تفسير سورة الفجر

تفسير الماتريدي
تفسير سورة سورة الفجر من كتاب تأويلات أهل السنة المعروف بـتفسير الماتريدي .
لمؤلفه أبو منصور المَاتُرِيدي . المتوفي سنة 333 هـ
سورة الفجر

سُورَةُ الْفَجْرِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى: (وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (٨) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (٩) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (١٠) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (١٤).
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ) كان العرب من عادتهم أنهم إذا استحسنوا شيئا عظموه، وإذا عظموه أقسموا به.
ثم إن اللَّه - تعالى - جعل في الحج وأوقاته لطائف من الحكمة وعجائب من التدبير، فمن لطيف حكمته وعجائب تدبيره أنه جعل المكان الذي يحج فيه مأمنا للخلق من وجه لا يعرف الخلائق المعنى الذي به وقع الأمن والإلف بين الخلق؛ حتى رغبوا جميعا في الاجتماع هنالك مع تباغضهم وتعاديهم فيما بينهم من وجه لا يدرك معناه، وجعل أهلها يتقلبون في البلاد آمنين؛ حتى قال - عَزَّ وَجَلَّ - لنبيه - عليه السلام -: (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ) وسخر أهل الآفاق في حمل ما يقع لأهل مكة إليه حاجة من الميرة وغيرها، وجعلهم بحيث يرغبون في الإتيان إليها مع عظم ما يلزمهم من المؤن في الإتيان إلى مكة للحج؛ فثبت أن فيها معاني ولطائف هي خارجة عن قواهم وتدبيرهم؛ فكان في ذكرها ما يوجب القول بالقدرة على البعث، ويزيل عنهم الشبهة في أمرهم؛ فأقسم لما عظم من شأنها لمكان أنها أوقات الحج، فعامة أركان الحج تؤدى فيها، وعادة أن عرب أنهم يقسمون بآبائهم وأجدادهم وأصنامهم؛ لما هي معظمة عندهم، وهذه الأشياء معظمة عندهم؛ فجرى القسم بها؛ جريا على عادتهم، ويدخل في أوقاتها الشفع والوتر والفجر، فقالوا: الشفع: يوم النحر؛ لأنه اليوم العاشر من الشهر، والوتر يوم عرفة؛ لأنه اليوم التاسع.
وجائز أن يكون أريد بالشفع والوتر والليل إذا يسر: العبادات جملة إذ ما من عبادة إلا وفيها شفع ووتر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (٤) أي: يُسرى بها، وفي ذلك كناية عن الجهاد والإغارة بالليل، كما يذكر في قوله: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا. فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا. فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا)؛ فيكون هذا كله إشارة إلى جملة العبادات.
ووجه القسم بالعبادات: أن اللَّه - تعالى - عظم أمر العبادات في قلوب الخلائق؛ حتى تراهم جميعا يستحسنونها ويعظمون أمرها، وإنَّمَا يقع الاختلاف بينهم في ماهيتها -إلا أن يقع التمانع بينهم في أنفسها- فأقسم بها.
وجائِز أن يكون أريد بالوتر هو اللَّه تعالى، وأريد بالشفع الخلائق؛ إذ خلقهم أزواجا، واللَّه تعالى هو الواحد بذاته؛ فيكون القسم بذاته وبجميع الخلق.
ويحتمل أنه أريد بالشفع والوتر الخلائق جملة؛ إذ فيهم المعنيان جميعا: الشفع، والوتر؛ فيكون قسما بجميع الخلائق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥) يحتمل أن يكون تأويله: أن وجه القسم بهذه الأشياء يعرفه ذوو الحجر، وهم ذوو الألباب والحجا، لا أن يعرفه الجهلة.
قالوا: وموضع القسم على قوله: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ).
وجائِز أن يكون وقع التنازع فيما بينهم، وكانوا يزعمون أن أوقات الحج، وهي الليالي العشر، والشفع والوتر، ليس يقسم بها؛ فقال: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ)، أي: للعاقل إذا تدبر فيها عرف أن هذه الأوقات بالتي تحتمل أن يقسم بها أو هذه الأوقات بالتي تدلهم على القول بالبعث.
وقيل: إنما أقسم بهذه الأيام؛ لعظم قدر هذه الأيام وخطرها عندهم؛ لما فيها من صلاح معايشهم، ويكون لهم فيها سعة العيش: أما الفقراء بالهدايا والبدن، وأما غيرهم بأنواع المكاسب والتجارات؛ فإنهم كانوا يستعدون الأشياء، ويهيئون من السنة إلى السنة للتجارة في هذه الأيام؛ فأقسم اللَّه - تعالى - بهذه الأيام لكونها معظمة عندهم.
وقيل: إن موضع القسم غير مذكور في هذه السورة؛ لأنه كان على أثر حادثة عندهم معروفة، استغنى عن ذكرها؛ لشهرتها عندهم؛ فأقسم أنها لحق، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا
516
فِي الْبِلَادِ) في ذكر نبأ عاد وثمود وفرعون فوائد ثلاث:
إحداها: في موضع التخويف لأهل مكة الذين كذبوا رسوله - عليه السلام - وهو أن أُولَئِكَ القوم كانوا أكثر أموالا وأولادا وأعدادا، وأكثر في القوة من هَؤُلَاءِ الذين كذبوا محمدا عليه أفضل الصلوات، فلم يغنهم ذلك كله من اللَّه تعالى شيئا؛ بل اللَّه تعالى انتقم منهم لرسله - عليهم السلام - بما كذبوهم، فما بال هَؤُلَاءِ الذين كذبوا محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لا يخافون مقته وحلول النقمة بهم بتكذيبهم رسوله، وليسوا بأكثر من أُولَئِكَ في العدد والمال والقوة؟!
وفائدة أخرى: أن أُولَئِكَ كانوا يزعمون أنهم باللَّه - تعالى - أولى من مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام وأتباعه؛ لما بسط لهم من النعيم، وضيق على الرسول وأتباعه؛ فبين أن الذين تقدمهم من مكذبي الرسل كانوا أرفع منهم في القوى والأموال والأولاد والأعداد، وكانت رسلهم في ضيق من العيش، ثم كانوا هم أولى باللَّه تعالى من المكذبين المفتخرين بكثرة الأعداد والقوى؛ فبين لهم هذا ليعلموا أن ليس الأمر على ما ظنوا وحسبوا.
والثالثة: أنهم كانوا يمتنعون عن الإيمان باللَّه تعالى وبرسوله، وكانوا يقولون: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)؛ فيكون في ذكر هذا نفي التقليد لأُولَئِكَ؛ لأنه كان في آبائهم من أهلك بتكذيبهم الرسل، وهم الفراعنة وأتباعهم، وفيهم من نجا، وهم الرسل وأتباعهم المصدقون لهم، فما بأنهم قلدوا المهلكين منهم دون الذين نجوا؟!.
ثم الآية لم تسق؛ لتعرف نسب عاد وثمود وفرعون حتى نشتغل بتعرفه، وإنما سيقت للأوجه التي ذكرنا؛ فالاشتغال بتعرف أنسابهم وأحوالهم نوع من التكلف.
وقوله: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ) فقوله: (أَلَمْ تَرَ) يحتمل وجهين:
أحدهما: أي: قد رأيت؛ أي: علمت؛ كما يقال في الشاهد: ألم تر إلى ما فعل
517
الآية ٥ : وقوله تعالى :﴿ هل في ذلك قسم لذي حجر ﴾ يحتمل أن يكون تأويله أن وجه القسم بهذه الأشياء يعرفه ذوو الحجر، وهم ذوو الألباب والحجا، لا أن يعرفه الجهلة.
