولا تحفظ ولا تفكير بالمصير الأخروي وما يجب عليهم إزاءه من حسن التصرف والقصد والقيام بالواجبات نحو الله عز وجل ونحو الناس. فالذين يأخذون من العاجلة أي من الحياة الدنيا ما هو مشروع لا إسراف فيه، ولا يهملون ما يجب عليهم نحو الله والناس ولا ينسون الآخرة والعمل لها لا يدخلون في شمول التنديد. وهذا مبدأ من المبادئ القرآنية المكررة بأساليب ومناسبات عديدة. وقد نبهنا على ذلك في مناسبات سابقة.
تعليق على موضوع رؤية الناس لله عز وجل
ولقد كانت الآيتان ﴿ وجوه يومئذ ناضرة٢٢ إلى ربها ناظرة ﴾ من الآيات التي نحن في صددها وأمثالها مما يحتوي معنى رؤية الله من قبل عباده من المسائل الخلافية بين علماء الكلام والفرق الإسلامية. وهذه المسألة هي غير مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لله عز وجل التي كتبنا تعليقا عليها في سياق بعض آيات سورة النجم، وإن تكن غير منفصلة عن مداها بصورة عامة. ولقد استند فريق من العلماء إلى هاتين الآيتين وأمثالهما وإلى أحاديث نبوية وصحابية متنوعة الرتب فقالوا بإمكان الرؤية. واستند فريق آخر إلى آيات أخرى وإلى أحاديث مماثلة فقالوا : بعدم إمكانها. ومن الفريق الأول من أكد إمكانها في الآخرة بنوع خاص استنادا إلى أحاديث نبوية عديدة توصف بالصحة والقوة. ومنهم من استند إلى آيات واحدة في النفس والإثبات فقال النافون : إن آية سورة الأعراف ﴿ ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين١٤٣ ﴾ تنفي الرؤية على التأبيد باستعمالها تعبير ﴿ لن تراني ﴾ وإن تعليقها إمكان الرؤية على استقرار الجبل هو من قبيل تقرير كون الجبل لن يستقر لتجلي الله. في حين قال المثبتون : إن الله علق الرؤية على شيء غير مستحيل، وإن رسول الله موسى عليه السلام ما كان يمكن أن يطلب شيئا لو علم أنه مستحيل. وقال المثبتون : إن جملة ﴿ إلى ربها ناظرة ﴾ تتضمن وعدا ربانيا بالرؤية وتوكيد إمكانها في حين قال النافون : إنها لا تتضمن معنى الرؤية، وإن معناها أنها منتظرة أوامر ربها وثوابه. واستند النافون إلى آية سورة الأنعام هذه :﴿ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير١٠٣ ﴾ في نفي إمكان الرؤية في حين قال المثبتون : إنها لا تنفي الرؤية وإنما هي بسبيل تقرير عدم إمكان الإحاطة بالله وكنهه وعلمه. كما قال بعض الذين يثبتون الرؤية في الآخرة دون الدنيا : إن هذه الآية خاصة بالدنيا ؛ لأن أبصار أهل الدنيا فيها لا تقوى على ذلك بخلاف أبصار أهل الآخرة من عباد الله المؤمنين.
ومن الأحاديث التي أوردها المثبتون لرؤية ربهم يوم القيامة بنوع خاص حديث رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة جاء فيه :( أن أناسا قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال : هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب ؟ قالوا : لا، قال : فإنكم ترون ربكم كذلك }١. وحديث رواه البخاري ومسلم كذلك عن جرير قال :( نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال : إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر. فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا )٢. وحديث رواه مسلم عن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إذا دخل أهل الجنة الجنة قال : يقول الله تعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم. وهي الزيادة في هذه الآية ﴿ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ﴾ )٣.
وحديث رواه الترمذي والإمام أحمد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه وخدمه وسروره مسيرة ألف سنة. وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم قرأ رسول الله :﴿ وجوه يومئذ ناضرة٢٢ إلى ربها ناظرة ﴾ )٤. ومن الأحاديث التي في جانب عدم إمكان رؤية الله عز وجل حديث رواه الإمام أحمد عن مسروق قال :( سألت عائشة فقلت : يا أم المؤمنين : هل رأى محمد ربه عز وجل ؟ قالت : سبحان الله، لقد قف شعري لما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب : من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب ثم قرأت :﴿ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ﴾ [ الأنعام : ١٠٣ ] و﴿ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ﴾ [ الشورى : ٥١ ] ومن أخبرك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت :﴿ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ﴾ [ لقمان : ٣٤ ] الآية، ومن أخبرك أن محمدا قد كتم فقد كذب ثم قرأت :﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ﴾ [ المائدة : ٦٧ ]. ولكنه رأى جبريل مرتين في صورته )٥.
وحديث رواه مسلم عن أبي ذر قال :( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ فقال : نور، أنى أراه ). وحديث رواه مسلم عن عبد الله بن شفيق قال :( قلت لأبي ذر : لو رأيت رسول الله لسألته. فقال عن أي شيء كنت تسأله ؟ قال : كنت أسأله هل رأيت ربك ؟ قال أبو ذر : قد سألته فقال : رأيت نورا ). وحديث رواه النسائي عن أبي ذر قال :( رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه ولم يره ببصره ). ووصل الأمر بين الفريقين إلى التهاجي ؛ لأن الفريق المثبت قال : إن رؤية الله ممكنة بلا كيفية. فهجاهم النافون حيث قال قائل منهم :
وجماعة سموا هواهم سنة لجماعة حمر لعمري مؤكفة
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا شنع الورى فتستروا بالبلكفة
ورد عليهم خصومهم فقال قائلهم :
وجماعة كفروا برؤية ربهم حقا ووعد الله ما لن يخلفه
وتلقبوا عدلية قلنا : أجل عدلوا بربهم فحسبهمو سفه
وتلقبوا الناجين كلا إنهم إن لم يكونوا في لظى فعلى شفه
مع أن الفريقين مخلصان في إيمانهم بالله ورسوله واليوم الآخر وفي تنزيه الله عز وجل عن المماثلة لأي شيء كل الإخلاص. وقصارى اختلافهم أن الفريق النافي ينزه الله عن الجسمانية التي لا يمكن للرؤية البصرية أن تتحقق إلا بها، ويتوقف في الأحاديث الواردة بإمكان ذلك في الآخرة. والفريق المثبت يقف عند هذه الأحاديث مع تنزيه الله عز وجل عن المماثلة والتحفز في صدد الكيفية.
ولقد عقد السيد رشيد رضا في الجزء التاسع من تفسيره فصلا طويلا في سياق تفسير آية سورة الأعراف المذكورة آنفا على مسألة رؤية الله عز وجل، وأورد كثيرا مما روي وقيل فيها من أحاديث وأقوال وخلافات كلاميين وتأويلات متنوعة للنصوص وانتهى به الكلام إلى القول : إنه ليس هناك نص قطعي الرواية والدلالة على الرؤية البصرية. وليست من العقائد الدينية الضرورية العلم كما أنها ليست مما كان يدعى إليها في تبليغ الدين مع التوحيد والرسالة٦.
ونحن بدورنا نقول : إنه ليس في القرآن فيما يتبادر لنا من النصوص شيء صريح وقطعي بإمكان رؤية الله عز وجل في الدنيا والآخرة. وفيه ما ينفي عنه المماثلة لأي شيء ما لا يمكن أن يتحقق أي معنى من معاني الرؤية البصرية إلا بها، وفيه ما ينفي احتمال إدراك الأبصار له. وفي الأحاديث المأثورة ما فيه نفي لإمكان الرؤية مطلقا. وإذا كان من الحق أن يقال : إن الأحاديث التي تذكر إمكان ذلك في الآخرة عديدة وقوية السند ولا يصح إنكارها، فإن اتصال الأمر بالحياة الأخروية يسوغ عطفها على هذه الحياة المغيبة التي يجب الإيمان بها على إطلاقها. ونحن نرى بعد أن الخلاف والجدل والكلام في هذه المسألة وأمثالها مما يتصل بذات الله عز وجل لا طائل من ورائه ؛ لأنه متصل بالحقيقة الإلهية الكبرى التي يجب الإيمان بوجوب وجودها استدلالا من الكون ورسالات الرسل دون الدخول في بحث كنهها أو ماهيتها الذي لا سبيل إلى الوصول منه إلى نتيجة إيجابية، مع ملاحظة الضابط القرآني المحكم القاطع الذي ينطوي في الآية [ ١١ ] من سورة الشورى وهو ﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾ ومع ملاحظة أن الألفاظ المستعملة فيها يتصل بذات الله تعالى إنما تستعمل للتقريب والتمثيل للسامعين من البشر بأسلوب خطابهم ومفهوماتهم فلا محل للدخول بسببها في متاهات لا نهاية لها. وأن الأولى أن يقف المسلم منها ومن أمثالها موقف المتحفظ المؤمن بتلك الحقيقة الكبرى، مع التنزيه المطلق الواجب لله عز وجل عن المكان والحدود والجسمانية، وما يتناقض معها من كيفيات وماهيات وحركات وهو ما كان عليه من السلف الصالح في الصدر الإسلامي الأول.
هذا، مع القول بوجوب الإيمان بما صح عن رسول الله من أخبار متصلة بالمشاهد الأخروية، وبأنه لا بد من أن يكون في ذلك حكمة، وقد يتبادر من نصوص الأحاديث أن التبشير وإثارة الغبطة في نفوس المؤمنين وجعلهم يتوسلون بكل وسيلة إلى نيل رضاء الله، والمنزلة السامية عنده في الآخرة من تلك الحكمة. والله أعلم.
١ -التاج جـ ٥ ص ٣٥٧..
٢ - التاج جـ ٤ ص ٢١٧..
٣ - المصدر نفسه ص ١٢٩..
٤ - التاج، ج ٥ ص ٢٢٠..
٥ - تفسير ابن كثير. وروى هذا الحديث بصيغة قريبة الشيخان والترمذي وأوردناها في تعليقنا على رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في سورة [النجم]. وهناك أحاديث أخرى يرويها المفسرون فاكتفينا بما أوردناه مما ورد في كتب الأحاديث الصحيحة وقريبا منه. انظر تفسير هذه الآيات وتفسير سورة [ق] و[الأنعام] في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والخازن ورشيد رضا وغيرهم..
٦ - بالإضافة إلى هذا الفصل الطويل انظر هذه المسألة في تفسير سور [الأنعام والأعراف والقيامة والإسراء والنجم] في كتب تفسير الطبري والبغوي والزمخشري وابن كثير والخازن والطبرسي وغيرهم. وانظر كتابه في مجموعة تفسير شيخ الإسلام ابن تيمية نشر عبد الصمد شرف الدين في بومباي عام ١٣٧٤ هـ تفسير سورة الأعلى أيضا. وما أوردناه في النبذة مستقى منها..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠:﴿ كلا بل تحبون العاجلة( ٢٠ ) وتذرون الآخرة( ٢١ ) وجوه يومئذ ناضرة١ ( ٢٢ ) إلى ربها ناظرة( ٢٣ ) ووجوه يومئذ باسرة٢ ( ٢٤ ) تظن لن يفعل بها فاقرة٣( ٢٥ ) ﴾ [ ٢٠-٢٥ ].
الخطاب في الآيات موجه إلى مخاطبين سامعين. وهي بسبيل تقرير أسباب ما يحدو بالناس إلى تكذيب يوم القيامة، وهي استغراقهم في محبة الدنيا وإهمالهم الآخرة. وقد احتوت بيانا استطراديا على سبيل الإنذار فالناس في الآخرة فريقان : فريق ناضر الوجه لما يشعر به من الرضى والطمأنينة ينظر إلى ربه، وفريق عابس لما يتوقعه من الهول الذي يكسر فقار الظهر.
والخطاب في الآيات وإن كان مطلقا، فإن الآيتين الأوليين منها تدلان على أنه موجه بخاصة إلى منكري البعث والجزاء على سبيل التنديد بهم.
والذي تلهمه روح الآيات أن التنديد ليس موجها لمحبة الناس الدنيا ورغبتهم في الاستمتاع بخيراتها وطيباتها إطلاقا، فهذا من فطرة الله التي فطر الناس عليها، وإنما هو موجه بخاصة للذين يندفعون في ذلك بدون تقيد ولا تحفظ ولا تفكير بالمصير الأخروي وما يجب عليهم إزاءه من حسن التصرف والقصد والقيام بالواجبات نحو الله عز وجل ونحو الناس. فالذين يأخذون من العاجلة أي من الحياة الدنيا ما هو مشروع لا إسراف فيه، ولا يهملون ما يجب عليهم نحو الله والناس ولا ينسون الآخرة والعمل لها لا يدخلون في شمول التنديد. وهذا مبدأ من المبادئ القرآنية المكررة بأساليب ومناسبات عديدة. وقد نبهنا على ذلك في مناسبات سابقة.
تعليق على موضوع رؤية الناس لله عز وجل
ولقد كانت الآيتان ﴿ وجوه يومئذ ناضرة٢٢ إلى ربها ناظرة ﴾ من الآيات التي نحن في صددها وأمثالها مما يحتوي معنى رؤية الله من قبل عباده من المسائل الخلافية بين علماء الكلام والفرق الإسلامية. وهذه المسألة هي غير مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لله عز وجل التي كتبنا تعليقا عليها في سياق بعض آيات سورة النجم، وإن تكن غير منفصلة عن مداها بصورة عامة. ولقد استند فريق من العلماء إلى هاتين الآيتين وأمثالهما وإلى أحاديث نبوية وصحابية متنوعة الرتب فقالوا بإمكان الرؤية. واستند فريق آخر إلى آيات أخرى وإلى أحاديث مماثلة فقالوا : بعدم إمكانها. ومن الفريق الأول من أكد إمكانها في الآخرة بنوع خاص استنادا إلى أحاديث نبوية عديدة توصف بالصحة والقوة. ومنهم من استند إلى آيات واحدة في النفس والإثبات فقال النافون : إن آية سورة الأعراف ﴿ ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين١٤٣ ﴾ تنفي الرؤية على التأبيد باستعمالها تعبير ﴿ لن تراني ﴾ وإن تعليقها إمكان الرؤية على استقرار الجبل هو من قبيل تقرير كون الجبل لن يستقر لتجلي الله. في حين قال المثبتون : إن الله علق الرؤية على شيء غير مستحيل، وإن رسول الله موسى عليه السلام ما كان يمكن أن يطلب شيئا لو علم أنه مستحيل. وقال المثبتون : إن جملة ﴿ إلى ربها ناظرة ﴾ تتضمن وعدا ربانيا بالرؤية وتوكيد إمكانها في حين قال النافون : إنها لا تتضمن معنى الرؤية، وإن معناها أنها منتظرة أوامر ربها وثوابه. واستند النافون إلى آية سورة الأنعام هذه :﴿ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير١٠٣ ﴾ في نفي إمكان الرؤية في حين قال المثبتون : إنها لا تنفي الرؤية وإنما هي بسبيل تقرير عدم إمكان الإحاطة بالله وكنهه وعلمه. كما قال بعض الذين يثبتون الرؤية في الآخرة دون الدنيا : إن هذه الآية خاصة بالدنيا ؛ لأن أبصار أهل الدنيا فيها لا تقوى على ذلك بخلاف أبصار أهل الآخرة من عباد الله المؤمنين.
ومن الأحاديث التي أوردها المثبتون لرؤية ربهم يوم القيامة بنوع خاص حديث رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة جاء فيه :( أن أناسا قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال : هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب ؟ قالوا : لا، قال : فإنكم ترون ربكم كذلك }١. وحديث رواه البخاري ومسلم كذلك عن جرير قال :( نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال : إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر. فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا )٢. وحديث رواه مسلم عن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إذا دخل أهل الجنة الجنة قال : يقول الله تعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم. وهي الزيادة في هذه الآية ﴿ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ﴾ )٣.
وحديث رواه الترمذي والإمام أحمد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه وخدمه وسروره مسيرة ألف سنة. وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم قرأ رسول الله :﴿ وجوه يومئذ ناضرة٢٢ إلى ربها ناظرة ﴾ )٤. ومن الأحاديث التي في جانب عدم إمكان رؤية الله عز وجل حديث رواه الإمام أحمد عن مسروق قال :( سألت عائشة فقلت : يا أم المؤمنين : هل رأى محمد ربه عز وجل ؟ قالت : سبحان الله، لقد قف شعري لما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب : من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب ثم قرأت :﴿ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ﴾ [ الأنعام : ١٠٣ ] و﴿ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ﴾ [ الشورى : ٥١ ] ومن أخبرك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت :﴿ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ﴾ [ لقمان : ٣٤ ] الآية، ومن أخبرك أن محمدا قد كتم فقد كذب ثم قرأت :﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ﴾ [ المائدة : ٦٧ ]. ولكنه رأى جبريل مرتين في صورته )٥.
وحديث رواه مسلم عن أبي ذر قال :( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ فقال : نور، أنى أراه ). وحديث رواه مسلم عن عبد الله بن شفيق قال :( قلت لأبي ذر : لو رأيت رسول الله لسألته. فقال عن أي شيء كنت تسأله ؟ قال : كنت أسأله هل رأيت ربك ؟ قال أبو ذر : قد سألته فقال : رأيت نورا ). وحديث رواه النسائي عن أبي ذر قال :( رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه ولم يره ببصره ). ووصل الأمر بين الفريقين إلى التهاجي ؛ لأن الفريق المثبت قال : إن رؤية الله ممكنة بلا كيفية. فهجاهم النافون حيث قال قائل منهم :
وجماعة سموا هواهم سنة لجماعة حمر لعمري مؤكفة
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا شنع الورى فتستروا بالبلكفة

