تفسير سورة عبس

روح البيان
تفسير سورة سورة عبس من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ

الاعشية او ضحى احتمل أن يكون العشية من يوم والضحى من يوم آخر فيتوهم استمرار اللبث من ذلك الزمان من اليوم الاول الى الزمان الآخر من اليوم الآخر واما إذا قيل الاعشية او ضحاها لم يحتمل ذلك البتة قال فى الإرشاد واعتبار كون اللبث فى الدنيا او فى القبور لا يقتضيه المقام وانما الذي يقتضيه اعتبار كونه بعد الانذار أو بعد الوعيد تحقيقا للانذار وردا لاستبطائهم وفى الآية اشارة الى ساعة الفناء فى الله فانها امر وجداني لا يعرفها الا من وقع فيها وهم باقون بنفوسهم الغليظة الشديدة فكيف يفهمونها بذكرها بلسان العبارة كما قيل من لم يذق لم يعرف كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا الاعشية او ضحاها لاتصال آخر الفناء بأول البقاء كما قال العارف الطيار العطار قدس سره
كر بقا خواهى فناى خود كزين أولين چيزى كه مى زايد بقاست
وفى الحديث من قرأ سورة النازعات كان ممن حبسه الله
فى القبر والقيامة حتى يدخل الجنة قدر صلاة مكتوبة وهو عبارة عن استقصار مدة اللبث فيما يلقى من البشرى والكرامة فى البرزخ والموقف كذا فى حواشى ابن الشيخ رحمه الله تمت سورة النازعات بعون خالق البريات فى يوم الاثنين ثانى صفر الخير من شهور ستة سبع عشرة ومائة وألف
تفسير سورة عبس
أربعون او احدى وأربعون آية مكية بسم الله الرحمن الرحيم
عَبَسَ من الباب الثاني والعبس والعبوس ترش روى شدن يعنى ترش كرد روى خود را محمد عليه السلام وَتَوَلَّى اعرض يعنى روى بگردانيد أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى الضمير لمحمد عليه السلام وهو علة لتولى على رأى المبصريين لقربه منه اى تولى لأن جاءه الأعمى والعمى افتقاد البصر ويقال فى افتقاد البصيرة ايضا ولام الأعمى للعهد فيراد أعمى معروف وهو ابن أم مكتوم المؤذن الثاني لرسول الله ﷺ فى الأذان ولذلك قال عليه السلام ان بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وكان من المهاجرين الأولين استخلفه عليه السلام على المدينة مرتين حين خرج غازيا وقيل ثلاث مرات مات بالمدينة وقيل شهيدا بالقادسية وهى قرية فوق الكوفة قال أنس رضى الله عنه رأيته يوم القادسية وعليه درع وله راية سوداء ويقال ليوم فتح عمر رضى الله عنه يوم القادسية فانه ظفر على العجم هناك وأخذ منهم غنائم كثيرة واختلفوا فى اسم ابن أم مكتوم فقيل هو عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بنى عامر ابن لؤى وقيل هو عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم من بنى عامر بن هلال وهو ابن خال خديجة رضى الله عنها وأم مكتوم اسم أم أبيه كما فى الكشاف وقال السعدي هو وهم فقد نص ابن عبد البر وغيره انها أمه واسمها عاتكة بنت عامر بن مخزوم (روى) ان ابن أم مكتوم أتى رسول الله ﷺ وذلك فى مكة وعنده صناديد قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل
مكتوم كان قد اسلم وتعلم ما كان يحتاج اليه من امور الدين واما أولئك الكفار فما كانوا قد اسلموا وكان إسلامهم سببا لاسلام جمع عظيم فكلامه فى البين سبب لقطع ذلك الخير العظيم لغرض قليل وذلك محرم والأهم مقدم على المهم فثبت بهذا ان فعل ابن أم مكتوم كان ذنبا ومعصية وما فعله النبي عليه السلام كان واجبا فكيف عاتبه الله على ذلك قيل ان الأمر وإن كان كما ذكر الا ان ظاهر ما فعله الرسول عليه السلام يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء وقلة المبالاة بانكسار قلوب الفقراء وهو لا يليق بمنصب النبوة لانه ترك الأفضل كما أشير اليه سابقا فلذا عاتبه الله تعالى لَعَلَّهُ اى الأعمى يَزَّكَّى بتشديدين أصله يتزكى اى يتطهر بما يقتبس منك من اوضار الأوزار بالكلية وكلمة لعل مع تحقق التزكى وارد على سنن الكبرياء فان لعل فى كلام العظماء