ﰡ
يقول : في خلق الآدميين وسواهم من كل ذي روح آيات. تقرأ : الآيات بالخفض على تأويل النصب. يرد على قوله :﴿ إنّ في السمَّواتِ والأرْضِ لآياتٍ ﴾. ويقوّي الخفض فيها أنها في قراءة عبد الله :﴿ لآيات ﴾. وفي قراءة أُبي : لآيات لآيات لآياتٍ ثلاثهن. والرفع قراءة الناس على الاستئناف فيما بعد أنّ، والعرب تقول : إن لي عليك مالا، وعلى أخيك مال كثير. فينصبون الثاني ويرفعونه.
وفي قراءة عبد الله :«وفي اختلاف اللّيل والنهارِ ». فهذا يقوي خفض الاختلاف، ولو رفعه رافع فقال : واختلاف الليل والنهار آياتٌ أيضا يجعل الاختلاف آياتٍ، ولم نسمعه من أحد من القراء قال : ولو رفع رافع الآيات، وفيها اللام كان صوابا. قال : أنشدني الكسائي :
إنّ الخلافة بعدهم لذميمة | وخلائف طرف لمما أحقر |
معناه في الأصل حكاية بمنزلة الأمر، كقولك : قل للذين آمنوا اغفروا ؛ فإذا ظهر الأمر مصرحا فهو مجزوم ؛ لأنه أمر، وإذا كان على الخبر مثل قوله :﴿ قُلْ لِلذين آمَنوا يَغْفِروا ﴾، ﴿ وقُلْ لِّعبادي يَقُولُوا ﴾ و ﴿ قُلْ لِعباديَ الذين آمَنُوا يُقيمُوا الصلاةَ ﴾، فهذا مجزوم بالتشبيه بالجزاء والشرط كأنه قولك : قم تصب خيرا، وليس كذلك، ولكن العرب إذا خرج الكلام في مثال غيره وهو مقارب له عرّبوه بتعريبه، فهذا من ذلك، وقد ذكرناه في غير موضع، ونزلت قوله :﴿ قُلْ لِلَّذينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أيّامَ اللّهِ ﴾ في المشركين قبل أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال أهل مكة.
وقوله :﴿ لِيَجْزِيَ قَوْما بِما كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾.
قرأها يحيى بن وثاب : لنجزي بالنون، وقرأها الناس بعد ﴿ لِيجْزِيَ قوما ﴾ بالياء وهما سواء بمنزلة قوله :﴿ وقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ ﴾، «وقد خلقناك من قبل » وقد قرأ بعض القراء فيما ذُكر لي : ليُجزَى قَوْماً، وهو في الظاهر لحن، فإن كان أضمر في «يجزى » فعلا يقع به الرفع كما تقول : أُعطِيَ ثوبا ليُجزى ذلك الجزاء قوما فهو وجه.
على دين وملة ومنهاج، كل ذلك يقال.
ترفع الله، وهو وجه الإعراب إذا جاء الاسم بعد إنَّ وخبر فارفعه كان معه فعل أو لم يكن. فأما الذي لا فعل معه فقوله :﴿ أنّ اللّهَ بريء من المشركينَ ورسولُه ﴾ وأما الذي معه فعل فقوله جل وعز :﴿ واللّهُ وَليُّ المتقين ﴾.
الاجتراح : الاقتراف، والاكتساب.
وقوله :﴿ سَوَاء مَّحْيَاهُمْ وَمَماتُهُمْ ﴾
تنصب سواء، وترفعه، والمحيا والممات في موضع رفع بمنزلة قوله : رأيت القومَ سواء صغارهم وكبارهم [ ١٧٤/ب ]، تنصب سواء ؛ لأنك تجعله فعلا لما عاد على الناس من ذكرهم، وما عاد على القوم وجميع الأسماء بذكرهم، وقد تقدم فعله، فاجعل الفعل معربا بالاسم الأول. تقول : مررت بقوم سواء صغارهم وكبارهم، ورأيت قوما سواء صغارهم وكبارهم.
وكذلك الرفع - وربما جعلت العرب :( سواء ) في مذهب اسم بمنزلة حسبك، فيقولون : رأيت قوما سواء صغارهم وكبارهم، فيكون كقولك : مررت برجل حسبك أخوه ولو جعلت مكان سواء مستوٍ لم ترفع، ولكن تجعله متبعا لما قبله، مخالفا لسواء ؛ لأن مستويا من صفة القوم، ولأن سواء - كالمصدر، والمصدر اسم.
ولو نصبت : المحيا والممات - كان وجها تريد أن تجعلهم سواء في محياهم ومماتهم.
قرأها يحيى بن وَثاب ( غَشْوَة ) بفتح الغين، وَلا يلحق فيها ألفا، وَقرأها الناس ( غِشاوَة )، كأن غشاوَة اسم، وَكأن غشوة شيء غشيها في وَقعة واحدة، مثل : الرجفة، وَالرحمة، وَالمرَّة.
يقول القائل : كيف قال : نموت ونحيا، وهم مكذبون بالبعث ؟ فإنما أراد نموت، ويأتي بعدنا أبناؤنا، فجعل فعل أبنائهم كفعلهم، وهو في العربية كثير.
وقوله :﴿ وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ ﴾.
يقولون : إلاّ طول الدهر، ومرور الأيام والليالي والشهور والسنين.
وفي قراءة عبد الله :«وما يُهْلِكُنا إِلاّ دَهْرٌ »، كأنه : إلاّ دهر يمر.
يريد : كلّ أهل دين جاثية يقول : مجتمعة للحساب، ثم قال :﴿ كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِها ﴾. يقول إلى حسابها، وهو من قول الله :﴿ فَأَما مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِه ﴾. و ﴿ بشماله ﴾.
الاستنساخ : أن الملكين يرفعان عمل الرجل صغيرهِ وكبيرهِ، فيُثبت الله من عمله ما كان له ثواب أو عقاب، ويطرَح منه اللغو الذي لا ثواب فيه ولا عقاب، كقولك هلُمَّ، وتعال، واذهب، فذلك الاستنساخ.
أضمر القول فيقال : أفلم، ومثله :﴿ فأما الَّذين اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أكَفَرْتُمْ ﴾ معناه، فيقال : أكفرتم، والله أعلم. وذلك أنّ أما لا بد لها من أن تجاب بالفاء، ولكنها سقطت لما سقط الفعل الذي أضمر.
ترفع الساعة وهو وجه الكلام، وإن نصبتها فصواب، قرأ بذلك حمزة الزيات، وفي قراءة عبد الله :«وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا »، فقد عرفت الوجهين، وفسرا في غير هذا الموضع.
نترككم في النار كما نسيتم لقاء يومكم هذا، يقول : كما تركتم العمل للقاء يومكم هذا.
يقول : لا يراجعون الكلام بعد دخولهم النار.