ورد عليهم خصومهم فقال قائلهم :

وجماعة كفروا برؤية ربهم حقا ووعد الله ما لن يخلفه
وتلقبوا عدلية قلنا : أجل عدلوا بربهم فحسبهمو سفه
وتلقبوا الناجين كلا إنهم إن لم يكونوا في لظى فعلى شفه
مع أن الفريقين مخلصان في إيمانهم بالله ورسوله واليوم الآخر وفي تنزيه الله عز وجل عن المماثلة لأي شيء كل الإخلاص. وقصارى اختلافهم أن الفريق النافي ينزه الله عن الجسمانية التي لا يمكن للرؤية البصرية أن تتحقق إلا بها، ويتوقف في الأحاديث الواردة بإمكان ذلك في الآخرة. والفريق المثبت يقف عند هذه الأحاديث مع تنزيه الله عز وجل عن المماثلة والتحفز في صدد الكيفية.
ولقد عقد السيد رشيد رضا في الجزء التاسع من تفسيره فصلا طويلا في سياق تفسير آية سورة الأعراف المذكورة آنفا على مسألة رؤية الله عز وجل، وأورد كثيرا مما روي وقيل فيها من أحاديث وأقوال وخلافات كلاميين وتأويلات متنوعة للنصوص وانتهى به الكلام إلى القول : إنه ليس هناك نص قطعي الرواية والدلالة على الرؤية البصرية. وليست من العقائد الدينية الضرورية العلم كما أنها ليست مما كان يدعى إليها في تبليغ الدين مع التوحيد والرسالة٦.
ونحن بدورنا نقول : إنه ليس في القرآن فيما يتبادر لنا من النصوص شيء صريح وقطعي بإمكان رؤية الله عز وجل في الدنيا والآخرة. وفيه ما ينفي عنه المماثلة لأي شيء ما لا يمكن أن يتحقق أي معنى من معاني الرؤية البصرية إلا بها، وفيه ما ينفي احتمال إدراك الأبصار له. وفي الأحاديث المأثورة ما فيه نفي لإمكان الرؤية مطلقا. وإذا كان من الحق أن يقال : إن الأحاديث التي تذكر إمكان ذلك في الآخرة عديدة وقوية السند ولا يصح إنكارها، فإن اتصال الأمر بالحياة الأخروية يسوغ عطفها على هذه الحياة المغيبة التي يجب الإيمان بها على إطلاقها. ونحن نرى بعد أن الخلاف والجدل والكلام في هذه المسألة وأمثالها مما يتصل بذات الله عز وجل لا طائل من ورائه ؛ لأنه متصل بالحقيقة الإلهية الكبرى التي يجب الإيمان بوجوب وجودها استدلالا من الكون ورسالات الرسل دون الدخول في بحث كنهها أو ماهيتها الذي لا سبيل إلى الوصول منه إلى نتيجة إيجابية، مع ملاحظة الضابط القرآني المحكم القاطع الذي ينطوي في الآية [ ١١ ] من سورة الشورى وهو ﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾ ومع ملاحظة أن الألفاظ المستعملة فيها يتصل بذات الله تعالى إنما تستعمل للتقريب والتمثيل للسامعين من البشر بأسلوب خطابهم ومفهوماتهم فلا محل للدخول بسببها في متاهات لا نهاية لها. وأن الأولى أن يقف المسلم منها ومن أمثالها موقف المتحفظ المؤمن بتلك الحقيقة الكبرى، مع التنزيه المطلق الواجب لله عز وجل عن المكان والحدود والجسمانية، وما يتناقض معها من كيفيات وماهيات وحركات وهو ما كان عليه من السلف الصالح في الصدر الإسلامي الأول.
هذا، مع القول بوجوب الإيمان بما صح عن رسول الله من أخبار متصلة بالمشاهد الأخروية، وبأنه لا بد من أن يكون في ذلك حكمة، وقد يتبادر من نصوص الأحاديث أن التبشير وإثارة الغبطة في نفوس المؤمنين وجعلهم يتوسلون بكل وسيلة إلى نيل رضاء الله، والمنزلة السامية عنده في الآخرة من تلك الحكمة. والله أعلم.
١ -التاج جـ ٥ ص ٣٥٧..
٢ - التاج جـ ٤ ص ٢١٧..
٣ - المصدر نفسه ص ١٢٩..
٤ - التاج، ج ٥ ص ٢٢٠..
٥ - تفسير ابن كثير. وروى هذا الحديث بصيغة قريبة الشيخان والترمذي وأوردناها في تعليقنا على رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في سورة [النجم]. وهناك أحاديث أخرى يرويها المفسرون فاكتفينا بما أوردناه مما ورد في كتب الأحاديث الصحيحة وقريبا منه. انظر تفسير هذه الآيات وتفسير سورة [ق] و[الأنعام] في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والخازن ورشيد رضا وغيرهم..
٦ - بالإضافة إلى هذا الفصل الطويل انظر هذه المسألة في تفسير سور [الأنعام والأعراف والقيامة والإسراء والنجم] في كتب تفسير الطبري والبغوي والزمخشري وابن كثير والخازن والطبرسي وغيرهم. وانظر كتابه في مجموعة تفسير شيخ الإسلام ابن تيمية نشر عبد الصمد شرف الدين في بومباي عام ١٣٧٤ هـ تفسير سورة الأعلى أيضا. وما أوردناه في النبذة مستقى منها..

( ١ ) ناضرة : مشرقة من السرور.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢١:نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠:﴿ كلا بل تحبون العاجلة( ٢٠ ) وتذرون الآخرة( ٢١ ) وجوه يومئذ ناضرة١ ( ٢٢ ) إلى ربها ناظرة( ٢٣ ) ووجوه يومئذ باسرة٢ ( ٢٤ ) تظن لن يفعل بها فاقرة٣( ٢٥ ) ﴾ [ ٢٠-٢٥ ].
الخطاب في الآيات موجه إلى مخاطبين سامعين. وهي بسبيل تقرير أسباب ما يحدو بالناس إلى تكذيب يوم القيامة، وهي استغراقهم في محبة الدنيا وإهمالهم الآخرة. وقد احتوت بيانا استطراديا على سبيل الإنذار فالناس في الآخرة فريقان : فريق ناضر الوجه لما يشعر به من الرضى والطمأنينة ينظر إلى ربه، وفريق عابس لما يتوقعه من الهول الذي يكسر فقار الظهر.
والخطاب في الآيات وإن كان مطلقا، فإن الآيتين الأوليين منها تدلان على أنه موجه بخاصة إلى منكري البعث والجزاء على سبيل التنديد بهم.
والذي تلهمه روح الآيات أن التنديد ليس موجها لمحبة الناس الدنيا ورغبتهم في الاستمتاع بخيراتها وطيباتها إطلاقا، فهذا من فطرة الله التي فطر الناس عليها، وإنما هو موجه بخاصة للذين يندفعون في ذلك بدون تقيد ولا تحفظ ولا تفكير بالمصير الأخروي وما يجب عليهم إزاءه من حسن التصرف والقصد والقيام بالواجبات نحو الله عز وجل ونحو الناس. فالذين يأخذون من العاجلة أي من الحياة الدنيا ما هو مشروع لا إسراف فيه، ولا يهملون ما يجب عليهم نحو الله والناس ولا ينسون الآخرة والعمل لها لا يدخلون في شمول التنديد. وهذا مبدأ من المبادئ القرآنية المكررة بأساليب ومناسبات عديدة. وقد نبهنا على ذلك في مناسبات سابقة.
تعليق على موضوع رؤية الناس لله عز وجل
ولقد كانت الآيتان ﴿ وجوه يومئذ ناضرة٢٢ إلى ربها ناظرة ﴾ من الآيات التي نحن في صددها وأمثالها مما يحتوي معنى رؤية الله من قبل عباده من المسائل الخلافية بين علماء الكلام والفرق الإسلامية. وهذه المسألة هي غير مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لله عز وجل التي كتبنا تعليقا عليها في سياق بعض آيات سورة النجم، وإن تكن غير منفصلة عن مداها بصورة عامة. ولقد استند فريق من العلماء إلى هاتين الآيتين وأمثالهما وإلى أحاديث نبوية وصحابية متنوعة الرتب فقالوا بإمكان الرؤية. واستند فريق آخر إلى آيات أخرى وإلى أحاديث مماثلة فقالوا : بعدم إمكانها. ومن الفريق الأول من أكد إمكانها في الآخرة بنوع خاص استنادا إلى أحاديث نبوية عديدة توصف بالصحة والقوة. ومنهم من استند إلى آيات واحدة في النفس والإثبات فقال النافون : إن آية سورة الأعراف ﴿ ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين١٤٣ ﴾ تنفي الرؤية على التأبيد باستعمالها تعبير ﴿ لن تراني ﴾ وإن تعليقها إمكان الرؤية على استقرار الجبل هو من قبيل تقرير كون الجبل لن يستقر لتجلي الله. في حين قال المثبتون : إن الله علق الرؤية على شيء غير مستحيل، وإن رسول الله موسى عليه السلام ما كان يمكن أن يطلب شيئا لو علم أنه مستحيل. وقال المثبتون : إن جملة ﴿ إلى ربها ناظرة ﴾ تتضمن وعدا ربانيا بالرؤية وتوكيد إمكانها في حين قال النافون : إنها لا تتضمن معنى الرؤية، وإن معناها أنها منتظرة أوامر ربها وثوابه. واستند النافون إلى آية سورة الأنعام هذه :﴿ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير١٠٣ ﴾ في نفي إمكان الرؤية في حين قال المثبتون : إنها لا تنفي الرؤية وإنما هي بسبيل تقرير عدم إمكان الإحاطة بالله وكنهه وعلمه. كما قال بعض الذين يثبتون الرؤية في الآخرة دون الدنيا : إن هذه الآية خاصة بالدنيا ؛ لأن أبصار أهل الدنيا فيها لا تقوى على ذلك بخلاف أبصار أهل الآخرة من عباد الله المؤمنين.
ومن الأحاديث التي أوردها المثبتون لرؤية ربهم يوم القيامة بنوع خاص حديث رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة جاء فيه :( أن أناسا قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال : هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب ؟ قالوا : لا، قال : فإنكم ترون ربكم كذلك }١. وحديث رواه البخاري ومسلم كذلك عن جرير قال :( نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال : إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر. فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا )٢. وحديث رواه مسلم عن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إذا دخل أهل الجنة الجنة قال : يقول الله تعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم. وهي الزيادة في هذه الآية ﴿ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ﴾ )٣.
وحديث رواه الترمذي والإمام أحمد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه وخدمه وسروره مسيرة ألف سنة. وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم قرأ رسول الله :﴿ وجوه يومئذ ناضرة٢٢ إلى ربها ناظرة ﴾ )٤. ومن الأحاديث التي في جانب عدم إمكان رؤية الله عز وجل حديث رواه الإمام أحمد عن مسروق قال :( سألت عائشة فقلت : يا أم المؤمنين : هل رأى محمد ربه عز وجل ؟ قالت : سبحان الله، لقد قف شعري لما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب : من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب ثم قرأت :﴿ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ﴾ [ الأنعام : ١٠٣ ] و﴿ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ﴾ [ الشورى : ٥١ ] ومن أخبرك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت :﴿ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ﴾ [ لقمان : ٣٤ ] الآية، ومن أخبرك أن محمدا قد كتم فقد كذب ثم قرأت :﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ﴾ [ المائدة : ٦٧ ]. ولكنه رأى جبريل مرتين في صورته )٥.
وحديث رواه مسلم عن أبي ذر قال :( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ فقال : نور، أنى أراه ). وحديث رواه مسلم عن عبد الله بن شفيق قال :( قلت لأبي ذر : لو رأيت رسول الله لسألته. فقال عن أي شيء كنت تسأله ؟ قال : كنت أسأله هل رأيت ربك ؟ قال أبو ذر : قد سألته فقال : رأيت نورا ). وحديث رواه النسائي عن أبي ذر قال :( رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه ولم يره ببصره ). ووصل الأمر بين الفريقين إلى التهاجي ؛ لأن الفريق المثبت قال : إن رؤية الله ممكنة بلا كيفية. فهجاهم النافون حيث قال قائل منهم :
وجماعة سموا هواهم سنة لجماعة حمر لعمري مؤكفة
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا شنع الورى فتستروا بالبلكفة

