هي ثماني آيات، وهي مكية عند الجميع، وروى البخاري أنها مدنية. قال ابن عباس : نزلت بمكة.
عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آية في كل يوم. قالوا : ومن يستطيع أن يقرأ ألف آية في كل يوم. قال : أما يستطيع أحدكم أن يقرأ ﴿ ألهاكم التكاثر ﴾ " أخرجه الحاكم والبيهقي في الشعب. قال المنذري : رجال إسناده ثقات، إلا أن عقبة لا أعرفه.
وعن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" من قرأ في ليلة ألف آية لقي الله وهو ضاحك في وجهه. قيل : يا رسول الله ومن يقوى على ألف آية، فقرأ :﴿ بسم الله الرحمان الرحيم ألهاكم التكاثر ﴾ إلى آخرها، ثم قال : والذي نفسي بيده إنها لتعدل ألف آية ". أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق والديلمي.
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن عبد الله بن الشخير قال :" انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقرأ ألهاكم التكاثر، وفي لفظ وقد أنزلت عليه ألهاكم التكاثر وهو يقول :" يقول ابن آدم : مالي مالي، وهل لك من مال إلا ما أكلت فأفنيت "، وأخرجه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة، ولم يذكر فيه قراءة هذه السورة، ولا نزولها بلفظ " يقول العبد : مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاثة : ما أكل فأفنى، وما لبس فأبلى، وما تصدق فأبقى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس ".
وعن جرير بن عبد الله قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إني قارئ عليكم سورة ألهاكم التكاثر، فمن بكى فله الجنة، فقرأها، فمنا من بكى، ومنا من لم يبك، فقال الذين لم يبكوا : قد جهدنا يا رسول الله أن نبكي فلم نقدر عليه، فقال : إني قارئها عليكم الثانية، فمن بكى فله الجنة، ومن لم يقدر أن يبكي فليتباك "، أخرجه البيهقي في الشعب وضعفه، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول.
ﰡ
وقال الكلبي نزلت في حيين من قريش بني عبد مناف وبني سهم وتعادوا أو تكاثروا بالسيادة والإشراف في الإسلام، فقال كل حي منهم نحن أكثر سيداً وأعز عزيزاً وأعظم نفراً وأكثر قائداً فكثر بنو عبد مناف بني سهم، ثم تكاثروا بالأموات فكثرتهم بهم، فنزلت ألهاكم التكاثر فلم ترضوا حتى زرتم المقابر مفتخرين بالأموات.
وعن أبي بردة في الآية قال: " نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار في بني حارثة وبني الحرث تفاخروا وتكاثروا فقالت إحداهما فيكم مثل فلان وفلان، وقال الآخرون مثل ذلك تفاخروا بالأحياء ثم قالوا انطلقوا بنا إلى القبور، فجعلت إحدى الطائفتين تقول فيكم مثل فلان يشيرون إلى القبر، ومثل فلان وفعل الآخرون مثل ذلك فأنزل الله هذه الآية " أي لقد كان لكم فيما زرتم
وفي الآية دليل على أن الإشتغال بالدنيا والمكاثرة بها والمفاخرة فيها من الخصال المذمومة، والشرع دل على أن التكاثر والتفاخر في السعادات الحقيقية غير مذموم، فيجوز للإنسان أن يفتخر بطاعاته وحسن أخلاقه إذا كان يظن أن غيره يقتدي به.
وقال سبحانه ألهاكم التكاثر ولم يقل عن كذا بل أطلقه لأن الإطلاق أبلغ في الذم لأنه يذهب فيه الوهم كل مذهب، فيدخل فيه جميع ما يحتمله المقام، لأن حذف المتعلق مشعر بالتعميم كما تقرر في علم البيان.
والمعنى أنه شغلكم التكاثر عن علم كل شيء يجب عليكم الإشتغال به من طاعة الله.
والعمل للآخرة، وعبر عن موتهم بزيارة المقابر لأن الميت قد صار إلى قبره كما يصير الزائر إلى الموضع الذي يزوره، هذا على قول من قال إن معنى زرتم المقابر متم، وأما على قول من قال إن معنى زرتم المقابر، ذكرتم الموتى وعددتموهم للمفاخرة والمكاثرة فيكون ذلك على طريق التهكم بهم وقيل إنهم كانوا يزورون المقابر فيقولون هذا قبر فلان وهذا قبر فلان يفتخرون بذلك.
