ﰡ
شرح الكلمات:
سبح لله ما في السموات١ والأرض: أي نزه الله تعالى جميع ما في السموات والأرض بلسان الحال والقال. ٢
وهو العزيز الحكيم: أي في ملكه، الحكيم في صنعه وتدبيره.
له ملك السموات والأرض: أي يملك جميع ما في السموات والأرض يتصرف كيف يشاء.
يحيى ويميت: يحييى بعد العدم ويميت بعد الإيجاد والإحياء.
وهو على كل شيء قدير: وهو على فعل كل ما يشاء قدير لا يعجزه شيء.
هو الأول والآخر: أي ليس قبله شيء وهو الآخر الذي ليس بعده شيء. ٣
والظاهر والباطن: أي الظاهر الذي ليس فوقه شيء والباطن الذي ليس دونه شيء.
وهو بكل شيء عليم: أي لا يغيب عن علمه شيء ولو كان مثقال ذرة في السموات والأرض.
في ستة أيام: أي من أيام الدنيا مقدرة بها أولها الأحد وآخرها الجمعة.
ثم استوى على العرش٤: أي ارتفع عليه وعلا.
٢ رد أهل العلم القول بأن تسبيح غير العالمين هو تسبيح دلالة لا تسبيح قالة، إذ لو كان تسبيح دلالة وظهور لما قال: (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) إذ تسبيح الدلالة مفهوم معلوم.
٣ روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء أقض عنا الدين وأغننا من الفقر".
٤ قال القرطبي: قد جمع تعالى بين الاستواء على العرش وبين (وهو معكم) والأخذ بالظاهر تناقض فدل على أنه لابد من التأويل والإعراض عن التأويل اعتراف بالتناقص. وأقول: إن كان يعني بالتأويل قول السلف: معنا بعلمه وقدرته فهذا صحيح ومع هذا فإنه لا تناقض أبداً إذ هو تعالى على عرشه بائن من خلقه، والخلق كله بين يديه كحبة خردل يتصرف فيه كما يشاء لا يغيب عن علمه ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا يعجزه شيء فيهما ولذا قال بعضهم: إن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الإسراء لم يكن بأقرب إلى الله عز وجل من يونس بن متى حين كان في بطن الحوت.
وما يخرج منها: أي من نبات ومعادن.
وما ينزل من السماء: أي من رحمة وعذاب.
وما يعرج فيها: أي يصعد فيها من الأعمال الصالحة والسيئة.
وهو معكم أينما كنتم: أي بعلمه بكم وقدرته عليكم أينما كنتم.
والله بما تعملون بصير: أي لا يخفي عليه من أعمال عباده الظاهرة والباطنة شيء.
وإلى الله ترجع الأمور١: أي مرد كل شيء إلى الله خالقه ومدبره يحكم فيه بما يشاء.
يولج الليل في النهار: أي يدخل جزءاً من الليل في النهار وذلك في الصيف.
ويولج النهار في الليل: ويدخل جزءاً من النهار في الليل وذلك في الشتاء كما يدخل كامل أحدهما في الآخر فلا يبقى إلا ليل أو نهار إذ أحدهما دخل في ثانيهما.
وهو عليم بذات الصدور: أي ما في الصدور من المعتقدات والأسرار والنيات.
معنى الآيات:
يخبر تعالى في هذه الآيات الخمس عن وجوده وعظمته من قدرة وعلم وحكمة ورحمة وتدبيره وملكه ومرد الأمور إليه وكلها مظاهر الربوبية الموجبة للألوهية فأولا تسبيح كل شيء في السموات والأرض أي تنزيهه عن كل نقص كالزوجة والولد والشريك والوزير المعين والعجز والجهل، ثانيا إنه تعالى العزيز ذو العزة التي لا ترام العظيم الانتقام الحكيم في تدبير ملكه فلا شيء في خلقه هو عبث أو لهو أو باطل. ثالثا له ملك السموات والأرض ملكاً حقيقياً يتصرف كيف يشاء يهب من شاء ويمنع من شاء. رابعاً يحيى من العدم ويميت الحي الموجود، خامساً هو على كل شيء قدير لا يعجزه شيء ولا يعجز عن شيء متى أراد الشيء وقال له كن فيكون ولا يتخلف.
وأخيراً علمه١ الذي أحاط بكل شيء وتغلغل في كل خفي حتى ذات الصدور من خاطر ووسواس وهم وعزم ونية وإرادة فسبحانه من إله لا إله غيره ولا رب سواه، بهذه المظاهر من الكمالات استحق العبادات فلا تصح العبادة لغيره، ولا تنبغي الطاعة لسواه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- فضل التسبيح وأفضله سبحان الله وبحمده٢ سبحان الله العظيم.
٢- مظاهر القدرة والعلم والحكمة في هذه الآيات الخمس هي موجبات ربوبية الله تعالى وألوهيته وهي مقتضية للبعث الآخر والجزاء فيه.
٣- في خلقه تعالى السموات والأرض في ستة أيام وهو القادر على خلقهما بكلمة التكوين تعليم لعباده التأني في الأمور وعدم العجلة فيها لتخرج متقنة صالحة نافعة.
٢ في الصحيح: " كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم".