ورد عليهم خصومهم فقال قائلهم :

وجماعة كفروا برؤية ربهم حقا ووعد الله ما لن يخلفه
وتلقبوا عدلية قلنا : أجل عدلوا بربهم فحسبهمو سفه
وتلقبوا الناجين كلا إنهم إن لم يكونوا في لظى فعلى شفه
مع أن الفريقين مخلصان في إيمانهم بالله ورسوله واليوم الآخر وفي تنزيه الله عز وجل عن المماثلة لأي شيء كل الإخلاص. وقصارى اختلافهم أن الفريق النافي ينزه الله عن الجسمانية التي لا يمكن للرؤية البصرية أن تتحقق إلا بها، ويتوقف في الأحاديث الواردة بإمكان ذلك في الآخرة. والفريق المثبت يقف عند هذه الأحاديث مع تنزيه الله عز وجل عن المماثلة والتحفز في صدد الكيفية.
ولقد عقد السيد رشيد رضا في الجزء التاسع من تفسيره فصلا طويلا في سياق تفسير آية سورة الأعراف المذكورة آنفا على مسألة رؤية الله عز وجل، وأورد كثيرا مما روي وقيل فيها من أحاديث وأقوال وخلافات كلاميين وتأويلات متنوعة للنصوص وانتهى به الكلام إلى القول : إنه ليس هناك نص قطعي الرواية والدلالة على الرؤية البصرية. وليست من العقائد الدينية الضرورية العلم كما أنها ليست مما كان يدعى إليها في تبليغ الدين مع التوحيد والرسالة٦.
ونحن بدورنا نقول : إنه ليس في القرآن فيما يتبادر لنا من النصوص شيء صريح وقطعي بإمكان رؤية الله عز وجل في الدنيا والآخرة. وفيه ما ينفي عنه المماثلة لأي شيء ما لا يمكن أن يتحقق أي معنى من معاني الرؤية البصرية إلا بها، وفيه ما ينفي احتمال إدراك الأبصار له. وفي الأحاديث المأثورة ما فيه نفي لإمكان الرؤية مطلقا. وإذا كان من الحق أن يقال : إن الأحاديث التي تذكر إمكان ذلك في الآخرة عديدة وقوية السند ولا يصح إنكارها، فإن اتصال الأمر بالحياة الأخروية يسوغ عطفها على هذه الحياة المغيبة التي يجب الإيمان بها على إطلاقها. ونحن نرى بعد أن الخلاف والجدل والكلام في هذه المسألة وأمثالها مما يتصل بذات الله عز وجل لا طائل من ورائه ؛ لأنه متصل بالحقيقة الإلهية الكبرى التي يجب الإيمان بوجوب وجودها استدلالا من الكون ورسالات الرسل دون الدخول في بحث كنهها أو ماهيتها الذي لا سبيل إلى الوصول منه إلى نتيجة إيجابية، مع ملاحظة الضابط القرآني المحكم القاطع الذي ينطوي في الآية [ ١١ ] من سورة الشورى وهو ﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾ ومع ملاحظة أن الألفاظ المستعملة فيها يتصل بذات الله تعالى إنما تستعمل للتقريب والتمثيل للسامعين من البشر بأسلوب خطابهم ومفهوماتهم فلا محل للدخول بسببها في متاهات لا نهاية لها. وأن الأولى أن يقف المسلم منها ومن أمثالها موقف المتحفظ المؤمن بتلك الحقيقة الكبرى، مع التنزيه المطلق الواجب لله عز وجل عن المكان والحدود والجسمانية، وما يتناقض معها من كيفيات وماهيات وحركات وهو ما كان عليه من السلف الصالح في الصدر الإسلامي الأول.
هذا، مع القول بوجوب الإيمان بما صح عن رسول الله من أخبار متصلة بالمشاهد الأخروية، وبأنه لا بد من أن يكون في ذلك حكمة، وقد يتبادر من نصوص الأحاديث أن التبشير وإثارة الغبطة في نفوس المؤمنين وجعلهم يتوسلون بكل وسيلة إلى نيل رضاء الله، والمنزلة السامية عنده في الآخرة من تلك الحكمة. والله أعلم.
١ -التاج جـ ٥ ص ٣٥٧..
٢ - التاج جـ ٤ ص ٢١٧..
٣ - المصدر نفسه ص ١٢٩..
٤ - التاج، ج ٥ ص ٢٢٠..
٥ - تفسير ابن كثير. وروى هذا الحديث بصيغة قريبة الشيخان والترمذي وأوردناها في تعليقنا على رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في سورة [النجم]. وهناك أحاديث أخرى يرويها المفسرون فاكتفينا بما أوردناه مما ورد في كتب الأحاديث الصحيحة وقريبا منه. انظر تفسير هذه الآيات وتفسير سورة [ق] و[الأنعام] في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والخازن ورشيد رضا وغيرهم..
٦ - بالإضافة إلى هذا الفصل الطويل انظر هذه المسألة في تفسير سور [الأنعام والأعراف والقيامة والإسراء والنجم] في كتب تفسير الطبري والبغوي والزمخشري وابن كثير والخازن والطبرسي وغيرهم. وانظر كتابه في مجموعة تفسير شيخ الإسلام ابن تيمية نشر عبد الصمد شرف الدين في بومباي عام ١٣٧٤ هـ تفسير سورة الأعلى أيضا. وما أوردناه في النبذة مستقى منها..


نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢١:نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠:﴿ كلا بل تحبون العاجلة( ٢٠ ) وتذرون الآخرة( ٢١ ) وجوه يومئذ ناضرة١ ( ٢٢ ) إلى ربها ناظرة( ٢٣ ) ووجوه يومئذ باسرة٢ ( ٢٤ ) تظن لن يفعل بها فاقرة٣( ٢٥ ) ﴾ [ ٢٠-٢٥ ].
الخطاب في الآيات موجه إلى مخاطبين سامعين. وهي بسبيل تقرير أسباب ما يحدو بالناس إلى تكذيب يوم القيامة، وهي استغراقهم في محبة الدنيا وإهمالهم الآخرة. وقد احتوت بيانا استطراديا على سبيل الإنذار فالناس في الآخرة فريقان : فريق ناضر الوجه لما يشعر به من الرضى والطمأنينة ينظر إلى ربه، وفريق عابس لما يتوقعه من الهول الذي يكسر فقار الظهر.
والخطاب في الآيات وإن كان مطلقا، فإن الآيتين الأوليين منها تدلان على أنه موجه بخاصة إلى منكري البعث والجزاء على سبيل التنديد بهم.
والذي تلهمه روح الآيات أن التنديد ليس موجها لمحبة الناس الدنيا ورغبتهم في الاستمتاع بخيراتها وطيباتها إطلاقا، فهذا من فطرة الله التي فطر الناس عليها، وإنما هو موجه بخاصة للذين يندفعون في ذلك بدون تقيد ولا تحفظ ولا تفكير بالمصير الأخروي وما يجب عليهم إزاءه من حسن التصرف والقصد والقيام بالواجبات نحو الله عز وجل ونحو الناس. فالذين يأخذون من العاجلة أي من الحياة الدنيا ما هو مشروع لا إسراف فيه، ولا يهملون ما يجب عليهم نحو الله والناس ولا ينسون الآخرة والعمل لها لا يدخلون في شمول التنديد. وهذا مبدأ من المبادئ القرآنية المكررة بأساليب ومناسبات عديدة. وقد نبهنا على ذلك في مناسبات سابقة.
تعليق على موضوع رؤية الناس لله عز وجل
ولقد كانت الآيتان ﴿ وجوه يومئذ ناضرة٢٢ إلى ربها ناظرة ﴾ من الآيات التي نحن في صددها وأمثالها مما يحتوي معنى رؤية الله من قبل عباده من المسائل الخلافية بين علماء الكلام والفرق الإسلامية. وهذه المسألة هي غير مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لله عز وجل التي كتبنا تعليقا عليها في سياق بعض آيات سورة النجم، وإن تكن غير منفصلة عن مداها بصورة عامة. ولقد استند فريق من العلماء إلى هاتين الآيتين وأمثالهما وإلى أحاديث نبوية وصحابية متنوعة الرتب فقالوا بإمكان الرؤية. واستند فريق آخر إلى آيات أخرى وإلى أحاديث مماثلة فقالوا : بعدم إمكانها. ومن الفريق الأول من أكد إمكانها في الآخرة بنوع خاص استنادا إلى أحاديث نبوية عديدة توصف بالصحة والقوة. ومنهم من استند إلى آيات واحدة في النفس والإثبات فقال النافون : إن آية سورة الأعراف ﴿ ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين١٤٣ ﴾ تنفي الرؤية على التأبيد باستعمالها تعبير ﴿ لن تراني ﴾ وإن تعليقها إمكان الرؤية على استقرار الجبل هو من قبيل تقرير كون الجبل لن يستقر لتجلي الله. في حين قال المثبتون : إن الله علق الرؤية على شيء غير مستحيل، وإن رسول الله موسى عليه السلام ما كان يمكن أن يطلب شيئا لو علم أنه مستحيل. وقال المثبتون : إن جملة ﴿ إلى ربها ناظرة ﴾ تتضمن وعدا ربانيا بالرؤية وتوكيد إمكانها في حين قال النافون : إنها لا تتضمن معنى الرؤية، وإن معناها أنها منتظرة أوامر ربها وثوابه. واستند النافون إلى آية سورة الأنعام هذه :﴿ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير١٠٣ ﴾ في نفي إمكان الرؤية في حين قال المثبتون : إنها لا تنفي الرؤية وإنما هي بسبيل تقرير عدم إمكان الإحاطة بالله وكنهه وعلمه. كما قال بعض الذين يثبتون الرؤية في الآخرة دون الدنيا : إن هذه الآية خاصة بالدنيا ؛ لأن أبصار أهل الدنيا فيها لا تقوى على ذلك بخلاف أبصار أهل الآخرة من عباد الله المؤمنين.
ومن الأحاديث التي أوردها المثبتون لرؤية ربهم يوم القيامة بنوع خاص حديث رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة جاء فيه :( أن أناسا قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال : هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب ؟ قالوا : لا، قال : فإنكم ترون ربكم كذلك }١. وحديث رواه البخاري ومسلم كذلك عن جرير قال :( نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال : إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر. فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا )٢. وحديث رواه مسلم عن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إذا دخل أهل الجنة الجنة قال : يقول الله تعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم. وهي الزيادة في هذه الآية ﴿ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ﴾ )٣.
وحديث رواه الترمذي والإمام أحمد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه وخدمه وسروره مسيرة ألف سنة. وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم قرأ رسول الله :﴿ وجوه يومئذ ناضرة٢٢ إلى ربها ناظرة ﴾ )٤. ومن الأحاديث التي في جانب عدم إمكان رؤية الله عز وجل حديث رواه الإمام أحمد عن مسروق قال :( سألت عائشة فقلت : يا أم المؤمنين : هل رأى محمد ربه عز وجل ؟ قالت : سبحان الله، لقد قف شعري لما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب : من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب ثم قرأت :﴿ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ﴾ [ الأنعام : ١٠٣ ] و﴿ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ﴾ [ الشورى : ٥١ ] ومن أخبرك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت :﴿ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ﴾ [ لقمان : ٣٤ ] الآية، ومن أخبرك أن محمدا قد كتم فقد كذب ثم قرأت :﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ﴾ [ المائدة : ٦٧ ]. ولكنه رأى جبريل مرتين في صورته )٥.
وحديث رواه مسلم عن أبي ذر قال :( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ فقال : نور، أنى أراه ). وحديث رواه مسلم عن عبد الله بن شفيق قال :( قلت لأبي ذر : لو رأيت رسول الله لسألته. فقال عن أي شيء كنت تسأله ؟ قال : كنت أسأله هل رأيت ربك ؟ قال أبو ذر : قد سألته فقال : رأيت نورا ). وحديث رواه النسائي عن أبي ذر قال :( رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه ولم يره ببصره ). ووصل الأمر بين الفريقين إلى التهاجي ؛ لأن الفريق المثبت قال : إن رؤية الله ممكنة بلا كيفية. فهجاهم النافون حيث قال قائل منهم :
وجماعة سموا هواهم سنة لجماعة حمر لعمري مؤكفة
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا شنع الورى فتستروا بالبلكفة

