ﰡ
أخبرنا أبو عثمان [الثقفي] الزَّعفراني، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، أخبرنا جعفر بن محمد بن الليث، حدَّثنا أبو حذيفة، حدَّثنا شِبْل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال:
أربع آيات من أول هذه السورة نزلت في المؤمنين، وآيتان بعدها نزلتا في الكافرين، وثلاث عشرة بعدها نزلت في المنافقين.
قال الضحاك: نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته. وقال الكلبي: يعني اليهود.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم، أخبرنا شيبة بن محمد، حدَّثنا علي بن محمد بن قرة، حدَّثنا أحمد بن محمد بن نصر، حدَّثنا يوسف بن بلال، حدَّثنا محمد بن مروان عن الكلبي، عن صالح، عن ابن عباس:
نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبيّ وأصحابه، وذلك: أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله بن أبي: انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم، فذهب فأخذ بيد أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال: مرحباً بالصِّديق سيد بني تيم، وشيخ الإسلام، وثاني رسول الله في الغار، الباذل نفسه وماله. ثم أخذ بيد عمر رضي الله عنه فقال: مرحباً بسيد بني عَدِيّ بن كعب، الفاروق القوي في دين الله، الباذل نفسه وماله لرسول الله. ثم أخذ بيد علي كرم الله وجهه فقال: مرحباً بابن عم رسول الله وخَتَنِه، سيد بني هاشم ما خلا رسول الله. ثم افترقوا. فقال عبد الله لأصحابه: كيف رأيتموني فعلت؟ فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت فأثْنَوْا عليه خيراً. فرجع المسلمون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبروه بذلك. فأنزل الله هذه الآية.
قال ابن عباس في رواية أبي صالح: لما ضرب الله تعالى هذين المثلين للمنافقين، يعني قوله: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً﴾ وقوله: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ﴾ قالوا: الله أجل وأعلى من أن يضرب الأمثال: فأنزل الله هذه الآية.
وقال الحسن وقتادة: لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه، وضرب للمشركين [به] المثل - ضحكت اليهود وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله، فأنزل الله هذه الآية.
أخبرنا أحمد بن عبد الله بن إسحاق الحافظ في كتابه، أخبرنا سليمان بن أيوب الطبراني، حدَّثنا بكر بن سهل، حدَّثنا عبد العزيز بن سعيد، عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً﴾ قال:
وذلك أن الله ذكر آلهة المشركين فقال ﴿وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً﴾ وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت، فقالوا: أرأيت حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد، أيّ شيء يصنع بهذا؟ فأنزل الله هذه الآية.
قال ابن عباس في رواية الكلبي، عن أبي صالح بالإسناد الذي ذكر:
نزلت في يهود [أهل] المدينة، كان الرجل منهم يقول لصهره ولذوي قرابته ولمن بينهم وبينه رضاع من المسلمين: اثبت على الدين الذي أنت عليه، وما يأمرك به هذا الرجل - يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم - فإنَّ أمره حق. فكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه.
عند أكثر أهل العلم: أن هذه الآية خطاب لأهل الكتاب، وهو مع ذلك أدب لجميع العباد. وقال بعضهم: رجع بهذا الخطاب إلى خطاب المسلمين. والقول الأول أظهر.
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ، حدَّثنا أبو يحيى الرازي، حدَّثنا سهل بن عثمان العسكري، حدَّثنا يحيى بن أبي زائدة قال: قال ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال:
لما قص سَلْمَان على النبي صلى الله عليه وسلم، قصة أصحاب الدير، قال: هم في النار. قال سلمان: فأظلمت عليّ الأرض، فنزلت: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ﴾ إلى قوله: ﴿وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ قال: فكأنما كشِف عني جبل.
أخبرني محمد بن عبد العزيز المَرْوَزِيّ، أخبرنا محمد بن الحسين الحدّادِي، أخبرنا أبو يزيد، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عمرو، عن أسباط، عن السُّدِّيّ: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ..﴾ الآية، قال: نزلت في أصحاب سلمان الفارسي لما قدم سلمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعل يخبر عن عبادتهم واجتهادهم، وقال: يا رسول الله. كانوا يصلون ويصومون، ويؤمنون بك، ويشهدون أنك تبعث نبيِّاً. فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا سلمان هم من أهل النار، فأنزل الله: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ﴾ وتلا إلى قوله: ﴿وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر، أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكرياء، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدّغولي، أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة، حدثنا عمرو بن حماد، حدثنا أسباط، عن السدي، عن أبي مالك، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مُرَّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ...﴾ الآية، نزلت هذه الآية في سلمان الفارسي.
وكان من أهل جُنْدَيْسَابُور من أشرافهم، وما بعد هذه الآية نازلة في اليهود.
قال ابن عباس ومقاتل: نزلت في السبعين الذي اختارهم موسى ليذهبوا معه إلى الله تعالى، فلما ذهبوا معه [إلى الميقات] وسمعوا كلام الله تعالى وهو يأمره وينهاه رجعوا إلى قومهم. فأما الصادقون فأَدَّوْا كما سمعوا. وقالت طائفة منهم: سمعنا الله في آخر كلامه يقول: إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا، وإن شتم فلا تفعلوا ولا بأس.
وعند أكثر المفسرين: نزلت الآية في الذين غيروا الرجم وصفة محمد صلى الله عليه وسلم.
نزلت في الذين غيروا صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وبدلوا نعته.
قال الكلبي بالإسناد الذي ذكرنا: إنهم غيّروا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في كتابهم، وجعلوه آدَمَ سَبْطاً طويلاً، وكان رَبْعَةً أسمر صلى الله عليه وسلم. وقالوا لأصحابهم وأتباعهم: انظروا إلى صفة النبي الذي يُبعث في آخر الزمان، ليس يشبه نعت هذا. وكانت للأحبار والعلماء مَأكَلة من سائر اليهود، فخافوا أن تذهب مأكلتهم إن بَيَّنُوا الصفةَ؛ فمِنْ ثَمَّ غيّروا.
أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم الصوفي، أخبرنا أبو الحسين [محمد بن أحمد بن حامد] العطار، أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن سعد الزهري؛ حدَّثنا أبي وعمّي قالا: حدَّثنا أبي عن ابن إسحاق، حدَّثنا محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، المدينة، واليهود تقول: إنما هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما يعذَّب الناس في النار لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوماً واحداً في النار، من أيام الآخرة، وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب، فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم: ﴿وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً﴾.
[أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التَّمِيمي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن حيّان، حدَّثنا محمد بن عبد الرحمن الرازيّ، حدَّثنا سهل بن عثمان، حدَّثنا مروان بن معاوية حدَّثنا جُويبر، عن الضحاك عن ابن عباس: في قوله: ﴿وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً﴾ قال]:
وجد أهل الكتاب ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين [عاماً] فقالوا: لن نعذب في النار إلا ما وجدنا في التوراة. فإذا كان يوم القيامة اقتحموا في النار. فساروا في العذاب حتى انتهوا إلى سقر، وفيها شجرة الزقوم، إلى آخر يوم من الأيام المعدودة، قال: فقال لهم خزنة [أهل] النار: يا أعداء الله، زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلاَّ أياماً معدودة، فقد انقضى العدد، وبقي الأبد.
قال ابن عباس: كان يهود خيبر تقاتل غطفان، فكلما التقوا هزمت يهود خيبر، فعاذت اليهود بهذا الدعاء، وقالت: اللهم إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلاَّ نصرتنا عليهم. قال: فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء، فهزَموا غطفان. فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به، فأنزل الله تعالى: ﴿وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ أي بك يا محمد، إلى قوله: ﴿فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ﴾.
وقال السدي: كانت العرب تمر بيهود فَيَلْقَوْن منهم أذى، وكانت اليهود تجد نعت محمد في التوراة [ويسالونك الله] أن يبعثه، فيقاتلون معه العرب. فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم، كفروا به حسداً، وقالوا: إنما كانت الرسل من بني إسرائيل، فما بال هذا من بني إسماعيل؟!.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد، أخبرنا الحسن بن أحمد الشيباني، أخبرنا المؤمل بن الحسن [بن عيسى]، حدَّثنا محمد بن إسماعيل بن سالم، حدَّثنا أبو نعيم، حدَّثنا عبد الله بن الوليد، عن بُكَيْر، عن ابن شهاب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:
أقبلت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم نسألك عن أشياء فإن أجبتنا فيها اتبعناك، أخبرنا من الذي يأتيك من الملائكة؟ فإنه ليس [من] نبي إلاَّ يأتيه ملك من عند ربه عزّ وجلّ بالرسالة وبالوحي، فمن صاحبك؟ قال: جبريل: قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال، ذاك عدونا، لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالقطر والرحمة تابعناك. فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ﴾ إلى قوله: ﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾.
قال ابن عباس: هذا جواب لابن صُوريا حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه، وما أنزل عليك من آية بينة بها. فأنزل الله هذه الآية.
أخبرنا محمد بن عبد العزيز القَنْطَرِي، أخبرنا أبو الفضل الحدادي، أخبرنا أبو زيد الخالدي، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، حدَّثنا جرير، أخبرنا حُصين بن عبد الرحمن، عن عمران بن الحارث قال:
بينما نحن عند ابن عباس إذ قال: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء، فيجيئ أحدهم بكلمة حق، فإذا جُرِّب من أحدهم الصدق كذَب معها سبعين كذبة، فيشربها قلوبَ الناس. فاطلع على ذلك سليمان فأخذها فدفنها تحت الكرسي، فلما مات سليمان قام شيطان بالطريق فقال: ألا أدلكم على كنز سليمان الممنع الذي لا كنز له مثله؟ قالوا: نعم، قال: تحت الكرسي، فأخرجوه فقالوا: هذا سحر. فتناسخته الأمم، فأنزل الله تعالى عذر سليمان ﴿وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾.
وقال الكلبي: إن الشياطين كتبوا السحر والنَيْرَنْجِيَّات على لسان آصف: هذا ما علَّم آصف بن برخيا سليمانَ الملك، ثم دفنوها تحت مصلاه حين نزع الله ملكه، ولم يشعر بذلك سليمان؛ فلما مات سليمان استخرجوه من تحت مصلاه، وقالوا للناس: إنما ملككم سليمان بهذا فتعلموه. فأما علماء بني إسرائيل فقالوا: معاذ الله أن يكون هذا علم سليمان. وأما السفلة فقالوا: هذا علم سليمان، وأقبلوا على تعلّمه، ورفضوا كتب أنبيائهم. ففشت الملامة لسليمان، فلم تزل هذه حالهم حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عذر سليمان على لسانه، وأظهر براءته مما رمي به، فقال: ﴿وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَاطِينُ﴾ الآية.
أخبرنا سعيد بن العباس القرشي كتابة: أن الفضل بن زكرياء، حدثهم عن أحمد بن نجدة، أخبرنا سعيد بن منصور، حدَّثنا عتاب بن بشير، أخبرنا خُصَيف قال:
كان سليمان إذا نبتت الشجرة قال: لأي داء أنت؟ فتقول: لكذا وكذا. فلما نبتت شجرة الخُرْنُوبَة قال: لأي شيء أنت؟ قالت: لمسجدك أخربه قال: تخربينه؟! قالت: نعم، قال: بئس الشجرة أنت. فلم يلبث أن توفي، فجعل الناس يقولون في مرضاهم: لو كان [لنا] مثل سليمان. فأخذت الشياطين فكتبوا كتاباً فجعلوه في مصلى سليمان وقالوا: نحن ندلكم على ما كان سليمان يداوي به. فانطلقوا فاستخرجوا ذلك [الكتاب] فإِذا فيه سحر ورقى. فأنزل الله تعالى: ﴿وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ إلى قوله: ﴿فَلاَ تَكْفُرْ﴾.