٥- وجوب مراقبة الله تعالى والحياء منه وتقواه وذلك لعلمه بظواهرنا وبواطننا وقدرته على مجازاتنا عاجلاً وآجلاً.
آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ (٩) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٠)
شرح الكلمات:
آمنوا بالله ورسوله: أي صدقوا بالله ورسوله يا من لم تؤمنوا بعد واثبتوا على إيمانكم يا من آمنتم قبل.
وأنفقوا: أي وتصدقوا في سبيل الله.
مما جعلكم مستخلفين فيه: أي من المال الذي استخلفكم الله فيه إذ هو مال من قبلكم وسيكون لمن بعدكم.
لهم أجر كبير: أي ثواب عظيم عند الله وهو الجنة.
وما لكم لا تؤمنون بالله؟ : أي أي شيء يمنعكم من الإيمان.
والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم: أي والحال أن الرسول بنفسه يدعوكم لتؤمنوا بربكم.
وقد أخذ ميثاقكم: أي على الإيمان به وأنتم في عالم الذر حيث أشهدكم فشهدتم.
إن كنتم مؤمنين: أي مريدين الإيمان فلا تترددوا وأمنوا وأسلموا تنجوا وتسعدوا.
هو الذي ينزل على عبده: أي هو الله ربكم الذي يدعوكم رسوله لتؤمنوا به ينزل على عبده محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
آيات بينات: هي آيات القرآن الكريم الواضحات المعاني البينات الدلالة.
ليخرجكم من الظلمات إلى النور: أي ليخرجكم من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم.
وإن الله بكم لرءوف رحيم: ويدلكم على ذلك إرسال رسوله إليكم وإنزال كتابه ليخرجكم من الظلمات إلى النور.
وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله: أي أي شيء لكم في عدم الإنفاق في سبيل الله.
ولله ميراث السموات والأرض: أي ومن ذلك المال الذي أيديكم فهو عائد إلى الله فأنفقوه في سبيله يؤجركم عليه. وإلا فسيعود إليه بدون أجر لكم.
من قبل الفتح وقاتل: أي لا يستوي مع من أنفق وقاتل بعد صلح الحديبية حيث عز الإسلام وكثر مال المسلمين.
وكلاً وعد الله الحسنى: أي الجنة، والجنة درجات.
من ذا الذي يقرض الله: أي بإنفاقه ماله في سبيل الله الذي هو الجهاد.
قرضا حسنا: أيقرضا لا يريد به غير وجه الله تعالى.
فيضاعفه له: أي الدرهم بسبعمائة درهم.
وله أجر كريم: أي يوم القيامة وهو الجنة دار النعيم المقيم.
بعد ذكر الأدلة والبراهين على وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته ووجوب عبادته وتوحيده فيها وتقرير البعث والجزاء يوم لقائه رحمة منه ورأفة بعباده أمرهم جميعا مؤمنيهم وكافريهم بالإيمان به وبرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فالمؤمنون مأمورون بزيادة الإيمان والثبات عليه والكافرون مأمورون بالإيمان والمبادرة إليه. وبما أن الآيات نزلت بالمدينة بعد الهجرة وبعد صلح الحديبية فإن هذه الأوامر والتوجيهات الإلهية تشمل المؤمنين الصادقين والمنافقين الكاذبين في إيمانهم تشمل الراغبين في الإيمان في مكة وغيرها وهم يترددون في ذلك فوجه الخطاب إلى الجميع لهدايتهم ودخولهم في رحمة الله الإسلام بسرعة ودون تباطئ فقال تعالى ﴿آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ﴾ أي صدقوا بوحدانية الله ورسالة رسول الله وأنفقوا مما جعلكم١ مستخلفين فيه من الأموال، ووجه الاستخلاف أن العبد يرث المال عمن سبقه ويموت ويتركه لمن بعده فلا يدفن معه في قبره. وقوله تعالى ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ أي ثواب عظيم عند الله وهو الجنة والرضوان فيها. وهذا الإخبار يفيد تنشيط الهمم الفاترة والعزائم المترددة. وقوله: ﴿وَمَا لَكُمْ لا٢ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ٣ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ٤﴾ أي أي شيء يجعلكم لا تؤمنون وفرص الإيمان كلها متاحة لكم فإيمانكم الفطرى صارخ في نفوسكم إذ كل من سألكم: من خلقكم؟ من خلق العالم حولكم؟ سماء وأرضا تقولون الله. وأنتم في حرمه وحمى بيته والرسول الكريم بين أيديكم يدعوكم صباح مساء إلى الإيمان بربكم وقد أخذ الله ميثاقكم عليكم بأن تؤمنوا به وذلك يوم أخرجكم في صورة الذر من صلب آدم أبيكم وأشهدكم على أنفسكم فشهدتم. إذاً ما هذا التردد إن كنتم تريدون الإيمان فآمنوا قبل فوات الأوان.
وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ أي إنكم تدعون إلى الإيمان بالله الذي ينزل على عبده ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيات واضحات المعاني بينات الدلائل كل ذلك ليخرجكم من الظلمات إلى النور من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم، فما لكم لا تؤمنون إذاً ما هذا التردد والتلكؤ يا عباد الله في الإيمان بالله وبرسول الله، وإن الله بكم لرءوف رحيم فاعرفوا هذا وآمنوا به ويدلكم على ذلك إنزاله الكتاب وإرساله الرسول وتوضيح الأدلة
(وما لكم لا تؤمنون) الاستفهام للتوبيخ أي: أي عذر لكم في ألا تؤمنوا وكل دواعي الإيمان وأسبابه متوفرة لديكم.
٣ جملة: (والرسول) : حالية.
(إن كنتم مؤمنين) أي: إن كنتم مريدي الإيمان فهذه دواعيه قد كملت وأسبابه قد حضرت أخذ عليكم الميثاق فيه والرسول يدعوكم إليه. فبادروا ولا تباطأوا.
وقوله: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا١ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ التي هي سبيل إسعادكم وإكمالكم بعد نجاتكم من العذاب في الحياتين مع العلم أن لله ميراث السموات والأرض إذ ما بأيديكم هو لله هو واهبه لكم ومسترده منكم فلم لا تنفقون منه.
وقوله تعالى ﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ ٢الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ ٣ أي صلح الحديبية لقول الله تعالى ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً﴾ والمراد به صلح الحديبية. أي لا يستوون في٤ الأجر والمثوبة مع من قاتل وأنفق بعد الفتح ﴿أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً﴾ من الفريقين ﴿وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى﴾ أي الجنة ﴿وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ لا يخفى عليه إنفاقكم وقتالكم وعدمهما كما لا يخفى عليه نياتكم وما تخفون في نفوسكم فاحذروه وراقبوه خيراً لكم.
وقوله تعالى ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ أي مخلصا فيه لله طيبة به نفسه ﴿فَيُضَاعِفَهُ لَهُ﴾ ربه في الدرهم سبعمائة درهم، ﴿وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ ألا وه الجنة دار السلام.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- وجوب الإيمان بالله ورسوله وتقويته.
٢- وجوب الإنفاق في سبيل الله من زكاة ونفقة جهاد وصدقة على الفقراء والمساكين.
٣- بيان لطف الله ورأفته ورحمته بعباده مما يستلزم محبته وطاعته وشكره.
٤- الإنفاق في المجاعات والشدائد والحروب أفضل منه في اليسر والعافية.
٥- الترغيب في الإنفاق في سبيل الله بمضاعفة الأجر حتى يكون الدينار بألف دينار عند الله تعالى وما عند الله خير وأبقى، وللآخرة خير من الأولى.
٢ جائز أن يكون المراد بالفتح: فتح مكة، وكونه صلح الحديبية أولى وأرجح.
٣ في الكلام حذف دل عليه المذكور وهو: (من أنفق بعد الفتح وقاتل) وقد ذكرته في التفسير بدون الإشارة إلى الحذف.
٤ روى أشهب عن مالك أنه قال: ينبغي أن يقدم أهل الفضل والعزم وقد قال تعالى: ﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ ٤الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾. ولهذا قدم أبو بكر على سائر الصحابة لأنه أول من آمن وأول من أنفق وأول من قاتل قدمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة، وقدمه المؤمنون بالخلافة، وقال فيه علي رضي الله عنه: سبق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثنى أبو بكر وثلث عمر فلا أوتى برجل فضلني على أبي بكر إلا جلدته حد المفتري ثمانين جلدة وطرح الشهادة) ومما يشهد لقول مالك قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا" وفي بعض الروايات: "ويعرف لعالمنا حقه".
شرح الكلمات:
يسعى نورهم بين أيديهم١ وبأيمانهم: أي يتقدمهم نورهم الذي اكتسبوه بالإيمان والعمل الصالح بمسافات بعيدة يضيء لهم الصراط الذي يجتازونه إلى الجنة.
بشراكم اليوم جنات تجري: أي تقول لهم الملائكة الذين أعدوا لاستقبالهم بشراكم...
من تحتها الأنهار
ذلك هو الفوز العظيم: أي النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم الذي ى أعظم منه.
المنافقون والمنافقات: أي الذين كانوا يخفون الكفر في نفوسهم ويظهرون
نقتبس من نوركم: أي أنظروا إلينا بوجوهكم نأخذ من نوركم ما يضيء لنا الطريق.
قيل ارجعوا رواءكم فالتمسوا نوراً: أي يقال لهم استهزاءً بهم ارجعوا رواءكم إلى الدنيا حيث يطلب النور هناك بالإيمان وصالح الأعمال بعد التخلي عن الشرك والمعاصي فيرجعون وراءهم فلم يجدوا شيئاً.
فضرب بينهم بسور له باب: أي فضرب بينهم وبين المؤمنين بسور عال له باب باطنه الذي هو من جهة المؤمنين الرحمة.
وظاهره من قبله العذاب: أي الذي من جهة المنافقين في عرصات القيامة العذاب.
ينادونهم ألم نكن معكم: أي ينادي المنافقون المؤمنين قائلين ألم نكن معكم في الدنيا على الطاعات أي فنصلي كما تصلون ونجاهد كما تجاهدون وننفق كما تنفقون.
قالوا بلى: أي كنتم معنا على الطاعات.
ولكنكم فتنتم أنفسكم: أي بالنفاق وهو كفر الباطن وبغض الإسلام والمسلمين.
