تفسير سورة الجاثية

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
تفسير سورة سورة الجاثية من كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد .
لمؤلفه ابن عجيبة . المتوفي سنة 1224 هـ
سورة الجاثية
مكية، وقيل : إلا قوله :﴿ قل للذين آمنوا يغفروا. . ﴾ [ الجاثية : ١٤ ] الخ. وهي سبع وثلاثون آية. ووجه مناسبتها : قوله :﴿ فإنما يسرناه بلسانك ﴾ [ الدخان : ٥٨ ] مع قوله :﴿ تنزيل الكتاب ﴾ أي : فالذي يسرناه بلسانك هو منزل من الله، الغالب على أمره.

يقول الحق جلّ جلاله :﴿ حم ﴾ يا حبيب يا مجيد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : الحاء تدل على حياته، والميم تدل على مودته، كأنه قال : بحق حياتي ومودتي لأوليائي، لا شيء أعز على أحبائي من لقائي، العزيزُ في جلاله، الحكيم في فعاله، العزيز في أزله، الحكيم في لُطفه بالعبد بوصف إقباله.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ في السماوات والأرض... ﴾ الآية ؛ شواهد الربوبية لائحةٌ، وأدلة الإلهية واضحةٌ، فَمَنْ صحا فكره عن سُكر الغفلة، ووضعَ سِرَّه في محل العِبْرة، حَظِيَ - لا محالة - بحقائق الوصلة. هـ. قلت : إنما يحظى بالوصلة إذا نفذت بصيرته إلى شهود المكوِّن، ولم يقف مع شيء من حس الكائنات، بل نفذ إلى ما فيها من أسرار المعاني، فعرف فيها مولاها، وشاهد فيها المتجلي بها، وإلا بَقِيَ مسجوناً محصوراً في ذاته.
قوله تعالى :﴿ وفي خلقكم... ﴾ الآية، قال القشيري : إذا أنعم العبدُ النظرَ في استواء قدِّه وقامته، واستكمال خلقه، وتمام تمييزه، وما هو مخصوص به من جوارحه وحوائجه، ثم فكّر فيما عداه من الدواب، وأجزائها وأعضائها، ووقف على اختصاصه، وامتياز بني آدم من بين البريَّة من الحيوانات، في الفهم والعقل والتمييز والعلم، ثم في الإيمان والعرفان، ووجوه خصائص أهل الصفوة من هذه الطائفة من فنون الإحسان ؛ عَرَف تخصيصهم بمناقبهم، وانفرادهم بفضلهم، فاستيقن أن الله أكرمهم، وعلى كثيرٍ من المخلوقات قَدَّمهم.
ثم قال في قوله :﴿ واختلاف الليل والنهار... ﴾ الآية. جعل الله العلومَ الدينية كسبيةً مُصحَّحةً بالدلائل، مُحتَفةً بالشواهد، فمَن لم يستبصرْ لها زلَّتْ قَدَمُه عن الصراط المستقيم، ووقع في عذاب الجحيم، فاليومَ في ظلمة الحيرة والتقليد، وفي الآخرة في التخليد في الوعيد. هـ. قلت : النظر في دلائل الكائنات من غير تنوير، ولا صحبة أهل التنوير، لا تزيد إلا حيرة، ولذلك قال بعضهم : إيمان أهل علم الكلام كالخيط في الهواء، يميل مع كل ريح، فالتقليد حينئذ أسلم، والتمسك بظاهر الكتاب والسنة أتم، ومَن سقط على العارفين بالله، لم يحتج إلى دليل ولا شاهد، وأغناه شهود الشهيد عن كل شاهد.
عجبت لمَن يبغي عليك شهادة وأنت الذي أشهدته كلَّ شاهد
كيف يُعرف بالمعارف مَن به عُرفت المعارف ؟ ! تنزّه الحق تعالى أن يفتقر إلى دليل يدلّ عليه، بل به يستدل على غيره، فلا يجد غيره. تلك آيات شواهد نتلوها عليك لترانا فيها، لا لتراها مفروقةً عنا، ولذلك قال تعالى :﴿ بالحق ﴾ أي : ملتبسة بنور الحق، الله نور السموات والأرض.
قوله تعالى :﴿ فبأي حديث... ﴾ الآية، قال القشيري : فَمَنْ لا يؤمن بها فبأي حديث يؤمن ؟ ومن أي أصل ينشأ بعده ؟ ومن أي بحر في التحقيق يغترف ؟ هيهات ما بقي للإشكال في هذا مجال. هـ.

هذا ﴿ تنزيلُ الكتاب من الله العزيز الحكيم ﴾ فكونه من الله عزّ وجل دلّ أنه حق وصدق وصواب، وكونه من العزيز دلَّ أنه معجز، يَغلِب ولا يُغلب، وكونه من الحكيم دلّ أنه مشتمل على الحِكَم البالغة، وأنه محكَم في نفسه، يَنسِخ ولا يُنْسَخ.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : الحاء تدل على حياته، والميم تدل على مودته، كأنه قال : بحق حياتي ومودتي لأوليائي، لا شيء أعز على أحبائي من لقائي، العزيزُ في جلاله، الحكيم في فعاله، العزيز في أزله، الحكيم في لُطفه بالعبد بوصف إقباله.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ في السماوات والأرض... ﴾ الآية ؛ شواهد الربوبية لائحةٌ، وأدلة الإلهية واضحةٌ، فَمَنْ صحا فكره عن سُكر الغفلة، ووضعَ سِرَّه في محل العِبْرة، حَظِيَ - لا محالة - بحقائق الوصلة. هـ. قلت : إنما يحظى بالوصلة إذا نفذت بصيرته إلى شهود المكوِّن، ولم يقف مع شيء من حس الكائنات، بل نفذ إلى ما فيها من أسرار المعاني، فعرف فيها مولاها، وشاهد فيها المتجلي بها، وإلا بَقِيَ مسجوناً محصوراً في ذاته.
قوله تعالى :﴿ وفي خلقكم... ﴾ الآية، قال القشيري : إذا أنعم العبدُ النظرَ في استواء قدِّه وقامته، واستكمال خلقه، وتمام تمييزه، وما هو مخصوص به من جوارحه وحوائجه، ثم فكّر فيما عداه من الدواب، وأجزائها وأعضائها، ووقف على اختصاصه، وامتياز بني آدم من بين البريَّة من الحيوانات، في الفهم والعقل والتمييز والعلم، ثم في الإيمان والعرفان، ووجوه خصائص أهل الصفوة من هذه الطائفة من فنون الإحسان ؛ عَرَف تخصيصهم بمناقبهم، وانفرادهم بفضلهم، فاستيقن أن الله أكرمهم، وعلى كثيرٍ من المخلوقات قَدَّمهم.
ثم قال في قوله :﴿ واختلاف الليل والنهار... ﴾ الآية. جعل الله العلومَ الدينية كسبيةً مُصحَّحةً بالدلائل، مُحتَفةً بالشواهد، فمَن لم يستبصرْ لها زلَّتْ قَدَمُه عن الصراط المستقيم، ووقع في عذاب الجحيم، فاليومَ في ظلمة الحيرة والتقليد، وفي الآخرة في التخليد في الوعيد. هـ. قلت : النظر في دلائل الكائنات من غير تنوير، ولا صحبة أهل التنوير، لا تزيد إلا حيرة، ولذلك قال بعضهم : إيمان أهل علم الكلام كالخيط في الهواء، يميل مع كل ريح، فالتقليد حينئذ أسلم، والتمسك بظاهر الكتاب والسنة أتم، ومَن سقط على العارفين بالله، لم يحتج إلى دليل ولا شاهد، وأغناه شهود الشهيد عن كل شاهد.
عجبت لمَن يبغي عليك شهادة وأنت الذي أشهدته كلَّ شاهد
كيف يُعرف بالمعارف مَن به عُرفت المعارف ؟ ! تنزّه الحق تعالى أن يفتقر إلى دليل يدلّ عليه، بل به يستدل على غيره، فلا يجد غيره. تلك آيات شواهد نتلوها عليك لترانا فيها، لا لتراها مفروقةً عنا، ولذلك قال تعالى :﴿ بالحق ﴾ أي : ملتبسة بنور الحق، الله نور السموات والأرض.
قوله تعالى :﴿ فبأي حديث... ﴾ الآية، قال القشيري : فَمَنْ لا يؤمن بها فبأي حديث يؤمن ؟ ومن أي أصل ينشأ بعده ؟ ومن أي بحر في التحقيق يغترف ؟ هيهات ما بقي للإشكال في هذا مجال. هـ.

قلت :﴿ واختلاف الليل والنهار... ﴾ الآية ؛ فيها العطف على عاملين، سواء نصبت " آيات " أو رفعتها، فالعاملان إذا نصبت " إن " و " في " أقيمت الواو مقامهما، فعملت الجر في ﴿ واختلاف ﴾ والنصب في ﴿ آيات ﴾، وإذا رفعت فالعاملان الابتداء، وحرف " في " عملت الواو الرفع في " آيات " والجرّ في " واختلاف " وهذا مذهب الأخفش، فإنه يُجوِّز العطفَ على عاملين، وأما سيبويه فلا يُجيزه، وتخريج الآية عنده : أن يكونَ على إضمار " في "، والذي حسّنه : تقديم ذكر " في " الآيتين قبله، ويؤيده : قراءة ابن مسعود رضي الله عنه :﴿ وفي اختلاف الليل والنهار ﴾ وفيها أوجه أُخر.
ثم برهن على عزته، وباهر حكمته، فقال :﴿ إِنَّ في خلق السماوات والأرض ﴾ إِما في نفس السماوات والأرض ؛ فإن في شكلهما من بدائع وفنون الحِكَم ما يقصر عنه البيان، وإما في خلقهما وإظهارهما، كما في قوله تعالى :﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ [ آل عمران : ١٩٠ ] ﴿ لآياتٍ للمؤمنين ﴾ لدلالاتٍ على وحدانيته تعالى لأهل الإيمان، وهو الأوفق بقوله :﴿ وفي خلقِكم ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : الحاء تدل على حياته، والميم تدل على مودته، كأنه قال : بحق حياتي ومودتي لأوليائي، لا شيء أعز على أحبائي من لقائي، العزيزُ في جلاله، الحكيم في فعاله، العزيز في أزله، الحكيم في لُطفه بالعبد بوصف إقباله.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ في السماوات والأرض... ﴾ الآية ؛ شواهد الربوبية لائحةٌ، وأدلة الإلهية واضحةٌ، فَمَنْ صحا فكره عن سُكر الغفلة، ووضعَ سِرَّه في محل العِبْرة، حَظِيَ - لا محالة - بحقائق الوصلة. هـ. قلت : إنما يحظى بالوصلة إذا نفذت بصيرته إلى شهود المكوِّن، ولم يقف مع شيء من حس الكائنات، بل نفذ إلى ما فيها من أسرار المعاني، فعرف فيها مولاها، وشاهد فيها المتجلي بها، وإلا بَقِيَ مسجوناً محصوراً في ذاته.
قوله تعالى :﴿ وفي خلقكم... ﴾ الآية، قال القشيري : إذا أنعم العبدُ النظرَ في استواء قدِّه وقامته، واستكمال خلقه، وتمام تمييزه، وما هو مخصوص به من جوارحه وحوائجه، ثم فكّر فيما عداه من الدواب، وأجزائها وأعضائها، ووقف على اختصاصه، وامتياز بني آدم من بين البريَّة من الحيوانات، في الفهم والعقل والتمييز والعلم، ثم في الإيمان والعرفان، ووجوه خصائص أهل الصفوة من هذه الطائفة من فنون الإحسان ؛ عَرَف تخصيصهم بمناقبهم، وانفرادهم بفضلهم، فاستيقن أن الله أكرمهم، وعلى كثيرٍ من المخلوقات قَدَّمهم.
ثم قال في قوله :﴿ واختلاف الليل والنهار... ﴾ الآية. جعل الله العلومَ الدينية كسبيةً مُصحَّحةً بالدلائل، مُحتَفةً بالشواهد، فمَن لم يستبصرْ لها زلَّتْ قَدَمُه عن الصراط المستقيم، ووقع في عذاب الجحيم، فاليومَ في ظلمة الحيرة والتقليد، وفي الآخرة في التخليد في الوعيد. هـ. قلت : النظر في دلائل الكائنات من غير تنوير، ولا صحبة أهل التنوير، لا تزيد إلا حيرة، ولذلك قال بعضهم : إيمان أهل علم الكلام كالخيط في الهواء، يميل مع كل ريح، فالتقليد حينئذ أسلم، والتمسك بظاهر الكتاب والسنة أتم، ومَن سقط على العارفين بالله، لم يحتج إلى دليل ولا شاهد، وأغناه شهود الشهيد عن كل شاهد.
عجبت لمَن يبغي عليك شهادة وأنت الذي أشهدته كلَّ شاهد
كيف يُعرف بالمعارف مَن به عُرفت المعارف ؟ ! تنزّه الحق تعالى أن يفتقر إلى دليل يدلّ عليه، بل به يستدل على غيره، فلا يجد غيره. تلك آيات شواهد نتلوها عليك لترانا فيها، لا لتراها مفروقةً عنا، ولذلك قال تعالى :﴿ بالحق ﴾ أي : ملتبسة بنور الحق، الله نور السموات والأرض.
قوله تعالى :﴿ فبأي حديث... ﴾ الآية، قال القشيري : فَمَنْ لا يؤمن بها فبأي حديث يؤمن ؟ ومن أي أصل ينشأ بعده ؟ ومن أي بحر في التحقيق يغترف ؟ هيهات ما بقي للإشكال في هذا مجال. هـ.