يراد به القطع والتحقيق او على اعتبار معنى الترجي بالنسبة اليه عليه السلام للتنبيه على ان الاعراض عنه عند كونه مرجوا التزكى مما لا يجوز فكيف إذا كان مقطوعا بالتزكى كما فى قولك لعلك ستندم على ما فعلت أَوْ يَذَّكَّرُ يتشديدين ايضا أصله يتذكر والتذكر هو الاتعاظ يعنى با خود پند كيرد فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى اى فتنفعه موعظتك ان لم يبلغ درجة التزكى التام وفى الكشاف المعنى انك لا تدرى ما هو مترقب منه من تزكى او تذكر ولو دريت لما فرط ذلك منك انتهى أشار الى ان قوله يزكى من باب التخلية عن الآثام وقوله او يذكر من باب التحلية ببعض الطاعات ولذا دخلت كلمة الترديد فقوله او يذكر عطف على بزكى داخل معه فى حكم الترجي وقوله فتنفعه الذكرى بالنصب على جواب لعل تشبيها له بليت وفيه اشارة الى أن من تصدى لتزكيتهم من الكفرة لا يرجى منهم التزكى والتذكر أصلا واشعار بأن اللائق بالعلم أن يقصد بتعليمه تزكية متعلمه ولا ينظر الى شبحه وصورته كما ينظر العوام وبالمتعلم أن يريد بتعلمه تزكية نفسه عن أرجاس الضلالة وتطهير قلبه من أدباس الجهالة لا احكام الدنيا الدنية أَمَّا للتفضيل مَنِ اسْتَغْنى عن الايمان وعما عندك من العلوم والمعارف التي ينطوى عليها القرآن فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى بحذف احدى التاءين تخفيفا اى تتصدى وتتعرض بالإقبال عليه والاهتمام بإرشاده واستصلاحه دون الأعمى وفيه مزيد تنفير له عليه السلام عن مصاحبتهم فان الإقبال على المدبر ليس من شيم الكرام والتصدي للشئ التعرض والتقيد به والاهتمام بشأنه وضده التشاغل عنه وفى المفردات التصدي ان يقابل الشيء مقابلة الصدى اى الصوت الراجع من الجبل وفى كشف الاسرار التصدي التعرض للشئ على حرص كتعرض الصديان للماء اى العطشان وعن بعضهم اصل تصدى تصدد من الصدد وهو ما استقبلك وجاء قبالتك فأبدل أحد الأمثال حرف علة وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى اى وليس عليك بأس ووزر ووبال فى أن لا يتزكى ذلك المستغنى بالإسلام حتى تهتم بأمره وتعرض عمن أسلم ان عليك الا البلاغ وكيف تحرض على الإسلام من ليس له قابلية وقد خلق على حب الدنيا والعمى عن الآخرة وفيه استهانة لمن اعرض عنه فما نافية وكلمة فى المقدرة متعلقة باسم ما وهو محذوف والجملة حال من ضمير تصدى مقررة لجهة الإنكار
وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى اى حال كونه مسرعا طالبا لما عندك من احكام الرشد وخصال الخير وَهُوَ والحال انه يَخْشى الله تعالى او يخشى الكفار وأذا هم إتيانك قال سعدى المفتى الظاهر أن النظم من الاحتباك ذكر الغنى اولا للدلالة على الفقر ثانيا والمجيء والخشية ثانيا للدلالة على ضدهما اولا فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى بحذف احدى التاءين تخفيفا اى تتلهى وتتشاغل من لهى عن الشيء بكسر الهاء يلهى لهيا اعرض عنه لا من لهوت بالشيء بالفتح ألهو لهوا إذا لعبت به لان الفعل مسند الى ضمير النبي ولا يليق بشأنه الرفيع أن ينسب اليه التفعل من اللهو بخلاف الاشتغال عن الشيء لمصلحة وفى بعض التفاسير ولو أخذ من اللهو وجعل التشاغل بأهل التغافل من جنس اللهو واللعب لكونه عبثا لا يترتب عليه نفع لم يخل عن وجه انتهى وفيه انه يلزم منه أن يكون الاشتغال بالدعوة عبثا ولا يقول به المؤمن وذلك لانه لا يجوز للنبى عليه السلام التشاغل بأهل التغافل الا بطريق التبليغ والإرشاد فكيف لا يترتب عليه نفع وفى تقديم ضميره عليه السلام وهو أنت على الفعلين تنبيه على ان مناط الإنكار خصوصيته عليه السلام أي مثلك خصوصا لا ينبغى ان يتصدى للمستغنى ويتلهى عن الفقير الطالب للخير وفى تقديم له وعنه للتعريض باهتمامه عليه السلام بمضونهما تنبيه حيث أفادت القصة ان العبرة بالأرواح والأحوال لا بالأشباح والأموال والعزيز من أعزه الله