قالوا : وموضع القسم على قوله :﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ [ الآية : ١٤ ].
وجائز أن يكون وقع التنازع في ما بينهم ؛ وكانوا يزعمون أن أوقات الحج، هي الليالي العشر، والشفع والوتر ليس بقسم بها.
وقيل١ :﴿ هل في ذلك قسم لذي حجر ﴾ أي للعاقل إذا تدبر فيها عرف أن هذا الأوقات [ التي يحتمل أن يقسم بها ]٢ وهذه الأوقات تدلهم على القول بالبعث.
وقيل :٣ إنما أقسم بهذه الأيام وخطرها عندهم لما فيها من صلاح معايشهم، ويكون لهم فيها سعة العيش : أما الفقراء فبالهدايا٤ والبدن، وأما غيرهم فبأنواع٥ المكاسب والتجارات ؛ فإنهم كانوا يعدون٦ الأشياء، ويهيؤونها٧ من السنة إلى السنة للتجارة في هذه الأيام [ فأقسم الله تعالى بها ]٨ لكونها معظمة عندهم.
وقيل : إن موضع القسم غير مذكور في هذه السورة لأنه كان على إثر حادثة عندهم معروفة، استغنى.
عن ذكرها لشهرتها عندهم، فأقسم إنها لحق، والله أعلم.
١ في الأصل وم: فقال..
٢ من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم..
٣ الواو ساقطة من الأصل وم..
٤ الفاء ساقطة من الأصل وم..
٥ الفاء ساقطة من الأصل وم..
٦ في الأصل وم: يستعدون..
٧ في الأصل وم: ويهيؤون..
٨ من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم..
الآيات ٦ – ١٠ : وقوله تعالى :﴿ ألم تر كيف فعل ربك بعاد ﴾ ﴿ إرم ذات العماد ﴾ ﴿ التي لم يخلق مثلها في البلاد ﴾ ﴿ وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ﴾ ﴿ وفرعون ذي الأوتاد ﴾ ؟ في ذكر نبإ عاد وثمود فوائد ثلاث :
أحدها : في موضع التخويف لأهل الذين كذبوا رسوله صلى الله عليه وسلم وهو أن أولئك القوم كانوا أكثر أموالا وأولادا وأعدادا وأكثر في القوة من هؤلاء الذين كذبوا محمدا، عليه أفضل الصلاة والسلام، فلم يغنهم ذلك كله من الله تعالى [ شيئا، بل الله تعالى ]١ انتقم منهم لرسله عليهم السلام بما كذبوهم. فما بال هؤلاء الذين كذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم لا يخافون مقته وحلول النقمة بتكذيبهم رسوله ؟ وليسوا بأكثر من أولئك في العدد والمال والقوة.
[ الثانية :]٢ أن أولئك كانوا يزعمون أنهم بالله تعالى أولى من أمة محمد عليه السلام وأتباعه لما بسط لهم من النعيم، وضيق على رسول وأتباعه، فتبين أن الذين تقدمهم من مكذبي الرسل كانوا أرفع منهم في القوى والأموال والأولاد والأعداد، وكانت رسلهم في ضيق من العيش، ثم كانوا هم أولى بالله تعالى من المكذبين المفتخرين بكثرة الأعداد والقوى، فبين لهم هذا ليعلموا أن ليس الأمر على ما ظنوا، وحسبوا.
والثالثة٣ : أنهم كانوا يمتنعون عن الإيمان بالله تعالى وبرسله، وكانوا يقولون :﴿ إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ﴾ [ الزخرف : ٢٣ ] فيكون في ذكر هذا نفي التقليد لأولئك لأنه كان في آبائهم من أهلك بتكذيبهم الرسل، وهم الفراعنة وأتباعهم، وفيهم من نجا، وهم الرسل وأتباعهم المصدقون لهم، فما بالهم قلدوا المهلكين منهم دون الذين نجوا ؟
ثم الآية لم تسق ليعرف نسب عاد وثمود وفرعون حتى يشتغل بتعرفه، وإنما سيقت للأوجه التي ذكرنا ؛ فالاشتغال بتعرف أنسابهم وأحوالهم نوع من التكلف.
وقوله تعالى :﴿ ألم تر كيف فعل ربك بعاد ﴾ فقوله :﴿ ألم تر ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أي قد رأيت كما يقال في الشاهد : ألم تر إلى ما فعل فلان، أي قد رأيت، وعلمت، فيخبره بصنيعه على جهة التشكي منه.
[ الثاني ]٤ : أنه يكون هذا ابتداء إعلام منه، فيقول له : اعلم أن ربك فعل بعاد كذا.
واختلفوا في قوله تعالى :﴿ إرم ﴾ فقال بعضهم : هو أبو عاد، وقال بعضهم : أبو القبيلة، فنسب إليه عاد كما يقال : هو من بكر بن وائل، وإن لم يكن ابنه.
وقال بعضهم :﴿ إرم ﴾ مساكن عاد، وقيل : هو اسم الذي بنى تلك الأماكن.
وقوله :﴿ ذات العماد ﴾ قال بعضهم : ذات الأجسام الطوال كما ذكر في القصة، وقال بعضهم : ذات البناء المشيد المرفوع في السماء كالعمد الطوال، فيرجع إلى الإرم على تأويل من جعله عبارة عن المساكن، وقال بعضهم ﴿ ذات العماد ﴾ هي الخيام، لها أطناب وعمد ؛ كانوا أصحاب خيام وقباب، وكانت مساكنهم مرفوعة بالعماد.
وقوله تعالى :﴿ التي لم يخلق مثلها في البلاد ﴾ قال بعضهم : هذا وصف القوم بالشدة والقوة وعظم القوة والخلقة وفضل البصر في الأمور كقوله تعالى :﴿ وزادكم في الخلق بصطة ﴾ [ الأعراف : ٦٩ ] وقوله٥ حكاية عنهم :﴿ وقالوا من أشد منا قوة ﴾ [ فصلت : ١٥ ] وقوله تعالى :﴿ وكانوا مستبصرين ﴾ [ العنكبوت : ٣٨ ] فوصفهم بفضل البصر.
وجائز أن يكون أريد بها المساكن التي٦ بنوها أن ليس مثلها في البلاد.
وقوله تعالى :﴿ وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ﴾ قال بعضهم : اتخذوا من الصخور جوابي أي قصاعا كما قال تعالى :﴿ وجفان كالجواب ﴾ [ سبإ : ١٣ ] وقال بعضهم :[ نحتوا ]٧ في الصخور بيوتا كقوله تعالى :﴿ ينحتون من الجبال بيوتا آمنين ﴾ [ الحجر : ٨٢ ] فيكون في هذا إخبار عن قواهم وشدتهم.
وقوله تعالى :﴿ وفرعون ذي الأوتاد ﴾ قال بعضهم : سماه ذا الأوتاد، والوتد الجبل، وقال بعضهم : سمي ذا الأوتاد لأنه كانت له أوتاد نصبها لتعذيب من غضب عليه، وقال بعضهم : إنه كان نصّب على الطريق أناسا : على كل طريق إنسانا راصدا وحافظا. وقيل : أي ذو قصور وبنيان مشيدة مرفوعة تشبه الجبال ؛ إذ هي أوتاد الأرض.
١ من م، ساقطة من الأصل..
٢ في الأصل وم: وفائدة أخرى..
٣ في الأصل وم: والثالث..
٤ في الأصل وم: ويحتمل..
٥ في الأصل وم: وقال..
٦ في الأصل وم: الذين..
٧ ساقطة من الأصل وم..
