ﰡ
وهي مكّيّة في قول الجمهور إلا قوله: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ إلى آخر السورة فمدنيّ، وقال جماعة: هي مكية كلّها.
[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤)قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ نداء للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال السهيلي: المُزَّمِّلُ اسمٌ مشتقٌ من حالتِه التي كان عليها ع حينَ الخطابِ، وكذلكَ المدَّثِّرُ، وفي خطابِه بهذَا الاسْمِ فائِدَتان: إحداهما: الملاطفةُ فإنَّ العربَ إذا قَصَدَتْ ملاطَفَةَ المخاطَبِ، وتَرْكَ معاتَبَتهِ سَمَّوْهُ باسم مشتق من حالته، كقوله ع لعلي حين غَاضَبَ فاطمةَ: قُمْ أبا تُرَابٍ، إشعاراً له أنه غَيْرُ عاتبٍ عليه، وملاطَفَةً له، والفائدة الثانية: التنبيهُ لكلِّ مُتَزَمِّلٍ راقدٍ ليلَه لينتبهَ إلى قيامِ الليل وذكرِ اللَّه فيه، لأنَّ الاسْمَ المشتق من الفعلِ، يَشْتَرِكُ فيه معَ المخاطَب كلُّ مَنْ عَمِلَ بذلك العملِ، واتَّصَفَ بتلك الصفةِ، انتهى، والتَزَمُّلُ الاِلْتِفَافُ في الثياب، قال جمهور المفسرين وهو في البخاري وغيره: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لمَّا جَاءَه المَلَكُ في غار حراء وَحَاوَرَه بما حاوره به، رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى خديجة فقال: زمّلوني زمّلوني فنزلت «يا أيها المدثر» و [على هذا نزلت «يا أيها المزمل» ] «١».
وقوله تعالى: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا قال جمهور العلماءِ: هو أمْرُ نَدْبٍ، وقيل كَانَ فَرْضاً وقْتَ نزول الآيةِ، وقال بعضهم: كان فرضا على النبي صلّى الله عليه وسلّم خاصَّةً وبَقِيَ كذلك حتى تُوُفِّي، وقيل غير هذا.
فلما انْتَصَفَ الليلُ أو قَبْلَه بقليلٍ أو بعده بقليل، قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال ع «٢» :
ويلزمُ على هذا البَدَلِ الذي ذَكَرْنَاه أن يكونَ نصفُ الليل قَدْ وَقَعَ عليه الوصفُ بقليلٍ، وقَدْ يحتملُ عندي قوله: إِلَّا قَلِيلًا أنْ يكون استثناءً من القيام، فنجعلُ الليلَ اسْم جِنْسٍ ثم قال: إِلَّا قَلِيلًا أي: إلا الليالي التي تُخِلُّ بقيامِها لعذرٍ، وَهَذَا [النظرُ يَحْسُنُ مَعَ القولِ بالنَّدْبِ جِدًّا، قال- ص-: وهذا [النَّظَرُ خلافُ ظاهرِ الآية، انتهى، والضمير في مِنْهُ وعَلَيْهِ عائِدَان على] «٣» النصف.
وقوله سبحانه: وَرَتِّلِ: معناه في اللغةِ: تَمَهَّلْ وَفَرِّقْ بَيْنَ الحروفِ، لَتَبِينَ، والمقْصِدُ أنْ يَجِدَ الفِكْرُ فُسْحَةً للنَّظَرِ وفَهْمِ المعاني، وبذلكَ يَرِقُّ القَلْبُ، ويَفِيضُ عليه النُّورُ والرحمة، قال ابن كيسان: المُرادُ: تَفْهَمُه تالياً له، ورُوِي في صحيح الحديث: أن قراءةَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانَتْ بيِّنَةً مُتَرسِّلَةً، لو شاء أحَدُ أنْ يَعُدَّ الحروفَ لعَدَّها، قال الغزاليُّ في «الإحياء» : واعْلَمْ أنَّ التَرْتِيلَ والتَّؤُدَةَ أقْرَبُ إلى التوقير والاحترامِ، وأشَدُّ تأثيراً في القلبِ من الهَدْرَمَةِ والاسْتِعْجَالِ، والمَقْصُودُ مِنَ القراءَةِ التفكُّرُ، والترتيلُ مُعِينٌ عَلَيْهِ، وللناس عاداتٌ مختلفة في الخَتْمِ، وأوْلَى مَا يُرْجَعُ إليه في التقديراتِ قَوْلُ النبي صلّى الله عليه وسلّم، وَقَدْ قَال- عليه الصَّلاةُ والسلام-: «مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ، لَمْ يَفْقَهْهُ» وذلك لأَنَّ الزيادةَ عليهَا تمنعُ الترتيلَ المطلوبَ، وقَدْ كَرِهَ جماعةٌ الختمَ في يومٍ ولَيْلَةٍ، والتفصيلُ في مقدار القراءة أنَّه إنْ كَانَ التالي من العُبَّادِ السالكينَ طريقَ العَمَلِ، فلا يَنْبَغِي له أن يَنْقُصَ من خَتْمَتَيْنِ في الأُسْبُوعِ، وإنْ كانَ من السالكينَ بأعْمَالِ القَلْبِ وضرُوب الفِكْر، / أو من المشغولين بِنَشْرِ العلمِ فَلا بأسَ أنْ يَقْتَصِر في الأُسْبُوعِ على ختمةٍ، وإنْ كَانَ نَافِذَ الفِكْرِ في مَعَانِي القرآن فقد
(٢) ينظر: المصدر السابق.