بالايمان والطاعة وان كان بين الناس ذليلا والذليل من اذله الله بالكفر والمعصية وان كان بين الناس عزيزا روى انه عليه السلام ما عبس بعد ذلك فى وجه فقير قط ولا تصدى لغنى وكان الفقراء فى مجلسه عليه السلام أمراء يعنى كان يحترمهم كل الاحترام وفيه تأديب للصغير بالكبير فحملة الشرع والعلم والحكام مخاطبون فى تقريب الضعيف من اهل الخير وتقديمه على الشريف العاري عن الخير بمثل ما خوطب به النبي عليه السلام فى هذه السورة قال بعضهم بين الله درجة الفقر وتعظيم اهله وخسة الدنيا وتحقير أهلها فصح الاشتغال بصحبة الفقراء لان فيم نعت الصدق والتجرد فالصحبة معهم مفيدة بخلاف الاشتغال بصحبة الأغنياء إذ ليس فيهم ذلك فالصحبة معهم ضائعة وفى الحديث (من تحامل على فقير لغنى فقد هدم ثلث دينه) يقال تحاملت على الشيء إذا تكلفت الشيء على مشقة وتحامل فلان على فلان إذا لم يعدل وقال بعض الأكابر انما كان ﷺ يتواضع لاكابر قريش لان الأعزاء من الخلائق مظاهر العزة الالهية فكان تقديمهم على الفقراء من أهل الصفة ليوفى صفة الكبرياء حقها إذا لم يشهد لها مشاركا ولكن فوق هذا المقام ما هو أعلى منه وهو ما امره الله به آخرا بعد ما صدر سورة عبس فى قوله واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى الآية فأمره بأن لا يشهده فى شىء دون شىء للاطلاق الذي هو الحق عليه كما قال جعت فلم تطعمنى وظمئت فلم تسقنى الحديث كما فى الجواهر للشعرانى كَلَّا انزجر من التصدي للمستغنى والاعراض عن ارشاد المسترشد قال الحسن لما تلا جبرائيل هذه الآيات على النبي عليه السلام عاد وجهه كأنما استف فيه الرماد اى تغير كأنما ذر عليه الرماد ينتظر ما يحكم الله عليه فلما
قال كلاسرى عنه والتسرية اندوه را بردن اى لا نفعل مثل ذلك فانه غير لائق بك
إِنَّها اى القرآن والتأنيث باعتبار الخبر وهو قوله تَذْكِرَةٌ اى موعظة يجب أن يتعظ بها ويعمل بموجبها فَمَنْ پس هر كه شاءَ ذَكَرَهُ اى القرآن اى حفظه ولم ينسه او اتعظ به ومن رغب عنه كما فعله المستغنى فلا حاجة الى الاهتمام بأمره فِي صُحُفٍ جمع صحيفة وكل مكتوب عند العرب صحيفة وهو متعلق بمضمر هو صفة لتذكرة وما بينهما اعتراض بين الصفة والموصوف جيئ به للترغيب فيها والحث على حفظها اى كائنة فى صحف منتسخة من اللوح او خبرثان لان فالجملة معترضة بين الخبرين والسجاوندى على انه خبر محذوف اى وهى فى صحف حتى وضع علامة الوقف اللازم على ذكره هربا من إيهام تعلقة به وهو غير جائزلان ذكر من شاء لا يكون فى صحف مُكَرَّمَةٍ عند الله لكونها صحف القرآن المكرم مَرْفُوعَةٍ اى فى السماء السابعة او مرفوعة المقدار والذكر فانها فى المشهور موضوعة فى بيت العزة فى السماء الدنيا مُطَهَّرَةٍ منزهة عن مساس. أيدي الشياطين بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كتبة من الملائكة ينتسخون الكتب من اللوح على انه جمع سافر من السفر وهو الكتب إذ فى الكتابة معنى السفر اي الكشف والتوضيح والكاتب سافر لانه يبين الشيء ويوضحه وسمى السفر بفتحتين سفرا لانه يسفر ويكشف عن اخلاق المرء قالوا هذه اللفظة مختصة بالملائكة لا تكاد تطلق على غيرهم وان جاز الإطلاق بحسب اللغة والباء متعلقة بمطهرة فقال القفال فى وجه لما لم يمسها الا الملائكة المطهرون أضيف التطهير إليها لطهارة من يمسها وقال القرطبي ان المراد فى قوله تعالى لا يمسه الا المظهرون هؤلاء السفرة الكرام البررة والظاهر أن تكون فى محل الجر على انها صفة لصحف اى فى صحف كائنة بأيدى سفرة او مكتوبة بأيدى سفرة ومن هذا وقف بعضهم على مطهرة وقفا لازما هربا من توهم تعلق الباء به كِرامٍ عند الله بالقرب والشرف فهو من الكرامة جمع كريم او متعطفين على المؤمنين يستغفرون لهم فهو من الكرم ضد اللؤم وقال ابن عطاء رحمه الله يريد انهم يتكرمون أن يكونوا مع ابن آدم إذا خلا مع زوجته للجماع وعند قضاء الحاجة يشير