ﰡ
مكّيّة وهى ثمان آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ قال ابن عباس والمجاهد والحسن وابراهيم وعطاء ومقاتل والكلبي تينكم الذي تأكلون وزيتونكم هذا الذي تعصرون منه الزيت قيل خص التين بالقسم لانه فاكهة مخلقة لا عجم لها شبيهة بفاكهة الجنة قيل فى الحديث انه بقطع البواسير وينفع من النقرس رواه الثعلبي وابو نعيم فى الطب من حديث ابى ذر بإسناد مجهول والزيتون شجرة مباركة وهو ثمر دهن يصلح للاصطباع وقال عكرمة هما جبلان وقال قتادة التين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس وقال ابو محمد بن كعب التين مسجد اصحاب كهف والزيتون ايليا.
وَطُورِ يعنى الجبل الذي كلم الله تعالى موسى عليه السلام بين مصر وايلة سِينِينَ قال الضحاك هو لغة نبطية ومعناه الحسن وقال مقاتل كل جبل فيه أشجار شمرة فهو سنين وسينا بلغة بنط وقال عكرمة اسم للمكان الذي به هذا الجبل وكذا سيناء وقيل سريانية معناه الملتف بالأشجار وقيل لغة حبشية وقال مجاهد معناه البركة اى جبل مبارك وقال قتادة معناه الحسن اى جبل حسن وقال الكلبي معناه الشجر اى جبل ذو شجر وقيل اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها بوجودها عنده.
وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ اى ذا امانة يحفظ من دخل فيه كما يحفظ الامين ما ائتمن عليه او بمعنى فاعل او مفعول يعنى أمن من دخل فيه او المأمون فيه يا من فيه من دخله والمراد به مكة يا من الناس فيه فى الجاهلية والإسلام اقسم الله سبحانه بهذه الأشياء لان منبت التين والزيتون مهاجر ابراهيم ومقر الأنبياء ومهبط الوحى وطور المكان الذي نودى به موسى ومكة بيت الله الحرام ومولد النبي ﷺ ومهبط الوحى اليه جواب القسم.
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ اى الجنس فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ تفعيل من القيام والقوام قال فى الصحاح القيام والقوام اسم لما يقوم به الشيء اى تثبت قلت وهو ما يتحقق به الشيء يعنى احسن حقيقته وماهيته وذلك لاستجماعه ما فى عالم الكبير من لطائف عالم الأمر وعناصر عالم الخلق والنفس الناطقة المنشاة عن العناصر ولذلك
ثُمَّ رَدَدْناهُ اى صيرناه أَسْفَلَ سافِلِينَ قال البغوي نكرة تعم الجنس يعنى بمعونة المقام كما يقال كريم قائم ويؤيده ما فى مصحف ابن مسعود أسفل سافلين وان لم تعم فهو مهملة فى قوة الجزئية فيجوز ان يكون بعض السافلين أسفل منه ويوافق هذه الاية اعنى خلق الإنسان فى احسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين قوله عليه الصلاة والسلام ما من مولد الا يولد على فطرة الإسلام ثم أبويه يهوادنه وينصرانه ويمجسانه متفق عليه من حديث ابى هريرة غير ان فى الاية أسند الرد الى الله تعالى نظرا الى انه خالق لافعال العباد وفى الحديث الى الأبوين نظرا الى الكسب ولعل المراد بالسافلين ما جعله الله سبحانه سافل الاستعداد بحيث لا يمكنه تحصيل كمال من الكمالات الانسانية والصعود الى مصاعد القرب والتجليات الرحمانية من السباع والبهائم والشياطين والاجنة وجمعه سالما تغليبا للعقلاء منهم على غيرهم وهم الشياطين ومردة الجن فالانسان لما ضيع استعداده وترك شكر المنعم وإتيان موجبات الفوز ورضوان الله تعالى واتى بموجبات سخطه من الكفر ومقتضياته جعل أخبث من كل خبيث وأحط مرتبة من كل دنى وأسوأ حالا وابتر مالا من الكلاب والخنازير بل من الشياطين ايضا لما ورد فى حديث انس قال ويعرج له اى للكافر فرجة قبل الجنة فينتظر الى زمرتها وما فيها فيقال به انظر الى ما صرف الله عنك ثم يعرج له فرجة الى النار الحديث رواه ابن ماجة من حديث ابى هريرة وذلك ليفرح المؤمن كمال الفرح ويتحسر الكافر كمال الحسرة وروى البخاري عن ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - لا يدخل الجنة أحد الا ارى مقعده
