تفسير سورة سبأ

تفسير العز بن عبد السلام
تفسير سورة سورة سبأ من كتاب تفسير العز بن عبد السلام المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام .
لمؤلفه عز الدين بن عبد السلام . المتوفي سنة 660 هـ
سورة سبأ مكية أو إلا آية ﴿ ويرى الذين أوتوا العلم ﴾ :[ ٦ ].

١ - ﴿ما في السماوات وما في الأرض﴾ خلقاً، أو ملكاً ﴿الْحَمْدُ فِى الأَخِرَةِ﴾ حمد أهل الجنة - ﴿الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن﴾ [فاطر: ٣٤] ﴿الحمد للَّهِ الذى صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ [الزمر: ٧٤]، أو له الحمد في السماء والأرض لأنه خلق السموات قبل الأرض فصارت هي الأولى والأرض الآخرة، أو له " الحمد في الأولى على الهداية " وفي الآخرة على الثواب والعقاب. ﴿الْحَكِيمُ﴾ في أمره ﴿الْخَبِيرُ﴾ بخلقه.
٢ - ﴿يَلِجُ فِى الأَرْضِ﴾ المطر و ﴿يَخْرُجُ مِنْهَا﴾ النبات، أو الوالج الأموات والخارج الذهب والفضة والمعادن، أو الوالج البذور والخارج الزرع. ﴿وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ﴾ من الملائكة ﴿وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾ منهم، أو النازل القضاء
5
والعارج العمل، أو النازل المطر والعارج الدعاء.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ في السَّمَواتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلِكَ ولاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٣) لِيَجْزِيَ الَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) وَالَّذِينَ سَعَوْ فِيءَايَتِنَا مَعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِن رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيكَ مِن ربِّكَ هُو الْحَقَّ وَيَهْدِي إلى صِراَطِ العَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦) ﴾
6
٥ - ﴿سعوا في آياتنا﴾ بالجحد، أو التكذيب ﴿مُعَاجِزِينَ﴾ مسابقين أو مجاهدين، أو مراغمين مشاقين " ع "، أو لا يعجزونني هرباً ولا يفوتونني طلباً ﴿معجّزين﴾ مثبطين الناس عن اتباع الرسول [صلى الله عليه وسلم]، أو مضعفين الله أن يقدر عليهم، أو معجزين من آمن بإضافة العجز إليه ﴿مِّن رِّجْزٍ﴾ من عذاب أليم.
٦ - ﴿الذين أوتوا العلم﴾ أصحاب محمد [صلى الله عليه وسلم]، أو مؤمنو أهل الكتاب ﴿الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ القرآن ﴿صراط [١٥٢ / أ] الْعَزِيزِ﴾ دين الإسلام مأثور، أو طاعة الله - تعالى وسبيل مرضاته.
6
﴿وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد (٧) أفترى على الله كذباً أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد (٨) أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء إن في ذلك لآيةً لكل عبد منيب (٩) ﴾
٧ -،
7
٨ - ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ بالبعث. قيل: قاله أبو سفيان لأهل مكة فأجاب بعضهم بعضاً. ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ﴾ يعنون قائل هذا إما مجنون، أو كذاب. فرد الله - تعالى - عليهم بقوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ بالبعث ﴿فِى الْعَذَابِ﴾ في الأخرة ﴿وَالْضَّلالِ الْبَعِيدِ﴾ في الدنيا.
٩ - ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ من السماء والأرض كيف أحاطت بهم لأنهم كيف ما نظروا عن يمين وشمال ووراء وأمام رأوهما محيطتين بهم، أو ما بين أيديهم: من هلك من الأمم الماضية في أرضه ﴿وَمَا خَلْفَهُم﴾ من أمر الآخرة في سمائه ﴿كِسَفاً﴾ عذاباً، أو قِطعاً إن شاء عذب بسمائه، أو بأرضه. فكل خلقه له جند ﴿مُّنِيبٍ﴾ مجيب، أو مقبل بتوبته، أو مستقيم إلى ربه، أو مخلص بالتوحيد.