قلت :﴿ واختلاف الليل والنهار... ﴾ الآية ؛ فيها العطف على عاملين، سواء نصبت " آيات " أو رفعتها، فالعاملان إذا نصبت " إن " و " في " أقيمت الواو مقامهما، فعملت الجر في ﴿ واختلاف ﴾ والنصب في ﴿ آيات ﴾، وإذا رفعت فالعاملان الابتداء، وحرف " في " عملت الواو الرفع في " آيات " والجرّ في " واختلاف " وهذا مذهب الأخفش، فإنه يُجوِّز العطفَ على عاملين، وأما سيبويه فلا يُجيزه، وتخريج الآية عنده : أن يكونَ على إضمار " في "، والذي حسّنه : تقديم ذكر " في " الآيتين قبله، ويؤيده : قراءة ابن مسعود رضي الله عنه :﴿ وفي اختلاف الليل والنهار ﴾ وفيها أوجه أُخر.
أي : من نطفة ثم من علقة متقلبة من أطوار مختلفة إلى تمام الخلق، ﴿ وما يَبُث من دابةٍ ﴾ عطف على المضاف دون المضاف إليه، أي : وفي خلق ما يبث، أي : ينشر ويُصرّف من دابة ﴿ آياتٌ ﴾ ظاهرة على باهر قدرته وحكمته، ﴿ لقومٍ يُوقنون ﴾ أي : من شأنهم أن يوقنوا بالأشياء على ما هي عليه، ويعرفوا فيها صانعها، ﴿ وفي اختلاف الليل والنهار ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : الحاء تدل على حياته، والميم تدل على مودته، كأنه قال : بحق حياتي ومودتي لأوليائي، لا شيء أعز على أحبائي من لقائي، العزيزُ في جلاله، الحكيم في فعاله، العزيز في أزله، الحكيم في لُطفه بالعبد بوصف إقباله.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ في السماوات والأرض... ﴾ الآية ؛ شواهد الربوبية لائحةٌ، وأدلة الإلهية واضحةٌ، فَمَنْ صحا فكره عن سُكر الغفلة، ووضعَ سِرَّه في محل العِبْرة، حَظِيَ - لا محالة - بحقائق الوصلة. هـ. قلت : إنما يحظى بالوصلة إذا نفذت بصيرته إلى شهود المكوِّن، ولم يقف مع شيء من حس الكائنات، بل نفذ إلى ما فيها من أسرار المعاني، فعرف فيها مولاها، وشاهد فيها المتجلي بها، وإلا بَقِيَ مسجوناً محصوراً في ذاته.
قوله تعالى :﴿ وفي خلقكم... ﴾ الآية، قال القشيري : إذا أنعم العبدُ النظرَ في استواء قدِّه وقامته، واستكمال خلقه، وتمام تمييزه، وما هو مخصوص به من جوارحه وحوائجه، ثم فكّر فيما عداه من الدواب، وأجزائها وأعضائها، ووقف على اختصاصه، وامتياز بني آدم من بين البريَّة من الحيوانات، في الفهم والعقل والتمييز والعلم، ثم في الإيمان والعرفان، ووجوه خصائص أهل الصفوة من هذه الطائفة من فنون الإحسان ؛ عَرَف تخصيصهم بمناقبهم، وانفرادهم بفضلهم، فاستيقن أن الله أكرمهم، وعلى كثيرٍ من المخلوقات قَدَّمهم.
ثم قال في قوله :﴿ واختلاف الليل والنهار... ﴾ الآية. جعل الله العلومَ الدينية كسبيةً مُصحَّحةً بالدلائل، مُحتَفةً بالشواهد، فمَن لم يستبصرْ لها زلَّتْ قَدَمُه عن الصراط المستقيم، ووقع في عذاب الجحيم، فاليومَ في ظلمة الحيرة والتقليد، وفي الآخرة في التخليد في الوعيد. هـ. قلت : النظر في دلائل الكائنات من غير تنوير، ولا صحبة أهل التنوير، لا تزيد إلا حيرة، ولذلك قال بعضهم : إيمان أهل علم الكلام كالخيط في الهواء، يميل مع كل ريح، فالتقليد حينئذ أسلم، والتمسك بظاهر الكتاب والسنة أتم، ومَن سقط على العارفين بالله، لم يحتج إلى دليل ولا شاهد، وأغناه شهود الشهيد عن كل شاهد.
عجبت لمَن يبغي عليك شهادة وأنت الذي أشهدته كلَّ شاهد
كيف يُعرف بالمعارف مَن به عُرفت المعارف ؟ ! تنزّه الحق تعالى أن يفتقر إلى دليل يدلّ عليه، بل به يستدل على غيره، فلا يجد غيره. تلك آيات شواهد نتلوها عليك لترانا فيها، لا لتراها مفروقةً عنا، ولذلك قال تعالى :﴿ بالحق ﴾ أي : ملتبسة بنور الحق، الله نور السموات والأرض.
قوله تعالى :﴿ فبأي حديث... ﴾ الآية، قال القشيري : فَمَنْ لا يؤمن بها فبأي حديث يؤمن ؟ ومن أي أصل ينشأ بعده ؟ ومن أي بحر في التحقيق يغترف ؟ هيهات ما بقي للإشكال في هذا مجال. هـ.

أي : تعاقبهما بالذهاب والمجيء، أو : تفاوتهما طولاً، وقصراً، ﴿ و ﴾ في ﴿ ما أنزل اللّهُ من السماءِ مِن رزقٍ ﴾ مطر ؛ لأنه سبب الرزق، فعبَّر عن السبب بالمسبب ؛ لأنه نتيجته، تنبيهاً على كونه آية من جهة القدرة والرحمة، ﴿ فأحيا به الأرضَ ﴾ بأن أخرج أصناف الزرع والثمرات والنبات ﴿ بعد موتها ﴾ أي : خلُوها عن آثار الحياة وانتفاء قوة التنمية عنها، وخُلو أشجارها عن الثمار والأزهار.
﴿ وتصريفِ الرياح ﴾ أي : هبوبها من جهة إلى أخرى، ومن حال إلى حال، وتأخيره عن نزول المطر مع تقدمه عليه في الوجود، إما للإيذان بأنه آية مستقلة، ولو روعي الترتيب الوجودي لربما توهم أن مجموع تصريف الرياح ونزول المطر آية واحدة، أو : لأن كون التصريف آية ليس مجرد كونه مبتدأ لإنشاء المطر، بل له ولسائر المنافع، التي من جملتها : سوق السفن في البحار، وإلقاح الأشجار، ﴿ آياتٌ لقوم يعقلون ﴾ يتدبّرون بعقولهم، فيصلون إلى صريح التوحيد. وفي تقديم الإيمان على الإيقان، وتأخير تدبُّر العقل ؛ لأن العباد إذا نظروا في السموات والأرض نظراً صحيحاً ؛ علموا أنها مصنوعة، وأنه لا بُدَّ لها من صانع، فآمنوا بالله، وإذا نظروا في خلق أنفسهم، وتنقلها من حالٍ إلى حال، وفي خلق ما ظَهَرَ على ظَهْر الأرض من صنوف الحيوان ازدادوا إيماناً وأيقنوا، فإذا نظروا في سائر الحوادث التي تتجدّد في كل وقت، كتعاقب الليل والنهار، ونزول الأمطار، وحياة الأرض بعد موتها، وتصريف الرياح، جنوباً وشمالاً، ودَبوراً وصباً، عقِلوا، واستحكم في عقولهم، وخلص يقينهم، فكانوا من ذوي الألباب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : الحاء تدل على حياته، والميم تدل على مودته، كأنه قال : بحق حياتي ومودتي لأوليائي، لا شيء أعز على أحبائي من لقائي، العزيزُ في جلاله، الحكيم في فعاله، العزيز في أزله، الحكيم في لُطفه بالعبد بوصف إقباله.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ في السماوات والأرض... ﴾ الآية ؛ شواهد الربوبية لائحةٌ، وأدلة الإلهية واضحةٌ، فَمَنْ صحا فكره عن سُكر الغفلة، ووضعَ سِرَّه في محل العِبْرة، حَظِيَ - لا محالة - بحقائق الوصلة. هـ. قلت : إنما يحظى بالوصلة إذا نفذت بصيرته إلى شهود المكوِّن، ولم يقف مع شيء من حس الكائنات، بل نفذ إلى ما فيها من أسرار المعاني، فعرف فيها مولاها، وشاهد فيها المتجلي بها، وإلا بَقِيَ مسجوناً محصوراً في ذاته.
قوله تعالى :﴿ وفي خلقكم... ﴾ الآية، قال القشيري : إذا أنعم العبدُ النظرَ في استواء قدِّه وقامته، واستكمال خلقه، وتمام تمييزه، وما هو مخصوص به من جوارحه وحوائجه، ثم فكّر فيما عداه من الدواب، وأجزائها وأعضائها، ووقف على اختصاصه، وامتياز بني آدم من بين البريَّة من الحيوانات، في الفهم والعقل والتمييز والعلم، ثم في الإيمان والعرفان، ووجوه خصائص أهل الصفوة من هذه الطائفة من فنون الإحسان ؛ عَرَف تخصيصهم بمناقبهم، وانفرادهم بفضلهم، فاستيقن أن الله أكرمهم، وعلى كثيرٍ من المخلوقات قَدَّمهم.
ثم قال في قوله :﴿ واختلاف الليل والنهار... ﴾ الآية. جعل الله العلومَ الدينية كسبيةً مُصحَّحةً بالدلائل، مُحتَفةً بالشواهد، فمَن لم يستبصرْ لها زلَّتْ قَدَمُه عن الصراط المستقيم، ووقع في عذاب الجحيم، فاليومَ في ظلمة الحيرة والتقليد، وفي الآخرة في التخليد في الوعيد. هـ. قلت : النظر في دلائل الكائنات من غير تنوير، ولا صحبة أهل التنوير، لا تزيد إلا حيرة، ولذلك قال بعضهم : إيمان أهل علم الكلام كالخيط في الهواء، يميل مع كل ريح، فالتقليد حينئذ أسلم، والتمسك بظاهر الكتاب والسنة أتم، ومَن سقط على العارفين بالله، لم يحتج إلى دليل ولا شاهد، وأغناه شهود الشهيد عن كل شاهد.
عجبت لمَن يبغي عليك شهادة وأنت الذي أشهدته كلَّ شاهد
كيف يُعرف بالمعارف مَن به عُرفت المعارف ؟ ! تنزّه الحق تعالى أن يفتقر إلى دليل يدلّ عليه، بل به يستدل على غيره، فلا يجد غيره. تلك آيات شواهد نتلوها عليك لترانا فيها، لا لتراها مفروقةً عنا، ولذلك قال تعالى :﴿ بالحق ﴾ أي : ملتبسة بنور الحق، الله نور السموات والأرض.
قوله تعالى :﴿ فبأي حديث... ﴾ الآية، قال القشيري : فَمَنْ لا يؤمن بها فبأي حديث يؤمن ؟ ومن أي أصل ينشأ بعده ؟ ومن أي بحر في التحقيق يغترف ؟ هيهات ما بقي للإشكال في هذا مجال. هـ.

﴿ تلك آياتُ الله ﴾ مبتدأ وخبر، و﴿ نتلُوها عليك ﴾ حال، والعامل : معنى الإشارة، أي : تلك الآيات المتقدمة هي آيات الله الدالة على وجوب وجوده واتصافه بأوصاف الكمال، حال كونها متلوةً عليك، ملتبسة ﴿ بالحق ﴾ أو : نتلوها محقين في ذلك : فالجار والمجرور : حال من المفعول أو الفاعل. ﴿ فبأيّ حديثٍ ﴾ من الأحاديث ﴿ بعد الله وآياتهِ ﴾ أي : بعد آيات الله، كقولك : أعجبني زيد وكرمه، أي : أعجبني كرم زيد، أو : بعد حديث الله، الذي هو القرآن، وآياته العامة في كل شيء، فيكون على حذف مضاف، أو : يُراد بها القرآن أيضاً، والعطف للتغاير العنواني، فالأول من جهة كونه حديثاً حسناً، والثاني باعتبار كونه معجزاً، أي : فبأي حديثٍ بعد أحسن الحديث وأبهر الآيات ﴿ يؤمنون ﴾ يُصدِّقون ؟ ! ومَن قرأ بالخطاب يُقدر : قل يا محمد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : الحاء تدل على حياته، والميم تدل على مودته، كأنه قال : بحق حياتي ومودتي لأوليائي، لا شيء أعز على أحبائي من لقائي، العزيزُ في جلاله، الحكيم في فعاله، العزيز في أزله، الحكيم في لُطفه بالعبد بوصف إقباله.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ في السماوات والأرض... ﴾ الآية ؛ شواهد الربوبية لائحةٌ، وأدلة الإلهية واضحةٌ، فَمَنْ صحا فكره عن سُكر الغفلة، ووضعَ سِرَّه في محل العِبْرة، حَظِيَ - لا محالة - بحقائق الوصلة. هـ. قلت : إنما يحظى بالوصلة إذا نفذت بصيرته إلى شهود المكوِّن، ولم يقف مع شيء من حس الكائنات، بل نفذ إلى ما فيها من أسرار المعاني، فعرف فيها مولاها، وشاهد فيها المتجلي بها، وإلا بَقِيَ مسجوناً محصوراً في ذاته.
قوله تعالى :﴿ وفي خلقكم... ﴾ الآية، قال القشيري : إذا أنعم العبدُ النظرَ في استواء قدِّه وقامته، واستكمال خلقه، وتمام تمييزه، وما هو مخصوص به من جوارحه وحوائجه، ثم فكّر فيما عداه من الدواب، وأجزائها وأعضائها، ووقف على اختصاصه، وامتياز بني آدم من بين البريَّة من الحيوانات، في الفهم والعقل والتمييز والعلم، ثم في الإيمان والعرفان، ووجوه خصائص أهل الصفوة من هذه الطائفة من فنون الإحسان ؛ عَرَف تخصيصهم بمناقبهم، وانفرادهم بفضلهم، فاستيقن أن الله أكرمهم، وعلى كثيرٍ من المخلوقات قَدَّمهم.
ثم قال في قوله :﴿ واختلاف الليل والنهار... ﴾ الآية. جعل الله العلومَ الدينية كسبيةً مُصحَّحةً بالدلائل، مُحتَفةً بالشواهد، فمَن لم يستبصرْ لها زلَّتْ قَدَمُه عن الصراط المستقيم، ووقع في عذاب الجحيم، فاليومَ في ظلمة الحيرة والتقليد، وفي الآخرة في التخليد في الوعيد. هـ. قلت : النظر في دلائل الكائنات من غير تنوير، ولا صحبة أهل التنوير، لا تزيد إلا حيرة، ولذلك قال بعضهم : إيمان أهل علم الكلام كالخيط في الهواء، يميل مع كل ريح، فالتقليد حينئذ أسلم، والتمسك بظاهر الكتاب والسنة أتم، ومَن سقط على العارفين بالله، لم يحتج إلى دليل ولا شاهد، وأغناه شهود الشهيد عن كل شاهد.
عجبت لمَن يبغي عليك شهادة وأنت الذي أشهدته كلَّ شاهد
كيف يُعرف بالمعارف مَن به عُرفت المعارف ؟ ! تنزّه الحق تعالى أن يفتقر إلى دليل يدلّ عليه، بل به يستدل على غيره، فلا يجد غيره. تلك آيات شواهد نتلوها عليك لترانا فيها، لا لتراها مفروقةً عنا، ولذلك قال تعالى :﴿ بالحق ﴾ أي : ملتبسة بنور الحق، الله نور السموات والأرض.
قوله تعالى :﴿ فبأي حديث... ﴾ الآية، قال القشيري : فَمَنْ لا يؤمن بها فبأي حديث يؤمن ؟ ومن أي أصل ينشأ بعده ؟ ومن أي بحر في التحقيق يغترف ؟ هيهات ما بقي للإشكال في هذا مجال. هـ.