وتربصتم: أي الدوائر بالمسلمين أي كنتم تنتظرون متى يهزم المؤمنون فتعلنون عن كفركم وتعودون إلى شرككم.
وغركم بالله الغرور: أي وغركم بالإيمان بالله ورسوله حيث زين لكم الكفر وكره إليكم الإيمان الشيطان.
فاليوم لا يؤخذ منكم فدية: أي مال تفدون به أنفسكم إذ لا مال يومئذ ينفع ولا ولد.
ولا من الذين كفروا: أي ولا فدية تقبل من الذين كفروا.
مأواكم النار هي مولاكم: أي مستقركم ومكان إيوائكم النار وهي أولى بكم لخبث نفوسكم.
وبئس المصير: أي مصيركم الذي صرتم إليه وهو النار.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿يَوْمَ تَرَى١ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ هذا الظرف متعلق بقوله ﴿وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ في آخر الآية السابقة
قال تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ﴾ أي فداء مهما كان ولا من الذين كفروا كذلك
٢ التقدير: فقال لهم بشراكم.
(خالدين) حال مقدرة أي: حالة كونهم مقدرين الخلود إذ لم يدخلوها بعد.
٤ هذا بدل من اليوم الأول.
٥ قال الكلبي: يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ولا يعطون نوراً خاصاً بهم فبينما هم يمشون إذ بعث الله فيهم ريحاً وظلمة فأطفأ بذلك نور المنافقين فذلك قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا﴾ يقوله المؤمنون خشية أن يسلبوه كما سلبه المنافقون، فإذا بقي المنافقون في الظلمة لا يبصرون مواضع أقدامهم قالوا للمؤمنين: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ هذا أحسن توجيه للآية الكريمة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير البعث بذكر أحداثه وما يجري فيه.
٢- تقرير أن الفوز ليس ربح الشاة والبعير ولا الدار ولا البستان في الدنيا وإنما هو الزحزحة عن النار ودخول الجنان يوم القيامة هذا هو الفوز العظيم.
٣- من بشائر السعادة لأهل الإيمان قبل دخولهم الجنة تلقي الملائكة لهم وإعطاؤهم كتبهم بإيمانهم ووجود نور عال يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يتقدمهم على الصراط إلى الجنة.
٤- نور يوم القيامة في وجوه المؤمنين أخذوه من الدنيا وفي الحديث: "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة"٢.
٥- بيان صفات المنافقين في الدنيا وهي إبطان الكفر في نفوسهم والتربص بالمؤمنين للانقضاض عليهم متى ضعفوا أو هزموا وأمانيهم في عدم نصرة الإسلام. وشكهم الملازم لهم حتى أنهم لم يخرجوا منه إلى أن ماتوا شاكين في صحة الإسلام وما جاء به وأخبر عنه من وعد ووعيد.
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (١٦) اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا
٢ الحديث رواه أبو داود والترمذي وغيرهما والظلم: جمع ظلمة.
شرح الكلمات:
ألم يأن للذين آمنوا: أي ألم يحن الوقت للذين أكثروا من المزاح.
أن تخشع قلوبهم لذكر الله: أي تلين وتسكن وتخضع وتطمئن لذكر الله ووعده ووعيده.
وما نزل من الحق: أي القرآن وما يحويه من وعد ووعيد.
ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب: أي ولا يكونوا كاليهود والنصارى في الإعراض والغفلة.
من قبل
فطال عليهم الأمد: أي الزمن بينهم وبين أنبيائهم.
فقست قلوبهم: أي لعدم وجود من يذكرهم ويرشدهم فقست لذلك قلوبهم فلم تلن لذكر الله.
وكثير منهم فاسقون: أي نتيجة لقساوة القلوب المترتبة على ترك التذكير والإرشاد ففسق أكثرهم فخرج عن دين الله ورفض تعاليمه.
اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها: أي بالغيث ينزل بها وكذلك يحيي القلوب بالذكر والتذكير فتلين وتخشع لذكر الله ووعده ووعيده.
قد بينا لكم الآيات لعلكم: أي بينا لكم الآيات الدالة على قدرتنا وعلمنا ولطفنا ورحمتنا رجاء أن تعقلوا
تعقلون فتحفظوا أنفسكم مما يرديها ويوبقها.
إن المصدقين والمصدقات: أي المتصدقين بفضول أموالهم والمتصدقات كذلك.
واقرضوا الله قرضا حسنا: أي وكانت صدقاتهم كالقرض الحسن الذي لا منة معه والنفس طيبة به وراجية من ربها جزاءه.
يضاعف لهم: أي القرض الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة إلى ألف ألف.
والذين آمنوا بالله ورسوله: أي صدقوا بالله رباً وإلهاً وبرسله هداة ودعاة صادقين.
والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم: أي وشهداء المعارك في سبيل الله عند ربهم أي في الجنة لهم أجرهم العظيم ونورهم التام يوم القيامة.
والذين كفروا وكذبوا بآياتنا: أي كفروا بالله وتوحيده وكذبوا بالقرآن وبما حواه من الشرائع والأحكام.
