تفسير سورة الحديد

كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
تفسير سورة سورة الحديد من كتاب كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل .
لمؤلفه أبو بكر الحداد اليمني . المتوفي سنة 800 هـ

﴿ سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾؛ أي خضعَ وصلَّى للهِ ما في السَّماوات من الملائكةِ من الخلْقِ، ونزَّهوهُ عن السُّوء والأنداد.
﴿ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾؛ في مُلكهِ وسلطانه.
﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾؛ في أمرهِ وقضائهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾؛ أي له خزائنُ السَّماوات والأرضِ من المطرِ والنبات وغير ذلك.
﴿ يُحْيِـي ﴾؛ للبعثِ.
﴿ وَيُمِيتُ ﴾؛ عند انقضاءِ الآجالِ.
﴿ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ ﴾؛ من الإحياءِ والإماتةِ.
﴿ قَدِيرٌ ﴾ أي قادرٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ ﴾؛ أي هو الأولُ بلا ابتداءٍ، والآخرُ بلا انتهاءٍ، لم يزَلْ قديماً قبلَ كلِّ شيء، وهو الدائمُ بعد فناءِ كلِّ شيء، وهو الظاهرُ الغالبُ على كلِّ شيء، والظاهرُ هو القاهرُ، ومنه قولهُ﴿ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ ﴾[الصف: ١٤] أي غالِبين. ويقالُ: ظهرَ الأميرُ على بلدِ كذا؛ إذا غلبَ عليها، وهو الباطنُ الذي لا يدرَكُ بالحواسِّ ولا يقاسُ بالناسِ. وَقِيْلَ: معناهُ: هو الظاهرُ بأدلَّتهِ العالِمُ بما بَطُنَ من أُمور خلقهِ. وَقِيْلَ: الباطنُ الْمُحْتَجِبُ عن الأبصار.
﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ ﴾؛ من الظاهرِ والباطنِ.
﴿ عَلِيمٌ ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ﴾؛ قد تقدَّمَ تفسيرُ ذلك. قوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ ﴾؛ أي ما يدخلُ فيها فيُستَرُ، كما يعلمُ ﴿ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا ﴾؛ فيظهَرُ، وَيعلمُ.
﴿ وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾، مِن مَلَكٍ ورزقٍ ومطر.
﴿ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ﴾؛ وما يصعَدُ إليها من الملائكةِ وأعمالِ العباد.
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾؛ أي وهو أعلمُ بأقوالِكم وأفعالِكم وعزائِمكم في أيِّ موضعٍ كنتم، فليس يخلُو أحدٌ من علمِ الله وقُدرتهِ أينَما كان في الأرضِ أو في السَّماء أو في برٍّ أو في بحرٍ.
﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾.
وما بعدَ هذا: ﴿ لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ * يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾.
ظاهرُ المعنى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾؛ أي صدِّقُوا باللهِ بأنَّهُ خالقُكم وإلهكم، وصدِّقُوا برسولهِ أنَّهُ صادقٌ فيما يؤدِّيه إليكم.
﴿ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾؛ في الجهادِ وعلى الضُّعفاء، وغيرِ ذلك من سُبل الخيرِ من الأموالِ التي جعلَكم اللهُ مُستَخلفين فيها بأن أورثْكُموها ممن كان قبلَكم. ويقال: إن الأموالَ التي في الدُّنيا لا تخلُو إمَّا أنْ تكون قد صارت إلينا فنحنُ خلفاؤُهم فيها، أو تصيرُ منَّا إلى غيرِنا فهم خلفاءنا فنحفَظُها، قَوُلهُ تَعَالَى: ﴿ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾؛ أي لهم ثوابٌ عظيم في الآخرةِ.
قَوْلُه تَعَالَى: ﴿ وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ﴾؛ هذا استفهامُ إنكارٍ؛ معناهُ: أيُّ شيءٍ لكم من الثَّواب في الآخرةِ إذا لم تُؤمِنوا باللهِ بعدَ قيامِ الحجَّة عليكم على وحدانيَّة اللهِ تعالى وتَمامِ علمهِ وكمالِ مُلكهِ، وأيُّ عُذرٍ يَمنَعُكم من الأيمانِ بالله تعالى.