الى انهم هم الملائكة الموصوفون بقوله كراما كاتبين وفيه تأمل بَرَرَةٍ أتقياء لتقدسها عن المواد ونزاهة جواهرها عن التعلقات او مطيعين الله من قولهم فلان يبر خالقه اى يطيعه او صادقين من بر فى يمينه جمع بار مثل فجرة جمع فاجر قُتِلَ الْإِنْسانُ دعاء عليه بأشنع الدعوات فان القتل غاية شدائد الدنيا وأفظعها ومن فسر القتل باللعن أراد به الإهلاك الروحاني فانه أشد العقوبات وهو بالفارسية لعنت كرده باد انسان يعنى كافر. وفى عين المعاني عذب ما أَكْفَرَهُ ما أشد كفره بالله مع كثرة إحسانه اليه وبالفارسية چهـ كافرترين خلقست. تعجب من افراطه فى الكفران اى على صورته فان حقيقة التعجب انما تتصور من الجاهل بسبب ما خفى من سبب الشيء والذي أحاطه علمه بجميع المعلومات لا يتصور منه ذلك فهو فى الحقيقة تعجيب من الله لخلقه وبيان لاستحقاقه للدعاء عليه اى اعجبوا من كفره بالله
ونعمه مع معرفته بكثرة إحسانه اليه وادعوا عليه بالقتل واللعن ونحو ذلك لاستحقاقه لذلك قال بعضهم لعن الله الكافر وعظم كفره حيث لم يعرف صانعه ولم يعرف نفسه التي لو عرفها عرف صانعها وقال ابن الشيخ هذا الدعاء وارد على اسلوب كلام العرب فهو ليس من قبيل دعاء من يعجز عن انتقام من يسوءه وكذا هذا التعجب ليس على حقيقته لانه تعالى منزه عن العجز والجهل بل المقصود بايراد ما هو فى صورة الدعاء الدلالة على سخطه العظيم والتنبيه على انه استحق اهول العقوبات وأشنعها وبايراد صيغة التعجب الذم البليغ له من حيث ارتكابه أقبح القبائح ولا شك ان السخط يجوز من الله وكذا الذم ويجوز أن يكون ما اكفره استفهاما بمعنى التقريع والتوبيخ اى اى شىء حمله على الكفر والمراد من الإنسان اما من استغنى عن القرآن المذكور نعوته واما الجنس باعتبار انتظامه له ولا مثاله من افراده لا باعتبار جمع افراده مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ اى من اى شىء حقير مهين خلقه يعنى نمى انديشد كه خداى تعالى از چهـ چيز بيافريد او را. ثم بينه بقوله مِنْ نُطْفَةٍ قذرة خَلَقَهُ فمن كان أصله مثل هذا الشيء الحقير كيف يليق به التكبر والتجبر والكفران بحق المنعم الذي كسا ذلك الحقير بمثل هذه الصورة البهية وقف السجاوندى على قوله من نطفة حتى وضع عليه علامة الوقف المطلق بتقدير خلقه آخر بدلالة ما قبله وجعل قوله خلقه فقدره جملة اخرى استئنافية لبيان كيفية الخلق وإتمامه من انعامه ومن جعله متعلقا بما بعده على ما هو الظاهر لم يقف عليه فَقَدَّرَهُ فهيأه لما يصلح له ويليق به من الأعضاء والاشكال اى أحدثه بمقدار معلوم من الأعضاء والاشكال والكمية والكيفية فجعله مستعدا لان ينتهى فيها الى القدر اللائق بمصلحته فلا يلزم عطف الشيء على نفسه وذلك ان خلق الشيء ايضا تقديره واحداثه بمقدار معلوم من الكمية والكيفية وبالفارسية پس اندازه او پديد كرد از اعضا وإشكال وهيئات در بطن ما در. او فقدره أطوار الى ان تم خلقه فالتقدير المنفرع على الخلق مأخوذ من القدر بمعنى الطور أي او جده على التقدير الاولى ثم جعله ذا أطوار من علقة ومضغة الى آخر أطواره ذكرا او أنثى شقيا او سعيدا قال بعضهم وعلى الوجهين فالفاء للتفصيل فان التقدير يتضمنه على المعنيين ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ منصوب بمضمر يفسره الظاهر اى سهل مخرجه من البطن بأن فتح فم الرحم وكان غير مفتوح قبل الولادة وألهمه ان ينتكس بأن ينقلب ويصير رجله من فوق ورأسه من تحت ولولا ذلك لا يمكثها ان تلد ويسر له سبيل الخير والشر فى الدين ومكنه من السلوك فيهما وذلك بالاقدار والتعريف له بما هو نافع وضار والعقل وبعثة الأنبياء وإنزال الكتب ونحو ذلك وتعريف السبيل باللام دون الاضافة بأن يقال سبيله للاشعار بعمومه لانه عام للانس والجن على المعنى الثاني وللحيوانات ايضا على المعنى الاول قال ابن عطاء رحمه الله يسر على من قدر له التوفيق طلب رشده واتباع نجاته وقال أبو بكر بن طاهر رحمه الله يسر على كل أحد ما خلقه له وقدره عليه ثُمَّ أَماتَهُ اى قبض روحه عند تمام اجله المقدر المسمى فَأَقْبَرَهُ اى جعله فى قبر يوارى فيه تكرمة له ولم يدعه مطروحا على وجه الأرض جزرا اى قطعا
