سورة الأعراف
فضلها: انظر حديث: "من أخذ السبع الأول من القرآن فهو حبر".
تقدم في فضل سورة البقرة.
قوله تعالى (المص)
انظر بداية سورة البقرة في الحروف المقطعة.
قوله تعالى (كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (فلا يكن في صدرك حرج منه) قال: شك منه.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (لتنذر به وذكرى للمؤمنين) لم يبين هنا المفعول به لقوله تنذر، ولكنه بينه في مواضع أخر كقوله (وتنذر به قوماً لداً) وقوله (لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم) إلى غير ذلك من الآيات. كما أنه بين المفعول الثاني للإنذار في آيات أخر كقوله (لينذر بأساً شديداً من لدنه) الآية، وقوله (فأنذرتكم ناراً تلظى) وقوله (إنا أنذرناكم عذابً قريباً) الآية، إلى غير ذلك من الآيات. وقد جمع تعالى في هذه الآية الكريمة بين الإنذار والذكرى في قوله (لتنذر به وذكرى للمؤمنين) فالإنذار للكفار، والذكرى للمؤمنين، ويدل لذلك قوله تعالى (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لداً) وقوله (وذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) وقوله (فذكِّر بالقرآن من يخاف وعيد). ولا ينافي ما ذكرنا من أن الإنذار للكفار، والذكرى للمؤمنين. أنه قصر الإنذار على المؤمنين دون غيرهم في قوله تعالى (إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم) لأنه لما كان الانتفاع بالإنذار مقصوراً عليهم، صار الإنذار كأنه مقصور عليهم، لأن ما لا نفع فيه فهو كالعدم.
قوله تعالى (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون)
انظر سورة الأنعام الآية (١٥٣) وتفسيرها.
قوله تعالى (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون) خوف الله تعالى في هذه الآية الكفار الذين كذبوه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأنه أهلك كثيراً من القرى بسبب تكذيبهم الرسل، فمنهم من أهلكها بياتاً أي ليلاً، ومنهم من أهلكها وهم قائلون، أي في حال قيلولتهم، والقيلولة: استراحة وسط النهار. يعني: فاحذروا تكذيب رسولي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لئلا أنزل بكم مثل ما أنزلت بهم، وأوضح هذا المعنى في آيات أخر كقوله (ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون) وقوله (فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد)، وقوله (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين) وقوله (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم) ثم بين أنه يريد تهديدهم بذلك بقوله (وللكافرين أمثالها) إلى غير ذلك من الآيات.
وقد هدد تعالى أهل القرى بأن يأتيهم عذابه ليلاً في حالة النوم، أو ضحى في حالة اللعب، في قوله تعالى (أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون). وهدد أمثالهم من الذين مكروا السيئات بقوله تعالى (أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم). ا. هـ.
قوله تعالى (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين) بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن تلك القرى الكثيرة التي أهلكها في حال البيات، أو في حالة القيلولة، لم يكن لهم من الدعوى إلا اعترافهم بأنهم كانوا ظالمين. وأوضح هذا المعنى في قوله (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعبدها قوماً آخرين فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين).
قوله تعالى (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) لم يبين هنا الشيء المسؤول عنه المرسلون، ولا الشيء المسئول عنه الذين أرسل إليهم. وبين في مواضع أخر أنه يسأل المرسلين عما أجابتهم به أممهم، ويسأل الأمم عما أجابوا به رسلهم.
قال في الأول: (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم).
وقال في الثاني: (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين).
وبين في موضع آخر أنه يسأل جميع الخلق عما كانوا يعملون، وهو قوله تعالي (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) قال: يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين، ويسأل المرسلين عما بلغوا.
قال أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد عن بهز قال: أخبرني أبي عن جدي قال: أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر الحديث إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا إن ربي داعي، وإنه سائلي
هل بلغت عبادي؟ وأنا قائل له: رب قد بلغتهم، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، ثم إنكم مدعوون ومفدمة أفواهكم بالفدام....
(المسند ٥/٤)، وأخرجه عبد الرزاق في (مصنفه ١١/١٣٠)، والطبراني في (الكبير ١٩/٤٠٧)، وابن عبد البر في (الإستيعاب ١/٣٢٣) - هامش الإصابة - من طرق عن بهز به وصححه ابن عبد البر.
وأصله في (سنن النسائي ٥/٤-٥)، وحسنه الألباني في (صحيح النسائي ٢/٥١١ و٥٤٢).
انظر حديث البخاري عن عبد الله بن عمر الآتي عند الآية (٦) من سورة التحريم.
قوله تعالى (فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين) بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه يقص على عباده يوم القيامة ما كانوا يعملونه في الدنيا، وأخبرهم بأنه جل وعلا لم يكن غائباً عما فعلوه أيام فعلهم له في دار الدنيا، بل هو الرقيب الشهيد على جميع الخلق، المحيط علمه بكل ما فعلوه من صغير وكبير، وجليل وحقير، وبين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم) وقوله (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم) وقوله (وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرأن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب).
انظر حديث البخاري عن عدي بن حاتم المقدم عند الآية (١٣١) من سورة آل عمران.
قال ابن كثير: (وما كنا غائبين) يعني: أنه تعالى يخبر عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا، من قليل وكثير، وجليل وحقير، لأنه تعالى شهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء، ولا يغفل عن شيء، بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين).
قوله تعالى (والوزن يومئذ الحق... )
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (والوزن يومئذ الحق) بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن وزنه للأعمال يوم القيامة حق أي لا جور فيه، ولا ظلم، فلا يزاد في سيئات مسيء، ولا ينقص من حسنات محسن.
وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر كقوله (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل آتينا بها وكفى بنا حاسبين)
وقوله (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها) الآية إلى غير ذلك من الآيات.
قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن يحيى، ثنا ابن أبي مريم، ثنا الليث، حدثني عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن الحبلى؛ قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُصاح برجل من أمتي، يوم القيامة، على رءوس الخلائق. فيُنشر له تسعة وتسعون سجلا. كل سجل مدّ البصر. ثم يقول الله عز وجل: هل تُنكر من هذا شيئاً؟ فيقول: لا. يارب! فيقول: أظلمتك كتبتي الحافظون؟ ثم يقول: ألك عن ذلك حسنة؟ فيُهاب الرجل، فيقول: لا.
فيقول: بلى. إن لك عندنا حسنات. وإنه لا ظلم عليك اليوم. فتخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، قال، فيقول: يارب!
ما هذه البطاقة مع هذه السجلات! فيقول: إنك لا تظلم. فتوضع السجلات في كِفّة والبطاقة في كِفّة. فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة".
قال محمد بن يحيى: البطاقة الرقعة. وأهل مصر يقولون للرقعة: بطاقة.
(سنن ابن ماجة ٢/١٤٣٧ ح ٤٣٠٠ - ك الزهد، ب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة)، وأخرجه الترمذي من طريق ابن المبارك عن الليث (السنن - ك الإيمان - ب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله). وقال: حسن غريب. ونقل الحافظ ابن كثير التصحيح في كتاب التفسير، وأخرجه أحمد من طريق ابن المبارك نحوه (المسند ح ٦٩٩٤) قال محققه: إسناده صحيح، وأخرجه الحاكم من طريق يحيى بن عبد الله بن بكير عن الليث نحوه وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (المستدرك ١/٥٢٩)، ذكره السيوطي في الدر المنثور (٣/٤٢٠)، وصححه الألباني في (صحيح من الترمذي ح ٢١٢٧).
301
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله: (والوزن يومئذ الحق) توزن الأعمال.
قوله تعالى (... فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون. ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون)
قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون).
بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أن من ثقلت موازينهم أفلحوا، ومن خفت موازينهم خسروا بسبب ظلمهم، ولم يفصل الفلاح والخسران هنا. وقد جاء في بعض المواضع ما يدل على أن المراد بالفلاح هنا كونه في عيشة راضية في الجنة، وأن المراد بالخسران هنا كونه في الهاوية في النار، وذلك في قوله (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ماهيه نار حامية). وبين أيضاً خسران من خفت موازينه بقوله (ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون) إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى (ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وجعلنا لكم فيها معايش) الآية. لم يبين هنا كيفية هذه المعايش التي جعل لنا في الأرض، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله (فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلباً وفاكهة وأباً متاعاً لكم ولأنعامكم). وقوله (أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون) وقوله (وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك الآيات لأولي النهى). وذكر كثيراً من ذلك في سورة النحل كقوله (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون) إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) قوله (خلقناكم) يعني آدم، وأما (صورناكم) فذريته.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قول الله (ولقد خلقناكم) قال: آدم (ثم صورناكم) قال: في ظهر آدم عليه السلام.
قوله تعالى (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) قال بعض العلماء، معناه: ما منعك أن تسجد، و (لا) صلة، ويشهد لهذا قوله تعالى في سورة "ص" (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى) الآية.
قوله تعالى (قال أنا خير منه خلقت من نار وخلقته من طين)
قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) ذكر في هذه الآية الكريمة: أن إبليس -لعنه الله- خلق من نار، وعلى القول بأن إبليس هو الجان الذي هو أبو الجن. فقد زاد في مواضع أخر أوصافاً للنار التي خلقه منها. من ذلك أنها نار السموم. كما في قوله (والجان خلقناه من قبل من نار السموم)، ومن ذلك أنها خصوص المارج. كما في قوله (وخلق الجان من مارج من نار) والمارج أخص من مطلق النار لأنه اللهب الذي لا دخان فيه.
انظر مسلم عن عائشة الآتي عند الآية (٢٧) من سورة الحجر.
قوله تعالى (قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين)
قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فأخرج إنك من الصاغرين). بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه عامل إبليس اللعين بنقيض قصده حيث كان قصده التعاظم والتكبر، فأخرجه الله صاغراً حقيراً
ذليلاً، متصفاً بنقيض ما كان يحاوله من العلو والعظمة، وذلك في قوله (إنك من الصاغرين) والصغار: أشد الذل والهوان، وقوله (اخرج منها مذموماً مدحوراً) ونحو ذلك من الآيات. ويفهم من الآية أن المتكبر لا ينال ما أراد من العظمة والرفعة، وإنما يحصل له نقيض ذلك؛ وصرح تعالى بهذا المعنى في قوله (إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه). وبين في مواضع أخر كثير من العواقب السيئة التي تنشأ عن الكبر -أعاذنا الله والمسلمين منه- فمن ذلك أنه سبب لصرف صاحبه عن فهم آيات الله، والاهتداء بها كما في قوله تعالى (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) الآية. ومن ذلك أنه من أسباب الثواء في النار كما في قوله تعالى (أليس في جهنم مثوى للمتكبرين) وقوله (ذلك بأنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) ومن ذلك أن صاحبه لا يحبه الله تعالى كما في قوله (لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (فأخرج إنك من الصاغرين) و (الصغار) هو الذل.
قوله تعالى (قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين)
قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين). لم يبين هنا في سورة الأعراف الغاية التي أنظره إليها، وقد ذكرها في "الحجر" و"ص" مبيناً أن غاية ذلك الإنظار هو يوم الوقت المعلوم. لقوله في سورة "الحجر" و"ص" (إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) فقد طلب الشيطان الإنظار إلى يوم البعث، وقد أعطاه الله الإنظار إلى يوم الوقت المعلوم.
وأكثر العلماء يقولون: المراد به وقت النفخة الأولى - والعلم عند الله تعالى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: فلم ينظره إلى يوم البعث، ولكن أنظره إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم ينفخ في الصور النفخة الأولى، فصعق من في السماوات ومن في الأرض، فمات.
قوله تعالى (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم)
قال النسائي: أخبرني إبراهيم بن يعقوب قال: حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم قال: حدثنا أبو عقيل عبد الله بن عقيل قال: حدثنا موسى بن المسيب، عن سالم بن أبي الجعد، عن سبرة بن أبي فاكه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرُقه فقعد له بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين أبائك وآباء أبيك؟ فعصاه فأسلم ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول، فعصاه فهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد فقال: تُجاهد فهو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويُقسم المال، فعصاه فجاهد فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فمن فعل ذلك كان حقا على الله عز وجل أن يُدخله الجنة. ومن قتل كان حقاً على الله عز وجل أن يدخله الجنة وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة أو وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة".
(السنن ٦/٢١-٢٢ - ك الجهاد، ب ما لمن أسلم وهاجر وجاهد)، وأخرجه أحمد (٣/٤٨٣)، والطبراني (٦٥٥٨)، وابن حبان في صحيحه (الإحسان ١٠/٤٥٣، ٤٥٤ ح ٤٥٩٣) من طرق عن موسى بن المسيب به، ووقع عند أحمد: موسى بن المثنى، وقال محقق الإحسان: إسناده قوي. وصححه الألباني (صحيح سنن النسائي ح ٢٩٣٧).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فبما أغوتينى) يقول أضللتنى.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (صراطك المستقيم) قال: الحق.
قوله تعالى (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم) يعنى الدنيا (ومن خلفهم) من الآخرة (وعن أيمانهم) من قبل حسناتهم (وعن شمائلهم) من قبل سيئاتهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم) الآية، أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار (ومن خلفهم) من أمر الدنيا فزينها لهم ودعاهم إليها (وعن أيمانهم) من قبل حسناتهم بطأهم عنها (وعن شمائلهم) زين لهم السيئات والمعاصى، ودعاهم إليها، وأمرهم بها. أتاك يا ابن آدم من كل وجه، غير أنه لم يأتك من فوقك، لم يستطيع أن يحول بينك وبين رحمة الله!.
قوله تعالى (ولا تجد أكثرهم شاكرين)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولا تجد أكثرهم شاكرين) هذا الذي ذكر إبليس أنه سيوقع بني آدم فيه قاله ظناً منه أنهم سيطيعونه فيما يدعوهم إليه حتى يهلكهم. وقد بين تعالى في سورة "سبأ" أن ظنه هذا صدق فيهم بقوله (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه) الآية. كما تقدمت الإشارة إليه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا تجد أكثرهم شاكرين) يقول: موحدين.
قوله تعالى (قال اخرج منها مذءوماً مدحوراً لمن تَبِعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قال اخرج منها مذءوماً مدحوراً لمن تَبِعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين). بين في هذه الآية الكريمة أنه قال لإبليس: اخرج منها في حال كونك مذءوماً مدحوراً. والمذءوم: المعيب أو الممقوت، والمدحور: المبعد عن الرحمة، المطرود، وأنه أوعده بملء جهنم منه، وممن تبعه.
وأوضح هذا المعنى في آيات أخر كقوله تعالى (قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) وقوله (قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورَجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) وقوله (فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون) إلى غير ذلك من الآيات.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (مذءوماً) قال: منفياً (مدحوراً) قال: مطروداً.
قوله تعالى (ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) إلى قوله (
وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين)
انظر سورة البقرة آية (٣٥-٣٦).