﴿ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ ﴾؛ في ظهرِ آدمَ بأنَّ اللهَ ربَّكم لا إلهَ إلاّ هو ولا معبودَ سواهُ. وَقِيْلَ: معنى: ﴿ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ ﴾ ركَّبَ فيكم العقولَ وأقامَ الحججَ والدلائل التي تدعُو إلى متابعةِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم. قرأ العامَّةُ (أخَذ) بفتحِ الهمزة وفتحِ القاف، وقرأ أبو عمرٍو بضمِّها على ما لَمْ يسَمَّ فاعلهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾؛ يعني إنْ كُنتم مُصدِّقين كما تزعُمون.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ ﴾؛ معناهُ: هو الذي يُنَزِّلُ على عبدهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم آياتٍ بيِّناتٍ، يعني القرآنَ، ليُخرِجَكم من ظُلماتِ الشِّرك إلى نُور الإيمانِ، ومِن ظُلمات الجهلِ إلى نور العلم. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾؛ يعني حين بعثَ الرسولَ ونصبَ الأدلَّة.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ معناهُ: أيُّ شيءٍ لكم في تركِ الإنفاقِ في نُصرَةِ الإسلامِ ومُواساةِ الفُقراءِ وأنتم ميِّتون تَاركون أموالَكم، واللهُ سبحانه يرزُقكم، ويرِثُ ما في السَّماوات والأرضِ، يُمِيتُ مَن فيهما ويرِثُ مَن عليها. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ ﴾؛ معناهُ: لا يستوِي منكم في الفَضلِ مَن أنفقَ مالَهُ وقاتلَ العدوَّ مِن قبلِ فتح مكَّة مع مَن أنفقَ من بعدُ وقاتلَ. قال الكلبيُّ: (نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه) قِيْلَ: هذا أنَّهُ كان أوَّلَ مَن أنفقَ المالَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سبيلِ الله، وأوَّلَ مَن قاتلَ في الإسلامِ. وقال ابنُ مسعودٍ: (أوَّلُ مَنْ أظْهَرَ إسْلاَمَهُ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه، وَقَدْ شَهِدَ لَهُ النِّبيُّ صلى الله عليه وسلم بأَنَّهُ أنْفَقَ مَالَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ). قَالَ العلاءُ بن عمرٍو:" بَيْنَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ وَعِنْدَهُ أبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَعَلَيْهِ عَبَاءَةٌ، قَدْ خَلَّهَا علَىَ صَدْرهِ بخِلاَلٍ إذْ نَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ: مَا لِي أرَى أبَا بَكْرٍ عَلَيْهِ عَبَاءَةٌ؟ فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ إنَّهُ أنْفَقَ مَالَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ عَلَيَّ، قَالَ: فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلاَمَ وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ رَبُّكَ: أرَاضٍ أنْتَ عَنِّي فِي فَقْرِكَ هَذا أمْ سَاخِطٌ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَا أبَا بَكْرٍ؛ هَذا جِبْرِيلُ يُقْرِؤُكَ السَّلاَمَ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَيَقُولُ لَكَ رَبُّكَ: أرَاضٍ أنْتَ عَنِّي فِي فَقْرِكَ هَذا أمْ سَاخِطٌ؟ " فَبَكَى أبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَقَالَ أعَلَى رَبي أغْضَبُ؟! أنَا عَنْ رَبي رَاضٍ ". وفي هذه الآيةِ دلالةٌ واضحة وحُجَّةٌ بَيِّنَةٌ على فضلِ أبي بكر وتَقديمِه على سائرِ الصَّحابة، كما رُوي عن عليٍّ رضي الله عنه أنه قال: (لاَ أُؤتَي برَجُلٍ فَضَّلَنِي عَلَى أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ إلاَّ جَلَدْتُهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ ﴾؛ معناهُ: أولئكَ أعظمُ ثَواباً وأفضلُ درجةً عند اللهِ من الذين أنفَقُوا من بعدِ فتحِ مكَّة وقاتَلُوا بعدَهُ، وإنما فضَّلَ اللهُ المنفقِين والمقاتلين من قبلِ الفتحِ؛ لأن الإنفاقَ والقتالَ في ذلك الوقتِ كان أشدَّ على النفسِ، وكانت الحاجةُ اليها أمَسُّ لقلَّة المسلمِين. ثم بيَّنَ اللهُ تعالى أنَّ لِكِلاَ الفرِيقين الحسنَى وهو الجنةُ، إلاّ أنَّهم مُتفاوتون