ثم ذكر حال من أعرض عنها، فقال :
﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾*﴿ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾*﴿ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾*﴿ مِّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً وَلاَ مَا اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾*﴿ هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ويلٌ لكل أفَّاكٍ ﴾ كذَّاب ﴿ أثيم ﴾ كثير الآثام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : مَن لم يضبط لسانه وجوارحه، وتصاممت آذانُ قلبه عن تدبُّر القرآن، فالويل حاصل له، ويُبَشَّر بالخيبة والخسران من مراتب أهل العرفان، ومن ضبط أمور ظاهره بالتقوى، وفتحت آذان قلبه لسماع كلام المولى، فقد فَاز بعز الدارين. قال القشيري : فمَن استمع بسمع الفهم، واستبصر بنور التوحيد، فاز بذُخْر الدارين، وتصدَّى لعز المنزلتين، ومَن تصامم بحكم الغفلة، وقع في وهدة الجهل، ووُسِم بكي الهَجْر. هـ.
قوله تعالى :﴿ إذا علم من آياتنا شيئاً اتخذها هزواً ﴾ قال القشيري : وقد يُكاشَفُ العبدُ من مواطن القلب بتعريفاتٍ لا يداخله فيها ريبٌ، ولا يتخلله فيها شكٌّ فيما هو فيه من حاله، فإذا استهان بها وقع في ذُلِّ الحجْبة، وحجاب الفرقة وهوانها. هـ. فإذا صفا القلب صار مرسى لتجلي الواردات الإلهية، وهي آية من آياته، فإذا تجلّى فيه شيء بأمر أو نهي فاستهان به وخالفه أدّبه الحق على ذلك، إما في ظاهره، وهو أخف، أو في باطنه بالحجبة أو الفرقة، ولقد سمعت شيخ شيخنا، مولاي العربي الدرقاوي رضي الله عنه يقول : لي ثلاثون سنة ما خالفت قلبي في شيء إلا أدّبني الحق تعالى عليه. هـ. أي : في ظاهره، وذلك لغاية صفائه.
قوله تعالى :﴿ من ورائهم جهنم.. ﴾ الآية، لا عذاب أشد من الحجب بعد الإظهار، والفرقة بعد الوصال، وأنشدوا :
فَخَلِّ سَبِيلَ الْعَيْنِ بَعْدَكَ لِلبُكَا فَلَيسَ لأيَّام الصَّفاء رجوعُ
انظر القشيري.

﴿ يسمع آيات الله ﴾ التنزيلية ﴿ تُتلى عليه ﴾ وجملة " يسمع " صفة أخرى لأفَاك، أو استئناف، أو حال من ضمير " أثيم "، " تتلى " : حال من " آيات الله "، ﴿ ثم يُصِرُّ ﴾ أي : يُقيم على كفره، حال كونه ﴿ مستكبراً ﴾ عن الإيمان بالآيات، والإذعان لما تنطق به من الحق، مُزْدرياً بها، مُعجَباً بما عنده من الأباطيل. قيل : نزلت في النضر بن الحارث، وكان يشتري من أحاديث الأعاجم، ويشغل بها الناس عن سماع القرآن، والآية عامة في كل مَن كان مضاراً لدين الله. وجيء بثمّ ؛ لأن الإصرارَ على الضلالة، والاستكبار عن الإيمان عند سماع آيات القرآن، مستبعدٌ في العقول. ثم قال :﴿ كأن لم يسمعها ﴾ أي : كأنه لم يسمعها، فأن مخففة، ومحل الجملة النصب على الحال، أي : يُصر شبيهاً بغير السامع، ﴿ فبشِّره ﴾ على إصراره واستكباره ﴿ بعذابٍ أليم ﴾ أي : أخبره خبرا يظهر أثره على البشرة، تهكُّماً به.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : مَن لم يضبط لسانه وجوارحه، وتصاممت آذانُ قلبه عن تدبُّر القرآن، فالويل حاصل له، ويُبَشَّر بالخيبة والخسران من مراتب أهل العرفان، ومن ضبط أمور ظاهره بالتقوى، وفتحت آذان قلبه لسماع كلام المولى، فقد فَاز بعز الدارين. قال القشيري : فمَن استمع بسمع الفهم، واستبصر بنور التوحيد، فاز بذُخْر الدارين، وتصدَّى لعز المنزلتين، ومَن تصامم بحكم الغفلة، وقع في وهدة الجهل، ووُسِم بكي الهَجْر. هـ.
قوله تعالى :﴿ إذا علم من آياتنا شيئاً اتخذها هزواً ﴾ قال القشيري : وقد يُكاشَفُ العبدُ من مواطن القلب بتعريفاتٍ لا يداخله فيها ريبٌ، ولا يتخلله فيها شكٌّ فيما هو فيه من حاله، فإذا استهان بها وقع في ذُلِّ الحجْبة، وحجاب الفرقة وهوانها. هـ. فإذا صفا القلب صار مرسى لتجلي الواردات الإلهية، وهي آية من آياته، فإذا تجلّى فيه شيء بأمر أو نهي فاستهان به وخالفه أدّبه الحق على ذلك، إما في ظاهره، وهو أخف، أو في باطنه بالحجبة أو الفرقة، ولقد سمعت شيخ شيخنا، مولاي العربي الدرقاوي رضي الله عنه يقول : لي ثلاثون سنة ما خالفت قلبي في شيء إلا أدّبني الحق تعالى عليه. هـ. أي : في ظاهره، وذلك لغاية صفائه.
قوله تعالى :﴿ من ورائهم جهنم.. ﴾ الآية، لا عذاب أشد من الحجب بعد الإظهار، والفرقة بعد الوصال، وأنشدوا :
فَخَلِّ سَبِيلَ الْعَيْنِ بَعْدَكَ لِلبُكَا فَلَيسَ لأيَّام الصَّفاء رجوعُ
انظر القشيري.

﴿ وإِذا عَلِمَ من آياتنا شيئاً ﴾ أي : إذا بلغه من آياتنا شيء يمكن أن يتشبّث بها المعاند، ويجد له محملاً فاسداً يتوسل به إلى الطعن والمغمزة، ﴿ اتخذها ﴾ أي : مهزوءاً بها، لا ما يسمعه فقط، وإنما لم يقل : اتخذه ؛ للإشعار بأنه إذا أحسّ بشيء من الكلام فيه شيء بزعمه الركيك ؛ لم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه، بل يستهزئ بالجميع، ويجوز أن يرجع الضمير ( لشيء ) لأنه في معنى الآية. ﴿ أولئك لهم ﴾ بسبب جناياتهم المذكورة ﴿ عذابٌ مُهين ﴾ وصف العذاب بالإهانة توفية لحق استكبارهم واستهزائهم بآيات الله تعالى، وجمع الإشارة باعتبار ما في ﴿ كل أفَّاك أثيم ﴾ من الشمول، كما في قوله تعالى :﴿ كُلُّ حِزْبِ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [ المؤمنون : ٥٣ ]، وأفرد فيما سبق من الضمائر باعتبار كل واحدٍ واحد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : مَن لم يضبط لسانه وجوارحه، وتصاممت آذانُ قلبه عن تدبُّر القرآن، فالويل حاصل له، ويُبَشَّر بالخيبة والخسران من مراتب أهل العرفان، ومن ضبط أمور ظاهره بالتقوى، وفتحت آذان قلبه لسماع كلام المولى، فقد فَاز بعز الدارين. قال القشيري : فمَن استمع بسمع الفهم، واستبصر بنور التوحيد، فاز بذُخْر الدارين، وتصدَّى لعز المنزلتين، ومَن تصامم بحكم الغفلة، وقع في وهدة الجهل، ووُسِم بكي الهَجْر. هـ.
قوله تعالى :﴿ إذا علم من آياتنا شيئاً اتخذها هزواً ﴾ قال القشيري : وقد يُكاشَفُ العبدُ من مواطن القلب بتعريفاتٍ لا يداخله فيها ريبٌ، ولا يتخلله فيها شكٌّ فيما هو فيه من حاله، فإذا استهان بها وقع في ذُلِّ الحجْبة، وحجاب الفرقة وهوانها. هـ. فإذا صفا القلب صار مرسى لتجلي الواردات الإلهية، وهي آية من آياته، فإذا تجلّى فيه شيء بأمر أو نهي فاستهان به وخالفه أدّبه الحق على ذلك، إما في ظاهره، وهو أخف، أو في باطنه بالحجبة أو الفرقة، ولقد سمعت شيخ شيخنا، مولاي العربي الدرقاوي رضي الله عنه يقول : لي ثلاثون سنة ما خالفت قلبي في شيء إلا أدّبني الحق تعالى عليه. هـ. أي : في ظاهره، وذلك لغاية صفائه.
قوله تعالى :﴿ من ورائهم جهنم.. ﴾ الآية، لا عذاب أشد من الحجب بعد الإظهار، والفرقة بعد الوصال، وأنشدوا :
فَخَلِّ سَبِيلَ الْعَيْنِ بَعْدَكَ لِلبُكَا فَلَيسَ لأيَّام الصَّفاء رجوعُ
انظر القشيري.

﴿ مِن ورائهم جهنمُ ﴾ أي : من قدّامهم، لأنهم متوجهون إلى ما أعدّ لهم، أو : مِن خلقهم ؛ لأنهم معرضون عن ذلك، مقبلون على الدنيا، فإن الوراء : اسم للجهة التي يواريها الشخص من قدّام وخلف، ﴿ ولا يُغني عنهم ﴾ لا يدفع عنهم ﴿ ما كسبوا ﴾ من الأموال والأولاد ﴿ شيئاً ﴾ من عذاب الله تعالى، ﴿ ولا ما اتخذوا من دون الله أولياءَ ﴾ أي : الأصنام، و " ما " مصدرية، أو موصولة، وتوسيط حرف النفي بين المعطوفين ينبئ أن عدم إغناء الأصنام أظهر وأجلى من عدم إغناء الأموال والأولاد قطعاً، مبني على زعمهم الفاسد، حيث كانوا يطمعون في شفاعتهم ﴿ ولهم عذاب عظيم ﴾ لا يقادر قدره.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : مَن لم يضبط لسانه وجوارحه، وتصاممت آذانُ قلبه عن تدبُّر القرآن، فالويل حاصل له، ويُبَشَّر بالخيبة والخسران من مراتب أهل العرفان، ومن ضبط أمور ظاهره بالتقوى، وفتحت آذان قلبه لسماع كلام المولى، فقد فَاز بعز الدارين. قال القشيري : فمَن استمع بسمع الفهم، واستبصر بنور التوحيد، فاز بذُخْر الدارين، وتصدَّى لعز المنزلتين، ومَن تصامم بحكم الغفلة، وقع في وهدة الجهل، ووُسِم بكي الهَجْر. هـ.
قوله تعالى :﴿ إذا علم من آياتنا شيئاً اتخذها هزواً ﴾ قال القشيري : وقد يُكاشَفُ العبدُ من مواطن القلب بتعريفاتٍ لا يداخله فيها ريبٌ، ولا يتخلله فيها شكٌّ فيما هو فيه من حاله، فإذا استهان بها وقع في ذُلِّ الحجْبة، وحجاب الفرقة وهوانها. هـ. فإذا صفا القلب صار مرسى لتجلي الواردات الإلهية، وهي آية من آياته، فإذا تجلّى فيه شيء بأمر أو نهي فاستهان به وخالفه أدّبه الحق على ذلك، إما في ظاهره، وهو أخف، أو في باطنه بالحجبة أو الفرقة، ولقد سمعت شيخ شيخنا، مولاي العربي الدرقاوي رضي الله عنه يقول : لي ثلاثون سنة ما خالفت قلبي في شيء إلا أدّبني الحق تعالى عليه. هـ. أي : في ظاهره، وذلك لغاية صفائه.
قوله تعالى :﴿ من ورائهم جهنم.. ﴾ الآية، لا عذاب أشد من الحجب بعد الإظهار، والفرقة بعد الوصال، وأنشدوا :
فَخَلِّ سَبِيلَ الْعَيْنِ بَعْدَكَ لِلبُكَا فَلَيسَ لأيَّام الصَّفاء رجوعُ
انظر القشيري.

﴿ هذا ﴾ أي : القرآن ﴿ هُدىً ﴾ في غاية الكمال من الهداية، كأنه نفس الهدى، ﴿ والذين كفروا بآيات ربهم ﴾ أي : القرآن، وإنما وضع موضع ضميره الآيات لزيادة تشنيع كفرهم وتفظيع حالهم، ﴿ لهم عذابٌ من رِجْزٍ ﴾ من أشد العذاب ﴿ أليم ﴾ مؤلم، بالرفع صفة " عذاب "، وبالجر صفة " رِجز "، وتنوين عذاب في المواضع الثلاثة للتفخيم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : مَن لم يضبط لسانه وجوارحه، وتصاممت آذانُ قلبه عن تدبُّر القرآن، فالويل حاصل له، ويُبَشَّر بالخيبة والخسران من مراتب أهل العرفان، ومن ضبط أمور ظاهره بالتقوى، وفتحت آذان قلبه لسماع كلام المولى، فقد فَاز بعز الدارين. قال القشيري : فمَن استمع بسمع الفهم، واستبصر بنور التوحيد، فاز بذُخْر الدارين، وتصدَّى لعز المنزلتين، ومَن تصامم بحكم الغفلة، وقع في وهدة الجهل، ووُسِم بكي الهَجْر. هـ.
قوله تعالى :﴿ إذا علم من آياتنا شيئاً اتخذها هزواً ﴾ قال القشيري : وقد يُكاشَفُ العبدُ من مواطن القلب بتعريفاتٍ لا يداخله فيها ريبٌ، ولا يتخلله فيها شكٌّ فيما هو فيه من حاله، فإذا استهان بها وقع في ذُلِّ الحجْبة، وحجاب الفرقة وهوانها. هـ. فإذا صفا القلب صار مرسى لتجلي الواردات الإلهية، وهي آية من آياته، فإذا تجلّى فيه شيء بأمر أو نهي فاستهان به وخالفه أدّبه الحق على ذلك، إما في ظاهره، وهو أخف، أو في باطنه بالحجبة أو الفرقة، ولقد سمعت شيخ شيخنا، مولاي العربي الدرقاوي رضي الله عنه يقول : لي ثلاثون سنة ما خالفت قلبي في شيء إلا أدّبني الحق تعالى عليه. هـ. أي : في ظاهره، وذلك لغاية صفائه.
قوله تعالى :﴿ من ورائهم جهنم.. ﴾ الآية، لا عذاب أشد من الحجب بعد الإظهار، والفرقة بعد الوصال، وأنشدوا :
فَخَلِّ سَبِيلَ الْعَيْنِ بَعْدَكَ لِلبُكَا فَلَيسَ لأيَّام الصَّفاء رجوعُ
انظر القشيري.

