تفسير سورة التكوير

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة التكوير من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة ( كورت )١
وهي مكية روى عبد الرزاق، عن عبد الله بن بجير، عن عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني قال : سمعت ابن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى عين ذلك اليوم فليقرأ :( إذا الشمس كورت ) و ( إذا السماء انفطرت )٢ و( إذا السماء انشقت )٣. قال رضي الله عنه أخبرنا بهذا الحديث أبو عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد القفال، أخبرنا أبو العباس السنجي الطحان٤، أخبرنا العباس بن عبد العظيم العنبري، أخبرنا عبد الرزاق٥.
١ - في ((ك)) : التكوير..
٢ - الانفطار : ١..
٣ - الانشقاق: ١..
٤ - و هو أبو العباس أحمد بن محمد بن سراج السنجي الطحان. انظرالأنساب (٣/٣١٨).
٥ - رواه الترمذى (٥ /٤٠٣ رقم ٣٣٣٣) و قال : حسن غريب، و أحمد ( ٢ /٢٧ -٣٦ -١٠٠٠)، و ابن أبي الدنيا في الأهوال ( رقم ١٩ )، و الحاكم ( ٤ /٥٧٦ ) و صححه، و أبو النعيم في الحلية ( ٩ /٢٣١).
وقال الهيثمي في المجمع ( ٧ /١٣٧ ) : رواه أحمد بإسنادين ورجالهما ثقات، ورواه الطبراني بغسناد أحمد و قال الحافظ ابن حجر في الفتح (٨ /٥٦٤ ) : حديث جيد..

قَوْله تَعَالَى: ﴿إِذا الشَّمْس كورت﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: ذهب ضوؤها.
وروى سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أَبِيه، عَن الرّبيع بن خثيم قَالَ: كورت رمى بهَا.
وَعَن سعيد بن جُبَير كور الْعِمَامَة، وَالْمعْنَى: أَنَّهَا لفت وجمعت وَطرح بهَا.
وَقَوله: ﴿إِذا النُّجُوم انكدرت﴾ أَي: تناثرت وتساقطت، وَفِي بعض التفاسير: أَن النُّجُوم فِي قناديل من نور معلقَة بالسماء الدُّنْيَا بسلاسل فِي أَيدي الْمَلَائِكَة، فَإِذا جَاءَ
164
﴿وَإِذا الْجبَال سيرت (٣) وَإِذا العشار عطلت (٤) وَإِذا الوحوش حشرت (٥) وَإِذا الْبحار سجرت (٦) ﴾. يَوْم الْقِيَامَة تساقطت السلَاسِل من أَيدي الْمَلَائِكَة، وانتثرت النُّجُوم.
وروى أَن أهل الْأَرْضين يسمعُونَ إدة عَظِيمَة من وُقُوع النُّجُوم على الأَرْض.
165
وَقَوله: ﴿وَإِذا الْجبَال سيرت﴾ أَي: سيرت وَكَانَت سرابا، وَقيل: دقَّتْ دقا، وَصَارَت بِمَنْزِلَة الهباء، وَالْآيَة فِي معنى قَوْله تَعَالَى ﴿وَترى الْجبَال تحسبها جامدة وَهِي تمر مر السَّحَاب﴾.
وَقَوله: ﴿وَإِذا العشار عطلت﴾ العشار وَاحِدهَا عشراء، وَهِي النَّاقة الَّتِي أَتَت عشرَة أشهر على حملهَا، وَهِي أحسن مَا يكون من النوق، وأعزها على أَرْبَابهَا، وتعطيلها إهمالها وَتركهَا بِلَا رَاع يرعاها، وَلَا يفعل ذَلِك إِلَّا يَوْم الْقِيَامَة، وَالْمعْنَى: أَن كل إِنْسَان يشْتَغل بِنَفسِهِ عَن كل شَيْء، وَإِن كَانَ عَزِيزًا عِنْده.
وَقَوله: ﴿وَإِذا الوحوش حشرت﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن الْمَعْنى مَاتَت، والحشر هُوَ الْجمع، فَكَأَنَّهَا جمعت فِي الْمَوْت، وَالْقَوْل الثَّانِي: وَهُوَ الْأَظْهر أَن حشرها إحياؤها يَوْم الْقِيَامَة.