قوله تعالى (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) فحلف لهما بالله حتى خدعهما، وقد يخدع المؤمن بالله، فقال: إني خلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما، فاتبعاني أرشدكما. وكان بعض أهل العلم يقول: من خادعنا بالله خدعنا.
قوله تعالى (بدت لهما سوآتهما)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (بدت لهما سوآتهما) قال: كانا لا يريان سوآتهما. فقال آدم عليه السلام: يارب، أرأيت إن تبت فاستغفرت؟ قال إذاً أدخلك الجنة. وأما إبليس فلم يستغفر، وإنما سأل النظرة، فأعطى كل واحد منهما الذي سأل.
قوله تعالى (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (يخصفان) قال: يرقعان، كهيئة الثوب.
قوله تعالى (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)
ولقد تاب الله على آدم وحواء كما في قوله تعالى (
فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) سورة البقرة آية (٣٧).
قوله تعالى (قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر)
أخرج ابن أبي حاتم والطبري بسنديهما الجيد عن أبي العالية في قوله: (ولكم في الأرض مستقر) قال: هو قوله (الذي جعل لكم الأرض فراشا) سورة البقرة آية (٢٢).
قوله تعالى (قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون)
قال ابن كثير: كقوله تعالى (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) طه آية: ٥٥. يخبر تعالى أنه يجعل الأرض داراً لبني آدم مدة الحياة الدنيا، فيها محياهم وفيها مماتهم وقبورهم، ومنها نشورهم ليوم القيامة الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين، ويجازي كلا بعمله.
قوله تعالى (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشاً ولباس التقوى)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (لباسا يواري سوآتكم) قال: كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة، ولا يلبس أحدهم ثوبا طاف فيه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وريشاً) يقول: مالا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ولباس التقوى) هو الإيمان.
قوله تعالى (يابني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة). حذر تعالى في هذه الآية الكريمة بني آدم أن يفتنهم الشيطان كما فتن أبويهم، وصرح في موضع آخر. أنه حذر آدم من مكر إبليس قبل أن
يقع فيما وقع فيه، ولم ينجه ذلك التحذير من عدوه وهو قوله تعالى (فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى).
أخرج آدم بن بي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (إنه يراكم هو وقبيله) قال: قبيله الجن والشياطين.
قوله تعالى (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله مالا تعلمون)
قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا) الآية. ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: إن الكفار إذا فعلوا فاحشة، استدلوا على أنها حق وصواب، بأنهم وجدوا آباءهم يفعلونها، وأنهم ما فعلوها، إلا لأنها صواب ورشد. وبين في موضع آخر: أن هذا واقع من جميع الأمم، وهو قوله تعالى (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على أثارهم مقتدون). ورد الله عليهم هذا التقليد الأعمى في آيات كثيرة، كقوله (أو لو كان أباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) وقوله (أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون) وقوله (قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم) وقوله (إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون) إلى غير ذلك من الآيات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها) قال: كان قبيلة من العرب من أهل اليمن يطوفون بالبيت عراة، فإذا قيل لم تفعلون ذلك؟ قالوا: (وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها).
قوله تعالى (قل أمر ربي بالقسط)
أي بالعدل، كما تقدم في سورة آل عمران آية (١٨).
قوله تعالى (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله تعالى (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) يقول: اجعلوا وجوهكم عند كل مسجد إلى الكعبة حيث ماصليتم.
قوله تعالى (كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة)
قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، أخبرنا المغيرة بن النعمان قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله حفاة عُراة غرلاً". ثم قال: (كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين) إلى آخر الآية.
ثم قال: ألا وإن أول الخلائق يُكسى يوم القيامة إبراهيم. ألا وإنه يُجاءُ برجال من أمتى فيُؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصيحابى، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح (وكنتُ عليهم شهيداً ما دُمتُ فيهم. فلما توفيتني كنتَ أنتَ الرقيب عليهم) فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم".
(الصحيح ٨/١٣٥ ح ٤٦٢٥ - ك التفسير، ب (وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم... )، وأخرجه مسلم (الصحيح ٤/٢١٩٤ - ك الجنة، ب فناء الدنيا... ).
قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يُبعث كل عبدٍ على ما مات عليه".
(الصحيح ٤/٢٢٠٦ ح ٢٨٧٨ - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) قال: إن الله سبحانه بدأ خلق ابن آدم مؤمنا وكافرا، كما قال جل ثناؤه: (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) - سورة التغابن: ٢ - ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم، مؤمنا وكافرا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (كما بدأكم تعودون) يحييكم بعد موتكم.
قوله تعالى (إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون). بين تعالى في هذه الآية الكريمة، أن الكفار اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله، ومن تلك الموالاة طاعتهم لهم فيما يخالف ما شرعه الله تعالى، ومع ذلك يظنون أنفسهم علي هدى. وبين في موضع آخر: أن من كان كذلك فهو أخسر الناس عملاً، والعياذ بالله تعالى، وهو قوله تعالى جل وعلا (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً)
قوله تعالى (يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد)
قال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار وإبراهيم بن دينار، جميعاً عن يحيى بن حماد. قال ابن المثنى: حدثى يحيى بن حماد، أخبرنا شعبة، عن أبان ابن تغلب، عن فُضيل الفقيمي، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله ابن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبرٍ". قال رجل: "إن الرجل يُحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال: "إن الله جميل يحب الجمال. الكِبر بطر الحق وغَمْط الناس".
(الصحيح ١/٩٣ ح ١٤٧ - ك الإيمان، ب تحريم الكبر وبيانه).
قال مسلم: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، ح وحدثني أبو بكر بن نافع (واللفظ له) حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة، فتقول: من يُعيرنى تطوافاً؟ تجعله على فرجها. وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله
فما بدا منه فلا أحله
فنزلت هذه الآية: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)
(الصحيح ٤/٢٣٢٠ ح ٣٠٢٨ - ك التفسير، في قوله تعالى الآية).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يابنى آدم خذوا زينتكم عن كل مسجد) قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعروا.
قوله تعالى (... وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)
قال الترمذي: حدثنا سويد بن نصر، أخبرنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا إسماعيل بن عيّاش، حدثني أبو سلمة الحِمصي وحبيب بن صالح، عن يحيى بن جابر الطائي، عن مقدام بن معدي كرب قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما ملأ آدمي وِعاء شراً من بطنٍ، بحسب ابن آدم أكلات يُقِمْنَ صُلبه، فإن كان لا محالة فثلثْ لطعامه وثلث لشرابه وثلُث لنفسه".
حدثنا الحسن بن عرفة. حدثنا إسماعيل بن عياش نحوه. وقال المقدام بن معدي كرب عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يذكر فيه سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(السنن ٤/٥٩٠ ح ٢٣٨٠ - ك الزهد، ب ما جاء في كراهية كثرة الأكل)، وأخرجه ابن ماجة (السنن ١٢/١١١١ ح ٣٣٤٩ - ك الأطعمة، ب الإقتصاد في الأكل وكراهة الشبع) من طريق جدة محمد بن حرب لأمه عن المقدام به. وأحمد (المسند ٤/١٣٢) من طريق سليمان بن سليم. وابن حبان في صحيحه (الإحسان ٢/٤٤٩) من طريق معاوية بن صالح. والحاكم في (المستدرك ٤/٣٣١) من طريق سليمان بن سليم كذلك كلهم عن يحيى بن جابر عن المقدام به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح ١٩٣٩).
وانظر سورة الأنعام آية (١٤١)، وانظر سورة الإسراء آية (٢٦).
قوله تعالى (قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق)
قال البخاري: حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك، عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم يُخبرونه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله قال: "لا ينظر الله إلى من جرَّ ثوبه خيلاء".
(الصحيح ١٠/٢٦٤ ح ٥٧٨٣ - ك اللباس، ب قول الله تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده))، أخرجه مسلم في (صحيحه - ك اللباس ح ٢٠٨٥، ب تحريم جر الثوب).
أخرج الطبري: بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) قال: إن الجاهلية كانوا يحرمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرها، وهو قول الله (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً) (سورة يونس: ٥٩) وهو هذا، فأنزل الله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق) هو ما حرم أهل الجاهلية عليهم من أموالهم: البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام.
وانظر سورة المائدة آية (١٠٣) ففيها بيان هذه التي حرمها أهل الجاهلية.
قوله تعالى (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) يقول: شارك المسلمون الكفار في الطيبات، فأكلوا من طيبات طعامها، ولبسوا من خيار ثيابها، ونكحوا من صالح نسائها، وخلصوا بها يوم القيامة.
قوله تعالى (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق)
قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ما من أحد أغير من الله، من أجل ذلك حَرَّمَ الفواحش، وما أحد أحب إليه المدح من الله".
(الصحيح ٩/٢٣٠ ح ٥٢٢٠ - ك النكاح، ب الغيرة)، وأخرجه مسلم (ك التوبة ح ٢٧٦٠، ب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش).
وانظر حديث المغيرة بن شعبه المتقدم عند الآية رقم (١٦٥) من سورة النساء "أتعجبون من غيرة سعد... ".
انظر حديث مسلم عن النواس بن سمعان المتقدم عند الآية (٢) من سورة المائدة، وهو حديث: "البر حسن الخلق".
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (والإثم والبغي) أما (الإثم) فالمعصية و (البغي) أن يبغي على الناس بغير الحق.
قوله تعالى (وأن تقولوا على الله مالا تعلمون)
انظر سورة الإسراء آية (٣٦)
قوله تعالى (ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)
انظر قول الشيخ الشنقيطي في سورة يونس آية (٤٩).
قوله تعالى (يا بني آدم إما يآتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتى فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)
انظر سورة يس آية (٦٠-٦١).
قوله تعالى (فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) قال: ما كتب لهم من العذاب.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) قال: ينالهم نصيبهم في الآخرة بأعمالهم التي عملوا وسلفوا في الدنيا.
قوله تعالى (حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين)
انظر سورة النساء آية (٩٧) وسورة الأنفال آية (٥٠).
قوله تعالى (قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والأنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (كلما دخلت أمة لعنت أختها) يقول: كلما دخل أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك الذين، يلعن المشركون المشركين، واليهود اليهود، والنصارى النصارى، والصائبون الصائبين، والمجوس المجوس، تلعن الآخرة الأولى.
قوله تعالى (حتى إذا إذا اداركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار قال لكلٍ ضعف ولكن لا تعلمون)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (حتى إذا اداركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار). لم يبين هنا السبب الذي مكنهم من إضلالهم، ولكنه بين في موضع آخر: أن السبب الذي مكنهم من ذلك هو كونهم سادتهم وكبرائهم، ومعلوم أن الأتباع يطيعون السادة الكبراء فيما يأمرونهم به، وهو قوله تعالى (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب) الآية. وبسط ذلك في "سورة سبأ" بقوله (ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (قالت أخراهم) الذين كانوا في أخر الزمان (لأولاهم) الذين شرعوا لهم ذلك الدين (ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار).
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فآتهم عذاباً ضعفاً من النار). بين تعالى في هذه الآية الكريمة وأمثالها من الآيات: أن الأتباع يسألون الله يوم القيامة أن يضاعف العذاب للمتبوعين، وبين في مواضع أخر: أن مضاعفة العذاب للمتبوعين لا تنفع الأتباع، ولا تخفف عنهم من العذاب، كقوله (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون)، وقوله هنا (قال لكل ضعف) الآية، وقوله (وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون)، وقوله (قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (عذاباً ضعفاً من النار قال لكل ضعف) مضعّف.
قوله تعالى (وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (فما كان لكم علينا من فضل) قال: من التخفيف من العذاب.
قوله تعالى (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء)
قال الطبري: حدثنا أبو كريب، قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن المنهال عن زاذان عن البراء أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر قبض روح الفاجر وأنه يصعد بها إلى السماء، قال: فيصعدون بها، فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان، بأقبح أسمائه التى كان يدعى بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء، فيستفتحون له، فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط).
(التفسير ١٢/٤٢٤ ح ١٤٦١٤)، وأخرجه أيضاً أحمد في مسنده (٤/٢٨٧-٢٨٨) عن أبي معاوية عن الأعمش يإسناده ضمن حديث مطول. وأصل الحديث عند النسائي في (المجتبى ٤/٧٨)، وابن ماجه في (سننه ح ١٥٤٩)، والحاكم في (المستدرك ١/٣٧-٤٠) من طرق عن الأعمش بإسناده بدون موضع الشاهد. وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وقال البيهقي: هذا حديث صحيح الإسناد (شعب الإيمان ٢/٣١٦)، وصححه أيضاً القرطبي وابن القيم والألباني وغيرهم، وحسنه ابن تيمية (انظر رسالة صحة حديث البراء بن عازب... للدكتور عاصم القريوتي).
قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا شبابة، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل صالحاً، قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة! كانت في الجسد الطيب. اخرجي حميدة، وأبشري برَوح وريحان ورب غير غضبان. فلا يزال يقال لها، حتى تخرج. ثم يُعرج بها إلى السماء. فيُفتح لها. فيقال: من هذا؟ فيقولون فلان. فيُقال: مرحباً بالنفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة. وأبشرى برَوح وريحان ورب غير غضبان. فلا يزال يقال لها ذلك حتى يُنتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل. وإذا كان الرجل السوء قال: اخرُجي أيتها النفس الخبيثة!
كانت في الجسد الخبيث. اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغسّاق. وآخر من شكله أزواج. فلا يزال يُقال لها ذلك حتى تخرج. ثم يُعرج بها إلى السماء. فلا يُفتح لها. فيُقال: من هذا؟ فيُقال: فلان. فيقال: لا مرحباً بالنفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث. ارجعي ذميمة. فإنها لا تُفتح لك أبواب السماء. فيُرسل بها من السماء، ثم تصير إلى القبر".
(السنن ح ٤٢٦٢ - الزهد، ب ذكر الموت والإستعداد له)، قال البويصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، رواه النسائي في (التفسير ح ٤٦٢) عن عمرو بن سواد وفى الملائكة عن سليمان بن داود كلاهما عن ابن وهب عن ابن أبى ذئب به (مصباح الزجاجة ٢/٣٤٩)، قال الألباني: صحيح.
(صحيح ابن ماجة ٢/٤٢٠)، وأخرجه أحمد (٢/٣٦٤-٣٦٥ و٦/١٤٠) والطبري (١٢/٤٢٤-٤٢٥ و٤٢٥ ح ١٤٦١٥ و ١٤٦١٦) من طريق: عثمان بن عبد الرحمن الثقفي عن ابن أبي ذئب به.
قال الشيخ أحمد شاكر: وهذا خبر صحيح. وأخرجه الحاكم مختصراً من طريق البراء وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ١/٣٧-٤٠، وصححه الألباني في (صحيح ابن ماجه ح ١٢٥٩).