{ولقد ءاتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد (١٠) أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحاً إني بما تعملون بصير (١١).
١٠ - ﴿فَضْلاً﴾ نبوة، أو زبوراً، أو قضاء بالعذاب، أو فطنة وذكاء، أو
7
رحمة الضعفاء، أو حسن الصوت، أو تسخير الجبال والطير ﴿أَوِّبِى﴾ سبحي معه " ع " أو سيري " ح "، والتأويب سير النهار كله، أو سير الليل كله، أو سير النهار كله دون الليل. أو رجِّعي معه إذا رجع ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ فكان يعمل به كالعمل بالطين لا يدخله النار ولا يعمل بمطرقة.
8
١١ - ﴿سَابِغَاتٍ﴾ دروعاً تامة. إسباغ النعمة: تمامها ﴿وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ﴾ عدل المسامير في الحِلَق فلا تصغرها فتسلس ولا تعظم المسمار وتصغر الحلقة فتنقصم الحلقة، أو لا تجعل الحلق واسعة فلا تفي صاحبها. والسرد المسامير التي في الحلق من سرد الكلام سرداً إذا تابع بينه ومنه قول الرسول [صلى الله عليه وسلم] ثلاثة سرد وواحد فرد، أو النقب الذي في الحلق " ع " فكان يرفع كل يوم درعاً يبيعها بستة آلاف درهم ألفان لأهله وأربعة آلاف يطعم بها بني إسرائيل خبزَ حواري ﴿وَاعْمَلُواْ صَالِحاً﴾ قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " ع "، أو جميع الطاعات.
﴿ولسليمان الريح غدوها شهرٌ ورواحها شهرٌ وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعلم بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير (١٢) يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدورٍ راسياتٍ اعملوا آل داود شكراً وقليلٌ من عبادي الشكور (١٣) ﴾
١٢ - ﴿غُدُوُّهَا﴾ إلى نصف النهار شهر ﴿وَرَوَاحُهَا﴾ إلى آخره شهر في كل يوم شهران. قال الحسن: كانت تغدوا من دمشق فيقيل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر للمسرع وتروح فيبيت بكابل وبينهما شهر للمسرع ﴿عَيْنَ الْقِطْرِ﴾ سال له القِطر من صنعاء اليمن ثلاثة أيام. كما يسيل الماء، أو هي عين بالشام والقطر النحاس " ع "، أو الصفر ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ بأمر ربه. ﴿يَزِغْ﴾ يمل ﴿عَنْ أَمْرِنَا﴾ طاعة الله - تعالى -، أو ما يأمر به سليمان عليه الصلاة والسلام لأن أمره كأمر الله ﴿نُذِقْهُ﴾ في الآخرة، أو الدنيا ولم يُسخِّر منهم إلا الكفار فإذا آمنوا تركهم وكان مع المسخرين ملك بيده سوط من عذاب السعير فإذا خالف سليمان ضربه بذلك السوط ﴿والسعير﴾ النار [١٥٢ / ب] / المسعورة.