ورد عليهم خصومهم فقال قائلهم :

وجماعة كفروا برؤية ربهم حقا ووعد الله ما لن يخلفه
وتلقبوا عدلية قلنا : أجل عدلوا بربهم فحسبهمو سفه
وتلقبوا الناجين كلا إنهم إن لم يكونوا في لظى فعلى شفه
مع أن الفريقين مخلصان في إيمانهم بالله ورسوله واليوم الآخر وفي تنزيه الله عز وجل عن المماثلة لأي شيء كل الإخلاص. وقصارى اختلافهم أن الفريق النافي ينزه الله عن الجسمانية التي لا يمكن للرؤية البصرية أن تتحقق إلا بها، ويتوقف في الأحاديث الواردة بإمكان ذلك في الآخرة. والفريق المثبت يقف عند هذه الأحاديث مع تنزيه الله عز وجل عن المماثلة والتحفز في صدد الكيفية.
ولقد عقد السيد رشيد رضا في الجزء التاسع من تفسيره فصلا طويلا في سياق تفسير آية سورة الأعراف المذكورة آنفا على مسألة رؤية الله عز وجل، وأورد كثيرا مما روي وقيل فيها من أحاديث وأقوال وخلافات كلاميين وتأويلات متنوعة للنصوص وانتهى به الكلام إلى القول : إنه ليس هناك نص قطعي الرواية والدلالة على الرؤية البصرية. وليست من العقائد الدينية الضرورية العلم كما أنها ليست مما كان يدعى إليها في تبليغ الدين مع التوحيد والرسالة٦.
ونحن بدورنا نقول : إنه ليس في القرآن فيما يتبادر لنا من النصوص شيء صريح وقطعي بإمكان رؤية الله عز وجل في الدنيا والآخرة. وفيه ما ينفي عنه المماثلة لأي شيء ما لا يمكن أن يتحقق أي معنى من معاني الرؤية البصرية إلا بها، وفيه ما ينفي احتمال إدراك الأبصار له. وفي الأحاديث المأثورة ما فيه نفي لإمكان الرؤية مطلقا. وإذا كان من الحق أن يقال : إن الأحاديث التي تذكر إمكان ذلك في الآخرة عديدة وقوية السند ولا يصح إنكارها، فإن اتصال الأمر بالحياة الأخروية يسوغ عطفها على هذه الحياة المغيبة التي يجب الإيمان بها على إطلاقها. ونحن نرى بعد أن الخلاف والجدل والكلام في هذه المسألة وأمثالها مما يتصل بذات الله عز وجل لا طائل من ورائه ؛ لأنه متصل بالحقيقة الإلهية الكبرى التي يجب الإيمان بوجوب وجودها استدلالا من الكون ورسالات الرسل دون الدخول في بحث كنهها أو ماهيتها الذي لا سبيل إلى الوصول منه إلى نتيجة إيجابية، مع ملاحظة الضابط القرآني المحكم القاطع الذي ينطوي في الآية [ ١١ ] من سورة الشورى وهو ﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾ ومع ملاحظة أن الألفاظ المستعملة فيها يتصل بذات الله تعالى إنما تستعمل للتقريب والتمثيل للسامعين من البشر بأسلوب خطابهم ومفهوماتهم فلا محل للدخول بسببها في متاهات لا نهاية لها. وأن الأولى أن يقف المسلم منها ومن أمثالها موقف المتحفظ المؤمن بتلك الحقيقة الكبرى، مع التنزيه المطلق الواجب لله عز وجل عن المكان والحدود والجسمانية، وما يتناقض معها من كيفيات وماهيات وحركات وهو ما كان عليه من السلف الصالح في الصدر الإسلامي الأول.
هذا، مع القول بوجوب الإيمان بما صح عن رسول الله من أخبار متصلة بالمشاهد الأخروية، وبأنه لا بد من أن يكون في ذلك حكمة، وقد يتبادر من نصوص الأحاديث أن التبشير وإثارة الغبطة في نفوس المؤمنين وجعلهم يتوسلون بكل وسيلة إلى نيل رضاء الله، والمنزلة السامية عنده في الآخرة من تلك الحكمة. والله أعلم.
١ -التاج جـ ٥ ص ٣٥٧..
٢ - التاج جـ ٤ ص ٢١٧..
٣ - المصدر نفسه ص ١٢٩..
٤ - التاج، ج ٥ ص ٢٢٠..
٥ - تفسير ابن كثير. وروى هذا الحديث بصيغة قريبة الشيخان والترمذي وأوردناها في تعليقنا على رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في سورة [النجم]. وهناك أحاديث أخرى يرويها المفسرون فاكتفينا بما أوردناه مما ورد في كتب الأحاديث الصحيحة وقريبا منه. انظر تفسير هذه الآيات وتفسير سورة [ق] و[الأنعام] في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والخازن ورشيد رضا وغيرهم..
٦ - بالإضافة إلى هذا الفصل الطويل انظر هذه المسألة في تفسير سور [الأنعام والأعراف والقيامة والإسراء والنجم] في كتب تفسير الطبري والبغوي والزمخشري وابن كثير والخازن والطبرسي وغيرهم. وانظر كتابه في مجموعة تفسير شيخ الإسلام ابن تيمية نشر عبد الصمد شرف الدين في بومباي عام ١٣٧٤ هـ تفسير سورة الأعلى أيضا. وما أوردناه في النبذة مستقى منها..


( ٢ ) باسرة : عابسة من الشدة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢١:نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠:﴿ كلا بل تحبون العاجلة( ٢٠ ) وتذرون الآخرة( ٢١ ) وجوه يومئذ ناضرة١ ( ٢٢ ) إلى ربها ناظرة( ٢٣ ) ووجوه يومئذ باسرة٢ ( ٢٤ ) تظن لن يفعل بها فاقرة٣( ٢٥ ) ﴾ [ ٢٠-٢٥ ].
الخطاب في الآيات موجه إلى مخاطبين سامعين. وهي بسبيل تقرير أسباب ما يحدو بالناس إلى تكذيب يوم القيامة، وهي استغراقهم في محبة الدنيا وإهمالهم الآخرة. وقد احتوت بيانا استطراديا على سبيل الإنذار فالناس في الآخرة فريقان : فريق ناضر الوجه لما يشعر به من الرضى والطمأنينة ينظر إلى ربه، وفريق عابس لما يتوقعه من الهول الذي يكسر فقار الظهر.
والخطاب في الآيات وإن كان مطلقا، فإن الآيتين الأوليين منها تدلان على أنه موجه بخاصة إلى منكري البعث والجزاء على سبيل التنديد بهم.
والذي تلهمه روح الآيات أن التنديد ليس موجها لمحبة الناس الدنيا ورغبتهم في الاستمتاع بخيراتها وطيباتها إطلاقا، فهذا من فطرة الله التي فطر الناس عليها، وإنما هو موجه بخاصة للذين يندفعون في ذلك بدون تقيد ولا تحفظ ولا تفكير بالمصير الأخروي وما يجب عليهم إزاءه من حسن التصرف والقصد والقيام بالواجبات نحو الله عز وجل ونحو الناس. فالذين يأخذون من العاجلة أي من الحياة الدنيا ما هو مشروع لا إسراف فيه، ولا يهملون ما يجب عليهم نحو الله والناس ولا ينسون الآخرة والعمل لها لا يدخلون في شمول التنديد. وهذا مبدأ من المبادئ القرآنية المكررة بأساليب ومناسبات عديدة. وقد نبهنا على ذلك في مناسبات سابقة.
تعليق على موضوع رؤية الناس لله عز وجل
ولقد كانت الآيتان ﴿ وجوه يومئذ ناضرة٢٢ إلى ربها ناظرة ﴾ من الآيات التي نحن في صددها وأمثالها مما يحتوي معنى رؤية الله من قبل عباده من المسائل الخلافية بين علماء الكلام والفرق الإسلامية. وهذه المسألة هي غير مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لله عز وجل التي كتبنا تعليقا عليها في سياق بعض آيات سورة النجم، وإن تكن غير منفصلة عن مداها بصورة عامة. ولقد استند فريق من العلماء إلى هاتين الآيتين وأمثالهما وإلى أحاديث نبوية وصحابية متنوعة الرتب فقالوا بإمكان الرؤية. واستند فريق آخر إلى آيات أخرى وإلى أحاديث مماثلة فقالوا : بعدم إمكانها. ومن الفريق الأول من أكد إمكانها في الآخرة بنوع خاص استنادا إلى أحاديث نبوية عديدة توصف بالصحة والقوة. ومنهم من استند إلى آيات واحدة في النفس والإثبات فقال النافون : إن آية سورة الأعراف ﴿ ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين١٤٣ ﴾ تنفي الرؤية على التأبيد باستعمالها تعبير ﴿ لن تراني ﴾ وإن تعليقها إمكان الرؤية على استقرار الجبل هو من قبيل تقرير كون الجبل لن يستقر لتجلي الله. في حين قال المثبتون : إن الله علق الرؤية على شيء غير مستحيل، وإن رسول الله موسى عليه السلام ما كان يمكن أن يطلب شيئا لو علم أنه مستحيل. وقال المثبتون : إن جملة ﴿ إلى ربها ناظرة ﴾ تتضمن وعدا ربانيا بالرؤية وتوكيد إمكانها في حين قال النافون : إنها لا تتضمن معنى الرؤية، وإن معناها أنها منتظرة أوامر ربها وثوابه. واستند النافون إلى آية سورة الأنعام هذه :﴿ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير١٠٣ ﴾ في نفي إمكان الرؤية في حين قال المثبتون : إنها لا تنفي الرؤية وإنما هي بسبيل تقرير عدم إمكان الإحاطة بالله وكنهه وعلمه. كما قال بعض الذين يثبتون الرؤية في الآخرة دون الدنيا : إن هذه الآية خاصة بالدنيا ؛ لأن أبصار أهل الدنيا فيها لا تقوى على ذلك بخلاف أبصار أهل الآخرة من عباد الله المؤمنين.
ومن الأحاديث التي أوردها المثبتون لرؤية ربهم يوم القيامة بنوع خاص حديث رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة جاء فيه :( أن أناسا قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال : هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب ؟ قالوا : لا، قال : فإنكم ترون ربكم كذلك }١. وحديث رواه البخاري ومسلم كذلك عن جرير قال :( نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال : إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر. فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا )٢. وحديث رواه مسلم عن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إذا دخل أهل الجنة الجنة قال : يقول الله تعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم. وهي الزيادة في هذه الآية ﴿ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ﴾ )٣.
وحديث رواه الترمذي والإمام أحمد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه وخدمه وسروره مسيرة ألف سنة. وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم قرأ رسول الله :﴿ وجوه يومئذ ناضرة٢٢ إلى ربها ناظرة ﴾ )٤. ومن الأحاديث التي في جانب عدم إمكان رؤية الله عز وجل حديث رواه الإمام أحمد عن مسروق قال :( سألت عائشة فقلت : يا أم المؤمنين : هل رأى محمد ربه عز وجل ؟ قالت : سبحان الله، لقد قف شعري لما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب : من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب ثم قرأت :﴿ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ﴾ [ الأنعام : ١٠٣ ] و﴿ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ﴾ [ الشورى : ٥١ ] ومن أخبرك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت :﴿ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ﴾ [ لقمان : ٣٤ ] الآية، ومن أخبرك أن محمدا قد كتم فقد كذب ثم قرأت :﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ﴾ [ المائدة : ٦٧ ]. ولكنه رأى جبريل مرتين في صورته )٥.
وحديث رواه مسلم عن أبي ذر قال :( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ فقال : نور، أنى أراه ). وحديث رواه مسلم عن عبد الله بن شفيق قال :( قلت لأبي ذر : لو رأيت رسول الله لسألته. فقال عن أي شيء كنت تسأله ؟ قال : كنت أسأله هل رأيت ربك ؟ قال أبو ذر : قد سألته فقال : رأيت نورا ). وحديث رواه النسائي عن أبي ذر قال :( رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه ولم يره ببصره ). ووصل الأمر بين الفريقين إلى التهاجي ؛ لأن الفريق المثبت قال : إن رؤية الله ممكنة بلا كيفية. فهجاهم النافون حيث قال قائل منهم :
وجماعة سموا هواهم سنة لجماعة حمر لعمري مؤكفة
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا شنع الورى فتستروا بالبلكفة

ورد عليهم خصومهم فقال قائلهم :