وَقد ورد فِي الْخَبَر الْمَشْهُور عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " يقْتَصّ للجماء من القرناء ".
وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ: يحْشر كل شَيْء حَتَّى الذُّبَاب.
وَقَوله: ﴿وَإِذا الْبحار سجرت﴾ قَالَ الْحسن: يَبِسَتْ، وَعنهُ أَنه قَالَ: فاضت أَي: أَدخل بَعْضهَا فِي بعض.
وَعَن كَعْب الْأَحْبَار سجرت أَي: ملئت نَارا.
وَقَالَ شمر بن عَطِيَّة: تسجر كَمَا يسجر التَّنور.
165
﴿وَإِذا النُّفُوس زوجت (٧) وَإِذا الموءودة سُئِلت (٨) بِأَيّ ذَنْب قتلت (٩) ﴾.
وَعَن سعيد بن الْمسيب أَن عليا - رَضِي الله عَنهُ - سَأَلَ رجلا من الْيَهُود عَن جَهَنَّم؟ فَقَالَ: هُوَ الْبَحْر، فَقَالَ: مَا أرَاهُ إِلَّا صَادِقا، ثمَّ قَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذا الْبحار سجرت﴾.
وَعَن بَعضهم: أَن بَحر الرّوم وسط الأَرْض، وَفِي أَسْفَله آبار من نُحَاس مطبقة، فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة سجرت نَارا، وَمن هَذَا قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالْبَحْر الْمَسْجُور﴾ وَقد بَينا، وَيجوز أَن يجمع بَين هَذِه الْأَقَاوِيل، فَيُقَال: إِن الْبحار يدْخل بَعْضهَا فِي بعض فَتَصِير بحرا وَاحِدًا، ثمَّ يفِيض وييبس ثمَّ يمْلَأ نَارا.
166
وَقَوله: ﴿وَإِذا النُّفُوس زوجت﴾ قَالَ الشّعبِيّ: الْأَبدَان بالأرواح، وَقيل: قرنت بأعمالها.
وَعَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الصَّالح مَعَ الصَّالح، والفاجر مَعَ الْفَاجِر.
وَعَن بَعضهم: الْمُؤْمِنُونَ يقرنون بالحور الْعين، وَالْكفَّار بالشياطين.
﴿وَإِذا الموءودة سُئِلت بِأَيّ ذَنْب قتلت﴾ الموءودة: هِيَ الْوَلَد، كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يقتلونه، وَكَانَ الْوَاحِد مِنْهُم إِذا ولد لَهُ ابْن تَركه، وَإِذا ولد لَهُ بنت دَفنهَا حَيَّة.
وَذكر بَعضهم.
أَن الْمَرْأَة كَانَت إِذا أَخذهَا الْمَخَاض حُفْرَة حفيرة، وَجَلَست عَلَيْهَا فَإِن ولدت ابْنا حَبسته، وَإِن ولدت بِنْتا ألقتها فِي الحفيرة، وَقد كَانَ بَعضهم يتْرك الْجَارِيَة حَتَّى تصير شَدِيدَة، ثمَّ يَقُول لأمها: طيبيها زينيها، وَقد حفر بِئْرا فِي الصَّحرَاء، ويحملها مَعَ نَفسه، ويأمرها أَن تطلع فِي الْبِئْر، ثمَّ يَدْفَعهَا من خلفهَا فِي الْبِئْر، ويهيل التُّرَاب، وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك إِمَّا خشيَة الإملاق، أَو [دفعا] للعار وأنفة عَن أنفسهم.
وَقَوله: ﴿سُئِلت بِأَيّ ذَنْب قتلت﴾ هُوَ سُؤال توبيخ للوائد؛ لِأَن من جَوَاب هَذَا السُّؤَال أَن يَقُول: قتلت بِغَيْر ذَنْب.
وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك وَجَمَاعَة: " وَإِذا الموءودة سَأَلت بِأَيّ ذَنْب قتلت " وَالْمعْنَى مَعْلُوم.
