تفسير سورة الجن

البسيط للواحدي
تفسير سورة سورة الجن من كتاب التفسير البسيط المعروف بـالبسيط للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

تفسير سورة الجن (١)

بسم الله الرحمن الرحيم

١ - ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ﴾ الآية، قال ابن (٢) عباس (٣): كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
(١) مكية بإجماعهم. وقد نقل الإجماع في ذلك ابن عطية في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٧٨، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٨/ ١٠٣، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٩، والشوكاني عن القرطبي في: "فتح القدير" ٥/ ٣٠٢.
(٢) بياض في (ع).
(٣) جاءت هذه الرواية مطولة من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في: "البخاري" ١/ ٢٥٠ ح ٧٧٣، كتاب الأذان، باب الجهر بقراءة صلاة الفجر، و٣/ ٣١٦: ح ٤٩٢١ في التفسير، باب سورة "قل أوحي إلي". و"مسلم" ١/ ٣٣٠ ح ١٤٩، في الصلاة، باب الجهر بالقراءة في الصبح، والقراءة على الجن. و"الترمذي" ٥/ ٤٢٦: ح ٣٣٢٣، كتاب التفسير، باب ومن سورة الجن، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. و"تفسير النسائي" ٢/ ٤٦٧ ح ٦٤٤. و"المستدرك" ٢/ ٥٠٣، كتاب التفسير، تفسير سورة الجن، وصححه، ووافقه الذهبي، والرواية كما هي عند البخاري والترمذي: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: انطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عُكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشُّهب. قال: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث، فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم وبين خبر السماء؟ قال: فانطلق الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنخلة، وهو عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن تسمعوا له، فقالوا: =
279
يصلي من الليل، ويقرأ القرآن، مر به نفر (١) من الجن، فاستمعوا إليه، وإلى قراءته، ودنا (٢) بعضهم من بعض حبًّا للقرآن، حتى كادوا أن يركبوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٣)، وآمنوا به ثم رجعوا إلى قومهم، وقالوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾، يعني: بليغًا.
وذكرنا سبب إتيان (٤) الجن إياه عند قوله: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ﴾ [الأحقاف: ٢٩] الآية (٥).
= هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا إنا سمعنا قرآنًا عجبًا، يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدًا، وأنزل الله عز وجل على نبيه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾، وإنما أوحي إليه قول الجن.
كما أوردها ابن جرير في "جامع البيان" ٢٩/ ١٠٢ - ١٠٣، وانظر: "لباب النقول في أسباب النزول" للسيوطي: ٢٢٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١ - ٢، و"لباب التأويل" ٤/ ٣١٥، و"الدر المنثور" ٨/ ٢٩٦ - ٢٩٧، وعزاه إلى أحمد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والطبراني ١٢/ ٥٢، رقم (١٢٤٤٩)، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي معًا في الدلائل عن ابن عباس ٢/ ٢٢٥ من طريق أبي عوانة.
(١) غير مقروء في: (ع).
(٢) دنا: يقال: دنا منه، ودنا إليه، يدنو دنوًّا: قرب، فهو دانٍ.
"المصباح المنير" ١/ ٢٣٩، مادة: (دنا)، وانظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير ٢/ ١٣٧.
(٣) قاله ابن عباس. انظر: "الوسيط" ٤/ ٣٦٣.
(٤) في (أ): الإتيان.
(٥) ومما جاء في تفسيرها: "قال المفسرون: لما أيس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قومه -أهل مكة- أن يجيبوه، خرج إلى الطائف ليدعوهم إلى الإسلام، فلما انصرف إلى مكة فكان ببطن نخلة، قام يقرأ القرآن في صلاة الفجر، مر به نفر من أشراف حسن نصيبين، كان إبليس بعثهم ليعرف السبب الذي أوجب حراسة السماء بالرجم، =
280
وقال مقاتل: ﴿قُرْآنًا عَجَبًا﴾ يعني عزيزًا لا يُوجد مثله (١).
والمحعنى: قرآنًا ذا عجيب، يعجب منه لبلاغته وعدم مثله، ثم وصفوا ذلك القرآن، وهو قوله:
٢ - ﴿يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾.
قال عطاء: إلى الإيمان بالله (٢)، وقال الكلبي: يدعو إلى الصواب من الأمن من لا إله إلا الله (٣)، وقال (٤) مقاتل: يدعو إلى التوحيد (٥).
﴿وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ قال الكلبي: بطاعة ربنا أحدًا، يعنون إبليس، وذلك أنه بعثهم ليعرف سبب حراسة السماء بالنجوم، فخرجوا يضربون في الأرض، فمروا (٦) برسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٧)، وهو يقرأ القرآن، فاستمعوا إليه، وآمنوا، ولم يرجعوا إلى إبليس (٨).
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ قرئ: (وأنه)، وكذلك ما بعده
= فدفعوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو يصلي، فاستمعوا لقرآنه.
وقال آخر ون: بل أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينذر الجَنَّة، ويدعوهم إلى الله، ويقرأ عليهم القرآن، فصرف إليه نفر من الجن ليستمعوا منه، وينذروا قومهم".
(١) "تفسير مقاتل" ٢١١/ ب، وورد بمثله في "بحر العلوم" ٣/ ٤١٠ من غير عزو.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) في (أ): قال.
(٥) الذي ورد في "تفسيره" ٢١١/ ب: "قال: يدعو إلى الهدى"، وقد ورد بنحوه من غير عزو في: "بحر العلوم" ٣/ ٤١٠.
(٦) غير واضحة في: (ع).
(٧) ساقطة من: (أ).
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
281
بالكسر، والفتح (١)، والاختيار الكسر؛ لأنه من قول الجن لقومهم، فهو معطوف على قوله: ﴿فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا﴾، وقالوا: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى (٢) جَدُّ رَبِّنَا﴾، وأما من فتح، فقال الفراء: أما الذين فتحوا فإنهم ردوا (أن) في كل السورة على قوله: (فآمنا به)، وآمنا بكل ذلك، ففتحوا (أن) بوقوع (٣) الإيمان عليها، وأنت مع ذلك تجد الإيمان (٤) يحسن في بعض ما فتح، ويقبح في بعض، ولا (٥) يمنعك ذلك من إمضائهنَّ على الفتح، فإن الذي يقبح من ظهور الإيمان قد يحسن فيه فعل مضارعٌ للإيمان (٦) يوجب فتح (أن) نحو: (صدقنا)، و (شهدنا) (٧).
(١) قرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وخلف، وحفص بفتح الهمزة فيهن، ووافقهم أبو جعفر في ثلاث: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى﴾، ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ﴾، ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ﴾. وقرأ الباقون بكسرها في الجميع، واتفقوا على فتح ﴿أَنَّهُ اسْتَمَعَ﴾، ﴿وَأَنً اَلْمَسَجِدَ﴾. قال ابن الجزري: (لأنه لا يصح أن يكون من قولهم، بل هو مما أوحي إليه -صلى الله عليه وسلم-، بخلاف الباقي، فإنه يصح أن يكون من قولهم، ومما أوحي، والله أعلم). "النشر في القراءات العشر" ٢/ ٩١ - ٣٩٢.
وانظر مراجع قراءة الفتح والكسر: كتاب "السبعة" ٦٥٦، و"القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧١٩، و"الحجة" ٦/ ٣٣، و"المبسوط" ٣٨٣، و"حجة القراءات" ٧٢٧، و"الكشف عن وجوه القراءات السبع" ٢/ ٣٢٩.
(٢) في (أ): على.
(٣) وردت في "معاني الفراء" لوقوع.
(٤) في (أ): الإنسان.
(٥) في (ع): فلا.
(٦) في (أ): الإيمان.
(٧) إلى هنا انتهى قول الفراء في "معاني القرآن" ٣/ ٣٩١ - ٣٩٢، وقد نقله عنه الإمام الواحدي بتصرف.
282
وقال أبو إسحاق: من حمل (١): ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ على قوله: ﴿فَآمَنَّا بِهِ﴾ يقول: فآمنا به، وبأنه تعالى جد ربنا، وكذلك ما بعدَه، وهو ردئ في القياس، لا يُعطف على (الهاء) المخفوض إلا بإظهار الخافض، ولكن وجهه أن يُحمل على معنى: (آمنا به)، لا على لفظ: (آمنا به)، ومعنى (٢) آمنا به: صدقناهُ، وعلمناه، ويكون المعنى: وصدقنا أنه تعالى جد ربنا (٣).
وقال أبو علي: من قرأ بالفتح، فإنه على العمل على (أوحي) (٤)، وهذا ضعيف جدًّا (٥)؛ لأن المعنى على الإخبار على الجن (٦) أنهم قالوا: "وأنه تعالى جد ربنا"، "وأنه كان يقول"، وليس المعنى على أوحي إلى "أنه تعالى جد ربنا"، "وأنه كان يقول سفيهنا"، إلا أن بعض ما فتح من "أن" في هذه السورة يحسن حملها على "أوحي" (٧)، ونذكر ذلك في
(١) في (أ): جعل.
(٢) في: (أ): معنا.
(٣) إلى هنا انتهى قول الزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٤، وقد نقله عنه بتصرف.
(٤) "الحجة" ٦/ ٣٣٢.
(٥) لأنه ينقص المعنى ويغيره. إذا حملت سائر الآيات في الثلاثة عشر موضعًا من هذه السورة، والتي من قول: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى﴾ إلى قوله: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ﴾ على ما قبلها من قوله: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ﴾، وذلك لأنه لا يحسن أن يقال: وأوحي إلى أنه لما قام عبد الله، ولا يحسن وأوحي إلى أنه كان يقول سفيهنا على الله شططًا. قاله مكي بن أبي طالب في الكشف: ٢/ ٣٤١.
(٦) في: (أ): الحق.
(٧) قال مكي: وحجة من فتح الثلاثة عشر أنه عطف على "قل أوحي إلى أنه"، فلما عطف على ما عمل فيه الفعل فتحه كله. الكشف: مرجع سابق.
283
موضعه (١)، ولكن ليس يطرد حمل فتح ما اختلف فيه على الوحي (٢) (٣).
واختلفوا في معنى قوله: "جد ربنا": فالأكثرون على أن المعنى: جلال ربنا وعظمته، وهو قول مجاهد (٤)، ومقاتل (٥)، (وعكرمة (٦)، وقتادة (٧)، والمبرد (٨)، والزجاج (٩)) (١٠)، وجميع أصحاب العربية (١١).
والجد معناه في اللغة: العظمة، يقال: جد فلان، أي: عظم (١٢)، ومنه الحديث: "كان الرجل إذا قرأ سورة البقرة جد فينا (١٣)، أي: جل قدره
(١) عند الآية: (٦) من هذه السورة.
(٢) لأن المعنى في فتح "أن" على العطف على "الهاء" أتم وأبين منه إذا عطفت على "أوحي إلى أنه". مرجع سابق.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) "جامع البيان" ٢٩/ ١٥٤، و"الكشف والبيان" جـ: ١٢: ١٩٢/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠١، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٥، و"الجامع" ٨/ ١٩، و"تفسير ابن كثير" ٤/ ٤٥٧.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢١١/ ب، بنحوه، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٥.
(٦) "جامع البيان" ٢٩/ ١٠٤، و"الكشف والبيان" جـ: ١٢: ١٩٢/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠١، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٥، و"الجامع لأحكام القرآن" ٨/ ١٩، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٥٧.
(٧) "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة: ٤٨٩، و"النكت والعيون" ٦/ ١١٠، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠١، و"الجامع" للقرطبي ١٩/ ٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٥٧.
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٩) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٤.
(١٠) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(١١) حكاه الفراء عن مجاهد. انظر: "معاني القرآن" ٣/ ١٩٢.
(١٢) انظر: مادة: (جد) في معجم "مقاييس اللغة" ١/ ٤٠٦، و"تهذيب اللغة" ١٠/ ٤٥٥، و"الصحاح" ٢/ ٤٥٢، و"إصلاح المنطق" ٢.
(١٣) أخرجه الإمام أحمد ٣/ ١٢٠ - ١٢١، من طريق أنس -رضي الله عنه- مطولاً، ونص الشاهد: (وكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا، يعني عظم).
284
وعظم" (١).
وقال الحسن "جد ربنا" أغناه (٢)، والجد يكون بمعنى الغنى، ومنه الحديث: "لا ينفع ذا الجد منك الجد" (٣)، وكذلك الحديث الآخر: "قمت
(١) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٢) "الكشف والبيان" ج ١٢: ١٩٢/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٠، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٥، و"القرطبي" ٨/ ١٩، و"الدر المنثور" ٨/ ٢٩٨ وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٣) أخرجه البخاري ١/ ٢٧١ ح ٨٤٤، كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، وكتاب القدر: باب لا مانع لما أعطى الله: ٤/ ٢١٢: ح ٦٦١٥، وكتاب الاعتصام: باب ما يكره من كثرة السؤال: ٤/ ٣٦٢، ح ٧٢٩٢، ومسلم ١/ ٣٤٣: ح ١٩٤: كتاب الصلاة: باب اعتدال أركان الصلاة، وباب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع: ح ٢٠٥ - ٢٠٦، كتاب المساجد: باب استحباب الذكر بعد الصلاة (ح) ١٣٧ - ١٣٨، وأبو داود ١/ ٣٧٧ - ٣٧٨: كتاب الصلاة: باب ما يقول الرجل إذا سلم من الصلاة.
ومالك في "الموطأ" ٧/ ٦٨٧ كتاب القدر: باب ما جاء في أهل القدر، والدارمي في "سننه" ٧١ - ٨٨، والترمذي ٢/ ٩٧: ح ٢٩٩: كتاب الصلاة: باب ما يقول إذا سلم من الصلاة، والنسائي ٢/ ٥٤٤ - ٥٤٥: ح ١٠٦٧، كتاب التطبيق، باب ما يقول في قيامه ذلك، وكتاب السهو: باب نوع آخر من القول عند إنقضاء الصلاة: ٣/ ٧٩ - ٨٠: ح ١٣٤٠ - ١٣٤١، وباب نوع آخر من الدعاء عند الانصراف من الصلاة: ٣/ ٨٢: ح ١٣٤٥، والإمام أحمد في "المسند" ٣/ ٨٧، و٤/ ٩٣، و٩٧، و١٠١، و٢٤٥، و٢٤٧، ٢٥٠، و٢٥٤، و٢٨٥.
قال النووي: (والصحيح المشهور: الجد -بالفتح- وهو الحظ، والغنى، والعظمة، والسلطان، أي لا ينفع ذا الحظ في الدنيا بالمال والولد والعظمة والسلطان منك حظه، أي لا ينجيه حظه منك، وإنما ينفعه وينجيه العمل الصالح، كقوله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ﴾ [الكهف: ٤٦]، والله تعالى أعلم. "شرح صحيح مسلم" ٤/ ٤٤١، وانظر قوله في: "عون المعبود، شرح سنن أبي داود" للآبادي: ٤/ ٣٧٢.
285
على باب الجنة فإذا عامة من يدخلها الفقراء، وإذا أصحاب الجد (١) محبوسون" (يعني) (٢) ذوي الحظ (٣) في الدنيا (٤) (٥).
