ﰡ
في المصحف الكريم
في مطلع هذا الربع، وهو فاتحة سورة " الانفطار " المكية يتناول كتاب الله الحديث عن انفطار السماء، وانتثار الكواكب، وتفجير البحار، وبعثرة القبور، ويشير إلى أن هذه الظواهر الكونية الغريبة التي تزعزع كيان الكون، وتقلبه رأسا على عقب، سترافقها وستصاحبها ظاهرة أخرى تزعزع كيان الإنسان، لا تقل عنها قوة ولا تأثيرا، ألا وهي ظاهرة كشف الإنسان عن حقيقة نفسه بنفسه، واطلاعه على دخيلة أمره، حتى لا تبقى زاوية من زواياه، ولا سر من أسراره، إلا وقد انكشف له انكشافا تاما، وألقيت عليه الأضواء من كل جانب، والإنسان –حسبما يعيش عليه في دنياه – يكذب على نفسه كثيرا، ويخيل إليه غير ما مرة أنه أحسن مما هو عليه في الواقع، ويحاول أن ينسى كل ما ارتكبه من سيئات ومخالفات، وأن يتناسى كل ما يصبه على غيره من إذايات وإساءات، ويخادع نفسه كلما دعته الضرورة إلى خداعها، تفاديا من وخزها وتبكيتها، فإذا جاء الموعد لاطلاعه على حقيقته كما هي، وظهر عاريا من كل الأصباغ ومساحيق التجميل، التي اعتاد استعمالها لتستر ما ظهر من عيوبه وما بطن، فستكون مفاجأته بنفسه على حقيقتها أكبر مفاجأة، وسيخيب ظنه في نفسه، قبل أن يخيب ظنه فيما كان يمني به نفسه من الجزار الحسن، وقبل أن يخيب ظن غيره فيه، ممن كان يحاول أن يظهر أمامهم في دنياه بمظهر الصلاح والاستقامة وحسن السلوك، فيكتشفون في الآخرة –بدورهم- أنه إنما كان مجرد وحش في صورة إنسان، وشبح ملك في حقيقة شيطان، وإلى ذلك يشير قوله تعالى :﴿ بسم الله الرحمن الرحيم إذا السماء انفطرت١ وإذا الكواكب انتثرت٢ وإذا البحار فجرت٣ وإذا القبور بعثرت٤ علمت نفس ما قدمت وأخرت٥ ﴾.