تفسير سورة الجمعة

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة الجمعة من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة الجمعة مدنية وهي احدى عشرة آية

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١)
﴿يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم﴾ التسبيح إما أن يكون تسبيح خلقة يعني إذا نظرت إلى كل شيء دلتك خالقته على وحدانية الله تعالى وتنزيهه عن الأشباه أو تسبيح معرفة بأن يجعل الله بلطفه في كل شيء ما يعرف به الله تعالى وينزه ألا ترى إلى قوله وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ أو تسبيح ضرورة بأن يجري الله التسبيح على كل جوهر من غير معرفة له بذلك
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢)
﴿هُوَ الذى بَعَثَ﴾ أرسل ﴿فِى الأميين رَسُولاً مّنْهُمْ﴾ أي بعث رجلاً أمياً في قوم أميين وقيل منهم كقوله من انفسكم يعلمون نسبه وأحواله والأمي منسوب إلى أمة العرب لأنهم كانوا لا يكتبون ولا يقرؤون من بين الأمم وقيل بدئت الكتابة بالطائف وهم أخذوها من اهل ال حيرة وأهل الحيرة من اهل الأنبار ﴿يتلو عليهم آياته﴾ القرآن ﴿وَيُزَكّيهِمْ﴾ ويطهرهم من الشرك وخبائث الجاهلية ﴿وَيُعَلّمُهُمُ الكتاب﴾ القرآن
479
﴿والحكمة﴾ السنة أو الفقه في
الدين ﴿وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ﴾ من قبل محمد ﷺ ﴿لفي ضلال مبين﴾ كفر وجهالة وإن مخففة من الثقيلة واللام دليل عليها أي كانوا في ضلال لا ترى ضلالاً أعظم منه
480
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣)
﴿وآخرين مِنْهُمْ﴾ مجرور معطوف على الأميين يعني أنه بعثه في الأميين الذين على عهده وفي آخرين من الأميين ﴿لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ﴾ أي لم يلحقوا بهم بعد وسيلحقون بهم وهم الذين بعد الصحاة رضي الله تعالى عنهم أو هم الذين يأتون من بعدهم إلى يوم الدين وقيل هم العجم أو منصوب معطوف على المنصوب في وَيُعَلّمُهُمُ أي يعلمهم ويعلم آخرين لأن التعليم إذا تناسق إلى آخر الزمان كان كله مستند إلى أوله فكأنه هو الذي تولى كل ما وجد منه ﴿وَهُوَ العزيز الحكيم﴾ في تمكينه رجلاً أمياً من ذلك الأمر العظيم وتأييده عليه واخيتاره إياه من بين كافة البشر
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤)
﴿ذلك﴾ الفضل الذي أعطاه محمداً وهو أن يكون نبي أبناء عصره ونبي أبناء العصور والغوابر هو ﴿فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء﴾ إعطاءه وتقتضيه حكمته ﴿والله ذُو الفضل العظيم﴾
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥)
﴿مَثَلُ الذين حُمّلُواْ التوراة﴾ أي كلفوا علمها والعمل بها فيها ﴿ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا﴾ ثم لم يعملوا بها فكانهم لم يحلموها ﴿كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾ جمع سفر وهو الكتاب الكبير ويحمل في محل النصب على الحال أو الجر على الوصف لأن الحمار كاللئيم في قوله
ولقد امر على اللئيم يسبني شبه الهيود في أنهم حملة التوراة وقراؤها وحفاظ ما فيها ثم لم يعلموا
480
بها ولم ينتفعوا بآياتها وذلك أن فيها نعت رسول الله ﷺ والبشارة به فلم يؤمنوا به كالحمار حمل كتباً كباراً من كتب العلم فهو يمشي بها ولا يدري منها إلا ما يمر بجنبه وظهره من الكد والتعب وكل من علم ولم يعمل بعلمه فهذا مثله ﴿بِئْسَ مَثَلُ القوم الذين كذبوا بآيات الله﴾ أي بئس مثلاً مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله أو بئس مثل القوم المكذبين مثلهم وهم اليهود الذين كذبوا بآيات الله الدالة على صحة نبوة محمد ﷺ ﴿والله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين﴾ أي وقت اختيارهم الظلم أو لا يهدي من سبق في علمه أنه يكون ظالما
