ﰡ
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة إذا الشمس كورت أعاذه الله أن يفضحه حين تنشر صحيفته» «٢».
سورة الانفطار
مكية، وآياتها ١٩ [نزلت بعد النازعات] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ١ الى ٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤)عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥)
انْفَطَرَتْ انشقت فُجِّرَتْ فتح بعضها إلى بعض، فاختلط العذب بالمالح، وزال البرزخ الذي بينهما، وصارت البحار بحرا واحدا. وروى أنّ الأرض تنشف الماء بعد امتلاء البحار، فتصير مستوية، وهو معنى التسجير عند الحسن، وقرئ: فجرت، بالتخفيف. وقرأ مجاهد: فجرت على البناء للفاعل والتخفيف، بمعنى: بغت لزوال البرزخ نظرا إلى قوله تعالى لا يَبْغِيانِ لأنّ البغي والفجور أخوان. بعثر وبحثر بمعنى، وهما مركبان من البعث والبحث
لا بخلق الله تعالى ولا بإرادته: وهو مذهب المعتزلة. ومذهب أهل السنة: أنه يخلق الله تعالى وإرادته كظاهر الآيات. وقوله بقسر الله، أى بجبره العبد على الفعل، لكن الجبر ينافي الاختيار المصحح للتكليف واستحقاق الثواب والعقاب، ويمكن أنه أراد بقسر الله إرادته المستلزمة لوجود المراد، كما سبق له في الكتاب غير مرة التعبير بارادة القسر، لكن استلزام الارادة للمراد لا يستلزم قسر العبد وجبره عند أهل السنة، وإن كان الله هو الخالق لفعل العبد، لأنهم أثبتوا العبد الكسب، خلافا للمعتزلة. وتفصيل المقام في علم التوحيد. (ع)
(٢). أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه باسنادهم إلى أبى بن كعب.
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ٦ الى ٨]
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨)
فإن قلت: ما معنى قوله: ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ وكيف طابق الوصف بالكرم إنكار الاغترار به «١»، وإنما يغتر بالكريم، كما يروى عن على رضى الله عنه أنه صاح بغلام له كرّات فلم يلبه، فنظر فإذا هو بالباب، فقال له: مالك لم تجبني؟ قال: لثقتي بحلمك وأمنى من عقوبتك، فاستحسن جوابه وأعتقه»
. وقالوا: من كرم الرجل سوء أدب غلمانه. قلت:
معناه أنّ حق الإنسان أن لا يغتر بتكرم الله عليه، حيث خلقه حيا لينفعه، وبتفضله عليه بذلك حتى يطمع بعد ما مكنه وكلفه فعصى وكفر النعمة المتفضل بها أن يتفضل عليه بالثواب وطرح العقاب، اغترارا بالتفضل الأوّل، فإنه منكر خارج من حد الحكمة، ولهذا قال رسول الله ﷺ لما تلاها. «غرّه جهله» «٣» وقال عمر رضى الله عنه: غرّه حمقه وجهله.
وقال الحسن: غره والله شيطانه الخبيث، أى: زين له المعاصي وقال له: افعل ما شئت، فربك الكريم الذي تفضل عليك بما تفضل به أوّلا وهو متفضل عليك آخرا، حتى ورطه. وقيل للفضيل ابن عياض: إن أقامك الله يوم القيامة وقال لك: ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ماذا تقول؟ قال أقول: غرتني ستورك المرخاة. وهذا على سبيل الاعتراف بالخطإ في الاغترار بالستر، وليس باعتذار كما يظنه الطماع، ويطن به قصاص الحشوية ويروون عن أئمتهم: إنما قال بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ دون سائر صفاته، ليلقن عبده الجواب حتى يقول: غرّنى كرم الكريم. وقرأ سعيد بن جبير:
ما أغرّك، إما على التعجب، وإما على الاستفهام، من قولك: غرّ الرجل فهو غارّ: إذا غفل،
قال أحمد: حجة الزمخشري هاهنا فارغة، فان الآية إنما وردت في الكفار، بدليل قوله كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ونحن نوافقه على خلودهم وانقطاع معاذيرهم، لا على أن تخليدهم واجب على الله تعالى بمقتضى الحكمة، فان الله لا يجب عليه شيء. ويجوز عقلا أن يثيب الكافر ويخلده في الجنة، وبالعكس في المؤمن، ولولا ورود السمع باثابة المؤمنين وعذاب الكافرين فيتعين المصير إليه، لكان ما ذكرناه في الجواز والاحتمال، فان الله عز وجل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
(٢). لم أجده.