فلان؛ أي: قد رأيت وعلمت، فتخبره بصنيعه على جهة التشكي منه.
ويحتمل أن يكون هذا ابتداء إعلام منه، فيقول له: اعلم أن ربك فعل بعاد كذا.
واختلفوا في قوله: (إِرَمَ... (٧):
فقَالَ بَعْضُهُمْ: هو أبو عاد.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أبو القبيلة؛ فنسبت إليه عاد؛ كما يقال: هو من بكر بن وائل، وإن لم يكن ابنه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الإرم مساكن عاد.
وقيل: هو اسم الذي بني تلك الأماكن.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَاتِ الْعِمَادِ): قَالَ بَعْضُهُمْ: ذات الأجساد الطوال، أي: عاد ذات الأجساد الطوال، كما ذكر في القصة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ذات البناء المشيد المرفوع في السماء كالعمد الطوال؛ فيرجع إلى الإرم على تأويل من جعله عبارة عن المساكن.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ذات العماد هي الخيام لها أطناب وعمد، وكانوا أصحاب خيام وقباب، وكانت مساكنهم مرفوعة بالعماد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (٨):
قَالَ بَعْضُهُمْ: هذا وصف القوم بالشدة والقوة وعظم الخلقة، وفضل البصر في الأمور؛ كقوله - تعالى -: (وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً)، وقال حكاية عنهم: (وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)، وقال - تعالى -: (وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ)، فوصفهم بفضل البصر.
وجائز أن يكون أريد بها المساكن التي بنوها أن ليس مثلها في البلاد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (٩):
قَالَ بَعْضُهُمْ: اتخذوا من الصخور جوابي -أي: قصاعا- كما قال تعالى: (وَجِفَانٍ
كَالْجَوَابِ).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قطعوا في الصخور بيوتا؛ كقوله: (يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ)؛ فيكون في هذا إخبار عن قواهم وشدتهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (١٠):
قَالَ بَعْضُهُمْ: سماه: ذا الأوتاد، والوتَد: الحبل.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: سمي: ذا الأوتاد؛ لأنه كانت له أوتاد نصبها لتعذيب من غضب عليه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إنه كان نصب على الطرق أناسا، على كل طريق إنسانا راصدا وحافظا.
وقيل: أي: ذو قصور وبنيان مشيدة مرفوعة تشبه الجبال؛ إذ هي أوتاد الأرض.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (١٢) طغيانهم في البلاد: تمردهم وعتوهم فيها.
وقوله: (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (١٣):
قَالَ بَعْضُهُمْ: عذبهم بسوطهم الذي كانوا به يعذبون الخلق، ويضربونهم.
وقال أبو بكر الأصم: إن السوط لون من العذاب؛ فعذب عادًا بلون منه، وعذب ثمود بلون منه، وفرعون وأتباعه بلون منه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (١٤):
قال أبو بكر الأصم: يرصد عذابه بأعدائه ينتظر به آجالهم، ثم يوقع بهم العذاب إذا أتى الأجل.
وعندنا: أنه يرصد عليهم ما عملوا، فلا يشتد عليه، ولا يعزب عنه شيء من علمهم؛ بل يحفظ عليهم ما استتر منه وما ظهر.
وقيل: أي: لا يجاوزه ظلم ظالم، ولا يفوته هارب.
ثم لم ينصرف وهم أحد في قوله - تعالى -: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) إلى إتيان مكان، فما بال بعض الناس انصرف وهمهم في قوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)،
الآيتان ١١ و١٢ : وقوله تعالى :﴿ الذين طغوا في البلاد ﴾ ﴿ فأكثروا فيها الفساد ﴾ وطغيانهم في البلاد، وتمردهم وعتوهم فيها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:الآيتان ١١ و١٢ : وقوله تعالى :﴿ الذين طغوا في البلاد ﴾ ﴿ فأكثروا فيها الفساد ﴾ وطغيانهم في البلاد، وتمردهم وعتوهم فيها.
الآية ١٣ : وقوله تعالى :﴿ فصب عليهم ربك سوط عذاب ﴾ قال بعضهم : عذبهم بسوطهم الذي كانوا يعذبون الخلق/٦٤٠ – أ/ ويضربونهم [ به ]١.
وقال أبو بكر الأصم : إن السّوط لون من العذاب، فعذب عادا بلون منه، وعذب ثمود بلون منه.
١ ساقطة من الأصل وم..
الآية ١٤ : وقوله تعالى :﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ قال أبو بكر الأصم : يرصد عذابه بأعدائه، ينتظر به آجالهم، ثم يوقع بهم العذاب إذا أتى الأجل.
وعندنا أنه يرصد عليهم ما عملوا، فلا يشتد عليه، ولا يعزب عنه شيء من عملهم، بل يحفظ عليهم ما استتر منها وما ظهر.
وقيل : أي لا يجاوزه ظلم ظالم، ولا يفوته هارب. فلا١ ينصرف وهم أحد في قوله تعالى :﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ إلى إيثار مكان. فما بال بعض الناس انصرف وهمهم في قوله تعالى :﴿ الرحمان على العرش استوى ﴾ [ طه : ٥ ] إلى جعل العرش مكانا له ؟
١ في الأصل وم: ثم لم..
على: جعل العرش مكانا له.
* * *
قوله تعالى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (١٦) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (٢٣) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (٢٦) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ. كَلَّا) الإشكال أن يقول قائل: قول ذلك الإنسان: (رَبِّي أَكْرَمَنِ)، و (رَبِّي أَهَانَنِ) خرج موافقا لما قاله الرب تعالى؛ لأنه قال: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ)؛ فخرج قوله: (رَبِّي أَكْرَمَنِ) على الموافقة لما قال، وكذا قول هذا الإنسان حيث ابتلي بنقيضه: (رَبِّي أَهَانَنِ)، خرج موافقا لما قال: (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ)، فإذا كان الأول إكراما كان الذي يضاده إهانة؛ ألا ترى أن اللَّه - تعالى - سمى المال: خيرا، والفقر: شرا، وسمى المطيع: محسنا، والعاصي: مسيئا، فكذا إذا استقام القول بالإكرام عندما ينعم عليه ويكرم، استقام القول بالإهانة إذا ضيق عليه الرزق ولم يكرم، وإذا كان هكذا فكيف رد عليه مقالته بقوله: (كَلَّا)، وهو في ذلك صادق.
ولكن نحن نقول: إن الرد بقوله: (كَلَّا) لم يقع على نفس القول، ولا انصرف إليه، وإنما انصرف إلى ما أراده بقوله؛ لأن القائل بهذا كافر باللَّه تعالى وباليوم الآخر، وكان يقول: لا بعث ولا جزاء، وإنَّمَا يجازون بأعمالهم في هذه الدنيا، فمن أحسن أحسن له، ومن أساء أهين؛ فيكون قوله: (كَلَّا)، أي: ليس الأمر كما صوره في
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:الآيات ١٥ و١٦ و١٧ : وقوله تعالى :﴿ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ﴾ ﴿ وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن ﴾ ﴿ كلا بل لا تكرمون اليتيم ﴾ والإشكال أن يقول قائل : قول ذلك الإنسان :﴿ ربي أكرمن ﴾ و ﴿ ربي أهانني ﴾ خرج موافقا لما قاله الرب تعالى لأنه قال :﴿ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ﴾ فخرج قوله :﴿ ربي أكرمن ﴾ على الموافقة لما قال، وكذا قول هذا الإنسان حين١ ابتلي بنقيضه ﴿ ربي أهانن ﴾ خرج موافقا لما قال :﴿ وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه ﴾.