قال السّدي: إن الناس في زمن سليمان اكتتبوا السحر فاشتغلوا بتعلمه، فأخذ سليمان تلك الكتب [وجعلها في صندوق] ودفنها تحت كرسيه، ونهاهم عن ذلك. فلما مات سليمان وذهب [الذين] كانوا يعرفون دفنه الكتب، تمثل شيطان على صورة إنسان، فأتى نفراً من بني إسرائيل فقال: هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبداً؟ قالوا: نعم، قال: فاحفروا تحت الكرسي، فحفروا فوجدوا تلك الكتب، فلما أخرجوها قال الشيطان: إن سليمان كان يضبط الجن والإنس والشياطين والطير بهذا. فاتخذ بنو إسرائيل تلك الكتب، فلذلك أكثر ما يوجد السحر في اليهود. فبرّأ الله عزّو جلّ سليمان من ذلك، وأنزل هذه الآية.
قال ابن عباس في رواية عطاء: وذلك أن العرب كانوا يتكلمون بها، فلما سمعتهم اليهود يقولونها للنبي صلى الله عليه وسلم، أعجبهم ذلك. وكان راعنا في كلام اليهود السب القبيح فقالوا: إنا كنا نسب محمداً سراً، فالآن أعلنوا السب لمحمد لأنه من كلامهم. فكانوا يأتون نبي الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون: يا محمد، راعنا ويضحكون، ففطن بها رجل من الأنصار، وهو سعد بن عبادة، وكان عارفاً بلغة اليهود، فقال: يا أعداء الله، عليكم لعنة الله، والذي نفس محمد بيده، لئن سمعتها من رجل منكم لأضربنّ عنقه. فقالوا: الستم تقولونها [له؟] فأنزل الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا﴾ الآية.
قال المفسرون: إن المسلمين كانوا إذا قالوا لحلفائهم من اليهود: آمنوا بمحمد، قالوا: هذا الذي تدعوننا إليه ليس بخير مما نحب عليه، ولَوَددنا لو كان خيراً. فأنزل الله تعالى تكذيباً لهم [هذه الآية].
قال المفسرون: إن المشركين قالوا: ألا ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاههم عنه ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولاً ويرجع عنه غداً؟! ما هذا القرآن إلاَّ كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه، وهو كلام يناقض بعضه بعضاً. فأنزل الله تعالى: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ﴾ الآية. وأنزل أيضاً: ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ الآية.
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي أمية ورهط من قريش، قالوا: يا محمد اجعل لنا الصفا ذهباً، ووسع لنا أرض مكة، وفَجِّر الأنهارَ خلالها تفجيراً - نُؤْمِنْ بك. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال المفسرون: إن اليهود وغيرهم من المشركين تمنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن قائل يقول: إيتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة، ومن قائل يقول - وهو عبد الله بن أبي أمية المخزومي -: إيتنا بكتاب من السماء فيه: "من رب العالمين إلى ابن أبي أمية، اعلم أنني قد أرسلت محمداً إلى الناس". ومن قائل يقول: لن نؤمن لك أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال ابن عباس: نزلت في نفر من اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة أحد: ألم تروا إلى ما أصابكم؟ ولو كنتم على الحق ما هزمتم، فارجعو إلى ديننا فهو خير لكم.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل.
أخبرنا أحمد بن محمد [بن الحسن]، حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه:
أَن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً، وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، ويحرض عليه كفار قريش في شعره، وكان المشركون واليهود من [أهل] المدينة حين قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أشد الأذى، فأمر الله تعالى نبيه بالصبر على ذلك والعفو عنهم، وفيهم أنزلت: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ﴾ إلى قوله: ﴿فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ﴾.
نزلت في يهود أهل المدينة ونصارى أهل نجران، وذلك أن وفد نَجْرَان لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم، فقالت اليهود: ما أنتم على شيء من الدين، وكفروا بعيسى والإنجيل؛ وقالت لهم النصارى: ما أنتم على شيء من الدين، وكفروا بموسى والتوراة. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
نزلت في طَطُوس الرومي وأصحابه من النصارى، وذلك أنهم غزوا بني إسرائيل فقتلو مقاتِلَتَهم، وسَبَوْا ذراريهم، وحرّقوا التوراة وخرّبوا بيت المقدس، وقذفوا فيه الجيف. وهذا [معنى] قول ابن عباس في رواية الكلبي.
وقال قتادة [والسُّدّي]: هو بُخْتُنَصَّر وأصحابه، غزوا اليهود وخربوا بيت المقدس، وأعانتهم على ذلك النصارى من أهل الروم.
وقال ابن عباس في رواية عطاء: نزلت في مشركي أهل مكة ومَنْعِهم المسلمين من ذكر الله تعالى في المسجد الحرام.
اختلفوا في سبب نزولها.
فأخبرنا أبو منصور المنصوري، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدَّثنا أبو محمد إسماعيل بن علي، حدَّثنا الحسن بن علي بن شبيب العمري، حدَّثنا أحمد بن عبيد الله بن الحسن العنبري، قال: وجدت في كتاب أبي: حدَّثنا عبد الملك العَرْزَمِيّ، حدَّثنا عطاء بن أبي رَبَاح، عن جابر بن عبد الله، قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، سَرِيَّة كنتُ فيها، فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة منا: قد عرفنا القبلة، هي ها هنا قِبَلَ الشمال. فصلّوا وخطّوا خطوطاً. وقال بعضنا: القبلة ها هنا قِبَلَ الجنوب، [فصلوا] وخطوا خطوطاً. فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة. فلما قَفَلْنَا من سفرنا سألنا النبي صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فسكت، فأنزل الله تعالى: ﴿وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ﴾ الآية.
وأخبرنا أبو منصور، أخبرنا علي، حدَّثنا يحيى بن صاعد، حدَّثنا محمد بن إسماعيل الأَحْمَسِي، حدَّثنا وكيع، حدَّثنا أشعث السَّمَّان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، قال:
كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، في السفر في ليلة مظلمة، فلم ندر كيف القبلة، فصلى كل رجل منا على حِيَالِه، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ﴾.
ومذهب ابن عمر: أن الآية نازلة في التطوع بالنافلة.
أخبرنا أبو القاسم بن عبدان، حدَّثنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدَّثنا محمد بن يعقوب، حدَّثنا أبو البختري عبد الله بن محمد بن شاكر، حدَّثنا أبو أسامة، عن عبد الملك بن سليمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، قال:
أنزلت: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ﴾ أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك؛ في التطوع.
وقال ابن عباس في رواية عطاء: إن النجاشي توفي فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن النجاشي توفي فصلّ عليه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصحابه أن يحضروا، وصفّهم ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لهم: إن الله أمرني أن أصلي على النجاشي وقد توفي، فصلوا عليه. فصلّى رسول الله [وهم عليه]. فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أنفسهم: كيف نصلي على رجل مات وهو يصلي لغير قبلتنا. وكان النجاشي يصلي إلى بيت المقدس حتى مات وقد صرفت القبلة إلى الكعبة. فأنزل الله تعالى: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ﴾.
ومذهب قتادة: أن هذه [الآية] منسوخة بقوله تعالى: ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء الخراساني. وقال: أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة، قال الله تعالى: ﴿وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ﴾ قال: فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحو بيت المقدس، وترك البيت العتيق، ثم صرفه الله تعالى إلى البيت العتيق.
وقال في رواية [علي] بن أبي طلحة الوَالبيّ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما هاجر إلى المدينة -كان أكثر أهلها اليهود - أمره الله أن يستقبل بيت المقدس. ففرحت اليهود، فاستقبلها بضعة عشر شهراً. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحب قبلة إبراهيم؛ فلما صرفه الله تعالى إليها ارتاب من ذلك اليهود، وقالوا: ما وَلاَّهُمْ عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل الله تعالى: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ﴾.
نزلت في اليهود حيث قالوا: عزير ابن الله، وفي نصارى نجران حيث قالوا: المسيح ابن الله، وفي مشركي العرب [حيث] قالوا: الملائكة بنات الله.
قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ذات يوم: ليت شعري ما فعل أبواي! فنزلت هذه الآية. وهذا على قراءة من قرأ: ﴿وَلاَ تَسْأَلْ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيِمِ﴾جَزْماً.
وقال مقاتل: إن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لو أن الله أنزل بأسه اليهود لآمنوا. فأنزل الله تعالى: ﴿وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ﴾.
قال المفسرون: إنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة، ويطمعونه أنه إن هادنهم وأمهلهم اتبعوه ووافقوه. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال ابن عباس: هذا في القبلة؛ وذلك أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصليَ النبي صلى الله عليه وسلم، إلى قبلتهم. فلما صرف الله القبلة إِلى الكعبة شق ذلك عليهم ويئسوا منه أن يوافقهم على دينهم. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال ابن عباس - في رواية عطاء والكلبي -: نزلت في أصحاب السفينة الذين أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة؛ كانوا أربعين رجلاً من الحبشة وأهل الشام.
وقال الضحاك: نزلت فيمن آمن من اليهود.
وقال قتادة وعكرمة: نزلت في [أصحاب] محمد صلى الله عليه وسلم.
نزلت في اليهود حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ألست تعلم أَنَّ يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية؟.
قال ابن عباس: نزلت في رؤوس يهود المدينة: كعب بن الأشرف، ومالك بن الصيف [ووهب بن يهوذا] وأبي ياسر بن أخْطَبَ، وفي نصارى أهل نجران. وذلك أنهم خاصموا المسلمين في الدين، كلّ فرقة تزعم أنها أحق بدين الله تعالى من غيرها. فقالت اليهود: نبينا موسى أفضل الأنبياء، وكتابنا التوراة أفضل الكتب، وديننا أفضل الأديان. وكفرت بعيسى والإنجيل ومحمد والقرآن.
وقال النصارى: نبينا عيسى أفضل الأنبياء، وكتابنا الإنجيل أفضل الكتب، وديننا أفضل الأديان، وكفرت بمحمد والقرآن. وقال كل واحد من الفريقين للمؤمنين: كونوا على ديننا فلا دين إلاَّ ذلك. وَدَعَوْهم إلى دينهم.
قال ابن عباس: إن النصارى كان إذا وُلِدَ لأحدهم ولد فأتى عليه سبعة أيام صبغوه في ماء لهم يقال له: المعمودي، ليطهروه بذلك، ويقولون: هذا طهور مكان الختان. فإذا فعلوا ذلك [قالوا: الآن] صار نصرانيَّاً حقَّاً، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
نزلت في تحويل القبلة.
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر، وأخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا الحسن بن محمد بن مصعب، حدَّثنا يحيى بن حكيم، حدَّثنا عبد الله بن رجاء، حدَّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البَرَاء قال:
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، المدينة فصلّى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحب أن يُوَجّه نحو الكعبة - فأنزل الله تعالى: ﴿قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ﴾ إلى آخر الآية. وقال السفهاء من الناس - وهم اليهود -: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قال الله تعالى: ﴿قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ﴾ إلى آخر الآية.
رواه البخاري عن عبد الله بن رجاء.
قال ابن عباس في رواية الكلبي: كان رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد ماتوا على القبلة الأولى منهم أسعد بن زُرَاةَ، وأبو أمَامَةَ أحَدُ بني النّجار، والبَرَاء بن مَعْرُور أحد بني سلمة، وأناس آخرون جاءت عشائرهم فقالوا: يا رسول الله توفي إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى، وقد صرفك الله تعالى إلى قبلة إبراهيم، فكيف بإخواننا؟ فأنزل الله ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ الآية.
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لجبريل عليه السلام: وَدِدْتُ أَنَّ الله تعالى صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها - وكان يريد الكعبة لأنها قبلة إبراهيم - فقال له جبريل: إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئاً، فسل ربك أن يحولك عنها إلى قبلة إبراهيم. ثم ارتفع جبريل وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل بما سأله. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدَّثنا عبد الوهاب بن عيسى، حدَّثنا أبو هشام الرفاعي، حدَّثنا أبو بكر ابن عياش، حدَّثنا أبو إسحاق، عن البَرَاء قال:
صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد قدومه المدينة ستة عشر شهراً نحو بيت المقدس، ثم علم الله عز وجل هوى نبيه صلى الله عليه وسلم، فنزلت: ﴿قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ الآية، رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي الأحوص.