(٣). أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن صالح بن سمار قال بلغني أن النبي ﷺ تلا هذه الآية فذكره.
فإن قلت: هلا عطفت هذه الجملة كما عطف ما قبلها؟ قلت: لأنها بيان لعدلك. فإن قلت: بم يتعلق الجار؟ قلت: يجوز أن يتعلق بركبك. على معنى: وضعك في بعض الصور ومكنك فيه، وبمحذوف: أى ركبك حاصلا في بعض الصور، ومحله النصب على الحال إن علق بمحذوف ويجوز أن يتعلق بعدلك، ويكون في «أى» معنى التعجب «١»، أى فعدلك في صورة عجيبة، ثم قال: ما شاء ركبك. أى. ركبك ما شاء من التراكيب، يعنى تركيبا حسنا.
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ٩ الى ١٢]
كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢)
كَلَّا ارتدعوا عن الاغترار بكرم الله والتسلق به، وهو موجب الشكر والطاعة، إلى عكسهما الذي هو الكفر والمعصية، ثم قال بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ أصلا وهو الجزاء.
أو دين الإسلام. فلا تصدّقون ثوابا ولا عقابا وهو شر من الطمع المنكر وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ تحقيق لما يكذبون به من الجزاء، يعنى أنكم تكذبون بالجزاء والكاتبون يكتبون عليكم أعمالكم لتجازوا بها. وفي تعظيم الكتبة بالثناء عليهم: تعظيم لأمر الجزاء، وأنه عند الله من جلائل الأمور، ولولا ذلك لما وكل بضبط ما يحاسب عليه، ويجازى به الملائكة الكرام الحفظة الكتبة. وفيه إنذار وتهويل وتشوير للعصاة «٢» ولطف للمؤمنين. وعن الفضيل أنه كان إذا قرأها قال: ما أشدّها من آية على الغافلين.
(٢). قوله «وتشوير العصاة» أى إخجال اه كذا بهامش وفي الصحاح «الشوار» الفرع. ومنه قيل:
شور به أى كأنه أبدى عورته. (ع)
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ١٣ الى ١٦]
إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦)وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ كقوله وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها ويجوز أن يراد: يصلون النار يوم الدين وما يغيبون عنها قبل ذلك، يعنى: في قبورهم. وقيل: أخبر الله في هذه السورة أنّ لابن آدم ثلاث حالات: حال الحياة التي يحفظ فيها عمله، وحال الآخرة التي يجازى فيها، وحال البرزخ وهو قوله وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ.
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ١٧ الى ١٩]
وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)
يعنى أن أمر يوم الدين بحيث لا ندرك دراية دار كنهه في الهول والشدّة وكيفما تصورته فهو فوق ذلك وعلى أضعافه، والتكرير لزيادة التهويل، ثم أجمل القول في وصفه فقال يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً أى لا تستطيع دفعا عنها ولانفعالها بوجه ولا أمر إلا لله وحده. من رفع فغلى البدل من يوم الدين، أو على: هو يوم لا تملك. ومن نصب فبإضمار يدانون، لأنّ الدين يدل عليه. أو بإضمار اذكر. ويجوز أن يفتح لإضافته إلى غير متمكن وهو في محل الرفع.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ إذا السماء انفطرت كتب الله له بعدد كل قطرة من السماء حسنة وبعدد كل قبر حسنة» «١».