والمعنى: وجميع ما ذكر من الأقوال يعود إلى معنى: القولين اللذين ذكرنا. (روي عن قتادة: تعالى أمره) (٦) (٧).
قال أبو (٨) عبيدة: ملكه وسُلطانه (٩).
وعن القرظي: آلاؤه ونعمه (١٠).
(١) في: (أ): الجنة.
(٢) ساقطة من: (أ).
(٣) في: (أ): الخطة.
(٤) الحديث أخرجه البخاري في "الجامع الصحيح" ٣/ ٣٨٨ ح ٥١٩٦، من طريق أبي عثمان عن أسامة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قمت على باب الجنة، فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجَدِّ محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار، وقمت على باب النار، فهذا عامة من دخلها النساء".
(٥) ما بين القوسين تناول المعنى اللغوي لـ: "الجد" انظر مادة: (جد) في: معجم "مقاييس اللغة" ١/ ٤٠٦، و"تهذيب اللغة" ١٠/ ٤٥٥، و"الصحاح" ٢/ ٤٥٢، و"لسان العرب" ٣/ ١٠٨، وانظر: "إصلاح المنطق" ٢٢.
(٦) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٢١، وعبارته: "تعالى أمر ربنا، تعالت عظمته"، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٠٤، و"النكت والعيون" ٦/ ١١٠، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٥٧، و"الدر" ٨/ ٢٩٨ وعزاه إلى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وفي جميعها بنحو ما ورد في "تفسير عبد الرزاق".
(٧) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٨) في (أ): أبوا.
(٩) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٢، نقله عنه بتصرف، وعبارته: "علا ملكُ ربِّنا وسلطانه".
(١٠) "الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٢/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨، و"فتح القدير" ٥/ ٣٠٤.
286
وعن مجاهد: ذكره (١).
وكل هذا معناه يعود إلى جلاله، وعظمته، وغناه، وقول من قال: إن الجن قالت (هذه) (٢) بالجهالة (٣) لا يصح (٤)؛ لأنهم لو قالوه بالجهل لأنكر عليهم (ولَمَا) (٥) أخبر الله بذلك عنهم في القرآن.
فأما ما روي عن ابن عباس أنه قال: لو علمت الجن أن في الإنس جدًّا (٦) ما قالت: "تعالى جد ربنا" (٧)، فهذا محمول على أن هذا اللفظ مُوهم، وكان (٨) الأولى بهم أن يجتنبوا إطلاقه في وصف الله، وإن (كان) (٩) بمعنى جائز في وصفه.
(١) "جامع البيان" ٢٩/ ١٠٥، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٢/ ب، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٧٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٥٧، و"الدر المنثور" ٨/ ٢٩٨، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٢) ساقطة من (أ).
(٣) في (أ): بجهالة.
(٤) وممن قال بهذا القول: علي بن الحسين؛ أبو جعفر الباقر، وابنه جعفر، والربيع بن أنس. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٠٤، "الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٢/ ب، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٧٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨ وقد وصف الكرمانى هذا القول بأنه عجيب وضعيف وبعيد. انظر: "غرائب التفسير وعجائب التأويل" ٢/ ١٢٦٠، وقال ابن عطية ٥/ ٣٧٩: قال كثير من المفسرين: هذا قول ضعيف.
(٥) ساقطة من (أ).
(٦) في (أ): أحدًا.
(٧) "الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٢/ ب، و"غرائب التفسير"، وقد وصفه بما وصف سابقه من القول بالجهالة، و"تفسير ابن كثير" ٤/ ٤٥٧، وقال ابن كثير: "إسناد جيد لكن لست أفهم ما معنى هذا الكلام، ولعله قد سقط شيء، والله أعلم".
(٨) في (ع): فكان.
(٩) ساقطة من: (أ).
287
وقال أبو إسحاق: تعالى جد ربنا وعظمته (١) عن أن يتخذ صاحبة وولدًا (٢) (٣)، وهو قوله ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا﴾ قال ابن عباس: يريد المشركين من الجن (٤)، وهو قول مقاتل: يعني كفارهم (٥).
وقال مجاهد (٦)، (وقتادة) (٧) (٨): هو إبليس.
وقوله تعالى: ﴿عَلَى اللهِ شَطَطًا﴾ أي كذبًا، وجورًا، وهو و (٩) صفه
(١) في (أ): وعظمت.
(٢) وردت في (ع): وولدًا وصاحبة.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٣ بنصه.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) "زاد المسير" ٨/ ١٠٥، ومعنى السفه في اللغة: الخفة، انظر: معجم "مقاييس اللغة" ٣/ ٧٩، و"تهذيب اللغة" ٦/ ١٣١.
وقال الراغب: السفه: خِفة في البدن، ومنه قيل: زمام سفيه: كثير الاضطراب، وثوب سفيه: رديء النسيج، واستعمل في خفة النفس لنقصان العقل، وفي الأمور الدنيوية، والأخروية، فقيل: سَفِه نفسه، وأصله: سفه نفسه، فصرف عنه الفعل نحو: بطر معيشته، وقال في الأخروي: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللهِ شَطَطًا (٤)﴾ فهذا من السفه في الدين". "المفردات" ٢٣٤ - ٢٣٥.
(٦) "جامع البيان" ٢٩/ ١٠٧، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٢/ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ١١٠، و"الجامع" للقرطبي ٩/ ١٩، و"تفسير ابن كثير" ٤/ ٤٥٧، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٨/ ٢٩٨ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وانظر: "فتح القدير" ٥/ ٣٠٤.
(٧) المراجع السابقة، ورواه صاحب "الدر" بمعناه عنه وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٨) ساقطة من: (أ).
(٩) الواو ساقطة من النسختين، وأثبتها لاستقامة المعنى، وهكذا وردت أيضًا في "الوسيط" ٤/ ٣٦٣، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٥.
288
بالشريك، والصاحبة، والولد. قاله المفسرون (١). وتفسير "الشطط" قد تقدم عند قوله: ﴿لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا﴾ (٢) [الكهف: ١٤].
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِبًا (٥)﴾ (٣): أن الإنس والجن كانوا لا يكذبون على الله بأن له شريكًا وصاحبة وولدًا، أي كنا نظنهم صادقين حتى سمعنا القرآن. هذا قول المفسرين (٤).
(١) ممن قال بمعنى ذلك: ابن قتيبة، قال: أي غلوًّا في الكذب والجور. "تأويل مشكل القرآن" ٤٢٧، وعن ابن زيد قال: ظلمًا. "جامع البيان" ٢٩/ ١٠٧.
وعن الكلبي: كذبًا، وعن أبي مالك: جورًا. انظر: "النكت والعيون" ٦/ ١١٠. وممن قال من المفسرين أيضًا بذلك: البغوي، وابن الجوزي، والخازن، وابن كثير. انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٠١، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٥، و"لباب التأويل" ٤/ ٣١٦، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٥٧.
(٢) وجاء في تفسيرها كما في "البسيط" ﴿لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا﴾ أي كذبًا وجورًا، قاله المفسرون، ومعنى الشطط في اللغة: مجاوزة القدر.
قال الفراء: يقال: أشط في اللوم إذا جاوز القدر، ولم أسمع إلا أشطّ يشط أشطاطًا وشططًا. وحكى الزجاج وغيره: شط الرجل وأشط، إذا جاوز، ومنه: ﴿وَلَا تُشْطِطْ﴾، ومثله: أشط، وأصل هذا من قولهم: شطت الدار إذا بعدت، فالشطط في القول بعد عن الحق.
وانظر المعنى اللغوي، وهو مجاوزة المحدود، والتباعد عن الحق، مادة: (شطط) في كل من: "الصحاح" ٣/ ١١٣٧، و"اللسان" ٧/ ٣٣٤، و"تاج العروس" ٥/ ٦٩١.
(٣) وردت في (ع): "إنا ظننا" الآية.
(٤) وهو قول الثعلبي نقله عنه بنصه. انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٢/ ب، وممن ذهب من المفسرين إلى هذا القول: الطبري، والسمرقندي، والبغوي، وابن الجوزي، والقرطبي، والخازن، وابن كثير. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٠٧ - ١٠٨، و"بحر العلوم" ٣/ ٤١١، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٢، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٥، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩، و"لباب التأويل" ٤/ ٣١٦، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٥٧.
289
قال ابن قتيبة: يقول: كنا نتوهم أن أحدًا لا يقول على الله باطلاً، يريدون أنا كنا نصدقهم، ونحن نظن أن أحدًا لا يكذب على الله، وانقطع هاهنا قول الجن (١).
قال الله جل وعز: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ﴾ (فمن فتح "وأنه" حملها على "أوحي"، ومن كسر جعلها مبتدأة (٢) من الله تعالى) (٣).
قوله تعالى: ﴿يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ﴾ قال جماعة المفسرين: كان الرجل في الجاهلية إذا سافر فأمسى في قفر (٤) من الأرض قال: أعوذ بسيد هذا الوادي، أو بعزيز هذا المكان، من شر سفهاء قومه، فيبيت في جوار منهم حتى يصبح (٥).
(١) "تأويل مشكل القرآن" ٤٢٧ بنصه.
(٢) لأن حقّها إذا دخلت على الابتداء أن تكسر؛ لأنها حرف مبتدأ به للتأكيد. قاله مكي. انظر: "الكشف عن وجوه القراءات السبع" ٢/ ٣٤١.
(٣) ما بين القوسين نقلاً عن "الحجة" بتصرف واختصار: ٦/ ٣٣٢.
(٤) القفر في اللغة: المكان الخلاء من الناس. وفي اللسان: الخلاء من الأرض. انظر (قفر) في: "تهذيب اللغة" ٩/ ١٢٠، و"لسان العرب" ٥/ ١١٠. وقال الجوهري: القَفْر: مفازة لا ماء فيها، ولا نبات، والجمع: قفار. "الصحاح" ٢/ ٧٩٧ مادة: (قفر).
(٥) قال بمعنى ذلك: ابن عباس، والحسن، وإبراهيم، ومجاهد، وابن زيد. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٠٨، و"النكت والعيون" ٦/ ١١١، وعزاه إلى ابن زيد فقط. وقال به: ابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن" ٤٢٨، والسمرقندي، والثعلبي، والبغوي، وحكاه ابن عطية عن جمهور المفسرين، وابن الجوزي، والفخر الرازي عن جمهور المفسرين، والخازن.
انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٤، و"بحر العلوم" ٣/ ٤١١، و"الكشف والبيان" ١٢: ١٩٣/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٢، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٠، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٥، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ١٥٦، و"لباب التأويل" ٤/ ٣١٦.
290
وقوله: ﴿فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ قال أبو عبيدة: سفهًا وطغيانًا وظلمًا (١).
وقال الليث (٢)، وغيره (٣) (٤): الرهق: جهل في الإنسان، وخِفَّةٌ في عقله. والرَّهَق: غشيان الشيء، وفي فلان رهقٌ يغشى المحارمَ، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ﴾ [يونس: ٢٦]-وقد مر (٥) -، ورجل مُرَهَّقٌ: يغشاه السُّؤال والضيفان، ومنه قول زهير:
ومُرَهَّق النِّيرانِ يُحْمَدُ في اللأْواءِ غيرُ مُلَعَّنِ القِدْرِ (٦) (٧)
ويقال: رهقتنا الشمس إذا قربت (٨).
ومعنى قول المفسرين يعود إلى هذا، وهو أنهم قالوا في قوله:
(١) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٢، بزيادة: (وظلمًا).
(٢) "تهذيب اللغة" ٥/ ٣٩٧ - ٣٩٨، نقله عنه باختصار.
(٣) يراد به الأصمعي. انظر: "تهذيب اللغة"؛ مرجع سابق.
(٤) ساقطة من: (أ).
(٥) جاء في تفسير الآية السابقة من الحاشية ١٠: (ولا يرهق وجوههم: أي لا يغشاها، يقال: رهقه ما يكره، أي: غشيه، قال ابن عباس: يريد ولا يصيب وجوههم.
(٦) ورد البيت منسوبًا له في ديوانه: ٢٨ ط دار صادر. وأيضًا في مادة: (رهق): "الصحاح" ٤/ ١٤٨٧، و"لسان العرب" ١٠/ ١٣٠، و"تاج العروس" ٦/ ٣٦٥.
ومعنى البيت: مرهق النيران: تُغشى نيرانه، اللأواء: الشدة والجهد والضيق، غير ملعن القدر: لا تُسبُّ قِدره لأنه يُطعِم.
انظر: "شرح شعر زهير" لأبي العباس ثعلب، تحقيق د. فخر الدين قباوة: ٨٠.
(٧) ما بين القوسين انظر له: "تهذيب اللغة" ٥/ ٣٩٧ - ٣٩٨: مادة: (رهق).
(٨) جاء في "الصحاح" ويقال: طلبت فلانًا حتى رَهِقْتُةُ رَهَقًا: أي دنوت منه، فربما أخذه، وربما لم يأخذه. ٤/ ١٤٨٧. وفي "اللسان" وأرهقنا الليل: دنا منا، وأرهقنا الصلاة: آخرناها حتى دنا وقت الأخرى. ١٠/ ١٣٠، مادة: (رهق).
291
(فزادوهم رهقًا) أي إثمًا (١)، وجراءة (٢)، وطغيانًا (٣)، وخطيئة (٤)، وغيًّا (٥)، وشرًا (٦)، كل هذا من ألفاظهم، والمعنى: أنهم يزدادون بهذا التعوذ طغيانًا، وإثمًا، فيقولون: [سدنا] (٧) الجن والإنس.
ويجوز أن يكون المعنى: زادت الجن والإنس رهقًا، أي ظلمًا، يعني لما تعوذوا (بهم) (٨) استذلوهم، واجترؤوا عليهم، فزادوهم ظلمًا، وهذا
(١) قاله ابن عباس. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٥٩، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٣/ أ، و"النكت والعيون" ٦/ ١١١، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٠، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٥٧.
(٢) قاله قتادة. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٠٩، و"الكشف البيان" ١٢/ ١٩٣/ أ، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٥٧.
(٣) قاله مجاهد. انظر: المراجع السابقة. إضافة إلى: "النكت والعيون" ٦/ ١١١، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٢.
(٤) قاله قتادة أيضًا. انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ١٣٢، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٣/ أ، و"القرطبي" ١٠/ ١٩، و"الدر المنثور" ٨/ ٣١٠، وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٥) قاله مقاتل. انظر: "الكشف والبيان" جـ: ١٢: ١٩٣/ أ، و"النكت والعيون" ٦/ ١١١، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٢.
(٦) قاله الحسن. انظر: "الكشف والبيان" جـ: ١٢: ١٩٣/ أ.
ومن ألفاظهم أيضًا: خوفًا؛ قاله ابن زيد، وأبو العالية، والربيع. انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٣/ أ، و"النكت والعيون" ٦/ ١١١، و"القرطبي" ١٠/ ١٩.