١٣ - ﴿مَّحَارِيبَ﴾ القصور، أو المساجد، أو المساكن ومحراب الدار أشرف موضع فيها. ﴿وَتَمَاثِيلَ﴾ الصور ولم تكن محرمة وكانت من نحاس، أو من رخام وشِبْه، صور الأنبياء الذين كانوا قبله، أو طواويس وعقباناً ونسوراً على كرسيه ودرجات سريره ليهاب من شاهدها أن يتقدم. ﴿كَالْجَوَابِ﴾ كالحياض، أو الجوبة من الأرض، أو كالحائط. ﴿رَّاسِيَاتٍ﴾ عظام، أو أثافيها منها " ع "، أو ثابتات لا يزلن عن مكانهن وذكر أنها باقية باليمن آية وعبرة ﴿شُكْراً﴾ توحيداً، أو تقوى وطاعة، أو صوم النهار وقيام الليل. فليس ساعة من نهار إلا وفيها من آل داود صائم ولا ساعة من الليل إلا وفيها منهم قائم، أو
9
اعملوا عملاً تستوجبون عليه الشكر أو اذكروا أهل البلاء وسلوا ربكم العافية، أو قال لما أمر بالشكر: إلهي كيف أشكرك والشكر نعمة منك عليّ فقال: الآن شكرتني حين علمت أن النعم مني ﴿الشَّكُورُ﴾ المؤمن الموحد " ع "، أو المطيع، أو ذاكر النعمة. والشاكر من لم يتكرر شكره والشكور من تكرر شكره، أو الشاكر على النعم والشكور على البلوى، أو الشاكر من غلب خوفه والشكور من غلب رجاؤه.
﴿فما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين (١٤) ﴾
10
١٤ - ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ﴾ وقف في المحراب يصلي متوكئاً على عصاهُ فمات وبقي قائماً على العصا سنة وكان سأل ربه أن لا يعلم الجن موته إلا بعد سنة لأنه كان قد بقي من إتمام عمارة بيت المقدس سنة، أو لأن الجن ذكرت للإنس أنها تعلم الغيب فطلب ذلك ليعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب مأثور، أو لم يمت إلا على فراشه وكان الباب مغلقاً عليه كعادته في عبادته فأكلت الأَرَضَة العتبة بعد سنة فخر الباب ساقطاً وكان سليمان يعتمد على العتبة إذا جلس " ع " ﴿دَآبَّةُ الأَرْضِ﴾ الأرضة " ع " أو دابة تأكل العيدان يقال لها القادح ﴿مِنسَأَتَهُ﴾ العصا بلغة الحبشة، أو مأخوذ من نسأت الغنم إذا سقتها ﴿تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ﴾ المسخرين أنهم لو علموا الغيب ﴿مَا لَبِثُواْ فِى الْعَذَابِ﴾ أو تبينت الإنس أن الجن لو علموا الغيب ﴿مَا لَبِثُواْ فِى الْعَذَابِ﴾ سنة، أو أوهمهم الجن أنهم
10
يعلمون الغيب فدخل عليهم شُبْهة فلما خَرَّ عرفوا كذبهم وزالت الشُّبهة.
﴿لقد كان لسبإٍ في مسكنهم ءاية جنتان عن يمين وشمالٍ كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدةٌ طيبةٌ وربٌ غفور (١٥) فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكلٍ خمط وأثلٍ وشيء من سدرٍ قليلٍ (١٦) ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجزى إلا الكفور (١٧) ﴾
11
١٥ - ﴿لِسَبَإٍ﴾ أرض باليمن يقال لها مأرب، أو قبيلة سموا بأسم أبيهم، أو أمهم وبعث إليهم ثلاثة عشر نبياً ﴿جَنَّتَانِ﴾ أحدهما عن يمين الوادي والأخرى عن شماله ﴿أيه﴾ كانت المرأة تمشي ومكتلها على رأسها فيمتلئ وما مسته بيدها، أو لم يكن في قريتهم ذباب ولا بعوض ولا برغوث ولا بق ولا حية ولا عقرب ويأتيهم الركب في ثيابهم القمل والدواب فتموت تلك الدواب ﴿كُلُواْ مِن رِّزْقِ﴾ الجنتين ﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ﴾ قيل هي صنعاء.