_________
(١) روى مسلم في " صحيحه " رقم (٢٩٥٨) عن مطرف عن أبيه قال: أتيت النبي - ﷺ - وهو يقرأ (ألهاكم التكاثر)، قال: " يقول ابن آدم: مالي، مالي (قال) وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت ". وروى مسلم أيضاًً رقم (٢٩٥٩) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - ﷺ - قال " يقول العبد: مالي، مالي، إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى (ادخره لآخرته) وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس ". وروى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: " يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله ".
ثم كرر الردع والزجر والوعيد فقال
وجعله الشيخ جمال الدين بن مالك من التوكيد اللفظي مع توسط حرف العطف، وقال الزمخشري والتكرير تأكيد للردع والرد عليهم، ونقل عن علي (كلا سوف تعلمون) في الدنيا (ثم كلا سوف تعلمون) في الآخرة، فعلى هذا يكون غير مكرر لحصول التغاير بينهما لأجل تغاير المتعلقين، وثم على بابها من المهلة وحذف متعلق العلم في الأفعال الثلاثة لأن الغرض هو الفعل لا متعلقه، والعلم بمعنى المعرفة فيتعدى لمفعول واحد قاله السمين.
وقال الأخفش: التقدير لو تعلمون علم اليقين ما ألهاكم، و (كلا) في هذا الموضع الثالث للردع والزجر كالموضعين الأولين، وقال الفراء: هي بمعنى حقاً، وقيل هي في المواضع الثلاثة بمعنى ألا، قاله ابن أبي حاتم، قال قتادة اليقين هنا الموت، وعنه قال هو البعث، وعنه كنا نحدث أن علم اليقين أن يعلم أن الله باعثه بعد الموت.
وإضافة العلم إلى اليقين من إضافة الموصوف إلى صفته، وفي السمين وعلم اليقين مصدر قيل وأصله العلم اليقين، وقيل لا حاجة إلى ذلك لأن العلم يكون يقيناً وغير يقين فأضيف إليه إضافة العلم للخاص، وهذا يدل على أن اليقين أخص.
وقوله
قرأ الجمهور لترون بفتح التاء مبنياً للفاعل وقرىء بضمها مبنياً للمفعول، والرؤية هنا بصرية فلذلك تعدت إلى مفعول واحد.
ثم كرر الوعيد والتهديد للتأكيد فقال
قال قتادة: يعني كفار مكة كانوا في الدنيا في الخير والنعمة فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه، ولم يشكروا رب النعم حيث عبدوا غيره وأشركوا به، قال الحسن: لا يسأل عن النعم إلا أهل النار.
وقال قتادة: إن الله سبحانه سائل كل ذي نعمة عما أنعم عليه وهذا هو الظاهر ولا وجه لتخصيص النعيم بفرد من الأفراد، أو نوع من الأنواع، لأن
ومجرد السؤال لا يستلزم تعذيب المسؤول على النعمة التي سئل عنها فقد يسأل الله المؤمن عن النعم التي أنعم بها عليه فيم صرفها وبم عمل فيها ليعرف تقصيره وعدم قيامه بما يجب عليه من الشكر.
قيل السؤال عن الأمن والصحة، وقيل عن الصحة والفراغ، وقيل عن الإدراك بالحواس، وقيل عن ملاذ المؤكول والمشروب، وقيل عن الغداء والعشاء، وقيل عن بارد الشراب وظلال المساكن، وقيل عن اعتدال الخلق، وقيل عن لذة النوم، وقيل غير ذلك والأولى العموم كما ذكرنا.
وعن ابن عباس في الآية قال صحة الأبدان والأسماع والأبصار، وهو أعلم بذلك منهم، وهو قوله (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً).
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: " قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ألهاكم التكاثر) يعني عن الطاعة (حتى زرتم المقابر) يقول حتى يأتيكم الموت " (كلا سوف تعلمون) يعني لو قد دخلتم قبوركم (ثم كلا سوف تعلمون) يقول لو قد خرجتم من قبوركم إلى محشركم (كلا لو تعلمون علم اليقين) قال لو قد وقفتم على أعمالكم بين يدي ربكم (لترون الجحيم) وذلك أن الصراط يوضع وسط جهنم فناج مسلم ومخدوش مسلم ومكدوش في نار جهنم (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) يعني شبع البطون وبارد الشراب وظلال المساكن واعتدال الخلق ولذة النوم.