وجماعة كفروا برؤية ربهم حقا ووعد الله ما لن يخلفه
وتلقبوا عدلية قلنا : أجل عدلوا بربهم فحسبهمو سفه
وتلقبوا الناجين كلا إنهم إن لم يكونوا في لظى فعلى شفه
مع أن الفريقين مخلصان في إيمانهم بالله ورسوله واليوم الآخر وفي تنزيه الله عز وجل عن المماثلة لأي شيء كل الإخلاص. وقصارى اختلافهم أن الفريق النافي ينزه الله عن الجسمانية التي لا يمكن للرؤية البصرية أن تتحقق إلا بها، ويتوقف في الأحاديث الواردة بإمكان ذلك في الآخرة. والفريق المثبت يقف عند هذه الأحاديث مع تنزيه الله عز وجل عن المماثلة والتحفز في صدد الكيفية.
ولقد عقد السيد رشيد رضا في الجزء التاسع من تفسيره فصلا طويلا في سياق تفسير آية سورة الأعراف المذكورة آنفا على مسألة رؤية الله عز وجل، وأورد كثيرا مما روي وقيل فيها من أحاديث وأقوال وخلافات كلاميين وتأويلات متنوعة للنصوص وانتهى به الكلام إلى القول : إنه ليس هناك نص قطعي الرواية والدلالة على الرؤية البصرية. وليست من العقائد الدينية الضرورية العلم كما أنها ليست مما كان يدعى إليها في تبليغ الدين مع التوحيد والرسالة٦.
ونحن بدورنا نقول : إنه ليس في القرآن فيما يتبادر لنا من النصوص شيء صريح وقطعي بإمكان رؤية الله عز وجل في الدنيا والآخرة. وفيه ما ينفي عنه المماثلة لأي شيء ما لا يمكن أن يتحقق أي معنى من معاني الرؤية البصرية إلا بها، وفيه ما ينفي احتمال إدراك الأبصار له. وفي الأحاديث المأثورة ما فيه نفي لإمكان الرؤية مطلقا. وإذا كان من الحق أن يقال : إن الأحاديث التي تذكر إمكان ذلك في الآخرة عديدة وقوية السند ولا يصح إنكارها، فإن اتصال الأمر بالحياة الأخروية يسوغ عطفها على هذه الحياة المغيبة التي يجب الإيمان بها على إطلاقها. ونحن نرى بعد أن الخلاف والجدل والكلام في هذه المسألة وأمثالها مما يتصل بذات الله عز وجل لا طائل من ورائه ؛ لأنه متصل بالحقيقة الإلهية الكبرى التي يجب الإيمان بوجوب وجودها استدلالا من الكون ورسالات الرسل دون الدخول في بحث كنهها أو ماهيتها الذي لا سبيل إلى الوصول منه إلى نتيجة إيجابية، مع ملاحظة الضابط القرآني المحكم القاطع الذي ينطوي في الآية [ ١١ ] من سورة الشورى وهو ﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾ ومع ملاحظة أن الألفاظ المستعملة فيها يتصل بذات الله تعالى إنما تستعمل للتقريب والتمثيل للسامعين من البشر بأسلوب خطابهم ومفهوماتهم فلا محل للدخول بسببها في متاهات لا نهاية لها. وأن الأولى أن يقف المسلم منها ومن أمثالها موقف المتحفظ المؤمن بتلك الحقيقة الكبرى، مع التنزيه المطلق الواجب لله عز وجل عن المكان والحدود والجسمانية، وما يتناقض معها من كيفيات وماهيات وحركات وهو ما كان عليه من السلف الصالح في الصدر الإسلامي الأول.
هذا، مع القول بوجوب الإيمان بما صح عن رسول الله من أخبار متصلة بالمشاهد الأخروية، وبأنه لا بد من أن يكون في ذلك حكمة، وقد يتبادر من نصوص الأحاديث أن التبشير وإثارة الغبطة في نفوس المؤمنين وجعلهم يتوسلون بكل وسيلة إلى نيل رضاء الله، والمنزلة السامية عنده في الآخرة من تلك الحكمة. والله أعلم.
١ -التاج جـ ٥ ص ٣٥٧..
٢ - التاج جـ ٤ ص ٢١٧..
٣ - المصدر نفسه ص ١٢٩..
٤ - التاج، ج ٥ ص ٢٢٠..
٥ - تفسير ابن كثير. وروى هذا الحديث بصيغة قريبة الشيخان والترمذي وأوردناها في تعليقنا على رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في سورة [النجم]. وهناك أحاديث أخرى يرويها المفسرون فاكتفينا بما أوردناه مما ورد في كتب الأحاديث الصحيحة وقريبا منه. انظر تفسير هذه الآيات وتفسير سورة [ق] و[الأنعام] في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والخازن ورشيد رضا وغيرهم..
٦ - بالإضافة إلى هذا الفصل الطويل انظر هذه المسألة في تفسير سور [الأنعام والأعراف والقيامة والإسراء والنجم] في كتب تفسير الطبري والبغوي والزمخشري وابن كثير والخازن والطبرسي وغيرهم. وانظر كتابه في مجموعة تفسير شيخ الإسلام ابن تيمية نشر عبد الصمد شرف الدين في بومباي عام ١٣٧٤ هـ تفسير سورة الأعلى أيضا. وما أوردناه في النبذة مستقى منها..


( ٣ ) فاقرة : داهية تكسر فقار الظهر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢١:نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠:﴿ كلا بل تحبون العاجلة( ٢٠ ) وتذرون الآخرة( ٢١ ) وجوه يومئذ ناضرة١ ( ٢٢ ) إلى ربها ناظرة( ٢٣ ) ووجوه يومئذ باسرة٢ ( ٢٤ ) تظن لن يفعل بها فاقرة٣( ٢٥ ) ﴾ [ ٢٠-٢٥ ].
الخطاب في الآيات موجه إلى مخاطبين سامعين. وهي بسبيل تقرير أسباب ما يحدو بالناس إلى تكذيب يوم القيامة، وهي استغراقهم في محبة الدنيا وإهمالهم الآخرة. وقد احتوت بيانا استطراديا على سبيل الإنذار فالناس في الآخرة فريقان : فريق ناضر الوجه لما يشعر به من الرضى والطمأنينة ينظر إلى ربه، وفريق عابس لما يتوقعه من الهول الذي يكسر فقار الظهر.
والخطاب في الآيات وإن كان مطلقا، فإن الآيتين الأوليين منها تدلان على أنه موجه بخاصة إلى منكري البعث والجزاء على سبيل التنديد بهم.
والذي تلهمه روح الآيات أن التنديد ليس موجها لمحبة الناس الدنيا ورغبتهم في الاستمتاع بخيراتها وطيباتها إطلاقا، فهذا من فطرة الله التي فطر الناس عليها، وإنما هو موجه بخاصة للذين يندفعون في ذلك بدون تقيد ولا تحفظ ولا تفكير بالمصير الأخروي وما يجب عليهم إزاءه من حسن التصرف والقصد والقيام بالواجبات نحو الله عز وجل ونحو الناس. فالذين يأخذون من العاجلة أي من الحياة الدنيا ما هو مشروع لا إسراف فيه، ولا يهملون ما يجب عليهم نحو الله والناس ولا ينسون الآخرة والعمل لها لا يدخلون في شمول التنديد. وهذا مبدأ من المبادئ القرآنية المكررة بأساليب ومناسبات عديدة. وقد نبهنا على ذلك في مناسبات سابقة.
تعليق على موضوع رؤية الناس لله عز وجل
ولقد كانت الآيتان ﴿ وجوه يومئذ ناضرة٢٢ إلى ربها ناظرة ﴾ من الآيات التي نحن في صددها وأمثالها مما يحتوي معنى رؤية الله من قبل عباده من المسائل الخلافية بين علماء الكلام والفرق الإسلامية. وهذه المسألة هي غير مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لله عز وجل التي كتبنا تعليقا عليها في سياق بعض آيات سورة النجم، وإن تكن غير منفصلة عن مداها بصورة عامة. ولقد استند فريق من العلماء إلى هاتين الآيتين وأمثالهما وإلى أحاديث نبوية وصحابية متنوعة الرتب فقالوا بإمكان الرؤية. واستند فريق آخر إلى آيات أخرى وإلى أحاديث مماثلة فقالوا : بعدم إمكانها. ومن الفريق الأول من أكد إمكانها في الآخرة بنوع خاص استنادا إلى أحاديث نبوية عديدة توصف بالصحة والقوة. ومنهم من استند إلى آيات واحدة في النفس والإثبات فقال النافون : إن آية سورة الأعراف ﴿ ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين١٤٣ ﴾ تنفي الرؤية على التأبيد باستعمالها تعبير ﴿ لن تراني ﴾ وإن تعليقها إمكان الرؤية على استقرار الجبل هو من قبيل تقرير كون الجبل لن يستقر لتجلي الله. في حين قال المثبتون : إن الله علق الرؤية على شيء غير مستحيل، وإن رسول الله موسى عليه السلام ما كان يمكن أن يطلب شيئا لو علم أنه مستحيل. وقال المثبتون : إن جملة ﴿ إلى ربها ناظرة ﴾ تتضمن وعدا ربانيا بالرؤية وتوكيد إمكانها في حين قال النافون : إنها لا تتضمن معنى الرؤية، وإن معناها أنها منتظرة أوامر ربها وثوابه. واستند النافون إلى آية سورة الأنعام هذه :﴿ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير١٠٣ ﴾ في نفي إمكان الرؤية في حين قال المثبتون : إنها لا تنفي الرؤية وإنما هي بسبيل تقرير عدم إمكان الإحاطة بالله وكنهه وعلمه. كما قال بعض الذين يثبتون الرؤية في الآخرة دون الدنيا : إن هذه الآية خاصة بالدنيا ؛ لأن أبصار أهل الدنيا فيها لا تقوى على ذلك بخلاف أبصار أهل الآخرة من عباد الله المؤمنين.
ومن الأحاديث التي أوردها المثبتون لرؤية ربهم يوم القيامة بنوع خاص حديث رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة جاء فيه :( أن أناسا قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال : هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب ؟ قالوا : لا، قال : فإنكم ترون ربكم كذلك }١. وحديث رواه البخاري ومسلم كذلك عن جرير قال :( نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال : إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر. فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا )٢. وحديث رواه مسلم عن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إذا دخل أهل الجنة الجنة قال : يقول الله تعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم. وهي الزيادة في هذه الآية ﴿ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ﴾ )٣.
وحديث رواه الترمذي والإمام أحمد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه وخدمه وسروره مسيرة ألف سنة. وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم قرأ رسول الله :﴿ وجوه يومئذ ناضرة٢٢ إلى ربها ناظرة ﴾ )٤. ومن الأحاديث التي في جانب عدم إمكان رؤية الله عز وجل حديث رواه الإمام أحمد عن مسروق قال :( سألت عائشة فقلت : يا أم المؤمنين : هل رأى محمد ربه عز وجل ؟ قالت : سبحان الله، لقد قف شعري لما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب : من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب ثم قرأت :﴿ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ﴾ [ الأنعام : ١٠٣ ] و﴿ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ﴾ [ الشورى : ٥١ ] ومن أخبرك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت :﴿ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ﴾ [ لقمان : ٣٤ ] الآية، ومن أخبرك أن محمدا قد كتم فقد كذب ثم قرأت :﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ﴾ [ المائدة : ٦٧ ]. ولكنه رأى جبريل مرتين في صورته )٥.
وحديث رواه مسلم عن أبي ذر قال :( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ فقال : نور، أنى أراه ). وحديث رواه مسلم عن عبد الله بن شفيق قال :( قلت لأبي ذر : لو رأيت رسول الله لسألته. فقال عن أي شيء كنت تسأله ؟ قال : كنت أسأله هل رأيت ربك ؟ قال أبو ذر : قد سألته فقال : رأيت نورا ). وحديث رواه النسائي عن أبي ذر قال :( رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه ولم يره ببصره ). ووصل الأمر بين الفريقين إلى التهاجي ؛ لأن الفريق المثبت قال : إن رؤية الله ممكنة بلا كيفية. فهجاهم النافون حيث قال قائل منهم :
وجماعة سموا هواهم سنة لجماعة حمر لعمري مؤكفة
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا شنع الورى فتستروا بالبلكفة

ورد عليهم خصومهم فقال قائلهم :

وجماعة كفروا برؤية ربهم حقا ووعد الله ما لن يخلفه
وتلقبوا عدلية قلنا : أجل عدلوا بربهم فحسبهمو سفه
وتلقبوا الناجين كلا إنهم إن لم يكونوا في لظى فعلى شفه
مع أن الفريقين مخلصان في إيمانهم بالله ورسوله واليوم الآخر وفي تنزيه الله عز وجل عن المماثلة لأي شيء كل الإخلاص. وقصارى اختلافهم أن الفريق النافي ينزه الله عن الجسمانية التي لا يمكن للرؤية البصرية أن تتحقق إلا بها، ويتوقف في الأحاديث الواردة بإمكان ذلك في الآخرة. والفريق المثبت يقف عند هذه الأحاديث مع تنزيه الله عز وجل عن المماثلة والتحفز في صدد الكيفية.
ولقد عقد السيد رشيد رضا في الجزء التاسع من تفسيره فصلا طويلا في سياق تفسير آية سورة الأعراف المذكورة آنفا على مسألة رؤية الله عز وجل، وأورد كثيرا مما روي وقيل فيها من أحاديث وأقوال وخلافات كلاميين وتأويلات متنوعة للنصوص وانتهى به الكلام إلى القول : إنه ليس هناك نص قطعي الرواية والدلالة على الرؤية البصرية. وليست من العقائد الدينية الضرورية العلم كما أنها ليست مما كان يدعى إليها في تبليغ الدين مع التوحيد والرسالة٦.
ونحن بدورنا نقول : إنه ليس في القرآن فيما يتبادر لنا من النصوص شيء صريح وقطعي بإمكان رؤية الله عز وجل في الدنيا والآخرة. وفيه ما ينفي عنه المماثلة لأي شيء ما لا يمكن أن يتحقق أي معنى من معاني الرؤية البصرية إلا بها، وفيه ما ينفي احتمال إدراك الأبصار له. وفي الأحاديث المأثورة ما فيه نفي لإمكان الرؤية مطلقا. وإذا كان من الحق أن يقال : إن الأحاديث التي تذكر إمكان ذلك في الآخرة عديدة وقوية السند ولا يصح إنكارها، فإن اتصال الأمر بالحياة الأخروية يسوغ عطفها على هذه الحياة المغيبة التي يجب الإيمان بها على إطلاقها. ونحن نرى بعد أن الخلاف والجدل والكلام في هذه المسألة وأمثالها مما يتصل بذات الله عز وجل لا طائل من ورائه ؛ لأنه متصل بالحقيقة الإلهية الكبرى التي يجب الإيمان بوجوب وجودها استدلالا من الكون ورسالات الرسل دون الدخول في بحث كنهها أو ماهيتها الذي لا سبيل إلى الوصول منه إلى نتيجة إيجابية، مع ملاحظة الضابط القرآني المحكم القاطع الذي ينطوي في الآية [ ١١ ] من سورة الشورى وهو ﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾ ومع ملاحظة أن الألفاظ المستعملة فيها يتصل بذات الله تعالى إنما تستعمل للتقريب والتمثيل للسامعين من البشر بأسلوب خطابهم ومفهوماتهم فلا محل للدخول بسببها في متاهات لا نهاية لها. وأن الأولى أن يقف المسلم منها ومن أمثالها موقف المتحفظ المؤمن بتلك الحقيقة الكبرى، مع التنزيه المطلق الواجب لله عز وجل عن المكان والحدود والجسمانية، وما يتناقض معها من كيفيات وماهيات وحركات وهو ما كان عليه من السلف الصالح في الصدر الإسلامي الأول.
هذا، مع القول بوجوب الإيمان بما صح عن رسول الله من أخبار متصلة بالمشاهد الأخروية، وبأنه لا بد من أن يكون في ذلك حكمة، وقد يتبادر من نصوص الأحاديث أن التبشير وإثارة الغبطة في نفوس المؤمنين وجعلهم يتوسلون بكل وسيلة إلى نيل رضاء الله، والمنزلة السامية عنده في الآخرة من تلك الحكمة. والله أعلم.
١ -التاج جـ ٥ ص ٣٥٧..
٢ - التاج جـ ٤ ص ٢١٧..
٣ - المصدر نفسه ص ١٢٩..
٤ - التاج، ج ٥ ص ٢٢٠..
٥ - تفسير ابن كثير. وروى هذا الحديث بصيغة قريبة الشيخان والترمذي وأوردناها في تعليقنا على رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في سورة [النجم]. وهناك أحاديث أخرى يرويها المفسرون فاكتفينا بما أوردناه مما ورد في كتب الأحاديث الصحيحة وقريبا منه. انظر تفسير هذه الآيات وتفسير سورة [ق] و[الأنعام] في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والخازن ورشيد رضا وغيرهم..
٦ - بالإضافة إلى هذا الفصل الطويل انظر هذه المسألة في تفسير سور [الأنعام والأعراف والقيامة والإسراء والنجم] في كتب تفسير الطبري والبغوي والزمخشري وابن كثير والخازن والطبرسي وغيرهم. وانظر كتابه في مجموعة تفسير شيخ الإسلام ابن تيمية نشر عبد الصمد شرف الدين في بومباي عام ١٣٧٤ هـ تفسير سورة الأعلى أيضا. وما أوردناه في النبذة مستقى منها..