أولئك أصحاب الجحيم: أي أولئك البعداء هم أهل النار الذين لا يفارقونها أبداً.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ ١ أي بالله رباً وإلهاً وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبياً ورسولاً وبوعد الله ووعيده صدقا وحقا ألم يحن٢ الوقت لهم أن تخشع قلوبهم فتلين وتطمئن إلى ذكر الله وتخشع كذلك ﴿وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾ في الكتاب الكريم فيعرفون المعروف ويأمرون به ويعرفون المنكر وينهون عته إنها لموعظة إلهية عظيمة وزادها عظمة أن تنزل في أصحاب رسول الله تستبطئ قلوبهم. فكيف بمن بعدهم.
وقوله: ﴿وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ﴾ أي من قبل البعثة المحمدية وهم اليهود والنصارى فطال عليهم الأمد وهو الزمان الطويل بينهم وبين أنبيائهم فلم يذكروا ولم يرشدوا فقست قلوبهم من أجل ذلك وأصبح أكثرهم فاسقين٣ عن دين الله خارجين عن شرائعه لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً.
وقوله تعالى ﴿اعْلَمُوا﴾ أي أيها المؤمنون المصابون ببعض الغفلة فكثر مزاجهم وضحكهم ﴿أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ يحييها بالغيث فتنبت وتزدهر فكذلك القلوب٤ تموت بترك التذكير والتوجيه والإرشاد وتحيا على التذكير والإرشاد.
وقوله تعالى: ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ﴾ أي وضحناها لكم في هذا الكتاب الكريم لعلكم
٢ هنا فعلان: أنى يأني مشتق من الإنى وهو اسم جامد بمعنى الوقت وآن يئين مشتق من الأين الذي هو الحين قال الشاعر:
ألما يئن لي أن تحلى عمايتي
وأقصر عن ليلي بلى قد أنى ليا
فجمع بين لغتين أي: بين أنى يأني وبين آن يئين.
٣ عن مالك قال: بلغني آن عيسى عليه السلام قال لقومه: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى فتقسوا قلوبكم، فإن القلب القاسي يبعد من الله ولكنكم لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس أنكم أرباب وانظروا فيها كأنكم عبيد فإنما الناس رجلان: معافىً ومبتلىً، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية.
٤ وكذلك القلوب تقسوا فتليينها بعد قساوتها يكون بذكر الله والدار الآخرة والتذكير بهما.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- التحذير من الغفلة ونسيان ذكر الله وما عنده من نعيم وما لديه من نكال وعذاب.
٢- وجوب التذكير للمؤمنين والوعظ والإرشاد والتعليم خشية أن تقسوا قلوبهم فيفسقوا كما فسق أهل الكتاب ويكفروا كما كفروا.
٣- تقرير حقيقة وهي أن الأرض تحيا بالغيث والقلوب تحيا بالعلم والمواعظ والتذكير بالله.
٤- بيان أصناف المؤمنين ورتبهم وهم المتصدقون والمقرضون في سبيل الله أموالهم والمؤمنون بالله ورسله حق الإيمان والصديقون وشهداء الجهاد في سبيل الله جعلنا الله منهم.
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ
٢ اختلف في هل (الشهداء) موصول بما قبله أو مقطوع فإن كان موصولاً فالصديقون والشهداء: هم المؤمنون بالله ورسله، وللجميع أجرهم ونورهم ويكون المدح والثناء وعظم الجزاء للجميع وهي بشرى لأمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن كان مقطوعاً فقد فاز الشهداء بمزية لم تكن لغيرهم، وهذا ما ذهبت إليه قي التفسير، وهو ما اختاره ابن جرير.
شرح الكلمات:
إنما الحياة الدنيا لعب ولهو: أي أن الحياة الدنيا أشبه بالأمور الخيالية قليلة النفع سريعة الزوال.
وزينة: أي ما يتزين به المرء من أنواع الزينة والزينة سريعة التغير والزوال.
وتفاخر بينكم وتكاثر في: أي أنها لا تخرج عن كونها لهواً ولعباً وزينة وتفاخراً وتكاثراً في الأموال والأولاد.
الأموال والأولاد
كمثل غيث أعجب الكفار نباته: أي مثلها في سرعة زوالها وحرمان صاحبها من الدار الآخرة ونعيمها كمثل مطر
أعجب الكفار: أي الزراع أعجبهم نباته أي ما نبت به من الزرع.
ثم يهيج فتراه مصفراً: أي يبس فتراه مصفراً آن أوان حصاده.
ثم يكون حطاما: ثم يتحول بسرعة إلى حطام يابس يتفتت.
إلا متاع الغرور: أي وما الحياة الدنيا في التمتع بها إذ الحياة نفسها غرور لا حقيقة لها.
سابقوا إلى مغفرة من ربكم: أي سارعوا بالتوبة مسابقين غيركم لتغفر لكم ذنوبكم وتدخلوا جنة ربكم.