ورواه البخاري عن أبي نعيم عن زهير، كلاهما عن أبي إسحاق.
نزلت في مؤمني أهل الكتاب: عبد الله بن سَلاّم وأصحابه، كانوا يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنعته وصفته ومبعثه في كتابهم؛ كما يعرف أحدهم ولده إذا رآه مع الغلمان.
قال عبد الله بن سلام: لأنا [كنت] أَشدَّ معرفة برسول الله صلى الله عليه وسلم، مني بابني. فقال له عمر بن الخطاب: وكيف ذاك يا ابن سلام؟ قال: لأني أشهد أن محمداً رسول الله حقاً يقيناً، وأنا لا أشهد بذلك على ابني؛ لا أدري ما أحدث النساء. فقال عمر: وفقك الله يا ابن سلام.
نزلت في قتلى بدر [من المسلمين]، وكانوا بضعة عشر رجلاً: ثمانيةً من الأنصار، وستة من المهاجرين: وذلك أن الناس كانوا يقولون للرجل يقتل في سبيل الله: مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها. فأنزل الله هذه الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد، أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه، أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدَّثني مصعب بن عبد الله الزُّبَيْرِي، حدَّثنا مالك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت:
أنزلت هذه الآية في الأنصار، كانوا يحجون لِمَنَاةَ، وكانت مناة حَذْوَ قُدَيْدٍ وكانوا يتحرَّجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة. فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية.
رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، عن مالك.
وأخبرنا أبو بكر التميمي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدَّثنا أبو يحيى الرازي، حدَّثنا سهل العسكري، حدَّثنا يحيى وعبد الرحمن، عن هشام، عن أبيه عن عائشة، قالت:
أنزلت هذه الآية في ناس من الأنصار كانوا إذا أهلوا [أهلوا] لمناة في الجاهلية، ولم يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة. فلما قدموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الحج ذكروا ذلك له. فأنزل الله تعالى هذه الآية. رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي أسامة، عن هشام [عن أبيه، عن عائشة].
وقال أنس بن مالك: كنا نكره الطواف بين الصفا والمروة؛ لأنهما كانا من مشاعر قريش في الجاهلية، فتركناه في الإسلام. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عمرو بن حُبْشِي: سألت ابن عمر عن هذه الآية فقال: انطلق إلى ابن عباس فسله، فإنه أعلم مَنْ بقي بما أنزل [الله] على محمد صلى الله عليه وسلم. فأتيته فسألته فقال: كان على الصفا صنم على صورة رجل يقال له: إسَافٌ، وعلى المروة صنم على صورة امرأة تدعى نائلة؛ زعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجرين، فوضعا على الصفا والمروة ليعتبر بهما. فلما طالت المدة عُبِدَا مِنْ دون الله تعالى. فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بينهما مسحوا [على] الوثنين. فلما جاء الإسلام وكسرت الأصنام، كره المسلمون الطواف بينهما لأجل الصنمين. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال السُّدِّي: كان في الجاهلية تَعْزِفُ الشياطين بالليل بين الصفا والمروة، وكانت بينهما آلهة. فلما ظهر الإسلام قال المسلمون: يا رسول الله، لا نطوف بين الصفا والمروة، فإنه شرك كنا نصنعه في الجاهلية. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البَزّاز، أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان، أخبرنا حامد بن محمد بن شعيب، أخبرنا محمد بن بكار، حدَّثنا إسماعيل بن زكريا، عن عاصم، عن أنس بن مالك، قال:
كانوا يمسكون عن الطواف بين الصفا والمروة، وكانا من شعائر الجاهلية، وكنا نتقي الطواف بهما. فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ الآية.
رواه البخاري عن أحمد بن محمد، عن عاصم.
نزلت في علماء أهل الكتاب وكتمانهم آية الرجم وأَمْرَ محمد صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا عبد العزيز بن طاهر التميمي، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، أخبرنا أبو عبد الله الزيادي، حدَّثنا موسى بن مسعود النَّهْدِي، حدَّثنا شبل، عن ابن أبي نَجيح، عن عطاء قال:
أنزل بالمدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ﴾. فقالت كفار قريش بمكة: كيف يسع الناسَ إله واحد؟ فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ﴾ حتى بلغ: ﴿لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
أخبرنا أبو بكر الأصبهاني، أخبرنا عبد الله بن محمد الحافظ، حدَّثنا أبو يحيى الرازي، حدَّثنا سهل بن عثمان [العسكري]، حدَّثنا أبو الأحوص، عن سعيد بن مسروق، عن أبيّ الضُّحَى قال:
لما نزلت هذه الآية: ﴿وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ﴾ تعجب المشركون وقالوا: إله واحد! إن كان صادقاً فليأتنا بآية. فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ﴾ إلى آخر الآية.
قال الكلبي [عن أبي صالح]: نزلت في ثقيف، وخُزَاعَةَ، وعامر بن صَعْصَعَةَ حرّموا علي أنفسهم من الحَرْث والأنعام، وحرَّمُوا البَحِيْرَةَ والسَّائبَةَ والَوَصِيلَةَ والحامِيَ.
قال الكلبي عن [أبي صالح عن] ابن عباس: نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم كانوا يصيبون من سِفْلَتِهِم الهدايا [والفُضُول]، وكانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم. فلما بُعِثَ من غيرهم خافوا ذَهاب مَأْكَلَتِهم، وزوال رياستهم. فعمدوا إلى صفة محمد صلى الله عليه وسلم، فغيروها، ثم أخرجوها إليهم وقالوا: هذا نعت النبي الذي يخرج في آخر الزمان لا يشبه نعت هذا النبي الذي بمكة. فإذا نظرت السفلة إلى النعت المغير وجدوه مخالفاً لصفة محمد، فلا يتبعونه.
قال قتادة: ذُكِرَ لنا أن رجلاً سأل نبي الله صلى الله عليه وسلم، عن البِرِّ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال: وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد أن لا إِله إِلاَّ الله وأن محمداً عبده ورسوله، ثم مات على ذلك - وجبت له الجنة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال الشعبي: كان بين حَيَّين من أحياء العرب قتال، وكان لأحد الحيين طَوْلٌ على الآخر، فقالوا: نقتل بالعبد منا الحُرَّ منكم، وبالمرأة الرجل. فنزلت هذه الآية.
قال ابن عباس في رواية الوَالبي: وذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلّوا العشاء حَرُمَ عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة. ثم إن ناساً من المسلمين أصابوا من الطعام والنساء في شهر رمضان بعد العشاء، منهم: عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية.
أخبرنا أبو بكر الأصفهاني، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدَّثنا عبد الرحمن بن محمد الرازي، حدَّثنا سهل بن عثمان العسكري، حدَّثنا يحيى بن [أبي] زائدة، حدَّثني أبي وغيره، عن أبي إسحاق، عن البَرَاء بن عازب قال:
كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويمسون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا لم يفعلوا شيئاً من ذلك إلى مثلها [من القابلة]. إن قيس بن صِرْمَة الأنصاري كان صائماً، فأتى أهله عند الإفطار فانطلقت امرأته تطلب شيئاً وغلبته عينه فنام، فلما انتصف النهار من غد غشي عليه. قال: وأتى عمر امرأته وقد نامت، فذكر ذلك للنبي، صلى الله عليه وسلم، فنزل: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿مِنَ ٱلْفَجْرِ﴾ ففرح المسلمون بذلك.
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد الشيباني، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدَّغُولي، حدَّثنا الزعفراني، حدَّثنا شبابة، حدَّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البَرَاءِ قال:
كان أصحاب محمد، صلى الله عليه وسلم، إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يطعم لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صِرْمَة الأنصاري كان صائماً، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلُبُ لك؛ وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه وجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك. فأصبح صائماً، فلما انتصف النهار غُشِيَ عليه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ﴾ ففرحوا بها فرحاً شديداً.
رواه البخاري عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن الفضل، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ، حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا هشام بن عمار، حدَّثنا يحيى بن حمزة، حدَّثنا إسحاق بن أبي فَرْوَة، عن الزهري أنه حدثه عن القاسم بن محمد قال:
إن بدء الصوم: كان يصوم الرجل من عشاء إلى عشاء، فإذا نام لم يصل إلى أهله بعد ذلك ولم يأكل ولم يشرب. حتى جاء عمر إلى امرأته فقال: إني قد نمت، فوقع بها. وأمسى صِرْمَة بن أنس صائماً فنام قبل أن يفطر - وكانوا إذا ناموا لم يأكلوا ولم يشربوا - فأصبح صائماً وكاد الصوم يقتلهم، فأنزل الله عز وجلّ الرخصة، قال: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ﴾ الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد، أخبرنا جدي، أخبرنا أبو عمر الحبري، حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا ابن أبي مريم. أخبرنا أو غَسّان. حدَّثني أبو حازم، عن سهل بن سَعْد قال:
نزلت هذه الآية: ﴿وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ﴾ ولم ينزل ﴿مِنَ ٱلْفَجْرِ﴾ فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رُؤْيَتَهُما فأنزل الله تعالى بعد ذلك: ﴿مِنَ ٱلْفَجْرِ﴾ فعلموا [أنه] إنما يعني بذلك الليل والنهار.
رواه البخاري عن ابن أبي مريم.
ورواه مسلم، عن محمد بن سهل، عن ابن أبي مريم.
قال مقاتل بن حيان: نزلت هذه الآية في امرىء القيس بن عابس الكندي وفي عبدان بن أشوع الحَضْرَمي، وذلك أنهما اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، في أرض، وكان امرؤ القيس المطلوب وعبدان الطالب، فأنزل الله تعالى هذه الآية. فحكّم عبدان في أرضه ولم يخاصمه.
قال معاذ بن جبل: يا رسول الله، إن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة: ذُكر لنا أنهم سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم: لم خلقت هذه الأهلة؟ فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ﴾.
وقال الكلبي: نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن عنمة وهما رجلان من الأنصار، قالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو فيطلع دقيقاً مثل الخيط، ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير، ثم لا يزال ينتقص ويدق حتى يكون كما كان: لا يكون على حال واحدة؟ فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا﴾، [١٨٩].
أخبرنا محمد بن إبراهيم المُزكي، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، أخبرنا أبو خليفة، حدَّثنا أبو الوليد والحوضي قالا: حدَّثنا شعبة قال: أنبأنا أبو إسحاق، قال سمعت البراء [بن عازب] يقول:
كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها، فجاء رجل فدخل من قِبَلِ باب، فكأنما عير بذلك، فنزلت هذه الآية.
رواه البخاري عن أبي الوليد.
ورواه مسلم عن بُنْدَار، عن غُنْدَر عن شعبة.
أخبرنا أبو بكر التميمي، حدَّثنا أبو الشيخ، حدَّثنا أبو يحيى الرازي، حدَّثنا سهل بن عُبيد، حدَّثنا عبيدة، عن الأعمش، عن أبي سفيان؛ عن جابر قال: كانت قريش تدعى الحُمُس، وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام؛ فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بستان إذ خرج من بابه، وخرج معه قُطْبَةُ بن عامر الأنصاري، فقالوا يا رسول الله: إن قطبة بن عامر رجل فاجر، وإنه خرج معك من الباب. فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت، فقال: إني أَحْمِسيّ، قال: فإن ديني دينُك، فأنزل الله ﴿وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا﴾.