وعظمة: قاله إبراهيم. انظر: "الكشف والبيان"، و"معالم التنزيل"؛ مرجعان سابقان. وكفر. قاله سعيد. انظر: "النكت والعيون"؛ مرجع سابق.
وأذًى. قاله السدي. انظر: المرجع السابق. سفهًا. قاله ابن عيسى. مرجع سابق. وقال الزجاج. ذلة وضعفًا. "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٤.
(٧) في كلا النسختين: سيدنا، وأثبت ما تستقيبم به العبارة.
(٨) ساقطة من: (أ).
292
معنى قول عطاء: خبطوهم (١)، وخنقوهم (٢).
فعلى القول الأول: زادوا من فعل الإنس.
وعلى القول الثاني: زادوا من فعل الجن.
قوله: ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا﴾ هذا أيضًا من قول الله عز وجل، والكلام في فتح "أن" وكسرها -كما ذكرنا في الآية التي قبلها (٣) - والمعنى أن الله تبارك وتعالى يقول: (ظن الجن كما ظننتم أيها الإنس أن لا تبعث يوم القيامة (٤)، أي: كانوا لا يؤمنون بالبعث، كما أنكم لا تؤمنون به، وهذا خطاب من الله للكفار.
وانقطع هاهنا قول الله عز وجل فقالت الجن) (٥):
﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ﴾ قال ابن عباس: يريد مسسنا السماء (٦).
٨ - وقال الكلبي: يقول: أتينا السماء (٧).
(١) خبطوهم: خبطه، يخبطه: ضَرَبه شديدًا.
انظر: "القاموس المحيط" ٢/ ٣٥٦، مادة: (خبط).
(٢) الخنق: خنقه يخنقه، من باب قتل، خنقًا، والمخنقة: القلادة، سميت بذلك لأنها تطيف بالعنق، وهو موضع الخنق.
انظر مادة: (خنق) في: "معجم مقاييس اللغة" ٢/ ٢٢٤، و"الصحاح" ٤/ ١٤٧٢، و"المصباح المنير" ١/ ٢١٩.
(٣) يراجع فيها آية ٣ من هذه السورة.
(٤) بمعناه قال السمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٤١١، والثعلبي في "الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٣/ ب.
(٥) ما بين القوسين نقله الواحدي عن ابن قتية بنصه. انظر: "تأويل مشكل القرآن" ٤٢٨ - ٤٢٩.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) "الوسيط" ٤/ ٣٦٥.
293
قال أبو علي: تأويله عالجنا غيب السماء، ورمنا استراقه فنلقيه إلى الكهنة (١)، وليس من اللمس بالجارحة في شيء (٢). وهذا معنى قول الكلبي (٣).
وقوله تعالى: ﴿فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا﴾ (٤) قال ابن عباس (٥)، ومقاتل (٦): يعني الملائكة.
والحرس: جمع حارس. و ﴿شَدِيدًا﴾ يراد به الكثرة، وذكرنا في مواضع أن فعيلًا قد يكون للكثير (٧).
وقوله: ﴿وَشُهُبًا﴾ قال ابن عباس: يريد النار التي يرجم بها من استرق السمع (٨).
وقال الكلبي: ورُمينا بالنجوم (٩)، وهذا كقوله: ﴿فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ [الصافات: ١٥]، وقد مر، وذكرنا الكلام في هذا عند قوله: ﴿رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ (١٠)،...
(١) الكهنة: جمع كاهن، وهو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدّعي معرفة الأسرار. "لسان العرب" ١٣/ ٣٦٣، مادة: (كهن)، و"النهاية في غريب الحديث والأثر" ٤/ ٢١٤.
(٢) و (٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) كلمة (شهبا) ساقطة من: (ع).
(٥) "الدر المنثور" ٨/ ٣٠٣ وعزاه إلى ابن مردويه.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢١١/ ب.
(٧) نحو ما جاء في قوله: ﴿لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨]، وقوله ﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٥].
(٨) و (٩) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١٠) سورة الملك: ٥: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (٥)﴾. وقد جاء في تفسيرها: قال ابن عباس: يرجم بها الشياطين =
294
وفي آيات غيرها (١).
قال الكلبي: ولم تكن تحرس السماء في الفترة بين عيسى ومحمد -عليهما السلام- خمسمائة عام، فلمَّا بعث محمد -صلى الله عليه وسلم- مُنعوا من السموات كلها، وحرست بالملائكة والشهب، فعند ذلك قالوا: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ﴾
= الذين يسترقون السمع. قال أبو علي: فإن قيل: كيف يجوز أن تكون المصابيح زينة مع قوله: (وجعلناها رجومًا للشياطين فالقول إنها جعلت لهم لم تزل فتزول الزينة بزوالها، ولكن يجوز أن ينفصل منها نور يكون رجمًا للشياطين، كما ينفصل من السرج، وسائر ذوات الأنوار ما لا يزول بانفصالها منها صورتها. وهذا كما قال بعض أهل العربية: ينفصل من الكوكب شهاب نار، وهذا كقوله: "ولقد جعلنا في السماء بروجًا" الآية.
ومعنى لفظ الشهاب: الشُّعلة الساطعة من النار الموقدة، ومن العارض في الجو، نحو: "فأتبعه شهاب ثاقب". "المفردات في غريب القرآن" ٤٦٧.
وقال أبو حيان: "شهاب": كوكب متوقد مضيء. "تحفة الأريب" ١٨٢.
وقال ابن فارس: "شهب" الشين والهاء والباء أصل واحد يدل على بياض في شيء من سواد لا تكون الشهة خالصة بياضًا.. ، ومن الباب الشهاب، وهو شُعلة نار ساطعة "معجم مقاييس اللغة" ٣/ ٢٢٠، مادة: (شهب)، وانظر: "لسان العرب" ١/ ٥٠٨ مادة (شهب).
(١) نحو ما جاء في سورة الحجر: ١٨ عند قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (١٨)﴾. جاء في تفسير الشهاب: "قال الواحدي: والشهاب: شعلة نار ساطع، ثم يسمى الكوكب شهابًا، والسنان شهابًا لبريقهما يشبهان النار".
وقال ابن عباس في قوله: (بشهاب مبين): يريد نارًا تنير لأهل الأرض.
قال المفسرون: إن الشهاب لا تخطئه أبدًا، وإنهم ليرمون فإذا توارى عنكم فقد أدركه. وقال أصحاب المعاني: إن الله تعالى سمى ما ترجم به الشياطين شهابًا، وهو في اللغة النار الساطعة، ونحن في رأي الحين نرى كأنهم يرمون بالنجوم، فيجوز أن ذلك كما نرى، ثم يصير نارًا إذا أدرك الشيطان، ويجوز أنهم يرمون بشعلة نار من الهواء، ولكن لبعده عما يخيل إلينا أنه نجم. والله أعلم بحقيقة ذلك.
295
[الجن: ١٤] (١) الآية.
وذكر المفسرون (٢): أن الانقضاض الذي رُميت به الشياطين حدث بعد مبعث النبي، وهو أحد آياته، ويدل على هذا قوله: ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا﴾ [الجن: ٩] الآية، أي كنا نسمع، فالآن حين حاولنا الاستماع رُمينا بالشهب. وهو قوله: ﴿يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا﴾.
قال مقاتل: يعني رميًا من الكواكب، ورصدًا من الملائكة (٣).
قال أبو إسحاق: أي حفظة تمنع من الاستماع (٤).
وعلى هذا يجب أن يكون التقدير: شهابًا، ورصدًا؛ لأن الرصد غير الشهاب، وهو جمع راصد (٥).
(١) ورد بنحوه في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١١.
(٢) قال بذلك قتادة، وابن زيد، وابن عباس، وأبي بن كعب، وعبد الله بن عمر، انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١١١، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ١٥٨، و"القرطبي" ١٩/ ١٢، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٠٢ وعزاه إلى عبد بن حميد عن ابن عباس، ويؤيد هذا القول الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان الجن يصعدون إلى السماء يسمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعًا، فأمَّا الكلمة فتكون حقًّا، وأمَّا ما زاد فيكون باطلاً، فلما بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُنِعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس، ولم تكن النجوم يُرمى بها قبل ذلك، فقال لهم إبليس: ما هذا إلا من أمر قد حدث في أرض، فبعث جنوده فوجدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمًا يصلي بين جبلين، أراه قال: بمكة، فأتوه فأخبروه، فقال: هذا الذي حدث بالأرض.
أخرجه الترمذي في سننه وقال: هذا حديث حسن صحيح، ٥/ ٤٢٧ - ٤٢٨ ح ٣٣٢٤، كتاب التفسير: باب ومن سورة الجن: ٧٠.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢١١/ ب.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٤ بنصه.
(٥) الرصد في اللغة: قال ابن فارس: الراء والصاد والدال أصل واحد، وهو التهيؤ لِرقبة شيء على مَسْلَكِه، ثم يحمل عليه ما يشاكله. "معجم مقاييس اللغة" ٢/ ٤٠٠، مادة =
296
وقال الفراء (١)، وابن قتيبة (٢): أي شهابًا قد أرصد له ليرجم به.
وعلى هذا الرصد من نعت الشهاب، وهو فَعَل بمعنى مفعول، كالنَّفَضِ والخيط.
روى عبد الرزاق عن مَعمر قال: قلت للزهري: أكان يُرمى بالنجوم في الجاهلية، قال: نعم، قلت: أفرأيت قوله: ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ﴾ الآية، فقال: غلظت، وشدد أمرهَا حين بُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- (٣).
وروي أيضًا مرفوعًا ما يدل على هذا، وهو ما روي عن ابن عباس أنَّه قال: بينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس في نفر من الأنصار إذ رمي بنجم، فقال: "ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية؟ " فقالوا (٤): كنا نقول يموت عظيم، أو يولد (٥) عظيم (٦) الحديث.
= (رصد). وفي "الصحاح" الراصد للشيء: المراقب له، والرَّصَدُ: القوم يَرصدون كالحرس. ٢/ ٤٧٤ مادة: (رصد).
(١) "معاني القرآن" ٣/ ١٩٣ بنصه.
(٢) "تفسير غريب القرآن" ٤٨٩.
(٣) "تأويل مشكل القرآن" ٤٢٩، و"بحر العلوم" ٣/ ٤١٢، و"الكشاف" ٤/ ١٤٧، و"الجامع" للقرطبي ١٢/ ١٩، و"فتح القدير" ٥/ ٣٠٥ - ٣٠٦، و"الكشاف" ٢٩/ ٨٧.
(٤) في (أ): فقال.
(٥) غير واضحة في: (أ).
(٦) الحديث أخرجه مسلم في "صحيحه" ٤/ ١٧٥٠: ح ١٢٤، كتاب السلام: باب ٣٥، تحريم الكهانة وإتيان الكهان، ونص الحديث كما هو عنده: "عن ابن شهاب حدثني علي بن حسين أن عبد الله بن عباس قال: أخبرني رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأنصار أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمي بنجم فاستنار، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رُمي بمثل هذا؟ " قالوا: الله ورسوله اعلم، كنا نقول. وُلِدَ الليلة رجل عظيم، ومات رجل عظيم. فقال =
297
قال ابن قتيبة: وهذا يدل (١) على أن الرجم قد كان قبل مَبْعثه ولكنه لم يكن مثله في شدة الحراسة بعد مبعثه، وكانت تسترق في بعض الأحوال، فلما بُعث منعت من ذلك أصلًا. وعلى هذا وجدنا الشعر القديم، قال بِشر ابن أبي خازم، وهو جاهلي:
والعَيْرُ يُرْهِقُها الغُبِارُ وجَحْشُها يَنْقَضُّ خَلْفَها انْقِضَاضَ الكَوْكَبِ (٢)
وقال أوس بن حجر، جاهلي:
فانْقَضَّ (٣) كالدُّرِّي يَتْبَعُه نَقْعٌ يَثُورُ تَخَالُهُ طُنُبا (٤) (٥)
= رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "فإنها لا يُرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى أمرًا سبح حملة العرش".. الحديث.
كما أخرجه الترمذي في "سننه" ٥/ ٣٦٢: ح ٣٢٢٤، كتاب التفسير، ومن سورة سبأ: ٣٥، قال أبو عيسى: (هذا حديث حسن صحيح).
وما أورده الإمام الواحدي فنقلًا عن "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة: ٤٣٠.
(١) وردت في "تأويل مشكل القرآن" المطبوع بلفظ: (لِنَدُلَّ).
(٢) ورد البيت في "ديوانه" ٣٧، و"كتاب المعاني الكبير" ٢/ ٧٣٩، و"الحيوان": لأبي عثمان الجاحظ: ٦/ ٢٧٣، برواية (الخبار) بدلًا من (الغبار)، و (خلفهما) بدلًا من (خلفها)، و"الكشاف" ٢٩/ ٨٧ برواية: (خلفهما).
معنى البيت: الخبار: أرض لينة رخوة تسوخ فيها القوائم. شبه الجحش بالكوكب المنقضّ في سرعته وبياضه. "ديوانه": ٣٧. حاشية.
(٣) وانقض: هكذا وردت عند ابن قتيبة في التأويل.
(٤) ورد البيت في ديوانه: ٣، برواية: (وانقض)، و"الحيوان" ٦/ ٢٧٤، "كتاب المعاني الكبير" ٢/ ٧٣٩، و"النكت والعيون" ٦/ ١١٢، و"التفسير الكبير" ٣/ ١٥٧، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨١، وعزاه إلى عوف بن الجزع، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٢/ ١٩، و"الكشاف" ٢٩/ ٨٧ (وانقض).
ويراد بالنقع: الغبار الساطع. الدريّ: الكوكب المنقض يدرأ على الشيطان. تخاله طنبًا: يريد تخاله فسطاطًا مضروبًا. ديوانه: ٣ حاشية.
(٥) ما بين القوسين من قول ابن قتيبة؛ نقله عنه الواحدي بتصرف يسير جدًّا. انظر: =
298
ثم قالوا: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ في الْأَرْضِ﴾، أي: بحدوث الرجم بالكواكب، وحراسة السماء من استراق السمع، أريد شرًّا (١) بأهل الأرض أم صلاح. وهو قوله: ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾.
(هذا معنى أكثر المفسرين (٢)، وأهل التأويل (٣)) (٤).
قال مقاتل: ﴿أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ في الْأَرْضِ﴾ يعني بإرسال محمد -صلى الله عليه وسلم- إليهم فيكذبوه، فيهلكوا كما هلك من كذب من الأمم الخالية، أراد أن يؤمنوا فيهتدوا (٥).
والمراد بـ: "الشر"، و"الرشد" على هذا القول: الكفر والإيمان (٦).
وقال ابن زيد: قالوا: لا ندري أعذاب أراد الله أن ينزله بأهل الأرض
= "تأويل مشكل القرآن" ص ٤٣٠.
(١) وردت مكررة في النسخة: أ.
(٢) قال بذلك: ابن زيد، انظر قوله في "جامع البيان" ٢٩/ ١١١، و"النكت والعيون" ٦/ ١١٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٣.