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء: أي الموعود به من المغفرة والجنة.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في توجيه المؤمنين وإرشادهم إلى ما يزيد في كمالهم وسعادتهم في الحياتين فخاطبهم قائلا: اعلموا أيها١ المؤمنون الذين استبطانا قلوبهم أي خشوعها إذ الإقبال على الدنيا هو سبب الغفلة عن الآخرة ومتطلباتها من الذكر والعمل الصالح ﴿أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ٢ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ﴾ هذه حقيقتها وهي أمور خيالية قليلة النفع سريعة الزوال. فلا تغتروا بها ولا تقبلوا بكلكم عليها أنصح لكم بذلك. فاللهو كاللعب لا يخلفان منفعة تعود على اللاهي اللاعب، والزينة سرعان ما تتحول وتتغير وتزول والتفاخر بين المتفاخرين مجرد كلام ما وراءه طائل أبداً والتكاثر لا ينتهي إلى حد ولا يجمع إلا بالشقاء والنصب والتعب ثم يذهب أو يذهب عنه فلا بقاء له ولا دوام وله تبعات لا ينجو منها صاحبها إلا برحمة من الله وإليكم مثل الحياة الدنيا إنها ﴿كَمَثَلِ ٣غَيْثٍ﴾ أي مطر ﴿أَعْجَبَ الْكُفَّارَ﴾ أي الفلاحين الذين كفروا بذرة بالتربة ﴿نَبَاتُهُ﴾ الذي نبت به أي المطر ﴿ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ﴾ بعد أيام ﴿مُصْفَرّاً﴾ ٤ ثم يهيج أي ييبس ﴿ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً﴾ يتفتت هذه هي الدنيا من بدايتها إلى نهايتها المؤلمة أما الآخرة ففيها عذاب شديد لأهل الشرك والمعاصي لابد لهم منه يفارقونه، ومغفرة من الله ورضوان لأهل التوحيد وصالح الأعمال وما الحياة الدنيا وقد عرضنا عليكم مثالها فما هي إلا متاع الغرور أي إنها لا حقيقة لها وكل ما فيها من المتع التي يتمتع بها إلا غرور باطل. وعليه فأنصح لكم٥ سابقوا إلى مغفرة من ربكم أي سارعوا بالتوبة مسابقين بعضكم بعضا لتغفر ذنوبكم وتدخلوا جنة ربكم التي عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله أي هيئت وأحضرت فهي معدة مهيأة. ذلك فضل الله أي المغفرة ودخول الجنة يؤتيه من يشاء ومن سارع إلى التوبة فآمن وعمل صالحاً وتخلى عن الشرك والآثام فهو ممن شاء له فضله ولذلك وفقه للإيمان وصالح الأعمال. والله ذو الفضل
٢ اللهو واللعب: كل ما شغل عن ذكر الله تعالى، والإكثار منهما دليل على خسة العقل وضعفه، وصورتهما ترى من لعب الأطفال وتلهيهم بما يلعبون به من أنواع اللعب، والزينة: ما يتزين به من لباس وأثاث ونحوهما والتفاخر والتكاثر تحمل عليهما النفس الضعيفة ويولدهما الغرور وهما من صفات المفتونين بحب الحياة الدنيا.
٣ جائز أن يكون (كمثل) في موضع خبر، والمبتدأ محذوف تقديره: هي أي الحياة الدنيا (كمثل غيث).
٤ الاصفرار بعد الهيجان واليبوسة بعد الاصفرار أما الهيجان فهو عبارة عن سرعة بلوغ النبات مستواه كبلوغ الإنسان أشده ثم يأخذ في الاصفرار فيصفر فلذا عبر بـ ثم الدالة على التراخي، وبعد الاصفرار اليبوسة وهي الإفناء والتلاشي.
٥ بعد أن كشف لهم عن حال الدنيا وأنها سريعة الزوال حثهم على المسابقة بتصحيح الإيمان وتقويته بالعمل الصالح للفوز بالجنة فالله الحمد وله المنة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- التحذير من الاغترار بالحياة الدنيا.
٢- الدعوة إلى المسابقة في طلب مغفرة الذنب ودخول الجنة.
٣- بيان الجنة وبيان ما يكسبها وهو الإيمان بالله ورسله ومستلزماته من التوحيد والعمل الصالح.
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (٢٣) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ ِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤) لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥)
شرح الكلمات:
ما أصاب من مصيبة في الأرض: أي بالجدب وذهاب المال.
ولا في أنفسكم: أي بالمرض وفقد الولد.
إلا في كتاب من قبل أن نبرأها: أي في اللوح المحفوظ قبل أن نخلقها.
لكيلا تأسوا على ما فاتكم: أي لكيلا تحزنوا على ما فاتكم أي مما تحبون من الخير.
ولا تفرحوا بما آتاكم: أي بما أعطاكم فرح البطر أما فرح الشكر فهو مشروع.
والله لا يحب كل مختال فخور: أي مختال بتكبره بما أعطى، فخور أي به على الناس.
الذين يبخلون: أي بما وجب عليهم أن يبذلوه.
ويأمرون الناس بالبخل: أي بمنع ما وجب عليهم عطاؤه.
ومن يتول: أي عن الإيمان والطاعة وقبول مواعظ ربهم.
فإن الله غني: أي غني عن سائر حلقه لأن غناه ذاتي له لا يستمده من غيره.
حميد: أي محمود بجلاله وجماله وآلائه ونعمه على عباده.
بالبينات: أي بالحجج والبراهين القاطعة على صدق دعوتهم.
