تفسير سورة العاديات

تفسير ابن عرفة - النسخة الكاملة
تفسير سورة سورة العاديات من كتاب تفسير ابن عرفة المعروف بـتفسير ابن عرفة - النسخة الكاملة .
لمؤلفه ابن عرفة . المتوفي سنة 803 هـ

الْكَافِرُونَ) ليس أكبر من البراءة، وأما (إِذَا زُلْزِلَتِ) فالقرآن يشتمل على أمور الدنيا وأمور الآخرة، وهذه لم تتضمن غير أمر الآخرة فكلفت بعدل نصفه، وانظر البيان والتحصيل لابن رشد في أول رسم [**التحريم] عند حرفه من كتاب الصلاة الثاني، وانظر العارضة لابن العربي [**والاعتناء من في كتاب].
* * *
سُورَةُ (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) (١)
الظاهر أنها الإبل كما قال ابن [عباس*] ذلك إن صح ذلك عنه؛ لأن العاديات جمع عادية، وعادية جمع فهو جمع الجمع، وهو بعيد، وغزوة بدر على ما قال: لم يكن فيها إلا فرسان، قال ابن عرفة: والقسم يحتمل الجهاد والإبل مجازا، والمراد كأنها أولها حقيقة كما قال الفقهاء يسهم للفرس سهمان وسهم لراكبه، فاعتبروا الفرس نفسه أو نعته، وحذف الموصوف هنا مع أن الصفة خاصة وهي للمدح؛ لأن هذه الموصوفات كلها اشتركت فيه بمعنى الذي قد أقسم لأجله، ونحوه قد تقدم في النازعات، وفي سورة (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى).
قوله تعالى: ﴿فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (٢)﴾
ابن عرفة: هو عندي اعتراض؛ لأن الخيل لَا تضبح إلا في وسط عدوها وفي آخره عند إخفاق نفسها وشدة جريها، وذلك مظنة [لكونها عانت*] العياء والكلل بحيث لَا تعدوا بعدوها الإبل، بدليل الواحد منا إذا توسط في الجري وأجهد نفسه فإنها مظنة لضعف قوته، قال (فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا) احتراسا من ذلك، وسبيلها على أن شدة جريها لم يزل بحيث يقدح الزناد نحو فرسها بحوافرها، وبالغ في وصفها
بشدة الغور والقدح والضبح هديا كلها مشتغل بأمور الحرب والترتيب بالفاء موافقة لحالتها الوجودية فهي أولا تعدو ثم تقدح أواسط العدو، ثم تصل إلى محل العدو فتغير عليه في الضبح، وقال (ضَبْحًا)؛ لأن غزوة بني المصطلق كانت ضبحا وعلى غفلة العدو، وانتهازا لفرصة فيه.
ابن عطية: [الْعادِياتِ في هذه الآية: الإبل لأنها تضبح في عدوها*]
قوله تعالى: ﴿فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (٤)﴾
الفاء إما ظرفية والمعنى بذلك الوقت أو بالعدو أو بالمكان، وإما سببية، والمعنى فأثرن بالعدو والضبح، نقعا: أي غبارا.
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (٧)﴾
ابن عطية: الضمير هنا بلا شك عائد على الإنسان، والخير المال، ابن عرفة: ويحتمل أن يعود على الله تعالى، والخير الطاعة، كما ورد أن الله تعالى [يحب*] الطاعة، قال: وإذا كان الضمير للإنسان، كما قال الفراء، فالمراد بها الكثرة، أي وأمته لحب الخير لشديد حب الخير وهو من تكرار الظاهر بلفظه فأغنى عن الرابط، كقوله تعالى: (فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ) أي عاصف ريحه، وأبطله ابن عرفة بأن ريحه الفاعل فيه مضاف حذف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فأعرب بإعرابه فاستتر فلم يحذف منه فاعل في الحقيقة، بخلاف [**من]، فإِن الشدة من صفة الحب فإِضماره يؤدي الفاعل، وهو توكيد قوله تعالى: (يَعْلَمُ) أي جهل فلا يعلم، وأنكر عليهم عدم اعتقادهم ذلك علما، فيتناول إنكار من يظن ذلك، ومن يشك فيه، وفي سورة المطففين (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) وتحصر على عدم ظنهم ذلك في أحد تفسيري الزمخشري، وابن عطية، قال: الظن هنا يعني العلم، وحكاه الزمخشري قولا.
قوله تعالى: ﴿بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (٩)﴾
مع أن الغريق والحريق ومن أكله السباع والحوت ليس في القبر إما باعتبار الأعم الأغلب، وإما لأن الجميع مآلهم إلى الأرض فهي قبورهم.
(وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (١٠).. أي ظهر ما كان حاصلا في الصدور والتحصيل متعلق بالأقوال والأفعال، لكن لما كانت الأعمال كلها من طاعة وعصيان [لا تصح*] إلا بنية، لحديث: "إنَّما الأَعْمالُ بِالنِّيَّاتِ" أسند التحصيل إليها؛ لأنها رأس كل عمل.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١)﴾
قال: المراد أنه عليم علم المجازاة، وكذلك قيده بـ (يَوْمَئِذٍ) وإلا فهو عليم بهم مطلقا، فإِن قلت: هلا قيل: إن ربك، فإِن الآية وعد لنا ووعيد لهم، ولفظ الربوبية يقتضي الحنان والشفقة؟ فالجواب: إذا غلب مقام البشارة، وإذا كان خبيرا بهم خبر [المجازاة*] مع استحضار مقام التربية والحنان، فأحرى مع عدم ذلك.
* * *
Icon