ولما ذكر ما من به عليهم من النعم الباطنة، وهي دلائل التوحيد، ذكر ما من به عليهم من النعم الظاهرة، فقال :
﴿ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾*﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ اللّهُ الذي سخَّر لكم البحر ﴾ أي : ذلّله، بأن جعله أملس السطح، يطفو عليه ما فوقه، ولا يمنع الغوص فيه، لمَيَعَانه، ﴿ لتجري الفلكُ فيه بأمره ﴾ بإذنه، وأنتم راكبوها، ﴿ ولتبتغوا من فضله ﴾ بالتجارة، والغوص لابتغاء الحلية، كاللؤلؤ والمرجان، وكالصيد وغيرها، ﴿ ولعلكم تشكرون ﴾ ولكي تشكروا النعم المترتبة على ذلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ الله الذي سخَّر لكم البحر ﴾ التوحيد الخاص، وهو تجلِّي عظمة الذات، لتجري فلكُ الأفكار في تيار بحر الذات ونور الصفات، فتراها تعوم تارة في أسرار الجبروت الأعلى، وتارة في أنوار الملكوت الأدنى، ولتبتغوا من فضل معرفته، وزيادة الترقي في كشف الأسرار، وهذا لمَن اتسع عليه فضاء الشهود، وزاحت عنه حُجب الكائنات، وأما مَن بقي مسجوناً فيها، السماء تُظله، والأرض تُقله، فلا يطمع أن تسرَحَ فكرته في هذه البحار، وحسبه أن يكون حَمّاراً يسافر في البَر، تعبه كثير، وربحه قليل، والغناء به بعيد، وسبب بقائه في تعب البر عدم صحبته للرجال البحرية، الذين هم رُيَّاس البحر، وشيوخ ركْب البر. وبالله التوفيق.
قال القشيري :﴿ الله الذي سخر لكم البحر ﴾ تركبونه، فربما تسْلَم السفينةُ، وربما تغرق، كذلك العبد في فلك الاعتصام في بحار التقدير، تمشي بهم رياح العناية، وترفع لهم شراع التوكُّل، تجري في البحر لتَجْر اليقين، فإن هبّت رياحُ السلامة نجت السفينة، وإن هبّت نكباء الفتنة لم يبقَ بيد الملاّح شيء، فعند ذلك المقادير غالبة، وبلغت قلوبُ أهل السفينة الحناجرَ. هـ. قلت : مَن ركب مع رائس ماهر ؛ الغالب عليه السلامة.
قوله تعالى :﴿ وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه ﴾ في بعض الأثر : يقول الله تعالى :" يا ابن آدم ؛ خلقت الأشياء من أجلك، وخلقتك من أجلي، فلا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتك لأجله " أي : لا تنشغل بخدمة الكون عن خدمة المكوّن، فما أفلح مَن انشغل بدنياه، وآثر هواه على خدمة مولاه، كان حرّاً والأشياء كلها عبيد له، فصار عبداً لعبيده، بحبه للأشياء وتعشُّقه لها، كانت الأشياء تعشقه وتخدمه، ثم صار يخدم الأشياء ويعشقها، أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكوّن، فإذا شَهِدت المكوّن كانت الأكوان معك، فاعرف قدرك أيها الإنسان، وارفع همتك عن الأكوان، وعلِّق قلبك بالملك الديّان، يُعطك الحق تعالى من العرش إلى الفرش، تتصرف فيه بهمتك كيف شئت، وما ذلك على الله بعزيز.

﴿ وسخَّر لكم ما في السماوات وما في الأرض ﴾ من الموجودات. بأن جعلها مداراً لمنافعهم.
قال القشيري : إذ ما من شيء من الأعيان الظاهرة، إلا وللإنسان به انتفاع من وجوه، فالسماء لها بناء، والأرض لهم مِهاد، وليتأمل العبدُ في كل شيء لو لم يكن، أيّ خلل يرجع إلى الخلق ؟ لولا الشمس كيف كانوا يتصرفون بالنهار ؟ ولولا الليل، كيف كانوا يسكنون ؟ ولولا القمر هل كانوا يهتدون للحساب والآجال ؟ وكذلك جميع المخلوقات. ه. وقوله :﴿ جميعاً منه ﴾ حال، وليس من التوكيد لعدم الضمير، ولو كان توكيداً لقال : جميعه، ثم التوكيد بجميع قليل، فلا يحمل التنزيل عليه، قاله في المغني. والمنفي كونه توكيداً اصطلاحياً، فلا ينافي كونه حالاً مؤكدة في المعنى. ﴿ إِنَّ في ذلك ﴾ أي : فيما ذكر من الأمور العظام ﴿ للآياتٍ ﴾ عظيمة الشأن، كثيرة العدد، ﴿ لقوم يتفكرون ﴾ في بدائع صنعه تعالى، فإنهم يقفون بذلك على جلائل نعمه تعالى ودقائقها، ويُوفَّقون لشكرها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ الله الذي سخَّر لكم البحر ﴾ التوحيد الخاص، وهو تجلِّي عظمة الذات، لتجري فلكُ الأفكار في تيار بحر الذات ونور الصفات، فتراها تعوم تارة في أسرار الجبروت الأعلى، وتارة في أنوار الملكوت الأدنى، ولتبتغوا من فضل معرفته، وزيادة الترقي في كشف الأسرار، وهذا لمَن اتسع عليه فضاء الشهود، وزاحت عنه حُجب الكائنات، وأما مَن بقي مسجوناً فيها، السماء تُظله، والأرض تُقله، فلا يطمع أن تسرَحَ فكرته في هذه البحار، وحسبه أن يكون حَمّاراً يسافر في البَر، تعبه كثير، وربحه قليل، والغناء به بعيد، وسبب بقائه في تعب البر عدم صحبته للرجال البحرية، الذين هم رُيَّاس البحر، وشيوخ ركْب البر. وبالله التوفيق.
قال القشيري :﴿ الله الذي سخر لكم البحر ﴾ تركبونه، فربما تسْلَم السفينةُ، وربما تغرق، كذلك العبد في فلك الاعتصام في بحار التقدير، تمشي بهم رياح العناية، وترفع لهم شراع التوكُّل، تجري في البحر لتَجْر اليقين، فإن هبّت رياحُ السلامة نجت السفينة، وإن هبّت نكباء الفتنة لم يبقَ بيد الملاّح شيء، فعند ذلك المقادير غالبة، وبلغت قلوبُ أهل السفينة الحناجرَ. هـ. قلت : مَن ركب مع رائس ماهر ؛ الغالب عليه السلامة.
قوله تعالى :﴿ وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه ﴾ في بعض الأثر : يقول الله تعالى :" يا ابن آدم ؛ خلقت الأشياء من أجلك، وخلقتك من أجلي، فلا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتك لأجله " أي : لا تنشغل بخدمة الكون عن خدمة المكوّن، فما أفلح مَن انشغل بدنياه، وآثر هواه على خدمة مولاه، كان حرّاً والأشياء كلها عبيد له، فصار عبداً لعبيده، بحبه للأشياء وتعشُّقه لها، كانت الأشياء تعشقه وتخدمه، ثم صار يخدم الأشياء ويعشقها، أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكوّن، فإذا شَهِدت المكوّن كانت الأكوان معك، فاعرف قدرك أيها الإنسان، وارفع همتك عن الأكوان، وعلِّق قلبك بالملك الديّان، يُعطك الحق تعالى من العرش إلى الفرش، تتصرف فيه بهمتك كيف شئت، وما ذلك على الله بعزيز.

ثم بين الطريق الموصل إلى هذا، وهو حسن الخلق مع كل مخلوق، فقال :
﴿ قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾*﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾.
قلت :﴿ يغفِروا ﴾ قيل : جواب الأمر المذكور، أي : إن تقل يغفروا، وقيل لأمر محذوف، أي : قل لهم اغفروا يغفروا، وقيل : حذف لام الأمر، أي : ليغفروا، وقرأ أبو جعفر :( ليُجزي قوماً ) بالبناء للمفعول، ونصب ( قوماً ) إما على نيابة المصدر، أي : ليجزي الجزاء قوماً، أو ليجزي الخيرُ قوماً، فأضمر الخير ؛ لدلالة الكلام عليه، أو ناب الجار مع وجود المفعول به، وهو قليل.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ قل للذين آمنوا يغفِروا للذين لا يرجون أيامَ الله ﴾ أي : يعفوا ويصفحوا عن الذين لا يتوقعون نِقَمه ووقائعه بأعدائه، من قولهم :" أيام العرب " لوقائعها، أو : لا يأمّلون الأوقات التي وقّتها الله تعالى لثواب المؤمنين، ووعدهم بالفوز فيها. قيل : نزلت قبل آية القتال ثم نُسخت، قال ابن عطية : ينبغي أن يقال : إن الأمور العظام، كالقتل والكفر مجاهدة ونحو ذلك، قد نَسخ غفرانَه آيةُ السيف والجزية، وإن الأمور الحقيرة، كالجفاءِ في القول ونحو ذلك، يحتمل أن تبقى مُحكمة، وأن يكون العفو عنها أقرب للتقوى. ه.
قيل : نزلت في عمر رضي الله عنه حين شتمه رجل من غفار، فهَمَّ أن يبطشَ به، فنزلت. وقيل : نزلت في ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في أذى شديد من المشركين، قبل أن يُؤمروا بالقتال، فشكَوْا ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا تكون الآية مكية. وقال ابن عباس : لما نزل :﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ﴾ [ البقرة : ٢٤٥ ] قال فنحاص : افتقر رَبُّ محمد، فلما بلغ ذلك عُمر، طلبه بالسيف ؛ ليقتله، فنزلت، فوضع السيف، وقال : والذي بعثك بالحق لا يُرى الغضب في وجهي. وقيل : في شأن أُبيّ ابن سلول، رأس المنافقين، لَمّا قال في غزوة المريسيع : ما مثلُنا ومثل هؤلاء - يعني المهاجرين - إلا كما قيل : سَمِّنْ كلبَك يأكلك، فبلغ ذلك عمر، فاشتمل السيف، يريد التوجه إليه، فنزلت. وعلى هذا تكون مدنية.
﴿ لِيَجزيَ قوماً بما كانوا يكسبون ﴾ أي : إنما أُمروا أن يغفروا ليوفيهم جزاء مغفرتهم يوم القيامة. وتنكير ( قوم ) مدح لهم، كأنه قيل : لِيَجزي قوماً - أيَّما قوم، أو قوماً مخصوصين - بالصبر بسبب ما كسبوا في الدنيا من الأعمال الحسنة، التي من جملتها الصبر على إذاية الكفار، والإغضاء عنهم، بكظم الغيظ، واحتمال المكروه، ما يقصر عنه البيان من الثواب العظيم، ويجوز أن يُراد بالقوم : الكفرة، وبما كانوا يكسبون : سيئاتهم، التي من جملتها ما كانوا يؤذون به المسلمين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : مذهب الصوفية : العفو عمن ظلمهم، والإحسان إلى مَن أساء إليهم ؛ لأنهم رحمة للعباد، ومقصدهم بذلك رضا الله، لأن الخلق عيال الله، وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله.
قال اللجائي رضي الله عنه في شمائل الخصوص : قصد السادات بالعفو عمن ظلمهم، ابتغاء مرضاة الله، لا ابتغاء الثواب، فإنه تعالى يحب العفو، وتسمَّى به. ومقصدهم بالعفو أيضاً : قطع العداوة والحِقد عن الظالم، وترك الانتصار منه، بيدٍ أو لسان، استعداداً منهم لسلامة الصدور. ومقصدهم أيضاً : زوال الذِّلة عن الظالم في موقف الحساب، من أجل ما يطالَبُ به من الحقوق، وهو ضرب من الشفقة على العبيد، وهو مقام محمود، فشأنهم رضا الله عنهم إذا حلّ بالعباد في الموقف بلاء، أرادوا أن يكونوا للخلق فداء، فهذا أدنى مقام في العفو. هـ.
وفي الحديث :" إذا جمع الله الخلائقَ يوم القيامة، نادى مناد : أين أهل الفضل، فيقوم ناس، وهم يَسير، فينطلقون إلى الجنة سِراعاً، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون : إنَّا نراكم سراعاً ؟ فيقولون : نحن أهل الفضل، فيقولون : ما فضلُكُم ؟ فيقولون : كنا إذا ظُلِمنا صَبَرْنا، وإذا جُهلَ علينا حَلُمنا، فيقال لهم : ادخلوا الجنة : فنعم أجر العاملين " ١.
قال القشيري بعد كلام : فمَن أراد أن يعرف كيف يحفظ أولياءَه، وكيف يُدمِّر أعداءَه، فليصبرْ على أيامٍ قلائل، ليعلم كيف صارت عواقبُهم، مَن عمل صالحاً فله مَهْناه، ومَن ارتكب سيئة قاسى بلواه، ثم مرجعه إلى مولاه. هـ.

﴿ من عَمِلَ صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ﴾ أي : لها الثواب وعليها العقاب، لا يكاد يسري عمل إلى غير عامله، ﴿ ثم إِلى ربكم تُرجعون ﴾ فيجازيكم على أعمالكم، خيراً كان أو شرّاً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : مذهب الصوفية : العفو عمن ظلمهم، والإحسان إلى مَن أساء إليهم ؛ لأنهم رحمة للعباد، ومقصدهم بذلك رضا الله، لأن الخلق عيال الله، وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله.
قال اللجائي رضي الله عنه في شمائل الخصوص : قصد السادات بالعفو عمن ظلمهم، ابتغاء مرضاة الله، لا ابتغاء الثواب، فإنه تعالى يحب العفو، وتسمَّى به. ومقصدهم بالعفو أيضاً : قطع العداوة والحِقد عن الظالم، وترك الانتصار منه، بيدٍ أو لسان، استعداداً منهم لسلامة الصدور. ومقصدهم أيضاً : زوال الذِّلة عن الظالم في موقف الحساب، من أجل ما يطالَبُ به من الحقوق، وهو ضرب من الشفقة على العبيد، وهو مقام محمود، فشأنهم رضا الله عنهم إذا حلّ بالعباد في الموقف بلاء، أرادوا أن يكونوا للخلق فداء، فهذا أدنى مقام في العفو. هـ.
وفي الحديث :" إذا جمع الله الخلائقَ يوم القيامة، نادى مناد : أين أهل الفضل، فيقوم ناس، وهم يَسير، فينطلقون إلى الجنة سِراعاً، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون : إنَّا نراكم سراعاً ؟ فيقولون : نحن أهل الفضل، فيقولون : ما فضلُكُم ؟ فيقولون : كنا إذا ظُلِمنا صَبَرْنا، وإذا جُهلَ علينا حَلُمنا، فيقال لهم : ادخلوا الجنة : فنعم أجر العاملين " ١.
قال القشيري بعد كلام : فمَن أراد أن يعرف كيف يحفظ أولياءَه، وكيف يُدمِّر أعداءَه، فليصبرْ على أيامٍ قلائل، ليعلم كيف صارت عواقبُهم، مَن عمل صالحاً فله مَهْناه، ومَن ارتكب سيئة قاسى بلواه، ثم مرجعه إلى مولاه. هـ.