481
قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٦)
﴿قل يا أيها الذين هَادُواْ﴾ هاد يهود إذا تهود ﴿إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ الناس فَتَمَنَّوُاْ الموت إِن كُنتُمْ صادقين﴾ كانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه أي إن كان قولكم حقاً وكنتم على ثقة فتمنوا على الله أن يميتكم وينقلكم سريعاً إلى دار كرامته التي أعدها لأوليائه ثم قال
وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧)
﴿وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ﴾ أي بسبب ما قدموا من الكفر ولا فرق بين
لا ولن في كل واحدة منهما نفي للمستقبل إلا أن في لن تأكيد وتشديدا ليس في لا بأني مرة بلفظ التأكيد ولن يتمنوه ومرة بغير لظفه ولا يَتَمَنَّونَهُ ﴿والله عَلِيمٌ بالظالمين﴾ وعيد لهم
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)
﴿قُلْ إِنَّ الموت الذى تَفِرُّونَ مِنْهُ﴾ ولا تجسرون أن تتمنوه خيفة أن تأخذوا بوبال كفركم ﴿فَإِنَّهُ ملاقيكم﴾ لا محالة والجملة خبران ودخلت الفاء لتضمن الذي معنى الشرط ﴿ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عالم الغيب والشهادة فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فيجازيكم بما أنتم أهله من العقاب
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩)
﴿يا أيها الذين آمنوا إِذَا نُودِىَ للصلاة مِن يَوْمِ الجمعة﴾ النداء الآذان ومن بيان لا ذا وتفسير له ويوم الجمعة سيد الأيام وفي الحديث من مات يوم الجمعة كتب اللهله أجر شهيد ووقى فتنة القبر ﴿فاسعوا﴾ فامضوا وقرئ بها وقال الفراء السعي والمضي والذهاب واحد وليس المراد به السرعة في المشي ﴿إلى ذِكْرِ الله﴾ أي إلى الخطبة عند الجمهور وبه استدل أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه على أن الخطيب إذا اقتصر على الحمد لله جاز ﴿وَذَرُواْ البيع﴾ أراد الأمر بترك ما يذهل عن ذكر الله من شواغل الدنيا وإنما خص البيع من بينها لأن يوم الجمعة يتكاثر فيه البيع بترك ما يذهب عن ذكر الله من شواغل الدنيا وإنما خص البيع من بينها لأن يوم الجمعة يتكار ذكر الله الذي لا شيء أنفع منه وأربح ذورا البيع الذب نفعه يسير ﴿ذلكم﴾ أي السعي إلى ذكر الله ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ من البيع والشراء ﴿إِن كنتم تعلمون﴾
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠)
﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة﴾ أي أديت ﴿فانتشروا فِى الأرض﴾ أمر إباحة ﴿وابتغوا مِن فَضْلِ الله﴾ الرزق أو طلب العلم أو عيادة المريض أو زيارة أخ في الله ﴿واذكروا الله كثيرا﴾ واشكروا على ما وفقكم لأداء فرضه ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)
﴿وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا﴾ تفرقوا عنك إليها وتقديره وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها أو لهوا انفضوا إليه فحذف أحدها لدلالة المذكور عليه وانما خص التجارة لأنها كانت أهم عندهم رُوي أن اهل المدينة اصابهم جوعه وغلاء فقد دحية بن خليفة بتجارة
482
من زيت الشأم والنبي ﷺ يخطب يوم الجمعة فقاموا إليه فما بقي معه إلا ثمانية أو اثنا عشر فقال ﷺ والذي نفس محمد بيده لو خرجوا جميعاً لاضرم الله عليهم ناراً وكانوا إذا أقبلت العير استقبلوها بالطبل والتصفيق فهو المراد باللهو ﴿وَتَرَكُوكَ﴾ على المنبر ﴿قَائِمَاً﴾ تخطب وفيه دليل على أن الخطيب ينبغي أن يخطب قائماً ﴿قُلْ مَا عِندَ الله﴾
من ثواب ﴿خَيْرٌ مّنَ اللهو وَمِنَ التجارة والله خَيْرُ الرازقين﴾ أي لا يفوتهم رزق الله بترك البيع فهو خير الرازقين والله أعلم
483
سورة المنافقين إحدى عشرة آية مدنية

بسم الله الرحمن الرحيم

484
Icon