للسباع والطير كسائر الحيوان قال فى كشف الاسرار لم يجعله مما يطرح للسباع او يلقى للنواويس والقبر مما أكرم به المسلمون انتهى يقال قبر الميت إذا دفنه بيده والقابر هو الدافن والقبر هو مقر الميت وأقبره إذا امر بدفنه او مكن منه فالمقبر هو الله لانه الآمر بالدفن فى القبور قال فى المفردات اقبرته جعلت له مكانا يقبر فيه نحو أسقيته جعلت له ماء يستقى منه وقيل معناه ألهم كيف يدفن انتهى (وفى المثوى)
كندن كورى كه كمتر پيشه بود كى ز مكر وحيله وانديشه بود
جمله حرفتها يقين از وحي بود أول او ليك عقل آنرا فزود
وعد الاماتة من النعم بالنسبة الى المؤمن فان بالموت يتخلص من سجن الدنيا وايضا ان شأن الموت ان يكون تحفة ووصلة الى الحياة الابدية والنعيم المقيم وانما كان مفتاح كل بلاء ومحنة فى حق الكافر من سوء اعتقاده وسيئات اعماله وفى بعض التفاسير ذكر الاماتة اما لانها مقدمة الإقبار واما للتخويف والتذكير بأن الحياة الدنيوية فانية آخرها الموت وعن الشافعي رحمه الله
فلا تمشين فى منكب الأرض فاخرا فعما قليل يحتويك ترابها
واما الحث على الاستعداد واما رعاية المقابلة بينه وبين انشره تنبيها على كمال قدرته وتمام حكمته ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ اى إذا شاء انشاره وإحياءه وبعثه انشره وأحياه وبعثه وفى تعليق الإنشاء بمشيئته له إيذان بأن وقته غير متعين فى نفسه بل هو تابع لها بخلاف وقت الموت فانا نجزم بأن أحدا من أبناء الزمان لا يتجاوز مائة وخمسين سنة مثلا وليس لاحد مثل هذا الجزم فى النشور هكذا قالوا وفيه ان الموت ايضا له سن معلوم وأجل محدود فكيف يتعين فى نفسه ويجزم بوقوعه فى سن كذا بحيث لا يكون موكولا الى مجرد مشيئته تعالى ولعل تقييد الانشار بالمشيئة لا ينافى تقييد الموت بها ايضا إذ لا يجرى عليه تعالى زمان وانه من مقدمات القيامة ولذا قال عليه السلام من مات فقد قامت قيامته اى لاتصال زمان الموت بزمان القيامة فهو قيامة صغرى مجهولة كالقيامة الكبرى وفيه اشارة الى ان الميت ان كان من اهل السعادة فانشاره من قبور اهل السعادة وان كان مدفونا فى قبور اهل الشقاود وان كان من اهل الشقاوة فانشاره من قبور اهل الشقاوة وان كان مدفونا فى قبور اهل السعادة ولذا قال صاحب المشارق فى خطبة كتابه ثم إذا شاء منها انشره اى من مكة فان من دفن بمكة ولم يكن لائقلبها تنقله الملائكة الى موضع آخر وفى الحديث (من مات من أمتي يعمل عمل قوم لوط نقله الله إليهم حتى يحشر معهم) وفى حديث آخر (من مات وهو يعمل عمل قوم لوط ساربه قبره حتى يصير معهم ويحشر يوم القيامة معهم) كما فى الدرر المنتثرة للامام السيوطي رحمه الله وحكى ان شخصا كان يقال له ابن هيلان من المبالغين فى التشيع بحيث يفضى الى ما يستقبح فى حق الصحابة مع الإسراف على نفسه بينما هو يهدم حائطا إذ سقط فهلك فدفن بالبقيع فلم يوجد ثانى يوم الدفن فى القبر الذي دفن به ولا التراب الذي ردم به القبر بحيث
ببقائه بعد تفصيل النعم المتعلقة بحدوثه اى فلينظر الإنسان الى طعامه الذي عليه يدور امر معاشه كيف دبرناه وقال ابن عباس رضى الله عنهما فلينظر الإنسان الى طعامه ليعلم خسة قدره وفناء عمره وفى الحديث (ان مطعم ابن آدم جعله الله مثلا للدنيا وان قزحه وملحه فانظر الى ماذا يصير) يقال قزح القدر جعل التابل فيها وهو كصاحب وهاجر ابزار الطعام وملحها جعل الملح فيها أَنَّا صَبَبْنَا أنزلنا انزالا وافيا من السحاب الْماءَ اى الغيث وهو المطر المحتاج اليه بدل اشتمال من طعامه لان الماء سبب لحدوث الطعام فالثانى مشتمل على الاول إذ لا يلزم فيه ان يكون