ﰡ
[سورة البينة (٩٨) : آية ٥]
وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥)
قوله تعالى: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [٥] قال: العلم كله في الحركات حتى يصير إلى الإخلاص، فإذا بلغ إلى الإخلاص صار طمأنينة، فمن كان علمه يقيناً وعمله إخلاصاً أذهب الله عنه ثلاثة أشياء، الجزع والجهل والعمل، وأعطاه بدل الجزع الصبر، وبدل الجهل العلم، وبدل العلم ترك الاختيار، ولا يكون هذا إلا للمتقين.
قيل: وما الإخلاص؟ قال: الإجابة، فمن لم تكن له الإجابة فلا إخلاص له.
وقال: الإخلاص على ثلاث معان: إخلاص العبادة لله، وإخلاص العمل له، وإخلاص القلب له.
[سورة البينة (٩٨) : آية ٨]
جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨)
قوله تعالى: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ [٨] قال: الخشية سر، والخشوع علانية، من خشعت جوارحه لم يقربه الشيطان. قيل: فما الخشوع؟ قال: الوقوف بين يدي الله، والصبر على ذلك. قال: وكمال الخشية ترك الآثام في السر والعلانية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
السورة التي يذكر فيها الزلزلة
[سورة الزلزلة (٩٩) : الآيات ٦ الى ٨]
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)
قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً [٦] قال: يتبع كل أحد ما كان يعتمده، فمن اعتمد فضل الله اتبع فضله، ومن اعتمد عمله اتبع عمله، ومن اعتمد الشفاعة اتبع الشفاعة.
قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ [٧] قال: لما نزلت هذه الآية خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال في خطبته: «ألا وإن الدنيا عرض حاضر، يأكل منه البر والفاجر، ألا وإن الآخرة أجل صادق، يقضي فيها ملك قادر، ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة، ألا وإن الشر كله بحذافيره في النار، ألا فاعلموا وأنتم من الله على حذر، واعلموا أنكم معروضون على أعمالكم فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [٧- ٨] » «١».
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إتمام التقوى أن يتقي الله عبده، حتى يتقيه في مثقال ذرة، حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حراماً يكون حجاباً بينه وبين الحرام «٢».
(٢) الزهد لابن مبارك ١/ ١٨.
وقد قال ابن مسعود رضي الله عنهما: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الكافر يرى ذنوبه كذبابة وقعت على أنفه فقال هكذا بيده فطارت «١».
ثم قال سهل: معشر المسلمين لقد أعقبتم الإقرار باللسان واليقين في القلب، أن الله واحد ليس كمثله شيء، وإن لكم يوماً يبعثكم فيه ويسألكم فيه عن مثاقيل الذر من أعمالكم، فإن كان خيراً أثابكم فيه، وإن كان شراً عاقبكم عليه إن شاء، فحققوه بالفعل.
قيل له: وكيف لنا أن نحققه بالفعل؟
قال: بخمسة أشياء لا بد لكم منها: أكل الحلال، ولبس الحلال، وحفظ الجوارح، وأداء الحقوق كما أمرتم به، وكف الأذى عن المسلمين، كيلا يذهب بأعمالكم قصاصاً في القيامة، ثم استعينوا على ذلك كله بالله حتى يتمها لكم.
قيل له: فكيف تصح للعبد هذه الأحوال؟
قال: لا بد له من عشرة أشياء يدع منها خمساً ويتمسك بخمس ويدع وساوس العدو، ويتبع العقل فيما يزجره، ويدع اهتمامه لأمر الدنيا ويتركها لأهلها، ويهتم بالآخرة ويعين أهلها ويدع اتباعه الهوى ويتقي الله على كل حال، ويترك المعصية ويشتغل بالطاعة، ويدع الجهل والإقامة عليه حتى يحكم عمله، ويطلب العلم ويعمل به.
قيل له: وكيف لنا أن نقيمها ونعمل بها؟
قال: لا بد من أربعة أشياء: لا يتعب نفسه فيما كان مصيره إلى التراب، ولا يرغب فيه، ولا يتخذ إخواناً مصيرهم إلى التراب، ولا يرغب فيهم.
قيل: كيف ذلك؟
قال: يعلم أنه عبد، مولاه عالم بحاله، شاهد، قادر على فرحه وترحه، رحيم به «٢».
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(٢) وردت أقوال التستري وما سئل عنه في الحلية ١٠/ ٢٠٨- ٢٠٩.