وقال المفسرون: كان الناس في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحج أو العمرة، لم يدخل حائطاً ولا بيتاً ولا داراً من بابه، فإن كان من أهل المدن نَقَب نَقْباً في ظهر بيته منه يدخل ويخرج، أو يتخذ سلماً فيصعد فيه، وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة والفسطاط، ولا يدخل من الباب حتى يحل من إحرامه، ويرون ذلك ديناً إلا أن يكون من الحمس وهم قريش، وكِنَانَة، وخُزَاعةَ وثَقِيف، وخَثْعَم، وبنو عامر بن صَعْصَعَة، وبنو النَّضرْ بن معاوية؛ سموا حمساً لشدتهم في دينهم قالوا: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات يوم بيتاً لبعض الأنصار، فدخل رجل من الأنصار على أثره من الباب وهو محرم، فأنكروا عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم دخلت من الباب وأنت محرم؟ فقال: رأيتك دخلت من الباب فدخلت على أثرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحمسي، قال الرجل: إن كنت أحْمسياً فإني أحمسي، ديننا واحد، رضيت بهديك وسمتك ودينك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس:
نزلت هذه الآيات في صلح الحُدَيْبِيَةِ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لَمَّا صُدَّ عن البيت هو وأصحابه نحر الهَدْيَ بالحديبية، ثم صالحه المشركون على أن يرجع عامه ثم يأتي القابل على أن يُخْلُوا له مكة ثلاثة أيام فيطوف بالبيت ويفعل ما يشاء وصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان العام المقبل تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو وأصحابه لعمرة القضاء، وخافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك، وأن يصدوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم، وكره أصحابه قتالهم في الشهر الحرام في الحَرَم، فأنزل الله تعالى: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ يعني قريشاً.
قال قتادة: اقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه في ذي القعدة حتى إذا كانوا بالحديبية صدَّهم المشركون، فلما كان العام المقبل دخلوا مكة فاعتمروا في ذي القعدة، وأقاموا بها ثلاث ليال، وكان المشركون قد فخروا عليه حين ردوه يوم الحديبية فَأَقَصَّه الله منهم، فأنزل: ﴿ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ﴾ الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد، أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه، أخبرنا أحمد بن الحسين بن الجنيد، حدَّثنا عبد الله بن أيوب، حدَّثنا هشيم، عن داود، عن الشعبي قال:
نزلت في الأنصار أمسكوا عن النفقه في سبيل الله تعالى فنزلت هذه الآية.
وبهذا الإِسناد عن هشيم، حدَّثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عِكْرمة قال: نزلت في النفقات في سبيل الله.
أخبرنا أبو بكر المهْرَجَاني، أخبرنا أبو عبد الله بن بَطَّة، أخبرنا أبو القاسم البَغوِيّ، حدَّثنا هُدْبة بن خالد، حدَّثنا حماد بن سلمة، عن داود، عن الشعبي، عن الضحاك بن أبي جبيرة، قال:
كانت الأنصار يتصدقون ويطعمون ما يشاء الله، فأصابتهم سنة فأمسكوا، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية.
أخبرنا أبو منصور البغدادي، أخبرنا أبو الحسن السرّاج، حدَّثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدَّثنا هُدبة، حدَّثنا حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير في قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ﴾ قال: كان الرجل يذنب الذنب فيقول لا يغفر لي، فأنزل الله هذه الآية.
أخبرنا أبو القاسم بن عبدان حدَّثنا محمد بن حمدوية، حدَّثنا محمد بن صالح بن هانئ قال حدَّثنا أحمد بن محمد بن أنس القرشي، حدَّثنا عبد الله بن يزيد المقري، أخبرنا حيوة بن شريح، أخبرني يزيد بن أبي حبيب، أخبرني أسلم أبو عمران، قال:
كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر عُقْبَةُ بن عامر الجُهَنيِّ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج من المدينة صف عظيم من الروم، وصففنا لهم صفَّاً عظيماً من المسلمين، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، ثم خرج إلينا مقبلاً، فصاح الناس فقالوا: سبحان الله ألقى بيديه إلى التهلكة، فقام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على غير التأويل، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، إنا لمّا أعزّ الله تعالى دينه وكثَّر ناصريه، قلنا بعضنا لبعض سراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، فلو أنَّا أقمنا فيها وأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله تعالى في كتابه يرد علينا ما هممنا به فقال: ﴿وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ﴾ في الإقامة التي أردنا أن نقيم في الأموال فنصلحها فأمرنا بالغزو. فما زال أبو أيوب الأنصاري غازياً في سبيل الله حتى قبضه الله عزّ وجلّ.
أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمد أباذي حدَّثنا العباس الدوري، حدَّثنا عبيد الله بن موسى، حدَّثنا إسرائيل، عن عبد الرحمن الأصفهاني، عن عبد الله بن معقل، عن كعب بن عُجْرَةَ، قال:
فيّ نزلت هذه الآية: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ﴾ وقع القمل في رأسي فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: احلق وافده صيام ثلاثة أيام، أو النسك، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين صاع.
أخبرنا محمد بن إبراهيم المزكي، حدَّثنا أبو عمرو بن مطر، إملاء، أخبرنا أبو خليفة، حدَّثنا مسدد، عن بشر، حدَّثنا ابن عون، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:
قال كعب بن عجرة: فيّ أنزلت هذه الآية، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ادنه، فدنوت مرتين أو ثلاثاً، فقال: أيؤذيك هَوَامُّك؟ قال ابن عون وأحسبه قال: نعم، فأمرني بصيام أو صدقة أو نسك ما تيسر، رواه مسلم عن أبي موسى، عن ابن عدي، [ورواه البخاري عن أحمد بن يونس عن ابن شهاب]، كلاهما عن ابن عون.
أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الله المخلدي، أخبرنا أبو الحسن السراج، أخبرنا محمد بن يحيى بن سليمان المروزي، حدَّثنا عاصم بن علي، حدَّثنا شعبة، أخبرني عبد الرحمن [بن] الأصفهاني، سمعت عبد الله بن معقل قال:
قعدت إلى كعب بن عُجْرَة في هذا المسجد - مسجد الكوفة - فسألته عن هذه الآية: ﴿فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ قال: حُملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ما كنت أرى أن الجهد بلغ منك هذا، ما تجد شاة؟ قلت: لا فنزلت هذه الآية: ﴿فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾. قال: صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من طعام، فنزلت فيّ خاصة ولكم عامة. رواه البخاري عن آدم بن أبي إِياس وأبي الوليد ورواه مسلم بن بندار عن غندر، كلهم عن شعبة.
أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الصوفي، أخبرنا محمد بن علي الغفاري، أخبرنا إسحاق بن محمد [الرسعني]، حدَّثنا جدي، حدَّثنا المغيرة الصقلاني، حدَّثنا عمر بن بشر المكي، عن عطاء، عن ابن عباس قال:
لما نزلت الحديبية جاء كعب بن عجرة ينتثر هَوَامُّ رأسه على جبهته، فقال: يا رسول الله، هذا القمل قد أكلني قال: احلق وافده. قال: فحلق كعب فنحر بقرة، فأنزل الله عزّ وجلّ في ذلك الموقف: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ﴾ الآية.
قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصيام ثلاثة أيام، والنسك شاة، والصدقة الفَرْقُ بين ستة مساكين، لكل مسكين مدان.
أخبرنا محمد بن محمد المنصوري، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، أخبرنا عبد الله بن المهتدي، حدَّثنا طاهر بن عيسى بن إسحاق التميمي، حدَّثنا زهير بن عباد، حدَّثنا مصعب بن ماهان، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة قال:
مرّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يوقد تحت قدر له بالحديبية فقال: أيؤذيك هَوَامُّ رأسك؟ قال: نعم، قال: احلق. فأنزل الله هذه الآية: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾. قال: فالصيام ثلاثة أيام، والصدقة فرق بين ستة مساكين، والنسك شاة.
[أخبرنا عبد الله بن عباس الهروي فيما كتب إليَّ: أن العباس بن الفضل بن زكريا حدثهم عن أحمد بن نجدة، حدَّثنا سعيد بن منصور، حدَّثنا أبو عوانة، عن عبد الرحمن بن الأصفهاني، عن عبد الله بن معقل قال:
كنا جلوساً في المسجد، فجلس إلينا كعب بن عجرة فقال: فيّ أنزلت هذه الآية: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ﴾ قال: قلت: كيف كان شأنك؟ قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، محرمين، فوقع القمل في رأسي ولحيتي وشاربي حتى وقع في حاجبي، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما كنت أرى أن الجهد بلغ منك هذا، ادعوا الحالق، فجاء الحالق فحلق رأسي، فقال: هل تجد نَسِيكَة؟ قلت: لا، وهي شاة، قال: فصم ثلاثة أيام أو أطعم ثلاثة آصُع بين ستة مساكين. قال فأنزلت فيّ خاصة، وهي للناس عامة].
أخبرنا عمرو بن عمرو المُزَكِّي، أخبرنا محمد بن المكي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، حدَّثنا يحيى بن بشير، حدَّثنا شبابة، عن ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
كان أهل اليمن يحجون ولا يتزدون، يقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله عز وجل: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ﴾.
وقال عطاء بن أبي رباح: كان الرجل يخرج فيحمل كَلَّهُ على غيره، فأنزل الله تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ﴾.
أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزار، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، عن شعيب بن [علي] الزَّرّاع، حدَّثنا عيسى بن مساور، حدَّثنا مروان بن معاوية الفزاري، حدَّثنا العلاء بن المسيب، عن أبي أمامة التيمي قال:
سألت ابن عمر فقلت: إِنا قوم نُكْرى في هذا الوجه، وإن قوماً يزعمون أنه لا حج لنا. قال: ألستم تلبون؛ ألستم تطوفون [ألستم تسعون] بين الصفا والمروة؟ ألستم ألستم؟ قال [قلت]: بلى، قال: إِن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما سألت عنه فلم [يدر ما] يرد عليه حتى نزلت: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ﴾ فدعاه فتلا عليه حين نزلت، فقلت: أنتم الحجاج.
أخبرنا أبو بكر التميمي، حدَّثنا عبد الله بن محمد بن خشنام، حدَّثنا أبو يحيى الرازي، حدَّثنا سهل بن عثمان، حدَّثنا يحيى بن أبي زائدة، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال:
كان ذو المجاز وعكاظ متجراً للناس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ﴾ في مواسم الحج.
وروى مجاهد عن ابن عباس قال:
كانوا يتقون البيوع والتجارة في الحج يقولون: أيام ذكر الله عز وجل: فأنزل الله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ﴾ فاتجروا.
أخبرنا التميمي بالإسناد [المتقدم] الذي ذكرنا، عن يحيى بن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة قالت:
كانت العرب تفيض من عرفات، وقريش ومن دان بدينها تفيض من جَمْع من المشعر الحرام، فأنزل الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ﴾.
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر المزكي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن السَّرْخَسِي، حدَّثنا أبو بكر بن أبي خَيْثَمةَ، حدَّثنا حامد بن يحيى، حدَّثنا سفيان بن عيينة، أخبرني عمرو بن دينار، أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال:
أضللتُ بعيراً لي يوم عرفة: فخرجت أطلبه بعرفة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، واقفاً مع الناس بعرفة، فقلت: هذا من الحمس ماله ها هنا.
قال سفيان: والأحْمس: الشديد الشحيح على دينه.
وكانت قريش تسمى الحُمْسَ فجاءهم الشيطان فاستهواهم، فقال لهم: إنكم إن عظمتم غير حَرَمِكُم استخف الناسُ بحرمكم، فكانوا لا يخرجون من الحرم، ويقفون بالمزدلفة، فلما جاء الإسلام أنزل الله عز وجل: ﴿ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ﴾. يعني عرفة. رواه مسلم عن عمرو الناقد، عن ابن عيينة.
قال مجاهد: كان أهل الجاهلية إذا اجتمعوا بالموسم ذكروا فعل آبائهم في الجاهلية، وأيامهم وأنسابهم فتفاخروا، فأنزل الله تعالى: ﴿فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً﴾.