فإذا كان الأول إكراما كان الثاني٢ يضاده إهانة. ألا ترى أن الله تعالى سمى المال خيرا والفقر شرا، وسمى المطيع محسنا والعاصي مسيئا، فكذا إذا استقام القول٣ بالإكرام عندما ينعم عليه، ويكرمه٤، استقام القول٥ بالإهانة إذا ضيق عليه الرزق، ولم يكرمه٦ ؟.
فإذا كان هكذا فكيف رد عليه مقالته بقوله :﴿ كلا ﴾ وهو في ذلك صادق.
ولكن نحن نقول : إن الرد بقوله :﴿ كلا ﴾ لم يقع على نفس القول، ولا انصرف إليه، وإنما انصرف إلى ما أراده بقوله ؛ لأن القائل بهذا كافر بالله تعالى وباليوم الآخر، فكأنه٧ يقول : لا بعث، ولا جزاء. وإنما يجازون بأعمالهم في هذه الدنيا. فمن أحسن أحسن إليه به، ومن أساء أهين به، فيكون قوله :﴿ كلا ﴾ أي ليس الأمر كما صوره في نفسه، بل الدنيا دار عمل، وللجزاء بالكفر والإيمان دار الآخرة.
وهذا كقوله :﴿ إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ﴾ [ المنافقون : ١ ] وهم لم يكونوا كاذبين في شهادتهم ومقالتهم، بل كانوا صادقين أنه رسول الله وأن الله تعالى يعلم أنه رسوله، ولكنهم كانوا اعتقدوا تكذيبه في قلوبهم، فكانوا يظهرون خلاف ما أضمروا في أنفسهم. [ وإلى ]٨ ما أضمروا انصرف التكذيب لا إلى نفس القول ؛ كذا هذا.
ولأن أهل الكفر كانوا أصنافا ؛ فمنهم من كان يرى إذا بسط عليه النعيم في الدنيا، وأكرم، فإنما بسط عليه لما استوجبه بفعله، وإذا ضيق عليه، وابتلي بالشدة، فإنما ضيق عليه بإساءته وبما كسبت يداه، ومنهم من كان يظن أنه من الله بمنزلة، وأنه استوجب الإنعام، وأنه إذا ابتلي بضيق العيش، وأضاقته شدة [ فإنما ]٩ أصابه ذلك من عند محمد عليه السلام فيتشاءم به. ألا يرى إلى قوله :﴿ وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك ﴾ ؟ [ النساء : ٧٨ ]. وعلى هذا كان ظن فرعون ؛ قال الله تعالى :﴿ فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ﴾ [ الأعراف : ١٣١ ].
فقوله تعالى :﴿ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه ﴾ أي أكرمه في نفسه بأن أصح جسمه، أو جعله رئيس قومه ﴿ ونعمه ﴾ أي بسط الدنيا عليه ﴿ فيقول ربي أكرمن ﴾ فكان يبطر بذلك. وقوله تعالى :﴿ وأما إذا ما ابتلاه ﴾ أي إذا اختبره، فضيق ﴿ عليه رزقه فيقول ربي أهانن ﴾ فكان يظهر بذلك الجزع. والله تعالى اختبره بالنعم ليستأدي بما أنعم [ شكره ]١٠ وابتلاه بضيق العيش ليصبر، لا ليجزع ؛ فلا شكر هذا النعم، بل بطر، ولا صبر هذا على الشدائد، بل جزع. فجائز أن يكون قوله :﴿ كلا ﴾ منصرفا إلى هذا ردا لاعتقادهم وصنيعهم، وهو أنه يكرم، ولم ينعم ليبطر به، ولا ضيق عليه رزقه ليجزع، بل إنما أنعم ليشكر، وقدر عليه رزقه ليصبر، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ بل تكرمون اليتيم ﴾ فجائز أنهم كانوا لا يكرمونه١١، ويهينونه مع ذلك، لأن إكرام اليتيم ليس بواجب، أما أهانته فحرام١٢.
وجائز ألا تثبت الإهانة فيهم مع نفي الإكرام، لأن الإيجاب إذا ذكر في مضادة الإيجاب اقتضى ذلك إثبات المقابلة، وإذا ذكر الإيجاب في مضادة النفي أمكن أن تثبت فيه المقابلة، وأمكن ألا تثبت.
ألا ترى إذا قيل : فلان جائز كان إثبات المقابلة، هو نفي العدل، لأن قوله : جائر إثبات الجور، فكان في ذكره نفي العدالة، وفيه إثبات المقابلة، وإذا قلت : ليس بعدل لم يكن فيه تحقيق لإثبات المقابلة أيضا ؟ قال الله تعالى :﴿ فما ربحت تجارتهم ﴾ [ البقرة : ١٦ ] فكان في نفي الربح إثبات المقابلة في أنها خسرت.
ثم إكرام اليتيم ههنا يحتمل أوجها ثلاثة :
أحدها : أن يكرمه في أن يحفظ عليه ماله حتى لا يضيعه، ويكرمه في نفسه، وهو أن يتعاهد أحواله عن أن يدخل فيها خلل.
والوجه الثاني : أن يكرمه، فيعلّمه آداب الشريعة، ويرشده إليها.
والوجه الثالث : أن يكرمه، فيبذل له من ماله قدر حاجته إليه، ويصطنع إليه المعروف، فيكون التعبير ههنا في إعالة اليتيم أن يترك الإكرام الذي هو من باب حفظ ماله، فيكون تضييعا، والله أعلم.
١ في الأصل وم: حيث..
٢ في الأصل وم: الله..
٣ في الأصل وم: القوم..
٤ في الأصل وم: ويكرم..
٥ في الأصل وم: القول..
٦ في الأصل وم: يكرم..
٧ الهاء ساقطة من الأصل وم..
٨ من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم..
٩ ساقطة من الأصل وم..
١٠ ساقطة من الأصل وم..
١١ في الأصل وم: يكرمون..
١٢ الفاء ساقطة من الأصل وم..

نفسه؛ بل الدنيا دار عمل، وللجزاء بالكفر والإيمان دار أخرى، وهذا كقوله: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)، وهم لم يكونوا كاذبين في شهادتهم ومقالتهم، بل كانوا صادقين أنه رسول اللَّه، وإن اللَّه - تعالى - يعلم أنه رسوله، ولكنهم كانوا اعتقدوا تكذيبه في قلوبهم؛ فكانوا يظهرون خلاف ما أضمروا في أنفسهم؛ فإلى ما أضمروا انصرف التكذيب، لا إلى نفس القول؛ كذا هذا.
ولأن أهل الكفر كانوا أصنافا: فمنهم من كان يرى إذا بسط عليه النعيم في الدنيا وأكرم فإنما بسط عليه لما استوجبه بفعله، وإذا ضيق عليه وابتلي بالشدة فإنما ضيق عليه بإساءته وبما كسبت يداه.
ومنهم من كان يظن أنه من اللَّه - تعالى - بمنزلة، وأنه مستوجب للإنعام، وأنه إذا بلي بضيق العيش وأصابته شدة، أصابه ذلك من عند مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام؛ فيتشاءمون به؛ ألا ترى إلى قوله: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ)؛ وعلى هذا كان ظن فرعون وقومه؛ قال اللَّه - تعالى -: (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ).
فقوله: [(فَأَكْرَمَهُ)]، أي: أكرمه في نفسه بأن أصح جسمه، أو جعله رئيس قومه، (وَنَعَّمَهُ)، أي: بسط الدنيا عليه: (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ)؛ فكان ينظر بذلك.