317
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء) يعنى: لا يصعد إلى الله من عملهم شيء.
قوله تعالى (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (حتى يلج الجمل في سم الخياط) والجمل ذو القوائم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (في سم الخياط) يقول: جحر الإبرة.
قوله تعالى (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش) أما (المهاد) كهيئة الفراش و (الغواشي)، تتغشاهم من فوقهم.
قوله تعالى (لا نكلف نفساً إلا وسعها)
انظر آخر سورة البقرة.
قوله تعالى (ونزعنا ما في صدوره من غل... )
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه جل وعلا، ينزع ما في صدور أهل الجنة من الحقد والحسد الذي كان في الدنيا، وأنهم تجري من تحتهم الأنهار في الجنة. وذكر في موضع آخر أن نزع الغل من صدورهم يقع في حال كونهم إخواناً على سرر متقابلين آمنين من النصب، والخروج من الجنة.
وهو قوله تعالى في "الحجر" (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين).
انظر حديث البخاري عن أبي سعيد الآتي عند الآية (٤٧) من سورة الحجر.
قوله تعالى (وقالوا الحمد له الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)
قال الطبري: حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، قال: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كل أهل النار يرى منزله من الجنة، فيقولون: لو هدانا الله، فتكون عليهم حسرة. وكل أهل الجنة يرى منزله من النار، فيقولون: لولا أن هدانا الله. فهذا شكرهم".
(التفسير ١٢/٤٤٠ ح ١٤٦٦٥)، وعزاه السيوطي في (الدر ٣/٨٥) لابن مردويه وابن أبى الدنيا وغيرهما. وعزاه الهيثمي لأحمد من طريقين وقال: ورجال الرواية الأولى رجال الصحيح (مجمع الزوائد ١٠/٣٩٩)، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٤٣٥-٤٣٦)، وحسنه الألباني في (صحيح الجامع ح ٤٥١٤).
قوله تعالى (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)
قال الطبري: حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا شريك ابن عبد الله، عن أبى إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قوله (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً) حتى إذا انتهوا إلى بابها، إذا هم بشجرة يخرج من أصلها عينان، فعمدوا إلى إحداهما، فشربوا منها كأنما أمروا بها، فخرج ما في بطونهم من قذر أو أذى أو قذى، ثم عمدوا إلى الأخرى، فتوضئوا منها كأنما أمروا به، فجرت عليهم نضرة النعيم، فلن تشعث رءوسهم بعدها أبداً ولن تبلى ثيابهم بعدها، ثم دخلوا الجنة، فتلقتهم الولدان كأنهم اللؤلؤ المكنون، فيقولون: أبشر، أعد الله لك كذا، وأعد لك كذا وكذا، ثم ينظر إلى تأسيس بنيانه جندل اللؤلؤ الأحمر والأصفر والأخضر، يتلألأ كأنه البرق، فلولا أن الله قضى أن لا يذهب بصره لذهب، ثم يأتي بعضهم إلى بعض أزواجه، فيقول: أبشري قد قدم فلان بن فلان، فيسميه باسمه واسم أبيه، فتقول: أنت رأيته، أنت رأيته! فيستخفها الفرح حتى تقوم، فتجلس على أسكفة بابها، فيدخل فيتكئ على سريره، ويقرأ هذه الآية: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)... الآية.
319
(التفسير ٢٤/٣٥)، وأخرجه ابن المبارك في (الزهد ص ٥٠٨-٥٠٩ ح ١٤٥٠) وعبد الرزاق في (التفسير - سورة الزمر) والضياء المقدسي (المختارة ٢/١٦٠ ح ٥٤١) من طريق حمزة الزيات عن أبي إسحاق به. وقال محقق المختارة: إسناده صحيح. وأورده الحافظ ابن حجر في المطالب العالية المسندة (ل ١٩٨ أ-ب، رواية إسحاق في مسنده من طرق عن أبي إسحاق به، ثم قال: هذا حديث صحيح وحكمه حكم الرفع إذ لا مجال للرأي في هذه الأمور).
قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد (واللفظ لإسحاق).
قالا: أخبرنا عبد الرزاق. قال: قال الثوري: فحدثني أبو إسحاق؛ أن الأغر حدثه عن أبي سعيد الخدري وأبى هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يُنادي مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبْأسوا أبداً" فذلك قوله عز وجل: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون).
(الصحيح ٤/٢١٨٢ ح ٢٨٣٧ - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب في دوام نعيم أهل الجنة... ).
قوله تعالى (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا قالوا نعم) قال: وجد أهل الجنة ما وعدوا من الثواب، وأهل النار ما وعدوا من عقاب.
قوله تعالى (فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين)
انظر سورة البقرة آية (١٥٨).
قوله تعالى (الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً وهم بالآخرة كافرون)
انظر آية (٨٦) من السورة نفسها.
قوله تعالى (وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يَطمعون)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وبينهما حجاب) ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أن بين أهل الجنة، وأهل النار حجاباً يوم القيامة، ولم يبين هذا الحجاب هنا، ولكنه بينه في سورة الحديد بقوله (فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب) الآية.
وانظر حديث ابن عمر في سورة الروم آية (٥٢) وفيه: وقف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قليب بدر فقال: "هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً".
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وبينهما حجاب) وهو "السور" وهو "الأعراف".
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (الأعراف) سور بين الجنة والنار.
قال الطبري بعد أن ساق أقوالا: والصواب من القول في أصحاب الأعراف أن يقال كما قال الله جل ثناؤه فيهم: هم رجال يعرفون كلا من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم.
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن أصحاب الأعراف، يعرفون كلا من أهل الجنة، وأهل النار بسيماهم، ولم يبين هنا سيما أهل الجنة، ولا أهل النار، ولكنه أشار لذلك في مواضع أخر، كقوله (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) الآية. فبياض الوجوه وحسنها؛ سيما أهل الحسنة وسوادها وقبحها، وزرقة العيون، سيما أهل النار، كما قال أيضاً في سيما أهل الجنة (تعرف في وجوههم نضرة النعيم) وقال (وجوه يومئذ ناضرة) الآية، وقال في سيما أهل النار (كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً) الآية، قال (ووجوه يومئذ عليها غبرة) الآية، وقال (ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً).
321
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) قال يعرفون أهل النار بسواد الوجوه، وأهل الجنة ببياض الوجوه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قال: أهل الأعراف يعرفون الناس فإذا مروا عليهم بزمرة يذهب بها إلى الجنة قالوا (سلام عليكم) يقول الله لأهل الأعراف: (لم يدخلوها وهم يطمعون) أن يدخلوها.
قوله تعالى (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قال: وإذا مروا بهم يعني بأصحاب الأعراف بزمرة يذهب بها إلى النار، قالوا (ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين).
قوله تعالى (ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (أصحاب الأعراف) رجال كانت لهم ذنوب عظام وكان حسم أمرهم لله، يقومون على الأعراف، فإذا نظروا إلى أهل الجنة طمعوا أن يدخلوها، وإذا نظروا إلى أهل النار تعوذوا بالله منها، فأدخلوا الجنة. فذلك قوله تعالى (أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) يعني أصحاب الأعراف (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون).
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن أصحاب الأعراف قالوا لرجال من أهل النار: يعرفونهم بسيماهم لم ينفعكم ما كنتم تجمعونه في الدنيا من المال، ولا كثرة جماعتكم وأنصاركم، ولا استكباركم في الدنيا.
وبين في مواضع أخر وجه ذلك: وهو أن الإنسان يوم القيامة، يحشر فرداً، لا مال معه، ولا ناصر، ولا خادم، ولا خول. وأن استكباره في الدنيا يجزي به عذاب الهون في الآخرة، كقوله (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم).
قوله تعالى (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) قال: من الطعام.
قوله تعالى (... إن الله حرمهما على الكافرين)
انظر حديث أبي هريرة في تفسير سورة الشعراء آية (٨٧) وفيه: "فيقول الله إني حرمت الجنة على الكافرين".
قوله تعالى (الذين اتخذوا دينهم لهو ولعبا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا) الآية قال: وذلك أنهم كانوا إذا دعوا إلى الإيمان سخروا ممن دعاهم إليه وهزأوا به اغترارا بالله.
وفي هذه الآية بيان لفريق المنافقين.
قوله تعالى (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون)
قال مسلم: حدثنا محمد بن أبي عمر حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فذكر حديث الرؤية إلى أن قال: قال: فيلقى العبد فيقول: أي فل، ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، قال فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول فإني أنساك كما نسيتني. ثم يلقى الثاني فيقول: أي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. أي رب! فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني... الحديث.
(الصحيح ٤/٢٢٧٩-٢٢٨٠ ح ٢٩٦٨ - ك الزهد والرقائق). ومعني أي فل: أي فلان.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) قال: نتركهم من الرحمة كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا.
قوله تعالى (ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون)
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن إعذاره إلى المشركين بإرسال الرسول إليهم بالكتاب الذي جاء به الرسول، وأنه كتاب مفصل مبين، كما قال تعالى (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت) الآية. وقوله (فصلناه على علم) أي: على علم منا بما فصلناه به، كما قال تعالى (أنزله بعلمه).
قوله تعالى (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله) قال: (تأويله) عاقبته.
قوله تعالى (يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (يقول الذين نسوه) قال: أعرضوا عنه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قول (قد خسروا أنفسهم) يقول: شروها بخسران.
قوله تعالى (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام) لم يفصل هنا ذلك، ولكنه فصله في سورة "فصلت" بقوله: (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا آتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها).
وانظر حديث خلق السموات والأرض في تفسير سورة البقرة آية (٢٩).
قوله تعالى (يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا) يقول: سريعاً.
قوله تعالى (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين)
انظر حديث ابن ماجة عن النعمان بن بشير الآتي عند الآية (٦٠) من سورة غافر.
وانظر حديث أبي موسى الأشعري في تفسير سورة البقرة آية (١٨٦). ولفظه: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة فجعلنا لا نصعد شرفاً ولا نعلو شرفاً ولا نهبط وادياً إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير فقال: "يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً... ".
قوله تعالى (إن رحمت الله قريب من المحسنين)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن رحمت الله قريب من المحسنين) ذكر في هذه الآية الكريمة: أن رحمته جل وعلا قريب من عباده المحسنين، وأوضح في موضع آخر صفات عبيده الذين سيكتبها لهم في قوله (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة) الآية.
قوله تعالى (وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلدٍ ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته) على قراءة عاصم بشراً بضم الباء الموحدة، وإسكان الشين: بشير.
لأنها تنتشر أمام المطر مبشرة به، وهذا المعنى يوضحه قوله تعالى (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات) الآية، وقوله (بين يدي رحمته)، يعني برحمته المطر كما جاء مبيناً في غير هذا الموضع كقوله (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته) الآية، وقوله (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته) إلى قوله (لعلكم تذكرون) قال: إن الله يرسل الريح فتأتي بالسحاب من بين الخافقين طرف السماء والأرض من حيث يلتقيان فيخرجه من ثمّ، ثم ينشره فيبسطه في السماء كيف يشاء، ثم يفتح أبواب السماء، فيسيل الماء على السحاب، ثم يمطر السحاب بعد ذلك. وأما (رحمته) فهو المطر.
قوله تعالى (كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله: (كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون) وكذلك تخرجون، وكذلك النشور، كما نخرج الزرع بالماء.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قول الله: (كذلك نخرج الموتى) قال: إذا أراد الله أن يخرج الموتى، أمطر السماء حتى تشقق عنهم الأرض، ثم يرسل الأرواح، فتعود كل روح إلى جسدها، كذلك يحيي الله الموتى بالمطر كإحيائه الأرض.
قوله تعالى (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبيث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لايخرج إلا نكدا) فهذا مثل ضربه الله للمؤمنين. يقول: هو طيب وعمله طيب، كما البلد الطيب ثمره طيب. ثم ضرب مثل الكافر كالبلدة السبخة المالحة التي يخرج منها النَّزُّ، فالكافر هو الخبيث، وعمله خبيث.
قوله تعالى (لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون)
انظر تفاصل قصة نوح وقومه وابنه في سورة هود آية (٢٥-٤١)، وسورة المؤمنون آية (٢٣-٣٠)، وسورة الشعراء آية (١٠٥-١٢٢)، وسورة نوح آية (١-٢٨).
قال مسلم: حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري، ومحمد بن عبيد الغُبري -واللفظ لأبي كامل- قالا: حدثنا أبو عوانة عن قتادة، عن أنس بن مالك؛ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:... فذكر حديث الشفاعة الطويل وفيه: "ولكن أئتوا نوحاً. أول رسول بعثه الله... ".
(الصحيح ١/١٨٠ ح ٣٢٢ - ك الأيمان، ب أدنى أهل الجنة منزلة)، وأخرجه البخاري في (صحيحه ح ٦٥٦٤ - ك الرقاق، ب صفة الجنة والنار).
قوله تعالى (أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتفوا ولعلكم ترحمون)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم) الآية. أنكر تعالى في هذه السورة الكريمة على قوم
نوح، وقوم هود عجبهم من إرسال رجل؛ وبين في مواضع أخر أن جميع الأمم عجبوا من ذلك. قال في عجب قوم نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ذلك (أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس)، وقال (بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم) الآية، وقال عن الأمم السابقة (ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد)، وقال (كذبت ثمود بالنذر فقالوا أبشراً منا واحداً نتبعه) الآية، وقال (ولئن اتبعتم بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون).
قوله تعالى (فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوماً عمين)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا). لم يبين هنا كيفية إغراقهم، ولكنه بينها في مواضع أخر كقوله (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) الآية، وقوله (فأخذهم الطوفان وهم ظالمون).
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (عمين) قال: عن الحق.
قوله تعالى (وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) أن عاداً أتاهم هود، فوعظهم وذكرهم بما قص الله في القرآن، فكذبوه وكفروا، وسألوه أن يأتيهم العذاب، فقال لهم (إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به) سورة الأحقاف: ٢٣، وإن عاداً أصابهم حين كفروا قحوط المطر، حتى جهدوا لذلك جهدا شديدا، وذلك أن
هودا دعا عليهم فبعت الله عليهم الريح العقيم، وهي الريح التي لا تلقح الشجر.
فلما نظروا إليهم قالوا (هذا عارض ممطرنا) سورة الأحقاف: ٢٤، فلما دنت منهم، نظروا إلى الإبل والرجال تطير بهم الريح بين السماء والأرض. فلما رأوها تبادروا إلى البيوت، فلما دخلوا البيوت، دخلت عليهم فأهلكتهم فيها، ثم أخرجتهم من البيوت، فأصابتهم "في يوم نحس" والنحس، هو الشؤم و"مستمر" استمر عليهم بالعذاب "سبع ليال وثمانية أيام حسوماً حسمت كل شيء مرت به، فلما أخرجتهم من البيوت قال الله (تنزع الناس) من البيوت (كأنهم أعجاز نخل منقعر) سورة القمر: ٢٠، انقعر من أصوله "خاوية" خوت فسقطت. فلما أهلكهم الله، أرسل عليهم طيرا سودا، فنقلتهم إلى البحر فألقتهم فيه، فذلك قوله (فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم)
سورة الأحقاف: ٢٥، ولم تخرج ريح قط إلا بمكيال، إلا يومئذ، فإنه عتت على الخزنة فغلبتهم، فلم يعلموا كم كان مكيالها، وذلك قوله (فأهلكوا بريح صرصر عاتية) سورة الحاقة: ٦، و"الصرصر" ذات صوت شديد.
