تفسير سورة الجمعة

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة الجمعة من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

قرأها عاصم بْن أَبِي النَّجود مضافًا «١»، وقرأها أهل المدينة: أنصارًا اللَّه. «٢»، يفردون الأنصار، ولا يضيفونها، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: أنتم أنصار الله.
[١٩٨/ ب]
ومن سورة الجمعة
قوله عزَّ وجلَّ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ (٣).
يُقال: إنهم ممن لم يسلم عَلَى عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه، ثُمَّ أسلم، وَيُقَال: هُمُ الَّذِينَ يأتون من بعد. (وآخرين) فِي موضع خفض بعث فِي الأميين وفي آخرين منهم. ولو جعلتها نصبا بقوله: «وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ» ويعلم آخرين فينصب «٣» عَلَى الرد عَلَى الهاء فِي: يزكيهم، ويعلمهم «٤».
وقوله: كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً (٥).
يحمل من صلة الحمار لأنَّه فِي مذهب نكرة، فلو «٥» جعلت مكان يحمل حاملًا لقلت: كمثل الحمار حاملًا أسفارًا. وفي قراءة عَبْد اللَّه: كمثل حمار يحمل أسفارًا. والسِّفْر واحد الأسفار، وهي الكتب العظام. شبه اليهود، ومن لم يسلم إِذ لم ينتفعوا بالتوراة والإنجيل. وهما دليلان على النبي صلّى الله- عليه- بالحمار الَّذِي يحمل كتب العلم ولا يدري ما عَلَيْهِ.
وقوله: قُلْ «٦» إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ (٨).
أدخلت العرب الفاء فِي خبر (إنّ) لأنها وقعت عَلَى الَّذِي، والذي حرف يوصل، فالعرب تدخل الفاء فِي كل «٧» خبرٍ كَانَ اسمه مما يوصل مثل: من، والذي وإلقاؤها صواب «٨»، وهي فِي
(١) فى ش: مضافة.
(٢) هى قراءة ابن كثير وأبى عمرو ونافع (تفسير القرطبي ١٨/ ٨٩).
(٣) فى ش: فتنصب.
(٤) أي لكان صوابا، واقتصر العكبري فى إعراب القرآن على الوجه الأول (إعراب القرآن ٢/ ١٣٨).
(٥) فى ش: ولو.
(٦) سقط فى ب: إن الموت.
(٧) سقط فى ش.
(٨) فى ح، ش: سواء.
155
قراءة عَبْد اللَّه: «إن الموتَ الَّذِي تفرُّون مِنْهُ ملاقيكُم»، ومن أدخل الفاء ذهب بالذي إلى تأويل الجزاء إِذَا احتاجت إلى أن توصل، ومن ألقى الفاء فهو عَلَى القياس لأنك تَقُولُ: إن أخاك قائم، ولا تَقُولُ: إن أخاك فقائم. ولو قلت: إن ضاربك فظالم كَانَ جائزًا لأن تأويل: إن ضاربك، كقولك: إن من يضربك فظالم، فقس عَلَى هَذَا الاسم المفرد الَّذِي فِيهِ تأويل الجزاء فأدخل لَهُ الفاء.
وقَالَ «١» بعض المفسرين: إن الموت هُوَ الَّذِي تفرون مِنْهُ «٢»، فجعل الَّذِي فِي موضع الخبر للموت. ثُمَّ قَالَ: ففروا «٣» أولًا تفروا فإنه ملاقيكم. ولا تجد هَذَا محتملًا فِي العربية والله أعلم بصواب ذَلِكَ.
وقوله: مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (٩).
خفضها الْأَعْمَش فَقَالَ: الجمعة «٤»، وثقلها عاصم وأهل الحجاز، وفيها لغة «٥» : جَمَعَة، وهي لغة لبني عقيل «٦» لو قرىء بها كَانَ صوابًا. والذين قَالُوا: الجمعة: ذهبوا «٧» بها إلى صفة اليوم أَنَّهُ يوم جُمَعَة كما تَقُولُ: رَجُل ضُحَكة للذي يُكثر الضحك.