وقال الحسن: كانت الأعراب إذا حدثوا أو تكلموا يقولون: وأبيك إنهم لفعلوا كذا وكذا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال السدي: نزلت في الأَخَنْس بن شريق الثقفي، وهو حليف بني زهرة أقبل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة فأظهر له الإسلام وأعجب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه، وقال إنما جئت أريد الإسلام، والله يعلم إني لصادق، وذلك قوله: ﴿وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ﴾ ثم خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمرّ بزرع لقوم من المسلمين وحمر، فأحرق الزرع وعَقَرَ لحمر، فأنزل الله تعالى فيه: ﴿وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ﴾.
قال سعيد بن المسيب: أقبل ضُهَيْب مهاجراً نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتبعه نفر من قريش من المشركين، فنزل عن راحلته ونثر ما في كنانته وأخذ قوسه ثم قال: يا معشر قريش، لقد علمتم أني من أَرْمَاكم رجلاً، وأيم الله لا تَصِلُون إليَّ حتى أرمي بما في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم، فقالوا: دلنا على بيتك ومالك بمكة ونخلّي عنك، وعَاهَدُوه إنْ دلهم أن يَدَعُوه، ففعل. فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبا يحيى ربح البيع، ربح البيع، وأنزل الله: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ﴾.
وقال المفسرون: أخذ المشركون صهيباً فَعذبوه، فقال لهم صهيب إني شيخ كبير لا يضركم أَمِنْكُمْ كنت أم من غيركم، فهل لكم أن تأخذوا مالي وتَذَرُوني وديني؟ ففعلوا ذلك، وكان قد شرط عليهم راحلة ونفقة، فخرج إلى المدينة فتلقاه أبو بكر وعمر في رجال، فقال له أبو بكر: ربح بيعك أبا يحيى، فقال صهيب: وبيعك فلا يَخسر ما ذاك؟ فقال: أنزل الله فيك كذا، وقرأ عليه هذه الآية.
وقال الحسن: أتدرون فيمن نزلت هذه الآية في أن المسلم يلقى الكافر فيقول له: قل لا إله إلاّ الله، فإذا قلتها عصمت مالك ودماك، فأبى أن يقولها، فقال المسلم: والله لأشرين نفسي لله، فتقدم فقاتل حتى قتل.
وقيل: نزلت فيمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر.
قال أبو الخليل: سمع عمر بن الخطاب إنساناً يقرأ هذه الآية فقال عمر: إنا لله قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل.
[أخبرني أبو نعيم الأصفهاني فيما أذن في روايته عنه: أخبرنا سليمان بن أحمد، حدَّثنا بكر بن سهل، حدَّثنا عبد الغني بن سعيد، عن موسى بن عبد الرحمن الصنعاتي عن ابن جريج عن عطاء] عن ابن عباس [قال]:
نزلت هذه الآية في عبد الله بن سلام وأصحابه، وذلك أنهم حين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم قاموا بشرائعه وشرائع موسى، فعظموا السبت، وكرهوا لُحْمانَ الإبل وألبانها بعد ما أسلموا، فأنكر ذلك عليهم المسلمون فقالوا: إنا نَقْوَى على هذا وهذا، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنعمل بها فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال قتادة والسُّدِّي: نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدة والحر [والخوف] والبرد وضيق العيش وأنواع الأذى، وكان كما قال الله تعالى: ﴿وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ﴾.
وقال عطاء: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه المدينة اشتد الضر عليهم لأنهم خرجوا بلا مال وتركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين، وآثروا رضا الله ورسوله، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأَسَرَّ قومٌ من الأغنياء النفاق، فأنزل الله تعالى تطييباً لقلوبهم ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ الآية.
قال ابن عباس في رواية أبي صالح: نزلت في عَمْرو بن الجموح الأنصاري، وكان شيخاً كبيراً ذا مال كثير فقال: يا رسول الله، بماذا نتصدق؟ وعلى من ننفق؟ فنزلت هذه الآية.
وقال في رواية عطاء: نزلت [هذه] الآية في رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي ديناراً، فقال: أنفقه على نفسك، فقال: إن لي دينارين، فقال: انفقهما على أهلك، فقال: إن لي ثلاثة، فقال: أنفقها على خادمك، فقال: إن لي أربعة، فقال: أنفقها على والديك، فقال: إن لي خمسة، فقال: أنفقها على قرابتك، فقال: إن لي ستة، فقال: أنفقها في سبيل الله، وهو أحسنها.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشيرازي، حدَّثنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن خِمَيْرُوَيْةِ الهروي، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الخزاعي، حدَّثنا أبو اليمان: الحكم بن نافع، أخبرني شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، قال:
أخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث سرّية من المسلمين وأمرَ عليهم عبد الله بن جَحْش الأسدي، فانطلقوا حتى هبطوا نَخْلَة فوجدوا بها عمرو بن الحضرمي في عير تجارة لقريش، في يوم يقي من الشهر الحرام؛ فاختصم المسلمون فقال قائل منهم: لا نعلم هذا اليوم إلاَّ من الشهر الحرام، ولا نرى أن تستحلوه لطمع أَشْفَيْتُم عليه. فغلب عَلَى الأمْر الذين يريدون عرض الدنيا، فشدوا على ابن الحضرمي فقتلوه وغنموا عيره، فبلغ ذلك كفار قريش، وكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين المسلمين وبين المشركين، فركب وفد من كفار قريش حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أَتُحِلُّ القتال في الشهر الحرام؟ فأنزل الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ﴾ إلى آخر الآية.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الحارثي. أخبرني عبد الله بن محمد بن جعفر، حدَّثنا عبد الرحمن بن محمد الرازيّ، حدَّثنا سهل بن عثمان، حدَّثنا يحيى بن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق، عن الزّهري قال.
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبد الله بن جحش ومعه نفر من المهاجرين، فقتل عبد الله بن وَاقِد الليثيُّ عمرو بن الحضرمي، في آخر يوم من رجب وأسروا رجلين، واستاقوا العير، فوقف على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: لم آمركم بالقتال في الشهر الحرام. فقالت قريش: استحل محمد الشهر الحرام، فنزلت ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ﴾ إلى قوله: ﴿وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ﴾ أي قد كانوا يفتنونكم وأنتم في حرم الله بعد إيمانكم، وهذا أكبر عند الله من أن تقتلوهم في الشهر الحرام مع كفرهم بالله.
قال الزهري: لما نزل هذا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير وفَادَى الأسيرين. ولما فرّج الله تعالى عن أهل تلك السرية ما كانوا فيه من غم، طمعوا فيما عند الله من ثوابه، فقالوا: يا نبي الله أنطمع أن تكون غزوة ولا نعطى فيها أجر المجاهدين في سبيل الله، فأنزل الله تعالى فيها: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ﴾ الآية.
قال المفسرون: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبد الله بن جحش، وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم، في جمادى الآخرة، قبل قتال بدر بشهرين، على رأس سبعة عشر شهراً من مقدمه المدينة، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين: سعد بن أبي وقّاص الزهري، وعُكَّاشَة بن محْصَن الأسدي، وعُتْبة بن غَزْوان السلمي، وأبا حُذَيْفَة بن عتبة بن ربيعة، وسُهَيْل بن بيضاء، وعامر بن ربيعة، ووَاقِد بن عبد الله، وخالد بن بُكَيْر؛ وكتب لأميرهم عبد الله بن جحش كتاباً وقال: سر على اسم الله، ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين، فإذا نزلت منزلين فافتح الكتاب واقرأه على أصحابك، ثم امض لما أمرتك، ولا تستكرهن أحداً من أصحابك على المسير معك، فسار عبد الله يومين، ثم نزل وفتح الكتاب فإذا فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فسر على بركة الله بمن تبعك من أصحابك حتى تنزل بطن نَخْلَةَ، فترصَّد بها عير قريش لعلّك أن تأتينا منه بخبر" فلما نظر عبد الله في الكتاب قال: سمعاً وطاعة، ثم قال لأصحابه ذلك وقال: إنه قد نهاني أن أستكره أحداً منكم، حتى إذا كان بمَعْدِن فوق الفُرُع، وقد أضل سعد بن ابي وقّاص وعُتْبة بن غَزْوان بعيراً لهما كانا يَعْتَقِبَانِه، فأستأذنا أن يتخلفا في طلب بعيرهما، فأذن لهما، فتخلفا في طلبه، ومضى عبد الله ببقية أصحابه حتى وصلوا بَطْنَ نَخْلة بين مكة والطائف، فبيناهم كذلك إذ مرت بهم عير لقريش تحمل زبيباً وأَدَماً وتجارة من تجارة الطائف، فيهم عمرو بن الحَضْرَمِيّ، والحكم بن كَيْسَان، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، ونَوْفل بن عبد الله، المَخْزُومِيَّان. فلما رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هابوهم، فقال عبد الله بن جحش: إن القوم قد ذعروا منكم، فاحلقوا رأس رجل منكم فليتعرض لهم، فإذا رأوه محلوقاً أمنوا وقالوا: قوم عُمَّار، فحلقوا رأس عُكَّاشَة، ثم أشرف عليهم فقالوا: قوم عُمَّار لا بأس عليكم. فأمنوهم، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة، وكانوا يرون أنه من جمادى أو هو رجب، فتشاور القوم فيهم وقالوا: لئن تركتموهم هذه الليلة ليَدخلُن الحَرمَ فليمتنعن منكم، فاجمعوا أمرهم في مُوَاقَعَة القوم، فرمى وَاقِد بن عبد الله التَّمِيمِي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، فكان أول قتيل من المشركين، واستأسر الحكم وعثمان، فكانا أول أسيرين في الإسلام. وأفلت نوفل وأعجزهم. واستاق المؤمنون العير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالمدينة فقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام، شهراً يأمن فيه الخائف ويَيْذَعِرُّ الناس لمعاشهم، فسفكَ فيه الدماء وأخذ فيه الحَرَائب، وعير بذلك أهلُ مكة من كان بها من المسلمين فقالوا: يا معشر الصُّبَاة، استحللتم الشهر الحرام فقاتلتم فيه. وتفاءلت اليهود بذلك وقالوا وَاقِد: وقَدَت الحرب وعمْرو: عَمَرَت الحرب والحَضْرَمي: حَضَرَت الحرب، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لابن جحش واصحابه: ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام، ووَقَّفَ العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئاً، فعظم ذلك على أصحاب السرية، وظنوا أن قد هلكوا، وسُقِطَ في أيديهم، وقالوا: يا رسول الله، إنا قتلنا ابن الحضرمي ثم أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب، فلا ندري أفي رجب أصبناه أو في جمادى؟ وأكثر الناس في ذلك، فأنزل الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ﴾ الآية. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العير فعزل منها الخمس، فكان أول خمس في الإسلام، وقسم الباقي بين اصحاب السَّرِيَّة فكان أول غنيمة في الإسلام. وبعث أهل مكة في فداء أسيريهم فقال: بل نَقِفُهما حتى يقدم سعد وعتبة، فإن لم يقدما قتلناهما بهما. فلما قدما فاداهما.
وأما الحكم بن كَيْسَان فأسلم وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقتل يوم بئر معونة شهيداً.
وأما عثمان بن عبد الله فرجع إلى مكة فمات بها كافراً.
وأما نَوْفَل فَضَرَب بطنَ فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق على المسلمين فوقع في الخندق مع فرسه فتحطما جميعاً. فقتله الله تعالى وطلب المشركون جيفته بالثمن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوه فإنه خبيث الجيفة، خبيث الدية.
فهذا سبب نزول قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ﴾ والآية التي بعدها.