( ١ ) التراقي : جمع ترقوة وهي أعلى الصدر مما يلي الحلق. وبلغت التراقي بمعنى وصلت روح الإنسان إلى ترقوته في طريقها إلى الخروج منه، والجملة كناية عن الاحتضار.
{ كلا إذا بلغت التراقي١( ٢٦ ) وقيل من راق٢ ( ٢٧ ) وظن٣ أنه الفراق( ٢٨ ) والتفت الساق بالساق٤( ٢٩ ) إلى ربك يومئذ المساق٥( ٣٠ ) فلا صدق ولا صلى( ٣١ ) ولكن كذب وتولى( ٣٢ ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى٦( ٣٣ ) أولى لك فأولى( ٣٤ )٧ ثم أولى لك فأولى( ٣٥ ) أيحسب الإنسان أن يترك سدى( ٣٦ ) ألم يك نطفة من مني يمنى( ٣٧ ) ثم كان علقة فخلق فسوى( ٣٨ ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى( ٣٩ ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى( ٤٠ ) ) [ ٢٦-٤٠ ]
والآيات استمرار للسياق أيضا. وهي في صدد الإنذار بالآخرة ومصائر الناس فيها، والبرهنة على قدرة الله على بعث الناس وحشرهم إلى الحساب والجزاء. وفيها وصف لحال الإنسان حينما يحضره الموت، ويتأكد من فراق الدنيا ويساق إلى الله ؛ وفيها تنديد في معرض الإنذار لمن لا يكون قد آمن وقام بواجبات عبادة الله وأعرض عن الدعوة إليه مستكبرا متبخترا، وتساؤل استنكاري في معرض التوكيد بأن الله لا يمكن أن يكون خلق الناس عبثا، وأن يتركهم بدون حساب وجزاء كما قد يحسب الجاحدون. فالله قد أنشأ الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم جعله خلقا سويا ثم جعله زوجين ذكرا وأنثى، ومن قدر أن يفعل ذلك قادر من باب أولى أن يحيي الموتى ويبعثهم ليحاسبوا على أعمالهم.
والآيات على ما يبدو من مجموعها في صدد التنديد بالمعاند المكذب ليوم القيامة المهمل لواجباته نحو الله والمنصرف عن دعوته. والوصف الذي بدأت به الآيات قد قصد به على ما هو المتبادر تذكير السامعين، وبخاصة المعاندين والمكذبين بالمصير المحتوم لكل حي، وإثارة الخوف في نفوسهم ودعوتهم إلى التفكير في العاقبة والمصير قبل أن يصلوا إلى النهاية من آجالهم وتكون الفرصة قد أفلتت منهم.
( ٢ ) من راق : من الذي يرقى. قيل : إن السؤال من الملائكة عن هوية المحتضر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:( ١ ) التراقي : جمع ترقوة وهي أعلى الصدر مما يلي الحلق. وبلغت التراقي بمعنى وصلت روح الإنسان إلى ترقوته في طريقها إلى الخروج منه، والجملة كناية عن الاحتضار.
{ كلا إذا بلغت التراقي١( ٢٦ ) وقيل من راق٢ ( ٢٧ ) وظن٣ أنه الفراق( ٢٨ ) والتفت الساق بالساق٤( ٢٩ ) إلى ربك يومئذ المساق٥( ٣٠ ) فلا صدق ولا صلى( ٣١ ) ولكن كذب وتولى( ٣٢ ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى٦( ٣٣ ) أولى لك فأولى( ٣٤ )٧ ثم أولى لك فأولى( ٣٥ ) أيحسب الإنسان أن يترك سدى( ٣٦ ) ألم يك نطفة من مني يمنى( ٣٧ ) ثم كان علقة فخلق فسوى( ٣٨ ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى( ٣٩ ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى( ٤٠ ) ) [ ٢٦-٤٠ ]
والآيات استمرار للسياق أيضا. وهي في صدد الإنذار بالآخرة ومصائر الناس فيها، والبرهنة على قدرة الله على بعث الناس وحشرهم إلى الحساب والجزاء. وفيها وصف لحال الإنسان حينما يحضره الموت، ويتأكد من فراق الدنيا ويساق إلى الله ؛ وفيها تنديد في معرض الإنذار لمن لا يكون قد آمن وقام بواجبات عبادة الله وأعرض عن الدعوة إليه مستكبرا متبخترا، وتساؤل استنكاري في معرض التوكيد بأن الله لا يمكن أن يكون خلق الناس عبثا، وأن يتركهم بدون حساب وجزاء كما قد يحسب الجاحدون. فالله قد أنشأ الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم جعله خلقا سويا ثم جعله زوجين ذكرا وأنثى، ومن قدر أن يفعل ذلك قادر من باب أولى أن يحيي الموتى ويبعثهم ليحاسبوا على أعمالهم.
والآيات على ما يبدو من مجموعها في صدد التنديد بالمعاند المكذب ليوم القيامة المهمل لواجباته نحو الله والمنصرف عن دعوته. والوصف الذي بدأت به الآيات قد قصد به على ما هو المتبادر تذكير السامعين، وبخاصة المعاندين والمكذبين بالمصير المحتوم لكل حي، وإثارة الخوف في نفوسهم ودعوتهم إلى التفكير في العاقبة والمصير قبل أن يصلوا إلى النهاية من آجالهم وتكون الفرصة قد أفلتت منهم.

( ٣ ) ظن : هنا بمعنى تيقن.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:( ١ ) التراقي : جمع ترقوة وهي أعلى الصدر مما يلي الحلق. وبلغت التراقي بمعنى وصلت روح الإنسان إلى ترقوته في طريقها إلى الخروج منه، والجملة كناية عن الاحتضار.
{ كلا إذا بلغت التراقي١( ٢٦ ) وقيل من راق٢ ( ٢٧ ) وظن٣ أنه الفراق( ٢٨ ) والتفت الساق بالساق٤( ٢٩ ) إلى ربك يومئذ المساق٥( ٣٠ ) فلا صدق ولا صلى( ٣١ ) ولكن كذب وتولى( ٣٢ ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى٦( ٣٣ ) أولى لك فأولى( ٣٤ )٧ ثم أولى لك فأولى( ٣٥ ) أيحسب الإنسان أن يترك سدى( ٣٦ ) ألم يك نطفة من مني يمنى( ٣٧ ) ثم كان علقة فخلق فسوى( ٣٨ ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى( ٣٩ ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى( ٤٠ ) ) [ ٢٦-٤٠ ]
والآيات استمرار للسياق أيضا. وهي في صدد الإنذار بالآخرة ومصائر الناس فيها، والبرهنة على قدرة الله على بعث الناس وحشرهم إلى الحساب والجزاء. وفيها وصف لحال الإنسان حينما يحضره الموت، ويتأكد من فراق الدنيا ويساق إلى الله ؛ وفيها تنديد في معرض الإنذار لمن لا يكون قد آمن وقام بواجبات عبادة الله وأعرض عن الدعوة إليه مستكبرا متبخترا، وتساؤل استنكاري في معرض التوكيد بأن الله لا يمكن أن يكون خلق الناس عبثا، وأن يتركهم بدون حساب وجزاء كما قد يحسب الجاحدون. فالله قد أنشأ الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم جعله خلقا سويا ثم جعله زوجين ذكرا وأنثى، ومن قدر أن يفعل ذلك قادر من باب أولى أن يحيي الموتى ويبعثهم ليحاسبوا على أعمالهم.
والآيات على ما يبدو من مجموعها في صدد التنديد بالمعاند المكذب ليوم القيامة المهمل لواجباته نحو الله والمنصرف عن دعوته. والوصف الذي بدأت به الآيات قد قصد به على ما هو المتبادر تذكير السامعين، وبخاصة المعاندين والمكذبين بالمصير المحتوم لكل حي، وإثارة الخوف في نفوسهم ودعوتهم إلى التفكير في العاقبة والمصير قبل أن يصلوا إلى النهاية من آجالهم وتكون الفرصة قد أفلتت منهم.

( ٤ )التفت الساق بالساق : قيل : إن معناها التفت شدة الدنيا بشدة الآخرة، أو التفت ساق الدنيا بساق الآخرة، كما قيل : إنها وصف لحالة المحتضر الذي يعاني سكرات الموت وتلتف ساقاه على بعضها منها، وهذا هو الأوجه فيما يتبادر لنا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:( ١ ) التراقي : جمع ترقوة وهي أعلى الصدر مما يلي الحلق. وبلغت التراقي بمعنى وصلت روح الإنسان إلى ترقوته في طريقها إلى الخروج منه، والجملة كناية عن الاحتضار.
{ كلا إذا بلغت التراقي١( ٢٦ ) وقيل من راق٢ ( ٢٧ ) وظن٣ أنه الفراق( ٢٨ ) والتفت الساق بالساق٤( ٢٩ ) إلى ربك يومئذ المساق٥( ٣٠ ) فلا صدق ولا صلى( ٣١ ) ولكن كذب وتولى( ٣٢ ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى٦( ٣٣ ) أولى لك فأولى( ٣٤ )٧ ثم أولى لك فأولى( ٣٥ ) أيحسب الإنسان أن يترك سدى( ٣٦ ) ألم يك نطفة من مني يمنى( ٣٧ ) ثم كان علقة فخلق فسوى( ٣٨ ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى( ٣٩ ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى( ٤٠ ) ) [ ٢٦-٤٠ ]
والآيات استمرار للسياق أيضا. وهي في صدد الإنذار بالآخرة ومصائر الناس فيها، والبرهنة على قدرة الله على بعث الناس وحشرهم إلى الحساب والجزاء. وفيها وصف لحال الإنسان حينما يحضره الموت، ويتأكد من فراق الدنيا ويساق إلى الله ؛ وفيها تنديد في معرض الإنذار لمن لا يكون قد آمن وقام بواجبات عبادة الله وأعرض عن الدعوة إليه مستكبرا متبخترا، وتساؤل استنكاري في معرض التوكيد بأن الله لا يمكن أن يكون خلق الناس عبثا، وأن يتركهم بدون حساب وجزاء كما قد يحسب الجاحدون. فالله قد أنشأ الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم جعله خلقا سويا ثم جعله زوجين ذكرا وأنثى، ومن قدر أن يفعل ذلك قادر من باب أولى أن يحيي الموتى ويبعثهم ليحاسبوا على أعمالهم.
والآيات على ما يبدو من مجموعها في صدد التنديد بالمعاند المكذب ليوم القيامة المهمل لواجباته نحو الله والمنصرف عن دعوته. والوصف الذي بدأت به الآيات قد قصد به على ما هو المتبادر تذكير السامعين، وبخاصة المعاندين والمكذبين بالمصير المحتوم لكل حي، وإثارة الخوف في نفوسهم ودعوتهم إلى التفكير في العاقبة والمصير قبل أن يصلوا إلى النهاية من آجالهم وتكون الفرصة قد أفلتت منهم.