المبدل منه مشتملا على البدل فحينئذ العائد محذوف والتقدير صببنا له صَبًّا عجيبا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ بالنبات ولما كان الشق بعد الصب أورد كلمة ثم والشق بالفارسية شكافتن شَقًّا بديعا لائقا بما يشقها من النبات صغرا وكبرا وشكلا وهيئة فَأَنْبَتْنا فِيها اى فى الأرض المشقوقة بالنبات والفاء للتعقيب حَبًّا فان انشقاق الأرض بالنبات لا يزال يتزايد ويتسع الى ان يتكامل النمو وينعقد الحب والحب كل ما حصد من نحو الحنطة والشعير وغيرهما وهو جنس الحبة كالتمر والتمرة فيشمل القليل والكثير قدمه لانه الأصل فى الغذاء وَعِنَباً عطف على حبا وليس من لوازم العطف ان يقيد المعطوف بجميع ما قيد به المعطوف عليه فلا ضير فى خلو إنبات العنب عن شق الأرض وكذا فى أمثاله كذا قال فى الإرشاد ولعل شق الأرض فيه باعتبار أصله أول خروجه منها فان المراد هنا شجرة العنب وانما ذكره والزيتون باسم الثمرة لشهرتهما بها ووقوع كل منهما بعد ما يؤكل نفسه فاعرف وأفرد العنب بالذكر من بين الثمار لانه فاكهة من وجه يتلذذ به وطعام من وجه يتغذى به وهو من أصلح الاغذية وَقَضْباً اى رطبة وهى نبات يقال له الفصفصة وبالفارسية اسپست ومعربه الاسفست. سميت بمصدر قضبه اى قطعه مبالغة كانها لتكرر قطعها وتكثره إذا تقضب مرة بعد اخرى فى السنة نفس القطع وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه الرطب التي تقضب من النخل ورجحه بعضهم لما سبته بالعنب وقال بعضهم هو مثل النعناع والطرخون والكراث وغيرها التي يقطع ساقها من أصلها يعنى للاكل وبعضهم هو القت الرطب أفرده بالذكر تنبيها على اختلاف النباتات وان منها ما إذا قطع عاد ومنها ما لا يعود والقت حب الغاسول وهو الأشنان وقيل هو حب يا بس اسود يدفن فيلين قشره ويطحن ويخبز يقتاته اعراب طى وبعضهم هو كل ما يؤكل رطبا كالبطيخ والخيار والباذنجان والدباء وَزَيْتُوناً هو ما يعصر منه الزبت والمراد شجرته وتعمر ثلاثة آلاف سنة خصه بالذكر لكثرة فوائده خصوصا لاهالى بلاد العرب فانهم ينتفعون به أكلا وادهانا واستضاءة وتطهرا فانه يجعل فى الصابون وكان عليه السلام يتطيب به فى الأوقات وَنَخْلًا هو شجر التمر جمع نخلة والرطب والتمر من أنفع الغذاء وفى العجوة خاصية دفع السم والسحر وشجرته من فضلة طينة آدم عليه السلام كما سبق مفصلا وَحَدائِقَ غُلْباً جمع حديقة وهى الروضة ذات الشجر أو البستان من النخل والشجر او كل ما أحاط به البناء او القطعة من النخل كما فى القاموس وهى هنا من قبيل التعميم
بعد التخصيص والغلب جمع اغلب كحمر جمع احمر أو حمراء مستعار من وصف الرقاب يقال الرجل اغلب واسد اغلب اى غليظ العنق فالمعنى وحدائق عظاما وصف به الحدائق لنكاثفها وكثرة أشجارها او لانها ذات أشجار غلاظ فعلى الاول الاستعارة معنوية وعلى الثاني مجاز مرسل فان أريد من غلظ العنق والرقبة مطلق الغلظ بطريق اطلاق المفيد وارادة المطلق كاطلاق المرسن على الانف واجرى على الحدائق وصفا لها بحال متعلقها وهو الأشجار سمى استعارة بناء على اللغة وفى كشف الاسرار الغلب من الشجر التي لا تثمر كالشمار والارز والعرعر والدرداء وَفاكِهَةً كثيرة غير ما ذكر والعنب والرمان والرطب من الفواكه عند الإمامين لا عند الأعظم لان العطف يقتضى المغايرة والظاهر ان مراد الأعظم ان نحو العنب والرطب لكونه مما يؤكل غذآء يحقق القصور فى معنى التفكه به اى التنعم بعد الطعام وقبله فلا يتناوله اسم الفاكهة على الإطلاق حتى لو حلف لا يأكل فاكهة لا يحنث بأكله لكونه غذآء من وجه وان كان فاكهة من وجه آخر وعطف الفاكهة عليه لا ينافى كونه فاكهة من وجه لان المراد بالفاكهة المعطوفة ما هو فاكهة من كل وجه ولا يخفى ان الفاكهة من كل وجه مغايرة لما هو فاكهة من وجه دون وجه فيصح عطفها عليه او عطفه عليها كما فى مواضع من القرآن وَأَبًّا اى مرعى من أبه إذا امه اى