كما قال به ابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن" ٤٣١، ورجحه الطبري في "جامع البيان" مرجع سابق، وقاله أيضًا السمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٤١٢، وإليه ذهب البغوي في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٣، وعزاه القرطبي إلى الأكثرين من المفسرين. وهذا القول أحد القولين للآية، وهو القول الأول.
(٣) قاله الفراء في "معاني القرآن" ٣/ ١٩٣، والزجاج ٥/ ٢٣٤.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) "تفسير مقاتل" ٢١١/ ب، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٦، وإلى هذا القول ذهب الكلبي أيضًا، وعزاه الماوردي إلى السدي، وابن جريج، وحكاه ابن عطية في تفسيره. ويعد هذا القول الثاني من القولين في معنى الآية. انظر: "جامع البيان"، و"النكت والعيون" مرجعان سابقان، و"المحررالوجيز" ٥/ ٣٨١
(٦) بمعنى أن هذا القول منفصل عن معنى الآية السابقة له.
299
فمُنَعنا، أم أراد بهم الهدى بأن يبعث فيهم رسولاً. وهذا معنى القول الأول (١).
ثم أخبر عن أحوالهم فقال: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ﴾، أي: المؤمنون المخلصون. ﴿وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾: دون الصالحين، يعنون الكفّار في قول مقاتل (٢)، والكلبي (٣)، ومجاهد (٤).
(وهو اختيار الفراء (٥)، والزجاج (٦)).
وقال ابن قتيبة: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ﴾ بعد استماع القرآن، ﴿وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾ أي منا بررة أتقياء، ومنا دون البررة، وهم مسلمون (٧)، فجعل الفريقين جميعًا مسلمين، ولكن بعضهم دون بعض؛ وهذا قول السدي عن ابن عباس (٨). هذا كله معنى قوله:
﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾، أي: أصنافًا، وضروبًا مختلفة، إمَّا مؤمنون، وكافرون، على القول الأول، وإمَّا مخلصون بررة ودونهم.
(١) ورد قوله بمعناه في "جامع البيان" ٢٩/ ١١١، و"الجامع" للقرطبي ١٣/ ١٩.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢١١/ ب، بنحوه.
(٣) كلمة (والكلبي) ساقطة من (أ)، ولم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) "جامع البيان" ٢٩/ ١١٢، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٣، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٥٩، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٠٤ وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ١٩٣، وعبارته سابقة لهذه الآية، وذلك عندما تناول تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ في الْأَرْضِ﴾.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٥. والكلام ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٧) "تأويل مشكل القرآن" ٤٣١ نقله عنه الواحدي بنصه.
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
300
قال السدي: الجنُّ أمثالكم، فيهم قدرية، ومرجئة (١)، ورافضة (٢)،
(١) المرجئة: الإرجاء معناه التأخير، والآخر: إعطاء الرجاء، وإطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول؛ لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد، وإما بالمعنى الثاني فظاهر أنهم كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة. وأول من قال بالقدر والإرجاء: غيلان الدمشقي، ثم الجهم بن صفوان. والمرجئة أربعة أصناف: مرجئة الخوارج، ومرجئة القدر، ومرجئة الجبر، والمرجئة الخالصة. انظر: "شرح أصول الاعتقاد" لللالكائي ١/ ٢٥، و"الفرق بين الفرق" للأسفراييني ٢٥، و"الملل والنحل" للشهرستاني ١٣٩، "مختصر لوامع الأنوار البهية" لابن سلوم ٧٦.
(٢) الرافضة والروافض من فرق الشيعة الباطلة الهدامة المعاندة للأمة الإسلامية، والرافضة لقب أطلقه زيد بن علي بن الحسين على الذين تفرقوا عنه ممن بايعه بالكوفة؛ لإنكاره عليهم الطعن علي أبي بكر وعمر، فرفضه جماعته من الشيعة بسبب ثنائه عليهما، فسموا رافضة.
ومن أهل السنة من يطلق الوصف على الشيعة عمومًا باستثناء الزيدية.
ومن فرق الرافضة من أظهر بدعته في زمن علي رضي الله عنه فقال لـ: "علي" أنت الإله، فأحرق علي رضي الله عنه قومًا منهم، ونفى بعضهم. وهذه الفرقة من الروافض ومن شاكلهم يجمعهم إنكارهم للقرآن، والاعتقاد بتحريفه وتغيره، وإنكار السنة النبوية مكفرين أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وخاصة الخلفاء الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وغير ذلك من الأمور المنكرة الشنيعة التي ما أرادوا بها إلا إسقاط كلمة تكليف الشريعة عن أنفسهم حتى يتوسعوا في استحلال المحرمات الشرعية، ويعتذروا عند العوام بما يعدونه من تحريف الشريعة، وتغيير القرآن من عند الصحابة، فإنهم ليسوا من الأمة الإسلامية أصلاً.
انظر: "الفرق بين الفرق" للأسفراييني ٢١، و"القاموس الإسلامي" لأحمد عطية ٢/ ٤٧٤، و"الشيعة والتشيع فرق وتاريخ" لإحسان إلهي ظهير ٤٥ و٤٧، و"الموسوعة الميسرة" ٨٥٤.
301
وشيعة (١) (٢)
وقال أبو عبيدة: في قوله: ﴿طَرَائِقَ قِدَدًا﴾، (أي) (٣): ضروبًا،
(١) الشيعة: من الفرق الضالة عن الإسلام، ومنهم من لا يمت إلى الإسلام بشيء، قال الشهرستاني عنهم: "هم الذين شايعوا عليًّا رضي الله عنه على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصًّا، ووصيه إما جليًّا أو خفيًّا، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده، وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة، وينتصب الإمام بنصبهم؛ بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين، لا يجوز للرسل -عليهم السلام- إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله، ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص، وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوبًا عن الكبائر والصغائر، والقول بالتولي والتبري قولًا، وفعلًا وعقدًا إلا في حال التقية.
وهم خمس فرق: كيسانية، وزيدية، وإمامية، وغلاة، واسماعيلية. وبعضهم يميل في الأصول إلى الاعتزال، وبعضهم إلى السنة، وبعضهم إلى التشبيه.
وقد تعددت الآراء حول بداية التشيع مذهبًا وحركة، فالشيعة أنفسهم يرجعون بمذهبهم إلى بدايات الإسلام، وآخرون يرجعون إلى الفترة التي تلت وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- مباشرة، واختلاف الناس حول خلافته، ومنهم من يرجع ذلك إلى عهد علي، ومعركة صفين بصفة خاصة. إلخ.
انظر: "الملل والنحل" للشهرستاني: ١٤٦ - ١٤٧، و"القاموس الإسلامي" ٣/ ٢١٧، وانظر: "شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة" ١/ ٢٢ - ٢٣، و"الموسوعة العربية العالمية" ١٤/ ٢٩٨ - ٢٩٩.
(٢) ورد قول السدي هذا في "الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٥/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٣، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٦، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ١٥٩، و"الجامع" للقرطبي ١٩/ ١٤، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٥٩، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٠٤، وعزاه إلى أبي الشيخ في العظمة، و"فتح القدير" ٥/ ٣٠٦، وانظر: "تفسير السدي" ٤٦٤.
(٣) ساقطة من: (ع).
302
وأجناسًا، ومللًا (١) (٢)، وأنشد الكميت:
جمعت بالري منهم كل رافضة إذ هم طرائق في أهوائهم قددُ (٣) (٤)
وقال أبو إسحاق: وكنا جماعات متفرقين (٥).
وقال الفراء: كنا فرقًا مختلفة [أهواؤنا] (٦).
وقال ابن قتيبة: كنا أصنافًا وفرقًا (٧).
وذكرنا معنى الطريقة عند (٨) قوله: ﴿وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ (٩).
(١) في (أ): ميلًا.
(٢) النص في: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٢، ولم يذكر: مللًا.
(٣) في (أ): قددًا.
(٤) وورد البيت في: "الدر المصون" ٦/ ٣٩٤، ولم أعثر عليه في ديوانه.
وورد غير منسوب في "البحر المحيط" ٨/ ٣٤٤ برواية: (الرأي).
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٥ بنصه.
(٦) وردت في النسختين (أ)، (ع): أهوانا، وما أثبتناه من "معاني القرآن" ٣/ ١٩٣ فالكلام فيه بنصه، وهو الصواب.
(٧) "تأويل مشكل القرآن" ٤٣١ بنحوه، وانظر أيضًا: "تفسير غريب القرآن" ٤٩٠.
(٨) في (أ): في.
(٩) سورة طه: ٦٣: ﴿قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (٦٣)﴾.
ومما جاء في تفسيرها: قال عكرمة: يذهبا بخياركم، وقال الحسن وأبو صالح بأشرافكم، وعن مجاهد: أولو العقل والشرف والأسنان، وهذه الأقوال معناها واحد، وهو معنى قول ابن عباس في رواية الوالبي: أمثلكم. قال الزجاج: معناه: جماعتكم الأشراف. قال: والعرب تقول للرجل الفاضل: هذا طريقة قومه..
وتأويله: هذا الفتى ينبغي أن يجعله قومه قدوة، ويسلكوا طريقته، وينظروا إليه، ويتبعوه.
وقال الفراء: العرب تقول للقوم: هؤلاء طريقة قومهم، وطرائق قومهم، لأشرافهم؛ ويقولون للواحد أيضًا: هذا طريقة قومه، ويقولون للجمع بالتوحيد =
303
والقدة: القطعة من الشيء، وصَار القوم قددًا إذا تفرقت أحوالهم (١) وأهواؤهم (٢).
وقال المبرد (٣): "الطرائق": الأجناس المتفقة، والمختلفة، وهو مأخوذ من الطريق، وهو تأكيد له -هاهنا- ويقال: القوم طرائق، أي على مذاهب شتى، والقدد نحو الطرائق، وهو تأكيد لها -هاهنا- يقال: لكل طريقة قدة. وأصله من قد السّيور (٤)، يقال: صار الأديم قددًا.
ثم قالوا: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا﴾ هو قال ابن عباس (٥)، والمفسرون (٦): عَلِمْنا وأيقنا.
﴿أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ في الْأَرْضِ﴾، أي: لن نفوته إن أراد بنا أمرًا، ولن نسبقه.
﴿وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا﴾ إن طلبنا، أي أنَّه يدركنا (حيث كنَّا) (٧) ثم قال:
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى﴾ قال ابن عباس: الذي جاء به
= والجميع، يعني: طريقة، وطرائق، قال: ومن ذلك قولى: ﴿طَرَائِقَ قِدَدًا﴾.
والطريقة اسم للأفاضل، على معنى أنهم الذين يقتدى بهم، ويتبع آثارهم، كما يسلك الطريقة.
(١) في (ع): حالاتهم.
(٢) انظر: مادة (قدد) في "تهذيب اللغة" ٨/ ٢٦٨، و"الصحاح" ٢/ ٥٢٢، و"تاج العروس" ٢/ ٤٦٠.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) قال الليث: والقِدُّ: سير يُقَدُّ من جلد غير مدبوغ. "تهذيب اللغة" ٨/ ٢٦٨ (قدد).
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) ممن قال بذلك: الفراء ٣/ ١٩٣، والثعلبي ١٢/ ١٩٤/ أ، والبغوي ٤/ ٤٠٣، وابن عطية ٥/ ٣٨٢، وابن الجوزي ٨/ ١٠٦، والفخر الرازي ٣٠/ ١٥٨، والقرطبي ١٩/ ١٥، والخازن ٤/ ٣١٧، وابن كثير ٤/ ٤٥٨، والشوكاني ٥/ ٣٠٦.
(٧) ما بين القوسين ساقطة من: (أ).
304
محمد -صلى الله عليه وسلم- كله هدى (١). وقال مقاتل: يعني القرآن (٢).
﴿آمَنَّا بِهِ﴾ صدقنا أنَّهُ من عند الله.
﴿فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ﴾ يصدق بتوحيد الله.
﴿فَلَا يَخَافُ بَخْسًا﴾ نقصًا من عمله وثوابه (٣).
﴿وَلَا رَهَقًا﴾ ظلمًا، بأن يذهب عمله كله (٤)؛ قاله الكلبي (٥) ومقاتل (٦)) (٧)، وقال عطاء (٨): ﴿رَهَقًا﴾: عذابًا.
قال المبرد: البخس (٩) الظلم، والرهق (١٠): ما يغشاه من المكروه (١١)، فيدخل فيه العذاب، ونقصان الحسنات، والثواب.
(١) لم أعثر على مصدر لقوله
(٢) "تفسير مقاتل" ٢١٢/ أ.
(٣) عن ابن عباس بمعناه في: "جامع البيان" ٢٩/ ١١٢، قال: "لا يخاف نقصًا من حسناته، ولا زيادة في سيئاته، وعنه: ولا يخاف أن يبخس من عمله شيء".
(٤) بمعناه قال ابن زيد. المرجع السابق. قال: فيظلم ولا يعطي شيئًا.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢١٢/ أ.
(٧) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٩) البَخْس: الناقص، وقد بخسه حقَّه يبْخَسُهُ بَخْسًا إذا نقصه. انظر: مادة: (بخس) في "الصحاح" ٣/ ٩٠٧، و"لسان العرب" ٦/ ٢٤، و"القاموس المحيط" ٢/ ١٩٩.
(١٠) الراء والهاء والقاف: أصلان متقاربان، فأحدهما غشيان الشيءِ الشيءَ، والآخر: العجلة والتأخير. والرَّهق: العجلة والظلم. قال تعالى: ﴿فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا﴾، انظر: مادة: (رهق) في: "معجم مقاييس اللغة" ٢/ ٤٥١، و"الصحاح" ٤/ ١٤٨٧، و"لسان العرب" ١٠/ ١٣١.
(١١) لم أعثر على مصدر لقوله.
305
وقالوا: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ﴾ هم الذين آمنوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ قاله (١) ابن عباس (٢) والمفسرون (٣).
﴿وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ﴾ وهم الجائرون (٤) الظالمون (٥) الكافرون (٦).
قال ابن عباس: وهم الذين جعلوا لله نِدًّا، وعدلوا به مخلوقًا (٧).
وذكرنا معنى "قسط" و"أقسط" في أول سورة النساء (٨).
ثم مدحوا الإيمان وقالوا: ﴿فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾، أي: قصدوا طريقا الحق (٩).
وقال أبو عبيدة: (تحروا توخوا وتعمدوا، وأنشد:
(١) في (أ): قال.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) لم أعثر على مصدر لقولهم.
(٤) قال بذلك قتادة، وابن زيد. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١١٣.
وإليه ذهب الطبري في: "جامع البيان" المرجع السابق، والزجاج في: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٥، والثعلبي في: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٤/ أ.
(٥) قال به مجاهد. انظر: "تفسير الإمام مجاهد" ٦٧٧، و"جامع البيان" ٢٩/ ١١٣.
(٦) قال به ابن قتيبة في: "تأويل مشكل القرآن" ٤٣١.
(٧) "معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٣، ولم يذكر عنه: وعدلوا به مخلوقًا.
(٨) عند قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾.