وقوله: (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ) أي: إذا اختبره؛ نضيق عليه رزقه، فيقول: (رَبِّي أَهَانَنِ)؛ فكان يظهر بذلك الجزع واللَّه - تعالى - اختبره بالنعم؛ ليستأدي منه الشكر بما أنعم، وابتلاه بضيق العيش؛ ليصبر، لا ليجزع؛ فلا شكر هذه النعم بل بطر، ولا صبر على الشدائد؛ بل جزع؛ فجائز أن يكون المراد بقوله: (كَلَّا)، منصرفا إلى هذا ردا لاعتقادهم وصنيعهم، وهو أنه لم يكرم ولم ينعم ليبطر به، ولا ضيق عليه رزقه ليجزع، بل إنما أنعم ليشكر، وقدر عليه رزقه ليصبر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) جائز أنهم كانوا لا يكرمونه ويهينونه مع ذلك؛ لأن إكرام اليتيم ليس بواجب، أما إهانته فحرام.
وجائز ألا يثبت الإهانة منهم مع نفي الإكرام؛ لأن الإيجاب إذا ذكر في مضادة الإيجاب اقتضى ذلك إثبات المقابلة وإذا ذكر الإيجاب في مضادة النفي، أمكن أن تثبت فيه المقابلة، وأمكن ألا تثبت؛ ألا ترى: أنه إذا قيل: فلان جائر، كان فيه إثبات المقابلة وهي نفي العدل؛ لأن في قوله: " جائر " إثبات الجور؛ فكان في ذكره نفي العدالة، وفيه إثبات المقابلة، وإذا قلت: ليس بعدل، لم يكن فيه تحقيق لإثبات المقابلة وهو الجور، بل يجوز أن يكون جائرًا، ويجوز ألا يكون، وقد يراد بالنفي إثبات المقابلة أيضا؛ قال اللَّه تعالى: (فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ)؛ فكان في نفى الربح إثبات المقابلة في أنها خسرت.
ثم إكرام اليتيم هاهنا يحتمل أوجها ثلاثة:
أحدها: أن يكرمه في أن يحفظ عليه ماله حتى لا يضيعه، ويكرمه في نفسه، وهو أن يتعاهد أحواله عن أن يدخل فيها خلل.
والوجه الثاني: أن يكرمه؛ فيعلمه آداب الشريعة، ويرشده إليها.
والوجه الثالث: أن يكرمه؛ فيبذل له من ماله قدر حاجته إليه، ويصطنع إليه المعروف؛ فيكون التعيير هاهنا في إهانة اليتيم أن يترك الإكرام الذي هو من باب حفظ ماله؛ فيكون تضييعا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (١٨) أي: لا يحثون غيرهم على إطعام المساكين.
وجائز أن يحضوا ولا يتولوا بأنفسهم الإطعام.
ويحتمل ألا يتولوا ذلك بأنفسهم، ويحضوا غيرهم.
ففي هذه الآية ترغيب للمسلمين بإكرام اليتيم وتعاهد ماله، وتبيين أن عليهم أن يطعموا بأنفسهم، وأن يحثوا الأغنياء بإطعام المساكين، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (١٩) فاللم: الجمع؛ يقال: لم المال؛ إذا جمع؛ فكأنه يقول: يجمعون ما لم يرثوه بأنفسهم -وذلك نصيب الأيتام- إلى
الآية ١٩ : وقوله تعالى :﴿ وتأكلون التراث أكلا لما ﴾ فاللم الجمع ؛ يقال : لمّ المال أن جمع، فكأنه يقول : يجمعون ما لم يرثوه بأنفسهم، وذلك نصيب الأيتام إلى ما يرثوا من أنصبائهم، فيأكلونه١ جميعا وقال بعضهم :﴿ وتأكلون التراث أكلا لما ﴾ أي شديدا.
١ في الأصل وم: فيأكلون..
ما يرثون من أنصبائهم، فيأكلونه جميعا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا)؛ أي: شديدا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) قال أبو بكر: أي: تحبوته حبا وفيا وافرًا ليس فيه قصور؛ فيكون فيه إخبار عن غاية حبهم الدنيا وشدة حرصهم عليها.
وجائز أن يكون على التقديم والتأخير، وهو أنهم يحبون المال الجم حبا؛ أي: المال الكثير.
وقوله: (كَلَّا... (٢١)؛ ردع وتنبيه:
فمنهم من رد هذا الردع إلى قوله: (رَبِّي أَكْرَمَنِ)، و (رَبِّي أَهَانَنِ)، فكأنه يقول: كلا ليست هذه الدار دار جزاء؛ فيكون الإهانة والإكرام بحق الجزاء، وإنما هي دار محنة وابتلاء.
ومنهم من حمله على الابتداء، فقال: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) بمعنى حقا، يخبر عن ندمه في تركه الإكرام لليتيم، وترك إطعام المسكين والحض عليه: (إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ) أي: دقت وكسرت، وذلك يوم الحساب والبعث.
وقوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) يحتمل أوجها:
أحدها: أن يكون معناه: وجاء ربك بالملك؛ إذ يجوز أن تستعمل الواو مكان الباء؛ ألا ترى إلى قوله - تعالى -: (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ)، ومعناه: بربك، وإذا حمل على هذا ارتفعت الشبهة، واتضح الأمر؛ لأنه لو كان قال: وجاء ربك بالملك، لكان لا ينصرف وهم أحد إلى الانتقال من مكان إلى مكان، وقال - تعالى -: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ)، ومعناه - واللَّه أعلم -: بظلل من الغمام؛ لأنه قال في موضع آخر: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ)؛ فثبت أن معناه ما ذكرنا وإذا ثبت هذا ارتفع الريب والإشكال.
ومنهم من ذكر أن معنى قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ)، وقوله: (إِلَّا أَن يَأتِيَهُمُ اللَّهُ)، أي: أمر اللَّه؛ دليله ما ذكر في سورة النحل قوله: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ)، فذكر مكان قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ): (أَمْرُ رَبِّكَ).
523
ويحتمل أن يكون قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ)، أي: جاء وعده ووعيده، فنسب المجيء إلى اللَّه تعالى، وإن لم يكن ذلك وصفا له؛ لأنه يجوز أن تنسب آثار الأفعال إلى اللَّه - تعالى - نسبة حقيقة الفعل وإن لم يوصف به، كما قال اللَّه - تعالى -: (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا)، فأضيف النفخ إليه وإن لم يوصف بأنه نافخ، وقال: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)، فأضيفت الكتابة إليه وإن لم يوصف بأنه كاتب؛ لما أن ما ظهر من آثار فعله، ويقال: المطر رحمة اللَّه؛ أي: من آثار رحمته، لا أن يكون المطر صفة له، ويقال. الصلاة أمر اللَّه، والزكاة أمر اللَّه، أي: بأمر اللَّه نصلي، وبأمره نزكي، لا أن يكونا وصفين له.
ووجه آخر: أن يكون معنى قوله - تعالى -: (وَجَاءَ رَبُّكَ)، أي: جاء الوقت الذي به صار إنشاء هذا العالم حكمة؛ إذ لولا البعث للجزاء، لكان إنشاء هذا العالم ثم الإهلاك خارجا مخرج العبث؛ لما وصفناه من قبل؛ لقوله: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)؛ فثبت أن خلقه إنما صار حكمة بالبعث، وقال اللَّه تعالى: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)، وقد كان الملك له قبل ذلك اليوم، ولكن ملكه لكل أحد يتبين في ذلك الوقت، وقال: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا)، وقد كان كل شيء له بارزًا، ولكن معناه: أنه أتى الوقت الذي له برز الخلائق.