في الدَّرجَات فقال: ﴿ وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾؛ أي وكِلاَ الفريقين وعدَ اللهُ الجنةَ، وقرأ ابنُ عامرٍ (وَكُلٌّ) بالرفعِ على الاستئنافِ على لُغة مَن يقولُ: زيدٌ ضرَبتُ. وقولهُ تعالى: ﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾؛ أي عالِمٌ بما يعملهُ كلُّ واحدٍ منكم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾؛ قد تقدَّمَ تفسيرهُ في البقرةِ. قال أهلُ العلمِ: القرضُ الحسَنُ أنْ يكون من الحلالِ؛ لأنَّ اللهَ طِّيبٌ لا يقبلُ إلاّ طيِّباً، وأنْ يكون من أحسَنِ ما يملكهُ دون أن يقصِدَ الرديءَ لقولهِ تعالى:﴿ وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ﴾[البقرة: ٢٦٧]، وأن يتصدَّقَ وهو لِحُب المالِ ويرجُو الحياةَ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئل عن أفضلِ الصَّدقات فقالَ:" أنْ تَتَصَدَّقَ وَأنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمَلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ، وَلاَ تُمْهِلْ حَتَّى إذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلاَنٍ كَذا وَلِفُلاَنٍ كَذا، وَأنْ تَضَعَ الصَّدَقَةَ فِي الأَحْوَجِ الأَوْلَى "وأنْ يكتُمَ الصدقَةَ ما أمكنَ لقولهِ﴿ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾[البقرة: ٢٧١]، وإن لا يتبعَ الصدقةَ المنَّ والأذى لقوله تعالى﴿ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ ﴾[البقرة: ٢٦٤]، وأن يقصِدَ بها وجهَ اللهِ ولا يُرائِي بها، وأن يستحقرَ ما يُعطي وإنْ كَثُرَ؛ لأن الدُّنيا كلها قليلةٌ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:﴿ قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾[النساء: ٧٧] وأن يكون مِن أحب مالهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:﴿ لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾[آل عمران: ٩٢] وهذه تسعةُ أوصافٍ إذا استكمَلَتها الصدقةُ كانت قَرْضاً حَسناً. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ﴾ فيه قراءَتان: مَن قرأ بالرفعِ فعلى العطفِ على ﴿ يُقْرِضُ ﴾ أو على الاستئنافِ على معنى فهو يضاعفُهُ، ومَن قرأ بنصب الفاء فعلى جواب الاستفهامِ بالفاء، وقولهُ تعالى: ﴿ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ الأجرُ الكريم الذي يقعُ به النفعُ العظيم وهو الجنَّة.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم ﴾ معناهُ: اذكُرْ يومَ تراهُم، ويجوزُ أن يكون انتصابُ اليومِ على معنى ولَهم أجرٌ كريم يسعَى نورُهم بين أيدِيهم وبأَيمانِهم على الصِّراطِ يومَ القيامةِ، وهو دليلُهم إلى الجنَّة. وأرادَ بالنور القرآنَ، وَقِيْلَ: نورُ الإيمانِ والطاعةِ، تظهرُ لهم فيمشون فيه، قال ابنُ مسعودٍ: (يُؤتَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْر أعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُؤتَى نُورَهُ مِثْلُ الْجَبَلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤتَى نُورَهُ كَالنَّخْلَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤتَى نُورَهُ كَالرَّجُلِ الْقائِمِ، وَأدْنَاهُمْ نُوراً نُورُهُ عَلَى إبْهَامِهِ يُطْفِيءُ مَرَّةً وَيُوقَدُ أُخْرَى). وقال قتادةُ: (الْمُؤْمِنُ يُضِيءُ لَهُ نُورُهُ كَمَا بَيْنَ عَدَنَ وَصَنْعَاءَ وَدُونَ ذلِكَ، حَتَّى أنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِين مَنْ لاَ يُضِيءُ لَهُ نُورُهُ إلاَّ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَبِأَيْمَانِهِم ﴾ قال الضحَّاكُ ومقاتل: (وَبأَيْمَانِهِمْ كُتُبُهُمُ الَّتِي أُعْطُوهَا، فَكُتُبُهُمْ بأَيْمَانِهِمْ، وَنُورُهُمْ بَيْنَ أيْدِيهِمْ). وتقولُ لَهم الملائكةُ: ﴿ بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ﴾؛ يعني أنْهارَ اللَّبَنِ والخمرِ والعسلِ والماء.
﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾؛ لا يَمُوتون ولا يُخرَجون منها.