قوله تعالى (أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون)
انظر آية (٦٣) من السورة نفسها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وزادكم في الخلق بسطة) قال: ما لقوه قوم عاد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فاذكروا آلاء الله) أى: نعم الله.
قوله تعالى (قد وقع عليكم من ربكم رجس)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قد وقع عليكم من ربكم رجس) يقول: سخط.
وانظر سورة هود آية (٥٠-٦٠) وسورة المؤمنون آية (٣١-٤١).
قوله تعالى (فأنجيناه والذين معه برحمة هنا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا) الآية.
لم يبين هنا كيفية قطعه دابر عاد، ولكنه بينه في مواضع أخر كقوله (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية) الآية، وقوله (وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) الآية، ونحو ذلك من الآيات.
قوله تعالى (وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم بعذاب أليم)
قال أحمد: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر قال: لما مرَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحجر قال: "لا تسألوا الآيات، وقد سألها قوم صالح فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها، فكانت تشرب ماءهم يوماً ويشربون لبنها يوماً، فعقروها فأخذتهم صيحة، أهمد الله من تحت أديم السماء منهم إلا رجلاً واحداً، كان في حرم الله عز وجل "قيل: من هو يا رسول الله؟ قال: "هو أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه".
(المسند ٣/٢٩٦)، وأخرجه الطبري (التفسير ١٢/٥٣٧ ح ١٤٨١٧) عند الآية (٧٣) من الأعراف، والحاكم (المستدرك ٢/٣٢٠) كلاهما من طريق إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق به.
قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصححه الذهبي على شرطهما. وقال ابن كثير: على شرط مسلم (التفسير ٢/٣٦٤). وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان ١٤/٧٧ ح ٦١٩٧)، وأخرجه الحاكم (المستدرك ٢/٣٤٠-٣٤١) من طريق: مسلم بن خالد، عن ابن خثيم به، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وحسن ابن حجر إسناده (فتح الباري ٦/٢٧٠). وعزاه الهيثمي لأحمد والبزار والطبراني في الأوسط وقال ورجال أحمد رجال الصحيح (المجمع ٦/١٩٤ و٧/٣٨).
قوله تعالى (وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وتنحتون الجبال بيوتا) كانوا ينقبون في الجبال البيوت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) يقول: لا تسيروا في الأرض مفسدين.
قوله تعالى (فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين فأخذتهم الرجفة فأصبحوا دارهم جاثمين)
قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة أن عقرها باشرته جماعة، ولكنه تعالى بين في سورة القمر: أن المراد أنهم نادوا واحداً منهم. فباشر عقرها، وذلك في قوله تعالى (فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر).
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وعتوا عن أمر ربهم) قال: علوا في الباطل.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا) الآية.
لم يبين هنا هذا الذي يعبدهم به، ولكنه بين في مواضع أخر أنه العذاب كقوله (ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب) وقوله هنا (فيأخذكم عذاب أليم) وقوله (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب)، ونحو ذلك من الآيات.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين). لم يبين هنا سبب رجفة الأرض بهم، ولكنه بين في موضع آخر أن سبب ذلك صيحة الملك بهم، وهو قوله (وأخذ الذين ظلموا الصيحة) الآية.
والظاهر أن الملك لما صاح بهم رجفت بهم الأرض من شدة الصيحة، وفارقت أرواحهم أبدانهم -والله جل وعلا أعلم-.
قال البخاري: حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدثني مالك، عن عبد الله ابن دينار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، لا يُصيبكم ما أصابهم".
(الصحيح ١/٦٣١ ح ٤٣٣ - ك الصلاة، ب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب)، وأخرجه مسلم (الصحيح ٤/٢٢٨٥ ح ٢٩٨٠ - ك الزهد، ب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين).
وانظر حديث البخاري عن عبد الله بن زمعة تحت الآية (١٢) من سورة الشمس.
وانظر حديث أحمد عن جابر المتقدم عند الآية رقم ٧٣ من السورة نفسها.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (الرجفة) قال: الصيحة.
قوله تعالى (فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي) الآية. بين تعالى هذه الرسالة التي أبلغها نبيه صالح إلى قومه في آيات كثيرة كقوله (وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم).
قوله تعالى (ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين..).
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين). بين تعالى أن المراد بهذه الفاحشة اللواط بقوله بعده (إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء) الآية، وبين ذلك أيضاً بقوله (أتأتون الذكران من العالمين) وقوله (وتأتون في ناديكم المنكر).
قال الترمذي: حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا همام، عن القاسم بن عبد الواحد المكي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابراً يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط".
(السنن ٤/٥٨ ح ١٤٥٧ - ك الحدود، ب ما جاء في حد اللوطي)، وأخرجه ابن ماجة (السنن ٢/٨٥٦ ح ٢٥٦٣ - ك الحدود، ب من عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط) من طريق عبد الوارث بن سعيد. وأحمد (المسند ٣/٣٨٢)، والحاكم (المستدرك ٤/٣٥٧) كلاهما من طريق همام، كلهم عن القاسم به. قال الترمذي: حديث حسن غريب. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وقال الألباني: حسن (صحيح الترمذي ح ١١٧٨).
قال أحمد: حدثنا عبد الرحمن، عن زهير عن عمرو -يعني ابن أبي عمرو- عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من غَيَّر تخوم الأرض، ولعن الله من كمه الأعمى عن السبيل ولعن الله من سب والده -وفي في رواية: والديه- ولعن الله من تولى غير مواليه، ولعن الله من عمل عمل قوم لوط، ولعن الله من عمل عمل قوم لوط، ولعن الله من عمل عمل قوم لوط".
(المسند ١/٣٠٩)، وأخرجه ابن حبان في صححه (الإحسان ١٠/٢٦٥ ح ٤٤١٧) من طريق عبد الملك ابن عمرو. والحاكم (المستدرك ٤/٣٥٦) من طريق عبد الله بن مسلمة، كلاهما عن زهير بن محمد به.
وأخرجه الحاكم بعده من طريق الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو به، وزاد فيه: "لعن الله من وقع على بهيمة". قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الشيخ الأرناؤوط في حاشية الإحسان: إسناده على شرط الشيخين.
وانظر قصة قوم لوط ومصيرهم في سورة هود آية (٧٧-٨٣) وجاءت مفصلة مفسرة في سورة الحجر آية (٥١-٧٥).
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد بن علي النفيلي، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به".
(السنن ٤/١٥٨ ح ٤٤٦٢ - ك الحدود، ب فيمن عمل عمل قوم لوط)، وأخرجه الترمذي (السنن ٤/٥٧ ح ١٤٥٦ - ك الحدود، ب ما جاء في حد اللوطي) عن محمد بن عمرو السواق.
وابن ماجة (السنن ٢/٨٥٦ ح ٢٥٦١ - ك الحدود، ب من عمل عمل قوم لوط) عن محمد بن الصباح وأبي بكر بن خلاد كلهم عن عبد العزيز بن محمد به. والحاكم (المستدرك ٤/٣٥٥) من طريق سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو به. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الألباني: صحيح (صحيح سنن الترمذي ح ١١٧٧).
قوله تعالى (إنهم أناس يتطهرون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (إنهم أناس يتطهرون) قال: يتحرجون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنهم أناس يتطهرون) يقول: عابوهم بغير عيب، وذموهم بغير ذم.
قوله تعالى (فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فأنجياه وأهله) ظاهر هذه الآية الكريمة أنه لم ينج مع لوط إلا خصوص أهله، وقد بين تعالى ذلك في "الذاريات": بقوله (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) وقوله هنا (إلا امرأته كانت من الغابرين) أوضحه في مواضع أخر فبين أنها خائنة، وأنها من أهل النار وأنها واقعة فيما أصاب قومها من الهلاك، قال فيها: هي وامرأة نوح (وضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين) وقال فيها وحدها: أعني امرأة لوط (إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم) الآية، وقوله هنا في قوم لوط (وأمطرنا عليهم مطراً فانظر كيف كان عاقبة المجرمين).
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (إلا عجوزا من الغابرين) (سورة الشعراء: ١٧١، سورة الصافات: ١٣٥) في الباقين في عذاب الله.
والآية الواردة في سورة الشعراء مبينة للآية المذكورة أعلاه.
قوله تعالى (وأمطرنا عليهم مطراً فانظر كيف كان عاقبة المجرمين)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا هذا المطر ما هو، ولكنه بين في مواضع أُخر أنه مطر حجارة أهلكهم الله بها كقوله (وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل) وأشار إلى أن السجيل الطين بقوله في "الذاريات" (لنرسل عليهم حجارة من طين)، وبين أن هذا المطر سوء لا رحمة بقوله (ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء) وقوله تعالى في "الشعراء" (وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين).
قوله تعالى (وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيرة قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً)
انظر سورة هود آية (٨٤-٩٤).
أحرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) قال: لا تظلموا الناس أشياءهم.
أحرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به) قال: كانوا يجلسون في الطريق فيخبرون من أتي عليهم: أن شعيباً عليه السلام كذاب، فلا يفتنكم عن دينكم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وتصدون عن سبيل الله) قال: أهلها (وتبغونها عوجاً) تلتمسون لها الزيغ.
قوله تعالى (وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (٨٧) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ علماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (٨٩) وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (٩٠) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٩١) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ). بين تعالى حكمه الذي حكم به بينهم بقوله (ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة) وقوله (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين) وقوله (الذين كذبوا شعيباً كان لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علماً على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق)
يقول: ما ينبغي لنا أن نعود في شرككم بعد إذ نجانا الله منها، إلا أن يشاء الله ربنا، فالله لا يشاء الشرك، ولكن نقول: إلا أن يكون الله قد علم شيئا فإنه وسع كل شيء علماً.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) يقول: اقض بيننا وبين قومنا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (كأن لم يغنوا فيها) يقول: كأن لم يعيشوا فيها.
قوله تعالى (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (٩٣) وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين). بين جل وعلا الرسالات التي أبلغها رسوله شعيب إلى قومه في آيات كثيرة كقوله (وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان) الآية ونحوها من الآيات، وبين نصحه لهم في آيات كثيرة كقوله (ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هوم أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد)
الآية وقوله تعالى (فكيف آسى على قوم كافرين) أنكر نبي الله شعيب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام الأسى أي الحزن على الكفار إذا أهلكهم الله بعد إبلاغهم، وإقامة الحجة عليهم مع تماديهم في الكفر والطغيان لجاجاً وعناداً.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فكيف آسى) يعني: فكيف أحزن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (أخذنا أهلها بالبأساء والضراء) يقول: بالفقر والجوع.
انظر سورة البقرة آية (١٧٧) وسورة الأنعام آية (٤٢).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة) يقول: مكان الشدة الرخاء.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (حتى عفوا) قال: حتى سّروا بذلك.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (حتى عفوا) قال: كثرت أموالهم وأولادهم.
قوله تعالى (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن قلة إيمان أهل القرى الذين أرسل فيهم الرسل، كقوله تعالى (فلولا كانت قرية أمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين).
قوله تعالى (أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أولم يهد) أولم نبين لهم أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم. ا. هـ.
وتفسير ابن عباس في الطبري بلفظ (أولم يبين) وقد أكملناه من تفسير ابن كثير لأنه اعتمد على نسخة أكمل من النسخه التى بين أيدينا.
انظر سورة البقرة آية (٧) لبيان (ونطبع على قلوبهم)
وانظر سورة طه آية (١٢٨)، وسورة السجدة آية (٢٦).
قوله تعالى (تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين)
قال ابن كثير: لما قص تعالى على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خبر قوم نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وما كان من إهلاكه الكافرين وإنجائه المؤمنين، وأنه تعالى أعذر إليهم بأن بين لهم الحق بالحجج على ألسنة الرسل صلوات الله عليهم أجمعين، قال تعالى (تلك القرى نقص عليك) أي: يا محمد (من أنبائها) أي: من أخبارها، (ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات) أي: بالحجج على صدقهم فيما أخبروهم به، كما قال تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) وقال تعالى (ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولكن ظلموا انفسهم).
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (تلك القرى نقص عليك من أنبائها) الآية. ذكر أنباءهم مفصلة في مواضع كثيرة. كالآيات التى ذكر فيها خبر نوح وهود، وصالح ولوط، وشعيب وغيرهم، مع أممهم صلوات الله وسلامه عليهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل) قال: ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرها.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (بما كذبوا من قبل) قال: كقوله (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي بن كعب (فما كانو ليؤمنوا بما كذبوا من قبل) قال: كان في علمه يوم أقروا له بالميثاق.
انظر الآية السابقة لبيان (كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين).
قوله تعالى (وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين)
اُخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أُبي بن كعب (وما وجدنا لأكثرهم من عهد) قال: في الميثاق الذي أخذه في ظهر آدم عليه السلام.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تبارك وتعالى (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) قال: القرون السابقة.
قوله تعالى (ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها) الآية. بين تعالى هنا أن فرعون وملأه ظلموا بالآيات التي جاءهم بها موسى، وصرح في النمل بأنهم فعلوا ذلك جاحدين لها، مع أنهم مستيقنون أنها حق لأجل ظلمهم وعلوهم؛ وذلك في قوله (فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً).
قوله تعالى (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (فإذا هي ثعبان مبين) قال: تحولت حية عظيمة.
قوله تعالى (ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ونزع يده فإذا هى بيضاء للناظرين).
ذكر تعالى هنا أن موسى نزع يده فإذا هي بيضاء، ولم يبين أن ذلك البياض خال من البرص، ولكنه بين ذلك في سورة: "النمل" و"القصص" في قوله فيهما (تخرج بيضاء من غير سوء) أي من غير برص.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (بيضاء للناظرين) يقول: من غير برص.
قوله تعالى (أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أرجه وأخاه) أي: أحبسه وأخاه.
أخرج الطبري بسنده ثابت عن ابن عباس: (وأرسل في المدائن) قال: الشرط.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وأرسل في المدائن حاشرين) فحشروا عليه السحرة (وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين) يقول: عطية تعطينا (إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين).
قوله تعالى (قالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون نحن الملقين قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم). لم يبين هنا هذا السحر العظيم ما هو؟ ولم يبين هل أوجس موسى في نفسه الخوف منه؟ ولكنه بين كل ذلك في "طه" بقوله (فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى). ولم يبين هنا أنهم تواعدوا مع موسى موعداً لوقت مغالبته مع السحرة، وأوضح ذلك في سورة "طه" في قوله عنهم (فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوى قال موعدكم يوم الزينة) الآية.
