ﰡ
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
سورة الأنعامقوله تعالى: (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا)، الآية: ٦٨.
فأمر نبيه بالإعراض عن الذين يخوضون في آيات الله، وذلك يدل على وجوب اجتناب مجالس الملحدين، وسائر الكفرة، عند إظهارهم الشرك والكفر وما يستحيل على الله «١».
ونظيره قوله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) إلى قوله تعالى:
(كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ) «٢».
(٢) سورة المائدة آية ٧٨- ٧٩.
وقال: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً) إلى قوله تعالى (وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ) «٢».
قال قائلون: هي منسوخة بآيات القتال.
وقال آخرون: إنها ليست منسوخة لكنها على وجه التعزيز، كقوله تعالى: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) «٣».
قوله تعالى: (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) «٤».
يستدل به على وجوب اتباع شرائع الأنبياء والتزامها.
قوله تعالى: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) الآية: ١٠٨.
يدل على الكف عن سب السفهاء الذين يتسرعون إلى سبه على وجه المقابلة، لأنه بمنزلة البعث على المعصية.
قوله تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ).
الآية: ١٢١.
حمله الشافعي على النهي عن الميتات، ويدل عليه ما روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: قال المشركون: تأكلون مما مات من قبلكم ولا تأكلون
(٢) سورة الانعام آية ٧٠.
(٣) سورة المدثر آية ١١.
(٤) سورة الانعام آية ٩٠.
قال: (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) «٢» في ذبائح المشركين، ولم تكن المناظرة في هذه المسألة ظاهرة فيما بينهم، وإنما كانت المجادلة في الميتة.
قوله تعالى: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً)، الآية: ١٣٦.
قال ابن عباس: كانوا يجعلون من حرثهم ومواشيهم جزءا لله وجزءا لشركائهم، فكان إذا خالط مما جعلوه جزءا لشركائهم ما جعلوه لله، رجعوا فيما جعلوه لله تعالى فجعلوه لشركائهم، وكانوا إذا أجدبوا أخذوا ما جعلوه لله تعالى لأنفسهم، فنزلت الآية «٣».
قوله تعالى: (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ)، الآية: ١٣٨:
أما الأنعام التي ذكرها أولا، فهي ما جعلوه لأوثانهم. والأنعام التي ذكرت ثانيا، فالسائبة والوصيلة والحام.
قوله تعالى: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً)، الآية: ١٤٠.
أراد به: قتلوهم سفها خوف الإملاق، وحجروا على أنفسهم في أموالهم، ولم يحسوا فيه الإملاق، فأبان عن تناقض آرائهم.
(٢) سورة الأنعام آية ١٢١.
(٣) روي عن علي بن أبي طلحة والصوفي، والواحد النيسابوري وابن كثير والقرطبي.
أنظر أسباب النزول للواحدي، وأحكام القرآن لابن عربي، ومحاسن التأويل للقاسمي، وتفسير القرطبي وابن كثير.
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) «١».
قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ)، الآية ١٤١.
استدل به من أوجب العشر في الخضروات، وأنه تعالى قال: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ)، والمذكور قبله الزيتون والرمان، والمذكور عقيب جملة ينصرف إلى الأخير بلا خلاف.
ومن يخالف ذلك يقول: الظاهر منه الحبوب، فإن الحصاد لا يطلق حقيقة إلا عليه، وإنما يطلق على ما سواه مجازا فاعلمه.
وأمكن أن يقال: إن المراد بقوله: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) :
حقه الانفاق منه على ذويه وأقربائه وعلى نفسه، وصرفه في المصارف الواجبة، فإن ذلك بمعنى العشر أو نصف العشر، ويدل على ذلك أن الله تعالى قال: (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، وإنما يقال ذلك فيما ليس مقدرا، بل هو مفوض إلى اختيار الإنسان واجتهاده، فعليه أن يراعي حد الاقتصاد والاجتهاد، فأما إذا كان الواجب محدودا مقدرا فلا يقال فيه: ولا تسرفوا، وهذا هو الظاهر من الكلام، وليس فيه دليل على العشر من الخضروات «٢».
قوله تعالى: (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً)، الآية:
١٤٥.