نزلت في عمر بن الخطاب، ومُعَاذ بن جبل، ونفر من الأنصار أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أفتنا في الخمر والميسر فإنهما مَذْهَبَةٌ للعقل مَسْلَبَةٌ للمال، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو منصور عبد القاهر بن طاهر، أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسن السرّاج، حدَّثنا الحسن بن المُثَنَّى بن معاذ، حدَّثنا أبو حُذَيْفَة موسى بن مسعود، حدَّثنا سفيان الثَّوْرِي، عن سالم الأَفْطَس، عن سعيد بن جُبَيْر قال:
لما نزلت: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً﴾ عزلوا أموالهم [عن أموالهم] فنزلت: ﴿قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ فخلطوا أموالهم بأموالهم.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد، أخبرنا أبو علي الفقيه، أخبرنا عبد الله بن محمد البَغوي، حدَّثنا عثمان بن أبي شَيْبَة، حدَّثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:
لما أنزل الله عز وجل: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ و ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً﴾ انطلق من كان عنده مال يتيم فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، وجعل يَفْضُلُ الشيء مِنْ طعامه فَيُحْبَسُ له حتى يأكله أو يَفْسُد، واشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ فَتَخْلِطُوا طعامهم بطعامكم وشرابهم بشرابكم.
أخبرنا أبو عثمان بن أبي عمرو الحافظ، أخبرنا جدي [أخبرنا] أبو عمرو أحمد بن محمد الجُرَشي، حدَّثنا إسماعيل بن قُتَيْبَة، حدَّثنا أبو خالد، حدَّثنا بُكَيْر بن معروف، عن مقاتل بن حيان قال:
نزلت في أبي مَرْثَد الغَنَوِي: استأذن النبي صلى الله عليه وسلم، في عَنَاق أن يتزوجها، وهي امرأة مسكينة من قريش، وكانت ذات حظ من جمال، وهي مشركة، وأبو مرثد مسلم، فقال: يا نبي الله، إنها لتعجبني، فأنزل الله عز وجل ﴿وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ﴾.
أخبرنا أبو عثمان، أخبرنا جدي، أخبرنا أبو عمرو، حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا عمرو بن حماد، حدَّثنا أَسْبَاط، عن السُّدِّي، عن أبي مالك، عن ابن عباس في هذه الآية قال:
نزلت في عبد الله بن رَوَاحَة، وكانت له أمة سوداء، وإنه غضب عليها فلطمها، ثم إنه فَزَعَ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره خبرها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما هي يا عبد الله؟ فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هي تصوم وتصلّي وتحسن الوضوء وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله. فقال: يا عبد الله هذه مؤمنة. فقال عبد الله: فوالذي بعثك بالحق [نبياً] لأُعْتِقَنَّها ولأتزوجنها ففعل، فطعن عليه ناسٌ من المسلمين فقالوا: نكح أمَةً! وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أحسابهم، فأنزل الله تعالى فيهم: ﴿وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ الآية.
وقال الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث رجلاً من غَنِيّ يقال له: مرثد بن أبي مرثد، حليفاً لبني هاشم، إلى مكة ليخرج نَاساً من المسلمين بها أُسَرَاء، فلما قَدِمَها سمعت به امرأة يقال لها: عَنَاق، وكانت خليلة له في الجاهلية، فلما أسلم أعرض عنها، فأتته فقالت: ويحك يا مرثد ألا نخلو؟ فقال لها: إن الإسلام قد حال بيني وبينك وحرمه علينا، ولكن إن شئت تزوجتك، إذا رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، استأذنته في ذلك ثم تزوجتك. فقالت له أبي تتبرم؟ ثم استغاثت عليه فضربوه ضرباً شديداً، ثم خلوا سبيله. فلما قضى حاجته بمكة انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، راجعاً وأعلمه الذي كان من أمره وأمر عناق وما لقي في سببها، فقال: يا رسول الله أيحل لي أن أتزوجها. فأنزل الله ينهاه عن ذلك قوله: ﴿وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ﴾.
أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدَّغُولي، حدَّثنا محمد بن مِشْكَان، حدَّثنا حيان، حدَّثنا حماد، أخبرنا ثابت، عن أنس:
أن اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها من البيت، فلم يُؤَاكِلُوهَا ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله عز وجل: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ﴾ إلى آخر الآية.
رواه مسلم عن زهير بن حرب، عن عبد الرحمن بن مَهْدِي، عن حماد.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخَشَّاب، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، حدَّثنا أبو عِمْرَان موسى بن العباس الجُوَيْنِي، حدَّثنا محمد بن عبيد الله بن يزيد القَرْدُوَاني الحَرَّاني، حدَّثني أبي، عن سَابق بن عبد الله الرّقِّي، عن خُصَيْف، عن محمد بن المُنْكَدِر، عن جابر [بن عبد الله]، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى﴾ قال:
إن اليهود قالت: من أتى امرأته من دبرها كان ولده أَحْوَل، فكان نساء الأنصار لا يدعن أزواجهن يأتونهن من أدبارهم، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألوه عن إتيان الرجل امرأته وهي حائض، وعما قالت اليهود، فأنزل الله عز وجل: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ﴾ يعني الاغتسال ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ﴾ يعني القُبُل ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ﴾ فإنما الحرث حيث ينبت الولد ويخرج منه.
وقال المفسرون: كانت العرب في الجاهلية إذا حاضت المرأة [منهم] لم يُؤاكلوها ولم يشاربوها، ولم يساكنوها في بيت، كفعل المجوس، فسأل أبو الدَّحْدَاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فقال: يا رسول الله ما نصنع بالنساء إذا حضن. فأنزل الله هذه الآية.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، أخبرنا حاجب بن أحمد، حدَّثنا عبد الرحيم بن مُنِيب، حدَّثنا سفيان بن عيينة، عن ابن المنكدر، أنه سمعَ جابرَ بن عبد الله يقول:
كانت اليهود تقول في الذي يأتي امرأته من دبرها في قبلها: إن الولد يكون أحول، فنزل: ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ﴾.
رواه البخاري عن أبي نعيم.
ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن سفيان.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن أحمد الخَلالي، أخبرنا عبد الله بن زيد البجلي، حدَّثنا أبو كُرَيب، حدَّثنا المُحَارِبي، عن محمد بن إسحاق عن أبان بن مسلم، عن مجاهد قال:
عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عَرْضات من فاتحة الكتاب إلى خاتمته، أُوقِفُه عند كل آية منه فأسأله عنها حتى انتهى إلى هذه الآية: ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ﴾ فقال ابن عباس: إنّ هذا الحيّ من قريش كانوا يَشْرَحُون النساء [بمكة]، ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات؛ فلما قدموا المدينة تزوجوا من الأنصار، فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بمكة، فأنكرن ذلك وقلن: هذا شيء لم نكن نُؤَتى عليه. فانتشر الحديث حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى في ذلك: ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ﴾ قال: إن شئت مقبلة، وإن شئت مدبرة، وإن شئت باركة؛ وإنما يعني بذلك موضع الولد للحرث. يقول: ائت الحرث حيث شئت.
رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، عن أبي زكريا العَنْبَرِي، عن محمد بن عبد السلام، عن إسحاق بن إبراهيم، عن المُحَارِبي.
أخبرنا سعيد بن محمد الحيّاني، أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه، أخبرنا أبو القاسم البَغَوي، حدَّثنا علي بن جَعْد، حدَّثنا شعْبَة، عن محمد بن المُنْكدِر، سمعت جابراً قال:
قالت اليهود: إن الرجل إذا أتى امرأته باركة كان الولد أحول، فأنزل الله عز وجل: ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ﴾ الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد الحيّاني، أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون، أخبرنا أحمد بن الحسن بن الشَّرَقي، حدَّثنا أبو الأزْهَر، حدَّثنا وهب بن جرير، حدَّثنا أبو كريب، قال: سمعت النعمان بن راشد [يحدث عن الزُّهْرِي] عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال:
قالت اليهود: إذا نكح الرجل امرأته مُجَبِّيَةً جاء ولدها أحول، فنزلت ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ﴾ إن شاء مُجَبِّيَة وإن شاء غير مُجَبِّيَة، غير أن ذلك في صمام واحد.
رواه مسلم عن هارون بن معروف، عن وهب بن جرير.
قال الشيخ أبو حامد بن الشرقي: هذا حديث جليل يساوي مائة حديث، لم يروه عن الزهري إلاَّ النعمان بن راشد.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الْمطَوِّعِيُّ، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا أبو علي، حدَّثنا زهير، حدَّثنا يونس بن محمد، حدَّثنا يعقوب القُمِّي، حدَّثنا جعفر، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال:
جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هلكت. فقال: وما الذي أهلكك؟ قال: حوّلت رَحْلِي الليلة، قال: فلم يرد عليه شيئاً، فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه الآية: ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ﴾ يقول: أقبل وأدبر، واتق الدبر والحيضة.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الأصفهاني، أخبرنا عبد الله بن محمد الحافظ، حدَّثنا أبو يحيى الرازي، حدَّثنا سهل بن عثمان، حدَّثنا المحاربي عن ليث، عن أبي صالح، عن سعيد بن المسيب: أنه سئل عن قوله: ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ﴾ قال: نزلت في العزل.
وقال ابن عباس في رواية الكلبي:
نزلت في المهاجرين لما قدموا المدينة ذكروا إتيان النساء فيما بينهم، والأنصار واليهود من بين أيديهن ومن خلفهن، إذا كان المأتي واحداً في الفرج، فعابت اليهود ذلك إلا من بين أيديهن خاصة، وقالوا: إنا لنجد في كتاب الله في التوراة أنّ كل إتيان يؤتي النساء غير مستلقيات دَنَسٌ عند الله ومنه يكون الحول والخبل. فذكر المسلمون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنا كنا في الجاهلية وبعد ما أسلمنا نأتي النساء كيف شئنا. وإن اليهود عابت علينا ذلك وزعمت لنا كذا وكذا. فأكذب الله تعالى اليهود ونزل عليه يرخص لهم ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ﴾ يقول: الفرج مزرعة للولد ﴿فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ﴾ يقول: كيف شئتم من بين يديها ومن خلفها في الفرج.
قال الكلبي: نزلت في عبد الله بن رَوَاحَة ينهاه عن قطيعة خَتَنِه بشير بن النعمان، وذلك أن ابن رَوَاحَة حلَف أن لا يدخل عليه أبداً، ولا يكلمه، ولا يصلح بينه وبين امرأته، ويقول: قد حلفت بالله أن لا أفعل ولا يحل [لي] إلا أن أبَرَّ في يميني فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، حدَّثنا محمد بن يعقوب، حدَّثنا إبراهيم بن مرزوق، حدَّثنا مسلم بن إبراهيم، حدَّثنا الحارث بن عبيد، حدَّثنا عامر الأحول، عن عطاء، عن ابن عباس قال:
كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك، فَوَقّتَ الله أربعة أشهر، فمن كان إيلاؤُه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء.
وقال سعيد بن المُسَيَّب: كان الإيلاء [من] ضرار أهل الجاهلية: كان الرجل لا يريد المرأة ولا يحب أن يتزوجها غيره، فيحلف أن لا يقربها أبداً، وكان يتركها كذلك لا أيِّماً ولا ذات بعل، فجعل الله تعالى الأجلَ الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة أربعةَ أشهر، وأنزل الله تعالى: ﴿لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ﴾ الآية.
أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي، حدَّثنا محمد بن يعقوب، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه:
كان الرجل إذا طلّق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له، وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلى امرأة فطلقها ثم أمهلها حتى إذا شارَفَتْ انقضاء عدتها ارتجعها ثم طلقها، وقال: والله لا آويك إليّ ولا تحلين أبداً. فأنزل الله عز وجل: ﴿ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾.
أخبرنا أبو بكر التَّمِيمِي، أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن المرزبان [الأَبْهَري] حدَّثنا محمد بن إبراهيم الحَزَوَّرِي، حدَّثنا محمد بن سليمان، حدَّثنا يَعْلَى المكيِّ مولى آل الزبير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة:
أنها أتتها امرأة فسألتها عن شيء من الطلاق. قالت: فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت فنزلت: ﴿ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾.