وَذكر بَعضهم فِي تَفْسِيره: أَنَّهَا تَأتي متلطخة بالدماء، وتتعلق بثدي أمهَا وَتقول: يَا رب، هَذِه أُمِّي وَقد قتلتني.
واعم أَنه ورد كثير من الْأَخْبَار فِي أَن أَوْلَاد الْمُشْركين خدم أهل الْجنَّة.
166
وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: من قَالَ الموءودة فِي النَّار فقد كذب، وتلا هَذِه الْآيَة.
وَعَن النَّبِي أَنه قَالَ: " سَأَلت رَبِّي عَن اللاهين من ذُرِّيَّة الْبشر فأعطانيهم ".
وَعنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " أَنه سُئِلَ عَن أَطْفَال الْمُشْركين؟ فَقَالَ: هم خدم أهل الْجنَّة.
وَقد وَردت أَخْبَار أخر أَن أَوْلَاد الْمُشْركين فِي النَّار، وَقد ذكرنَا بعض ذَلِك فِيمَا سبق، وَعنهُ أَنه قَالَ لعَائِشَة: " لَو شِئْت أسمعتك تضاغيهم فِي النَّار "، وَعنهُ عَلَيْهِ - الصَّلَاة وَالسَّلَام - أَنه قَالَ: " الوائدة والموءودة فِي النَّار "، وَقد ثَبت بِرِوَايَة أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي سُئِلَ عَن أَطْفَال الْمُشْركين؟ فَقَالَ: " الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين ".
فَالْأولى أَن يتَوَقَّف، ويوكل علم ذَلِك إِلَى الله تَعَالَى، وهم على مَشِيئَته يفعل بهم مَا يَشَاء.
وَاعْلَم أَنه قد كَانَ فِي الْعَرَب من يحيي الْأَطْفَال الموءودة، وَذَلِكَ بِأَنَّهُم (يفرون) من آبَائِهِم.
وَقَالَ الفرزدق يفتخر:
(وَمنا الَّذِي منع لوائدات فأحيا الوئيد فَلم يوأد)
قَالَه فِي جده صعصعة بن مجاشع.
167
﴿وَإِذا الصُّحُف نشرت (١٠) وَإِذا السَّمَاء كشطت (١١) وَإِذا الْجَحِيم سعرت (١٢) وَإِذا الْجنَّة أزلفت (١٣) علمت نفس مَا أحضرت (١٤) فَلَا أقسم﴾.
168
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذا الصُّحُف نشرت﴾ يَعْنِي: على الْخَلَائق، فَمنهمْ من يُعْطي بِيَمِينِهِ، وَمِنْهُم من يُعْطي بِشمَالِهِ.
وَقَوله: ﴿وَإِذا السَّمَاء كشطت﴾ وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: " قشطت " وهما بِمَعْنى وَاحِد، كالكافور والقافور.
وَقَوله: ﴿كشطت﴾ أَي: قلعت، وَقيل: نزعت.
وَقَوله: ﴿وَإِذا الْجَحِيم سعرت﴾ أَي: أوقدت، وَهِي توقد مرّة بعد مرّة فاستقام على هَذَا الْكَلَام.
قَالَ قَتَادَة: سعره غضب الله وخطايا بني آدم.
وَقَوله: ﴿وَإِذا الْجنَّة أزلفت﴾ أَي: قربت وأدنيت، وَهِي لِلْمُتقين.
وَقَوله: ﴿علمت نفس مَا أحضرت﴾ قَالَ الرّبيع بن خثيم: إِلَى هَذَا جرى الْكَلَام، وَحكى معنى هَذَا عَن ابْن عَبَّاس.
وَالْمعْنَى: أَنه إِذا كَانَت هَذِه الْأَشْيَاء علمت نفس مَا أحضرت يَعْنِي: من الْخَيْر وَالشَّر.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَا أقسم بالخنس﴾ قَالَ عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - هِيَ خَمْسَة كواكب: بهْرَام، وَعُطَارِد، وزحل، والزهرة، وَالْمُشْتَرِي، وَذكر بَعضهم الشَّمْس وَالْقَمَر فِي ذَلِك.