﴿ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً ﴾؛ أيِ احذرُوا يومَ يقولُ المنافقون للمؤمنينِ المخلصِين: انظُرونا نُضِيءُ بنُوركم فنَمضِي معَكم على الصِّراطِ، وذلك أنَّ المنافقين تغشَاهُم ظلمةٌ حتى لا يكادُون ينظرون مواضعَ أقدامِهم، فينادون المؤمنين نَقتَبسْ من نُوركم. قرأ حمزةُ (أنْظِرُونَا) بقطع الألف وكسرِ الظاء؛ أي أمهِلُونَا، وقال الزجَّاجُ: (مَعْنَاهُ: انْتَظِرُونَا أيْضاً)، وقال عمرُو بن كلثوم: أبَا هِنْدٍ فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْنَا   وَأنْظِرْنَا نُخَبرْكَ الْيَقِينَاقال المفسِّرون: إذا كان يومُ القيامةِ، أعطَى اللهُ المؤمنين نُوراً على قدر أعمالهم يَمشُون به على الصِّراطِ، وأعطَى اللهُ المنافقِين نُوراً كذلكَ خديعةً لَهم فيما بينهم كذلك يَمشون، إذا بعثَ اللهُ ريحاً وظلمةً فانطفأَ نورُ المنافقِين، فعندَ ذلك يقولُ المؤمنون: ربَّنا أتْمِمْ لنا نُورَنا، مخافةَ أن يُسلَبَ كما سُلِبَ المنافِقُون. ويقولُ: المنافِقُون حينئذٍ للمؤمنين: انْظُرُونَا نَقتَبسْ من نُوركم، فيقولون لَهم: لا سبيلَ لكم إلى الاقتباسِ من نُورنا، فارجِعُوا وراءَكم فاطلُبوا هنالكَ لأنفُسِكم نُوراً، فيرجِعُون في طلب النُّور فلا يجدُون، فيقولُ لَهم الملائكةُ: ارجعوا إلى الموضعِ الذي أخَذنا منه النُّور فاطلُبوا نوراً، فإنَّ المؤمنين حَمَلُوا النورَ من الدُّنيا بإيمانِهم وطاعتِهم. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ ﴾؛ معناهُ: فيُميَّزُ بين المؤمنِين والمنافقين بأنْ يُضرَبَ بينهم بجدارٍ كبيرٍ يقالُ له السُّورُ، وهو الذي يكونُ عليه أصحابُ الأعرافِ، وهو حاجزٌ بين الجنَّة والنار. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لَّهُ بَابٌ ﴾؛ أي للسُّور بابٌ.
﴿ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ ﴾؛ وهي الجنَّة التي فيها المؤمنون.
﴿ وَظَاهِرُهُ ﴾؛ أي وخارجُ السُّور.
﴿ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ ﴾؛ يعني جهنَّمَ والنارَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ﴾؛ معناهُ: أنَّ المنافقِين يُنادون المؤمنين من وراءِ السُّور، ألَمْ نكن معكم في الدُّنيا على دينِكم نناكحكم ونوارثكم ونصَلِّي معكم في مساجدِكم.
﴿ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾؛ أي أهلَكتُموها بالنِّفاقِ والمعاصِي والشَّهوات وكلُّها فتنةٌ.
﴿ وَتَرَبَّصْتُمْ ﴾؛ بمُحَمَّدٍ الموتَ وبالمؤمنين الدوائرَ، وقُلتم: يوشِكُ أن يموتَ مُحَمَّدٌ فنستريحَ منه. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱرْتَبْتُمْ ﴾؛ أي شَكَكْتُمْ في توحيدِ الله وفي نُبوَّة مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ ﴾؛ يعني: ما كانوا يتمنَّون من قتلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وهلاكِ المسلمين، وغرَّتكُم أيضاً الأباطيلُ وطولُ الآمالِ.
﴿ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ ﴾؛ يعني الموتَ والبعثَ.
﴿ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ ﴾؛ أي وغَرَّكم الشيطانُ بحُكمِ اللهِ وإمهالهِ عن طاعة اللهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ ﴾؛ لا يُقبَلُ منكم بَدْلٌ تَفدُونَ به أنفُسَكم من العذاب.
﴿ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾؛ ولا من الذين يُظهِرُون الكفرَ، قرأ ابنُ عامرٍ والحسن ويعقوب: (لاَ تُؤْخَذُ) بالتاء. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ ﴾؛ أي أولَى بكم وأحقُّ أن تكون مَسكَناً لكم قد ملَكَت أمرَكم، فهي أولَى بكم من كلِّ شيءٍ، وأنتم أولى بها، ومنه المولَى لأنه أولَى بعبيدهِ من غيره.
﴿ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴾؛ النارُ، قال قتادةُ: (مَا زَالُوا عَلَى خُدْعَةٍ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى قَذفَهُمُ اللهُ فِي النَّار).
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ ﴾؛ معناهُ: أمَا حانَ للمؤمنين الذين تكَلَّموا بكلمةِ الإيمان إذا سَمِعُوا القرآنَ أنْ تخشعَ قلوبُهم لذكرِ الله وتَلِينُ وتَرِقُّ، قال ابنُ مسعود: (مَا كَانَ بَيْنَ إسْلاَمِنَا وَبَيْنَ أنْ عَاتَبَنَا اللهُ بهَذِهِ إلاَّ أرْبَعَ سِنِينَ). والمعنى: يجبُ أن يُورثَهم الذكرُ خُشوعاً ولا يكونوا كمَنْ يَذكُره بالغَفلَةِ، ولا يخشعُ للذِّكر قلبهُ. وقوله ﴿ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ ﴾ يعني القرآنَ، قرأ نافع وعاصم مخفَّفاً. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ ﴾؛ وهم اليهودُ والنصارى، وموضعُ ﴿ وَلاَ يَكُونُواْ ﴾ النصبَ عطفاً على قولهِ تعالى ﴿ أَن تَخْشَعَ ﴾ و ﴿ وَلاَ يَكُونُواْ ﴾، قال الأخفشُ: (وَإنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ نَهْياً) وهذه زيادةٌ في وعظِ المؤمنين، معناهُ: ولا يَكُونوا في قَسَاوَةِ القلوب كالذين أُعطُوا التوراةَ والإنجيلَ من قبلِ المؤمنين.