ثم ذكر ما من به على بني إسرائيل، بعدما ذكر ما من به على عباده جملة، فقال :
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيا إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمينَ ﴾*﴿ وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُواْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ولقد آتينا بني إِسرائيل الكتابَ والحُكْمَ ﴾ أي : الفصل بين العباد، لأن الملك لم يزل فيهم حتى غيّروا، أو : الحكمة النظرية والعملية والفقه في الدين، ﴿ والنبوة ﴾ حيث كثر فيهم الأنبياء ما لم يكثر في غيرهم. ﴿ ورزقناهم من الطيبات ﴾ ما أحلّ الله لهم من اللذائذ، كالمن والسلوى، وغيره من الأرزاق، ﴿ وفضلناهم على العالَمين ﴾ على عالمي زمانهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كانت بنو إسرائيل في أول أمرها متمسكة بكتاب ربها، عاملة بما شرعت لها أنبياؤها، فرفع الله بذلك قدرها، حتى تحاسدوا، وتهاجروا على الدنيا والرئاسة، فأعقبهم الله ذل الأبد، فهذه سُنَّة الله تعالى في عباده، مَن تمسّك بالكتاب والسنّة، وزهد في الدنيا، وتواضع لعباد الله، رفعه الله وأعزّه، فإذا خرج عن هذا الوصف انعكس حاله إلى أسفل، والعياذ بالله.
﴿ وآتيناهم بيناتٍ من الأمر ﴾ دلائل ظاهرة من أمر الدين، ومعجزات قاهرة. قال ابن عباس : هو العلم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وما بُيّن لهم من أمره، وأنه يُهاجر من تهامة إلى يثرب، ويكون أنصاره أهل يثرب، ﴿ فَما اختلفوا ﴾ في ذلك الأمر ﴿ إِلا من بعد ما جاءهم العلمُ ﴾ بحقيقته وحقيّته، فجعلوا ما يوجب زوال الخلاف موجباً له، ﴿ بغياً بينهم ﴾ أي : عداوة وحسداً، حدث بينهم، لا شك وقع لهم فيه، ﴿ إِن ربك يقضي بينهم يوم القيامة ﴾ بالمؤاخذة والجزاء ﴿ فيما كانوا فيه يختلفون ﴾ من أمر الدين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كانت بنو إسرائيل في أول أمرها متمسكة بكتاب ربها، عاملة بما شرعت لها أنبياؤها، فرفع الله بذلك قدرها، حتى تحاسدوا، وتهاجروا على الدنيا والرئاسة، فأعقبهم الله ذل الأبد، فهذه سُنَّة الله تعالى في عباده، مَن تمسّك بالكتاب والسنّة، وزهد في الدنيا، وتواضع لعباد الله، رفعه الله وأعزّه، فإذا خرج عن هذا الوصف انعكس حاله إلى أسفل، والعياذ بالله.
ولما ذكر شريعة موسى أعقبه بشريعة نبينا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فقال :
﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾*﴿ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾*﴿ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ثم جعلناك ﴾ يا محمد بعد اختلاف أهل الكتاب، ﴿ على شريعةٍ ﴾ على طريقة عظيمة الشأن، ومنهاج واضح ﴿ من الأمر ﴾ الدين، وأصل الشريعة في اللغة : مورد الماء، أي : الطريق الموصلة إليه، ثم جعل للطريق الموصلة إلى حياة القلوب والأرواح ؛ لأن الماء به حياة الأشباح، ﴿ فاتّبِعْها ﴾ بإجراء أحكامها في نفسك وفي غيرك، من غير إخلال بشيء منها. قال ابن عرفة : الخطاب له عليه السلام، والمراد غيره ؛ لأنه معلوم الاتباع التام، أو : دم على اتباعها. ه.
﴿ ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ﴾ أي : لا تتبع آراء الجهلة واعتقاداتهم الزائغة التابعة للشهوات، وهم رؤساء قريش، كانوا يقولون له صلى الله عليه وسلم : ارجع إلى دين آبائك.
ا٢٠
﴿ إنهم لن يُغنوا عنك من الله شيئاً ﴾ مما أراد بك إن اتبعتهم، أي : لن ينفعوك بدفع ما ينزل بك بدلاً من الله شيئاً إن اتبعت أهواءهم، ﴿ وإِنَّ الظالمين بعضُهم أولياءُ بعضٍ ﴾ فلا يُواليهم ولا يتبع أهواءهم إلا مَن كان ظالماً مثلهم، ﴿ والله وليّ المتقين ﴾ أي : ناصر المتقين، الذين أنت قدوتهم، فدمْ على ما أنت عليه من توليته خاصةً، والإعراض عما سواه بالكلية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الشريعة لها ظاهر وباطن، وهو لُبها وخالصها، فالعامة أخذوا بظاهرها، فأخذوا بكل ما يُبيحه ظاهر الشريعة من الرخص والسهولة، ولا نظر عندهم لقلوبهم من النقص والزيادة، والخاصة أخذوا بباطنها، فأخذوا منها بالمُهم، وتركوا كل ما يَفتنهم أو ينقص من نور إيقانهم، فوصلوا بذلك إلى حضرة ربهم، فيقال للمريد : ثم جعلناك على طريقة واضحة من أمر الخاصة، فاتبعها، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ما يزيد في قلوبهم وما ينقص. إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً إن أبعدك بميلك إليهم واتباع أغراضهم.
قال القشيري :﴿ إنهم لن يُغنوا عنك من الله شيئاً ﴾ إن أراد بك نعمة، فلا يمنعُها أحد، وإن أراد بك فتنة فلا يصرفها عنك أحد، فلا تُعلِّقْ بمخلوقٍ فكرك، ولا توجه ضميرك إلى شيء، وثِقْ به، وتوكلْ عليه. هـ. وأهل الغفلة بعضهم أولياء بعض، يتوالون على حظوظ الدنيا وشهواتها، ﴿ والله وليُّ المتقين ﴾ الذي اتقوا كل ما يشغل عن الله، ﴿ هذا بصائر للناس ﴾ أي : سبب فتح بصائرهم، ﴿ وهُدى ﴾ أي : إشارة لطريق الوصول، ورحمة للأرواح والقلوب، لقوم يوقنون، أي : لأهل اليقين الكبير.
قال القشيري :﴿ هذا بصائرُ للناس ﴾ أنوار البصيرة إذا تلألأت انكشفت دونهما تهمةُ التجويز، ونظرُ الناس على مراتب، مَن نظر بنور نجومه، فهو صاحب عقل، ومَن نظر بنور فراسته فهو صاحب ظن، يُقَوِّيه لوْح، لكنه من وراء ستر، ومَن نظر بيقين فهو على تحكُّم برهان، ومَن نظر بعين إيمان فهو بوصف اتباع، ومَن نظر بنور بصيرة، فهو على نهار، وشمسه طالعة، وشمسه عن السحاب مصحية. هـ.

﴿ هذا بصائرُ للناس ﴾ أي : هذا القرآن واتباع الشريعة بصائر لقلوب الناس، كما جُعل روحاً وحياة لها، فإنَّ مَن تمسك بالكتاب والسنّة، وأمعن فيها النظر، وعمل بمقتضاهما، فُتحت بصيرته، وحيي قلبُه، ﴿ وهُدىً ﴾ من الضلالة ﴿ ورحمةٌ ﴾ من العذاب ﴿ لقوم يوقنون ﴾ لمَن كَمُلَ إيمانه وإيقانه بالأمور الغيبية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الشريعة لها ظاهر وباطن، وهو لُبها وخالصها، فالعامة أخذوا بظاهرها، فأخذوا بكل ما يُبيحه ظاهر الشريعة من الرخص والسهولة، ولا نظر عندهم لقلوبهم من النقص والزيادة، والخاصة أخذوا بباطنها، فأخذوا منها بالمُهم، وتركوا كل ما يَفتنهم أو ينقص من نور إيقانهم، فوصلوا بذلك إلى حضرة ربهم، فيقال للمريد : ثم جعلناك على طريقة واضحة من أمر الخاصة، فاتبعها، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ما يزيد في قلوبهم وما ينقص. إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً إن أبعدك بميلك إليهم واتباع أغراضهم.
قال القشيري :﴿ إنهم لن يُغنوا عنك من الله شيئاً ﴾ إن أراد بك نعمة، فلا يمنعُها أحد، وإن أراد بك فتنة فلا يصرفها عنك أحد، فلا تُعلِّقْ بمخلوقٍ فكرك، ولا توجه ضميرك إلى شيء، وثِقْ به، وتوكلْ عليه. هـ. وأهل الغفلة بعضهم أولياء بعض، يتوالون على حظوظ الدنيا وشهواتها، ﴿ والله وليُّ المتقين ﴾ الذي اتقوا كل ما يشغل عن الله، ﴿ هذا بصائر للناس ﴾ أي : سبب فتح بصائرهم، ﴿ وهُدى ﴾ أي : إشارة لطريق الوصول، ورحمة للأرواح والقلوب، لقوم يوقنون، أي : لأهل اليقين الكبير.
قال القشيري :﴿ هذا بصائرُ للناس ﴾ أنوار البصيرة إذا تلألأت انكشفت دونهما تهمةُ التجويز، ونظرُ الناس على مراتب، مَن نظر بنور نجومه، فهو صاحب عقل، ومَن نظر بنور فراسته فهو صاحب ظن، يُقَوِّيه لوْح، لكنه من وراء ستر، ومَن نظر بيقين فهو على تحكُّم برهان، ومَن نظر بعين إيمان فهو بوصف اتباع، ومَن نظر بنور بصيرة، فهو على نهار، وشمسه طالعة، وشمسه عن السحاب مصحية. هـ.