ثم الأصل في كل ما أضيف إلى اللَّه - تعالى - أن ينظر إلى ما يليق أن يوصل بالمضاف إليه، فتصله به وتجعله مضمرا فيه، قال اللَّه - تعالى -: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ)، ولم يفهم إثبات الحضور، وكان معناه: أن علمه محيط بهم، وهو مطلع عليهم.
وقال: (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا)، ولم يفهم به الانتقال؛ بل كان معناه: أنه جاءهم بأسه، وجاء لأوليائه نصره.
وقال: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ)، ولم يفهم بهذا الإتيان ما فهم من الإتيان الذي يضاف إلى الخلق.
524
وقال اللَّه، تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ)، وكان معناه: إن تنصروا دين اللَّه؛ لا أن اللَّه - تعالى - يلحقه ضعف يحتاج إلى من يقويه.
وقال اللَّه، تعالى: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ)، وكان معناه: أنه يحذركم عذابه؛ لا أن أريد به تحقيق النفس.
ومثل هذا في القرآن أكثر من أن يحصى؛ فثبت أن محل الإضافات ما ذكرنا؛ فلذلك حمل على الوعد والوعيد، أو على الوقت الذي به صار خلق العالم حكمة، أو على ما صلح فيه من الإضمار.
ومما يدل على أنه لا يفهم بالمجيء معنى واحد، بل يقتضي معاني: أن المجيء إذا أضيف إلى الأعراض، فُهِم به غير الذي يفهم به إذا أضيف إلى الأجسام؛ فإنه إذا أضيف إلى الأعراض أريد به الظهور؛ قال اللَّه تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ)، ومعناه: إذا ظهر نصره، ولم يرد به الانتقال، ولو كان مضافا إلى الجسم، فهم منه الانتقال من موضع إلى موضع.
وقال اللَّه تعالى: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ)، ومعناه: ظهر الحق، واضمحل الباطل، لا أن يكون الحق في مكان، فنقل عنه إلى غيره؛ فثبت أن المجيء إذا أضيف إلى شيء وجب أن يوصل به ما يليق به؛ لا أن يفهم به كله معنى واحد.
وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال - حكاية عن اللَّه تعالى -: " من تقرب إليَّ شبرا تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إليَّ ذراعا، تقربت إليه باعا، ومن أتاني ساعيا أتيته هرولة " ولم يفهم من هذا التقرب ما يفهم منه إذا أضيف إلى الخلق، وكان معناه: من تقرب إليَّ بالطاعة والعبادة تقربت إليه بالتوفيق والنصر أو بالإحسان والإنعام.
وقال موسى - عليه أن سلام -: " يا رب أقريب أنت فأناجيك أو بعيد فأناديك؟! "، ولم يرد به المكان؛ وإنما أراد بقوله: أراضٍ أنت عني فأناجيك، أو ساخط عليَّ فأناديك في أن أعلن بالبكاء والتضرع؟!
ثم الأصل في المجيء المضاف إلى اللَّه - تعالى - أن يتوقف فيه، ولا يقطع الحكم على شيء؛ لما ذكرنا أن المجيء ليس يراد به وجه واحد؛ لأنه إذا أضيف إلى الأعراض
525
الآية ٢١ : وقوله تعالى :﴿ كلا ﴾ [ حرف ]١ ردع وتنبيه ؛ فمنهم من رد هذا الردع إلى قوله تعالى :﴿ ربي أكرمن ﴾ و ﴿ ربي أهانن ﴾ /٦٤٠ – ب/ فكأنه يقول : كلا، ليست هذه الدار دار جزاء، فتكون الإهانة والإكرام بحق الجزاء، وإنما هي دار محنة وابتلاء.
ومنهم من حمله على الابتداء، فقال :﴿ كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ﴾ دكا بمعنى حقا، يخبر عن مذمة من ترك الإكرام لليتيم، وترك إطعام المسكين والحض عليه، إذا دكت الأرض، أي دقت، وكسرت، وذلك يوم الحساب والبعث.
١ ساقطة من الأصل وم..
الآية ٢٢ : وقوله تعالى :﴿ وجاء ربك والملك صفا صفا ﴾ يحتمل أوجها :
أحدها : أن يكون معناه : وجاء ربك بالملك، إذ يجوز أن تستعمل الواو مكان الباء ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿ قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا ﴾ ؟ [ المائدة : ٢٤ ] ومعناه : بربك. وإذا حمل على هذا ارتفعت الشبهة، واتضح الأمر، لأنه لو كان قال : وجاء ربك بالملك لكان لا ينصرف وهم أحد إلى الانتقال من مكان إلى مكان، وقال تعالى :﴿ هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ﴾ [ البقرة : ٢١٠ ] ومعناه، والله أعلم، بظلل من الغمام لأنه قال في موضع آخر :﴿ ويوم تشقق السماء بالغمام ﴾ [ الفرقان : ٢٥ ] فثبت أن معناه ما ذكرنا. وإذا ثبت هذا ارتفع الريب والإشكال.
[ والثاني ]١ : أم معنى قوله :﴿ إلا أن يأتيهم الله ﴾ أي أمر الله، دليله ما ذكر في سورة النحل :﴿ هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك ﴾ [ النحل : ٣٣ ] فذكر مكان قوله :﴿ وجاء ربك ﴾ أمر ربك.
[ الثالث ]٢ : أن يكون قوله :﴿ وجاء ربك ﴾ أي جاء وعده ووعيده، فنسب المجيء إلى الله تعالى، وإن لم يكن ذلك وصفا لأنه لا يجوز أن تنسب آثار الأفعال إلى الله تعالى نسبة حقيقة الفعل، وإن لم يوصف به كما قال الله تعالى :﴿ فنفخنا فيه من روحنا ﴾ [ التحريم : ١٢ ] فأضيف النفخ إليه، وإن لم يوصف بأنه نافخ، وقال :﴿ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ﴾ [ المائدة : ٤٥ ] فأضيفت الكتابة إليه، وإن لم يوصف بأنه كاتب لما ظهر من آثار فعله.
ويقال : المطر رحمة الله أي آثار رحمته، لا أن تكون المطر صفة له.
[ والرابع : ما ]٣ يقال : الصلاة أمر الله والزكاة أمر الله أي بأمر الله يصلى، وبأمره يزكى، لا أن يكونا وصفين، ووجهه أن يكون معنى قوله تعالى :﴿ وجاء ربك ﴾ أي جاء الوقت الذي به صار إنشاء هذا العالم حكمة ؛ إذ لولا البعث للجزاء لكان إنشاء هذا العالم ثم الإهلاك خارجا مخرج العبث لما وصفناه من قبل لقوله :﴿ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ﴾ [ المؤمنون : ١١٥ ].
فثبت أن٤ خلقه إنما صار حكمة بالبعث ؛ قال تعالى :﴿ لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ﴾ [ غافر : ١٦ ] وقد كان الملك له قبل ذلك اليوم، ولكن ملكه لكل أحد يتبين في ذلك الوقت، وقال :﴿ وبرزوا لله جميعا ﴾ [ إبراهيم : ٢١ ] وقد كان كل شيء له بارزا. ولكن معناه أنه أتى الوقت الذي له برز الخلائق.