وَعَن بَعضهم: أَنَّهَا جَمِيع النُّجُوم.
وَقَوله: ﴿الخنس﴾ أَي: تغيب فِي سَيرهَا، وَقيل: تغيب فِي النَّهَار، وَتظهر بِاللَّيْلِ، وَقيل: ترجع فِي مسيرها من الْمغرب، وَذَلِكَ ظَاهر فِي الْكَوَاكِب الْخَمْسَة.
وَقَوله: ﴿الْجوَار الكنس﴾ أَي: النِّسَاء السائرات الكنس، والكنس المستترات عَن الْأَبْصَار.
وَقيل: بالغروب، وَقيل: بِالنَّهَارِ.
وَهَذِه الْكَوَاكِب هِيَ الْكَوَاكِب الَّتِي يسميها المنجمون الْمُتَحَيِّرَة، وَقد تفردت حَيْثُ تسير بِخِلَاف سَائِر الْكَوَاكِب؛ لِأَن سَائِر الْكَوَاكِب تسير من الْمشرق إِلَى الْمغرب، وَهِي تسير من الْمغرب إِلَى الْمشرق، ويحيلون
168
﴿بالخنس (١٥) الْجوَار الكنس (١٦) وَاللَّيْل إِذا عسعس (١٧) وَالصُّبْح إِذا تنفس (١٨) إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم (١٩) ذِي قُوَّة عِنْد ذِي الْعَرْش مكين (٢٠) ﴾. عَلَيْهَا الْأَفْعَال فِي الْعَالم، وَنحن نتبرأ إِلَى الله تَعَالَى من هَذَا الِاعْتِقَاد، ونحيل الْجَمِيع على الله تَعَالَى، وَإِنَّمَا النُّجُوم آيَات وَدَلَائِل ومسخرات خلقت لمعاني ذَكرنَاهَا من قبل، وَفِي الْآيَة قَول آخر: وَهُوَ أَن الخنس هِيَ بقر الوحوش.
قَالَ عَمْرو بن شُرَحْبِيل: قَالَ لي عبد الله بن مَسْعُود: أَنْتُم قوم عرب، فَمَا معنى ﴿الخنس الْجوَار الكنس﴾ ؟ قَالَ عَمْرو: هِيَ بقر الْوَحْش، قَالَ ابْن مَسْعُود: وَأَنا أرى ذَلِك وَهُوَ أَيْضا إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس، وَالْقَوْل الأول هُوَ الْمَشْهُور.
والخنس على هَذَا القَوْل: هِيَ صغَار الْأنف، والكنس من استتارها فِي كنسها.
169
وَقَوله: ﴿وَاللَّيْل إِذا عسعس﴾ أَي: أقبل بظلامه، وَقيل: أدبر، وَهُوَ من الأضداد.
وَالْأول هُوَ الْمَعْرُوف.
وَقَوله: ﴿وَالصُّبْح إِذا تنفس﴾ أَي: ظهر وطلع، وَقيل: ارْتَفع.
وَقَوله: ﴿إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم﴾ أَي قَول أنزلهُ رَسُول كريم أَي كريم على مرسله وَهُوَ جِبْرِيل صلوَات الله عَلَيْهِ.
وَحمل الْآيَة على مَا جَاءَ بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على الرَّسُول من غير الْقُرْآن.
فعلى هَذَا يجوز أَن يُقَال: هُوَ قَول جِبْرِيل.
وَقيل: إِن قَوْله ﴿رَسُول كريم﴾ وَهُوَ مُحَمَّد وَالْقَوْل الأول هُوَ الْمَشْهُور.
وَقَوله: ﴿ذِي قُوَّة عِنْد ذِي الْعَرْش مكين﴾ فِي الْخَبَر أَن النَّبِي سَأَلَ جِبْرِيل عَن قوته وأمانته؟.