﴿ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ ﴾؛ الزمانُ بينهم وبين أنبيائهم.
﴿ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾؛ قال ابنُ عباس: (مَالُوا إلَى الدُّنْيَا وَأعْرَضُواْ عَنْ مَوَاعِظِ اللهِ، فَلَمْ تَلِنْ قُلُوبُهُمْ عِنْدَ سَمَاعِ كَلاَمِ اللهِ تَعَالَى). وقوله تعالى: ﴿ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾؛ أي خارجون عن طاعةِ الله، وإنَّما قالَ ﴿ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ ﴾ لأنه كان منهم مَن أسلمَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾؛ تنبيهٌ على الاستدلالِ بإحياءِ الأرض بعدَ مَوتِها على البعثِ والنُشور.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ ﴾؛ قرأ ابنُ كثير وعاصم بتخفيفِ الصَّاد من التَّصْدِيقِ، تقديرهُ: إنَّ المؤمنين والمؤمناتِ، وقرأ الباقون تشدِيدها، يعني الْمُصَّدِّقِينَ من الصَّدَقَةِ، أُدغمت التاءُ في الصادِ.
﴿ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ﴾ بالصَّدقة والنفقةِ في سبيله.
﴿ يُضَاعَفُ لَهُمْ ﴾؛ قرأ ابنُ كثير وابن عامر (يُضَعِّفُ) بالتشديدِ، وقوله: ﴿ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾؛ يعني الجنَّة.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ ﴾؛ واحدُهم صِدِّيقٌ وهو الكثيرُ الصِّدقِ، والصِّدِّيقُونَ لَمْ يَشُكُّوا في الرُّسل حين أخبَرُوهم، ولم يُكذِّبُوهم ساعةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾؛ قال بعضُهم: تمامُ الكلامِ عند قولهِ ﴿ ٱلصِّدِّيقُونَ ﴾، ثم ابتدأ فقالَ: ﴿ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ وخبرهُ: ﴿ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾؛ والشهداءُ على هذا القولِ يحتملُ أنَّ المرادَ بهم الأنبياءُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ الذين يَشهَدُون يومَ القيامةِ لِمَن صدَّقَ بالتصديقِ وعلى مَن كذبَ بالتكذيب، ويحتملُ أنَّ المرادَ بهم الذين قُتِلُوا في سبيلِ الله. وقال بعضُهم: وقوله ﴿ وَٱلشُّهَدَآءُ ﴾ عطفٌ على الصِّدِّيقِينَ ومعنى: الشُّهداء على سائرِ المؤمنين، ففي الحديثِ:" الْمُؤْمِنُونَ شُهَدَاءُ اللهِ فِي أرْضِهِ "وقالَ صلى الله عليه وسلم:" كُلُّ مُؤمِنٍ شَهِيدٌ "﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ ﴾؛ يعني الحياةَ الدُّنيا كاللَّعب واللَّهوِ في سُرعَةِ فنائِها وانقضائها، ونظيرُ هذا قولهُ صلى الله عليه وسلم:" الطَّوَافُ بالْبَيتِ صَلاَةٌ "أي كالصَّلاة، ويقالُ: فلانٌ يجرِي كالبحرِ في السَّخاء، وفلانٌ أسَدٌ؛ أي كالأسدِ في الشَّجاعة. وقولهُ تعالى ﴿ وَزِينَةٌ ﴾ أي منظرٌ حسَنٌ، والمعنى: إنما الحياةُ الدُّنيا لعبٌ ولَهوٌ كلعب الصبيان، وزينةٌ كزِينَةِ النِّسوانِ.