(٣) سقط في: د.
[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ٥ الى ١٠]
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥) إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦) إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (٩)
وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (١٠)
وقوله تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا يعني القُرآن، واخْتُلِفَ لم سمّاه ثقيلاً، فقال جماعةٌ مِنَ المفسرينَ: لِمَا كَانَ يَحُلُّ برسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم مِنْ ثِقْلِ الجِسْمِ حَتَّى إنَّه كَانَ إذا أُوحي إليه وهُو على نَاقَتِهِ بَرَكَتْ بهِ وحَتَّى كَادَتْ فَخِذُه أنْ تَرُضُّ «٢» فَخِذَ زَيْدِ بن ثابت- رضي اللَّه عنه-، وقيل: لثِقَلِهِ على الكفارِ والمنافقينَ بإعْجَازِه ووَعْدِه ووعيدهِ ونحو ذلك، وقال حُذَّاقُ العلماء: معناه: ثَقِيلُ المَعانِي من الأَمْرِ بالطاعاتِ، والتكاليفِ الشرعية من الجهاد، ومزاولةِ الأعمال الصالحاتِ دائماً، قال الحسن: إنَّ الهَذَّ خَفِيفٌ ولَكِنَّ العَمَل ثقيل «٣» ت: والصوابُ عندي أَنْ يُقَالَ: أما ثِقَلُه باعتبارِ النبي صلّى الله عليه وسلّم، فهو ما كان يجده ع من الثقل المَحْسُوسِ وأما ثِقَلُه باعتبارِ سائرِ الأمةِ فهو ما ذُكِرَ من ثقل المعاني، وقَدْ زَجَرَ مالكٌ سائِلاً سأله عن مسألةٍ وَقَالَ: يا أبا عَبْدِ اللَّه إنها مسألةٌ خفيفةٌ فغَضِبَ مالكٌ وقال: لَيْسَ في العِلم خَفِيفٌ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّه تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا فَالْعِلْمُ كُلُّه ثقيلُ، انتهى من «المدارك» لعياضٍ.
وقوله سبحانه: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ قال ابن جُبَيْرٍ وغيره: هي لَفْظَةٌ حَبَشِيَّةٌ نَشَأَ الرجلُ إذا قَامَ من الليلِ «٤» ف ناشِئَةَ على هذا جَمْعُ ناشىء أي: قَائِمٌ، وأَشَدُّ وَطْئاً معناه:
ثُبُوتاً واسْتِقْلاَلاً بالقيام، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وجماعة كابن عباس وابن الزبير
(٢) الرّضّ: الدّقّ الجريش. ينظر: «النهاية» (٢/ ٢٢٩).
(٣) أخرجه الطبري (١٢/ ٢٨١)، رقم: (٣٥١٩٠) بنحوه، والبغوي (٤/ ٤٠٨) بنحوه، وابن عطية (٥/ ٣٨٧)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٤٤٣)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن نصر.
(٤) أخرجه الطبري (١٢/ ٢٨٢)، رقم: (٣٥١٩٦) بنحوه عن ابن جبير عن ابن عبّاس. وذكره البغوي (٤/ ٤٠٨)، وابن عطية (٥/ ٣٨٧)، وابن كثير (٤/ ٤٣٥)،
واخْتَارَ هذه القراءةَ أبو عبيدِ وقال جماعة: ناشِئَةَ اللَّيْلِ سَاعَاتُه كلُّها، لأَنَّها تَنْشَأ شَيْئاً بعد شيءٍ، وقيل في تفسير ناشِئَةَ اللَّيْلِ غَيْرُ هذا، وقرأ أنس بن مالك «وأصْوَبُ قِيلاً» فقيل له: إنما هو أَقْوَمُ فَقَالَ: أقْوَمُ وأصْوَبُ وَاحِدٌ.