١٦ - ﴿فأعرضوا﴾ عن اتباع [١٥٣ / أ] / الرسل ﴿الْعَرِمِ﴾ المطر الشديد " ع " أو المسناة بالحبشية، أو العربية، أو اسم واد تجتمع فيه المياه من أودية سبأ فسدوه بين جبلين بالحجارة والقار وجعلوا له أبواباً يأخذون منه ما شاءوا فلما تركوا أمر الله - تعالى - بعث عليهم جرذاً يقال له الخلد فخرقه فأغرق بساتينهم وأفسد أرضهم، أو ماء أحمر أرسل في السد فخرقه وهدمه، أو الجرذ الذي نقب السد. ﴿جَنَّتَيْنِ﴾ ليزدوج الكلام كقوله ﴿فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ﴾ لأنهما لم يتبدلا بجنتين
11
﴿أُكُلٍ﴾ البرير ثمر الخمط، أو اسم لثمر كل شجرة ﴿خَمْطٍ﴾ الآراك " ع "، أو كل شجر ذي شوك، أو كل نبت مُرٍّ لا يمكن أكله. ﴿وَأَثْلٍ﴾ الطرفاء " ع "، أو شيء يشبه الطرفاء، أو شجر النضار، أو شجرة حطب لا يأكلها شيء، أو السَّمُر.
﴿وَجَعَلْنَا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرىً ظاهرةً وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين (١٨) فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلنهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور (١٩) ﴾
12
١٨ - ﴿الْقُرَى الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا﴾ بيت المقدس " ع "، أو الشام بورك فيها بالمياه والثمار والأشجار. قيل: إنها كانت أربعة آلاف وسبعمائة قرية ﴿قُرىً ظَاهِرَةً﴾ متصلة ينظر بعضهم إلى بعض " ح "، أو عامرة، أو كثيرة الماء، أو قريبة وهي السَّرْوات، أو قرى بصنعاء، أو قرى ما بين مأرب والشام ﴿وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ﴾ أي المبيت والمقيل، أو كانوا يصبحون في قرية ويمسون في آخرى " ح "، أو جعل ما بين القرية والقرية مقداراً واحداً. ﴿أمنين﴾ من الجوع والظمأ أو من الخوف كانوا يسيرون أربعة أشهر آمنين لا يحرك بعضهم بعضاً، ولو لقي الرجل قاتل أبيه لم يحركه.
١٩ - ﴿بَاعِدْ بَيْنَ أًسْفَارِنَا﴾ قالوا ذلك ملالاً للنعم كما مَلَّ بنو إسرائيل المن والسلوى " ح "، أو قالوا لو كانت ثمارنا أبعد مما هي كانت أشهى وأحلى، أو طلبوا الزيادة في عمارتهم حتى تبعد أسفارهم فيها. فيكون ذلك طلباً للكثرة والزيادة ﴿وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ﴾ بقولهم: ﴿بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾، أو بالتغيير والتبديل بعد أن كانوا مسلمين " ح " أو بتكذيب ثلاثة عشر نبياً وقالوا لرسلهم لما ابتلوا قد كنا نأبى عليكم وأرضنا عامرة خير أرض فكيف اليوم وأرضنا خراب شر أرض ﴿أَحَادِيثَ﴾ يتحدث بما كانوا فيه من نعم وما صاروا إليه من هلاك حتى ضرب
12
بهم المثل فقيل: تفرقوا أيادي سبأ. ﴿وَمَزَّقْنَاهُمْ﴾ بالهلاك فصاروا تراباً تذروه الريح، أو مزقوا بالتفرق فلحقت غسان بالشام وخزاعة بمكة والأوس والخزرج بالمدينة والأزد بِعُمان.
﴿وَلَقَدْ صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين (٢٠) وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيءٍ حفيظٌ (٢١) ﴾
13
٢٠ - ﴿صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾ لما أُهبط آدم وحواء قال إبليس: أَما إذْ أصبت من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف ظناً منه فصدق ظنه " ح "، أو قال: خلقت من نار وآدم من طين والنار تحرق كل شيء ﴿لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ﴾ [الإسراء: ٦٢] فصدق ظنه " ع "، أو قال يا رب أرأيت هؤلاء الذين كرمتهم عليَّ إنك لا تجد أكثرهم شاكرين ظناً منه فصدق ظنه، أو ظن أنه إن أغواهم [١٥٣ / ب] / وأضلهم أجابوه وأطاعوه فصدق ظنه ﴿فَاتَّبَعُوهُ﴾ الضمير للظن، أو لإبليس " ح ".