﴿ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَٰدِ ﴾ كتكَاثُرِ الدُّهقان. قال عليُّ بن أبي طالبٍ لعمَّار بن ياسرٍ: (لاَ تَحْزَنْ عَلَى الدُّنْيَا؛ فَإنَّهَا سِتَّةُ أشْيَاءٍ: مَطْعُومٌ؛ وَمَشْرُوبٌ؛ وَمَلْبُوسٌ؛ وَمَشْمُومٌ؛ وَمَرْكُوبٌ؛ وَمَنْكُوحٌ، فَأَكْبَرُ طَعَامِهَا الْعَسَلُ وَهُوَ بُزَاقُ ذُبَابَةٍ، وَأكْبَرُ شَرَابهَا الْمَاءُ وَفِيهِ يَسْتَوِي جَمِيعُ الْحَيْوَانَاتِ، وَأكْبَرُ مَلْبُوسِهَا الدِّيبَاجُ وَهُوَ نَسْجُ دُودَةٍ، وَأكْبَرُ مَشْمُومِهَا الْمِسْكُ وَهُوَ دَمُ فَأْرَةٍ أوْ ظَبْيَةٍ، وَأكْبَرُ مَرْكُوبهَا الْفَرَسُ وَعَلَيْهِ يُقْتَلُ الرِّجَالُ، وَأكْبَرُ مَنْكُوحِهَا النِّسَاءُ وَهُوَ مُبَالٌ فِي مُبَالٍ). قَوْلُهُ تََعَالَى: ﴿ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ﴾؛ أي مثَلُ الدُّنيا كمثلِ مطَرٍ أعجبَ الزُّرَّاعَ نباتهُ، والكفرُ في اللغةِ هو التَّغطِيَةُ، وسُمِّي الكافرُ كافراً؛ لأنه يُغَطِّي الحقَّ بالباطلِ، والزَّارعُ يُغَطِّي الحبَّ بالأرضِ. والمعنى: كمَثَلِ غيثٍ أعجبَ الزُّرَّاعَ ما نبتَ من ذلك الغيثِ.
﴿ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَٰهُ مُصْفَرّاً ﴾؛ أي ثم يَبينُ فيصير مُصْفَرّاً بعدَ خُضرَتِهِ وريِّه.
﴿ ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماً ﴾؛ أي متَكَسِّراً مفَتَّتاً تحتَ أرجُلِ الدواب، كذلك الدُّنيا تزولُ وتفنَى، كما لا يبقَى هذا الزرعُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ ﴾؛ أي عذابٌ شديد للكفَّار والمنافقِين، ومغفرةٌ من اللهِ ورضوانٌ للمؤمنين المطيعِين، وقولهُ تعالى: ﴿ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ ﴾؛ هي في سُرعَةِ فَنائِها ونفَادِها مثل متاعِ البيت في سُرعةِ فنائه وفراغهِ وسقوطه وانكسارهِ. وعن عليٍّ رضي الله عنه أنَّهُ كان يقولُ في صفةِ الدنيا: (أمَّا مَاضِي فحَكَم، وَأمَّا مَا يُغْنِي فَأَمَانِيُّ وَغُرُورٌ). وقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" الرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا تكْثِرُ الْهَمَّ وَالْحُزْنَ، وَالزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا يُرِيحُ الْقَلْبَ وَالْبَدَنَ ".
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ ﴾؛ أي سَابقوا إلى ما أُمِرتُم وإلى التَّوبةِ لتنالوا مغفرةً من ربكم جنَّةٍ سِعَتُها كسِعَةِ السَّماء والأرضِ. وَقِيْلَ: المرادُ بالآيةِ السَّبْقُ إلى الجهادِ والجمُعة والجماعاتِ وسائر أعمالِ البرِّ، وباقي الآيةِ ظاهرٌ. ﴿ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ ﴾؛ معناهُ: ما أصابَ أحداً مصيبةً في الأرضِ من قحطِ المطر وقلَّة النباتِ ونقصِ الثِّمار.