وقوله تعالى: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا أي: تَصَرُّفاً وَتَرَدُّداً في أمُورِكَ، ومنه السِّبَاحةُ في الماء، وَتَبَتَّلْ معناه: انْقَطِعْ إليه انْقِطَاعاً هذا لفظ ابن عطاء على ما نقله الثعلبي، انتهى، وأما ع «٣» فقال: معناه انْقَطِعْ مِنْ كلِّ شيءٍ إلا مِنْهُ وأفْزَعْ إليه، قال زيد بن أسلم: التَبَتُّلُ: رَفْضُ الدُّنْيَا «٤»، ومنه بُتِلَ الحَبْلُ، وتَبْتِيلًا مَصْدر على غير الصَّدْرِ، قال أبو حيان «٥» : وحُسْنُه كونُه فاصلةً، انتهى، قال ابن العربي في «أحكامه» :
فالتَبَتُّلُ المأمورُ بهِ في الآيةِ الاِنْقِطَاعُ إلى اللَّهِ تعالى بإخْلاَصِ العِبَادَةِ، وَهُوَ اختيارُ البخاريّ، والتَبَتُّلُ المنهي عنه في الحديثِ هُو سُلُوكُ مَسْلَكِ النصارى في تَرْكِ النِّكَاحِ والتَّرَهُّبِ في الصوامِع، انتهى، والوَكِيلُ القائم بالأمْرِ الذي تُوكَلُ إليه الأشياء.
وقوله: وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا منسوخ بآية السيف.
[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ١١ الى ١٤]
وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (١١) إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (١٣) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً (١٤)
وقوله سبحانه: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ الآية، وعيدٌ بيِّنٌ، والمعنى لاَ تَشْغَلْ بهِم فِكْرَك وكِلْهُمْ إليَّ، والنعمةُ: غَضَارَةُ العَيْشِ وكِثرةُ المالِ والمشارُ إليهم كفارُ قريشٍ أصحابُ/ القليب بِبدرِ، ولَدَيْنا بمنزلة «عِنْدِنَا» والأَنْكَال: جمع نَكْلٍ، وهو القَيْدُ
(٢) أخرجه الطبري (١٢/ ٢٨٤)، رقم: (٣٥٢١٩، ٣٥٢٢٠، ٣٥٢٢١)، وذكره ابن عطية (٥/ ٣٨٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٤٤٥)، وعزاه لعبد بن حميد.
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٣٨٨).
(٤) ينظر: ابن عطية (٥/ ٣٨٨).
(٥) ينظر: «البحر المحيط» (٨/ ٣٥٥).
[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ١٥ الى ١٧]
إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً (١٦) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (١٧)
وقوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ... الآية، خطابٌ للعالم لكن المواجهون قريش، وشاهِداً عَلَيْكُمْ نَحْوُ قولهِ: وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء: ٤١] والوَبِيلُ:
الشَّدِيدُ الرَّدَى.
وقوله تعالى: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ معناه: كَيْفَ تَجْعَلُونَ وِقَايةً لأنفسِكم، ويَوْماً مفعولٌ ب تَتَّقُونَ، وقِيلَ: هو مفعولٌ ب كَفَرْتُمْ ويكونُ كَفَرْتُمْ بمعنى: جَحَدْتم، ف تَتَّقُونَ على هذا منَ التقوى، أي: تتقونَ عذابَ اللَّهِ، ويجوزُ أن يكونَ يَوْماً ظرفاً والمعنى: تتقونَ عِقَابَ اللَّه يوماً، وعبارةُ الثعلبي: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ أي كيف تَتَحَصَّنُونَ من عذابِ يَوْمٍ يَشِيبُ فيه الطفلُ لهولِه إنْ كفرتُم، ثم ذَكَرَ نحو ما تقدم، انتهى، وحَكَى- ص-: ، عن بعضِ الناسِ جَوازَ أنْ يكونَ يَوْماً ظرفَاً أي: فكيفَ لَكُمْ بالتقوَى في يومِ القيامَةِ إنْ كفرتم في الدنيا، ت: وهَذَا هُوَ مُرَادُ ع «٤»، قَالَ أبو حيان «٥» : وشِيباً مفعولٌ ثانٍ ل يَجْعَلُ وهُو جَمْع أشْيَب، انتهى.