﴿قُلِ ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير (٢٢) ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير (٢٣) ﴾
٢٣ - ﴿لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ في الشفاعة، أو فيمن يشفع له ﴿فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ﴾
13
جُلي عنها الفزع، أو كُشف عنها الغطاء يوم القيامة، أو دعوا فأجابوا من قبورهم من الفزع الذي هو الدعاء والاستصراخ فسمي الداعي فزعاً والمجيب فزعاً، أو فزع عن قلوب الشياطين ففارقوا ما كانوا عليه من إضلال أوليائهم، أو الملائكة فزعوا لسماع الوحي من الله لانقطاعه ما بين عيسى ومحمد فخروا سجداً خوف القيامة ف ﴿قَالُواْ مَاذَا قال ربكم قالوا الحق﴾ أي الوحي وفُزِّع بالمعجمة من شك وشرك يوم القيامة فقالت لهم الملائكة: ماذا قال ربكم في الدنيا قالوا: الحق.
﴿قُلْ من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ظلالٍ مبين (٢٤) قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نُسئل عما تعملون (٢٥) قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم (٢٦) قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم (٢٧) ﴾
14
٢٤ - ﴿يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَات﴾ المطر ومن الأرض النبات، أو رزق السموات ما قضاه من أرزاق عباده ورزق الأرض ما مكنهم فيه من مباح. ﴿وَإِنَّآ﴾ نحن على هدى، وإياكم في ضلال، فتكون أو بمعنى الواو، أو معناه أحدنا على هدى والآخر على ضلال كقول القائل بل أحدنا كاذب دفعاً للكذب عن نفسه وإن أحدنا لصادق إضافة للصدق إلى نفسه ودفعاً له عن صاحبه، أو معناه الله يرزقنا وإياكم كنا على هدى، أو في ضلال مبين.
٢٦ - ﴿يَفْتَحُ﴾ يقضي لأنه بالقضاء يفتح وجه الحكم ﴿بالحق﴾ بالعدل
14
﴿الْعَلِيمُ﴾ بالحكم، أو بما يخفون، أو بخلقه.
﴿وَمَا أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون (٢٨) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (٢٩) قل لكم ميعادٌ يوم لا تستئخرون عنه ساعة ولا تستقدمون (٣٠) ﴾
15
٢٨ - ﴿كَآفَّةً لِّلْنَّاسِ﴾ كافاً لهم عن الشرك والهاء للمبالغة أو أرسلناك إلى الجميع تضمهم ومنه كف الثوب لضم طرفيه، أو ما أرسلناك إلا إلى كافتهم أي جميعهم " ع ".
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين (٣١) قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين (٣٢) وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون (٣٣) ﴾
٣١ - ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ مشركو العرب، أو أبو جهل ﴿بِالَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ التوراة والإنجيل، أو الأنبياء والكتب، أو أمر الآخرة.
٣٣ - ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ﴾ بل عملكم في الليل والنهار، أو معصية الليل والنهار، أو غركم اختلافهما، أو مَرُّهما، أو مكركم فيهما. ﴿أَندَاداً﴾ أشباهاً، أو شركاء.
﴿وَمَا أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون (٣٤) وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين (٣٥) قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون (٣٦) وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات ءامنون (٣٧) والذين يسعون في ءاياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون (٣٨) قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدرُ له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين (٣٩) ﴾
٣٤ - ﴿مُتْرَفُوهَآ﴾ جبّاروها، أو أغنياؤها، أو ذوو التنعم والبطر.
٣٥ - ﴿وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً﴾ قالوه للأنبياء والفقراء.