ثم بين حال من لا يرجو أيام الله ومن يرجوه، فقال :
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾*﴿ وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾.
قلت :﴿ أم ﴾ : منقطعة، والهمزة لإنكار الحسبان، مَن قرأ " سواء " بالرفع ؛ فخبر مقدّم، و﴿ محياهم ﴾ : مبتدأ، ومَن قرأ بالنصب ؛ فحال من ضمير الظرف، أي : كائنين كالذين آمنوا، حال كونهم مستوياً محياهم ومماتهم، و " محياهم " - حينئذ - فاعل بسواء، وقرأ الأعمش :" ومماتهم " بالنصب على الظرفية.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ أم حَسِبَ الذين اجْتَرحوا ﴾ اكتسبوا ﴿ السيئات ﴾ من الكفر والمعاصي، وسميت الأعضاء جوارح ؛ لاكتسابها الخير والشر، ويقال : فلان جارحة أهله ؛ أي : كاسبهم، أي : أظنُّوا أن نصيِّرهم ﴿ كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾ وهم فيما هم فيه من محاسن الأعمال، ونعاملهم معاملتهم في رفع الدرجات، أي : حتى يكونوا ﴿ سواءً ﴾ في ﴿ محياهم ومماتهم ﴾ كلاَّ، بل نجعل أهل الإيمان في محياهم ومماتهم متنعمين بطاعة مولاهم، مطمئنين به، يَحيون حياة طيبة، ويموتون موتة حسنة، وفي مماتهم مكرمين بلقاء مولاهم، في روح وريحان، وجنات نعيم، ونجعل أهل الكفر والعصيان في محياهم في ذُلّ المعصية، وكد الحرص وكدر العيش، وفي الممات في ضيق العذاب الخالد، ﴿ ساء ما يحكمون ﴾ أي : ساء حكمهم هذا، أو : بئس شيئاً حكموا به.
قال النسفي : والمعنى إنكار أن يستوي المسيئون والمحسنون محياً ومماتاً ؛ لافتراق أحوالهم أحياء، حيث عاش هؤلاء على القيام بالطاعات، وأولئك على اقتراف السيئات، ومماتاً حيث مات هؤلاء على البشرى بالرحمة والكرامة، وأولئك على اليأس من الرحمة والندامة. وقيل : معناه : إنكار أن يستووا في الممات، كما استووا في الحياة في الرزق والصحة. ساء ما يحكمون، فليس مَن أُقْعِدَ على بساط الموافقة، كمَن أُبعد في مقام المخالفة، بل نفرّق بينهم، فنعلي المؤمنين، ونخزي الكافرين. ه.
وسبب نزول الآية : افتخار وقع للكفار على المؤمنين، قالوا : لئن كانت آخرة كما تزعمون لنفضلن فيها كما فضلنا في الدنيا، فردّ الله عليهم، وأبطل أمنيتهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أم حَسِبَ الذين ماتوا على دنس الإصرار، أن نجعلهم كالمطهرين الأبرار، أم حسب الذين عاشوا في البطالة والتقصير أن نجعلهم كالذين عاشوا في الجد والتشمير ؟ " أم حَسِبَ الذين عاشوا في غم الحجاب، وصاروا إلى سوء الحساب، أن نجعلهم كالذين تهذّبوا حتى ارتفع عنهم الحجاب، وصاروا إلى غاية الكرامة والاقتراب ؟ لا استواء بينهم في المحيا ولا في الممات، الأولون عاشوا معيشة ضنكاً، وصاروا بعد الموت إلى الندامة والحسرة، والآخرون عاشوا عيشة راضية، وماتوا موتة طيبة، وصاروا إلى كرامة أبدية، ولهذا بكت الأكابرُ عند قراءتها، فَرُويَ عن تميم الداري : أنه كان يُصلي ليلة عند المقام، فبلغ هذه الآية، فجعل يبكي ويرددها إلى الصباح. وعن الفُضيل : أنه بلغها، فجعل يبكي، ويقول : يا فضيل ! ليت شعري من أيّ الفريقين أنت ؟ وعن الربيع بن خيثم : أنه قام يصلي ليلة، فمرّ بهذه الآية، فمكث ليلةً حتى أصبح يبكي بكاءً شديداً، وكانت تُسمى مَبْكاة العابدين.
﴿ وخلق اللّهُ السماوات والأرض بالحق ﴾ لتدل على قدرته على البعث وغيره، قال البيضاوي : كأنه دليل على الحُكم السابق، من حيث إن خلق ذلك بالحق المقتضي للعدل، يقتضي انتصار المظلوم من الظالم، والتفاوت بين المحسن والمسيء، إذا لم يكن في المحيا كان بعد الممات. ه. ﴿ ولتُجزى كلُّ نفسٍ بما كَسَبَتْ ﴾ عطف على هذه العلة المحذوفة، أي : لتدل ولتُجزى، أو على " بالحق " لأن فيه معنى التعليل ؛ إذ معناه : خلقها مقرونة بالحكمة والصواب، دون العبث ولتُجزى. . . الخ، أو : ليعدل وتُجزى كل نفس بما كسبت، ﴿ وهم ﴾ أي : النفوس، المدلول عليها بكل نفس ﴿ لا يُظلمون ﴾ بنقص الثواب أو زيادة عقاب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أم حَسِبَ الذين ماتوا على دنس الإصرار، أن نجعلهم كالمطهرين الأبرار، أم حسب الذين عاشوا في البطالة والتقصير أن نجعلهم كالذين عاشوا في الجد والتشمير ؟ " أم حَسِبَ الذين عاشوا في غم الحجاب، وصاروا إلى سوء الحساب، أن نجعلهم كالذين تهذّبوا حتى ارتفع عنهم الحجاب، وصاروا إلى غاية الكرامة والاقتراب ؟ لا استواء بينهم في المحيا ولا في الممات، الأولون عاشوا معيشة ضنكاً، وصاروا بعد الموت إلى الندامة والحسرة، والآخرون عاشوا عيشة راضية، وماتوا موتة طيبة، وصاروا إلى كرامة أبدية، ولهذا بكت الأكابرُ عند قراءتها، فَرُويَ عن تميم الداري : أنه كان يُصلي ليلة عند المقام، فبلغ هذه الآية، فجعل يبكي ويرددها إلى الصباح. وعن الفُضيل : أنه بلغها، فجعل يبكي، ويقول : يا فضيل ! ليت شعري من أيّ الفريقين أنت ؟ وعن الربيع بن خيثم : أنه قام يصلي ليلة، فمرّ بهذه الآية، فمكث ليلةً حتى أصبح يبكي بكاءً شديداً، وكانت تُسمى مَبْكاة العابدين.
وسبب تسوية العاصي مع المطيع الانهماك في الهوى، كما أبان ذلك الحق تعالى بقوله :
﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ أفرأيتَ مَن اتخذ إِلهَهُ هواه ﴾ أي : أباح لنفسه كل ما تهواه، سواء كان مباحاً أو غير مباح، فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه، وإليه أشار في المباحث بقوله :
ومَن أباح النفس ما تهواه *** فإنما معبوده هواه
فالآية وإن نزلت في هوى الكفر ؛ فهي متناولة لكل هوى النفس الأمَّارة، قال ابن جبير : نزلت في قريش والعرب، كانوا يعبدون الحجارة والذهب والفضة، فإذا وجدوا شيئاً أحسن أَلْقَوه وعبدوا غيره. ه. ومتابعة الهوى كلها مذمومة، فإن كان ما هوته مُحرّماً أفضى بصاحبه إلى العقاب، وإن كان مباحاً بقي صاحبه في غم الحجاب وسوء الحساب، وأسْرِ نفسه وكدِّ طبعه. وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم :" ما عُبد تحت السماء أبغض إلى الله تعالى من هوى " ١، وقال صلى الله عليه وسلم :" ثلاثٌ مهلكات ؛ شحٌّ مطاع، وهوىً متبع، وإعجابُ المرء بنفسه " ٢ وقال أيضاً :" الكيِّسُ مَن دان نفسه، وعَمِلَ لما بعد الموت، والعاجز مَن أَتبع نفسَه هواها، وتمنَّى على الله " ٣، وسيأتي في الإشارة تمامه.
ثم قال تعالى :﴿ وأضلَّه اللّهُ على علم ﴾ أي : خذله على علم منه، باختياره الضلالة، أي : عالماً بضلاله، وتبديله لفطرة الله التي فطر الناس عليها. وقيل : نزلت في أمية بن أبي الصلت، وكان عنده علم بالكتب المتقدمة، فكان ينتظر بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما ظهر، قال : ما كنتُ لأومن لرسول ليس من ثقيف، وأشعاره محشوة بالتوحيد، ولكن سبق له الشقاء، فلم يؤمن، وختم على سمعه فلا يقبل وعظاً، وقلبه فلا يعتقد حقاً أي : لا يتأثر بالمواعظ، ولا يتفّكر في الآيات والنُذر. ﴿ وجَعَلَ على بصره غشاوةً ﴾ أي : ظلمة مانعة من الاعتبار والاستبصار، ﴿ فمَن يهديه من بعدِ الله ﴾ من بعد إضلال الله إياه ؟ ﴿ أفلا تَذَكَّرون ﴾ أفلا تتعظون، فتُسلمون الأمور إلى مولاها، يُضل مَن يشاء ويهدي مَن يشاء.
الإشارة : حقيقة الهوى كل ما تعشقه النفس، وتميل إليه من الحظوظ العاجلة، ويجري ذلك في المآكل، والمشارب، والملابس، والمناكح، والجاه، ورفع المنزلة، فليجاهد العبد نفسه في ترك ذلك كله، حتى لا تحب إلا ما هو طاعة يقرب إلى الله، كما قال صلى الله عليه وسلم :" لا يؤمنُ أحدكُم حتى يكون هواه تابعاً لما جئتُ به " ٤ فإن كان في طريق الإرادة والتربية ترك كل ما تميل إليه نفسه وتسكن إليه، ولو كان طاعة، كما قال البوصيري رضي الله عنه :
ورَاعِها وهي في الأعمالِ سائمة *** وإن هي استحْلت المرعى فلا تُسِمِ
فإنَّ حلاوة الطاعة سموم قاتلة، يمنع الوقوف معها من الترقي إلى حلاوة الشهود ولذة المعرفة، وكذلك الركون إلى الكرامات، والوقوف مع المقامات، كلها أهوية تمنع مما هو أعلى منها ؛ من مقام العيان، فلا يزل المريد يُجاهد نفسه، ويرحلها عن هذه الحظوظ، حتى تتمحّض محبتها في الحق تعالى، فلا يشتهي إلا شهود ذاته الأقدس، أو ما يقضيه عليه، فإذا ظهر بهذا المقام لم تبقَ له مجاهدة ولا رياضة، وكان ملكاً حرّاً، فيقال له حينئذ :
لك الدهر طوع، والأنام عبيد *** فعش، كل يوم من أيامك عيد
وطريق السير في هذا أن يُساس نفسه شيئاً فشيئاً، يمنعها من المكروهات، ثم من المباحات شيئاً فشيئاً، حتى تستأنس، يترك شهوة ثم أخرى، وهكذا، وأما لو منعها الكل دفعة واحدة فربما تمل وتسقط، وقد قال عليه الصلاة والسلام :" لا يكن أحدكم كالمُنبت، لا أرضاً قَطَع، ولا ظهراً أبقى " ٥. وإلى هذا أشار في المباحث، حيث قال :
واحتلْ على النفس فرب حيلهْ *** أنفع في النصرة من قبيلهْ
وأعظم الحظوظ حُب الجاه والتقدُّم، فلا يسامحها المريد في شيء من ذلك قط، ولينزل بها إلى الخمول والسفليات، وأما شهوة البطن والفرج، فما تشوّفت إليه النفس من ذلك فليمنعها منها كليّاً، وما أتاها من غير حرص ولا تشوُّف فليأخذ منه قدر الحاجة، مع الشكر عليه، هكذا يسير حتى يتحقق وصوله، ويتمكن من معرفة الحق، وحينئذ فلا كلام معه، كما تقدّم، ولا بد من صُحبة شيخ عارف كامل، يلقيه زمام نفسه، فيحمله بهمته، وإلا فلا طاقة على مجاهدتها أصلاً، وجَرّب ففي التجريب علم الحقائق.
قال القشيري : مَن لم يَسْلك سبيلَ الاتباع، ولم يستوفِ أحكام الرياضة، ولم ينسلخ عن هواه بالكلية، ولم يؤدبه إمامٌ مُقتدًى به، فهو ينحرفُ في كل وَهْدةٍ، ويهيمُ في كل ضلالة، ويضلُّ في كل فجٍّ، خسرانه أكثر من ربحه، ونقصانه أوفر من رجحانه، أولئك في ضلال بعيد، زِمامُهم بيد هواهم، أولئك أهل المكر، استُدرِجُوا وما يشعرون. ه. وفي الحِكَم :" لا يخاف أن تلتبس الطرق عليك، وإنما يخاف من غلبة الهوى عليك ". فمَن غَلَبَه الهوى غَلَبَه الوجود بأسره، وتصرّف فيه، أحبّ أم كَرِهَ، ومَن غلب هواه غلب الوجودَ بأسره، وتصرّف فيه بهمته كيف شاء.
حكي عن أبي عمران الواسطي، قال : انكسرت بنا السفينة، فبقيت أنا وامرأتي على ألواح، وقد وَلَدَتْ في تلك الليلة صبية، فصاحت بي، وقالت : يقتلني العطش، فقلت : هو ذا يرى حالنا، فرفعتُ رأسي، فإذا رجل جالس في يده سلسلة من ذهب، فيها كوز من ياقوت أحمر، فقال : هاك اشربا، فأخذتُ الكوز، فشربنا، فإذا هو أطيب من المسك، وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، فقلتُ : مَن أنتَ ؟ فقال : أنا عبد لمولاك، فقلت : بِمَ وصلتَ إلى هذا ؟ فقال : تركت هواي لمرضاته، فأجلسني في الهواء، ثم غاب ولم أره. ه. وقال سهل رضي الله عنه : هواك داؤك، فإن خالفته فدواؤك، وقال وهب : إذا عرض لك أمران وشككت في خيرهما، فانظر أبعدهما من هواك فأته. ومثله في الحِكَم :" إذا التبس عليك أمران، فانظر أثقلهما على النفس، فاتبعه، فإنه لا يَثْقُل عليها إلا ما كان حقاً ". فالعز كله في مخالفة الهوى، والذل والهوان كله في متابعة الهوى، فَنُونُ الهوان سُرقت من الهوى، كما قال الشاعر :
نونُ الهوانِ من الهوَى مسروقةٌ *** وأسيرُ كل هوى أسير هوان
وقال آخر :
إن الهوَى لهو الهوانُ بعينه *** فإذا هوَيْتَ فقد لَقِيتَ هَوانَا
وإذا هَوِيتَ فقد تعبَّدكَ الهوَى *** فاخضعْ لحِبّك كائناً مَنْ كانا
وقال ابن المبارك٦ :
ومن البلاءِ للبلاءِ علامةٌ *** ألاّ يُرى لك عن هَوَاكَ نُزُوعُ
العبدُ أعنَى النفسَ في شهواتها *** والحرُّ يَشبَعُ تارةً ويجوعُ
ولابن دُريد :
إذا طالبتك النفسُ يوماً بشهوةٍ *** وكان إليها للخلافِ طريقُ
فدعْها وخالِفْ ما هويتَ فإنما *** هَواك عدوٌ والخلاف صديقُ
وقال أبو عُبيد الطوسي :
والنفس إن أعطيتها مُنَاها *** فاغِرَةٌ نحوَ هواها فَاهَا
هذا، وللآية إشارة أخرى، رُويت عن بعض مشايخنا، قال : يمكن أن تكون الآية مدحاً، يقول تعالى :﴿ أفرأيت من اتخذ إلهه ﴾ وهو الله تعالى، ومحبوبَه وهواه، لا يهوى معه غيره، وأضله الله، في محبته، على علم منه بالله، وختم على سمعه وقلبه وبمحبته، فلا يسمع إلا منه، ولا يُحب غيره، وجعل على بصره غشاوة، فلا يرى سواه، فمَن يهديه هذه الهداية العظمى من بعد الله، وهذا يُسلّم في طريق الإشارة، لأنها خارجة عن سياق العبارة، وللقرآن أسرار باطنة، يعرفها أهل الباطن فقط، فسلِّم تَسْلَمْ.
١ أخرجه القرطبي في تفسيره ٧/٦١٧٣..
٢ أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ٢/٢٤٣..
٣ أخرجه الترمذي في صفة القيامة حديث ٢٤٥٩ وابن ماجه في الزهد حديث ٤٢٦٠، وأحمد في المسند ٤/١٢٤..
٤ أخرجه البغوي في شرح السنة ٢١٣، والبغدادي في تاريخ بغداد ٤/٣٦٩..
٥ أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٣/١٨..
٦ البيتان لعبد الله بن المبارك في ديوانه ص ٨٢، ولعلي بن أبي طالب في ديوانه ص١٢٢..
ثم ذكر مقالة أهل الأهواء والضلال، فقال :
﴿ وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ﴾*﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائْتُواْ بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وقالوا ﴾ من غاية غيهم وضلالهم :﴿ ما هيَ ﴾ أي : ما الحياة ؛ لأنهم وُعِدُوا حياة ثانية، ﴿ إِلا حياتُنا الدنيا ﴾ التي نحن فيها، ﴿ نموت ونحيا ﴾ أي : يُصيبنا الموت والحياة فيها، وليس وراء ذلك حياة، أو : نموت بأنفسنا ونحيا ببقاء أولادنا، أو : يموت بعض ويحيا بعض، أو : نكون مواتاً نطفاً في الأصلاب، ونحيا بعد ذلك. وقيل : هذا كلام مَن يقول بالتناسخ، فإنه عقيدة أكثر عبدة الأوثان، أي : يموت الرجل، ثم تجعل روحه في شبح آخر، فيحيا به، وهو باطل عند أهل الإسلام، ثم قالوا :﴿ وما يُهلكنا إِلا الدهرُ ﴾ إلا مرور الزمان وهو في الأصل : مدة بقاء العالم، من : دهَرهُ : إذا غَلَبه، وكانوا يزعمون أن مرور الزمان بالليالي والأيام هو المؤثِّر في هلاك الأنفس، وينكرون ملك الموت، وقبضه الأرواحَ بأمر الله تعالى، وكانوا يُضيفون كلَّ حادثة تحدثُ إلى الدهر والزمان، كما قال شاعرهم :
أَشَابَ الصغيرَ وأفنى الكبيرَ كَرُّ الغداة ومرُّ العشيِّ
ومنه قول تُبع الأكبر، أو غيره :
منع البقاءَ تَغرُّبُ الشمس وطلوعها من حيث لا تمسي
وطلوعُها بيضاءَ صافيةً وغروبُها صفراءَ كالورْسِ
تجري على كبِد السماء كما يجري حِمام الموت بالنفْسِ
اليومَ أعلم ما يجيء به ومضى بفصل قضائه أمسِ
فإن كان تُبَّعاً المتقدم ؛ فنسبة الفعل إلى الدهر مجاز، كما سيأتي، وعقيدة الموحدين ألاَّ فاعل إلا الله، فالدهر مُسخّر بأمر الله وقدرته، بل هو من أسرار الله وأنوار صفاته، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم :" لا تسبُّوا الدهر، فإن الله هو الدهر " ١ وقال صلى الله عليه وسلم :" قال الله تعالى : يُؤذيني ابنُ آدم، يَسُبُّ الدَّهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أُقلّب الليلَ والنهارَ " ٢ فالأمور كلها بيد الله، والدهر إنما هو مظهر لعجائب القدرة، كما قال أبو علي الثقفي رضي الله عنه :
يا عاتبَ الدهر إذا نابَه لا تَلُمِ الدهرَ على غَدْرِهِ
الدهرُ مأمورٌ له آمر قد انتهى الدهر إلى أمره
كم كافر أمواله جَمَّةٌ تزداد أضعافاً على كفرِهِ ؟
ومؤمنٍ ليس له دِرهمٌ يزداد إيماناً على فقرهِ ؟
وقد ينسب أهل التوحيد الفعلَ إلى الدهر مجازاً، تغزُّلاً، في أشعارهم، كما قال عبد الملك بن مروان، حين ضعف حالُه :
فاستأثر الدهر الغداة بهم والدهر يرميني وما أَرْمي
يا دهر قد أكثرت فَجعتنا بِسَراتنا وقرت في العَظْمِ
وتركتنا لحماً على وَضَمٍ لو كنت تستبقي من اللحم ! !
وسلبتنا ما لستَ تُعقبنا يا دهرُ ما أنصفتَ في الحُكمِ ! !
قال تعالى :﴿ وما لهم بذلك من علم ﴾ أي : ليس لهم بما ذكر من اقتصار الحياة على ما في الدنيا، وإسناد التأثير إلى الدهر، ﴿ من علم ﴾ يستند إلى عقل ولا نقل، ﴿ إِن هم إِلا يظنون ﴾ ما هم إلا قوم قصارى أمرهم الظن والتقليد، هذا معتقدهم الفاسد في أنفسهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري :﴿ وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا... ﴾ الآية، اغترُّوا بما وجدوا عليه خَلَفَهم، وأَرْخوا في البهيمية عَنَانهم وعُمْرَهم، وأغفوا عن ذكر الفكرة قلوبَهم، فلا بالعلم استبصروا، ولا من الحقائق استمدوا، رأسُ مالهم الظن، وهم غافلون، وإذا تتلى عليهم الآيات طلبوا إحياء موتاهم، وسوف يرون ما استبعدوا. هـ.