ومما جاء في تفسير القسط فيها ما يلي: "الإقساط: العدْل، يقال: أقسط الرجل إذا عدل، والقسط: العدل، والنصفة. قال الزجاجي: وأصل قسط وأقسط جمعياً من القسط، وهو النصيب، فإذا قالوا: قسط بمعنى جار أرادوا أنه ظلم صاحبه في قسطه الذي يصيبه... وإذا قالوا: أقسط، فالمراد به أنه صار ذا قِسط وعَدل، فبني علي بناء أنصف إذا أتى بالنصف والعدل في قوله وفعله وقسمه.
(٩) التحري لغة: قصد الأولى والأحق. انظر: مادة: (حرى) في: "تهذيب اللغة" ٥/ ٢١٣، و"لسان العرب" ١٤/ ١٧٤.
306
دِيمةٌ هَطلا (١) فيها وَطَفٌ طَبَقُ الأرض تحري وتَدِرْ (٢)) (٣)
وقال الليث: (يُقال) (٤): هو يتحرى بكلامه وأمره الصَّواب، وكذلك يتحرى مسرة فلان (٥).
وقال الفراء: ﴿تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ الهدى (٦).
قال المبرد: وأصل التحري من قولهم: ذلك أحرى، أي أحق وأقرب.
والحري (٧) أن يفعل كذا، أي يجب عليك، كما تقول: يحق عليك أن تفعل (٨)، ويقال: لا تَطُرْ حَرانا أي القرب الذي تحر أحق به (٩).
ثم ذموا الكافرين فقالوا: ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ﴾. الآية. أي الذين كفروا وعدلوا بربهم كانوا وقوداً للنار في الآخرة يصلونها (١٠).
(١) في (أ): هطلاه.
(٢) البيت لامرئ القيس، ورد البيت ديوانه: ١٠٥، وانظر مادة (هطل) في: "تهذيب اللغة" ٦/ ٧٧، و"الصحاح" ٥/ ١٨٥٠، و"لسان العرب" ١٤/ ١٧٤، ٣/ ٦٩٩، و"تاج العروس" ٨/ ١٦٩ مادة (حرى).
ومعنى البيت: الديمة: المطر الدائم يومًا وليلة، الوطفاء: الدانية من الأرض، طبق الأرض: عمها، تحرى: تقصد حراهم وهو الغناء، قدر: تعتمد المكان وتثبت فيه.
(٣) ما بين القوسين من قول أبي عبيدة في "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٢.
(٤) ساقط من: (أ).
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) "معاني القرآن" ٣/ ١٩٣، مختصرًا وعبارته: أمّوا الهدى واتبعوه.
(٧) في (ع): بالحرى.
(٨) "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٦٠.
(٩) انظر: "لسان العرب" ١٤/ ١٧٢، مادة: (حري)، والعبارة عنه قال: تَطُرْ حرانا، أي: لا تقرب ما حولنا.
(١٠) في (أ): بطونها.
307
وانقطع -هاهنا- كلام (١) الجن (٢).
قال مقاتل: ثم رجع إلى كفار مكة (٣)، قوله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ (٤) "أن" مخففة من الثقيلة، وفصل (لو) (٥) بينها وبين الفعل (٦) كفصل (٧) السين (٨) و"لا" في قوله: ﴿أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا﴾ [طه: ٨٩]، و ﴿عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ﴾ [المزمل: ٢٠]، وهو محمول على الوحي، كأنَّهُ أوحي إلى أن لو استقاموا على الطريقة) (٩).
قال ابن عباس: يريد طريقة الإسلام (١٠).
وهو قول مقاتل (١١)، (وإبراهيم (١٢)) (١٣)، ومجاهد (١٤)،
(١) في (أ): الكلام.
(٢) ورد ذلك عن ابن قتيبة، ولعل الإمام الواحدي نقله عنه بتصرف، وعبارة ابن قتيبة: (الكافرون. الآية، وانقطع كلام الجن) "تأويل مشكل القرآن" ٤٣١.
(٣) "زاد المسير" ٨/ ١٠٧.
(٤) ورد في النسختين: وأن لو استقاموا على أصل معنى الآية.
(٥) ساقطة من: (أ).
(٦) في (ع): كفصل، وهو لفظ مكرر زائد.
(٧) كررت كلمة: كفصل مرتين في (ع).
(٨) في النسختين وردت: الشين، والصواب هو: السين
(٩) ما بين القوسين نقلاً عن "الحجة" بتصرف: ٦/ ٣٣٠.
(١٠) "النكت والعيون" ٦/ ١١٦، و"زاد المسير" ٨/ ١٥٧، و"ابن كثير" ٤/ ٤٥٩ بمعناه.
(١١) "تفسير مقاتل" ٢١٢/ أ، قال: يعني طريقة الهدى.
(١٢) لم أعثر على مصدر قوله.
(١٣) ساقط من: (أ).
(١٤) "جامع البيان" ٢٩/ ١١٤، و"النكت والعيون" ٦/ ١١٦ بمعناه، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٢ بمعناه، و"زاد المسير" ٧/ ١٠٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٩/ ٤٥٤، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٠٥ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
308
وقتادة (١)، قالوا: معناه لو آمنوا واستقاموا على الهدى ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾، أي: كثيرًا.
قال عطاء: يريد لأغدقت لهم في النعيم والمعيشة (٢).
وقال مقاتل: يعني ماءً كثيرًا من السماء، وذلك بعد (٣) ما رفع عنهم المطر سبع سنين (٤). وقال سعيد بن جبير: هو المال (٥).
وقال مجاهد: مالاً كثيرًا (٦). وقال (٧) السدي: الماء الكثير (٨).
وهذا معنى ما روي عن عمر (٩) (رضي الله عنه) (١٠) قال: حيث كان الماء كان المال، وحيث كان المال كانت الفتنة (١١).
وقال ابن قتيبة (أي: لو آمنوا جميعًا لوسعنا عليهم في الدنيا، وضرب الماء الغدق -وهو الكثير- لذلك مثلاً؛ لأن الخير كله والرزق بالمطر
(١) "النكت والعيون" ٦/ ١١١٦، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٢ بمعناه، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٧.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) بياض في: (ع).
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٢/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٣، و"فتح القدير" ٥/ ٣٠٨. وانظر: "لباب النقول في أسباب النزول" للسيوطي: ٢٢٢.
(٥) "جامع البيان" ٢٩/ ١١٥.
(٦) المرجع السابق، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٠٥ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٧) غير واضحة في: (ع).
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٩) هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
(١٠) في (أ): رحمه الله، بدلاً من: رضي الله عنه.
(١١) "جامع البيان" ٢٩/ ١١٥، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٤/ ب، و"القرطبي" ١٩/ ١٧.
309
(يكون) (١)، فأقيم مقامه إذ كان سببه) (٢).
(ودليل هذا التأويل قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا﴾ (٣) الآية [الأعراف: ٩٦]) (٤).
وتفسير الغدق عند أهل اللغة: الماء الكثير، يقال غَدِقَتْ العين -بالكسر- فهي غَدِقة، والغدق: (الماء الكثير) (٥) (٦). قال المبرد: روضة مغدقة إذا كانت ريًّا من الماء (٧)، ومن هذا يقال: مطر مغدوق، وغيداق، وغيدق إذا كان كثير الماء (٨).
هذا الذي ذكرنا في (تفسير) (٩) الآية هو قول أكثر المفسرين: سعيد ابن المُسَيِّب (١٠)، وعطاء، وعطية، (والضحاك، والحسن (١١)) (١٢).
(١) ساقطة من: (أ).
(٢) ما بين القوسين من قول ابن قتيبة، نقله عنه الإمام الواحدي بنصه: "تأويل مشكل القرآن" ٤٣٢.
(٣) في: (أ)، و (ع): (الكتاب) بدلا من (القرى)، وهو خطأ واضح.
(٤) ما بين القوسين نقلاً عن الزجاج. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٥.
(٥) بياض في: (ع).
(٦) انظر مادة: (غدق) في: "تهذيب اللغة" ١٦، و"المستدرك" ١٢٩، و"معجم مقاييس اللغة" ٤/ ٤١٥، و"الصحاح" ٤/ ١٥٣٦، و"لسان العرب" ١٠/ ٢٨٢، و"معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٦.
(٧) قوله: إذا كانت ريًا من الماء: بياض في (ع).
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٩) ساقطة من: (أ).
(١٠) بياض في: (ع).
(١١) لم أعثر على مصدر لقولهم.
(١٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
310
وقال الكلبي: وأن لو استقاموا على الطريقة يعني على طريقة الكفر، وكانوا كفارًا كلهم (١). وهذا قول الربيع (٢)، وزيد بن أسلم (٣)، والثمالي (٤)، (وأبي مجلز) (٥) (٦)، واختيار الفراء (٧)، وابن كيسان (٨)، قالوا: وأن لو استقاموا جميعًا على طريقة الكفر لوسعنا عليهم، وجعلنا ذلك فتنة عليهم، ودليل هذا التأويل قوله: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ الآية.
قال أبو إسحاق: والذي يختار أن يكون: يعني بالطريقة طريقة الهدى؛ لأن الطريقة مُعَرَّفَة بالألف واللام، فالأوجب أن يكون طريقة الهدى، والله أعلم (٩).
(١) "الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٥/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ٩١/ ١٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٠.
(٢) المراجع السابقة عدا "الجامع لأحكام القرآن"، وانظر أيضًا: "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٢، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٧، و"فتح القدير" ٥/ ٣٠٨.
(٣) المراجع السابقة عدا "زاد المسير". وانظر أيضًا: "الجامع" للقرطبي ١٩/ ١٨.
(٤) انظر قوله في: "الكشف والبيان"، و"الجامع لأحكام القرآن" مرجعان سابقان، و"فتح القدير" ٥/ ٣٠٨.
(٥) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٦) ورد قوله في "الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٥/ أ، و"النكت والعيون" ٦/ ١١٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٨، و"فتح القدير" ٥/ ٣٠٨.
(٧) "معاني القرآن" ٣/ ١٩٣.
(٨) انظر قوله في: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٥/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٤، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٠، و"فتح القدير" ٥/ ٣٠٨.
(٩) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٦ بيسير من التصرف.
311
وتمام هذا الكلام عند قوله: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ (١) (أي لنختبرهم فنعلم كيف شكرهم) (٢). هذا على القول الأول. (وعلى القول الثاني: نقول لو كانوا كفاراً كلهم وثبتوا على طريقة الكفر لوسعنا عليهم؛ فتنةً لهم، واستدراجًا) (٣).
قال الفراء: نفعل ذلك بهم ليكون فتنةً عليهم في الدنيا وزيادةً في عذاب الآخرة (٤).
١٧ - (وقوله تعالى) (٥) ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ (يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا) (٦)﴾ يعني القرآن، وما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- من الموعظة؛ قاله ابن عباس (٧) ومقاتل (٨).
﴿نسلكه (عذابًا) (٩)﴾ قال مقاتل: يدخله عذابًا (١٠).
(١) قال بذلك النحاس، وأبو عمرو، والسجاوندي، والأشموني. انظر: "القطع والائتناف" ٢/ ٧٦٦ - ٧٦٧، و"المكتفى في الوقف والابتدا" ٥٨٩، و"علل الوقوف" ٣/ ١٠٥٦، و"منار الهدى" ٤٠٦، وتمام الآية: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (١٧)﴾.
(٢) ما بين القوسين من قول ابن قتيبة بنصه من "تأويل مشكل القرآن" ٤٣٢.
(٣) ما بين القوسين أيضًا من قول ابن قتيبة، نقله الإمام الواحدي، ولكن بتصرف. انظر: المرجع السابق.
(٤) "معاني القرآن" ٣/ ١٩٣ بنصه.
(٥) ساقطة من: (أ).
(٦) ما بين القوسين ساقط من: (ع).
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢١٢/ أ.
(٩) ما بين القوسين ساقط من: (ع).
(١٠) ما ورد في "تفسير مقاتل" ٢١٢/ أهو: "شدة العذاب".
312
﴿صَعَدًا﴾ قال مجاهد (١)، ومقاتل (٢): شدَّة، ومشقة من العذاب.
وقال قتادة: صعوداً من عذاب الله، لا راحة فيه (٣).
قال عكرمة عن ابن عباس: هو جبل في جهنم (٤).
قال أبو سعيد الخدري: جبل في النار (٥).
وقال الكلبي: يكلف أن يصعد جبلًا في النار (وقال) (٦) من صخرة ملساء تجذب من أمامه بسلاسل، ومن خلفه بمقامع (٧) حتى يبلغ أعلاها، ولا يبلغ في أربعين سنة، فإذا بلغ أعلاها أحدر إلى أسفلها، ثم يكلف
(١) "جامع البيان" ٢٩/ ١١٦، و"النكت والعيون" ٦/ ١١٩، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٠، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٠٦ وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢١٢/ أ.
(٣) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٢٢، و"جامع البيان" ٢٩/ ١١٦، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٥/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٤، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٠٦، وعزاه إلى عبد الرزاق، وعبد بن حميد.
(٤) "جامع البيان" ٢٩/ ١١٦، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٣، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ١٦٢ "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٨، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٥٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٠، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٠٦ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر. وانظر: "المستدرك" ٢/ ٥٠٤، كتاب التفسير: باب تفسير سورة نوح، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
(٥) ورد قوله في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٣، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٥٢.
(٦) ساقطة من: (ع).
(٧) المقامع: جمع مِقْمَع، وهو ما يضرب به ويُذَلَّل، ولذلك يقال: قمعته فانقمع، أي: كففته فكف.
"المفردات في غريب القرآن": ٤١٣.
313
أيضًا صعودها، فذلك في دأبه (١) أبدًا (٢).
نزلت في الولِد بن المغيرة (٣)، ونظيرها قوله: ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (١٧)﴾ [المدثر: ١٧]، قال أبو إسحاق: ومعنى ﴿صَعَدًا﴾ في اللغة طريق شاقَّة من العذاب (٤).
قال المبرد (٥)، وابن قتيبة (٦): ﴿صَعَدًا﴾ شاقًا. يقال: تَصَعَّدَهُ الأمر إذا شقَّ عليه (٧).
وقال أبو عبيدة: الصعد مصدر، والمعنى عذابًا ذا صعد (٨)؛ وذلك أنه
(١) دأبه: الدَّأب: العادة والشأن. انظر مادة: (دأب) في: "الصحاح" ١/ ١٢٣، و"القاموس المحيط" ١/ ٦٤.
(٢) ورد قول الكلبي في: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٥/ ب، كما ورد عند الفراء من غير نسبة، وإنما ذكروا أن الصعد: صخرة ملساء.. إلخ. "معاني القرآن" ٣/ ١٩٤.
(٣) قاله الفراء في "معاني القرآن" ٣/ ١٩٤، والثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٩٥/ ب.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٦ بنصه.
والصعد في اللغة يدل على ارتفاع ومشقة من ذلك الصعود خلاف الحدور، ويقال: صَعِد يَصْعَد، والإصعاد مقابله الحدور من مكان أرفع، والصعود: العقبة الكؤود، والمشقة من الأَّمر. "معجم مقاييس اللغة" ٣/ ٢٨٧ مادة: (صعد).