( ٥ ) المساق : الحشر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:( ١ ) التراقي : جمع ترقوة وهي أعلى الصدر مما يلي الحلق. وبلغت التراقي بمعنى وصلت روح الإنسان إلى ترقوته في طريقها إلى الخروج منه، والجملة كناية عن الاحتضار.
{ كلا إذا بلغت التراقي١( ٢٦ ) وقيل من راق٢ ( ٢٧ ) وظن٣ أنه الفراق( ٢٨ ) والتفت الساق بالساق٤( ٢٩ ) إلى ربك يومئذ المساق٥( ٣٠ ) فلا صدق ولا صلى( ٣١ ) ولكن كذب وتولى( ٣٢ ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى٦( ٣٣ ) أولى لك فأولى( ٣٤ )٧ ثم أولى لك فأولى( ٣٥ ) أيحسب الإنسان أن يترك سدى( ٣٦ ) ألم يك نطفة من مني يمنى( ٣٧ ) ثم كان علقة فخلق فسوى( ٣٨ ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى( ٣٩ ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى( ٤٠ ) ) [ ٢٦-٤٠ ]
والآيات استمرار للسياق أيضا. وهي في صدد الإنذار بالآخرة ومصائر الناس فيها، والبرهنة على قدرة الله على بعث الناس وحشرهم إلى الحساب والجزاء. وفيها وصف لحال الإنسان حينما يحضره الموت، ويتأكد من فراق الدنيا ويساق إلى الله ؛ وفيها تنديد في معرض الإنذار لمن لا يكون قد آمن وقام بواجبات عبادة الله وأعرض عن الدعوة إليه مستكبرا متبخترا، وتساؤل استنكاري في معرض التوكيد بأن الله لا يمكن أن يكون خلق الناس عبثا، وأن يتركهم بدون حساب وجزاء كما قد يحسب الجاحدون. فالله قد أنشأ الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم جعله خلقا سويا ثم جعله زوجين ذكرا وأنثى، ومن قدر أن يفعل ذلك قادر من باب أولى أن يحيي الموتى ويبعثهم ليحاسبوا على أعمالهم.
والآيات على ما يبدو من مجموعها في صدد التنديد بالمعاند المكذب ليوم القيامة المهمل لواجباته نحو الله والمنصرف عن دعوته. والوصف الذي بدأت به الآيات قد قصد به على ما هو المتبادر تذكير السامعين، وبخاصة المعاندين والمكذبين بالمصير المحتوم لكل حي، وإثارة الخوف في نفوسهم ودعوتهم إلى التفكير في العاقبة والمصير قبل أن يصلوا إلى النهاية من آجالهم وتكون الفرصة قد أفلتت منهم.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:( ١ ) التراقي : جمع ترقوة وهي أعلى الصدر مما يلي الحلق. وبلغت التراقي بمعنى وصلت روح الإنسان إلى ترقوته في طريقها إلى الخروج منه، والجملة كناية عن الاحتضار.
{ كلا إذا بلغت التراقي١( ٢٦ ) وقيل من راق٢ ( ٢٧ ) وظن٣ أنه الفراق( ٢٨ ) والتفت الساق بالساق٤( ٢٩ ) إلى ربك يومئذ المساق٥( ٣٠ ) فلا صدق ولا صلى( ٣١ ) ولكن كذب وتولى( ٣٢ ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى٦( ٣٣ ) أولى لك فأولى( ٣٤ )٧ ثم أولى لك فأولى( ٣٥ ) أيحسب الإنسان أن يترك سدى( ٣٦ ) ألم يك نطفة من مني يمنى( ٣٧ ) ثم كان علقة فخلق فسوى( ٣٨ ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى( ٣٩ ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى( ٤٠ ) ) [ ٢٦-٤٠ ]
والآيات استمرار للسياق أيضا. وهي في صدد الإنذار بالآخرة ومصائر الناس فيها، والبرهنة على قدرة الله على بعث الناس وحشرهم إلى الحساب والجزاء. وفيها وصف لحال الإنسان حينما يحضره الموت، ويتأكد من فراق الدنيا ويساق إلى الله ؛ وفيها تنديد في معرض الإنذار لمن لا يكون قد آمن وقام بواجبات عبادة الله وأعرض عن الدعوة إليه مستكبرا متبخترا، وتساؤل استنكاري في معرض التوكيد بأن الله لا يمكن أن يكون خلق الناس عبثا، وأن يتركهم بدون حساب وجزاء كما قد يحسب الجاحدون. فالله قد أنشأ الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم جعله خلقا سويا ثم جعله زوجين ذكرا وأنثى، ومن قدر أن يفعل ذلك قادر من باب أولى أن يحيي الموتى ويبعثهم ليحاسبوا على أعمالهم.
والآيات على ما يبدو من مجموعها في صدد التنديد بالمعاند المكذب ليوم القيامة المهمل لواجباته نحو الله والمنصرف عن دعوته. والوصف الذي بدأت به الآيات قد قصد به على ما هو المتبادر تذكير السامعين، وبخاصة المعاندين والمكذبين بالمصير المحتوم لكل حي، وإثارة الخوف في نفوسهم ودعوتهم إلى التفكير في العاقبة والمصير قبل أن يصلوا إلى النهاية من آجالهم وتكون الفرصة قد أفلتت منهم.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:( ١ ) التراقي : جمع ترقوة وهي أعلى الصدر مما يلي الحلق. وبلغت التراقي بمعنى وصلت روح الإنسان إلى ترقوته في طريقها إلى الخروج منه، والجملة كناية عن الاحتضار.
{ كلا إذا بلغت التراقي١( ٢٦ ) وقيل من راق٢ ( ٢٧ ) وظن٣ أنه الفراق( ٢٨ ) والتفت الساق بالساق٤( ٢٩ ) إلى ربك يومئذ المساق٥( ٣٠ ) فلا صدق ولا صلى( ٣١ ) ولكن كذب وتولى( ٣٢ ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى٦( ٣٣ ) أولى لك فأولى( ٣٤ )٧ ثم أولى لك فأولى( ٣٥ ) أيحسب الإنسان أن يترك سدى( ٣٦ ) ألم يك نطفة من مني يمنى( ٣٧ ) ثم كان علقة فخلق فسوى( ٣٨ ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى( ٣٩ ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى( ٤٠ ) ) [ ٢٦-٤٠ ]
والآيات استمرار للسياق أيضا. وهي في صدد الإنذار بالآخرة ومصائر الناس فيها، والبرهنة على قدرة الله على بعث الناس وحشرهم إلى الحساب والجزاء. وفيها وصف لحال الإنسان حينما يحضره الموت، ويتأكد من فراق الدنيا ويساق إلى الله ؛ وفيها تنديد في معرض الإنذار لمن لا يكون قد آمن وقام بواجبات عبادة الله وأعرض عن الدعوة إليه مستكبرا متبخترا، وتساؤل استنكاري في معرض التوكيد بأن الله لا يمكن أن يكون خلق الناس عبثا، وأن يتركهم بدون حساب وجزاء كما قد يحسب الجاحدون. فالله قد أنشأ الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم جعله خلقا سويا ثم جعله زوجين ذكرا وأنثى، ومن قدر أن يفعل ذلك قادر من باب أولى أن يحيي الموتى ويبعثهم ليحاسبوا على أعمالهم.
والآيات على ما يبدو من مجموعها في صدد التنديد بالمعاند المكذب ليوم القيامة المهمل لواجباته نحو الله والمنصرف عن دعوته. والوصف الذي بدأت به الآيات قد قصد به على ما هو المتبادر تذكير السامعين، وبخاصة المعاندين والمكذبين بالمصير المحتوم لكل حي، وإثارة الخوف في نفوسهم ودعوتهم إلى التفكير في العاقبة والمصير قبل أن يصلوا إلى النهاية من آجالهم وتكون الفرصة قد أفلتت منهم.

( ٦ ) يتمطى : يتبختر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:( ١ ) التراقي : جمع ترقوة وهي أعلى الصدر مما يلي الحلق. وبلغت التراقي بمعنى وصلت روح الإنسان إلى ترقوته في طريقها إلى الخروج منه، والجملة كناية عن الاحتضار.
{ كلا إذا بلغت التراقي١( ٢٦ ) وقيل من راق٢ ( ٢٧ ) وظن٣ أنه الفراق( ٢٨ ) والتفت الساق بالساق٤( ٢٩ ) إلى ربك يومئذ المساق٥( ٣٠ ) فلا صدق ولا صلى( ٣١ ) ولكن كذب وتولى( ٣٢ ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى٦( ٣٣ ) أولى لك فأولى( ٣٤ )٧ ثم أولى لك فأولى( ٣٥ ) أيحسب الإنسان أن يترك سدى( ٣٦ ) ألم يك نطفة من مني يمنى( ٣٧ ) ثم كان علقة فخلق فسوى( ٣٨ ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى( ٣٩ ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى( ٤٠ ) ) [ ٢٦-٤٠ ]
والآيات استمرار للسياق أيضا. وهي في صدد الإنذار بالآخرة ومصائر الناس فيها، والبرهنة على قدرة الله على بعث الناس وحشرهم إلى الحساب والجزاء. وفيها وصف لحال الإنسان حينما يحضره الموت، ويتأكد من فراق الدنيا ويساق إلى الله ؛ وفيها تنديد في معرض الإنذار لمن لا يكون قد آمن وقام بواجبات عبادة الله وأعرض عن الدعوة إليه مستكبرا متبخترا، وتساؤل استنكاري في معرض التوكيد بأن الله لا يمكن أن يكون خلق الناس عبثا، وأن يتركهم بدون حساب وجزاء كما قد يحسب الجاحدون. فالله قد أنشأ الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم جعله خلقا سويا ثم جعله زوجين ذكرا وأنثى، ومن قدر أن يفعل ذلك قادر من باب أولى أن يحيي الموتى ويبعثهم ليحاسبوا على أعمالهم.
والآيات على ما يبدو من مجموعها في صدد التنديد بالمعاند المكذب ليوم القيامة المهمل لواجباته نحو الله والمنصرف عن دعوته. والوصف الذي بدأت به الآيات قد قصد به على ما هو المتبادر تذكير السامعين، وبخاصة المعاندين والمكذبين بالمصير المحتوم لكل حي، وإثارة الخوف في نفوسهم ودعوتهم إلى التفكير في العاقبة والمصير قبل أن يصلوا إلى النهاية من آجالهم وتكون الفرصة قد أفلتت منهم.