قصده لانه يؤم ويقصد جزه للدواب او من أب لكذا إذا تهيأ له لانه متهيئ للرعى وأب الى وطنه إذا نزع اليه نزوعا تهيأ لقصده وكذا أب لسيفه إذ تهيأ لسله وابان ذلك فعلان منه وهو الزمان المتهيئ لفعله ومجيئه او الأب الفاكهة اليابسة تؤب للشتاء اى تعد وتهيأ وهو الملائم لما قبله وفى الحديث (خلقتم من سبع ورزقتم من سبع فاسجد والله على سبع) أراد بقوله خلقتم من سبع يعنى من نطقة ثم من علقة إلخ وهى التارات السبع وبقوله رزقتم من سبع قوله حبا وعنبا الى أبا لعل الحدائق خارجة عن الحساب لانها منابت تلك المرزوقات وبقوله فاسجدوا على سبع الأعضاء السبعة وهى الوجه واليدان والركبتان والرجلان مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ مفعول له اى فعل ذلك تمتيعا لكم ولمواشيكم فان بعض النعم المعدودة طعام لهم وبعضها علف لدوابهم وللالتفات لتكميل الامتنان وفى الآية اشارة الى حب المحبة الذاتية وخمير المحبة الصافية المتخذة من عنب الصفات وخمر المحبة الافعالية المتخذة من رطب وزيتون المعرفة ونخل التوحيد العالي من ان يصل اليه كل مدع كذاب وفاكهة الوجدانيات والذوقيات وحدائق الشوق والاشتياق والود والتجريد ونحوها وأب مراعى الشهوات الحيوانية فبعض هذه النعم الشريفة مخصوص بالخواص كالارواح والاسرار والقلوب وبعضها بالعوام كالنفوس البشرية والقوى الطبيعية العنصرية فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ شروع فى بيان احوال معادهم اثر بيان مبدأ خلقهم ومعاشهم والفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها من فناء النعم عن قريب كما يشعر لفظ المتاع بسرعة زوالها وقرب اضمحلالها وجواب إذا محذوف يدل عليه يوم يفر إلخ اى اشتغل كل أحد ينفسه والصاخة هى الداهية العظيمة التي يصخ لها الخلائق اى يصيخون لها
من صخ لحديثه إذا أصاخ واستمع وصفت بها النفخة الثانية لان الناس يصخون لها فى قبورهم فاسند الاستماع الى المسموع مجازا وقيل هى الصيحة التي تصم الآذان لشدة وقعها وقيل هى مأخوذة من صخه بالحجر أي صكه فتكون الصاخة حقيقة فى النفخة يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ روزى كه بگريزد مرد مِنْ أَخِيهِ از برادر خود با وجود موانست ومهربانى وَأُمِّهِ واز مادر خود با كثرت حقوق كه او راست وَأَبِيهِ واز پدر خود با وجود شفقت وعاطفت كه ازو ديده وَصاحِبَتِهِ واز زن خود با آنكه مونس روزكار او بوده وَبَنِيهِ واز فرزندان خود با خيال استظهار بديشان اى يعرض الإنسان عنهم ولا يصاحبهم ولا يسأل عن حالهم كما فى الدنيا لاشتغاله بحال نفسه ولعلمه انهم لا يغنون عنه شيأ فقوله يوم منصوب بأعني تفسيرا للصاخة وتأخيرا لاحب للمبالغة لان الأبوين أقرب من الأخ وتعلق القلب بالصاحبة والأولاد أشد من تعلقه بالأبوين وهذه الآية تشمل النساء كما تشمل الرجال ولكنها خرجت مخرج كلام العرب حيث تدرج النساء فى الرجال فى الكلام كثيرا قال عبد الله بن طاهر الأبهري قدس سره يفر منهم إذا ظهر له عجزهم وقلة حيلتهم الى من يملك كشف تلك الكروب والهموم عنه ولو ظهر له ذلك فى الدنيا لما اعتمد على سوى ربه الذي لا يعجزه شىء وتمكن من فسحة التوكل واستراح فى ظل التفويض وفى الآية اشارة الى فرار مرء القلب عن أخيه السر وامه النفس وأبيه الروح وصاحبته القوى البشرية وبنيه الأعمال والأحوال لان فى ذلك اليوم لا يتخلص أحد بعلمه بل بفضله وطوله كما قال عليه السلام لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا الا ان يتغمدنى الله بغفرانه لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ استئناف وارد لبيان سبب الفرار والشأن لا يقال الا فيما يعظم من الأحوال والأمور اى لكل واحد من المذكورين شغل شاغل وخطب هائل يكفيه فى الاهتمام به قال ابن الشيخ اى الهم الذي حصل له قد ملأ صدره فلم يبق فيه متسع فصار بذلك شبيها بالغنى فى انه ملك شيأ كثيرا ودر باب مشغولئ قيامت فريد الدين عطار را قدس سره حكايتى منظوم است
