تفسير سورة الهمزة

التفسير الواضح
تفسير سورة سورة الهمزة من كتاب التفسير الواضح .
لمؤلفه محمد محمود حجازي .

سورة الهمزة
مكية. وآياتها تسع آيات، وفيها ينعى الله على العياب الطعان المشاء بالنميمة، ويعده بنار شديدة مطبقة عليه من كل ناحية.
[سورة الهمزة (١٠٤) : الآيات ١ الى ٩]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١) الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (٤)
وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩)
المفردات:
وَيْلٌ: هلاك وعذاب. هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ: عياب طعان مشاء بالنميمة بين الناس، وهذه الصيغة ذاتها تدل في اللغة على الكثرة. وَعَدَّدَهُ أى: عده مرات متلذذا به. أَخْلَدَهُ: جعله خالدا باقيا. كَلَّا: ردع وزجر. لَيُنْبَذَنَّ:
ليرمين. الْحُطَمَةِ: النار الشديدة، سميت بذلك لأنها تحطم العظام وتأكل اللحوم. الْمُوقَدَةُ، المتقدة الشديدة. تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ: تصل إليها وتؤثر في موضع الشعور ومركز الإحساس، أو تطلع على ما فيها وتميز بين أنواعها.
مُؤْصَدَةٌ: مطبقة مغلقة عليهم. عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ: عمد طويلة.
ويل شديد لا يدرك كنهه، ولا تعرف حقيقته: لكل همزة لمزة، لكل شخص يطعن في أعراض الناس، ويغض من شأنهم، ويحقر من أعمالهم، يسيء إليهم متلذذا
902
بعمله، وإنما دعاه إلى ذلك إعجابه بنفسه، وغروره بماله الذي جمعه وجعله عدته، وعده مرات، وظن أنه لا يموت، ويروى أن الأخنس بن شريق، أو الوليد بن المغيرة، أو أمية بن خلف كان يفعل ذلك مع النبي صلّى الله عليه وسلّم.
سيذكر الله ما أعده لهؤلاء وأمثالهم من العيابين المغرورين بمالهم فقال: كلا: ردع لهم وزجر عن ظنهم الفاسد وحسبانهم الكاذب والله لينبذن من يفعل ذلك في الحطمة، تلك النار التي تحطم العظام وتأكل اللحوم وتهجم على القلوب.
وما أدراك ما الحطمة؟ وهذا الاستفهام يراد به تفخيم أمرها، وإكبار شأنها وبيان أنها مما لا تدركها العقول، ولا تحيط بها الأوهام، ولا يعرفها إلا خالقها فمن ذا الذي يعلمك بشأنها إلا خالقها؟ ولذا عرفها فقال:
هي نار الله التي ليست كنيران الخلق، نار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة وتقهرها وتعلوها، لأنها تدخل في الجوف، أو هي تعرف أسرار القلوب، وتميز بين الطائع والعاصي، إنها مطبقة عليهم فلا يخرجون منها أبدا، وأبوابها المغلقة شدت بأوتاد طويلة لا تفتح أبدا.
903
سورة الفيل
مكية. وآياتها خمس آيات، وفيها يذكر الله قصة أصحاب الفيل، وخلاصتها:
كان على اليمن ملك يسمى أبرهة الأشرم، وقد بنى كنيسة عظيمة بصنعاء، وكانت على جانب كبير من الأبهة وفخامة البناء، وأراد أن يصرف الحج من الكعبة إليها، وأخبر النجاشيّ ملك الحبشة بذلك،
ويروى أن أعرابيا أحدث فيها وفر، فغاظ ذلك الملك، وأقسم ليدمرن الكعبة، فجهز جيشا عظيما، وقصد به إلى مكة، وكان في مقدمته فيل عظيم، ولما شارف الجيش مكة أمر الملك بنهب أموال العرب، وكان فيها إبل لعبد المطلب بن هاشم جد النبي- عليه الصلاة والسلام- فاستاقها الجند، فلما علم عبد المطلب بذلك طلب مقابلة الملك، فقابله وكلمه في شأن الإبل فرد عليه الملك قائلا: لقد أعجبتنى حين رأيتك ثم زهدتني فيك حين كلمتنى، تسألنى الإبل وتترك البيت الذي هو دينك ودين آبائك!! فرد عليه عبد المطلب قائلا: أما الإبل فهي لي وأما البيت فله رب يحميه، فرد عليه أبرهة الإبل...
ويروى أن عبد المطلب لما انصرف من عند الملك أمسك بحلقة باب الكعبة وقال:
لاهم «١» إن العبد يمنع... رحله فامنع رحالك
لا يغلبن صليبهم ومحالهم... أبدا محالك
إن كنت تاركهم وقبلتنا... فأمر ما بدا لك
فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله وعبأ جيشه لهدم البيت والانصراف إلى اليمن، فلما وجهوا الفيل إلى مكة برك، ولما وجهوه إلى اليمن أو إلى الشام قام ونهض.
عند ذلك أرسل الله عليهم طيرا تحمل في مناقيرها وأرجلها حجارة صماء ألقتها عليهم فانتشر المرض فيهم حتى مات أغلبهم، وصاروا كأوراق الشجر الجافة.
ولكن هل هذه الحجارة قتلتهم بنفسها أو لأنها تحمل جراثيم الطاعون؟ الله أعلم بذلك، والثابت أنهم عقب إلقائها عليهم مات معظم الجيش، وانصرف أبرهة ومن بقي عن هدم الكعبة، ومات أبرهة في الطريق.
(١) أصله: اللهم.
904
Icon