قوله تعالى (وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فماذا هي تلقف ما يأفكون)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك) فالقى موسى عصاه فتحولت حية فأكلت سحرهم كله.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد فيقول الله (يأفكون) قال: يكذبون.
قوله تعالى (فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (فوقع الحق) قال: ظهر الحق.
قوله تعالى (وألقى السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين قالوا إنا إلى ربنا منقلبون وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لَما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين)
أخرج الطبري بسند ثابت عن ابن عباس قال: لما رأت السحرة ما رأت، عرفت أن ذلك أمر من السماء وليس بسحر، فخروا سجدا، وقالوا: (آمنا برب العالمين رب موسى وهارون).
انظر قصة إيمان السحرة في سورة طه آية (٧٠-٧٥).
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ثم لأصلبنكم أجمعين) لم يبين هنا الشىء الذي توعدهم بأنهم يصلبهم فيه، ولكنه بينه في موضع آخر، كقوله في "طه" (ولأصلبنكم في جذوع النخل) الآية.
قوله تعالى (وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ويذرك وآلهتك) قال: يترك عبادتك.
قوله تعالى (قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (من قبل أن تأتينا) من قبل إرسال الله إياك وبعده.
قوله تعالى (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (بالسنين)، الجائحة (ونقص من الثمرات) دون ذلك.
قوله تعالى (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون)
قال البخاري: حدثني عبد الله بن محمد حدثنا عثمان بن عمر حدثنا يونس عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا عدوى ولا طيرة، والشؤم في ثلاث: في المرأة، والدار، والدابة".
(الصحيح ١٠/٢٢٣ ح ٥٧٥٣ - ك الطب، ب الطيرة)، وأخرجه مسلم (الصحيح ٤/١٧٤٦ ح ٢٢٢٣ - ك السلام، ب الطيرة والفأل... ).
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (فإذا جاءتهم الحسنة) العافية والرخاء (قالوا لنا هذه) نحن أحق بها (وإن تصبهم سيئة) بلاء وعقوبة (يطيروا) يتشاءموا بموسى.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه) ذكر تعالى في هذ الآية الكريمة: أن فرعون وقومه إن أصابتهم سيئة أي قحط وجدب ونحو ذلك، تطيروا بموسى وقومه فقالوا: ما جاءنا هذا الجدب والقحط إلا من شؤمكم، وذكر مثل هذا عن بعض الكفار مع نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله (وإن تصيبهم سيئة يقولوا هذه من عندك) الآية. وذكر نحوه أيضاً عن قوم صالح مع صالح في قوله (قالوا اطيرنا بك وبمن معك) الآية. وذكر نحو ذلك أيضاً عن القرية التي جاءها المرسلون في قوله (قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) الآية. وبين تعالى أن شؤمهم من قبل كفرهم، ومعاصيهم.
لا من قبل الرسل قال في "الأعراف" (ألا إنما طائرهم عند الله) وقال في سورة "النمل" في قوم صالح (قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون) وقال في "يس" (قالوا طائركم معكم) الآية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ألا إنما طائرهم عند الله) قال: مصائبهم عند الله، قال الله: (ولكن أكثرهم لا يعلمون)
قوله تعالى (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (الطوفان) الماء والطاعون علي كل حال.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (القمل) الدّبي.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فكانت آيات مفصلات بعضها في إثر بعض، ليكون الله الحجة عليهم، فأخذهم الله بذنوبهم، فأغرقهم في اليمّ.
قوله تعالى (ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز)
قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن محمد بن المنكدر وأبى النضر، مولى عمر بن عبيد الله، عن عامر بن سعد ابن أبي وقاص، عن أبيه، أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد: ماذا سمعت من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الطاعون؟ فقال أسامة: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الطاعون رِجز أو عذاب أرسل على بني إسرائيل -أو على من كان قبلكم- فإذا سمعتم به بأرض، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فراراً منه".
وقال أبو النضر "لا يخرجكم إلا فرار منه".
(الصحيح ٤/١٧٣٧ ح ٢٢١٨ - ك السلام، ب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها) وأخرجه البخاري في (الصحيح ح ٦٩٧٤ - ك الحيل، ب ما يكره من الاحتيال في الفرار من الطاعون).
قوله تعالى (فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (الرجز) العذاب.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (إلى أجل هم بالغوه) قال: عدد مسمى من أيامهم.
قوله تعالى (فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليمّ بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين)
انظر سبب غرقهم مفصلاً في سورة طه آية (٧٧-٧٨).
قوله تعالى (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التى باركنا فيها)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التى باركنا فيها) قال: التي بارك فيها الشام.
قال ابن كثير: وأخبر تعالى أنه أورث القوم الذين يستضعفون -وهم بنو إسرائيل- (مشارق الأرض ومغاربها) كما قال تعالى (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين. ونمكن لهم في الأرض ونُريَ فرعون وهامان وجنودهما منهم ماكانوا يحذرون)، وقال تعالى (كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك واورثناها قوماً آخرين).
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها) الآية. لم يبين هنا من هؤلاء القوم، ولكنه صرح في سورة "الشعراء" بأن المراد بهم بنو إسرائيل لقوله في القصة بعينها (كذلك وأورثناها بني إسرائيل) الآية، وأشار إلى ذلك هنا بقوله بعده (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل).
قوله تعالى (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل) الآية. لم يبين هنا هذه الكلمة الحسنى التي تمت عليهم، ولكنه بينها في
القصص بقوله (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون).
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل) قال: ظهور قوم موسى على فرعون، وتمكين الله في الأرض ماورثهم منها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وماكانوا يعرشون) يقول: يبنون.
قوله تعالى (قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة)
قال الترمذي: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان، عن أبي واقد الليثي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمّا خرج إلى خيبر مرَّ بشجرة للمشركين يُقال لها ذات أنواطٍ يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذاتُ أنواط فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سبحان الله هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة والذي نفسي بيده لتركبن سُنّة من كان قبلكم.
(السنن ٤/٤٧٥ ح ٢١٨٠ - ك الفتن، ب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم)، وأخرجه النسائي (التفسير ١/٤٩٩ ح ٢٠٥)، وأحمد (المسند ٥/٢١٨) كلاهما: من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري به. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الأحسان ١٥/٩٤ ح ٦٧٠٢) من طريق يونس عن الزهري به. وعند أكثر هؤلاء: لحنين "بدل لخبير" وهو الصواب كما في نسخة معتمدة من سنن الترمذي. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الألباني. صحيح (صحيح الترمذي ح ١٧٧١) وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.. (حاشية الإحسان).
قوله تعالى (إن هؤلاء متبّر ماهم فيه)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (اِن هؤلاء متبر ماهم فيه) يقول: خسران.
قوله تعالى (قال أغير الله أبغيكم إلهاً وهو فضلكم على العالمين)
انظر سورة البقرة آية (٤٧).
قوله تعالى (وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم)
انظر سورة البقرة آية (٤٩-٥٠).
قوله تعالى (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين)
انظر سورة البقرة آية (٥١).
قال ابن كثير: فلما تم الميقات عزم موسى على الذهاب إلى الطور، كما قال تعالى (يابني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن) الآية، فحينئذ استخلف موسى على بني إسرائيل أخاه هارون، وأوصاه بالإصلاح وعدم الإفساد وهذا تنبيه وتذكير، وإلا فهارون عليه السلام نبي شريف كريم على الله، وله وجاهة وجلالة صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء.
قوله تعالى (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني)
قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن عمرو بن يحيى المازنى، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: جاء رجل من اليهود إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد لُطم وجهه وقال: يا محمد إن رجلاً من أصحابك من الأنصار لطم وجهي. قال: "ادعوه"، فدعوه، قال: "لِمَ لطمتَ وجهه؟ " قال: يا رسول الله، إني مررت باليهود، فسمعته يقول: والذي اصطفى موسى على البشر. فقلت: وعلى محمد؟ وأخذتني غضبة فلطمته. قال: "لا تخيّروني من بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يُفيق،
فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جُزي بصعقة الطور".
(الصحيح ٨/١٥٢-١٥٣ ح ٤٦٣٨ -ك التفسير- سورة الأعراف، ب الآية)، وأخرجه مسلم (الصحيح٤/١٨٤٣ - ك الفضائل، ب من فضائل موسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -).
قوله تعالى (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً)
قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ هذه الآية: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً) قال حماد: هكذا وأمسك سليمان بطرف إبهامه على أنملة إصبعه اليمنى قال: فساخ الجبل (وخر موسى صعقاً).
(السنن ٥/٢٦٥ ح ٣٠٧٤ - ك تفسير القرآن، ب ومن سورة الأعراف) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة. وأخرجه أحمد في المسند (٣/١٢٥)، وابن خزيمة في التوحيد (١/٢٥٨-٢٦٣ ح ١٦٢-١٦٦)، والحاكم في المستدرك (٢/٣٢٠-٣٢١ -ك التفسير)، والضياء المقدسي في (المختارة ٥/٥٤-٥٧ ح ١٦٧٢-١٦٧٥) من طرق عن حماد بن سلمة به. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وابن الملقن. وقال ابن كثير: إسناد صحيح لا علة فيه).
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (دكا) قال: دك بعضه بعضاً.
قوله تعالى (فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) يقول: أنا أول من يؤمن أنه لايراك شيء من خلقك.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وأنا أول المؤمنين)، أنا أول قومي إيماناً.
قوله تعالى (وكتبنا له في الألواح من كل شيء)
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان قال: حفِظناه من عمرو، عن طاوُس: سمعت أبا هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "احتجّ آدم وموسى، فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا، خيبتنا وأخرجتنا من الجنة. قال له آدم: يا موسى اصفاك الله بكلامه وخطّ لك بيده، أتلومني على أمر قدّره الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحجّ آدم موسى، فحجّ آدم موسى "ثلاثا".
(الصحيح ١١/ ٥١٣ ح ٦٦١٤ - ك القدر، ب تحاج آدم وموسى عند الله).
قوله تعالى (موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأُريكم دار الفاسقين)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أو: سعيد بن جبير، وهو في أصل كتابي: عن سعيد بن جبير في قول الله: (وتفصيلا لكل شيء) قال: ما أمروا به ونهوا عنه.
أخرج الطبري بسند صحيح عن عكرمة، عن ابن عباس: (فخذها بقوة) قال بجد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وأمر قومك يأخذوا بأحسنها) بأحسن ما يجدون فيها.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (سأريكم دار الفاسقين) قال: مصيرهم في الآخرة.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (سأريكم دار الفاسقين) قال: منازلهم.
قوله تعالى (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها)
قال ابن كثير: يقول تعالى (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) أي: سأمنع فهم الحجج والأدلة الدالة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي، ويتكبرون على الناس بغير حق، أي: كما استكبروا بغير حق أذلهم الله بالجهل، كما قال تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة)، وقال تعالى (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم). وقوله (وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها)، كما قال تعالى (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم).
قوله تعالى (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلاً جسداً له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلاً اتخذوه وكانوا ظالمين)
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن ضلال من ضل من بني إسرائيل في عبادتهم العجل، الذي اتخذه لهم السامري من حُلي القبط، الذي كانوا استعاروه منهم، فشكل منه عجلاً، ثم ألقى فيه القبضة من التراب التي أخذها من أثر فرس جبريل عليه السلام، فصار عجلاً جسداً له خوار (والخوار) صوت البقر.
وكان هذا منهم بعد ذهاب موسى لميقات ربه تعالى، وأعلمه الله تعالى بذلك وهو على الطور، حيث يقول تعالى إخباراً عن نفسه الكريمة (قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري).
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلاً اتخذوه وكانوا ظالمين). بين في هذه الآية الكريمة سخافة عقول عبدة العجل، ووبخهم على أنهم يعبدون مالا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا، وأوضح هذا في سورة طه، بقوله (أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً) الآية.
قوله تعالى (ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين). بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن عبدة العجل اعترفوا بذنوبهم وندموا على ما فعلوا. وصرح في سورة البقرة بتوبتهم ورضاهم بالقتل وتوبة الله جل وعلا عليهم بقوله (وإذا قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم).
أوضح الله ما ذكره هنا بقوله في "طه" (قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا) الآية.
قوله تعالى (ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح..)
قال أحمد: حدثنا سريج بن النعمان حدثنا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس الخبر كالمعاينة، إن الله عز وجل أخبر موسى بما صنع قومه في العجل فلم يلق الألواح، فلما عاين ماصنعوا ألقى الألواح فانكسرت".
(المسند ١/٢٧١)، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان ١٤/٩٦ ح ٦٢١٣) من طريق الحسن بن سفيان. والحاكم (المستدرك ٢/٣٢١) من طريق العباس بن محمد الدوري، كلاهما عن سريج بن النعمان به، وليس عندهما قوله: "فانكسرت". قال الحاكم. صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي لأحمد والبزار والطبراني في (الأوسط)، ثم قال: رجاله رجال الصحيح (المجمع ١/١٥٣)، وصححه ابن حبان. وأخرجه ابن أبي حاتم (التفسير - الأعراف /١٥٠ - ح ١٠٠٤)، وابن حبان (الإحسان ح ٦٢١٤)، والحاكم (المستدرك ٢/٣٨٠) من طرق، عن أبي عوانة، عن سعيد بن جبير بنحوه. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
وصححه الألباني في (تخريج أحاديث المشكاة ح ٥٧٣٨).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (أسفاً) قال: حزيناً.
قوله تعالى (وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أمّ إن القوم استضعفوني) الآية. أشار تعالى في هذه الآية الكريمة إلى ما اعتذر به نبي الله هارون لأخيه موسى عما وجهه إليه من اللوم، وأوضحه في "طه" بقوله (قال يا ابن أمّ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي) وصرح الله تعالى ببراءته بقوله (ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى).
أخرج الطبري بسند صحيح عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما رجع موسى إلى قومه، وكان قريبا منهم، سمع أصواتهم، فقال: إني أسمع أصوات قوم لاهين: فلما عاينهم وقد عكفوا على العجل، ألقى الألواح فكسرها، وأخذ برأس أخيه يجره إليه.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا تجعلني مع القوم الظالمين) قال: أصحاب العجل.
وانظر قصة السامري الذي صنع من حليهم عجلاً له خوار، في سورة طه آية (٧٨-٩٨).
قوله تعالى (إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين)
قال ابن كثير: أما الغضب الذي نال بني إسرائيل في عبادة العجل، فهو أن الله تعالى لم يقبل لهم توبة، حتى قتل بعضهم بعضاً، كما تقدم في سورة البقرة (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم).
وعن الذلة انظر سورة البقرة آية (٦١) قوله تعالى (وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله).