٣٦ - ﴿يبسُطُ الرِّزْقَ﴾ يوسعه ﴿وَيقْدِرُ﴾ يقتر عليه يبسط على هذا مكراً به ويقتر على الآخر نظراً له أو لخير له أو ينظر له ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾ أن البسط والإقتار بيده.
٣٧ - ﴿زُلْفَى﴾ قربى، والزلفة القربة ﴿جَزَآءُ الضِّعْفِ﴾ الحسنة بعشر والدرهم بسبعمائة، أو الغني التقي يؤتى أجره مرتين بهذه الآية ﴿آمنون﴾ من النار، أو من انقطاع النعم، أو الموت، أو الأحزان والأسقام.
٣٩ - ﴿فهو يُخْلِقُه﴾ إذا شاء ورآه صلاحاً كإجابة الدعاء، أو يخلفه بالأجر
16
في الآخرة إذا أنفق في الطاعة، أو معناه فهو أخلفه لأن نفقته من خلف الله - تعالى - ورزقه.
﴿وَيَومَ يحشرهم جميعاً ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون (٤٠) قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون (٤١) فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعاً ولا ضراً ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون (٤٢) ﴾
17
٤٠ - ﴿يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً﴾ المشركون ومن عبدوه من الملائكة ﴿أَهَؤُلآءِ﴾ استفهام تقرير.
٤١ - ﴿أَنتَ وَلِيُّنَا﴾ الذي نواليه بالطاعة، أو ناصرنا ﴿يعبدون الجن﴾ [١٥٤ / أ] / يطيعونهم في عبادتنا.
﴿وَإذَا تُتْلَى عَلَيْهِم ءاياتُنا بَيْناتٍ قَالُواْ مَا هَذا إلاَّ رَجُلٌ يُريدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُءَاباؤُكُمْ وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين (٤٣) وما ءاتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير (٤٤) وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما ءاتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير (٤٥) ﴾
٤٤ - ﴿وما آتيناهم مِّن كُتُبٍ﴾ ما نُزِّل على مشركي قريش كتاباً قط ﴿يَدْرُسُونَهَا﴾ فيعلمون أن الذي جئت به حق، أو باطل، أو فيعلمون أن لله شركاء كما زعموا ﴿مِن نَّذِيرٍ﴾ ما جاءهم رسول قط غيرك.
٤٥ - ﴿وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ﴾ ما عملوا معشار ما أمروا به " ع "، أو ما أُعطي من كذب محمداً [صلى الله عليه وسلم] معشار ما أُعطي من قبلهم من القوة والمال، أو ما بلغ الذين من قبلهم معشار شكر ما آتيناهم، أو ما أعطي من قبلهم معشار ما أعطي هؤلاء من البيان والعلم والبرهان " ع " فلا أمة أعلم من أمته ولا كتاب أبين من كتابه. والمعشار والعشر واحد، أو المعشار عشر العشر وهو العشير، أو عشر العشير والعشير عشر العشر فيكون جزءاً من ألف. ﴿نكيري﴾ : عقابي تقديره فأهلكتهم فيكف كان نكيري.
﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أن تَقُومُوا لِلهِ مَثْنَى وفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبَكُم مِن جِنَّةٍ إنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شديدٍ (٤٦) ﴾
٤٦ - ﴿بِوَاحِدَةٍ﴾ طاعة الله - تعالى -، أو قول لا إله إلا الله ﴿أَن تَقُومُواْ﴾ بالحق كقوله ﴿وَأَن تَقُومُواْ لليتامى بالقسط﴾ [النساء: ١٢٧] ﴿مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ جماعة وفرادى أو منفرداً برأيه ومشاوراً لغيره مأثور، أو مناظراُ لغيره ومفكراً في نفسه.
﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِنْ أَجْرٍ فهو لَكَمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ (٤٧) قُلْ إنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩) قُلْ إن ضَلَلْتُ فَإنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وإنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَىَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠) ﴾
٤٧ - ﴿مِّنْ أَجْرٍ﴾ من مودة لأنه سأل قريشاً أن يكفوا عن أذاه حتى يبلغ الرسالة " ع "، أو جُعْل ﴿شَهِيدٌ﴾ أن ليس بي جنون، أو أني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
٤٨ - ﴿يَقْذِفُ﴾ يتكلم، أو يوحي، أو يلقي ﴿بِالْحَقِّ﴾ الوحي أو القرآن و ﴿الْغُيُوبِ﴾ الخفيّات.
٤٩ - ﴿جاء الحق﴾ بعثة الرسول [صلى الله عليه وسلم]، أو القرآن، أو الجهاد بالسيف ﴿الْبَاطِلُ﴾ الشيطان، أو إبليس، أو دين الشرك ﴿وَمَا يُبْدِئُ﴾ لا يخلق ولا يبعث، أو لا يحيي ولا يميت، أو لا يثبت إذا بدا ولا يعود إذا زال.
﴿وَلَو تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَكَانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقَالُواءَامَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَكّانٍ بَعيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ (٥٤) ﴾
٥١ - ﴿فَزِعُواْ﴾ في القيامة أو في الدنيا عند رؤية بأس الله، أو يُخسف بجيش في البيداء فيبقى منهم رجل فيُخبر بما لقي أصحابه فيفزع الناس، أو فزعهم ببدر لما ضُربت أعناقهم فلم يستطيعوا فراراً من العذاب ولا رجوعاً إلى التوبة، أو فزعهم في القبور من الصيحة " ح " ﴿فَلا فَوْتَ﴾ فلا نجاة " ع "، أو لا مهرب، أو لا سبق. ﴿مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ﴾ من تحت أقدامهم، أو يوم بدر، أو جيش السفياني " ع "، أو عذاب الدنيا، أو حين
19
خرجوا من القبور " ح "، أو يوم القيامة.
20
٥٢ - ﴿آمنا بِهِ﴾ بالله تعالى أو البعث، أو الرسول [صلى الله عليه وسلم] ﴿التَّنَاوُشُ﴾ الرجعة
" ع ".
(تمنى أن تؤوب إليَّ ميّ وليس إلى تناوشها سبيل)
أو التوبة، أو التناوش نشته أنوشه نوشاً إذا تناولته من قريب، تناوش القوم تناول بعضهم بعضاً والتحم بينهم القتال ﴿مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾ من الآخرة إلى الدنيا أو ما بين الآخرة والدنيا [١٥٤ / ب] /، أو عُبِّر به عن طلبهم للأمر من حيث لا ينال " ح ".
٥٣ - ﴿كَفَرُواْ بِهِ﴾ بالله تعالى، أو البعث، أو الرسول ﷺ ﴿مِن قَبْلُ﴾ في الدنيا، أو قبل العذاب. ﴿وَيَقْذِفُونَ﴾ يرجمون بالظن في الدنيا فيقولون لا بعث ولا جنة ولا نار " ح "، أو يطعنون في القرآن، أو في الرسول [صلى الله عليه وسلم] بأنه ساحر، أو شاعر. سماه قذفاً لخروجه من غير حقه.
٥٤ - ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ﴾ وبين الدنيا، أو بينهم وبين الإيمان " ح "، أو التوبة أو طاعة الله - تعالى - أو بين المؤمن وبين العمل وبين الكافر وبين الإيمان.
قاله ابن زيد ﴿أشياعهم﴾ أوائلهم من الأمم الخالية أو أصحاب الفيل لما
20
أرادوا هدم الكعبة، أو أمثالهم من الكفار لم يقبل لهم توبة عند المعاينة ﴿فِى شَكٍّ﴾ من نبيهم فلا يعرفونه أو من نزول العذاب بهم.
21
سورة الملائكة
سورة فاطر
مكية اتفاقاً

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَتِ وَاْلأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعُ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنَّ اْللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) ﴾
22
Icon