وأنزلنا معهم الكتاب: أي وأنزل عليهم الكتب الحاوية للشرائع والأحكام.
والميزان: أي العدل الذي نزلت الكتب بالأمر به وتقريره.
ليقوم الناس بالقسط: أي لتقوم حياتهم فيما بينهم على أساس العدل.
فيه بأس شديد: أي في الحديد بأس شديد والمراد آلات القتال من سيف وغيره.
ومنافع للناس: أي ينتفع به الناس إذ ما من صنعة إلا والحديد آلتها.
وليعلم الله من يصره ورسله: أي وأنزلنا الحديد وجعلنا فيه بأساً شديداً ليعلم الله من ينصره في دينه وأوليائه وينصر رسله المبلغين عنه.
بالغيب: أي وهم لا يشاهدونه بأبصارهم في الدنيا.
إن الله قوي عزيز: أي لا حاجة إلى نصرة أحد وإنما طلبها يتعبد بها عبادة.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في إرشاد المؤمنين وتوجيههم إلى ما يكملهم ويسعدهم فقال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ﴾ أي ما أصابكم أيها المؤمنون من مصيبة في الأرض بالجدب والقحط أو الطوفان أو الجوائح تصيب الزرع ﴿وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ بالمرض وفقد الولد إلا وهي في كتاب أي في كتاب المقادير، اللوح المحفوظ مكتوبة بكميتها وكيفيتها وزمانها ومكانها ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ أي وذلك قبل خلق الله تعالى لها
وقوله تعالى ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ أي وكما أنزلنا الكتاب للدين والعدل للدنيا أنزلنا الحديد لهما معاً للدين والدنيا فيما فيه من البأس الشديد في الحروب فهو لإقامة الدين بالجهاد ﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ إذ سائر الصناعات متوقفة عليه فهو للدنيا.
٢ وفي إعلام الله تعالى أولياءه بعدم حب المختال الفخور دفع لهم إلى الأمام حيث التنزه عن حب العاجلة التي المعوق لهم عن الكمال والإسعاد الأخروي.
٣ في الآية تحذير من الجزع وقلة الصبر في السير إلى الله تعالى بالتخلي عن حب العاجلة. فقد ذكرهم بأن التولي أي الرجوع بعد الضرب في طريق الآخرة حيث الجوار الكريم مما يسبب تخلي الرب عن العبد، فإنه تعالى غني حميد لا حاجة به إلى طاعة العباد ولا إلى حمدهم.
٤ كلام مستأنف المراد به أن ما كلف به عباده من طاعته بذكره وشكره إنما هو لمجرد الإبتلاء وليس لحاجة إليه لأنه الغني الحميد فإنه أرسل الرسل وأنزل الكتب وأوجد أسباب القوة المادية لمجرد الابتلاء، ذلك الابتلاء المترتب عليه الإسعاد والإشقاء فإنه تعالى يسعد بظاعته ويشقى بمعصيته وهذا هو العدل الكريم البر بعباده المؤمنين الرحيم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيدة القضاء والقدر.
٢- بيان الحكمة في معرفة القضاء والقدر والإيمان بهما.
٣- حرمة الاختيال والفخر والبخل والأمر بالبخل.
٤- بيان إفضال الله وإنعامه على الناس بإرسال الرسل وإنزال الكتب والميزان وإنزال الحديد بما فيه منافع للناس وبأس شديد.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (٢٧)
ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم: أي وتالله لقد أرسلنا نوحاً هو الأب الثاني للبشر وإبراهيم هو أبو الأنبياء.
والكتاب: أي التوراة والزبور والإنجيل والفرقان.
فمنهم مهتد: أي من أولئك الذرية أي سالك سبيل الحق والرشاد.
وكثير منهم فاسقون: أي عن طاعة الله ورسله ضال في طريقه.
ثم قفينا على آثارهم برسلنا: أي أرسلنا رسولاً بعد رسول حتى انتهينا إلى عيسى.
وقفينا بعيسى بن مريم: أي أتبعناهم بعيسى بن مريم لتأخره عنهم في الزمان.
وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه: أي على دينه وهم الحواريون وأتباعهم.
رأفة ورحمة: أي ليناً وشفقة.
ورهبانية ابتدعوها: أي وابتدعوا رهبانية لم يكتبها الله عليهم. وهي اعتزال النساء والانقطاع في الأديرة والصوامع للتعبد.
إلا ابتغاء رضوان الله: أي إلا طلبا لرضوان الله عز وجل.
فما رعوها حق رعايتها: أي لم يلتزموا بما نذروه على أنفسهم من الطاعات.
فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم: أي فأعطينا الذين ثبتوا على إيمانهم وتقواهم أجرهم.
وكثير منهم فاسقون: لا أجر لهم ولا ثواب إلا العقاب.