ثم الأصل في كل ما أضيف إلى الله تعالى أن تنظر إلى ما يليق أن يوصل بالمضاف إليه، فتصله به، وتجعله مضمرا فيه. قال الله تعالى :﴿ ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ﴾ [ المجادلة : ٧ ] لم٥ يفهم إثبات الحضور، بل٦ كان معناه أن علمه محيط بهم، وهو مطلع عليهم، وقال :﴿ فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ﴾ [ الحشر : ٢ ] لم يفهم به الانتقال، بل كان معناه : أنه جاءهم بأسه، وجاء لأوليائه نصره، وقال :﴿ قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم ﴾ [ النحل : ٢٦ ] لم٧ يفهم بهذا الإتيان ما فهم من الإتيان الذي يضاف إلى الخلق، وقال تعالى :﴿ إن تنصروا الله ينصركم ﴾ [ محمد : ٧ ] بل٨ كان معناه : إن تنصروا دين الله، لا أن الله تعالى يلحقه ضعف يحتاج إلى من يقويه، وقال الله تعالى :﴿ ويحذركم الله نفسه ﴾ [ آل عمران : ٢٨ ] كان٩ معناه : أنه يحذركم عذابه لا أن أريد به تحقيق النفس، ومثل هذا القرآن كثير، لا١٠ يحصى.
فثبت أن محل الإضافات ما ذكرنا. فلذلك حمل على الوعد والوعيد أو على الوقت الذي صار خلق العالم حكمة أو على ما صلح فيه من الإضمار.
ومما يدل على أنه لا يفهم بالمجيء واحد، بل يقتضي أن مجيء إذا أضيف إلى الأعراض فهم به غير الذي يفهم به إذا أضيف إلى الأجسام ؛ فإنه إذا أضيف إلى الأعراض أريد به الظهور. قال الله تعالى :﴿ إذا جاء نصر الله والفتح ﴾ [ النصر : ١ ] ومعناه : إذا ظهر نصره، ولم يرد به الانتقال، ولو كان مضافا إلى الجسم فهم منه الانتقال من موضع إلى موضع، وقال الله تعالى :﴿ وقل جاء الحق وزهق الباطل ﴾ [ الإسراء : ٨١ ] ومعناه : ظهر الحق، واضمحل الباطل، لا أن كان١١ الحق في مكان، فنقل عنه إلى غيره.
فثبت أن المجيء إذا أضيف إلى شيء، وجب أن يوصل به ما يليق به لا أن يفهم به كله معنى واحد.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حكاية عن الله تعالى :( ( من تقرب إلي شبرا تقربت إليه باعا، ومن أتاني ساعيا أتيته هرولة ) ) [ البخاري ٧٤٠٥ ومسلم ٢٦٧٥ ] لم يفهم من هذا التقريب ما يفهم به إذا أضيف إلى الخلق، وكان معناه : من تقرب إلي بالطاعة والعبادة تقربت إليه بالتوفيق والنصر أو بالإحسان والإنعام.
وقال موسى، على نبينا عليه السلام :( ( يا رب أقريب فأناجيك أم١٢ بعيد فأناديك ) ) ؟ ولم يرد به المكان، وإنما أراد بقوله : أراض أنت فأناجيك أم١٣ ساخط علي فأناديك في أن أعلن بالبكاء والتضرع ؟
ثم الأصل في المجيء المضاف إلى الله تعالى أن يتوقف فيه، ولا يقطع الحكم على شيء لما ذكرنا أن المجيء ليس يراد به [ وجه واحد ]١٤ لأنه إذا أضيف إلى الأعراض أريد به غير الذي يراد به إذا أضيف إلى الأجسام والأشخاص، والله تعالى١٥ لا يوصف بالجسمية حتى يفهم من مجيئه ما يفهم من مجيء الأجسام، ولا يوصف بالعرض ليراد به ما يراد من مجيء الأعراض ؛ فحقه الوقف في تفسيره مع اعتقاد ما ثبت بالتنزيل من غير نسبة، والله أعلم.
١ في الأصل وم: ومنهم من ذكر..
٢ في الأصل وم: ويحتمل..
٣ في الأصل وم: و..
٤ في الأصل وم: أنه..
٥ في الأصل وم: ولم..
٦ في الأصل وم: و..
٧ ي الأصل وم: ولم..
٨ في الأصل وم: و..
٩ ي الأصل وم: وكان..
١٠ في الأصل وم: من ان..
١١ في الأصل وم: يكون..
١٢ في الأصل وم: أو..
١٣ في الأصل وم: أو..
١٤ في الأصل وم: وجها واحدا..
١٥ في الأصل وم: أعلم، في م: أعلم، والله تعالى..
أريد به غير الذي يراد به إذا أضيف إلى الأجسام والأشخاص، واللَّه أعلم.
واللَّه تعالى لا يوصف بالجسمية حتى يفهم من مجيئه ما يفهم من مجيء الأجسام، ولا يوصف بالعرض؛ ليراد به ما يراد من مجيء الأعراض؛ فحقه الوقف في تفسيره مع اعتقاد ما ثبت بالتنزيل من غير تشبيه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (٢٣).
قيل فيه من أوجه:
أحدها: أنها أظهرت وبرزت لأهلها، على ما قال في آية أخرى: (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ)، لا أنها كانت في مكان فنقلت عنه، وقد يراد بالمجيء الظهور، قال اللَّه - تعالى -: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ)، ومعناه: ظهو لكم، لا أن كان في مكان آخر فجيء به إليهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: جيء بأهلها إليها -أي: إلى جهنم- فيكون حقيقة المجيء من الأهل، ثم نسب إليها؛ لأنهم إذا أتوها فقد أتتهم هي، وهو كقوله: (إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا)؛ فنسب الإتيان إلى الذي يأتيه الوعد؛ فيكون الوعد هو الذي يأتي أهله.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ)، أي: يجيء زفرتها وشهيقها وتغيظها على أهلها، لا أن تغير عن مكانها.
ومنهم من حمله على حقيقة المجيء؛ فذكر أنه يؤتى بها ولها سبعون ألف زمام، على كل زمام سبعون ألف ملك، واللَّه أعلم بذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ) يحتمل أن يتذكر إشفاق الأنبياء - عليهم السلام - ونصحهم لهم؛ فيعلم أنه كان فيما توهم بهم من الظنون القاسدة مبطلا؛ فيكون تذكره ذلك تصديقا منه للرسل، عليهم السلام.
(وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى)، أي: لا ينفعه تصديقه إياهم، إذ لم يصدقهم في الدنيا.
أو يتذكر في أن يتلهف على ما فرط في جنب اللَّه من التقصير في حقوقه، والتضييع الذي سبق منه حيث لم يشكر نعمه، ولم يوجه إليه العبادة؛ فيكون تلهفه ذلك إيمانا، ولكن لا ينفعه تلهفه في ذلك الوقت؛ لأن تلك الدار ليست بدار امتحان، بل هي دار جزاء، والذي يحمله على التصديق مشاهدته الجزاء والحساب، وعند المشاهدة ترتفع المحنة، ويكون إيمانه ذلك ضروريا لا حقيقة؛ فلذلك لا ينفعه، وإنما ينفعه الطاعة وقت ملكه نفسه، فأما إذا خرج ملك نفسه من يده، لم يقع له بالإيمان جدوى.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ)، أي: يتعظ، (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى)، أي: أنى له الانتفاع بالموعظة.
ثم في هذا التذكير بيان لطف من اللَّه تعالى بعظته حتى يتذكر، وإلا فالإنسان يذهب عليه ما قد كتبه في وقت إذا أتى عليه حين، حتى لو أراد أن يتذكر وقت كتابته لم يقدر عليه، ثم اللَّه - تعالى - يذكره في الآخرة جميع ما سبق منه في الدنيا فيتذكر ذلك؛ فيقول: (يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (٢٤) أي: يا ليتني قدمت لنفسي حياة تسلم لي، أو حياة تبقى لي لذتها، فهذا هو تلهفه وتذكره في ذلك اليوم، يتلهف على ما فاته من الخيرات، ويندم على ارتكابه المعاصي وكفرانه نعم اللَّه تعالى.