وأخرج ابن مردويه عن عياض بن غنم مرفوعاً نحوه، وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الآية قال: " الأمن والصحة " رواه عبد الله بن أحمد في زائد الزهد وابن أبي حاتم وغيرهما.
وعن علي قال النعيم العافية، وعنه قال من أكل خبز البر وشرب ماء
عن أبي الدرداء قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم في الآية: " أكل خبز البر والنوم في الظل وشرب ماء الفرات مبرداً " أخرجه ابن مردويه، ولعل رفع هذا لا يصح فربما كان من قول أبي الدرداء.
وعن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الآية قال: " ناس من أمتي يعقدون السمن والعسل بالنقى فيأكلونه " أخرجه أحمد في الزهد وابن مردويه وهذا مرسل.
وعن عكرمة قال لما نزلت هذه الآية قال الصحابة يا رسول الله أي نعيم نحن فيه، وإنما نأكل في إنصاف بطوننا خبز الشعير، فأوحى الله إلى نبيه ﷺ أن قل لهم " أليس تحتذون النعال وتشربون الماء البارد، فهذا من النعيم " أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
وعن محمود بن لبيد قال لما نزلت (ألهاكم التكاثر) فقرأ حتى بلغ النعيم، قالوا يا رسول الله أي نعيم نسأل عنه، وإنما هما الأسودان الماء والتمر وسيوفنا على رقابنا والعدو حاضر، فعن أي نعيم نسأل؟ قال " أما إن ذلك سيكون " أخرجه ابن أبي شيبة وهناد وأحمد وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الشعب.
وأخرجه الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة.
وأخرجه أحمد والترمذي وحسنه وغيرهما من حديث الزبير بن العوام.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أن أول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة من النعيم أن يقال له ألم نصح لك جسدك ونرويك من الماء البارد " (١) أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي
_________
(١) روى البخاري في " صحيحه " ١١/ ١٩٦ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - ﷺ -: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ". قال الحافظ ابن حجر في " الفتح "
-[٣٧١]-
١١/ ١٩٧: وقوله في الحديث: " مغبون فيهما كثير من الناس " كقوله تعالى: (وقليل من عبادي الشكور) فالكثير في الحديث في مقابلة القليل في الآية، ونقل عن ابن بطال أن معنى الحديث: أن المرء لا يكون فارغاً حتى يكون مكفياً صحيح البدن، فمن حصل له ذلك، فليحرص على أن لا يغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه، ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه، فمن فرط في ذلك فهو المغبون. قال ابن حجر: وأشار بقوله: " كثير من الناس " إلى أن الذي يوفق لذلك قليل. ونقل عن ابن الجوزي قوله: قد يكون الإنسان صحيحاً ولا يكون متفرغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنياً ولا يكون صحيحاً، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون، لأن الفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم.
وعن جابر بن عبد الله قال: جاءنا رسول الله ﷺ وأبو بكر وعمر فأطعمناهم رطباً وسقيناهم ماء فقال رسول الله ﷺ " هذا من النعيم الذي تسألون عنه " أخرجه أحمد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وعبد بن حميد وغيرهم.
وأخرج مسلم وأهل السنن وغيرهم عن أبي هريرة قال: " خرج النبي ﷺ فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال ما أخرجكما من بيوتكما الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله، قال والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما فقوما فقاما معه فأتى رجلاً من الأنصار فإذا هو ليس في بيته فلما رأته المرأة قالت مرحباً فقال النبي ﷺ أين فلان؟ فقالت انطلق يستعذب لنا الماء إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله ﷺ وصاحبيه فقال الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني، فانطلق فجاء بعذق فيه بسر وتمر فقال كلوا من هذا، وأخذ المدية فقال له رسول الله ﷺ إياك والحلوب، فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا فلما شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر وعمر " والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة " وفي الباب أحاديث.
هي ثلاث آيات وهي مكية عند الجمهور، وقال قتادة: هي مدنية قال ابن عباس نزلت بمكة: عن أبي مزينة الدارمي وكانت له صحبة قال " كان الرجلان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر، ثم يسلم أحدهما على الآخر " أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)