١ أخرجه مسلم في الأدب حديث ٥..
٢ أخرجه البخاري في تفسير سورة ٤٥، حديث ٢٦٨٤، ومسلم في الأدب حديث ٢..
﴿ وإِذا تُتلى عليهم آياتنا ﴾ الناطقة بالحق، الذي من جملته البعث، ﴿ بيناتٍ ﴾ واضحات الدلالة على ما نطقت به، أو مبينات له، ﴿ ما كان حُجَّتَهم ﴾ ما كان متمسكاً لهم شيء من الأشياء، ﴿ إِلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إِن كنتم صادقين ﴾ في أنَّا نُبعث بعد الموت أي : لا شبهة لهم إلا هذا القول الباطل، الذي يستحيل أن يكون من قبيل الحُجة، أي : ليس لهم حُجة إلا العناد والاستبعاد. وتسميته حُجة إما لسوقهم إياه مساق الحُجة في زعمهم، أو تهكماً بهم، كقول القائل :" تحية بينهم ضرب وجيع ". قال ابن عرفة :﴿ وإذا تتلى عليهم. . . ﴾ الآية، أي : إنهم مع كونهم ظانين فَهُم بحيث لو استدل لهم لما ازدادوا إلا ضلالاً، وقد تقرّر في علم الجدل أن المصمم على الشيء يصعب نقله عنه، بخلاف الظان والشك، فأتت هذه الآية نفياً لما يتوهم في هؤلاء أنهم حيث لا يقين عندهم يسهل رجوعهم، حين تظهر الحجة. ه. ومَن نَصَبَ " حجتهم " فخبر كان، ومَن رفعه فاسمها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري :﴿ وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا... ﴾ الآية، اغترُّوا بما وجدوا عليه خَلَفَهم، وأَرْخوا في البهيمية عَنَانهم وعُمْرَهم، وأغفوا عن ذكر الفكرة قلوبَهم، فلا بالعلم استبصروا، ولا من الحقائق استمدوا، رأسُ مالهم الظن، وهم غافلون، وإذا تتلى عليهم الآيات طلبوا إحياء موتاهم، وسوف يرون ما استبعدوا. هـ.
ثم قرر البعث الذي أنكروه، فقال :
﴿ قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾*﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ﴾*﴿ وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾*﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾*﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴾*﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ ﴾*﴿ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ﴾.
قلت :﴿ ويوم ﴾ : منصوب بيَخْسَر، و " يومئذٍ " بدل منه، و " كل أُمةٍ تُدْعَى " : مبتدأ وخبر، ومن نصب فبدل من " كل أمة "، ﴿ والساعة لا ريب فيها ﴾ ؛ مَن رفعها فمبتدأ، ومَن نصبها فعطف على ﴿ وعد الله ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ قل الله يُحييكم ﴾ في الدنيا ﴿ ثم يُميتكم ﴾ عند انقضاء أعماركم، لا كما تزعمون من أنكم تحيون وتموتون بحكم الدهر، ﴿ ثم يجمعكم ﴾ بعد الموت ﴿ إِلى يوم القيامة ﴾ للجزاء، ﴿ لا ريبَ فيه ﴾ أي : في جمعكم ؛ فإنّ مَن قدر على البدء قدر على الإعادة، والحكمة اقتضت الجمع للجزاء لا محالة، وتأخيره ليوم معلوم، والردّ لآبائهم كما اقترحوا، حيث كان مزاحماً للحكمة التشريعية، امتنع إيقاعه لرفع الإيمان بالغيب حينئذ، ﴿ ولكنَّ أكثرَ الناس لا يعلمون ﴾ قدرة الله على البعث، وحكمة إمهاله، لإعراضهم عن التفكُّر بالانهماك في الغفلة، وهو استدراك من قوله :﴿ لا ريب ﴾ إما من تمام الكلام المأمور به، أو مستأنف من جهته تعالى، تحقيقاً للحق، وتنبيهاً على أن ارتيابهم إنما هو لجهلهم وتقصيرهم في التفكُّر والنظر، لا لأن فيه شائبة ريبٍ ما.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قل الله يُحييكم الحياةَ الفانية، ثم يُميتكم عن حظوظكم، وعن شهود وجودكم، ثم يجمعكم به إلى يوم القيامة، لا يعزلكم عن رؤيته أبداً، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن هذا يقع في الدنيا، مع أن المُلك لله يتصرف فيه كيف شاء، يُوصِّل مَن أراد، ويُبعد مَن شاء. ويوم تقوم الساعة يخسر الباطلون والمبطلون، ويفوز المجتهدون والواصلون. وترى كُلَّ أمة جاثية من هيبة المتجلِّي باسمه القهّار، وهذه القهرية - نعم - لا ينجو منها خاص ولا عام ؛ لأن الطبع البشري يثبت عند صدمات الجلال. وقوله تعالى :﴿ كل أمة تُدعى إلى كتابها ﴾ هو أيضاً عام، فيستبشر المجتهدون، ويحزن البطالون، ولا يظلم ربك أحداً، فاليوم يوم عمل، وغداً يوم جزاء، فأهل الإيقان يفوزون بغاية النعيم والرضوان، وأهل الشك يخلدون في الخسران، فيظهر لهم ما لم يكونوا يحتسبون، كما قال :﴿ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾*﴿ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ﴾*﴿ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ ﴾*﴿ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾*﴿ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعِزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.
﴿ ولله ملكُ السماوات والأرض ﴾ أي : له التصرُّف فيهما وفيما بينهما، وهو بيان لاختصاص الملك المطلق بالله، إثر بيان تصرفه تعالى في الناس بالإحياء والإماتة، والبعث والجمع والجزاء، وكأنه دليل لِما قبله، ﴿ ويوم تقوم الساعةُ يومئذ يَخْسَرُ المبطلون ﴾ الداخلون في الباطل، وهو الكفر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قل الله يُحييكم الحياةَ الفانية، ثم يُميتكم عن حظوظكم، وعن شهود وجودكم، ثم يجمعكم به إلى يوم القيامة، لا يعزلكم عن رؤيته أبداً، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن هذا يقع في الدنيا، مع أن المُلك لله يتصرف فيه كيف شاء، يُوصِّل مَن أراد، ويُبعد مَن شاء. ويوم تقوم الساعة يخسر الباطلون والمبطلون، ويفوز المجتهدون والواصلون. وترى كُلَّ أمة جاثية من هيبة المتجلِّي باسمه القهّار، وهذه القهرية - نعم - لا ينجو منها خاص ولا عام ؛ لأن الطبع البشري يثبت عند صدمات الجلال. وقوله تعالى :﴿ كل أمة تُدعى إلى كتابها ﴾ هو أيضاً عام، فيستبشر المجتهدون، ويحزن البطالون، ولا يظلم ربك أحداً، فاليوم يوم عمل، وغداً يوم جزاء، فأهل الإيقان يفوزون بغاية النعيم والرضوان، وأهل الشك يخلدون في الخسران، فيظهر لهم ما لم يكونوا يحتسبون، كما قال :﴿ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾*﴿ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ﴾*﴿ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ ﴾*﴿ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾*﴿ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعِزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.
﴿ وترى كُلَّ أمةٍ ﴾ من الأمم المجموعة ﴿ جاثيةً ﴾ باركة على الركب، مستوفزة من هول ذلك اليوم، يقال : جثا فلان يجثو : إذا جلس على ركبتيه، قال سلمان رضي الله عنه : في القيامة ساعة هي عشر سنين، يخرّ الناسُ فيها جثاةً على ركبهم، حتى إن إبراهيم ينادي : نفسي نفسي. ه. ورُوي : أن جهنم حين يؤمر بها أن تُساق إلى الموقف، تنفلت من أيدي الزبانية، حتى تهم أن تأتي على أهل الموقف جميعاً، وتزفر زفرة تذهب بحاسة الآذان، فيجثو الكل على الركب، حتى المرسلين، وكل واحد يقول : نفسي نفسي، لا أسألك اليوم غيرها، ونبينا عليه الصلاة والسلام يقول :" أمتي أمتي ". نقله الغزالي، وعن ابن عباس : جاثية، مجتمعة، وقيل : جماعات، من : الجثوة، وهي الجماعة.
﴿ كُلُّ أمةٍ تُدْعَى إِلى كتابها ﴾ صحيفة أعمالها، والمراد الجنس، أي : صحائف أعمالها، ﴿ اليوم تُجْزَون ما كنتم تعملون ﴾ في الدنيا، ثم يُقال لهم :﴿ هذا كِتَابُنا ﴾.
﴿ هذا كِتَابُنا ﴾ أضيف الكتاب إليهم أولاً ؛ لملابسته إياهم، لأن أعمالهم مثبتة فيه، وإلى الله ثانياً ؛ لأنه مالكه، والآمِرُ للملائكة بكَتْبِه.
﴿ هذا كِتَابُنا ﴾ أضيف الكتاب إليهم أولاً ؛ لملابسته إياهم، لأن أعمالهم مثبتة فيه، وإلى الله ثانياً ؛ لأنه مالكه، والآمِرُ للملائكة بكَتْبِه.
وأضيف لنون العظمة تفخيماً لشأنه، وتهويلاً لأمره، ﴿ ينطق عليكم بالحق ﴾ يشهد عليكم ملتبساً بالحق، من غير زيادة ولا نقصان، ﴿ إِنا كنا نَسْتنسخ ﴾ أي : نستكتب ونطلب نسخ ﴿ ما كنتم تعملون ﴾ في الدنيا، من الأعمال، حسنة أو سيئة، وقال ابن عزيز : نستنسخ : نثبت، ويقال : نستنسخ : نأخذ نسخته، وذلك أن الملكين يرفعان عمل الإنسان، صغيره وكبيره، فيثبت الله منه ما كان له ثواب أو عقاب، ويطرح منه اللغو، وروي عن ابن عباس وغيره حديثاً :" أن الله يأمر بعرض أعمال العباد كل يوم خميس، فينقل من الصحف التي ترفع الحفظة، كل ما هو مُعَدّ أن يكون له ثواب وعقاب، ويلقي الباقي، فهذا هو النسخ من أصل.
وقيل : المراد بكتابنا : اللوح المحفوظ. قال صلى الله عليه وسلم :" أول ما خلق الله القلم من نور مسيرة خمسمائة عام، واللوح من نور مسيرة خمسمائة عام، فقال للقلم : اجر : فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل، برها وفاجرها، ورطبها ويابسها، ثم قرأ :﴿ هذا كتابنا ينطق. . ﴾ الآية، فيُروى " أن الملائكة تصعد كل يوم إلى الملك الموكل باللوح، فيقولون : أعطنا ما يعمل صاحبنا اليوم، فينسخُ من اللوح عمله ذلك اليوم، ويعطيه إياهم، فإذا انقضى أجله، قال لهم : لا نجد لصاحبكم عملاً بقي له، فيعلمون أنه انقضى أجله ".
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قل الله يُحييكم الحياةَ الفانية، ثم يُميتكم عن حظوظكم، وعن شهود وجودكم، ثم يجمعكم به إلى يوم القيامة، لا يعزلكم عن رؤيته أبداً، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن هذا يقع في الدنيا، مع أن المُلك لله يتصرف فيه كيف شاء، يُوصِّل مَن أراد، ويُبعد مَن شاء. ويوم تقوم الساعة يخسر الباطلون والمبطلون، ويفوز المجتهدون والواصلون. وترى كُلَّ أمة جاثية من هيبة المتجلِّي باسمه القهّار، وهذه القهرية - نعم - لا ينجو منها خاص ولا عام ؛ لأن الطبع البشري يثبت عند صدمات الجلال. وقوله تعالى :﴿ كل أمة تُدعى إلى كتابها ﴾ هو أيضاً عام، فيستبشر المجتهدون، ويحزن البطالون، ولا يظلم ربك أحداً، فاليوم يوم عمل، وغداً يوم جزاء، فأهل الإيقان يفوزون بغاية النعيم والرضوان، وأهل الشك يخلدون في الخسران، فيظهر لهم ما لم يكونوا يحتسبون، كما قال :﴿ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾*﴿ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ﴾*﴿ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ ﴾*﴿ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾*﴿ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعِزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.
ثم فصّل أحوال أهل الموقف، فقال :﴿ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيُدخلهم ربُّهم في رحمته ﴾، أي : جنته ﴿ ذلك هو الفوزُ المبين ﴾ الظاهر، الذي لا فوز وراءه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قل الله يُحييكم الحياةَ الفانية، ثم يُميتكم عن حظوظكم، وعن شهود وجودكم، ثم يجمعكم به إلى يوم القيامة، لا يعزلكم عن رؤيته أبداً، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن هذا يقع في الدنيا، مع أن المُلك لله يتصرف فيه كيف شاء، يُوصِّل مَن أراد، ويُبعد مَن شاء. ويوم تقوم الساعة يخسر الباطلون والمبطلون، ويفوز المجتهدون والواصلون. وترى كُلَّ أمة جاثية من هيبة المتجلِّي باسمه القهّار، وهذه القهرية - نعم - لا ينجو منها خاص ولا عام ؛ لأن الطبع البشري يثبت عند صدمات الجلال. وقوله تعالى :﴿ كل أمة تُدعى إلى كتابها ﴾ هو أيضاً عام، فيستبشر المجتهدون، ويحزن البطالون، ولا يظلم ربك أحداً، فاليوم يوم عمل، وغداً يوم جزاء، فأهل الإيقان يفوزون بغاية النعيم والرضوان، وأهل الشك يخلدون في الخسران، فيظهر لهم ما لم يكونوا يحتسبون، كما قال :﴿ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾*﴿ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ﴾*﴿ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ ﴾*﴿ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾*﴿ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعِزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.
﴿ وأما الذين كفروا ﴾ فيُقال لهم على وجه التقريع والتوبيخ :﴿ أفلم تكن آياتي تُتلى عليكم ﴾ أي : ألم تكن تأتيكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم، فحذف المعطوف عليه، ثقةً، بقرينة الكلام، ﴿ فاستكبرتم ﴾ عن الإيمان بها، ﴿ وكنتم قوماً مجرمين ﴾ أي : قوماً عادتكم الإجرام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قل الله يُحييكم الحياةَ الفانية، ثم يُميتكم عن حظوظكم، وعن شهود وجودكم، ثم يجمعكم به إلى يوم القيامة، لا يعزلكم عن رؤيته أبداً، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن هذا يقع في الدنيا، مع أن المُلك لله يتصرف فيه كيف شاء، يُوصِّل مَن أراد، ويُبعد مَن شاء. ويوم تقوم الساعة يخسر الباطلون والمبطلون، ويفوز المجتهدون والواصلون. وترى كُلَّ أمة جاثية من هيبة المتجلِّي باسمه القهّار، وهذه القهرية - نعم - لا ينجو منها خاص ولا عام ؛ لأن الطبع البشري يثبت عند صدمات الجلال. وقوله تعالى :﴿ كل أمة تُدعى إلى كتابها ﴾ هو أيضاً عام، فيستبشر المجتهدون، ويحزن البطالون، ولا يظلم ربك أحداً، فاليوم يوم عمل، وغداً يوم جزاء، فأهل الإيقان يفوزون بغاية النعيم والرضوان، وأهل الشك يخلدون في الخسران، فيظهر لهم ما لم يكونوا يحتسبون، كما قال :﴿ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾*﴿ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ﴾*﴿ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ ﴾*﴿ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾*﴿ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعِزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.
﴿ وإِذا قيل إِنَّ وعد الله ﴾ أي : وكنتم إذا قيل لكم : إن وعد الله بالجزاء ﴿ حقٌّ والساعةُ لا ريبَ فيها ﴾ أي : في وقوعها ﴿ قلتم ما ندري ما الساعةُ ﴾ أيّ شيء هي الساعة، استهزاء بها، ﴿ إِن نظنُّ إِلا ظناً ﴾ أصله : نظن ظناً، ومعناه : إثبات الظن، فحسب، فأدخل حرف النفي والاستثناء ليفيد إثبات الظن مع نفي ما سواه. وقال المبرد : أصله : إن نحن إلا نَظُن ظناً، وإنما أوَّله ؛ لأنه لا يصح التفريع في المصدر المؤكد، لعدم حصول الفائدة، إذ لا معنى لقولك : لا نضرب إلا ضرباً، وجوابه : إن المصدر نوعي لا مؤكد، أي : ظناً حقيراً ضعيفاً. وفي الآية اللف والنشر المعكوس. فقوله :﴿ قلتم ما ندري ما الساعة ﴾ راجع لقوله :﴿ والساعة لا ريب فيها ﴾، وقوله :﴿ إن نظن إلا ظناً ﴾ راجع لقوله :﴿ إن وعد الله حق ﴾، وكذا قوله :﴿ وما نحن بمستيقنين ﴾ أي : لا يقين عندنا، وهو راجع لقوله ﴿ إن وعد الله حق ﴾. قاله ابن عرفة. ولعل هؤلاء غير القائلين :﴿ ما هي إلا حياتنا الدنيا ﴾ والله أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قل الله يُحييكم الحياةَ الفانية، ثم يُميتكم عن حظوظكم، وعن شهود وجودكم، ثم يجمعكم به إلى يوم القيامة، لا يعزلكم عن رؤيته أبداً، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن هذا يقع في الدنيا، مع أن المُلك لله يتصرف فيه كيف شاء، يُوصِّل مَن أراد، ويُبعد مَن شاء. ويوم تقوم الساعة يخسر الباطلون والمبطلون، ويفوز المجتهدون والواصلون. وترى كُلَّ أمة جاثية من هيبة المتجلِّي باسمه القهّار، وهذه القهرية - نعم - لا ينجو منها خاص ولا عام ؛ لأن الطبع البشري يثبت عند صدمات الجلال. وقوله تعالى :﴿ كل أمة تُدعى إلى كتابها ﴾ هو أيضاً عام، فيستبشر المجتهدون، ويحزن البطالون، ولا يظلم ربك أحداً، فاليوم يوم عمل، وغداً يوم جزاء، فأهل الإيقان يفوزون بغاية النعيم والرضوان، وأهل الشك يخلدون في الخسران، فيظهر لهم ما لم يكونوا يحتسبون، كما قال :﴿ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾*﴿ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ﴾*﴿ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ ﴾*﴿ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾*﴿ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعِزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وبدا لهم ﴾ أي : ظهر لهؤلاء الكفرة ﴿ سيئاتُ ما عملوا ﴾ قبائح أعمالهم على ما هي عليه من الصورة المنكرة الهائلة، وعاينوا وخامة عاقبتها، أو : جزاؤها، فإن جزاء السيئة سيئة مثلها، ﴿ وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ﴾ أي : نزل بهم جزاء استهزائهم من العقاب العظيم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : وقيل اليوم ننساكم من شهود قُربى، كما نسيتم لقاء يومكم هذا، فلو ذكرتموني على الدوام لقربتكم على الدوام، ولو ذكرتموني على الانفراد لأشهدتكم ذاتي على التماد، ولكنكم اتخذتم آيات الله الدالة على وجودي من الكائنات، والدالة على شهودي من الأولياء، هزواً، وغرتكم الحياة الدنيا، فاليوم لا يخرجون من غم الحجاب، ولا يُمنعون من انسداله، ولا هم يرضون ربهم، فيرضى عنهم، فللّه الحمد على غناه عن الكل، وله الكبرياء في السموات والأرض، أي : رداء الكبرياء منشور على أسرار ذاته في السموات والأرض، وهو ما ظهر من حسها، كما هو منشور على وجهه في جنة عدن، كما في الحديث.
وقال الورتجبي : نفى الحق الكبرياء عن الحدثان ؛ لأنه هو المستحق للكبرياء، وكبرياؤه ظاهر في كل ذرة، من العرش إلى الثرى، إذ هي كلها مستغرقة مقهورة في أنوار كبريائه، يعز بعزه الأولياء، ويقهر بقهره الأعداء، حكيم في إبداع الخلق وإلزامهم عبوديته، التي هي شرائعه المحكمة بحكمه، وقال سهل رضي الله عنه : وله الكبرياء : العلو والقدرة والعظمة، والحول والقوة في جميع الملك، فمَن اعتصم به أيّده بحَوْلِه وقوته، ومَن اعتمد على نفسه وكله الله إليها. هـ. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