ومعنى قولنا: حياة تسلم لي؛ فأتلذذ بها: هو أن الكافر، وإن كانت له حياة في الظاهر، فإنما حياته للتعذيب، فتلك له في الحقيقة ليست بحياة، بل هي إهلاك؛ ألا ترى أن الإنسان إذا أخذ في النزع فهو في ذلك الوقت حي بعد، لكن حياته للإهلاك، فليست هي في الحقيقة حياة لكنها إهلاك فعلى ذلك حياة المخلد في النار.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (٢٦):
قرئت هذه الآية على نصب الذال والثاء، وعلى الخفض فيهما:
فمن قرأهما على الخفض فهو يحتمل وجهين:
أحدهما: أن العذاب في الدنيا وإن اشتد من الملوك على الإنسان، فهو لا يبلغ عذاب اللَّه تعالى لأعدائه في الآخرة وإن خف.
أو (لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ)، أي: لا ينبغي لأحد في الدنيا أن يعذب أحدا بعذاب اللَّه -
الآيتان ٢٥ و٢٦ : وقوله تعالى :﴿ فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ﴾ ﴿ ولا يوثق وثاقه أحد ﴾ قرئت [ هاتان الآيتان ]١ على نصب الذال والثاء٢ وعلى خفضهما٣.
فمن قرأهما على الخفض فهو يحتمل وجهين :
أحدهما : أن العذاب في الدنيا، وإن اشتد من الملوك على الإنسان، فهو لا يبلغ عذاب الله تعالى لأعدائه في الآخرة، وإن خف.
[ الثاني ]٤ :﴿ لا يعذب عذابه أحد ﴾ أي لا ينبغي لأحد في الدنيا أن يعذب أحدا بعذاب الله تعالى، وهو النار كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( ( لا تعذبوا أحدا بعذاب الله ) ) ( البخاري ٣٠١٧ ).
فإن كان على النصب فهو يحتمل وجهين أيضا :
أحدهما : أن يكون التأويل منصرفا إلى صنف من الكفرة، وهم الذين بلغوا في الكفر أعلى مرتبة، فلا يعذب من دونهم بعذابهم.
والثاني : لا يعذب أحد مكان أحد كما يفعله ملوك الدنيا في أنهم يعذبون الوالد مكان الولد، ويعذبون متصلي الذين استوجبوا العذاب.
١ في الأصل وم: هذه الآية..
٢ انظر معجم القراءات القرآنية: ح٨/١٤٦ و١٤٧..
٣ في الأصل وم: الخفض منهما..
٤ في الأصل وم: أو..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٥:الآيتان ٢٥ و٢٦ : وقوله تعالى :﴿ فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ﴾ ﴿ ولا يوثق وثاقه أحد ﴾ قرئت [ هاتان الآيتان ]١ على نصب الذال والثاء٢ وعلى خفضهما٣.
فمن قرأهما على الخفض فهو يحتمل وجهين :
أحدهما : أن العذاب في الدنيا، وإن اشتد من الملوك على الإنسان، فهو لا يبلغ عذاب الله تعالى لأعدائه في الآخرة، وإن خف.
[ الثاني ]٤ :﴿ لا يعذب عذابه أحد ﴾ أي لا ينبغي لأحد في الدنيا أن يعذب أحدا بعذاب الله تعالى، وهو النار كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( ( لا تعذبوا أحدا بعذاب الله ) ) ( البخاري ٣٠١٧ ).
فإن كان على النصب فهو يحتمل وجهين أيضا :
أحدهما : أن يكون التأويل منصرفا إلى صنف من الكفرة، وهم الذين بلغوا في الكفر أعلى مرتبة، فلا يعذب من دونهم بعذابهم.
والثاني : لا يعذب أحد مكان أحد كما يفعله ملوك الدنيا في أنهم يعذبون الوالد مكان الولد، ويعذبون متصلي الذين استوجبوا العذاب.
١ في الأصل وم: هذه الآية..
٢ انظر معجم القراءات القرآنية: ح٨/١٤٦ و١٤٧..
٣ في الأصل وم: الخفض منهما..
٤ في الأصل وم: أو..

تعالى - وهو النار، كما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " لا يعذب أحد بعذاب اللَّه تعالى " وإن كان على النصب، فهو يحتمل وجهين أيضا:
أحدهما: أن يكون التأويل منصرفا إلى صنف من الكفرة، وهم الذين بلغوا في الكفر أعلى مراتبه؛ فلا يعذب من دونهم بعذابهم.
والثاني: ألا يعذب أحد مكان أحد كما يفعله ملوك الدنيا في أنهم يعذبون الوالد مكان الولد، ويعذبون من يتصل بالذين استوجبوا العذاب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧):
فالمطمئنة: هي الساكنة التي لا ترتاب، ولا تضطرب؛ فتكون طمأنينتها بوعد الله ووعيده، وأمره ونهيه، وتوحيده.
ثم يجوز أن يكون هذا في أمر الدنيا؛ فيكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ... (٢٨)، أي: ارجعي إلى ما أمرك ربك (رَاضِيَةً) بوعد اللَّه ووعيده؛ فتكون راضية بالذي وعد لها في الآخرة جزاء لكدحها وسعيها في الدنيا، (مَرْضِيَّةً) عند اللَّه تعالى.
(فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) أي: مع عبادي الصالحين.
(وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠) أي: ادخلي فيما يستوجب به الجنة.
وجائز أن يكون هذا في الآخرة، وهو: أن يقال للنفس التي اطمأنت في الدنيا بوعد اللَّه ووعيده، وعملت بطاعته: (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً. فَادْخُلِي فِي عِبَادِي. وَادْخُلِي جَنَّتِي).
وقيل: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) بالدنيا (ارْجِعِي) إلى طلب الآخرة، وما أعد اللَّه تعالى لأوليائه فيها.
وقيل: (الْمُطْمَئِنَّةُ) على عباده، (ارْجِعِي) إلى طاعة اللَّه تعالى؛ فإنك إذا فعلت ذلك، رضي اللَّه تعالى عنك، ورضيت بعطاء اللَّه تعالى وثوابه إياك في الآخرة، واللَّه أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
* * *
[ ﴿ ارجعي إلى ربك راضية مرضية ﴾ أي ارجعي إلى ما أمرك ربك راضية بوعد الله ووعيده، فتكون راضية بالذي وعدها في الآخرة جزاء لكدحها وسعيها في الدنيا مرضية عند الله تعالى
﴿ فادخلي في عبادي ﴾ أي عبادي الصالحين
﴿ وادخلي جنتي ﴾ أي ادخلي في ما تستوجب به الجنة.
وجائز أن يكون هذا في الآخرة ؛ وهو [ أن ]١ يقال للنفس التي اطمأنت في الدنيا بوعد الله تعالى ووعيده، وعملت بطاعته :[ ﴿ ارجعي إلى ربك راضية مرضية ﴾ ﴿ فادخلي في عبادي ﴾ ﴿ وادخلي جنتي ﴾.
وقيل :﴿ يا أيها النفس المطمئنة ﴾ بالدنيا ارجعي إلى طلب الآخرة وما أعد الله لأوليائه فيها.
وقيل :﴿ يا أيها النفس المطمئنة ﴾ ارجعي إلى طاعة الله، فأنك إذا فعلت ذلك رضي الله عنك، ورضيت بعطاء الله وثوابه إياك في الآخرة، والله أعلم [ بالصواب، وإليه المرجع والمآب ]٢.
١ ساقطة من الأصل وم..
٢ من م، ساقطة من الأصل..
Icon