قوله تعالى (واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكناهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (فلما أخذتهم الرجفة) ماتوا ثم أحياهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء)، إن هو إلا عذابك تصيب به من تشاء، وتصرفه عمن تشاء.
قوله تعالى (واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفى الآخرة إنّا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء)
انظر سورة البقرة آية (٢٠١).
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (إنّا هدنا إليك)، يقول: تبنا إليك.
قال أحمد: ثنا حسن وروح قالا: ثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "افتخرت الجنة والنار فقالت النار يارب يدخلني الجبابرة والمتكبرون والملوك والأشراف وقالت الجنة رب يدخلني الضعفاء والفقراء والمساكين فيقول الله تبارك وتعالى للنار أنت عذابي أصيب بك من أشاء وقال للجنة أنت رحمتي وسعت كل شيء ولكل واحدة منكما ملؤها فيلقي في النار أهلها... " الحديث.
(المسند ٣/١٣ و ٧٨ واللفظ للأول)، وأخرجه أيضاً ابن أبي عاصم في السنة (ح ٥٢٨)، وأبو يعلى في مسنده (ح ١٣١٣)، وابن خزيمة في التوحيد (١/٢١٤-٢١٥ رقم ١٢١)، وابن حبان في صحيحه (١٦/٤٩٢ رقم ٧٤٥٤) من طرق عن حماد بن سلمة به. وقال الألباني في (ظلال الجنة ١/٢٣٣) : حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح، غير أن عطاء بن السائب كان اختلط، وحماد ابن سلمة روى عنه في الأختلاط وقبله، فلا يحتج به بحديثه عنه إلا إذا تبين أنه سمعه منه، قبل، وهيهات. ولكن الحديث صحيح لمجيئه من طريق أخرى عن أبي سعيد... ، يشير إلى ما أخرجه مسلم في (صحيحه ح ٢٨٤٧ - ك الجنة، ب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء)، ولم يسق لفظه بل أحال على
لفظ حديث أبى هريرة الآتي. وأحمد (٣/٧٩) وغيرهما من طريق أبي صالح عن أبي سعيد مرفوعاً، ولفظ أحمد: "... قال: فقضى بينهما: إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من اشاء... ". وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعاً عند البخاري (ح ٤٨٥٠ - ك التفسير، (وتقول هل من مزيد)، ومسلم (ح ٢٨٤٦ - ك الجنه، ب النار يدخلها الجبارون)، بنحو لفظ أبي صالح عن أبي سعيد، ولفظ لمسلم: "أنت عذابي أعذب بك من أشاء، وربما قال أصيب بك من أشاء".
قوله تعالى (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون)
قال ابن أبي شيبة: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن داود عن أبي عثمان عن سلمان قال: خلق الله مائة رحمة فجعل منها رحمة بين الخلائق، كل رحمة أعظم ما بين السماء والأرض فيها تعطف الوالدة على ولدها وبها شرب الطير والوحش الماء فإذا كان يوم القيامة قبضها الله من الخلائق فجعلها والتسع والتسعين للمتقين فذلك قوله (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون).
(المصنف ١٣/١٨٢ ح ١٦٠٥٣) وإسناده صحيح عن سلمان، رجاله كلهم ثقات، وقد أخرجه مسلم في (صحيحه ٤/٢١٠٩ - ك التوبه، ب في سعة رحمة الله تعالى) من طريق أبي معاوية عن داود ابن أبي هند عن أبي عثمان عن سلمان مرفوعاً لكن بدون ذكر الآية، وبدون قوله (للمتقين).
وانظر ما تقدم في سورة الفاتحة عند قوله تعالى (الرحمن الرحيم).
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة والحسن في قوله: (ورحمتي وسعت كل شيء) قالا: وسعت في الدنيا البر والفاجر، وهي يوم القيامة للذين اتقوا خاصة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فسأكتبها للذين يتقون)، يعنى الشرك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فسأكتبها للذين يتقون)، معاصى الله.
قوله تعالى (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والأنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث... )
انظر حديث البخاري الآتي عند الآية رقم (٢) من سورة الجمعة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمى) هذا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال البخاري: حدثنا محمد بن سنان، حدثنا فليح، حدثنا هلال، عن عطاء ابن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قلتُ: أخبرني عن صفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التوراة، قال: أجل. والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولى، سمّيتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، لا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يُقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله ويُفتح بها أعيُن عمي وأذان صم وقلوب غلف). تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال عن عطاء عن ابن سلام. غلف: كل شيء في غلاف، سيف أغلف، وقوس غلفاء، ورجل أغلف: إذا لم يكن مختوناً.
(الصحيح ٤/٤٠٢ ح ٢١٢٥ - ك البيوع، ب كراهية السخب في الأسواق).
وانظر حديث أحمد عن واثلة بن الأسقع المتقدم تحت الآية (٣-٤) من سورة آل عمران. وهو حديث: "أنزلت التوراة لست مضين... ".
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال الله: (الذي يجدونه مكتوباً عندهم)، يقول: يجدون نعته وأمره ونبوته مكتوبا عندهم.
قال النسائي: أخبرنا سويد قال: أنبأنا عبد الله، عن معمر، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، عن أبيه قال: سمعت عثمان - رضي الله عنه - يقول: اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم تعبّد، فعلقته امرأة غوية، فأرسلت إليه جاريتها فقالت له: إنا ندعوك للشهادة. فانطلق مع جاريتها، فطفقت كلما دخل باباً أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك للشهادة ولكن دعوتك لتقع عليّ أو تشرب من هذه الخمرة كأساً أو تقتل هذا الغلام قال: فاسقيني من
354
هذا الخمر كأساً، فسقته كأساً قال: زيدوني، فلم يرمْ حتى وقع عليها وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر فإنها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر إلا ليوشك أن يُخرج أحدهما صاحبه.
(السنن ٨/٣١٥ - ك الأشربة، ب ذكر الآثام المتولدة عن شرب الخمر)، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان ١٢/١٦٨-١٦٩ ح ٥٣٤٨) من طريق عمر بن سعيد عن الزهري به مرفوعاً.
وأخرجه الضياء من طريق ابن إسحاق عن الزهري مختصرا بلفظ: "فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سماها أم الخبائث" (المختارة ١/٤٦٤ ح ٣٣٨)، وقال الدارقطني: والموقوف هو الصواب (العلل ٣/٤١). وذكره ابن كثير في تفسير سورة المائدة ٣/١٨٠ وقال: وهذا إسناد صحيح. وقال الألباني في (صحيح سنن النسائي ٣/ ١١٤٧ ح ٥٢٣٦) : صحيح موقوف.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ويحرم عليهم الخبائث)، وهو لحم الخنزير والربا، وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المأكل التى حرمها الله.
قوله تعالى (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم)، ما كان الله أخذ عليهم من الميثاق فيما حرم عليهم. يقول: يضع ذلك عنهم.
قوله تعالى (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض)
قال الشيخ الشنقيطي: هذه الآية الكريمة فيها التصريح بأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رسول إلى جميع الناس، وصرح بذلك في آيات كثيرة كقوله (وما أرسلناك إلا كافة للناس)، وقوله (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً)، وقوله (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) وقيد في موضع آخر: عموم رسالته ببلوغ هذا القرآن، وهو قوله تعالى (وأوحي إلى هذا القرآن لأنذركم به، ومن بلغ)، وصرح بشمول رسالته لأهل الكتاب مع العرب بقوله
(وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ) إلى غير ذلك من الآيات.
قال مسلم: حدثني يونس بن عبد الأعلى: أخبرنا ابن وهب. قال: وأخبرني عمرو، أن أبا يونس حدثه عن أبي هريرة، عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان مِن أصحاب النار".
(الصحيح ١/١٣٤ ح ١٥٣ - ك الإيمان، ب وجوب الإيمان برسالة نبينا..).
انظر حديث البخاري تحت الآية رقم (١٥١) من سورة آل عمران. وهو حديث: "أعطيت خمساً... ".
قوله تعالى (... الذي له ملك السموات والأرض)
انظر حديث الترمذي عن أبي ذر الآتى تحت الآية (٤٤) من سورة الإسراء، وهو حديث (الأطيط).
قوله تعالى (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (الذي يؤمن بالله وكلماته) يقول: آياته.
قوله تعالى (ومن قوم موسى أمةٌ يهدون بالحق وبه يعدلون)
قال ابن كثير: يقول تعالى يخبرنا عن بني إسرائيل أن منهم طائفة يتبعون الحق ويعدلون به، كما قال تعالى (من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) وقال تعالى (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله، وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب).
قوله تعالى (وقطعناهم اثنتى عشرة أسباطاً أمماً وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كل أناس مشربهم... )
انظر سورة البقرة آية (٦٠) وآية (١٣٦) لبيان الأسباط.
قوله تعالى (وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)
انظر حديث البخاري عن سعيد بن زيد المتقدم تحت الآية (٥٧) من سورة البقرة. وهو حديث: "الكمأة من المن... ".
انظر سورة البقرة آية (٥٧).
قوله تعالى (وإذ قيل لهم اسكنوا هذة القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين. فبدل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزاً من السماء بما كانوا يظلمون)
انظر سورة البقرة آية (٥٨-٥٩).
انظر حديث البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً عند الآية (٥٨) من سورة البقرة.
وفي حديث: "فدخلوا يزحفون على أستاههم... "
انظر حديث البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد المتقدم تحت الآية (٥٩) من سورة البقرة. وهو حديث: "الطاعون رجز... ".
قوله تعالى (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هي قرية على شاطئ البحر، بين مصر والمدينة، يقال لها: أيلة. ا. هـ.
وتسمى الآن: إيلات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً) فحرم الله عليهم الحيتان يوم سبتهم، فكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعاً في ساحل البحر. فإذا مضى يوم السبت، لم يقدروا عليها. فمكثوا بذلك ما شاء الله، ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم فنهتهم طائفة وقالوا: تأخذونها، وقد حرمها الله عليكم يوم سبتكم! فلم يزدادوا إلاغيا وعتوا، وجعلت طائفة أخرى تنهاهم. فلما طال ذلك عليهم، قالت طائفة من النهاة: تعلموا أن هؤلاء قوم قد حق عليهم العذاب، لم تعظون قوما الله مهلكهم، وكانوا أشد غضباً بالله من الطائفة الأخرى، فقالوا: (معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون) وكل قد كانوا ينهون فلما وقع عليهم غضب الله، نجت الطائفتان اللتان قالوا: (لم تعظون قوما الله مهلكهم)، والذين قالوا: (معذرة إلى ربكم) وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان، فجعلهم قردة وخنازير.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (بعذاب بئيس) قال: شديد.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (بعذاب بئيس) قال: وجيع.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فلما عتوا عن ما نهوا عنه) يقول: لما مرد القوم على المعصية (قلنا لهم كونوا قردة خاسئين)، فصاروا قردة لها أذناب، تعاوى بعدما كانوا رجالاً ونساء.
وانظر قصة المسخ في سورة البقرة آية (٦٥-٦٦).
قوله تعالى (وإذ تأذن ربك فليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: في قول الله: (وإذ تأذن ربك) قال: أمر ربك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب) قال: هي الجزية، والذين يسومونهم: محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمته، إلى يوم القيامة.
قوله تعالى (وقطعناهم في الأرض أمما)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (وقطعناهم في الأرض أمما)، قال: يهود.
قوله تعالى (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (فخلف من بعدهم خلف)، قال: النصارى.
قوله تعالى (يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (يأخذون عرض هذا الأدنى)، قال: ما أشرف لهم من شيء في اليوم من الدنيا حلال أو حرام يشتهونه أخذوه، ويبتغون المغفرة، فإن يجدوا الغد مثله يأخذوه.
قوله تعالى (وإن يأتِهِم عرض مثله يأخذوه)
قال الطبري: حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن سعيد بن جبير: (وإن يأتِهِم عرض مثله يأخذوه)، قال: من الذنوب.
وسنده صحيح.
قوله تعالى (ألم يُؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق) الآية. هذا الميثاق المذكور يبينه قوله تعالى (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولاتكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلًا فبئس ما يشترون).
قوله تعالى (والذين يُمسّكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين)
انظر سورة آل عمران آية (١١٣-١١٥).
قوله تعالى (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا مافيه لعلكم تتقون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة)، فهو قوله تعالى (ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم) سورة النساء آية: ١٥٤، فقال: (خذوا ما آتيناكم بقوة)، وإلا أرسلته عليكم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة)، أي بجد (واذكروا مافيه لعلكم تتقون)، جبل نزعه الله من أصله، ثم جعله فوق رؤوسهم، فقال: لتأخذن أمري، أو لأرمينكم به!.
انظر سورة البقرة آية (٦٣).
قوله تعالى (وإذ أخد ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون)
قال البخاري: حدثنا قيس بن حفص، حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا شعبة، عن أبي عمران الجوني عن أنس يرفعه: "إن الله يقول لأهون أهل النار عذاباً لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به؟ قال: نعم. قال: فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي، فأبيتَ إلا الشرك".
(الصحيح ٦/٤١٩ ح ٣٣٣٤ - ك أحاديث الانبياء، ب خلق آدم وذريته)، وأخرجه مسلم (الصحيح ٤/٢١٦٠-٢١٦١ ح ٢٨٠٥ -صفات المنافقين- ب طلب الكافر الفداء).
قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد. حدثنا أبو نعيم. حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلاً منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي رب من هذا؟ فقال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود، فقال: رب كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة، قال: أي رب زده من عمري أربعين سنة، فلما قضي عمر آدم جاءه ملك الموت، فقال: أو لم يبق من عمري أربعين سنة؟ قال: أولم تعطها ابنك داود؟ قال: فجحد آدم فجحدت ذريته، ونُسِّي آدم فنُسِّيت ذريته، وخطيء آدم فخطئت ذريته.
(السنن ٥/٢٦٧ ح ٣٠٧٦ - ك التفسير، ب ومن سورة الأعراف)، وأخرجه الحاكم (المستدرك ٢/٣٢٥) من طريق: بشر بن موسى الأسدي وعلي بن عبد العزيز، كلاهما عن أبي نعيم به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وأورده الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ٢٤٥٩).
قال أحمد: حدثنا حسين بن محمد حدثنا جرير يعني ابن حازم عن كلثوم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعني عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يِديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال (ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك أباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون).
(المسند ح ٢٤٥٥)، وأخرجه النسائي (التفسير ١/٥٠٦ ح ٢١١) عن محمد بن عبد الرحيم.
والطبري (التفسير ١٣/٢٢٢ ح ١٥٣٣٨) عن أحمد بن محمد الطوسي والحاكم (المستدرك ٢/٥٤٤) من طريق جعفر بن محمد الصائغ، كلهم عن حسين بن محمد به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي لأحمد، وقال: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٧/٢٥، ١٨٨، ١٨٩). وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. وحسن إسناده محقق النسائي. وأورده الألباني في (السلسلة الصحيحة ح ١٦٢٣).