( ٧ ) أولى لك فأولى : دعاء بالسوء بمعنى الويل لك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:( ١ ) التراقي : جمع ترقوة وهي أعلى الصدر مما يلي الحلق. وبلغت التراقي بمعنى وصلت روح الإنسان إلى ترقوته في طريقها إلى الخروج منه، والجملة كناية عن الاحتضار.
{ كلا إذا بلغت التراقي١( ٢٦ ) وقيل من راق٢ ( ٢٧ ) وظن٣ أنه الفراق( ٢٨ ) والتفت الساق بالساق٤( ٢٩ ) إلى ربك يومئذ المساق٥( ٣٠ ) فلا صدق ولا صلى( ٣١ ) ولكن كذب وتولى( ٣٢ ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى٦( ٣٣ ) أولى لك فأولى( ٣٤ )٧ ثم أولى لك فأولى( ٣٥ ) أيحسب الإنسان أن يترك سدى( ٣٦ ) ألم يك نطفة من مني يمنى( ٣٧ ) ثم كان علقة فخلق فسوى( ٣٨ ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى( ٣٩ ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى( ٤٠ ) ) [ ٢٦-٤٠ ]
والآيات استمرار للسياق أيضا. وهي في صدد الإنذار بالآخرة ومصائر الناس فيها، والبرهنة على قدرة الله على بعث الناس وحشرهم إلى الحساب والجزاء. وفيها وصف لحال الإنسان حينما يحضره الموت، ويتأكد من فراق الدنيا ويساق إلى الله ؛ وفيها تنديد في معرض الإنذار لمن لا يكون قد آمن وقام بواجبات عبادة الله وأعرض عن الدعوة إليه مستكبرا متبخترا، وتساؤل استنكاري في معرض التوكيد بأن الله لا يمكن أن يكون خلق الناس عبثا، وأن يتركهم بدون حساب وجزاء كما قد يحسب الجاحدون. فالله قد أنشأ الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم جعله خلقا سويا ثم جعله زوجين ذكرا وأنثى، ومن قدر أن يفعل ذلك قادر من باب أولى أن يحيي الموتى ويبعثهم ليحاسبوا على أعمالهم.
والآيات على ما يبدو من مجموعها في صدد التنديد بالمعاند المكذب ليوم القيامة المهمل لواجباته نحو الله والمنصرف عن دعوته. والوصف الذي بدأت به الآيات قد قصد به على ما هو المتبادر تذكير السامعين، وبخاصة المعاندين والمكذبين بالمصير المحتوم لكل حي، وإثارة الخوف في نفوسهم ودعوتهم إلى التفكير في العاقبة والمصير قبل أن يصلوا إلى النهاية من آجالهم وتكون الفرصة قد أفلتت منهم.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:( ١ ) التراقي : جمع ترقوة وهي أعلى الصدر مما يلي الحلق. وبلغت التراقي بمعنى وصلت روح الإنسان إلى ترقوته في طريقها إلى الخروج منه، والجملة كناية عن الاحتضار.
{ كلا إذا بلغت التراقي١( ٢٦ ) وقيل من راق٢ ( ٢٧ ) وظن٣ أنه الفراق( ٢٨ ) والتفت الساق بالساق٤( ٢٩ ) إلى ربك يومئذ المساق٥( ٣٠ ) فلا صدق ولا صلى( ٣١ ) ولكن كذب وتولى( ٣٢ ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى٦( ٣٣ ) أولى لك فأولى( ٣٤ )٧ ثم أولى لك فأولى( ٣٥ ) أيحسب الإنسان أن يترك سدى( ٣٦ ) ألم يك نطفة من مني يمنى( ٣٧ ) ثم كان علقة فخلق فسوى( ٣٨ ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى( ٣٩ ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى( ٤٠ ) ) [ ٢٦-٤٠ ]
والآيات استمرار للسياق أيضا. وهي في صدد الإنذار بالآخرة ومصائر الناس فيها، والبرهنة على قدرة الله على بعث الناس وحشرهم إلى الحساب والجزاء. وفيها وصف لحال الإنسان حينما يحضره الموت، ويتأكد من فراق الدنيا ويساق إلى الله ؛ وفيها تنديد في معرض الإنذار لمن لا يكون قد آمن وقام بواجبات عبادة الله وأعرض عن الدعوة إليه مستكبرا متبخترا، وتساؤل استنكاري في معرض التوكيد بأن الله لا يمكن أن يكون خلق الناس عبثا، وأن يتركهم بدون حساب وجزاء كما قد يحسب الجاحدون. فالله قد أنشأ الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم جعله خلقا سويا ثم جعله زوجين ذكرا وأنثى، ومن قدر أن يفعل ذلك قادر من باب أولى أن يحيي الموتى ويبعثهم ليحاسبوا على أعمالهم.
والآيات على ما يبدو من مجموعها في صدد التنديد بالمعاند المكذب ليوم القيامة المهمل لواجباته نحو الله والمنصرف عن دعوته. والوصف الذي بدأت به الآيات قد قصد به على ما هو المتبادر تذكير السامعين، وبخاصة المعاندين والمكذبين بالمصير المحتوم لكل حي، وإثارة الخوف في نفوسهم ودعوتهم إلى التفكير في العاقبة والمصير قبل أن يصلوا إلى النهاية من آجالهم وتكون الفرصة قد أفلتت منهم.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:( ١ ) التراقي : جمع ترقوة وهي أعلى الصدر مما يلي الحلق. وبلغت التراقي بمعنى وصلت روح الإنسان إلى ترقوته في طريقها إلى الخروج منه، والجملة كناية عن الاحتضار.
{ كلا إذا بلغت التراقي١( ٢٦ ) وقيل من راق٢ ( ٢٧ ) وظن٣ أنه الفراق( ٢٨ ) والتفت الساق بالساق٤( ٢٩ ) إلى ربك يومئذ المساق٥( ٣٠ ) فلا صدق ولا صلى( ٣١ ) ولكن كذب وتولى( ٣٢ ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى٦( ٣٣ ) أولى لك فأولى( ٣٤ )٧ ثم أولى لك فأولى( ٣٥ ) أيحسب الإنسان أن يترك سدى( ٣٦ ) ألم يك نطفة من مني يمنى( ٣٧ ) ثم كان علقة فخلق فسوى( ٣٨ ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى( ٣٩ ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى( ٤٠ ) ) [ ٢٦-٤٠ ]
والآيات استمرار للسياق أيضا. وهي في صدد الإنذار بالآخرة ومصائر الناس فيها، والبرهنة على قدرة الله على بعث الناس وحشرهم إلى الحساب والجزاء. وفيها وصف لحال الإنسان حينما يحضره الموت، ويتأكد من فراق الدنيا ويساق إلى الله ؛ وفيها تنديد في معرض الإنذار لمن لا يكون قد آمن وقام بواجبات عبادة الله وأعرض عن الدعوة إليه مستكبرا متبخترا، وتساؤل استنكاري في معرض التوكيد بأن الله لا يمكن أن يكون خلق الناس عبثا، وأن يتركهم بدون حساب وجزاء كما قد يحسب الجاحدون. فالله قد أنشأ الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم جعله خلقا سويا ثم جعله زوجين ذكرا وأنثى، ومن قدر أن يفعل ذلك قادر من باب أولى أن يحيي الموتى ويبعثهم ليحاسبوا على أعمالهم.
والآيات على ما يبدو من مجموعها في صدد التنديد بالمعاند المكذب ليوم القيامة المهمل لواجباته نحو الله والمنصرف عن دعوته. والوصف الذي بدأت به الآيات قد قصد به على ما هو المتبادر تذكير السامعين، وبخاصة المعاندين والمكذبين بالمصير المحتوم لكل حي، وإثارة الخوف في نفوسهم ودعوتهم إلى التفكير في العاقبة والمصير قبل أن يصلوا إلى النهاية من آجالهم وتكون الفرصة قد أفلتت منهم.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:( ١ ) التراقي : جمع ترقوة وهي أعلى الصدر مما يلي الحلق. وبلغت التراقي بمعنى وصلت روح الإنسان إلى ترقوته في طريقها إلى الخروج منه، والجملة كناية عن الاحتضار.
{ كلا إذا بلغت التراقي١( ٢٦ ) وقيل من راق٢ ( ٢٧ ) وظن٣ أنه الفراق( ٢٨ ) والتفت الساق بالساق٤( ٢٩ ) إلى ربك يومئذ المساق٥( ٣٠ ) فلا صدق ولا صلى( ٣١ ) ولكن كذب وتولى( ٣٢ ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى٦( ٣٣ ) أولى لك فأولى( ٣٤ )٧ ثم أولى لك فأولى( ٣٥ ) أيحسب الإنسان أن يترك سدى( ٣٦ ) ألم يك نطفة من مني يمنى( ٣٧ ) ثم كان علقة فخلق فسوى( ٣٨ ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى( ٣٩ ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى( ٤٠ ) ) [ ٢٦-٤٠ ]
والآيات استمرار للسياق أيضا. وهي في صدد الإنذار بالآخرة ومصائر الناس فيها، والبرهنة على قدرة الله على بعث الناس وحشرهم إلى الحساب والجزاء. وفيها وصف لحال الإنسان حينما يحضره الموت، ويتأكد من فراق الدنيا ويساق إلى الله ؛ وفيها تنديد في معرض الإنذار لمن لا يكون قد آمن وقام بواجبات عبادة الله وأعرض عن الدعوة إليه مستكبرا متبخترا، وتساؤل استنكاري في معرض التوكيد بأن الله لا يمكن أن يكون خلق الناس عبثا، وأن يتركهم بدون حساب وجزاء كما قد يحسب الجاحدون. فالله قد أنشأ الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم جعله خلقا سويا ثم جعله زوجين ذكرا وأنثى، ومن قدر أن يفعل ذلك قادر من باب أولى أن يحيي الموتى ويبعثهم ليحاسبوا على أعمالهم.
والآيات على ما يبدو من مجموعها في صدد التنديد بالمعاند المكذب ليوم القيامة المهمل لواجباته نحو الله والمنصرف عن دعوته. والوصف الذي بدأت به الآيات قد قصد به على ما هو المتبادر تذكير السامعين، وبخاصة المعاندين والمكذبين بالمصير المحتوم لكل حي، وإثارة الخوف في نفوسهم ودعوتهم إلى التفكير في العاقبة والمصير قبل أن يصلوا إلى النهاية من آجالهم وتكون الفرصة قد أفلتت منهم.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:( ١ ) التراقي : جمع ترقوة وهي أعلى الصدر مما يلي الحلق. وبلغت التراقي بمعنى وصلت روح الإنسان إلى ترقوته في طريقها إلى الخروج منه، والجملة كناية عن الاحتضار.
{ كلا إذا بلغت التراقي١( ٢٦ ) وقيل من راق٢ ( ٢٧ ) وظن٣ أنه الفراق( ٢٨ ) والتفت الساق بالساق٤( ٢٩ ) إلى ربك يومئذ المساق٥( ٣٠ ) فلا صدق ولا صلى( ٣١ ) ولكن كذب وتولى( ٣٢ ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى٦( ٣٣ ) أولى لك فأولى( ٣٤ )٧ ثم أولى لك فأولى( ٣٥ ) أيحسب الإنسان أن يترك سدى( ٣٦ ) ألم يك نطفة من مني يمنى( ٣٧ ) ثم كان علقة فخلق فسوى( ٣٨ ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى( ٣٩ ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى( ٤٠ ) ) [ ٢٦-٤٠ ]
والآيات استمرار للسياق أيضا. وهي في صدد الإنذار بالآخرة ومصائر الناس فيها، والبرهنة على قدرة الله على بعث الناس وحشرهم إلى الحساب والجزاء. وفيها وصف لحال الإنسان حينما يحضره الموت، ويتأكد من فراق الدنيا ويساق إلى الله ؛ وفيها تنديد في معرض الإنذار لمن لا يكون قد آمن وقام بواجبات عبادة الله وأعرض عن الدعوة إليه مستكبرا متبخترا، وتساؤل استنكاري في معرض التوكيد بأن الله لا يمكن أن يكون خلق الناس عبثا، وأن يتركهم بدون حساب وجزاء كما قد يحسب الجاحدون. فالله قد أنشأ الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم جعله خلقا سويا ثم جعله زوجين ذكرا وأنثى، ومن قدر أن يفعل ذلك قادر من باب أولى أن يحيي الموتى ويبعثهم ليحاسبوا على أعمالهم.
والآيات على ما يبدو من مجموعها في صدد التنديد بالمعاند المكذب ليوم القيامة المهمل لواجباته نحو الله والمنصرف عن دعوته. والوصف الذي بدأت به الآيات قد قصد به على ما هو المتبادر تذكير السامعين، وبخاصة المعاندين والمكذبين بالمصير المحتوم لكل حي، وإثارة الخوف في نفوسهم ودعوتهم إلى التفكير في العاقبة والمصير قبل أن يصلوا إلى النهاية من آجالهم وتكون الفرصة قد أفلتت منهم.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:( ١ ) التراقي : جمع ترقوة وهي أعلى الصدر مما يلي الحلق. وبلغت التراقي بمعنى وصلت روح الإنسان إلى ترقوته في طريقها إلى الخروج منه، والجملة كناية عن الاحتضار.
{ كلا إذا بلغت التراقي١( ٢٦ ) وقيل من راق٢ ( ٢٧ ) وظن٣ أنه الفراق( ٢٨ ) والتفت الساق بالساق٤( ٢٩ ) إلى ربك يومئذ المساق٥( ٣٠ ) فلا صدق ولا صلى( ٣١ ) ولكن كذب وتولى( ٣٢ ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى٦( ٣٣ ) أولى لك فأولى( ٣٤ )٧ ثم أولى لك فأولى( ٣٥ ) أيحسب الإنسان أن يترك سدى( ٣٦ ) ألم يك نطفة من مني يمنى( ٣٧ ) ثم كان علقة فخلق فسوى( ٣٨ ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى( ٣٩ ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى( ٤٠ ) ) [ ٢٦-٤٠ ]
والآيات استمرار للسياق أيضا. وهي في صدد الإنذار بالآخرة ومصائر الناس فيها، والبرهنة على قدرة الله على بعث الناس وحشرهم إلى الحساب والجزاء. وفيها وصف لحال الإنسان حينما يحضره الموت، ويتأكد من فراق الدنيا ويساق إلى الله ؛ وفيها تنديد في معرض الإنذار لمن لا يكون قد آمن وقام بواجبات عبادة الله وأعرض عن الدعوة إليه مستكبرا متبخترا، وتساؤل استنكاري في معرض التوكيد بأن الله لا يمكن أن يكون خلق الناس عبثا، وأن يتركهم بدون حساب وجزاء كما قد يحسب الجاحدون. فالله قد أنشأ الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم جعله خلقا سويا ثم جعله زوجين ذكرا وأنثى، ومن قدر أن يفعل ذلك قادر من باب أولى أن يحيي الموتى ويبعثهم ليحاسبوا على أعمالهم.
والآيات على ما يبدو من مجموعها في صدد التنديد بالمعاند المكذب ليوم القيامة المهمل لواجباته نحو الله والمنصرف عن دعوته. والوصف الذي بدأت به الآيات قد قصد به على ما هو المتبادر تذكير السامعين، وبخاصة المعاندين والمكذبين بالمصير المحتوم لكل حي، وإثارة الخوف في نفوسهم ودعوتهم إلى التفكير في العاقبة والمصير قبل أن يصلوا إلى النهاية من آجالهم وتكون الفرصة قد أفلتت منهم.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:( ١ ) التراقي : جمع ترقوة وهي أعلى الصدر مما يلي الحلق. وبلغت التراقي بمعنى وصلت روح الإنسان إلى ترقوته في طريقها إلى الخروج منه، والجملة كناية عن الاحتضار.
{ كلا إذا بلغت التراقي١( ٢٦ ) وقيل من راق٢ ( ٢٧ ) وظن٣ أنه الفراق( ٢٨ ) والتفت الساق بالساق٤( ٢٩ ) إلى ربك يومئذ المساق٥( ٣٠ ) فلا صدق ولا صلى( ٣١ ) ولكن كذب وتولى( ٣٢ ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى٦( ٣٣ ) أولى لك فأولى( ٣٤ )٧ ثم أولى لك فأولى( ٣٥ ) أيحسب الإنسان أن يترك سدى( ٣٦ ) ألم يك نطفة من مني يمنى( ٣٧ ) ثم كان علقة فخلق فسوى( ٣٨ ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى( ٣٩ ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى( ٤٠ ) ) [ ٢٦-٤٠ ]
والآيات استمرار للسياق أيضا. وهي في صدد الإنذار بالآخرة ومصائر الناس فيها، والبرهنة على قدرة الله على بعث الناس وحشرهم إلى الحساب والجزاء. وفيها وصف لحال الإنسان حينما يحضره الموت، ويتأكد من فراق الدنيا ويساق إلى الله ؛ وفيها تنديد في معرض الإنذار لمن لا يكون قد آمن وقام بواجبات عبادة الله وأعرض عن الدعوة إليه مستكبرا متبخترا، وتساؤل استنكاري في معرض التوكيد بأن الله لا يمكن أن يكون خلق الناس عبثا، وأن يتركهم بدون حساب وجزاء كما قد يحسب الجاحدون. فالله قد أنشأ الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم جعله خلقا سويا ثم جعله زوجين ذكرا وأنثى، ومن قدر أن يفعل ذلك قادر من باب أولى أن يحيي الموتى ويبعثهم ليحاسبوا على أعمالهم.
والآيات على ما يبدو من مجموعها في صدد التنديد بالمعاند المكذب ليوم القيامة المهمل لواجباته نحو الله والمنصرف عن دعوته. والوصف الذي بدأت به الآيات قد قصد به على ما هو المتبادر تذكير السامعين، وبخاصة المعاندين والمكذبين بالمصير المحتوم لكل حي، وإثارة الخوف في نفوسهم ودعوتهم إلى التفكير في العاقبة والمصير قبل أن يصلوا إلى النهاية من آجالهم وتكون الفرصة قد أفلتت منهم.

Icon