تفسير سورة الفيل

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة الفيل من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
مكية، وآيتها خمس.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ ألم تر ﴾ ألم تعلم. والخطاب له صلى الله عليه وسلم. والاستفهام للتقرير بما تواثر نقله. وقد نزلت هذه السورة منبهة على العبرة في قصة الفيل، التي وقعت بمكة في عام مولده صلى الله عليه وسلم ؛ إرهاصا لبعثته على كيفية هائلة دالة على عظم قدرة الله تعالى، وعزته وانتقامه من الجبارين، وعلى حرمة بيته المعظم وشرفه، وعلى إنعامه على قريش بصد عدوهم عنهم ؛ فكان حقيقا بهم أن يعبدوه وحده، ولا يشركوا به شيئا. وفيها مع ذلك تنبيه لهم ولأمثالهم من المكذبين إلى شدة أخذه تعالى للباغين، وأنه تعالى قادر أن يعذبهم بما شاء من أنواع العذاب ؛ كما عذب الجبابرة من القرون الأولى، تارة الخسف والغرق، والطاعون والزلزال، والصواعق والأمطار. وتارة بالحجارة تنزل من السماء. والمشهور أنه صلى الله عليه وسلم ولد بعدها بخمسين يوما.
﴿ كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ﴾ هم جيش الحبشة الذي قدم مكة لهدم الكعبة المشرفة، بقيادة أبرهة الأشرم الحبشي أمير اليمن من قبل النجاشي ملك الحبشة، ومعه الفيل. فأهلكه الله، وأهلك جيشه ؛ كما قص الله في هذه السورة.
﴿ ألم يجعل كيدهم في تضليل ﴾ أي قد جعل الله مكرهم وسعيهم لتعطيل بيت الله وتخريبه في تضييع وإبطال وتخسير ؛ بأن دمرهم أشنع تدمير. وأصل التضليل : من ضل عنه إذا ضاع ؛ فاستعير هنا للإبطال.
﴿ وأرسل عليهم طيرا أبابيل ﴾ سلط عليهم طيرا من جهة السماء جماعات عظاما، متتابعة بعضها في إثر بعض، تجيء من كل ناحية، وكانوا قرب عرفة قبل دخول الحرم على الأصح. وأبابيل : اسم جمع لا واحد له من لفظه. وقيل : واحده إبالة، وهي حزمة الحطب الكبيرة ؛ شبهت به الجماعة من الطير في تضامها، وقيل : إبّول كعجول. أو إبيّل كسكين.
﴿ ترميهم بحجارة من سجيل ﴾ من طين متحجر محرق. أو بحجارة من جملة العذاب المكتوب المدون في السجيل، وهو الديوان الذي كتب فيه عذاب الكفار ؛ كما أن السجين هو الديوان الذي كتبت فيه أعمالهم. واشتقاقه من الإسجال بمعنى الإرسال. وعن عكرمة : كانت ترميهم بحجارة معها كالحمصة ؛ فإذا أصاب أحدهم حجر منها خرج به الجدري، وكان أول يوم رئي فيه الجدري بأرض العرب. وقال ابن عباس : كان الحجر إذا وقع على أحدهم نفط جلده ؛ فكان ذلك أول الجدري. وقيل : إن أول ما رئيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام. وقال ابن جزي في تفسيره : إن الحجر كان يدخل من رأس أحدهم ويخرج من أسفله، ووقع في سائرهم الجدري والأسقام، وانصرفوا وماتوا في الطريق متفرقين، وتقطع أبرهة أنملة أنملة.
﴿ فجعلهم كعصف مأكول ﴾ كتبن أكلته الدواب وراثته. والمراد : كروث ؛ فشبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث. والعصف : قشر البر ؛ أي الغلاف الذي يكون فيه حب القمح.
والله أعلم.
Icon