وجاء في المفردات: ٢٨٠: (الصعود: الذهاب في المكان العالي، والصَّعود والحدور لمكان الصُّعُود والانحدار، وهما بالذات واحد، وإنما يختلفان بحسب اعتبار من يمر فيهما، فمتى كان المار صاعدًا يقال لمكانه: صَعودٌ، وإذا كان منحدرًا يقال لمكانه: حدور، والصَّعَدُ، والصَّعيدُ، والصعُود في الأصل واحد، لكن الصَّعود، والصَّعَد يقال للعقبة، ويستعار لكل شاق).
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) "تفسير غريب القرآن" ٤٩١، و"تأويل مشكل القرآن" ٤٣٢.
(٧) بياض في: (ع).
(٨) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٢، والعبارة عنه: ﴿عَذَابًا صَعَدًا﴾ مصدر صعود، وهو أشد العذاب.
314
يصعد ذلك الجبل فيشق عليه، والمشي في الصعود يشق على الإنسان، فسمى المشقة صعدًا.
وسنزيد بيانًا عند قوله: ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (١٧)﴾ [المدثر: ١٧] إن شاء الله.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ زعم سيبويه أن المفسرين حملوه على "أوحي" كأنه أوحي إليَّ أن المساجد لله، ومذهب الخليل: أنه على معنى: ولأن المساجد لله فلا تدعو (١)، كما أن قوله: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ﴾ [الأنبياء: ٩٢]، على معنى: ولأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون، (أي لهذا فاعبدون) (٢) (٣).
واختلفوا في معنى المساجد، فالأكثرون (٤) على أنها المواضع التي بنيت للصلاة وذكر الله.
قال مقاتل: يعني الكنائس، والبيع، ومساجد المسلمين (٥).
﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ﴾ فلا تعبدوا مع الله أحدًا، وذلك أن أهل الكتاب يشركون في صلاتهم في البيع، والكنائس، فأمر الله المؤمنين. ونحو هذا قال قتادة: كانت اليهود والنصارى، إذا دخلوا كنائسهم، وبيعهم أشركوا،
(١) في كلا النسختين: تدعوا.
(٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٣) ورد قول سيبويه في "الحجة"، نقله الواحدي عن أبي علي الفارسي بتصرف يسير. "الحجة" ٦/ ٣٣١ - ٣٣٢، وانظر: "كتاب سيبويه" ٣/ ١٢٧.
(٤) حكاه الفخر أيضًا عن أكثر المفسرين، انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٦٢، وبه قال: عكرمة وابن عباس وقتادة. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١١٧، و"النكت والعيون" ٦/ ١١٩، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٨.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢١٢/ أ.
315
فأمر الله أن يُخلص الدعوة إذا دخل المسجد (١). وهذا قول ابن عباس في رواية عكرمة قال: المساجد كلها (٢).
وعلى هذا القول واحدها يجوز أن يكون مسجَداً -بفتح الجيم-، وهو موضع السجود من الأرض، ويجوز أن يكون مسجِداً -بكسر الجيم-، وهو اسم جامع للموضع الذي يسجد عليه. وفيه بُعد أن (٣) يكون اتخذ لذلك.
وقال سعيد بن جبير: المساجد: الأعضاء التي يسجد عليها العبد، وهي سبعة: القدمان، والركبتان، واليدان، والوجه (٤).
وهذا القول اختيار ابن الأنباري (٥)، قال: يقول: إن هذه الأعضاء التي يقع السجود عليها مخلوقة لله، هو ابتدأها، وفطرها؛ فلا ينبغي أن تسجدوا عليها لغيره فتكونوا إذا فعلتم ذلك جاحدين لنعمته.
(١) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٢٣، و"جامع البيان" ٢٩/ ١١٧، و"الكشف والبيان" جـ: ١٢: ١٩٥/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٤، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٨، و"لباب التأويل" ٤/ ٣١٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٠، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٠٦ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٢) ورد بمعنى هذه الرواية في: "النكت والعيون" ٦/ ١١٩، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٨ ونص العبارة عنه: (أنها المساجد التي هي بيوت الله للصلوات)، وقد وردت رواية ابن عباس بهذا اللفظ عن عكرمة. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١١٧، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٠.
(٣) أن: جاءت مكررة في: (ع).
(٤) ورد بمعنى هذه الرواية في: "النكت والعيون" ٦/ ١١٩، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٨ ونص العبارة عنه: (أنها المساجد التي هي بيوت الله للصلوات)، وقد وردت رواية ابن عباس بهذا اللفظ عن عكرمة. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١١٧، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٠.
(٥) "زاد المسير" ٨/ ١٠٨، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ١٦٣، وانظر: "الوسيط" ٤/ ٣٦٧.
316
وعلى هذا القول معنى المساجد: مواضع السجود من الجسد، واحد ها مسجَد -بالفتح-، (وذكر الكلبي (١)، والفراء (٢) القولين اللذين ذكرناهما) (٣).
وروي عن الحسن أنه قال: أراد البقاع كلها (٤). يعني أن الأرض كلها مواضع للسجود (٥) يمكن أن يسْجد عليها، وهي كلها جعلت مسجدًا لهذه الأمة، يقول: الأرض كلها مخلوقة لله، فلا يسجدوا عليها لغير خالقها (٦).
وروي عنه أيضًا أنه قال: المساجد هي الصلوات (٧).
قال ابن قتيبة: يريد أن السجود لله، جمع "مَسْجَد" كما تقول: ضربت في الأرض مَضْرَبًا بعيدًا (٨)، (٩): المسجد -على هذا القول- مصدر بمعنى السجود. وقال عطاء عن ابن عباس: يريد مكة التي القبلة إليها (١٠).
وعلى هذا القول "المساجد"، خاصة في مكة، وسميت بذلك؛ لأن كل أحد يسجد إليها.
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) "معاني القرآن" ٣/ ١٩٤.
(٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٤) "الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٥/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٤، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٣، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٨، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ١٦٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩، و"فتح القدير" ٥/ ٣٠٩.
(٥) في (أ): السجود.
(٦) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٦٢.
(٧) "الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٦/ أ، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٠.
(٨) "تأويل مشكل القرآن" ٤٣٣ بتصرف يسير، وانظر: "تفسير غريب القرآن" ٤٩١.
(٩) في (أ): المصدر، وهي كلمة زائدة في معنى الكلام أثبتت سهوًا.
(١٠) "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٦٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٠.
317
وواحد المساجد -على الأقوال كلها- مَسْجَد -بفتح الجيم-، إلا قول من يقول إنها المواضع التي بنيت للصلاة، فإن واحدَها مسجِد -بكسر الجيم-؛ لأن المواضع، والمصادر من هذا الباب بفتح العين، إلا في أحرف معدودة، وهي: المسْجِد، والمَطْلِع، والمَنسِك، والمَنْبِت، والمَفْرِق، والمَسْقِط، والمَجْزِر، والمَحْشِر، والمَشْرِق، والمَغْرِب. وقد جاء في بعضها الفتح، وهو: المنسك، والمسكن، والمفرق، والمطلع. وهو جائز في كلها، وإن لم تسمع (١).
ثم رجع إلى الخبر عن مؤمني الجن:
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ﴾ (٢) (يجوز فيه (٣): "وأنه" الفتح بالحمل على أوحي إليَّ"، والكسر بالقطع من قوله: "أوحي" والاستئناف) (٤).
وقوله: ﴿عَبْدُ اللهِ﴾ يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- في قول الجميع (٥)، قالوا ذلك
(١) ما بين القوسين انظر فيه: كتاب "الجمل في النحو" للزجاجي: ٣٨٨: باب اشتقاق اسم المكان والمصدر.
(٢) كلمة (يدعوه) ساقطة من: (ع).
(٣) في (ع): في.
(٤) ما بين القوسين نقله الإمام الواحدي عن "الحجة" ٦/ ٣٣٢ بتصرف.
(٥) وهو قول ابن عباس، والزبير بن العوام، والضحاك، وقتادة، والحسن.
انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١١٨ - ١١٩، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٠٧ - ٣٠٨ من غير ذكر الضحاك، وعزاه إلى ابن جرير، وابن مردويه، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، وعبد بن حميد.
وممن قال بذلك أيضًا من المفسرين: ابن قتيبة في: "تأويل مشكل القرآن" ٤٣٣، والفراء في "معاني القرآن" ٣/ ١٩٤، والزجاج في: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٣٧، والثعلبي في: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٦/ ب، والماوردي في: =
318
حين كان يصلي ببطن مكة (١) ويقرأ القرآن (٢).
وقوله: ﴿يَدْعُوهُ﴾ أي يعبدوه.
﴿كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ كادوا يركبونَهُ حرصًا على القرآن، وحبًّا لاستماعه. قاله الكلبي (٣)، (ومقاتل (٤)) (٥).
واختار الفراء: كادوا يركبون النبي -صلى الله عليه وسلم- رغبة في القرآن وشهوة له (٦).
وقال الزجاج: كادوا الجن الذين سمعوا القرآن، وتعجبوا منه أن يسقطوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- (٧).
وقال ابن قتيبة: يعني الجن كانوا (٨) يتراكبون رغبة فيما سمعوا (٩).
= "النكت والعيون" ٦/ ١٢٠.
وانظر أيضًا: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٤، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٣، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٨، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ١٦٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٢، و"لباب التأويل" ٤/ ٣١٨، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٥٢.
(١) في (ع): نخلة.
وبطن نخلة: قرية قريبة من المدينة على طريق البصرة. "معجم البلدان" ١/ ٤٤٩.
(٢) انظر في: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٦/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٤، و"لباب التأويل" ٤/ ٣١٨.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٢/ أ.
(٥) ساقط من: (ع).
(٦) "معاني القرآن" ٣/ ١٩٤ بنصه.
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٣٧ بتصرف يسير جدًّا.
(٨) غير واضحة في: (ع).
(٩) "تأويل مشكل القرآن" ٢٣٣ بتصرف يسير، وانظر: "تفسير غريب القرآن" ١٩١.
319
ومعنى قوله ﴿لِبَدًا﴾ قال أبو عبيدة: (أي جماعات، واحدها (١) "لبدة". قال: وكذلك يقال للجراد الكثير، وأنشد لعبد مناف بن ربع (الهذلي) (٢):
صابوا (٣) بستةِ أبْياتٍ وأرْبَعَةٍ حق كأنَّ عَلَيْهِم جَابياً لِبَدَا (٤)
قال: الجابي: الجراد؛ لأنه يجبي (٥) كل شيء يأكله) (٦).
قال أبو إسحاق: (معنى ﴿لِبَدًا﴾ يعني (٧): يركب بعضهم بعضاً، وكل شيء ألصقته بشيء إلصاقًا شديدًا فقد لبّدته، ومن هذا اشتقاق هذه اللبود التي تفرش، وهو جمع "لِبْدَة"، ومن ضم اللام (٨) فهو جمع "لُبْدَة"،
(١) في (أ): واحدتها.
(٢) ساقط من: (أ).
(٣) في (أ): كانوا.
(٤) ورد البيت منسوبًا في: "ديوان الهذليين" ٢/ ٤٠، ومادة: (جبي) من كتب اللغة: "لسان العرب" ١٤/ ١٣١، و"تاج العروس" ١٠/ ٦٦، وانظر أيضًا: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة: ٢/ ٢٧٢، و"جامع البيان" ٢٩/ ١١٣، المحرر: ٥/ ٣٨٤، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٥٣، و"الكشاف" ٢٩/ ٩٣.
ومعنى البيت: صابوا: أي وقعوا، وقوله: حتى كأن عليهم جابيًا لبدًا. يقال: إن الجابي الجراد نفسه، واللّبد: المتركب بعضه على بعض. ديوان الهذليين: المرجع السابق.
(٥) غير واضحة في: (ع).
(٦) ما بين القوسين من قول أبي عبيدة. انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٢، ولعل الواحدي نقله عن "الحجة" ٦/ ٣٣٣.
(٧) ساقط من: (ع).
(٨) قرأ هشام بن عمار عن ابن عامر: ﴿لِبَدًا﴾ بضم اللام، وقرأ ابن ذكوان عن ابن عامر: "لِبدا" بكسر اللام، وكذلك الباقون. =
320
و"لِبْدَة" (١)، و"لُبْدَة" في معني واحد) (٢)
ونحو هذا قال الفراء في اللُّبد، واللِّبد (٣).
وقال الكسائي: لبدًا: ركامًا، جمعُ لبدة (٤).
وقال أبو علي الفارسي: (اللُّبَدُ -بضم اللام- الكثير من قوله: ﴿أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا﴾ [البلد: ٦]، وكأنه قيل له: "لُبَد" (٥) لركوب بعضه على بعض لكثرته، ولُصوق بعضه ببعض، وكأنه أراد: كادوا (٦) يَلْصقون به من شدة دنوهم للإصغاء، والاستماع مع كثرتهم، وهذا قريب المعنى من القراءة الأولى؛ إلا أن "لِبَداً" -بكسر اللام- أعرف لهذا المعنى وأكثر) (٧).
وقال المبرد: اللُّبَد: الجماعات، واحدها: "لبدة"، وأصله ما وقع بعضه على بعض (٨)، ولقال للأسد: ذو لِبدة لما يتلبد من الشعر بين
= انظر: "كتاب السبعة" ٦٥٦، و"القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧٢١، و"الحجة" ٦/ ٣٣٣، و"حجة القراءات" ٧٢٩، و"الكشف عن وجوه القراءات السبع" ٢/ ٣٤٢، و"النشر" ٣٩٢.
(١) ساقطة من: (أ).
(٢) ما بين القوسين من قول أبي إسحاق في: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٧ بتصرف.
(٣) "معاني القرآن" ٣/ ١٩٤، وعبارته: ".. وقرأ بعضهم: "لُبُدا"، والمعنى فيهما -والله أعلم- واحد، يقال: لُبَدة، ولِبدَةٌ".
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) وردت في "الحجة" ٦/ ٣٣٤: "لُبَّدًا".
(٦) في (أ): كانوا.
(٧) ما بين القوسين من قول أبي علي الفارسي نقله الإمام الواحدي عنه بتصرف يسير من "الحجة" ٦/ ٣٣٤.
(٨) اللام والباء والدال أصل كلمة صحيحة تدل على تكرُّس الشيء بعضه فوق بعض، من ذلك: اللِّبْد، وهو معروف، وتَلَبَّدت الأرضُ، ولبَّدها المطر، وصار الناس =
321
كتفيه (١). ومنه قول زهير:
له لِبَدٌ أظْفَارُهُ لم تُقَلَّمِ (٢)
قال (٣): وقال: "لُبَدٌ" كثير، و"لُبَدٌ" واحد ليس جمعًا لشيء، كقوله: رجلٌ حُطَمٌ (٤).
وفي الآية قولان آخران، أحدهما: (إن هذا من قول الجن لما رَجَعوا إلى قومهم، أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وائتمامهم به في الركوع والسجود، واقتدائهم به في الصلاة.
= عليه لُبَدًا إذا تجمعوا عليه. قاله ابن فارس. انظر: "معجم مقاييس اللغة" ٥/ ٢٢٨ - ٢٢٩: مادة: (لبد).
