تفسير سورة الشمس

التفسير الشامل
تفسير سورة سورة الشمس من كتاب التفسير الشامل .
لمؤلفه أمير عبد العزيز . المتوفي سنة 2005 هـ
هذه السورة مكية وآياتها خمس عشرة آية.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ والشمس وضحاها ١ والقمر إذا تلاها ٢ والنهار إذا جلاّها ٣ والليل إذا يغشاها ٤ والسماء وما بناها ٥ والأرض وما طحاها ٦ ونفس وما سوّاها ٧ فألهما فجورها وتقواها ٨ قد أفلح من زكّاها ٩ وقد خاب من دسّاها ﴾.
أقسم الله في هذه الآيات بجملة أجزاء مما خلق. وله سبحانه أن يقسم بما شاء من خلقه وأول هذه الأقسام قوله :﴿ والشمس وضحاها ﴾ المراد بضحاها ضوؤها إذا أشرقت.
قوله :﴿ والقمر إذا تلاها ﴾ يعني إذا تلا طلوعه طلوع الشمس. أو خلف طلوع القمر طلوع الشمس بضيائه. فما تغرب الشمس عن حيز من الأرض حتى يسطع القمر بضيائه ونوره فيه.
قوله :﴿ والنهار إذا جلاّها ﴾ يعني جلّى الشمس وأظهرها بارزة مسرجة للناظرين. فإنه بانبساط النهار تتجلى الشمس وتبرز للدنيا ظاهرة جلية.
قوله :﴿ والليل إذا يغشاها ﴾ أي يغشى الليل الشمس فيستر ضوءها. أو يغطي الأرض والآفاق بظلمته.
على أن واوت العطف في هذه الآيات نوائب للواو الأولى القسمية الجارة.
قوله :﴿ والسماء وما بناها ﴾ ما، تحتمل هنا وجهين. فإما أن تكون مصدرية فيكون المعنى : والسماء وبنائها. وإما أن تكون بمعنى من، فيكون المعنى : والسماء وبانيها. أو ومن بناها.
قوله :﴿ والأرض وما طحاها ﴾ أي وطحوها وهو بسطها، أو ومن طحاها. أي بسطها. وهو من الطحو أي البسط١.
١ القاموس المحيط ص ١٦٨٤..
قوله :﴿ ونفس وما سوّاها ﴾ أي خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة السليمة. وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تحس فيها من جدعاء " والجمعاء من البهائم، التي لم يذهب من بدنها شيء١ وفي صحيح مسلم عن حماد المجاشعي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله عز وجل :﴿ إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ﴾ ".
١ القاموس المحيط ص ٩١٧..
قوله :﴿ فألهمها فجورها وتقواها ﴾ اختلفوا في تأويل ذلك فقد قيل : بيّن لها الخير والشر. وقيل : أعلمها أن أحدهما حسن والآخر قبيح. وقيل : ألهمها الخير والشر. أو مكّنها من الإتيان بهما. وهذا الأظهر والأولى بالصواب. ذلك أن الإنسان قد ركّب في طبعه الميل لما تهواه نفسه من خير أو شر. فهو قد ألهم ذلك إلهاما ومكّن من فعله تمكينا.
قوله :﴿ قد أفلح من زكّاها ﴾ جواب القسم. والتقدير : لقد أفلح من زكاها. وقيل : الجواب محذوف، وتقديره : ليدمدمنّ الله على المشركين الذين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الأظهر.
والمعنى : لقد فاز ونجح من طهر نفسه بالإيمان بالله والعمل بما يرضيه فالتزم شرعه وأحكام دينه واجتنب المعاصي والرذائل.
قوله :﴿ وقد خاب من دسّاها ﴾ دسّى، بالألف المقصورة، يدسّي. وأصلها : دسس يدسس. من الدس وهو الإخفاء ودفن الشيء تحت الشيء. يعني دسّ نفسه مع الصالحين وليس منهم. أو خابت نفس دساها الله. واندسّ بمعنى اندفن١.
والمعنى : وقد خسر من دسى نفسه أو دسسها أي أغواها وأخفاها بالفسوق والفجور والمعاصي. وقيل : الضمير عائد إلى الله. فالله جل جلاله طهر النفس وجعلها زكية بالإيمان وصالح الأعمال. وهو سبحانه دساها أي أغواها٢.
١ القاموس المحيط ص ٧٠٢..
٢ تفسير النسفي جـ ٤ ص ٣٦١ وتفسير ابن كثير جـ ٤ ص ٥١٧..
قوله تعالى :﴿ كذبت ثمود بطغواها ١١ إذ انبعث أشقاها ١٢ فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها ١٣ فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها ١٤ ولا يخاف عقباها ﴾.
يبين الله في ذلك ما حل بثمود قوم صالح. هؤلاء الطغاة العتاة الذين دعاهم نبيهم صالح إلى دين الله وحذرهم الضلال والشرك وقتل الناقة، لكنهم كذبوه وعتوا عن أمر الله وأبو إلا الطغيان في العصيان، فأخذهم الله ببطشه الشديد وانتقامه المفظع. وهو قوله :﴿ كذبت ثمود بطغواها ﴾ أي كذبوا رسولهم صالحا بسبب طغيانهم وعتوهم. فالحامل لهم على التكذيب، ما كانوا عليه من شديد الطغيان والتمرد.
قوله :﴿ إذ انبعث أشقاها ﴾ أي حين انبعث أو قام أشقاها. وهو أشقى ثمود. وقيل : اسمه قدار بن سالف. وقد ذكر أنه كان أشقر أزرق قصيرا. وكان هذا الشقي عزيزا في قومه، شريفا فيهم. وكان فيهم رئيسا مطاعا.
وروي عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : " ألا أحدثك بأشقى الناس " قال : بلى. قال : " رجلان : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذا – يعني قرنه - حتى تبتل منه هذه " يعني لحيته.
قوله :﴿ فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها ﴾ ناقة منصوب على التحذير أي احذروا ناقة الله ولا تمسوها بسوء ﴿ وسقياها ﴾ أي واحذروا سقياها وهو شربها فلا تذودوها عنه. فإن لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم.
قوله :﴿ فكذبوه فعقروها ﴾ كذبت ثمود نبيهم صالحا فيما أمرهم به وحذّرهم من فعله فقتلوا الناقة التي أخرجها الله من الصخرة معجزة لهم وحجة عليهم ﴿ فدمدم عليهم ربهم بذنبهم ﴾ أي دمر الله عليهم أشد تدمير وأهلكهم إهلاك استئصال بسبب ذنبهم وهو تكذيبهم رسولهم وعقرهم ناقة الله ﴿ فسواها ﴾ أي أخذهم الله جميعا على السواء. أو سوّى الدمدمة عليهم فلم يفلت منهم صغير ولا كبير.
قوله :﴿ ولا يخاف عقباها ﴾ لا يخاف الله عاقبة ما فعل بهم من الدمدمة والاستئصال. فإن الله لا يرهبه في الوجود شيء، وإنما هو العزيز الجبار الذي ذلت له الجباه، وخشعت له النواصي، وخشيت منه الملوك والجبابرة١.
١ تفسير ابن كثير جـ ٤ ص ٥١٨ وتفسير البيضاوي ص ٨٠١ وتفسير النسفي جـ ٤ ص ٣٦١..
Icon