[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ١٨ الى ١٩]
السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (١٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (١٩)
(٢) أخرجه الطبري (١٢/ ٢٨٩)، رقم: (٣٥٢٦٦)، وذكره ابن عطية (٥/ ٣٨٩)، وابن كثير (٤/ ٤٣٧)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٤٤٦)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، في صفة النار، وعبد الله في «زوائد الزهد»، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم، وصححه البيهقي في «البعث».
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٤٤٦)، وعزاه إلى أحمد في «الزهد»، وهناد وعبد بن حميد، ومحمّد بن نصر عن حمران به.
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٣٨٩).
(٥) ينظر: «البحر المحيط» (٨/ ٣٥٧).
وقوله تعالى: إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ... الآية، الإشَارَةُ ب «هذه» تحتملُ: إلى ما ذُكِرَ من الأَنْكَالِ والجحيمِ، والأَخْذِ الوبيل، وتحتملُ: أنْ تَكُونَ إلى السورةِ بجُمْلَتِها، وتحتملُ: أنْ تَكُونَ إلى آياتِ القرآن بجُمْلَتِها.
وقوله سبحانه: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا لَيْسَ معناه إبَاحَةُ الأمْرِ وضِدِّه، بل الكلامُ يتضمَّنُ الوَعْدَ والوعيدَ، والسبيلُ هنا سبيلُ الخيرِ والطاعة.
[سورة المزمل (٧٣) : آية ٢٠]
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠)
وقوله سبحانه: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ... الآية، المعنى أنَّ اللَّهَ تعالى يعلمُ أنَّكَ تَقُومُ أنْتَ وغيرك من أُمَّتِك قياماً مختلفاً مَرَّةً يكْثُرُ ومرَّةً يَقلّ، ومرة أدْنَى من الثلثين،
قول الله عزّ وجل: إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (٦٥٣٠)، (١٣/ ٤٦٢)، كتاب «التوحيد» باب: قول الله تعالى: وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا. الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٧٤٨٣)، ومسلم (٢/ ٦٤٢- ٤٦٣) - الأبي، كتاب «الإيمان» باب: يقول الله لآدم: أخرج بَعْثُ النَّارِ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وتسعين (٣٧٩)، والنسائي (٦/ ٤٠٩) - «الكبرى»، كتاب «التفسير» باب: وَتَرَى النَّاسَ سُكارى، وَما هُمْ بِسُكارى
(١١٣٣٩/ ١).
وفي الباب من حديث أبي هريرة في «الصحيح» :
أخرجه البخاري (١١/ ٣٨٥)، كتاب «الرقاق» باب الحشر (٢٥٢٩). [.....]
«مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لا إله لا اللَّه وَحْده لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله وسبحانه اللَّهِ وَلاَ إله إلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ» «٣» ثم قال: «اللَّهُمَّ، اغفر لي، أوْ دَعَا، استجيب لَهُ، فإنْ تَوَضَّأَ، ثمَّ صلى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ»، رواه الجماعة إلا مسلماً، وَتَعَارَّ- بتشديدِ الرَّاءِ- مَعْنَاه: اسْتَيْقَظَ، انتهى من «السلاح».
وقوله تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ قال الثعلبيُّ أي: مَا خَفَّ وَسَهُلَ بغير مِقْدَارٍ مِنَ القِرَاءَةِ، والمُدَّةِ، وقيل: المعنى فَصَلُّوا ما تيسَّر فَعَبَّر بالقراءةِ عنها. ت:
وهذا هو الأصَحُّ عند ابن العربي، انتهى، قال ع «٤» : قوله: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ
(٢) أخرجه الطبري (١٢/ ٢٩٣- ٢٩٤)، رقم: (٣٥٢٩٢- ٣٥٢٩٣)، عن الحسن، ورقم (٣٥٢٩٤) عن سعيد، وذكره البغوي (٤/ ٤١١)، وابن عطية (٥/ ٣٩٠)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٤٤٨)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر.
(٣) في د: بالله العلي العظيم.
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٣٩٠).