وجاء في اللسان: لَبَد بالمكان يَلْبُدُ لُبودًا، ولَبَدَ لَبَدًا وألبد: أقام به ولزق، فهو مُلبِدٌ به، ولَبَدَ الشيءُ بالشيء يَلْبُدُ إذا ركب بعضه بعضًا، ومال لُبَد: كثير لا يخاف فناؤه، كأنه التبد بعضه على بعض، واللِّبدة واللُّبدة: الجماعة من الناس يقيمون، وسائرهم يظعنون كأنهم بتجمعهم تلبدوا. ٣/ ٣٨٥ - ٣٨٧، مادة: (لبد). وانظر: "تاج العروس" ٢/ ٤٩١، مادة: (لبد).
(١) "الكامل" ١/ ٣٤ أو العبارة عنه قال: لِبْدَة الأسد: ما يتطارق مع شعره بين كتفيه، ويقال: أسد ذو لِبْدَة، وذو لَبد، وقد أورد الثعلبي بمعناه من غير عزو في "الكثسف والبيان" ١٢/ ١٩٦/ ب.
(٢) "ديوانه" ٨٤: دار بيروت، والبيت كاملاً:
لدى أسد شاكي السلاح مُقذَّفٍ له لبد أظافره لم تقلم
ومعناه: شاكي السلاح، أَي: سلاحه ذو شوكة. المقذف: الغليظ اللحم.
اللِّبَد: الشعر المتراكب على زبرة الأسد. أظافره لم تقلم: أي هو تام السلاح. حديده: يريد الجيش. "شرح شعر زهير بن أبي سلمى" لأبي العباس ثعلب، تحقيق: فخر الدين قباوة: ٣٠.
(٣) أي المبرد.
(٤) "الكامل" ٣/ ١٢٣٠ بنحوه، وكذا في "المقتضب" ٣/ ٣٢٣.
322
وهو قول سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما رأوه يصلي وأصحابه يصلون بصلاته، ويسجدون بسجوده، تعجبوا من طواعية أصحابه له -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا لقومهم: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ﴾ الآية (١).
الثاني: قول قتادة، قال: لما قام عبد الله بالدعوة تلبدت (٢) الإنس والجن، وتظاهروا عليه ليبطلوا الحق الذي جاء به، ويطفئوا نور الله، فأبى الله إلا أن ينصره (٣) ويظهره على من ناوأه (٤) (٥)، (وهذا قول الحسن (٦)،
(١) ورد قوله في: "جامع البيان" ٢٩/ ١١٨، و"الكشف والبيان" جـ: ١٢: ١٩٦/ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ١٢٠، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٤، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦١، و"الدر" ٨/ ٣٠٧ وعزاه إلى عبد بن حميد، والترمذي، والحاكم، وصححاه، وابن جرير، وابن مردويه، والضياء في المختارة، و"فتح القدير" ٥/ ٣١٤.
انظر: "سنن الترمذي" ٥/ ٤٢٧: ح ٣٣٢٣، كتاب التفسير: باب ومن سورة الجن، وقال عنه: حديث حسن صحيح، و"المستدرك" ٢/ ٥٠٤، كتاب تفسير سورة الجن، وصححه، ووافقه الذهبي.
(٢) في (أ): لبدت.
(٣) غير واضحة في: (ع).
(٤) ناوأه: النَّوْء، والمناوأة: المعاداة، وناوأت الرَّجُلَ مناوأةً ونِواءً: فاخرْتُه، وعادَيْتُهُ. "لسان العرب" ١/ ١٧٨، مادة: (نوأ).
(٥) انظر قوله في: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٢٣، و"جامع البيان" ٢٩/ ١١٨ بنحوه، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٦/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٤، و"زاد المسير" ٨/ ١٠٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٢، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٥٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦١، و"الدر المنثور" ٨/ ٨٣٠ وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر، و"فتح القدير" ٥/ ٣٠٩، وانظر: "الحجة" ٦/ ٣٣٤.
(٦) المراجع السابقة.
323
وابن زيد (١)) (٢).
٢٠ - قوله تعالى: ﴿قُلْ (٣) إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي﴾ (٤) قال محمد -صلى الله عليه وسلم-: إنما أدعو ربي، وقراءة العامة: (قال) (٥) إنما أدعو ربي (٦).
وقرأ عاصم، وحمزة: ﴿قُلْ﴾ على الأمر (٧)؛ لقوله بعده: ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا﴾ (٨).
(﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي﴾ قال مقاتل: إن كفار مكة قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إنك جئت بأمر عظيم لم نسمع مثله، وقد عاد الناس كلهم، فأرجع عن هذا. فأنزل الله: "قل إنما أدعو ربى" (٩)، وهذا حجة لعاصم وحمزة. ومن قرأ:
(١) المراجع السابقة عدا "تفسير عبد الرزاق".
(٢) ما بين القوسين نقله الإمام الواحدي عن ابن جرير ٢٩/ ١١٨ - ١١٩ مختصرًا.
(٣) وردت في النسختين: (أ) و (ع): قال.
(٤) قوله: (إنما أدعو ربي) ساقط من: (أ).
(٥) قال: سقطت من النسختين، وأثبت ما دلت عليه كتب القراءات المتواترة.
(٦) وهم نافع، وابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو، والكسائي، ويعقوب. انظر: "كتاب السبعة" ٦٥٧، و"القراءات وعلل النحويين" ٢/ ٧٢١، و"الحجة" ٦/ ٣٣٣، و"كتاب التبصرة" ٧١٢، و"تحبير التيسير في قراءات الأئمة العشرة" ١٩٣، "البدور الزاهرة" ٣٢٨، "الوافي في شرح الشاطبية" ٣٧٤.
(٧) "القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧٢١، و"الحجة" ٦/ ٣٣٣، و"كتاب التبصرة" ٧١٢، و"تحبير التيسير" ١٩٣، و"البدور الزاهرة" ٣٢٨، و"الوافي في شرح الشاطبية" ٣٧٤، ولعل الواحدي نقل القراءتين من "الحجة" ٦/ ٣٣٣.
(٨) انظر: "الحجة"، و"حجة القراءات" مرجعان سابقان، وانظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٤١/ ب، وقوله (لكم ضرا) ساقط من (ع).
(٩) "تفسير مقاتل" ٢١٢/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٥ بنحوه، و"زاد المسير" ٨/ ١١٩ بنحوه، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٦٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ٩/ ٢٣ - ٢٤.
"قال" حمل هذا على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أجابهم هذا لما قالوا له: جئت بأمر عظيم، قال: إنما أدعو ربي) (١).
٢١ - (قوله: ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (٢١)﴾ قال مقاتل: وذلك حين استعجلوا العذاب، يقول: "إني لا أملك لكم ضرًا") (٢): لا أقدر أن أدفع عنكم ضرًّا، ولا أسوق إليكم رشدًا، أي خيرًا، والله يملك ذلك (٣).
٢٢ - (قوله تعالى) (٤): ﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ﴾ قال ابن عباس: يريد: إن عصيته لم يمنعني منه أحد (٥) (٦).
(قال مقاتل (٧)) (٨): وذلك أنهم قالوا: اترك ما تدعو إليه، ونحن نجيرك (٩).
وقوله: ﴿وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ قال ابن عباس: يريد أحد ألجأ إليه (١٠). وقال قتادة: ملجأ وحرزًا (١١).
(١) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٣) "تفسير مقاتل" ٢١٢/ ب.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٧) ورد بمثله من غير عزو في "الوسيط" ٤/ ٣٦٨.
(٨) ساقط من: (أ).
(٩) "تفسير مقاتل" ٢١٢/ أ، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ١٦٤.
(١٠) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١١) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٢٣، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٢٠ بمعناه، و"النكت والعيون" ٦/ ١٢١، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦١ بنحوه.
وقال الكلبي: الملتحد: المدخل في الأرض مثل السرب (١) الذاهب في الأرض (٢).
قال أبو إسحاق: اشتقاق الملتحد من اللحد، والملتحد من جنس (الأرض) (٣): المدخل (٤). وقال الفراء: أي ملجأ ولا سربًا (٥).
وقال ابن قتيبة: أي معدلاً ومميلاً (٦).
وقال المبرد: ملتحداً: مثل قولك: منعرجاً، والتحد معناه في اللغة: مال (٧).
٢٣ - وقوله: ﴿إِلَّا بَلَاغًا﴾ قال أبو إسحاق: نصب على البدل من
(١) السَّرَب -بفتحتين-: بيت في الأرض لا منفذ له، وهو الوكر.
انظر: مادة: (سرب) في: مختار "الصحاح" ١٩٣، و"المصباح المنير" ١/ ٣٢٢.
(٢) "الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٧/ أ، وعبارة: (الذاهب في الأرض) لعلها من تفسير الواحدي لمعنى السرب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٥، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ١٦٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٤، و"فتح القدير" ٥/ ٣١٠.
(٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٧ بتصرف.
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ١٩٥ مختصرًا.
(٦) "تفسير غريب القرآن" ٤٩٢، وقد ورد عنه: (موئلاً) بدلاً من: (حميلاً).
(٧) جاء بهذا المعنى عن المبرد في حاشية كتابه: "الكامل" ٣/ ١٢٢٤ رقم: ٦ نقلاً عن نسخة: أ، والعبارة عنه: ابن شاذان: ألحَدَ الرجل إلْحادًا: إذا مال، فهو مُلْحِدٌ: إذا مال عن القصد. وانظر قوله أيضًا في "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٦٤.
ومعنى "ملتحدًا" لغة: الملجأ؛ لأن اللاجئ يميل إليه. انظر: مادة (لحد) في "الصحاح" ٢/ ٥٣٥، و"القاموس المحيط" ١/ ٣٣٥.
وقال ابن عاشور: الملتحد: اسم مكان الالتحاد، والالتحاد: المبالغة في اللحد، وهو العدول إلى مكان غير الذي هو فيه، والأكثر أن يطلق ذلك اللجأ، أي العياذ بمكان يعصمه. "تفسير التحرير والتنوير" ٢٩/ ٢٤٤.
326
قوله: "ملتحداً". المعنى: ولن أجد من دونه منجاً "إلا بلاغاً"، أي: لا ينجيني إلا أن أبلغ عن الله عَزَّ وَجَلَّ ما أرسلت به (١).
وقال الفراء: "إلا بلاغاً"، يكون استثناء من قوله: لا أملك لكم ضرًّا ولا رشدًا إلا أن أبلغكم ما أرسلت به (٢).
والقولان (٣) يبنيان على قول المفسرين.
قال مقاتل: ثم استثنى: "إلا بلاغاً من الله ورسالاته" فذلك الذي يُجيرني من عذابه، أي: التبليغ (٤).
وقال قتادة: "إلا بلاغاً من الله" فذلك الذي أملكه بعون الله وتوفيقه، وأما الكفر والإيمان، فلا أملكهما (٥).
وقوله (٦): ﴿وَرِسَالَاتِهِ﴾ عطف على قوله: ﴿بَلَاغًا﴾ (٧).
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٧ بتصرف يسير جدًا.
(٢) "معاني القرآن" ٣/ ١٩٥ بنصه.
(٣) هناك أوجه أخرى لإعراب: "إلا بلاغًا" انظر: "الدر المصون" ٦/ ٣٩٧.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٢/ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ١٢١ بمعناه، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٥، و"زاد المسير" ٨/ ١١٠، و"فتح القدير" ٥/ ٣١٠.
(٥) "جامع البيان" ٢٩/ ١٢١ بمعناه، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٧/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٥، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٥، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٥٤، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٠٨، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، و"فتح القدير" ٥/ ٣١٠.
(٦) في (أ): قوله.
(٧) قال الزمخشري: "رسالاته" عطف على (بلاغًا) كأنه قيل: لا أملك لكم إلا التبليغ. "الكشاف" ٤/ ١٤٩. وذكر السمين الحلبي أيضًا وجهًا آخر، قال: "والثاني: أنها مجرورة نسقًا على الجلالة، أي إلا بلاغًا عن الله وعن رسالاته". "الدر المصون" ٦/ ٣٩٨.
327
وقوله: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ قال الكلبي (١)، ومقاتل (٢): في التوحيد، فلا يؤمن به.
وقوله (٣): ﴿فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ (فإن) مكسورة الهمزة؛ لأن ما بعد (فاء -الجزاء موضع الابتداء، ولذلك حمل سيبويه قوله: ﴿وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ﴾ [المائدة: ٩٥]، ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ﴾ [البقرة: ١٢٦] ﴿فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ﴾ على أن المبتدأ فيها مضمر (٤).
وانقطع هذا الكلام عند قوله: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ ثم قال: ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ﴾ "حتى" هاهنا مبتدأة كقوله:
وحَتَّى الجِيادُ مَا يُقدْنَ بأرْسَانِ (٥)
(١) "تفسير مقاتل" ٢١٢/ ب، وقد ورد في "الوسيط" من غير عزو: ٤/ ٣٨٦.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢١٢/ ب، وقد ورد في "الوسيط" من غير عزو: ٤/ ٣٨٦.
(٣) في (أ): قواه.
(٤) انظر: "كتاب سيبويه" ٣/ ٦٩.
(٥) هذا عجز بيت لامرئ القيس، والبيت كاملاً:
مَطَوْتُ بهم حَتَّى تَكِلّ مَطِيُّهُمْ وحَتَّى الجِيادُ ما يُقَدْنَ بأرْسَانِ
وقد ورد البيت منسوبًا له في "ديوانه" ١٧٥ ط دار صادر، و"كتاب سيبويه" ٣/ ٢٧، ٦٢٦، و"كتاب شرح أبيات سيبويه" للنحاس: ١٥٨ ش ٥٦٦، و"المقتضب" ٢/ ٤٠. وورد غير منسوب في "المخصص" ١٤/ ٦١.
ومعنى البيت: أي هو يسري بأصحابه غازيًا إلى أن تأكل مطاياهم، وأما الخيل فإنها تجهد وتنقطع، فلا يجدي فيها أن تقاد بالأرسان، وكانوا يركبون المطي ويقودون الخيل.
والأرسان: جمع رَسَن -بالتحريك-، وهو الحبل والزمام يجعل على الأنف. والشاهد فيه: أن "حتى" الأولى عاملة، والثانية غير عاملة لأنها استئنافية. انظر: حاشية ٣ "كتاب سيبويه" ٣/ ٢٧، وانظر الشاهد في: "كتاب سيبويه".
328
وذكرنا ذلك عند قوله: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ﴾ (١)، وهو كثير في القرآن (٢).
قال ابن عباس: يريد يوم القيامة (٣).
وقال مقاتل: ما يوعدون من عذاب الآخرة، أو ما يوعدون من العذاب في الدنيا، يعني القتل ببدر، فسيعلمون عند نزول العذاب (٤).
﴿مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا﴾ أهم، أم المؤمنون؟
﴿وَأَقَلُّ عَدَدًا﴾ قال (٥): يعني جنداً، ونظير هذه الآية قوله في مريم: ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ﴾ [مريم: ٧٥] الآية.