(٢) انظر الإكليل للسيوطي
فمنها لحوم الحمر الأهلية، روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: قلت لجابر بن زيد: إنهم يزعمون أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن لحوم الحمر الأهلية، قال:
قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا عن النبي صلّى الله عليه وسلم، قال: ولكن أبى ذلك البحر يعني ابن عباس، وقرأ: (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) الآية.
وعن عائشة أنها كانت لا ترى بلحوم السباع والدم يكون في أعلى العروق بأسا، وقد قرأت هذه الآية:
(قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) الآية.
واعلم أن ظاهر الآية لا يمنع من تحريم غير المذكور، إلا أنه لا يدل على أنه لا يحرم في الشرع الآن، ويجوز أن يكون قد تجدد بعده.
وقد قيل: (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً)، مما كنتم تستبيحونه وتتناولونه ولا تعدونه من الخبائث إلا هذه الأمور، وإلا فقد اشتمل القرآن على أشياء محرمة كالمنخنقة والموقوذة، واشتمل الإجماع على تحريم أشياء كالقاذورات والخمر والآدمي، والأشياء التي أوجب رسول الله صلّى الله عليه وسلم قتلها، وقد شرحنا ذلك في أصول الفقه، إلا أن ظهور «١» الآية، لا يدفع قبل بيان التأويل، وعليه بنى الشافعي تحليل كل مسكوت عنه أخذا من هذه الآية، إلا ما دل عليه الدليل.
وبالجملة، الاتفاق على تحريم أشياء لا ذكر لها في الآية مع خصوص السبب الذي قاله المفسرون يقوي التأويل ويجوز قبول أخبار الآحاد فيه.
هذا يحتج به الشافعي، في أن من حلف لا يأكل الشحم، حنث يأكل شحم الظهور، لاستثناء الله تعالى ما على ظهورها من جملة الشحم.
قوله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)
«١» :
إنما خص اليتيم بالذكر فيما أمرنا به من ذلك، لعجزه عن الإنتصار لنفسه، وتأكد الأطماع في ماله، فلا جرم أكد النهي عن أخذ ماله بتخصيصه بالذكر.
وقوله تعالى: (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)
: يدل على أن للوصي أن يدفع مال اليتيم مضاربة. وجعل المرد بلوغ الأشد، وذلك هو البلوغ.
لأن الأشد والكمال لا يعرف إلا بوجود الحد الشرعي وهو البلوغ.
وأبو حنيفة يقول: بلوغ الأشد: بلوغ خمس وعشرين سنة، وهذا تحكم منه لا وجه له. ولا دليل عليه لا لغة ولا شرعا.
قوله تعالى: (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ). الآية: ١٥٣.
يدل على منع الارتياء «٢» والنظر مع وجود النص ومنع من الاختلاف.
(٢) اي الرأي.
وإنما قال ذل لأن بعض هؤلاء يكفر بعضا، من حيث لم يكن من السنة المأثورة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وحرفوا الكلم تعصّبا وهوى، فحذر الله تعالى من ذلك ودعا إلى الاجتماع والألفة.
قوله تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) - إلى قوله تعالى- (وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)، الآية: ١٦١، ١٦٢.
استدل به الشافعي على افتتاح الصلاة بهذا الذكر، فإن الله تعالى أمر نبيه به وأنزله في كتابه.
وروي عن علي رضي الله عنه أن النبي عليه السلام كان إذا افتتح الصلاة قال:
«وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي- إلى قوله- وأنا من المسلمين» «١».
وروي عن عائشة، أن النبي عليه السلام كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه ثم قال:
«سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك وعلا جدك ولا إله غيرك» «٢».
والأول كان يقوله قبل أن ينزل: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ
(٢) أخرجه الامام أحمد في مسنده.
وأصحاب الشافعي يقولون: الأمر بالتسبيح لا ينافي الذكر عند افتتاح الصلاة، ويجوز أن يقول عند القيام: سبحان الله وبحمده، وإذا قام من القراءتين، وكذلك قوله:
(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ، وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ)، وذلك يدل على ما قلناه من أن ذلك التسبيح ليس ذكرا في الصلاة.
قوله تعالى: (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها)، الآية:
١٦٤.
يحتج به في عدم نفوذ تصرف زيد على عمرو، إلا ما قام الدليل عليه.
قوله تعالى: (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)، الآية: ١٦٤.
يحتج به في ألّا يؤاخذ زيد بفعل عمرو، وأن كل مباشر لجريمته فعليه مغبتها.