معنى الآيات:
يخبر تعالى أنه كما أرسل رسله وأنزل معهم الكتاب والميزان أرسل كذلك نوحاً وإبراهيم فنوح هو أبو البشر الثاني١ وإبراهيم هو أبو الأنبياء من بعده ذكرهما لمزيد شرفهما، ولما لهما من آثار طيبة فقال ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ﴾ أي في أولادهما النبوة والكتاب فهود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط من ذرية نوح وإسماعيل وإسحاق وباقي أنبياء من ذرية إبراهيم وقوله ﴿فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ٢﴾ أي فمن أولئك الذرية المهدى وأكثرهم فاسقون وقوله ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ٣ بِرُسُلِنَا﴾ أي رسولا بعد رسول عيسى بن مريم، وقفينا بعيسى بن مريم أي أتبعاتهم بعيسى
٢ كأكثر قوم هود وقوم صالح وقوم شعيب، وقوم تبع وغيرهم والمراد بالفسق هنا: الخروج عن جادة الإيمان والتوحيد، والوقوع في مضلات الشرك والكفر.
٣ التقفية: إتباع الرسول على أثر الآخر مشتق لفظها من القفا.
ولهذه الرهبانية سبب مروى عن ابن عباس رضي الله عنهما نذكره باختصار للفظه ومعناه قال كان بعد عيسى ملوك بدلوا التوراة وحرفوا الإنجيل وألزموا العامة بذلك، وكان بينهم جماعة رفضوا ذلك التحريف للدين ولم يقبلوه ففروا بدينهم، والتحقوا بالجبال وانقطعوا عن الناس مخافة قتلهم أو تعذيبهم لمخالفتهم دين ملوكهم المحدث الجديد فهذا الانقطاع بداية الرهبانية، وهاش أولئك المؤمنون وماتوا وجاء جيل من أبناء الدين المحرف فذكروا سيرة الصالحين الأولين فأرادوا أن يفعلوا فعلهم فانقطعوا إلى الصوامع والأديرة، ولكنهم جهال وعلى دين محرف مبدل فاسد فما انتفعوا بالرهبانية المبتدعة وفسق أكثرهم عن طاعة الله ورسوله. وهو ما دل عليه قوا الله تعالى: ﴿فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ﴾ وهم الأولون المؤمنون الذين فروا من الكفر والتعذيب وعبدوا الله تعالى بما شرع، وقوله ﴿وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ وهم الذين أتوا من بعدهم إلى يومنا هذا إذ هم يعبدون الله بدين محرف باطل ولم يلتزموا بالرهبنة الصادقة بالزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة.
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:
١- بيان منة الله على عباده بإرسال الرسل.
٢- بيان سنة الله في الناس وهي أنه إذا أرسل الرسل لهداية الناس يهتدي بعض ويضل بعض فيفسق.
٢ الرهبانية: نسبة إلى الرهبنة والراهب هو الخائف من الله تعالى، والأصل أن يقال الراهبية، فزيدت فيها النون كما زيدت في شعراني ولحياني ورباني وكذا نصراني على غير قياس.
٣ جملة: (ما كتبناها عليهم) مبنية لجملة (ابتدعوها).
٤- تحريم البدع والابتداع ولا رهبانية في الإسلام ولكن يعبد الله بما شرع.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)
شرح الكلمات:
يا أيها الذين آمنوا: أي بعيسى بن مريم وموسى.
اتقوا الله وآمنوا برسوله: أي خافوا عقاب الله وآمنوا بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتبعوه.
يؤتكم كفلين: يعطكم الله نصيبين من الأجر مقابل إيمانكم بنبيكم وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ويجعل لكم نوراً تمشون به: أي في الدنيا إذ تعيشون على هداية الله وفي الآخرة تمشون به على الصراط.
لئلا يعلم أهل الكتاب: أي لكي يعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله. واللم في لئلا مزيدة لتقوية الكلام.
معنى الآيتين:
هذا نداء الله لأهل الكتاب بعد أن ذكر نبذة عن رسلهم وأتباعهم نادى الموجودين منهم بعنوان الإيمان١ أي يا من آمنتم بالرسل السابقين حسب إدعائكم اتقوا الله فلا تفرقوا بين رسل الله وآمنوا
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:
١- أعظم نصيحة تقدم لأهل الكتاب لو أخذوا بها تضمنها نداء الله لهم وما وعدهم به في هذه الآية الكريمة.
٢- فضل الإيمان والتقوى إذ هما سبيل الولاية والكرامة في الدنيا والآخرة.
٣- إبطال مزاعم أهل الكتاب في احتكار الجنة لهم، وإعلامهم بأنهم محرومون منها ما لم يؤمنوا برسول الله ويتقوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
٢ أي: إلا بأذن الله إذ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. والظاهر أن المراد من الفضل هنا خصوص النبوة والرسالة وأن أهل الكتاب من اليهود يريدون حصر النبوة والرسالة في شعب إسرائيل فلذا جحدوا نبوة ورسالة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكفروا بهما فناداهم تعالى بعنوان الإيمان الذي يدعونه وأمرهم بتقواه بترك الكذب والاحتيال وأمرهم بالإيمان برسوله وواعدهم مضاعفة الأجر إن هم آمنوا، وكان هذا إعلاماً منه تعالى أن أهل الكتاب لا يقدرون على حصر الفضل فيهم ومنعه عن غيرهم فقد نبأ وأرسل من بني عمهم محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم كارهون منكرون مكذبون، وهم بين خيار بين إما الإيمان بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والفوز بالجنة والنجاة من النار وإما الإصرار على إنكار رسالته والكفر به مع الخسران في الحياتين ولا يهلك على الله إلا هالك.