وقال عطاء في قوله: (وأقل عدداً): هو أن الله تعالى (يجعل) (٦)
(١) سورة يوسف: ١١٠، والآية بتمامها: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠)﴾.
ومما جاء في تفسيره: قال الواحدي: (فـ (حتى) هاهنا حرف من حروف الابتداء يستأنف بعدها، كما يستأنف بعد (أما)، و (إذا)، وذلك أن (حتى) لها ثلاثة أحوال: إما أن تكون جارة، أو عاطفة، وحيث تنصب الفعل إنما تنصبه بإضمار (إن)، ومما جاء فيه (حتى) حرف مبتدأ قوله:
وحتى الجياد ما يقدن بأرسان
ألا ترى أنها ليست عاطفة لدخول حرف العطف عليها! ولا جارة لارتفاع الاسم بعدها).
(٢) نحو ما جاء في سورة الأعراف الآية: ٣٧ قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾ الآية. وأيضًا الآية: ٣٨ من سورة الأعراف قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا﴾ الآية. والآية ١٨ من سورة النمل قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ﴾ الآية.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٢/ ب.
(٥) ساقط من: (أ).
(٦) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
329
لأوليائه من الأزواج الآدميات، والحور العين أُلُوفاً، ومن الولدان المخلدين ألوفاً، ومن القهارمة (١) ألوفاً، فعند ذلك عدد المؤمن الواحد أكثر من عدد كثير من أهل مدائن الدنيا، والكافر لا عدد له إلا قرناء الشياطين (٢).
قال مقاتل: فلما سمعوا هذا قال النضر بن الحارث وغيره: متى هذا الذي توعد؟ فأنزل الله: ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ﴾ (٣) من العذاب في الدنيا.
وقال عطاء: يريد أنه لا يعرف يوم القيامة إلا الله وحده (٤).
﴿أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا﴾، أي: غاية وبعداً. قاله أبو عبيدة (٥)، والزجاج (٦).
وقال مقاتل: يعني أجلاً بعيداً (٧)، وهذا كقوله: ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ﴾ [الجن: ٢٥].
(١) القهارمة: قال الليث: القَهْرَمان: هو المسيطر الحفيظ على ما تحت يديه. "تهذيب اللغة" ٦/ ٥٠٢، مادة: (قهرم).
والقهرمان: لفظة فارسية معناه: الوكيل، أو أمين الدخل والخرج، جمعه: قهارمة. انظر: "الوافي"، و"معجم وسيط للغة العربية" لعبد الله البستاني: ٥٢٣.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢١٢/ ب، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ١٦٧.
(٤) "الوسيط" ٤/ ٣٦٩.
(٥) لم أعثر على قوله هذا في "مجاز القرآن".
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٧، قال: أي بُعْدًا، كما قال: ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ﴾ [الجن: ٢٥].
(٧) "تفسير مقاتل" ٢١٢/ ب.
330
ثم ذكر أن علم وقت العذاب غيب، والغيب لا يعلمه إلا الله، وهو قوله: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ﴾، أي: ما غاب عن العباد ﴿فَلَا يُظْهِرُ﴾ فلا (١) يطلع ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ﴾، أي: على الغيب الذي يعلمه هو، وينفرد بعلمه، أحداً من الناس.
٢٧ - ثم استثنى فقال: ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ قال أبو إسحاق: معناه: أنه لا يظهر على غيبه إلا الرُّسُلَ؛ لأن الرسل يستدل على نبوتهم بالآية المعجزة، وبأن (٢) يخبر (٣) بالغيب، فيعلم بذلك أنهم قد خالفوا غير الأنبياء (٤).
وقال مقاتل: ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾، أي: ارتضاه للنبوة (٥) والرسالة، فإنه (٦) يطلعه على ما يشاء من غيبه (٧).
وفي هذا دليل على أن من ادعى أن النجوم تدله على [ما يكون من حادث فقد كفر بما في القرآن، ثم ذكر أنه يحفظ] (٨) ذلك الذي يطلع عليه الرسول.
(١) في (أ): ولا.
(٢) في (أ): أن.
(٣) بياض في: (ع).
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٧ بتصرف يسير جدًّا.
(٥) قوله: ارتضاه للنبوة: بياض في: (ع).
(٦) في (أ): وإنه يسلك..
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله: وقد ورد من غير عزو في: "الوسيط" ٤/ ٣٦٩.
(٨) ما بين المعقوفين ساقط من النسختين، وأثبت ما ورد من "الوسيط" ٤/ ٣٦٩ لاستقامة المعنى به وانتظامه.
331
﴿فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ (١) (أي يجعل بين يديه وخلفه رصدًا من الملائكة يحوطون الوحْيَ من أن تَسْتَرِقه الشياطين، فتُلْقِيَه إلى الكَهَنَة، حتى (٢) تخبر به الكهنة إخبار الأنبياء، فيساووا (٣) الأنبياء، ولا يكون بينهم وبين الأنبياء فرق) (٤).
فالرصد من الملائكة يدفعون الجن أن يستمع ما ينزل من الوحي. ذكره الزجاج (٥)، وابن قتيبة (٦)، (وهو معنى قول المفسرين) (٧).
قال الكلبي: يجعل من بين يديه حرسًا من الملائكة يدحرون الشياطين عنه فلا يقربونه (٨).
وقال الفراء: ذكروا أن جبريل كان إذا نزل بالوحي نزلت معه الملائكة من كل سماء يحفظونه من استماع الجن يسترقونه فيلقونه (٩) إلى كهنتهم، فيسبقوا به الرسل (١٠).
(١) في (أ): بأنه.
(٢) قوله إلى الكهنة: بياض في: (ع).
(٣) في (أ): فيساوا.
(٤) ما بين القوسين من قول ابن قتيبة، نقله عنه الواحدي بتصرف يسير، وبزيادة عبارة: فيساووا الأنبياء، وحذف: ولا يكون للأنبياء دلالة. انظر: "تأويل مشكل القرآن" ٤٣٤.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٨ بمعناه.
(٦) "تفسير غريب القرآن" ٤٩٢، وانظر: "تأويل مشكل القرآن" ٤٣٤.
(٧) ساقط من: (أ).
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٩) في (ع): فيلقونه.
(١٠) "معاني القرآن" ٣/ ١٩٦ نقله عنه بالمعنى.
332
ومعنى: (يسلك) هاهنا: يدخلهم الأرض فنجعلهم بين يدي الرسول ومن خلفه (١).
وذهب مقاتل (٢)، والضحاك (٣) إلى أن الرَّصد لكي يحرسوا الرسول من الشياطين أن يتشبهوا له في صورة المَلَك، ويحفظوه (٤) منهم، وإن أتاه شيطان في صورة ملك أخبروه، والقول هو الأول (٥).
٢٨ - قوله تعالى (٦): ﴿لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ﴾ (٧) الآية.
اختلفوا في قوله: "ليعلم" فقال قتادة (٨)،...
(١) ومعنى (سلك) لغة: السلك: الخيوط التي تخاط بها الثياب، الواحدة: سِلكة، والجميع: السُّلُوك، والسَّلْك: إدخال الشيء يسلكه فيه كما يطعن الطاعن فيسلك الرمح فيه إذا طعنه تلقاء وجهه.
"تهذيب اللغة" ١٠/ ٦٢ مادة: (سلك)، وانظر: "تأويل مشكل القرآن" ٤٣٢.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢١٢/ ب، و"الكشف والبيان" جـ: ١٢: ١٩٧/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٦.
(٣) "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٨، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٥٥، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٠٩ - ٣١٠ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن جرير.
(٤) في (أ): يحفظونه.
(٥) القول الأول هو قول الأكثرية من المفسرين، والآيات السابقة من هذه السورة تدل على ذلك، ولكن ما ذكره الضحاك ومقاتل أرى أنه يدخل في مفهوم الآية، فهو من باب حفظ الوحي، وذلك عن طريق حفظ الرسول من أن يتشبه بهما أحد. والله أعلم.
(٦) بياض في: (ع).
(٧) قوله (رسالات ربهم) ساقط من: (ع).
(٨) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٢٣، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٢٣، و"النكت والعيون" ٦/ ١٢٣، و"زاد المسير" ٨/ ١١٠، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ١٧٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٩، و"الدر المنثور" ٨/ ٣١٠ وعزاه إلى عبد بن حميد.
333
ومقاتل (١): ليعلم محمد أن الرسل قبله قد أبلغوا الرسالة كما بلغ هو الرسالة، وعلى هذا "اللام" في قوله: "ليعلم" يتعلق بمحذوف يدل عليه الكلام؛ كأنه قيل: أخبرناه بحفظنا الوحي؛ ليعلم أن الرسل قبله كانوا على مثل حالته من التبليغ بالحق والصدق.
ويجوز أن يكون المعنى: ليعلم الرسول أن قد بلغوا، إلى جبريل، والملائكة الذين يبعثون إلى الرسل، أبلغوا رسالات ربهم، فلا يشك فيها، ويعلم أنها حق من الله (٢).
والمعنى: حفظنا الرسول من الشياطين ليعلم أن الذين أتوه أبلغوا رسالات ربهم، وهذا تأكيد لقول الضحاك ومقاتل في الآية الأولى.
ويجوز أن يكون المعنى: ليعلم الرسل أنهم بلغوا رسالات ربهم على التحقيق من غير شك فيها؛ إذ كانوا محروسين عن الشياطين، فالذي يبلغونه (٣) الخلق هو رسالات ربهم لا غير، وهي واصلة إليهم، ولم تصل إلى غيرهم.
وعلى هذا إنما قال: "أبلغوا". لأن المراد بقوله: ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ (٤) رَسُولٍ﴾ الجمع، ويدخل فيه كل رسول ارتضاه الله.
ويجوز أن يكون المعنى: ليعلم الله أن قد أبلغوا يعني الرسل. وهذا
(١) "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٧٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٩.
(٢) وهو معنى قول ابن عباس، وابن جبير. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٢٣، و"النكت والعيون" ٦/ ١٢٣. وقال به ابن قتيبة في: "تفسير غريب القرآن" ٤٩٢، والفراء في: "معاني القرآن" ٣/ ١٩٦.
(٣) غير واضحة في: (ع).
(٤) قوله: إلا من ارتضى: بياض في: (ع).
334
القول اختيار (١) ابن قتيبة (٢)، والزجاج (٣)، وصاحب النظم.
قال ابن قتيبة: أي ليبلّغوا رسالات ربهم (العلم) هاهنا، مثله قوله: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٢]، أي: ولما تجاهدوا وتصبروا (٤)، فيعلم الله ذلك ظاهراً موجوداً -يجب فيه ثوابكم- على ما بينا في غير هذا الموضع (٥).
وقال أبو إسحاق: وما بعد قوله: (ليعلم) يدل على صحة هذا (٦)، وهو قوله: (أحاط) (٧)، و (أحصى) (٨)، والضمير فيهما لله عَزَّ وَجَلَّ لا
(١) بياض في: (ع).
(٢) "تفسير غريب القرآن" ٤٩٢ وعبارته: "ليعلم محمد أن الرسل قد بلغت عن الله، وأن الله حفظها، ودفع عنها، وأحاط بها".
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٨ وعبارته: (ليعلم الله أن قد أبلغوا رسالاته).
(٤) في (أ): تصابروا.
(٥) إلى قوله على ما بينا في غير هذا الموضع ينتهي قول ابن قتيبة. انظر: "تأويل مشكل القرآن" ٤٣٤، ويعني بغير هذا الموضع أي الموضع الذي بين فيه علم الله تعالى، وأنه نوعان:
أحدهما: علم ما يكون من إيمان المؤمنين وكفر الكافرين، وذنوب العاصين، وطاعات المطيعين قبل أن تكون. قال: وهذا علم لا تجب به حجة، ولا تقع عليه مثوبة ولا عقوبة.
والآخر: علم هذه الأمور ظاهرة موجودة، فيحق القول، ويقع بوقوعها الجزاء، فأراد جل وعز: ما سلطناه عليهم إلا لنعلم إيمان المؤمنين ظاهرًا موجودًا، وكفر الكافرين ظاهرًا موجودًا، وكذلك قوله سبحانه: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ الآية: آل عمران: ١٤٢. "تأويل مشكل القرآن" ٣١١ - ٣١٢.
(٦) بياض في: (ع).
(٧) قوله تعالى: ﴿وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ﴾.
(٨) ﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾.
335
لغيره، فكذلك (١) في "ليعلم" (٢).
وهذه الأقوال ذكرها أهل المعاني والتفسير، وذكرت أقوال بعيدة لم أحكها (٣).
ومعنى: ﴿وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ﴾ علم الله ما عند الرسل، فلم يَخف عليه شيء.
(قوله تعالى) (٤): ﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ قال ابن عباس: أحصى ما خلق، وعرف عدد ما خلق، لم يفته علم شيء، ولم يعزب (٥) عنه عدد ما خلق؛ حتى مثاقيل (٦) الذَّرِّ (٧).......
(١) في (أ): كذلك.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٨ بتصرف.
(٣) في (أ): أحكمها.
ومن هذه الأقوال التي أشار إليها: ليعلم من كذب الرسل أنهم قد أبلغوا رسالات ربهم. قاله مجاهد.
انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٣، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٥، و"زاد المسير" ٨/ ١١٠.
وأيضا: ليعلم الجن أن الرسل قد بلغوا ما أنزل الله عليهم ولم يكونوا هم المبلغين باستراق السمع عليهم. "النكت والعيون" ٦/ ١٢٣.
وأيضًا ليعلم إبليس أن الرسل قد أبلغوا رسالات ربهم سليمة من تخليصه، واستراق أصحابه. "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٩
(٤) ساقط من: (ع).
(٥) يعزب: يراد به البعد. انظر: مادة: (عزب) في: "لسان العرب" ١/ ٥٩٧، "القاموس المحيط" ١/ ١٠٤.
(٦) مثاقيل: جمع مثقال، أي وزن. "المصباح المنير" ١/ ١٠٢ - ١٠٣ مادة: (ثقل).
(٧) الذر: هو النمل الأحمر الصغير، واحدتها ذرة. "النهاية في غريب الحديث" ٢/ ١٥٧، و"المصباح المنير" ١/ ٢٤٦، مادة: (ذر).
336
والخردل (١) (٢).
قال أبو إسحاق: و (نصب "عدداً" على ضربين: أحدهما: على معنى: وأحصى كل شيء في حال العَدَد، فلم تخف عليه سقوط ورقة، ولا حبَّة في ظلمات الأرض، ولا رطب، ولا يابس. قال: ويجوز أن يكون (عدداً) في موضع المصدر المحمول على معنى: أحصى؛ لأن معنى وأحصى: وعد كل شيء عدداً) (٣).
(والله أعلم بالصواب) (٤).
(١) الخردل: حب شجر مسخن مُلطف جاذب، قالع للبلغم، ملين، هاضم، والخردل الفارسي: نبات بمصر يُعرف بحشيشة السلطان. "القاموس المحيط" ٣/ ٣٦٧، مادة: (خردل).
(٢) "معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٦، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٢٠.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٨ نقله عنه بنصه.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (ع).
337
سورة المزمل
339
Icon