﴿ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ ﴾ من المرضِ والموتِ وفَقدِ الأولادِ، إلاَّ وهو مكتوبٌ في اللَّوح المحفوظِ من قبل أن نخلُقَ الأرضَ. ويقالُ: من قبلِ أن نخلُقَ النَّفسَ، ويقالُ: من قبلِ أن نقدِّرَ تلك المصيباتِ في اللَّوح المحفوظِ؛ لأن خلقَ ذلك وتقديرَهُ على الله هيَّنٌ. والْبَرَأُ في اللغة هو الْخَلْقُ، والبَارئُ: الخالقُ، والبَرِيَّةُ: الخليقةُ. قوله: ﴿ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ ﴾؛ يعني إثباتُ ذلك كله مع كَثرتهِ على الله هيِّنٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ ﴾؛ بالصبرِ عند المصائب، والشُّكرِ عند النِّعَمِ، لأنَّ العاقلَ إذا عَلِمَ الذي فاتَهُ كان مكتوباً عليه، دعاهُ ذلك إلى تركِ الْجَزَعِ، وكانت نفسهُ أسكنَ وقلبهُ أطيبَ، وإذا عَلِمَ أنَّ الذي أتاهُ من الدنيا كان مَكتوباً له قبلَ أن يصيرَ إليه، وأنه لا يبقَى عليه، دعاهُ ذلك إلى تركِ النظرِ. قرأ أبو عمرو (أتَاكُمْ) بالقصرِ؛ أي جاءَكُم، واختارَهُ أبو عُبيد لقوله (فَاتَكُمْ) ولم يقل: أفَاتَكُمْ، وقرأ الباقون (آتَاكُمْ) بالمدِّ؛ أي أعطَاكُم، واختارَهُ أبو حاتم، وكان الحسَنُ يقولُ لصاحب المال: (فِي مَالِهِ مُصِيبَتَانِ لَمْ يَسْمَعِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ بمِثْلِهَا: يُسْلَبُ عَنْ كُلِّهِ وَيُسْأَلُ عَنْ كُلِّهِ). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾؛ فيه ذمٌّ للفرحِ الذي يختالُ ويبطرُ بالمالِ والولدِ والولايةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ ﴾؛ يعني الذين يمتَنِعون عن أداءِ الحقوق الواجبة في المالِ، ويمنَعُون الناسَ عن أداءِ تلك الحقوق، وهذا نعتُ المختالِ الفخور. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ ﴾؛ أي مَن يعرِضْ عن الإيمانِ وعن أداءِ الحقوق، فإنَّ اللهَ هو الغنيُّ عنه وعن إيمانهِ، وهو المحمودُ في أفعالهِ، قرأ نافعُ وابن عامر (فَإنَّ اللهَ الْغَنِيُّ)، وقرأ الباقون (هُوَ الْغَنِيُّ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾؛ أي بالآياتِ والْحُجَجِ.
﴿ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ ﴾؛ الذي يتضمَّنُ الأحكامَ، وقولهُ تعالى: ﴿ وَٱلْمِيزَانَ ﴾ يعني العدلَ؛ أي أمَرَ بالعدلِ، وَقِيْلَ: يعني الذي يُوزَنُ به؛ أي أمَرَنا بالميزانِ.
﴿ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ ﴾؛ أي ليتَعامَلُون بينهم بالعدلِ والنُّصفَةِ. وقولهُ تعالى: ﴿ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ﴾؛ قال ابنُ عبَّاس: (نَزَلَ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَعَهُ الإِبْرَةُ وَالْمِطْرَقَةُ وَالْكَلْبَتَيْنِ). وَقِيْلَ: المرادُ بإنزالِ الحديد أنه خلقَهُ اللهُ في الجبالِ والمعادن. وقوله تعالى ﴿ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ﴾ أي قوَّةٌ شديدةٌ، لا يُلَيِّنهُ إلاَّ النارُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ﴾ يعني الفؤوسَ والسكاكينَ والإبرةَ وآلةَ الحرب وآلة الدفعِ يعني السِّلاحَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ ﴾؛ أي وليعلَمَ اللهُ مَن ينصرُ دِينَهُ وينصرُ رسلَهُ بهذه الأسلحةِ، واللهُ سبحانه لم يزَلْ عَالِماً بمَن ينصرُ ومَن لا ينصرُ؛ لأن عِلْمَ اللهِ لا يكون حَادِثاً، لأنَّ المرادَ بهذا العلمِ الإظهارُ والتمييز. وقوله تعالى ﴿ بِٱلْغَيْبِ ﴾ معناهُ: ولَمْ يَرَ اللهَ ولا أحكامَ الآخرة. وقولهُ تعالى: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾؛ فيه بيانُ أنه تعالَى لم يأمُرْ بالجهادِ عن ضَعْفٍ وعجزٍ، إنما أمَرَ به ليُثِيبنَا عليه. وما بعدَ هذا: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾؛ ظاهرُ المعنى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا ﴾؛ أي أتبَعْنَا الرُّسل على إثرِ نوحٍ وإبراهيمَ ومَن كان من الرُّسل من أولادِهما.
﴿ وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ ﴾؛ أي أتبَعنا به وأعطيناهُ الإنجيلَ دُفعةً واحدةً.
﴿ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ ﴾؛ الحواريِّين وأتباعَهم.
﴿ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ﴾؛ يعني المودَّةَ، كانوا مُتوَادِّين بعضهم لبعضٍ كما وصفَ اللهُ تعالى أصحابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى﴿ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ﴾[الفتح: ٢٩].