﴿ وقيل اليومَ ننساكم ﴾ نترككم ترك المنسي، ﴿ كما نسيتم ﴾ في الدنيا ﴿ لقاءَ يومكم هذا ﴾ أي : كما تركتم الاستعداد له، ولم تبالوا به. وإضافة اللقاء إلي اليوم إضافة المصدر إلى ظرفه، أي : لقاء الله في يومكم هذا، أو لقاء جزائه، ﴿ ومأواكم النارُ ﴾ أي : منزلكم، ﴿ وما لكم من ناصرين ﴾ لا أحد يمنعكم أو يخلصكم منها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : وقيل اليوم ننساكم من شهود قُربى، كما نسيتم لقاء يومكم هذا، فلو ذكرتموني على الدوام لقربتكم على الدوام، ولو ذكرتموني على الانفراد لأشهدتكم ذاتي على التماد، ولكنكم اتخذتم آيات الله الدالة على وجودي من الكائنات، والدالة على شهودي من الأولياء، هزواً، وغرتكم الحياة الدنيا، فاليوم لا يخرجون من غم الحجاب، ولا يُمنعون من انسداله، ولا هم يرضون ربهم، فيرضى عنهم، فللّه الحمد على غناه عن الكل، وله الكبرياء في السموات والأرض، أي : رداء الكبرياء منشور على أسرار ذاته في السموات والأرض، وهو ما ظهر من حسها، كما هو منشور على وجهه في جنة عدن، كما في الحديث.
وقال الورتجبي : نفى الحق الكبرياء عن الحدثان ؛ لأنه هو المستحق للكبرياء، وكبرياؤه ظاهر في كل ذرة، من العرش إلى الثرى، إذ هي كلها مستغرقة مقهورة في أنوار كبريائه، يعز بعزه الأولياء، ويقهر بقهره الأعداء، حكيم في إبداع الخلق وإلزامهم عبوديته، التي هي شرائعه المحكمة بحكمه، وقال سهل رضي الله عنه : وله الكبرياء : العلو والقدرة والعظمة، والحول والقوة في جميع الملك، فمَن اعتصم به أيّده بحَوْلِه وقوته، ومَن اعتمد على نفسه وكله الله إليها. هـ. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

﴿ ذلكم ﴾ العذاب ﴿ بأنكم ﴾ بسبب أنكم ﴿ اتخذتم آياتِ الله ﴾ المنزَّلة ﴿ هُزواً ﴾ مهزوّاً بها، ولم ترفعوا لها رأساً، ﴿ وغرتكم الحياةُ الدنيا ﴾ وأَلْهتكم زخارفُ الدنيا، فحسبتم ألاّ حياة بعدها، ﴿ فاليومَ لا يُخرجون منها ﴾ أي : من النار، والالتفات إلى الغيبة للإيذان بإسقاطهم عن رتبة الخطاب، استهانة بهم. وقرأ الأَخوان بالخطاب. ﴿ ولا هم يُستعتبون ﴾ أي : لا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم، أي : يرضوه بعمل صالح ؛ لفوات إبانه، وإن طلبوا الرجوع لم يقبل منهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : وقيل اليوم ننساكم من شهود قُربى، كما نسيتم لقاء يومكم هذا، فلو ذكرتموني على الدوام لقربتكم على الدوام، ولو ذكرتموني على الانفراد لأشهدتكم ذاتي على التماد، ولكنكم اتخذتم آيات الله الدالة على وجودي من الكائنات، والدالة على شهودي من الأولياء، هزواً، وغرتكم الحياة الدنيا، فاليوم لا يخرجون من غم الحجاب، ولا يُمنعون من انسداله، ولا هم يرضون ربهم، فيرضى عنهم، فللّه الحمد على غناه عن الكل، وله الكبرياء في السموات والأرض، أي : رداء الكبرياء منشور على أسرار ذاته في السموات والأرض، وهو ما ظهر من حسها، كما هو منشور على وجهه في جنة عدن، كما في الحديث.
وقال الورتجبي : نفى الحق الكبرياء عن الحدثان ؛ لأنه هو المستحق للكبرياء، وكبرياؤه ظاهر في كل ذرة، من العرش إلى الثرى، إذ هي كلها مستغرقة مقهورة في أنوار كبريائه، يعز بعزه الأولياء، ويقهر بقهره الأعداء، حكيم في إبداع الخلق وإلزامهم عبوديته، التي هي شرائعه المحكمة بحكمه، وقال سهل رضي الله عنه : وله الكبرياء : العلو والقدرة والعظمة، والحول والقوة في جميع الملك، فمَن اعتصم به أيّده بحَوْلِه وقوته، ومَن اعتمد على نفسه وكله الله إليها. هـ. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

﴿ فللّه الحمدُ ﴾ خاصة، ﴿ ربّ السماوات وَربّ الأرض ربّ العالمين ﴾ فلا يستحق الحمد أحد سواه، أي : فاحمدوا الله الذي هو ربكم ورب كل شيء، فإن مثل هذه الربوبية العامة، توجب الحمد والثناء على كل مربوب، وتكرير الرب للتأكيد والإيذان بأن ربوبيته تعالى لكل منهما بطريق الأصالة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : وقيل اليوم ننساكم من شهود قُربى، كما نسيتم لقاء يومكم هذا، فلو ذكرتموني على الدوام لقربتكم على الدوام، ولو ذكرتموني على الانفراد لأشهدتكم ذاتي على التماد، ولكنكم اتخذتم آيات الله الدالة على وجودي من الكائنات، والدالة على شهودي من الأولياء، هزواً، وغرتكم الحياة الدنيا، فاليوم لا يخرجون من غم الحجاب، ولا يُمنعون من انسداله، ولا هم يرضون ربهم، فيرضى عنهم، فللّه الحمد على غناه عن الكل، وله الكبرياء في السموات والأرض، أي : رداء الكبرياء منشور على أسرار ذاته في السموات والأرض، وهو ما ظهر من حسها، كما هو منشور على وجهه في جنة عدن، كما في الحديث.
وقال الورتجبي : نفى الحق الكبرياء عن الحدثان ؛ لأنه هو المستحق للكبرياء، وكبرياؤه ظاهر في كل ذرة، من العرش إلى الثرى، إذ هي كلها مستغرقة مقهورة في أنوار كبريائه، يعز بعزه الأولياء، ويقهر بقهره الأعداء، حكيم في إبداع الخلق وإلزامهم عبوديته، التي هي شرائعه المحكمة بحكمه، وقال سهل رضي الله عنه : وله الكبرياء : العلو والقدرة والعظمة، والحول والقوة في جميع الملك، فمَن اعتصم به أيّده بحَوْلِه وقوته، ومَن اعتمد على نفسه وكله الله إليها. هـ. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

﴿ وله الكبرياءُ في السماوات والأرض ﴾ أي : وكبّروه، فقد ظهرت آثار كبريائه وعظمته في السموات والأرض، وإظهارهما في موضع الإضمار لتفخيم شأن الكبرياء، ﴿ وهو العزيزُ ﴾ الذي لا يُغلَب، ﴿ الحكيم ﴾ في كل ما قضى وقدّر، فاحمدوه وكبّروه، وأطيعوه، فصاحب هذه الصفات العظام مستحق لذلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : وقيل اليوم ننساكم من شهود قُربى، كما نسيتم لقاء يومكم هذا، فلو ذكرتموني على الدوام لقربتكم على الدوام، ولو ذكرتموني على الانفراد لأشهدتكم ذاتي على التماد، ولكنكم اتخذتم آيات الله الدالة على وجودي من الكائنات، والدالة على شهودي من الأولياء، هزواً، وغرتكم الحياة الدنيا، فاليوم لا يخرجون من غم الحجاب، ولا يُمنعون من انسداله، ولا هم يرضون ربهم، فيرضى عنهم، فللّه الحمد على غناه عن الكل، وله الكبرياء في السموات والأرض، أي : رداء الكبرياء منشور على أسرار ذاته في السموات والأرض، وهو ما ظهر من حسها، كما هو منشور على وجهه في جنة عدن، كما في الحديث.
وقال الورتجبي : نفى الحق الكبرياء عن الحدثان ؛ لأنه هو المستحق للكبرياء، وكبرياؤه ظاهر في كل ذرة، من العرش إلى الثرى، إذ هي كلها مستغرقة مقهورة في أنوار كبريائه، يعز بعزه الأولياء، ويقهر بقهره الأعداء، حكيم في إبداع الخلق وإلزامهم عبوديته، التي هي شرائعه المحكمة بحكمه، وقال سهل رضي الله عنه : وله الكبرياء : العلو والقدرة والعظمة، والحول والقوة في جميع الملك، فمَن اعتصم به أيّده بحَوْلِه وقوته، ومَن اعتمد على نفسه وكله الله إليها. هـ. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

Icon