361
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم)، قال: إن الله خلق آدم عليه السلام، ثم أخرج ذريته من صلبه مثل الذر، فقال لهم: من ربكم؟ قالوا: الله ربنا! ثم أعادهم في صلبه حتى يولد كل من أخذ ميثاقه، لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم إلى أن تقوم الساعة.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا كثير بن شهاب ثنا محمد بن سعيد بن سابق، أنبأنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية رفيع، عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - في قول الله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك أباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) قال: جمعه له يومئذ جميعاً ما هو كاين منه إلى يوم القيامة فجعلهم أزواجا ثم صورهم، ثم استنطقهم وتكلموا وأخذ عليهم العهد والميثاق (وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك أباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) قال: فإني أُشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا اعلموا أن لا إله غيري ولا رب غيري ولا تشركوا بي شيئا وإني سأرسل لكم رسلا ينذرونكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتبي، قالوا: نشهد أنك ربنا وإلهنا لا رب غيرك، ولا إله لنا غيرك، فأقروا له يومئذ بالطاعة ورفع أباهم آدم فنظر إليهم فرأى فيهم الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك. فقال: يا رب لو سويت بين عبادك، قال: إني أحببت أن أشكر، ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج عليهم النور، وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة فهو الذي يقول تعالى: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) وهو الذي يقول: (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) وفي ذلك قال:
362
(هذا نذير من النذر الأولى) وفي ذلك قال: (وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين).
وسنده حسن، وأخرجه الحاكم من طريق أبي جعفر الرازي به، (المستدرك ٢/٣٢٣-٣٢٤- ك التفسير) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة ٣/٣٦٣-٣٦٦ ح ١١٥٨-١١٥٩) من طرق عن الربيع بن أنس بنحوه، قال محققه: إسناده حسن.
وقد حكم الحافظ ابن حجر على طريق أبي جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب أن إسناده جيد وانظر مقدمة هذه الموسوعة عن التفصيل في هذا الإسناد.
قوله تعالى (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين)
روى عبد الرزاق في تفسيره عن الثوري عن الأعمش ومنصور عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود في قوله تعالى (آتيناه آياتنا فانسلخ منها) قال: هو بلعم بن آبر.
(التفسير/٢ ٢٤٣ طبعة الرشد)، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبري في تفسيره (١٣/٢٥٣- ٢٥٤، رقم ١٥٣٨٩) والحاكم في المستدرك (٢/٣٢٥)، إلا أن عند الطبري "ابن أبر، بضم الباء"، وعند الحاكم "بلعم بن باعوراء" وأخرجه أيضاً النسائي في تفسيره (رقم ٢١٣) والطبري (رقم ١٥٣٨١- ١٥٣٨٣-١٥٣٨٥-١٥٣٨٨) وابن أبي حاتم (الأعراف ١٣٤٣) والطبراني في الكبير (٩/٢٤٩ رقم ٩٠٦٤) من طريق أبى الضحى بإسناده، وابن أبي حاتم: رجل من أهل اليمن. وسكت عليه الحاكم، وأشار الذهبي إلى أنه على شرط الشيخين، قال الهيثمي في (المجمع ٧/٢٥) : رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. وقال محقق النسائي: صحيح موقوف، وكذا صحح إسناده محقق ابن أبي حاتم.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، أخبرني يعلى بن عطاء قال: سمعت نافع بن عاصم يقول: سمعت عبد الله بن عمرو يقول في هذه الآية (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها)، قال: هو أمية بن أبي الصلت الثقفي.
(التفسير: سورة الأعراف ح ١٣٤٤)، وأخرجه أيضاً النسائي في تفسيره (١/٥٠٨ رقم ٢١٢)، والطبري في تفسيره (١٣/٢٥٦ رقم ١٥٤٠-١٥٤٠٦) من طرق عن شعبة به. وأورده ابن كثير في (تفسيره ٢/٢٦٥) من رواية شعبة، بإسناده عن عبد الله بن عمرو، ثم قال: وقد روى من غير وجه عنه، وهو صحيح إليه. وقال الهيثمي في (المجمع ٧/٢٥) : رواه الطبري ورجاله رجال الصحيح، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (٧/١٥٤) : وروى ابن مردويه بإسناد قوي عن عبد الله بن عمرو ابن العاص.. فذكره. قال ابن كثير: وكأنما أراد أن أمية بن أبي الصلت يشبهه، فإنه كان قد اتصل إليه علم كثير من علم الشرائع المتقدمة، ولكنه لم ينتفع بعلمه... إلى آخر كلامه رحمه الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه أياتنا فانسلخ منها) قال هو رجل من مدينة الجبارين يقال له: بلعم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان)، الآية، هذا مثل ضربه الله لمن عُرض عليه الهدى فأبى أن يقبله وتركه، قال: وكان الحسن يقول: هو المنافق (ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث)، قال: هذا مثل الكافر ميت الفؤاد.
وهذا الرأي يجمع بين الآراء السابقة.
قوله تعالى (ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ولو شئنا لرفعناه بها) لدفعناه عنه.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (أخلد) سكن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه)، أما (أخلد إلى الأرض)، فاتبع الدنيا وركن إليها.
قوله تعالى (فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أوتتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أوتتركه يلهث) قال: تطرده، هو مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل به.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فمثله كمثل الكلب)، إن تحمل عليه الحكمة لم يحملها، وإن ترك لم يهتد لخير، كالكلب إن كان رابضا لهث، وإن طرد لهث.
قوله تعالى (من يهدِ الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون)
قال الترمذي: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، عن عبد الله بن الديلمي قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن الله عز وجل خلق خلقه في ظُلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل، فلذلك أقول: جَفَّ القلم على علم الله".
(السنن ٥/٢٦ ح ٢٦٤٢ - ك الأيمان، ب ما جاء في افتراق هذة الأمة)، وأخرجه أحمد (المسند ٢/١٧٦) س طريق أبي إسحاق الفزاري. وابن حبان في صحيحه (الإحسان ١٤/٤٣ ح ٦١٦٩) من طريق ابن المبارك. والحاكم (المستدرك ١/٣٠) من طريق: الوليد البيروتي، ومحمد بن كثير المصيصي، وأبي إسحاق الفزاري. -في حديث طويل- كلهم عن الأوزاعي، عن ربيعة بن يزيد عن ابن الديلمي به. وله طرق أخرى عن ابن الديلمي غير هذه (انظر منها: مسند أحمد ٢/١٩٧، والإحسان ح ٦١٧٠). قال الترمذي: حديت حسن. وقال الحاكم: حديث صحيح قد تداوله الأئمة، وقد احتجا بجميع رواته ثم لم يخرجاه ولا أعلم له علة. ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي: رجال أحد إسنادي أحمد ثقات (مجمع الزوائد ٧/١٩٣-١٩٤). وقال الألباني: صحيح (صحيح سنن الترمذي ح ٢١٣٠).
قوله تعالى (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ولقد ذرأنا لجهنم)، خلقنا.
قال ابن كثير: وقوله تعالى (لهم قلوب لايفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون
بها ولهم آذان لا يسمعون بها) يعني: ليس ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله، كما قال تعالى (وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله)...
الآية. وقال تعالى (صم بكم عمي فهم لا يرجعون) هذا في حق المنافقين،
وقال في حق الكافرين (صم بكم عمي فهم لا يعقلون) ولم يكونوا صماً بكماً عمياً إلا عن الهدى، كما قال تعالى (ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) وقال (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) وقوله تعالى (أولئك كالأنعام) أى: هؤلاء الذين لا يسمعون الحق ولا يعونه ولا يبصرون الهدى كالأنعام السارحة التي لا تنتفع بهذه الحواس منها إلا في الذي يعيشها من ظاهر الحياة الدنيا كما قال تعالى (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) أي: ومثلهم في حال دعائهم إلى الإيمان كمثل الأنعام إذا دعاها راعيها لا تسمع إلا صوته، ولا تفقه ما يقول. ولهذا قال في هؤلاء: (بل هم أضل) أي: من الدواب لأن الدواب قد تستجيب مع ذلك لراعيها إذا أبَسّ بها، وإن لم تفقه كلامه.
انظر حديث عائشة الآتي عند الآية (١٥) من سورة الاسراء. وهو حديث: "إن الله خلق للجنة أهلاً".
قوله تعالى (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون)
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، قال: حفظناه من أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رواية قال: "لله تسعة وتسعون اسماً -مائة إلا واحدة- لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يُحب الوتر".
(الصحيح ١١/٢١٨ ح ٦٤١٠ - ك الدعوات، ب لله مائة اسم غير واحدة)، وأخرجه مسلم في (الصحيح ٤/٢٠٦٢ - ك الذكر والدعاء، ب في أسماء الله تعالى... ).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ذروا الذين يلحدون في أسمائه) قال: (الإلحاد)، التكذيب.
قوله تعالى (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون)
قال البخاري: حدثنا الحميدي: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جابر: حدثني عمير بن هانئ أنه سمع معاوية قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يزال من
أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من كذبهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" فقال مالك بن يُخامر: سمعت معاذاً يقول: وهم بالشام، فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذاً يقول وهم بالشام.
(الصحيح ١٣/٤٥١ ح ٧٤٦٠ - ك التوحيد، ب قول الله تعالى (إنما قولنا لشئ إذا أردناه) وأخرجه مسلم (الصحيح ٣/١٥٢٤ ح ١٠٣٧ -ك الإمارة- ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لا تزال طائفة من أمتى... *.
قوله تعالى (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين)
قال ابن كثير: يقول تعالى (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) ومعناه: أنه يفتح لهم أبواب الرزق ووجوه المعاش في الدنيا، حتى يغتروا بما هم فيه ويعتقدوا أنهم على شيء، كما قال تعالى (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين). ولهذا قال تعالى (وأملى لهم) أي: وسأملي لهم، أطول لهم ماهم فيه (إن كيدي متين) أي قوي شديد.
قال تعالى (أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين)
قال ابن كثير: يقول تعالى (أولم يتفكروا) هؤلاء بآياتنا (ما بصاحبهم) يعني محمداً -صلوات الله وسلامه عليه- (من جنة) أي: ليس به جنون، بل هو رسول الله حقا دعا إلى حق (إن هو إلا نذير مبين) أي: ظاهر لمن كان له قلب ولب يعقل به ويعي به، كما قال تعالى (وماصاحبكم بمجنون) وقال تعالى (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد).
قوله تعالى (أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض)
انظر سورة الأنعام آية (٧٥) لبيان ملكوت السموات والأرض.
قوله تعالى (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون)
انظر سورة الإسراء آية (٦٧) وفيها تفسير ابن كثير.
قوله تعالى (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي)
قال الشيخ الشنقيطي: هذه الآية الكريمة تدل على أن وقت قيام الساعة لا يعلمه إلا الله جل وعلا، وقد جاءت آيات أخر تدل على ذلك أيضاً كقوله تعالى (يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها)، وقوله (وعنده مفاتح الغيب لايعلمها إلا هو) وقد ثبت في الصحيح عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنها الخمس المذكورة في قوله تعالى (إن الله عنده علم الساعة) الآية.
قال مسلم: حدثني هارون بن عبد الله وحجاج بن الشاعر. قالا: حدثنا ححاج بن محمد. قال: قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول قبل أن يموت بشهر: "تسألوني عن الساعة؟ وإنما علمها عند الله. وأقسم بالله! ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة".
الصحيح ٤/١٩٦٦ ح ٢٥٣٨ - ك فضائل الصحابة، ب قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض).
قال مسلم: حدثنا زهير بن حرب: حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي- حدثنا شعبة، عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص، عن عبد الله عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس".
(الصحيح ٤/٢٢٦٨ ح ٢٩٤٩ - ك الفتن وأشراط الساعة، ب قرب الساعه).
وانظر حديث مسلم الآتي عند الآية رقم (١) من سورة القمر، وحديث
البخاري عن أبي هريرة الآتي عند الآية (٣٤) من سورة لقمان.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق، بسنده عن ابن عباس قال: قال: جبل بن أبي قشير، وشمول بن زيد، لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يامحمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيّا كما تقول، فإنا نعلم متى هي؟. فأنزل الله تبارك وتعالى (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي) إلى قوله: (ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) متى قيامها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (مرساها) منتهاها.
قوله تعالى (قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو)، يقول: علمها عند الله، هو يجليها لوقتها، لا يعلم ذلك إلا الله.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (لا يجليها)، يأتي بها.
قوله تعالى (ثقلت في السموات والأرض)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (ثقلت في السموات والأرض) يقول: خفيت في السموات والأرض، فلم يعلم قيامها متى تقوم ملك مقرب، ولا نبي مرسل.
قوله تعالى (لا تأتيكم إلا بغتة)
قال مسلم: حدثني زهير بن حرب، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، يبلغ به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تقوم الساعة والرجل يحلب اللقحة، فما يصل الإناء إلى فيه حتى تقوم. والرجلان يتبايعان الثوب، فما يتبايعانه حتى تقوم. والرجل يلط في حوضه، فما يصدر حتى تقوم".
(الصحيح ٤/٢٢٧٠ ح ٢٩٥٤ - ك الفتن وأشراط الساعة، ب قرب الساعة)، وأخرج البخاري (الصحيح ح ٦٥٠٦ - ك الرقاق).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (لا تأتيكم إلا بغتة)، يقول يبغتهم قيامها، تأتيهم على غفلة.
قوله تعالى (يسألونك كأنك حفي عنها)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (كأنك حفي عنها) استحفيت عنها السؤال حتى علمتها.
قوله تعالى (قل لا أملك بنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ماشاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) الآية. هذه الآية تدل على أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يعلم من الغيب إلا ما علمه الله، وقد أمره تعالى أن يقول إنه لا يعلم الغيب في قوله في "الأنعام" (قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب) الآية، وقال (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول) الآية، وقال (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) الآية. إلى غير ذك من الآيات. والمراد بالخير في هذه الآية الكريمة قيل: المال، ويدل على ذلك كثرة ورود الخير بمعنى المال في القرآن كقوله تعالى (وإنه لحب الخير لشديد) وقوله (إن ترك خيراً) وقوله (قل ما أنفقتم من خير) الآية. إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة) من آدم.
قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (وجعل منها زوجها ليسكن إليها) الآية.
ذكر في هذه الآية الكريمة أنه خلق حواء من آدم ليسكن إليها، أي: ليألفها ويطمئن بها، وبين في موضع آخر أنه جعل أزواج ذريته كذلك، وهو قوله (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وجعل منها زوجها)، حواء فجعلت من ضلع من أضلاعه، ليسكن إليها.
قوله تعالى (فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به) استبان حملها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (فلما أثقلت)، كبر الولد في بطنها.
قوله تعالى (لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن معمر قال: قال الحسن في قوله: (لئن آتيتنا صالحا) قال: غلام.