أخبرنا أبو سعيد بن أبي بكر [بن] الغازي، أخبرنا أبو أحمد محمد بن محمد بن إسحاق الحافظ، أخبرني أحمد بن محمد بن الحسين، حدَّثنا أحمد بن حفص بن عبد الله، حدَّثنا أبي، حدَّثنا إبراهيم بن طهمان، عن يونس بن عبيد، عن الحسن أنه قال في قول الله عز وجل: ﴿فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ﴾ الآية. قال:
حدَّثني مَعْقِل بن يَسَار أنها نزلت فيه. قال: كنتُ زوَّجت أختاً لي من رجل، فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوّجتك وأَفْرَشْتُك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليها أبداً. قال: وكان رجلاً لا بأس به، فكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله عز وجل هذه الآية، فقلت: الآن أفْعَلُ يا رسول الله، فزوجتها إِياه.
رواه البخاري عن أحمد بن حفص.
أخبرنا الحاكم أبو منصور محمد بن محمد المَنْصُوري، حدَّثنا علي بن عمر بن مهدي، حدَّثنا محمد بن عمرو [بن] البختري، حدَّثنا يحيى بن جعفر، حدَّثنا أبو عامر العُقَدِي، حدَّثنا عباد بن راشد، عن الحسن قال: حدَّثني مَعْقِل بن يَسَار قال:
كانت لي أخت فَخُطِبَت إِليَّ: وكنت أَمْنَعُها الناسَ، فأتاني ابن عم لي فخطبها فأنكحتها إياه، فاصطحبها ما شاء الله، ثم طلقها طلاقاً له رجعة، ثم تركها حتى انقضت عدتها، فخطبها مع الخُطَّاب، فقلت: مَنَعْتُها الناسَ وزوجتك إياها ثم طلقتها طلاقاً له رجعة، ثم تركتها حتى انقضت عدتها، فلما خطبت إليّ أتيتني تخطبها، لا أزوجك ابداً، فأنزل الله تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ الآية. فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه.
أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النَّصْرَاباذيّ حدَّثنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن مَاسِي البَزَّاز، حدَّثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري، حدَّثنا حَجَّاج بن مِنْهَال، حدَّثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن:
أن مَعْقِل بن يَسَار زوّج أخته من رجل من المسلمين، وكانت عنده ما كانت، فطلقها تطليقة ثم تركها ومضت العدة فكانت أحقّ بنفسها، فخطبها مع الخطاب فرضيتْ أن ترجع إليه، فخطبها إلى مَعْقِل بن يَسَار، فغضب معقل وقال: أكرمتك بها فطلقتها، لا والله لا ترجع إليك بعدها.
قال الحسن: علم الله حاجة الرجل إلى امرأته وحاجة المرأة إلى بعلها، فأنزل الله تعالى في ذلك القرآن: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِٱلْمَعْرُوفِ﴾ إلى آخر الآية.
قال: فسمع ذلك مَعْقِل بن يسار فقال: سمعاً لربي وطاعة، فدعا زوجها فقال: أزوجك وأكرمك. فزوجها إياه.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الشاهد، أخبرنا جدي، أخبرنا أبو عمرو الحِيرِي، حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا عمرو بن حماد، حدَّثنا أسباط، عن السُّدِّي عن رجاله قال:
نزلت في جابر بن عبد الله الأنصاري، كانت له بنت عم فطلقها زوجها تطليقة، فانقضت عدتها ثم رجع يريد رجعتها فأبى جابر، وقال: طلقت ابنة عمنا ثم تريد أن تنكحها [الثانية]؟ وكانت المرأة تريد زوجها قد رضيت به، فنزلت فيهم الآية.
أخبرني أبو عمر محمد بن عبد العزيز المروزي في كتابه، أخبرنا أبو الفضل [محمد بن الحسين] الحدادي، أخبرنا محمد بن يحيى بن خالد، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: حدثت عن [مقاتل] بن حيان في هذه الآية:
ذاك أن رجلاً من أهل الطائف قدم المدينة وله أولاد رجال ونساء، ومعه أبواه وامرأته، فمات بالمدينة، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأعطى الوالدين، وأعطى أولاده بالمعروف، ولم يعط امرأته شيئاً، غير أنه أمرهم أن ينفقوا عليها من تركة زوجها إلى الحول.
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر المزكي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا الحسين بن محمد بن مصعب قال: حدَّثنا يحيى بن حكيم، حدَّثنا ابن أبي عدي عن شُعْبَة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قال:
كانت المرأة من نساء الأنصار تكون مِقْلاَةً فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تُهَوِّدَه فلما أُجْلِيَت النَّضِير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا. فأنزل الله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ﴾. الآية.
أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، حدَّثنا محمد بن يعقوب، حدَّثنا إبراهيم بن مرزوق، حدَّثنا وهب بن جرير، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ﴾ قال:
كانت المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد، فتحلف لئن عاش لها ولد لَتُهَوِّدَنَّهُ، فلما أُجْلِيَتْ بنو النَّضِير إِذَا فيهم أناس من [أبناء] الأنصار، فقالت الأنصار: يا رسول الله، أبناؤنا، فأنزل الله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ﴾.
قال سعيد بن جبير: فمن شاء لحق بهم، ومن شاء دخل في الإسلام.
وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار كان له غلام أسود يقال له: صُبيَح، وكان يكرهه على الإِسلام.
وقال السُّدي: نزلت في رجل من الأنصار يكنى أَبا الحُصَين، وكان له ابنان، فقدم تجار الشام إلى المدينة يحملون الزيت، فلما أرادوا الرجوع من المدينة أتاهم ابنا أبي الحصين فدعوهما إلى النصرانية، فتنصرا وخرجا إلى الشام، فأخبر أبو الحصين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اطلبهما، فأنزل الله عز وجل: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ﴾ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبعدهما الله، هما أول من كفر. قال: وكان هذا قبل أن يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقتال أهل الكتاب، ثم نسخ قوله: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ﴾ وأمر بقتال أهل الكتاب في سورة براءة.
وقال مسروق: كان لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان، فتنصرا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدما المدينة في نفر من النصارى يحملون الطعام، فأتاهما أبوهما، فلزمهما وقال: والله لا أدعكما حتى تسلما، فأبيا أن يسلما، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أيدخل بعضي النار وأنا أنظر؟ فأ، زل الله عز وجل: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ﴾ فخلى سبيلهما.
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم المقري، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عَبْدُوس، أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محفوظ، حدَّثنا عبد الله بن هاشم، حدَّثنا عبد الرحمن بن مَهْدِيّ، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد قال:
كان ناس مسترضعين في اليهود: قُرَيْظَةَ والنَّضِير، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بإجلاء بني النضير، قال أبناؤهم من الأوس الذين كانوا مسترضعين فيهم: لنذهبن معهم، ولنَدينَنَّ بدينهم، فمنعهم أهلهم وأرادوا أن يكرهوهم على الإسلام، فنزلت: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ﴾ الآية.
ذكر المفسرون السبب في سؤال إبراهيم ربه أن يريه إحياء الموتى:
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا شعبة بن محمد، أخبرنا مكي بن عبدان، حدَّثنا أبو الأزهر، حدَّثنا روح، حدَّثنا سعيد، عن قتادة قال:
ذكِرَ لنا: أن إبراهيم آتى على دابة ميتة وقد توزعتها دواب البر والبحر، فقال: رب أرني كيف تحيي الموتى؟
وقال الحسن، وعطاء الخراساني، والضحاك، وابن جريج: [إن إبراهيم الخليل مر على دابة ميتة، قال ابن جريج]: كانت جيفة حمار بساحل البحر. قال عطاء: بحيرة طبرية. قالوا: فرآها وقد توزَّعتها دواب البر والبحر، فكان إذا مَدَّ البحرُ جاءت الحيتان ودواب البحر فأكلت منها، فما وقع منه يصير في الماء؛ وإذا جَزَرَ البحرُ جاءت السباع فأكلت منها، فما وقع منها يصير تراباً؛ فإذا ذهبت السباع جاءت الطير فأكلت منها، فما سقط قطعته الريح في الهواء. فلما رأى ذلك إبراهيم تعجب منها، وقال: يا رب قد علمت لتجمعنها، فأرني كيف تحييها لأعاين ذلك.
وقال ابن زيد: مرّ إبراهيم بحوت ميت، نصفه في البر ونصفه في البحر فما كان في البحر فدواب البحر تأكله، وما كان منه في البر فدواب البر تأكله؛ فقال له إِبليس الخبيث: متى يجمع الله هذه الأجزاء من بطون هؤلاء؟ فقال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ بذهاب وسوسة إبليس منه.
أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني فيما أذن لي في روايته، حدَّثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدَّثنا محمد بن سهل، حدَّثنا سلمة بن شبيب، حدَّثنا إبراهيم بن الحكم بن ابان، حدَّثنا أبي قال:
كنت جالساً مع عكرمة عند الساحل، فقال عكرمة: إِن الذين يغرقون في البحار تَقَسَّمُ الحيتان لحومهم، فلا يبقى منهم شيء إلا العظام، فتلقيها الأمواج على البر فتصير حائلَةً نَخِرَةً، فتمر بها الإبل فتأكلها فتبعر، ثم يجيء قوم فيأخذون ذلك البعر فيوقدون فتخمد تلك النار، فتجيء ريح فتسفي ذلك الرماد على الأرض، فإذا جاءت النفخة خرج أولئك وأهل القبور سواء، وذلك قوله تعالى: ﴿فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾.
وقال محمد بن إسحاق بن يسار: إِن إِبراهيم لما احتج على نمروذ فقال: ربي الذي يحيي ويميت. وقال نمروذ أنا أحيي وأميت؛ ثم قتل رجلاً وأطلق رجلاً قال: قد أمت ذلك وأحييت هذا. قال له إبراهيم: فإن الله يحيي بأن يرد الروح إلى جسد ميت، فقال له نمروذ: هل عاينت هذا الذي تقوله؟ فلم يقدر أن يقول: نعم رأيته، فانتقل إلى حجة أخرى، ثم سأل ربه أن يريه إِحياء الموتى لكي يطمئن قلبه عند الاحتجاج، فإنه يكون مخبراً عن مشاهدة وعيان.
وقال ابن عباس، وسعيد بن جبير، والسدي: لما اتخذ الله إِبراهيم خليلاً استأذن ملك الموت ربه أن يأتي إبراهيم فيبشره بذلك، فأتاه فقال: جئتك أبشرك بأن الله تعالى اتخذك خليلاً، فحمد الله عز وجل وقال: ما علامة ذلك؟ فقال: أن يجيب الله دعاءك، ويحيي الموتى بسؤالك، ثم انطلق وذهب، فقال إِبراهيم: رب أرني كيف تحيي الموتى؟ قال: أو لم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي بعلمي أنك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك؛ وأنك اتخذتني خليلاً.
قال الكلبي: نزلت في عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عَوْف، أما عبد الرحمن بن عوف فإنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة آلاف درهم صدقة، فقال: كان عندي ثمانية آلاف درهم فأمسكت منها لنفسي وعيالي أربعة آلاف درهم، واربعة آلاف أقرضتها ربي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك فيما أمسكت، وفيما أعطيت.
وأما عثمان رضي الله عنه فقال: عليَّ جِهَازُ من لا جِهَازَ له في غزوة "تبوك"، فجهز المسلمين بألف بعير بأَقْتَابِها وأَحْلاَسِهَا ـ وتصدق بِرُومَة - رَكِيَّة كانت له - على المسلمين، فنزلت فيهما هذه الآية.
وقال أبو سعيد الخُدْري: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعاً يده يدعو لعثمان ويقول: يا رب، إن عثمان بن عفان رضيتُ عنه فارض عنه. فما زال رافعاً يده حتى طلع الفجر، فأنزل الله تعالى فيه: ﴿ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾ الآية.
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد الصَّيْدَلاَني، حدَّثنا محمد بن عبد الله بن محمد بن نعيم، حدَّثنا أحمد بن سهل بن حَمْدَويه، حدَّثنا قيس بن أنيف، حدَّثنا قتيبة بن سعيد، حدَّثنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر قال:
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر بصاع من تمر، فجاء رجل بتمر رديء فنزل القرآن: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾.