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ استثناء متصل من الإنسان لاخراجهم من حكم الرد فانهم لا يرددون الى النار ولا يصيرون الى أخبث الأحوال فَلَهُمْ اى للمومنين الصالحين أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ط اى غير مقطوع او لا يمن به عليهم الفاء للسببية والجملة فى مقام التعليل للاستثناء مقرر له وقيل معنى الاية خلقنا الإنسان فى احسن تقويم اى اعدل صورة او أقوم حالة بحيث تيسر له كل ما أراد به وبتسخير له الحيوانات كلها والبر والبحر بل الجن والشياطين ايضا ثم رددناه فى بعض الافراد اى صيرناه بالهرم وأرذل العمر أسفل السافلين والسافلون هم الضعفاء والزمناء والأطفال فان الشيخ الكبير إذا زال عقله وضعف بدنه وغلب عليه العوارض والأمراض يصير أضعف من الضعفاء فعلى هذا قوله تعالى الا الذين أمنوا وعملوا الصالحات استثناء منقطع بمعنى لكن للاستدراك ودفع توهم نشأ وهو ان المؤمنين ايضا بعد الهرم وسوء الكبر يكونون أسوأ حالا من الضعفاء ووجودهم فى هذه الحالة وبال عليهم فقال الله لكن الذين أمنوا وعملوا الصالحات قبل الهرم فى حالة القوة والشباب فاجورهم غير مقطوعة لا يزال يكتب حسناتهم على حسب ما كانوا يعملون قال الضحاك اجرا بغير عمل اخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس فى هذه الاية قال هم نفر ردوا الى أرذل العمر على عهد رسول الله - ﷺ - فسئل حين اسفت عقولهم فأنزل الله عذرهم ان لهم أجرهم الذي عملوا قبل ان تذهب عقولهم قال البغوي قال عكرمة لا يضر هذا الشيخ كبره إذا ختم الله له بأحسن ما كان يعمل وروى العاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس قال الا الذين أمنوا وعملوا الصالحات قال الا الذين قرؤا القران لم يردوا الى ارزل العمر وقال جلال الدين المحلى رحمة الله تعالى إذا بلغ المؤمن من الكبر بالعجز عن العمل كتب له ما كان يعمل وروى عن انس ان رسول الله - ﷺ - قال إذا ابتلى المسلم ببلاء فى جسده قال للملك اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل وعن عبد الله ابن عمر ونحوه رواهما البغوي فى شرح السنة وروى البخاري عن ابى موسى نحوه فى المريض
فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ المخاطب به الإنسان على سبيل الالتفات يعنى فاى شىء يحملك ايها الإنسان على التكذيب بالجزاء أو اى شىء جعلك كاذبا حيث تقول خلاف الحق ان لا بعث ولا جزاء بعد تلك الدلائل الواضحة من نفسك ان خلقك فقويك ثم ضعفك فاماتك قادر على اعادتك وجزاء أعمالك والاستفهام للتوبيخ والإنكار يعنى لا ينبغى لك التكذيب بالجزاء او المخاطب به النبي - ﷺ - وما للنفى وللاستفهام الإنكاري والمعنى لا شىء يكذبك او فاى شىء يكذبك اى يدل على كذبك فى قولك بالجزاء بالدلائل الواضحة على صدقك فينظر هذه الاية قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين وقيل ما بمعنى من والاستفهام للتعجب يعنى من ينسبك الى الكذب بعد تلك الشواهد على الصدق عجبا منه.
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ ع استفهام إنكاري للنفى ونفى النفي اثبات فهو تحقيق وتقرير لما سبق والمعنى أليس الذي فعل ذلك من الخلق والرد باحكم الحاكمين صنعا وتدبير او من كان كذلك كان قادرا على الاعادة والجزاء والجملة لتسلية النبي ﷺ على تكذيب الكفار إياه مكابرة وعنادا او وعيد للكفار والمعنى أليس الله باقضى القاضين فهو يحكم بينك وبين من كذبك يا محمد كذا قال مقاتل او هى فى مقام التعليل بقوله تعالى فما يكذبك لا ينبغى لك ايها الإنسان التكذيب قال الله احكم الحاكمين عليك بالعذاب عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من قرأ بالتين فانتهى الى آخرها أليس الله باحكم الحاكمين فليقل بلى وانا على ذلك من الشاهدين رواه ابو داود وعن البراء ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان فى سفر فقرأ فى العشاء فى أحد الركعتين بالتين والزيتون رواه البخاري والله تعالى اعلم.