" بسم الله " اسم من تحقق به صدق في أقواله، ثم صدق في أعماله، ثم صدق في أخلاقه ثم صدق في أحواله، ثم صدق في أنفاسه. . فصدقه في القول ألا يقول إلا عن برهان، وصدقه في العمل ألا يكون للبدعة عليه سلطان، وصدقه في الأخلاق ألا يلاحظ إحسانه مع الكافة بعين النقصان، وصدقه في الأحوال أن يكون على كشف وبيان، وصدقه في الأنفاس ألا يتنفس إلا على وجود كالعيان.
ﰡ
كذَّبهم فيما قالوا وأظهروا، ولكنهم لم يشهدوا عن بصيرة ولم يعتقدوا تصديقك، فهم لم يكذبوا في الشهادة ولكنَّ كِذْبَهم في قولهم : إنَّهم مخلصون لك، مُصَدِّقون لك. فصِدْقُ القالة لا ينفع مع قُبْح الحالة.
ويقال : الإيمان ما يوجِبُ الأمان ؛ فالإيمانُ يوجِبُ للمؤمن إذا كان عاصياً خلاصَه من العذاب أكثره وأقّله. . إلاَّ ما ينقله من أعلى جهنم إلى أسفلها.
تَسَتَّرُوا بإقرارهم، وتكَشَّفوا بنفاقهم عن أسْتارِهم فافتضحوا، وذاقوا وبالَ أحوالهم.
استضاؤوا بنورِ الإجابة فلم يَنْبَسِطْ عليهم شعاعُ السعادة، فانطفأ نورُهم بقَهرِ الحرمان، وبقوا في ظلمات القسمة السابقة بحُكْم الشقاوة.
أي هم أشباحٌ وقوالبٌ وليس وراءهم ألبابٌ وحقائق - فالجوزُ الفارغُ مُزَيَّنٌ ظاهِرُه ولكنه للعب الصبيان.
﴿ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ﴾ وذلك لِجُبْنِهم ؛ إذ ليس لهم انتعاشٌ بربِّهم، ولا استقلالٌ بغيرهم.
﴿ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ﴾ هم عدوٌّ لك - يا محمد - فاحْذَرْهم، ولا يَغُرَّنْكَ تَبَسُّطُهم في الكلام على وجهِ التودُّدِ والتقرُّب.
سمعوا إلى ما يقال لهم على وجه التكبُّر، وإظهار الاستغناء عن استغفارك لهم. . فخَلِّ سبيلهم ؛ فليس للنُّصح فيهم مساغٌ، ولن يُصْحِيَهم من سَكْرَتهم إلاَّ حَرُّ ما سيلقونه من العقوبة، فما دام الإصرارُ من جانبهم فإنهم :
﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِى القَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾.
فقد سبق العِلْمُ بذلك.
كأنهم مربوطون بالأسباب، محجوبون عن شهود التقدير، غيرُ متحقِّقين بتصريف الأيام، فأنْطَقَهُم بما خَامَرَ قلوبَهم مِنْ تَمَنِّي انطفاء نورِ رسول الله، وانتكاث شَمْلِهم، فتواصَوْا فيما بينهم بقولهم :﴿ لاَ تُنفِقُواْ عَلى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ ﴾ فقال تعالى :﴿ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السَّمَاوَاتِ ﴾.
وليس استقلالُك - يا محمد - ولا استقلالُ أصحابِك بالمرزوقين. . بل بالرازق ؛ فهو الذي يمسككم.
إنما وقع لهم الغَلَطُ في تعيين الأعزِّ والأذَلِّ ؛ فتوَهَّموا أنَّ الأعزَّ هم المنافقون، والأذلَّ هم المسلمون، ولكن الأمر بالعكس، فلا جَرَمَ غَلَبَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وأُذِلَّ المنافقون بقوله :﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ : لله عِزُّ الإلهية، وللرسول عِزُّ النبوَّة، وللمؤمنين عِزُّ الولاية. وجميعُ ذلك لله ؛ فعِزُّه القديم صِفَتُه، وعِزُّ الرسولِ وعِزُّ المؤمنين له فِعْلاً ومِنَّةً وفَضْلاً، فإذاً لله العِزَّةُ جميعاً.
ويقال : كما أنَّ عِزَّةَ الله - سبحانه - لا زوالَ لها فعِزَّة الأنبياء بأن لا عَزْلَ لهم، وعِزَّةُ المؤمنين بألا يَبْقَى منهم مُخَلَّدٌ في النار.
ويقال : مَنْ كان إيمانُه حقيقياً فلا زوالَ له.
ويقال : مَنْ تعزَّزَ بالله لم يلحقه تَغَيُّرٌ عن حاله بغير الله.
ويقال : لا عِزَّ إلاَّ في طاعةِ الله، ولا ذُلَّ إلاَّ في معصية الله. . . وما سوى هذا فلا أصلَ له.
لا تُضَيِّعوا أمورَ دينكم بسبب أموالكم وأولادكم بل آثروا حقَّ الله، واشْتَغِلوا به يَكْفِكُم أمور دنياكم وأولادكم ؛ فإذا كُنْتَ لله كان اللَّهُ لك.
ويقال : حقُّ الله مما ألزمكَ القيامَ به، وحقُّك ضمن لك القيام به ؛ فاشتغِلْ بما كُلِّفْتَ لا بما كُفِيت.
لا تَغْتَرُّوا بسلامةِ أوقاتِكم، وتَرَقَّبوا بَغَتاتِ آجالِكم، وتأهَّبوا لما بين أيديكم من الرحيل، ولا تُعَرِّجوا في أوطان التسويف.