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا ﴾؛ ليس بعطفٍ على ما قبلَهُ، وانتصابهُ بفعلٍ مُضمَرٍ يدلُّ عليه ما بعدَهُ، كأنه قالَ: وابتدَعُوا رهبانيةً؛ أي جاءُوا بها من قِبَلِ أنفُسِهم، وهو قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ ﴾؛ معناهُ: ما فرَضنَاها عليهم تلك الرهبانيَّة، بل هي غلُوُّهم في العبادِة من حملِ المشَاقِّ على أنفُسِهم، وهي الامتناعُ من المطعمِ والمشرب والملبَسِ والنِّكَاحِ والتعبُّدِ في الجبالِ، ما فَرضنَا عليهم ذلك إلاّ أنَّهم طلَبُوا بها رضوانَ اللهِ. وَقِيْلَ: معناها: ما فرَضنا عليهم إلاَّ اتباعَ ما أمرَ اللهُ. قَوْلُهُ تعَالَى: ﴿ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ﴾؛ أي قصَّرُوا فيما ألزَمُوه أنفُسَهم ولم يحفَظُوها حقَّ الحفظِ، ويقالُ: إنه لَمَّا لم يُؤمِنوا بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم حين بُعث كانوا تاركين لطاعةِ الله تعالى غيرَ مُراعين لها فضيَّعوها وكفَرُوا بدينِ عيسى بن مريم، وتَهَوَّدوا وتنَصَّروا وتركوا الترهيب. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ﴾؛ وهم الذين أقَامُوا على دينِ عيسى حتى أدرَكُوا مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم فآمَنُوا به فأعطيناهم ثوابَهم، قال صلى الله عليه وسلم:" مَنْ آمَنَ بي وَصَدَّقَنِي وَاتَّبَعَنِي فَقَدْ رَعَاهَا حَقَّ رعَايَتِهَا، وَمَنْ لَمْ يَتَّبعْنِي فَأُولَئِكَ هُمُ الْهَالِكُونَ "قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾؛ معناهُ: وكثيرٌ منهم خالَفُوا دينَ عيسى فقالوا هو ابنُ اللهِ أو نَحواً من هذا القولِ. والرهبانيَّةُ في اللغة: خَصْلَةٌُ يظهرُ فيها معنى الرَّهْبَنَةِ، وذلك إمَّا في لبسهِ أو انفرادهِ عن الجماعة للعبادةِ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:" لاَ تُشَدِّدُواْ عَلَى أنْفُسِكُمْ فَيُشَدِّدُ اللهُ عَلَيْكُمْ، فَإنَّ قَوْماً شَدَّدُواْ عَلَى أنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللهُ عَلَيْهِمْ، فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارَاتِ.
﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ﴾ ". وعن عروةَ قال:" دَخَلَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ بَاذةُ الْهَيْبَةِ، فَسَأَلَتْهَا: مَا شَأْنُكِ؟ فَقَالَتْ: زَوْجِي يَقُومُ اللَّيْلَ وَيَصُومُ النَّهَارَ، فَذكَرَتْ عَائِشَةُ ذلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍِ، فَقَالَ لَهُ: " يَا عُثْمَانَ إنَّ الرَّهْبَانِيَّةَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْنَا، فَمَا لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ، فَوَاللهِ إنِّي لأَخْشَاكُمْ للهِ وَأحْفَظُكُمْ لِحُدُودِهِ "
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ ﴾؛ أي يا أيُّها الذين آمَنُوا بموسَى وعيسى اتَّقُوا الله وآمِنُوا برسولهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ ﴾؛ أي يُؤتِكُمْ نَصِيبَين من ثوابهِ وكرامته، نَصيباً لإيمانكم به اليومَ ونصيباً لإيمانكم المتقدِّم بالأنبياءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾؛ على الصِّراط، كما قال تعالى﴿ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾[التحريم: ٨] فهذا علامةُ المؤمنين في القيامةِ. وَقِيْلَ: معناهُ: ويجعَلْ لكم نُوراً بالإيمان في الدُّنيا، يعني الهدَى والبينات تَهتدون به إلى طاعةِ الله.
﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ ﴾؛ لمن ماتَ على التوبةِ.
﴿ رَّحِيمٌ ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ ﴾ أي ليعلَمَ أهلُ الكتاب الذين لم يُؤمِنوا بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وحسَدُوا المؤمنين منهم أن لا يَصرِفوا النبوَّةَ عمَّن تفضَّلَ اللهُ بها عليه إلى غيرهِ، وأنَّ التوفيقَ بتقديرِ الله يُعطي النبوَّةَ مَن يشاءُ ممن كان أهلاً لها، صَالحاً للقيامِ بها. وَقِيْلَ: ليعلَم الذين لَم يؤمنوا بُمَحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أنَّهم لا أجرَ لهم ولا نصيبَ لهم في فضلِ الله.
﴿ وَأَنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ﴾؛ فآتى المؤمنين منهم أجرَين.
﴿ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ ﴾؛ يتفضَّلُ على مَن يشاءُ من عبادهِ المؤمنين، و(لاَ) في قوله ﴿ لِّئَلاَّ ﴾ زائدةُ المعنى، لأن يعلمَ مثل قولهِ:﴿ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ ﴾[ص: ٧٥].
Icon