والركعتانِ بَعْدَ العشاءِ مَعَ الوِتْرِ دَاخِلَتَانِ في امتثالِ هذا الأَمْرِ ومن زَادَ زَادَهُ اللَّه ثواباً، ت: ينبغي للعاقِل المبَادَرَةُ إلى تَحْصِيلِ الخَيْرَاتِ قَبْلَ هُجُومِ صَوْلَةِ المَمَاتِ، قَالَ البَاجِيُّ في «سنن الصالحين» له: قَالَتْ بنت الربيعِ بْنِ خُثَيْمٍ لأبيها: يا أبَتِ/ ما لِي أَرَى النَّاسَ يَنَامُونَ وأنْتَ لاَ تَنَامُ، قال: إنَّ أَبَاكِ يَخَافُ البَيَاتَ، قال الباجيُّ- رحمه اللَّه تعالى-:
ولي في هذا المعنى: [من الرجز]
قَدْ أَفْلَحَ القَانِتُ في جُنْحِ الدجى | يَتْلُو الْكِتَابَ العَرَبِيَّ النَّيِّرَا |
[فَقَائِماً وَرَاكِعاً وَسَاجِدا | مُبْتَهِلاً مُسْتَعْبِراً مُسْتَغْفِرَا] «٣» |
لَهُ حَنِينٌ وَشَهِيقٌ وَبُكَا | يَبُلُّ مِنْ أَدْمُعِهِ تُرْبَ الثرى |
إنَّا لَسَفْرٌ نَبْتَغِي نَيْلَ الهدى | فَفِي السرى بُغْيَتُنَا لاَ في الْكَرَا |
مَنْ يَنْصَبِ اللَّيْلَ يَنَلْ رَاحَتَهُ | عِنْد الصَّبَاحِ يَحْمَدُ القَوْمُ السرى |
إن شَيْئاً من القيامِ واجبٌ قال: قَدْ قَرَنَه اللَّهُ بالفرائِضِ لأنه فَرْضٌ وإقْراضُ اللَّه تعالى هو إسْلاَفُ العملِ الصالحِ عنده، وقرأ جمهورُ الناس «٤» «هو خيراً» على أن يكونَ «هو» فَصْلاً، قال بعضُ العلماءِ: الاستِغفارُ بَعْدَ الصلاة مُسْتَنْبَطٌ من هذه الآيةِ، ومن قوله تعالى: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات: ١٧- ١٨] قال
(٢) أخرجه الطبري (١٢/ ٢٩٤)، رقم: (٣٥٣٠١)، وذكره ابن عطية (٥/ ٣٩٠- ٣٩١).
(٣) سقط في: د.
(٤) وقرأ محمّد بن السميفع، وأبو السمال: «هو خير» بالرفع.
ينظر: «مختصر الشواذ» ص: (١٦٤)، و «المحرر الوجيز» (٥/ ٣٩١)، و «البحر المحيط» (٨/ ٣٥٩)، و «الدر المصون» (٦/ ٤١٠).
(٢) أخرجه مسلم (٥/ ٢٦/ ١٣٥- ١٣٦)، وأبو داود (١/ ٤٧٤)، كتاب «الصلاة» باب: ما يقول الرجل إذا سلّم (١٥١٢)، والترمذي (٢/ ٩٥- ٩٦)، كتاب «الصلاة» باب: ما جاء إذا سلّم من الصلاة (٢٩٨- ٢٩٩)، وابن ماجه (١/ ٢٩٨)، كتاب «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب: ما يقال بعد التسليم (٩٢٤)، وابن حبان (٥/ ٣٤٠- ٣٤١)، كتاب «الصلاة» باب: فصل في القنوط (٢٠٠٠- ٢٠٠١)، وأحمد (٦/ ١٨٤)، والنسائي (٣/ ٦٩)، كتاب «السهو» باب: الذكر بعد الاستغفار (١٣٣٨)، وفي «الكبرى» (١/ ٣٩٧)، كتاب «صفة الصلاة» باب: الاستغفار بعد السلام (١٢٦١).
قال الترمذي: حديث عائشة، حديث حسن.
وفي الباب من حديث ثوبان: أخرجه أبو داود (١/ ٤٧٥)، كتاب «الصلاة» باب: ما يقول الرجل إذا سلم (١٥١٣)، والنسائي (٣/ ٦٩)، كتاب «السهو» باب: الاستغفار بعد السلام (١٣٣٧)، وفي «الكبرى» (١/ ٣٩٧)، كتاب «صفة الصلاة» باب: الاستغفار بعد السلام (١٢٦١)، والطيالسي (١/ ١٠٥)، كتاب «الصلاة» باب: أذكار متنوعة تقال بعد الخروج من الصلاة (٤٧٦)، وابن حبان (٥/ ٣٤٣- ٣٤٤)، كتاب «الصلاة» باب: فصل في القنوت.