كشتئ آورد در دريا شكست تخته زان جمله بر بالا نشست
كربه وموشى در ان تخته بماند كارشان با يكدگر پخته بماند
نه ذكر به موش را روى گريز نه بموش آن گ ربه را چنگال تيز
هر دوشان از هول درياى عجب در تحير بازمانده خشك لب
در قيامت نيز اين غوغا بود يعنى آنجا نى تو ونى ما بود
وفى الخبر ان عائشة رضى الله عنهما قالت يا رسول الله كيف يحشر الناس قال حفاة عراة قالت وكيف تحشر النساء قال حفاة عراة قالت عائشة وا سوأتاه النساء مع الرجال حفاة عراة فقرأ رسول الله عليه السلام هذه الآية لكل امرئ إلخ واما الفرار حذرا من مطالبتهم بالتبعات بأن يقول الإنسان واسيتنى بمالك والأبوان قصرت فى برنا والصاحبة
أطعمتني الحرام وفعلت وصنعت والبنون ما علمتنا وما أرشدتنا او بغضا لهم كما يروى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان يفر قابيل من أخيه هابيل ويفر النبي من امه وابراهيم من أبيه ونوح من ابنه ولوط من امرأته فليس من قبيل الفرار المذكور وكذا ما يروى ان الرجل يفر من أصحابه وأقربائه لئلا يروه على ما هو عليه من سوء الحال قال بعض المشايخ من كان اليوم مشغولا بنفسه فهو غدا مشغول بنفسه ومن كان اليوم مشغولا بربه فهو غدا مشغول بربه وقال يحيى بن معاذ إذا شغلتك نفسك فى دنياك وعقباك عن ربك اما فى الدنيا ففى طلب مرادها واتباع شهواتها واما فى الآخرة فكما اخبر الله عنه بقوله لكل امرئ منهم إلخ فمتى تفرغ الى معرفة ربك وطاعته وقال بعضهم العارف مع الخلق ولكنه يفارقهم بقلبه كما قيل
ولقد جعلتك فى الفؤاد محدثى وابحت جسمى من أراد جلوسى
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ بيان لمآل امر المذكورين وانقسامهم الى السعداء والأشقياء بعد ذكر وقوعهم فى داهية دهياء فوجوه مبتدأ وان كانت نكرة لكونها فى حيز التنوين ومسفرة خبره ويومئذ اى يوم إذ يفر المرء متعلق به اى مضيئة متهللة بنورية ذواتهم وصفاتها من اسفر الصبح إذا أضاء فهو من لوازم الافعال قال فى المفردات الاسفار يختص باللون ومسفرة اى مشرق لونها وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان ذلك من قيام الليل وفى الحديث (من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار) وعن الضحاك من آثار الوضوء وقيل من طول ما اعبرت فى سبيل الله ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ بما تشاهد من النعيم المقيم والبهجة الدائمة (قال الكاشفى) ضاحكة خندان مستبشرة شادمان وفرحناك بسبب نجات از نيران ووصول بروضه جنان.
وفى بعض التفاسير ضاحكة مسرورة فرحة لما علم من الفوز والسعادة او لفراغه من الحساب بالوجه اليسير مستبشرة اى ذات بشارة بالخير كأنه بيان لقوله ضاحكة انتهى وفى عين المعاني ضاحكة من مسرة العين مستبشرة من مسرة القلب وقيل من الكفار شماتة وبأنفسهم فرحا وقال ابن طاهر رحمه الله كشف عنها ستور الغفلة فضحكت بالدنو من الحق واستبشرت بمشاهدته وقال ابن عطاء رحمه الله أسفرت تلك الوجوه بنظرها الى مولاها وأضحكها رضى الله عنها وقال سهل رحمه الله منورة بنور التوحيد واتباع السنة وفى التأويلات النجمية وجوه ارباب الأرواح والاسرار والقلوب العارفين بالمعارف الالهية والحقائق اللاهوتية مضيئة بأنوار العلوم والحكم ضاحكة مستبشرة بنعم المكاشفات ومنح المشاهدات. يقول الفقير وجوه يومئذ مسفرة لا بيضاضها فى الدنيا بالتزكية والتصفية وزوال كدورتها ضاحكة لانها بكت فى الله ايام دنياها حتى صارت عمياء عن رؤية ما سوى الله تعالى مطلقا كما وقع لشعيب ويعقوب عليهما السلام مستبشرة لأمنها بدل خوفها فى الدنيا ولذا قال لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة بأن تقول لهم الملائكة لا تخافوا وأبشروا بالجنة والرؤية والضحك انبساط الوجه وتكشر الأسنان من سرور النفس
Icon