قوله تعالى (فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة كان الحسن يقول: هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولاداً فهودوا ونصروا. اهـ وصححه ابن كثير في التفسير.
قوله تعالى (أيُشركون ما لايخلق شيئاً وهم يخلقُون)
قال ابن كثير: هذا إنكار على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره، من الأنداد والأصنام والأوثان، وهي مخلوقة لله مربوبة مصنوعة، لا تملك شيئاً من الأمر، ولا تضر ولا تنفع، ولا تنتصر لعابديها، بل هي جماد لا تتحرك ولا تسمع ولا تبصر، وعابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم، ولهذا قال (أيشركون مالا يخلق شيئاً وهم يخلقون) أي: أتشركون به من المعبودات ما لا يخلق شيئاً ولا يستطيع ذلك، كما قال تعالى (ياأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه، ضَعُفَ الطالب والمطلوب. ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز) وأخبر تعالى أنه لو اجتمعت آلهتهم كلها ما استطاعوا خلق ذبابة، بل استلبتهم الذبابة شيئاً من حقير المطاعم وطارت، لما استطاعوا إنقاذ ذلك منها، فمن هذه صفته وحاله كيف يعبد ليرزق ويستنصر؟. ولهذا قال تعالى (لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون) أي: بل هم مخلوقون مصنوعون.
قوله تعالى (ولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون)
قال ابن كثير: ثم قال تعالى (ولا يستطيعون لهم نصراً) أى: لعابديهم (ولا أنفسهم ينصرون) يعني: ولا لأنفسهم ينصرون ممن أرادهم بسوء، كما كان الخليل عليه الصلاة والسلام يكسر أصنام قومه ويُهينها غاية الإهانة، كما أخبر تعالى عنه في قوله (فراغ عليهم ضرباً باليمين) وقال تعالى (فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون).
قوله تعالى (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون)
قال ابن كثير: (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم) الآية، يعني: أن هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها، وسواء لديها من دعاها ودحاها، كما قال إبراهيم (يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً).
قوله تعالى (... قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون)
قال ابن كثير: وقوله (قل ادعوا شركاءكم) الآية، أي: استنصروا بها عليّ، فلا تؤخروني طرفة عين، واجهدوا جهدكم! (إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين) أي: الله حسبي وكافيّ، وهو نصيري، وعليه متكلي، وإليه ألجأ، وهو وليي في الدنيا والآخرة، وهو ولي كل صالح بعدي.
وهذا كما قال هود عليه السلام لما قال له قومه (إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدون جميعاً ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم).
قوله تعالى (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يُبصرون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون) قال: هؤلاء المشركون.
قال ابن كثير: (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يُبصرون) كقوله تعالى (إن تَدْعوهم لا يسمعوا دعاءكم) الآية.
قوله تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)
قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً. فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه. قال: سأستأذن لك عليه قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال: هِيْ يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزْل، ولا تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتى هم به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) وإن هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله.
(الصحيح ٨/١٥٥ ح ٤٦٤٢ -ك التفسير- سورة الأعراف، ب الآية).
أخرج البخاري بسنده الصحيح عن عبد الله بن الزبير (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) قال: ما أنزل الله إلا في أخلاق الناس.
(الصحيح ح ٤٦٤٣ -ك التفسير).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (خذ العفو) قال: من أخلاق الناس وأعمالهم، من غير تحسس أو تجسس، شك أبو عاصم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (خذ العفو)، يعني خذ ما عفا لك من أموالهم وما أتوك به من شيء فخذه.
فكان هذا قبل أن تنزل (براءة) بفرائض الصدقات وتفصيلها، وما انتهت الصدقات إليه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)، قال: أخلاق أمر الله بها نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودله عليها.
قوله تعالى (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله... )
قال ابن كثير: وأصل (النزغ) الفساد، إما بالغضب أو غيره، قال الله تعالى (وقل لعبادى يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم) و (العياذ) الالتجاء والاستناد والإستجارة من الشر، وأما (الملاذ) ففي طلب الخير، كما قال أبو الطيب:
يا مَنْ ألوذ به فيما أوْملُه... ومَنْ أعُوذ به مما أحَاذرُه
لا يَجبْرُ الناس عَظماً أنت كاسرُه... ولا يَهِيضون عَظْماً أنت جَابِره
قال أبو داود: حدثنا عمرو بن مرزوق، أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عاصم العنزي، عن ابن جبير بن مطعم، عن أبيه أنه رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي صلاة، قال عمرو: لا أدري أى صلاة هي؟ فقال: "الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، والحمد لله كثيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً. ثلاثاً" أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه". قال: نفثه: الشعر، ونفخه: الكبر، وهمزه: الموتة.
(السنن ١/٢٠٣ ح ٧٦٤ - ك الصلاة، ب ما يستفتح به الصلاة الدعاء)، وأخرجه أحمد (المسند ٤/٨٥)، والطبراني (ح ١٥٦٨)، وابن خزيمة (الصحيح ١/٢٣٩ ح ٤٦٨)، وابن حبان (الإحسان ٥/٧٨ ح ١٧٧٩)، والحاكم (المستدرك ١/٢٣٥ - ك الصلاة) من طرق عن شعبة قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وللحديث شواهد، منها: عن ابن مسعود، أخرجه ابن ماجة (السنن ١/٦٦)، وأحمد (المسند ١/٤٠٤). ومنها: عن أبي سعيد، أخرجه الترمذي (ح ٢٤٢)، وأبو داود (ح ٧٧٥)، وغيرهما. وصححه أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي، وحسنه الألباني كما في (الإرواء ٢/٥١-٥٤).
وانظر تفسير الإستعاذة.
قوله تعالى (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)
قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن عمران أبي بكر قال: حدثني عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟
قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: إني أصرَعُ وإني أتكشف، فادع الله لي. قال: "إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيك". فقالت: أصبُر. فقالت إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها. حدثنا محمد، أخبرنا مخلد، عن ابن جريج، أخبرني عطاء أنه رأى أم زفر، تلك المرأة الطويلة السوداء، على سِتر الكعبة.
(الصحيح ١٠/١١٩ ح ٥٦٥٢ - ك المرضى، ب فضل من يصرع من الريح)، وأخرجه مسلم (الصحيح ٤/١٩٩٤ - ك البر والصلة، ب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض... ).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (طائف من الشيطان) قال: الغضب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا)، والطائف: اللمة من الشيطان (فإذا هم مبصرون).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا) يقول: إذا زلوا تابوا.
قوله تعالى (وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) ذكر في هذه الآية الكريمة أن إخوان الإنس من الشياطين يمدون الإنس في الغي، ثم لا يقصرون، وبين ذلك أيضاً في مواضع أخر كقوله (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً) وقوله (يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس) وبين في موضع آخر أن بعض الإنس إخوان للشياطين وهو قوله (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) الآية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) قال: لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات، ولا الشياطين تمسك عنهم.
قوله تعالى (وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إليّ من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها) أي: لولا أتيتنا بها من قبل نفسك؟ هذا قول كفار قريش.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لولا اجتبيتها) يقول: لولا تلقيتها وقال مرة أخرى: لولا أحدثتها فأنشأتها.
انظر سورة الأنعام آية (١٠٤) لبيان: بصائر.
قوله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)
قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا جرير، عن سليمان التيمي، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، عن أبي موسى الأشعري، وفيه قال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال: "إذا صليتم فأقيموا صفوفكم... ". الحديث، وفيه: "وإذا قرأ فأنصتوا".
(الصحيح ١/٣٠٤ ح ٦٣ - ك الصلاة، ب التشهد في الصلاة).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) يعني: في الصلاة المفروضة.
قوله تعالى (واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة) إلى قوله: (بالغدو والآصال) أمر الله بذكره، ونهى عن الغفلة، أما (بالغدو)، فصلاة الصبح (والآصال) بالعشي.
قوله تعالى (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون)
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي. يقول: يا ويله. (وفي رواية أبي كريب: يا ويلي). أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة. وأمرتُ بالسجود فأبيت فلي النار".
(الصحيح ١/٨٧ ح ١٣٣ - ك الإيمان، ب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة).
سورة الأعراف
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات
افتُتِحت هذه السُّورة بالتنويه بعظمةِ هذا الكتاب، موضِّحةً مهمةَ القرآن ووجوبَ اتِّباعه، محذِّرةً من الشَّيطان وفتنتِه، كما وصَفتْ هذه السُّورةُ العظيمة أهوالَ يومِ القيامةِ، وخطابَ أهل النَّار لأهل الجنَّة، وحالَ الأعراف، واصفةً ما يَتبَع تلك الأحداثَ، وكذلك اشتملت على كثيرٍ من قصص الأنبياء؛ للدَّلالة على عظمةِ الله وقوَّته، وقهرِه وقُدْرته، وبيَّنتْ حُكْمَ من أطاع واتَّبَع، وحُكْمَ من عصى وابتدع؛ داعيةً للرجوع إلى الله؛ للفوز بالجنَّة، والنَّجاة من النار، وقد أُثِر عن النبيِّ ﷺ قراءتُه لها في صلاة المغرب.
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كانت المرأةُ تطُوفُ بالبيتِ وهي عُرْيانةٌ، فتقولُ: مَن يُعِيرُني تِطْوافًا؟ تَجعَلُهُ على فَرْجِها، وتقولُ:
فنزَلتْ هذه الآيةُ: ﴿خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٖ﴾[الأعراف: 31]». أخرجه مسلم (٣٠٢٨).
* (الأعراف):
سُمِّيتْ بذلك؛ لأنَّ فيها ذِكْرَ (الأعراف).
* (طُولَى الطُّولَيَينِ):
لِما جاء عن مَرْوانَ بن الحكَمِ، قال: قال لي زيدُ بن ثابتٍ: «ما لك تَقرَأُ في المغربِ بقِصَارٍ وقد سَمِعْتُ النبيَّ ﷺ يَقرَأُ بطُولَى الطُّولَيَيْنِ؟!». أخرجه البخاري (764).
ولعلَّ الإطلاقَ الوارد في السورة من بابِ الوصف، لا من باب التسمية؛ وهذا أقرب.
انظر: "أسماء سور القرآن الكريم وفضائلها" لمنيرة الدوسري (ص196).
* مَن أخَذها عُدَّ حَبْرًا:
فعن عائشةَ رضي الله عنها، عن رسولِ الله ﷺ، قال: «مَن أخَذَ السَّبْعَ الأُوَلَ مِن القرآنِ، فهو حَبْرٌ». أخرجه أحمد (24575).
* ومِن عظيم فضلها أنها تقابِلُ التَّوْراةَ مع بقيةِ السُّوَر الطِّوال:
فعن واثلةَ بن الأسقَعِ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «أُعطِيتُ مكانَ التَّوْراةِ السَّبْعَ الطِّوالَ». أخرجه أحمد (17023).
أُثِر عن النبيِّ ﷺ قراءتُه لسورة (الأعراف) في صلاةِ المغرب:
فعن مَرْوانَ بن الحكَمِ: أنَّ زيدَ بنَ ثابتٍ قال: «ما لي أراكَ تَقرأُ في المغربِ بقِصارِ السُّوَرِ وقد رأيتُ رسولَ اللهِ يَقرأُ فيها بأطوَلِ الطُّوليَينِ؟! قلتُ: يا أبا عبدِ اللهِ، ما أطوَلُ الطُّوليَينِ؟ قالَ: الأعرافُ». أخرجه النسائي (٩٨٩).
اشتمَلتْ سورةُ (الأعراف) على عِدَّة موضوعاتٍ؛ وهي على الترتيب:
مهمَّة القرآن ووجوبُ اتباعه (١-٩).
خَلْقُ آدم وعداوةُ الشيطان له (١٠-٢٥).
تحذير الناس من فتنة الشيطان (٢٦-٣٠).
إباحةُ الطيِّبات، وتحريم الفواحش (٣١-٣٤).
إرسال الرسول، وعاقبة التكذيب (٣٥-٤١).
بين أصحاب الجنَّة وأصحاب النار (٤٢-٤٥).
أصحاب الأعراف (٤٦-٥٣).
مظاهر قدرة الله تعالى (٥٤-٥٨).
قصة نوح عليه السلام (٥٩-٦٤).
قصة هود عليه السلام (٦٥-٧٢).
قصة صالح عليه السلام (٧٣-٧٩).
قصة لوط عليه السلام (٨٠-٨٤). قصة شُعَيب عليه السلام (٨٥-٩٣).
أقوام الأنبياء وموقفُهم من الدعوة (٥٩-٩٣).
سُنَّة الله في المكذِّبين (٩٤-١٠٢).
قصة موسى عليه السلام (١٠٣-١٧١).
موقف فِرْعونَ من دعوة موسى (١٠٣-١٢٦).
البِطانة الفاسدة (١٢٧-١٢٩).
عاقبة الكفار، وحُسْنُ عاقبة المؤمنين (١٣٠-١٣٧).
بنو إسرائيل وعبادة الأصنام (١٣٨-١٤١).
مجيء موسى للميقات (١٤٢-١٤٧).
بنو إسرائيل وعبادة العِجل (١٤٨-١٥٩).
مخالفات بني إسرائيل وانحرافاتهم (١٦٠-١٧١).
أخذُ الميثاق على بني آدم (١٧٢-١٧٨).
أهل النار أضَلُّ من الأنعام (١٧٩-١٨٦).
السؤال عن الساعة (١٨٧-١٨٨).
الناس مخلوقون من نفسٍ واحدة (١٨٩-١٩٥).
أولياء الرحمن (١٩٦-٢٠٦).
ينظر: "التفسير الموضوعي" لمجموعة من العلماء (3 /9).
اشتملت السُّورةُ على جملةٍ من المقاصدِ العظيمة، ذكَرها ابنُ عاشور رحمه الله؛ وهي:
«التنويهُ بالقرآن، والوعد بتيسيره على النبي ﷺ ليُبلِّغَه.
النهيُ عن اتخاذ الشركاء من دون الله، وإنذارُ المشركين عن سُوءِ عاقبة الشرك في الدنيا والآخرة، ووصفُ حال المشركين وما حَلَّ بهم.
تذكيرُ الناس بنعمة خَلْق الأرض، وتحذيرُهم من التلبُّس ببقايا مكرِ الشيطان.
وصفُ أهوالِ يوم الجزاء للمجرمين، وكراماتِه للمتَّقين.
التذكير بالبعث، وتقريبُ دليله.
النهيُ عن الفساد في الأرض التي أصلَحها اللهُ لفائدة الإنسان.
التذكير ببديعِ ما أوجَده الله لإصلاحِها وإحيائها.
التذكير بما أودَع اللهُ في فطرة الإنسان من وقتِ تكوين أصله أن يَقبَلوا دعوةَ رُسُلِ الله إلى التقوى والإصلاح».