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد الواعظ، أخبرنا عبد الله بن حامد الأصفهاني، حدَّثنا محمد بن إسماعيل الفارسي، حدَّثنا أحمد بن موسى الجمار، حدَّثنا عمرو بن حماد بن طلحة، حدَّثنا أسباط بن نصر، عن السدي، عن عدي بن ثابت، عن البَرَاء قال:
نزلت هذه الآية في الأنصار، كانت تُخْرِجُ - إذا كان جذَاذُ النَّخْل - من حيطانها أَقْنَاء من التمر والبُسْر، فيعلقونها على حبل بين أسطوانتين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأكل منه فقراء المهاجرين، وكان الرجل يعمد فيدخل قنو الحشف وهو يظن أنه جائز عنه في كثرة ما يوضع من الأقناء، فنزل فيمن فعل ذلك: ﴿وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ يعني القِنْوَ الذي فيه حَشَفٌ ولو أهدي إليكم ما قبلتموه.
قال الكلبي: لما نزل قوله تعالى ﴿وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ﴾ الآية. قالوا: يا رسول الله، صدقة السر أفضل أم صدقة العلانية؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحارث، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدَّثنا عبد الرحمن بن محمد بن مسلم، حدَّثنا سهل بن عثمان العسكري، حدَّثنا جرير، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جُبَيْر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَصَدَّقوا إلا على أهل دينكم" فأنزل الله تعالى: ﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقوا على أهل الأديان.
أخبرنا أحمد، حدَّثنا عبد الله، حدَّثنا عبد الرحمن، حدَّثنا سهل، حدَّثنا ابن نمير، عن الحجاج، عن سلمان المكي، عن ابن الْحَنَفِيَّة قال:
كان المسلمون يكرهون أن يتصدقوا على فقراء المشركين حتى نزلت هذه الآية، فأمروا أن يتصدقوا عليهم.
وقال الكلبي: اعتمر رسول الله عُمْرَة القضاء، وكانت معه في تلك العمرة أسماء بنت أبي بكر، فجاءتها أمها قُتَيْلة وجدّتها يسألانها، وهما مشركتان، فقالت: لا أعطيكما شيئاً حتى أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنكما لستما على ديني. فاستأمرته في ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية. فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد نزول هذه الآية، أن تصدَّق عليهما، فأعطتهما ووصلتهما.
قال الكلبي: ولها وجه آخر، وذلك أن ناساً من المسلمين كانت لهم قرابة وأصهار ورضاع في اليهود، وكانوا ينفعونهم قبل أن يسلموا، فلما أسلموا كرهوا أن ينفعوهم وأرادوهم على أن يسلموا، فاستأمروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، فأعطوهم بعد نزولها.
أخبرنا [أبو إبراهيم] إسماعيل بن إبراهيم النَّصْرابَاذي، أخبرنا عمرو بن نجيد، أخبرنا محمد بن الحسن بن الخليل، حدَّثنا هشام بن عمار، حدَّثنا محمد بن شعيب، عن ابن مهدي، عن يزيد بن عبد الله بن عَرِيب، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
نزلت هذه الآية: ﴿ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ في أصحاب الخيل، وقال صلى الله عليه وسلم: إن الشياطين لا تخبل أحداً في بيته فرس عتيق من الخيل.
وهذا قول أبي أمامة وأبي الدَّرْداء ومَكْحُول، والأوْزَاعي، ورَبَاح بن زيد قالوا: هم الذين يربطون الخيل في سبيل الله تعالى، ينفقون عليها بالليل والنهار سراً وعلانية. نزلت فيمن لم يرتبطها خيلاء ولا لِضَمار.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد الدِّينوري، حدَّثنا عمر بن محمد بن عبد الله النَّهْرَوَاني، حدَّثنا علي بن محمد بن مهْرَوَية القزويني، حدَّثنا علي بن داود القَنْطَرِيّ، حدَّثنا عبد الله بن صالح، حدَّثني أبو شريح، عن قيس بن الحجاج، عن حَنَش بن عبد الله الصَّنْعَاني، أنه قال: حدث ابن عباس في هذه الآية: ﴿ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً﴾ قال: في علف الخيل.
ويدل على صحة هذا ما:
أخبرنا أبو إسحاق القري، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدوس، أخبرنا أبو العباس عبد الله بن يعقوب الكِرْمَاني، حدَّثنا محمد بن زكريا الكِرْمَاني، حدَّثنا وكيع، حدَّثنا عبد الحميد بن بهرام، عن شَهْر بن حَوْشَب، عن اسماء بنت يزيد، قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ارتبط فرساً في سبيل الله فأنفق عليه احتساباً، كان شبعه وجوعه وريه وظَمؤُه وبوله ورَوْثُه، في ميزانه يوم القيامة".
وأخبرنا أبو إسحاق، أخبرنا أبو عمرو الفُرَاتي، أخبرنا أبو موسى عمران بن موسى، حدَّثنا سعيد بن عثمان الجَزَرِي، حدَّثنا فارس بن عمر، حدَّثنا صالح بن محمد، حدَّثنا سليمان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن يزيد عن مكحول، عن جابر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المنفق في سبيل الله على فرسه كالباسط كفيه بالصدقة".
أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن الكاتب، أخبرنا محمد بن أحمد بن شاذَان الرَّازي، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدَّثنا ابو سعيد الأشَج، حدَّثنا زيد بن الحُبَاب، أخبرنا رجاء بن أبي سلمة، عن سليمان بن موسى الدمشقي، عن عَجْلان بن سهل الباهلي، قال:
سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: من ارتبط فرساً في سبيل الله لم يرتبطه رياء ولا سمعة، كان من ﴿ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ﴾ الآية.
قول آخر:
[أخبرنا أبو بكر التميمي، اخبرنا أبو محمد بن حيان، حدَّثنا] محمد بن يحيى بن مالك الضَّبِّي، حدَّثنا محمد بن إسماعيل الجُرْجَاني، حدَّثنا عبد الرزاق، حدَّثنا عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: ﴿ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً﴾ قال: نزلت في علي بن أبي طالب، كان عنده أربعة دراهم فأنفق بالليل واحداً، وبالنهار واحداً، وفي السر واحداً، وفي العلانية واحداً.
أخبرنا أحمد بن الحسن الكاتب، حدَّثنا محمد بن أحمد بن شَاذان، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدَّثنا أبو سعيد الأَشَجّ، حدَّثنا يحيى بن يمان، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، قال:
كان لعلي رضي الله عنه أربعة دراهم، فأنفق درهماً بالليل، ودرهماً بالنهار، ودرهماً سراً، ودرهماً علانية؛ فنزلت: ﴿ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً﴾.
وقال الكلبي: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لم يكن يملك غير أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلاً، وبدرهم نهاراً وبدرهم سراً، وبدرهم علانية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حملك على هذا؟ قال: حملني أن أستوجب على الله الذي وعدني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَلا إنَّ ذلك لك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا أبو يعلى، حدَّثنا أحمد بن الأخنس، حدَّثنا محمد بن فضيل، حدَّثنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس:
بلغنا - والله أعلم - أن هذه الآية نزلت في بني عمرو بن عمير بن عوف، من ثَقِيف، وفي بني المُغِيرةَ، من بني مَخْزُوم، وكانت بنو المغيرة يُرْبُون لِثَقِيف، فلما أظهر الله تعالى رسوله على مكة وضع يومئذ الربا كلّه فأتى بنو عمرو بن عمير، وبنو المغيرة إلى عَتَّاب بن أسيد، وهو على مكة، فقال بنو المغيرة: ما جعلنا أشقى الناس بالربا؟ وضع عن الناس غيرنا. فقال بنو عمرو بن عمير: صُولِحْنَا على أن لنا رِبَانا. فكتب عتّاب في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الاية والتي بعدها: ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ فعرف بنو عمرو أن لا يَدَانِ لهم بحرب من الله ورسوله. يقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ﴾ فتأخذون أكثر ﴿وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾ فَتُبْخَسُون منه.
وقال عطاء، وعكرمة: نزلت هذه الآية في العباس بن عبد المطلب، وعثمان بن عفان، وكانا قد أسلفا في التمر، فلما حضر الجذاذ قال لهما صاحب التمر: لا يبقى لي ما يكفي عيالي إذا أنتما أخذتما حظّكما كله، فهل لكما أن تأخذا النصف [وتؤخرا النصف] وأضعف لكما؟ ففعلا. فلما حلّ الأجل طلبا الزيادة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاهما وأنزل الله تعالى هذه الآية، فسمعا وأطاعا وأخذا رؤوس أموالهما.
وقال السُّدِّي: نزلت في العباس، وخالد بن الوليد، وكانا شريكين في الجاهلية، يسلفان في الربا، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا إن كلَّ ربا مِنْ ربا الجاهلية مَوْضُوع وأول ربا أَضَعُهُ ربا العباس بن عبد المطلب.
قال الكلبي: قالت بنو عمرو بن عمير لبني المغيرة: هاتوا رؤوس أموالنا ولكم الربا ندعه لكم، فقالت بنو المغيرة: نحن اليوم أهل عسرة فأخرونا إلى أن تدرك الثمرة، فأبوا أن يؤخروهم، فأنزل الله تعالى: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ الآية.
أخبرنا الإمام أبو منصور: عبد القاهر بن طاهر، أخبرنا محمد بن عبد الله بن علي بن زياد، حدَّثنا محمد بن إبراهيم البُوشَنْجِي، حدَّثنا أمية بن بسطام، حدَّثنا يزيد بن زُرَيع، حدَّثنا رَوْح بن القاسم، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال:
لما أنزل [الله] على رسوله صلى الله عليه وسلم، ﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ﴾ الآية، اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتوا رسول الله فقالوا: كُلِّفْنَا من الأعمال ما نطيقُ: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزل الله عليك هذه الآية ولا نطيقها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم - أراه قال -: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا قولوا ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ﴾ فلما اقترأها القوم فذلّت بها ألسنتهم، أنزل الله تعالى في أثرها ﴿آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ﴾ الاية كلها، ونسخها الله تعالى فأنزل الله ﴿لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ الآية إلى آخرها. رواه مسلم عن أمية بن بسطام.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، حدَّثنا والدي، حدَّثنا محمد بن إسحاق الثقفي، حدَّثنا عبد الله بن عمر ويوسف بن موسى، قالا: حدَّثنا وكيع، حدَّثنا سفيان، عن آدم بن سليمان. قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال:
لما نزلت هذه الآية: ﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ﴾ دخل قلوبهم منها شيء لم يدخله من شيء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا: سمعنا وأطعنا وسلَّمنا. فألقى الله تعالى الإيمان في قلوبهم فقالوا: سمعنا وأطعنا. فأنزل الله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ حتى بلغ ﴿أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ فقال: قد فعلت، إلى آخر البقرة، كل ذلك يقول: قد فعلت. رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع.
قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية: ﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ﴾ جاء أبو بكر، وعمر، وعبد الرحمن بن عَوْف، ومُعاذ بن جَبَل، وناس من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فَجَثَوْا على الركب، وقالوا: يا رسول الله، والله ما نزلت آية أشدّ علينا من هذه الآية، إن أحدنا لَيُحَدِّثُ نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه وأنَّ له الدنيا بما فيها؛ وإنا لمأخوذون بما نحدث به أنفسنا، هلكنا والله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت، فقالوا: هلكنا وكُلِّفنا من العمل ما لا نطيق. قال: فلعلكم تقولون كما قالت بنو إسرائيل لموسى: سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا وأطعنا، فقالوا: سمعنا وأطعنا. واشتد ذلك عليهم فمكثوا بذلك حولاً، فأنزل الله تعالى الفرج والراحة بقوله: ﴿لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ الآية فنسخت هذه الآية ما قبلها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد تجاوز لأمتي ما حدَّثوا به أنفسهم ما لم يعملوا أو يتكلموا به".