وقوله: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ (٩).
وفي قراءة عَبْد اللَّه: «فامضوا إلى ذكر اللَّه» «٨»، والمضي والسعي والذهاب فِي معنى واحد لأنك تَقُولُ للرجل: هُوَ يسعى فِي الأرض يبتغي من فضل اللَّه، وليس «٩» هَذَا باشتداد.
وَقَدْ قَالَ بعض الأئمة: لو قرأتها: «فَاسْعَوْا» لاشتددت يَقُولُ «١٠» : لأسرعت، والعرب تجعل السعي أسرع من المضي، والقول فيها القول الأول.
(١) فى ش: قال.
(٢، ٣) سقط فى ش.
(٤) وهى أيضا قراءة عبد الله بن الزبير (تفسير القرطبي ١٨/ ٩٧)
(٥) فى ش: لغلة، تحريف. [.....]
(٦) وقيل إنها لغة النبي صلّى الله عليه وسلم (تفسير القرطبي ١٨/ ٩٧).
(٧) سقط فى ب، ح، ش.
(٨) وهى أيضا قراءة على وعمر وابن عباس وأبى وابن عمر، وابن الزبير وأبى العالية والسلمى ومسروق وطاوس وسالم بن عبد الله وطلحة بخلاف (المحتسب ٢/ ٣٢١).
(٩) فى ح، ش: فليس.
(١٠) فى ش: لقول، تحريف.
156
وقوله تبارك وتعالى وَذَرُوا الْبَيْعَ (٩).
إِذَا [أمر بترك البيع فقد] «١» أمر بترك الشراء لأن المشترِي والبيِّع يقع عليهما البيِّعان، فإذا أذن المؤذن «٢» من يوم الجمعة حرم البيع والشراء [١٩٩/ ا].
وقوله: فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (١٠).
هَذَا: إِذْنٌ، وإباحةٌ، من شاء باع، ومن شاء لزم المسجد.
وقوله: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها (١١).
فجعل الهاء للتجارة دون «٣» اللهو، وَفِي قراءة عَبْد اللَّه: «وَإِذَا رأوا «٤» لَهْوًا أَوْ تجارة انفضوا إليها». وذكروا أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ [عليه] «٥» كَانَ يخطب يوم الجمعة، فقدم دِحْيَة الكلبي بتجارة من الشام فيها كل ما يحتاج إِلَيْه النَّاس، فضرب بالطبل «٦» ليؤذن النَّاس بقدومه فخرج جميع النَّاس إِلَيْه إلّا ثمانية نفر، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ «وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً» يعني: التجارة التي قدِم بها، «أَوْ لَهْواً» : يعني: الضرب بالطبل. ولو قيل: انفضوا إِلَيْه، يريد: اللهو كان صوابا، كما قال: «وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً»
«٧» ولم يقل: بها. ولو قيل:
بهما، وانفضوا إليهما كما قَالَ: «إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما» «٨»، كَانَ صوابًا وأجود من ذَلِكَ فِي العربية أن تجعل الراجع من الذكر للآخرِ من الاسمين وما بعد ذا فهو جائز.
وإنما اختير فِي انفضوا إليها- فِي قراءتنا وقراءة عَبْد اللَّه لأن التجارة كانت أهم إليهم، وهم بها أسرٌ منهم بضرب «٩» الطبل لأن الطبل إنَّما دل عليها، فالمعنى كُلِّه لها.
(١) سقط فى ح.
(٢) فى ح: فإذا أذن من.
(٣) سقط فى ح.
(٤) سقط فى ش.
(٥) زيادة يقتضيها المقام.
(٦) فى ش: الطبل.
(٧) سورة النساء الآية: ١١٢.
(٨) سورة النساء الآية: ١٣٥.
(٩) فى ب، ح، ش: بصوت. [.....]
157
Icon