فَقَالَ: " أما قوتي فَإِن الله تَعَالَى أَرْسلنِي إِلَى مَدَائِن لوط، وَهِي أَربع مَدَائِن فِي كل مَدِينَة أَرْبَعمِائَة ألف مقَاتل سوى الذُّرِّيَّة فأدخلت جناحي تحتهَا ورفعتها إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا حَتَّى سمع أهل السَّمَاء الدُّنْيَا نباح الْكلاب وصياح الديكة ثمَّ قلبتها.
وَأما أمانتي فَإِنِّي لم أعد مَا أمرت بِهِ إِلَى غَيره.
169
﴿مُطَاع ثمَّ أَمِين (٢١) وَمَا صَاحبكُم بمجنون (٢٢) وَلَقَد رَآهُ بالأفق الْمُبين (٢٣) وَمَا هُوَ على الْغَيْب بضنين (٢٤) وَمَا هُوَ بقول شَيْطَان رجيم (٢٥) فَأَيْنَ تذهبون (٢٦) ﴾.
وَقَوله: ﴿مكين﴾ هُوَ بِمَعْنى المكانة أَو الْمنزلَة عِنْد الله تَعَالَى.
وَذي الْعَرْش: هُوَ الله تَعَالَى.
170
وَقَوله: ﴿مُطَاع ثمَّ أَمِين﴾ فِي التَّفْسِير أَن الْمَلَائِكَة يطيعونه فِيمَا يَأْمُرهُم بِهِ.
وَقد قيل: إِن مَعْنَاهُ أَنه قَالَ: لرضوان خَازِن الْجنان لَيْلَة الْمِعْرَاج: افْتَحْ الْبَاب لمُحَمد ففتحه.
وَقَالَ لمَالِك خَازِن النَّار: افْتَحْ اللّبَاب لمُحَمد ففتحه.
وَقَوله: ﴿أَمِين﴾ قد ذكرنَا.
وَقيل فِي معنى الْأَمَانَة، أَنه يرفع سبعين سرادقا من غير اسْتِئْذَان.
وَقيل: يلج سبعين حِجَابا من نور من غير اسْتِئْذَان.
وَقَوله تَعَالَى ﴿وَمَا صَاحبكُم بمجنون﴾ معنى الرَّسُول.
وَعَن عَطِيَّة أَن نَبِي الله سَأَلَ جِبْرِيل أَن يرِيه نَفسه على مَا يكون فِي السَّمَاء؟ فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِك إِلَيّ حَتَّى اسْتَأْذن رَبِّي، فَأذن الله تَعَالَى لَهُ فِي ذَلِك.
فَلَمَّا رأى جِبْرِيل على مَا خلقه الله من العظمة وَكَثْرَة الأجنحة على مَا ذكرنَا غشي عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ قُرَيْش مغشيا عَلَيْهِ قَالُوا: مَجْنُون مَجْنُون فَأنْزل الله تَعَالَى ﴿وَمَا صَاحبكُم بمجنون﴾.
وَقَوله: ﴿وَلَقَد رَآهُ بالأفق الْمُبين﴾ فِي التَّفْسِير أَنه عِنْد مطلع الشَّمْس، وَالَّذِي رَآهُ جِبْرِيل، وَقد بَينا هَذَا فِي سُورَة والنجم.
وَقَوله: ﴿وَمَا هُوَ على الْغَيْب بضنين﴾ قرئَ بالضاد والظاء.
قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: بظنين بالظاء، بمتهم، وبضنين بالضاد، ببخيل.
أوردهُ النّحاس وَهُوَ قَول جمَاعَة من الْمُفَسّرين والغيب: هُوَ الْوَحْي.
وَقَوله ﴿وَمَا هُوَ بقول شَيْطَان رجيم﴾ قَالَ: هَذَا لأَنهم كَانُوا يَقُولُونَ أَن مُحَمَّدًا يَقُول مَا يَقُول عَن الشَّيْطَان.
وَقَوله: ﴿فَأَيْنَ تذهبون﴾ أَي: أَيْن تذهبون عَن هَذَا الْحق الَّذِي ظهر بدلائله؟.
170
﴿إِن هُوَ إِلَّا ذكر للْعَالمين (٢٧) لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يَسْتَقِيم (٢٨) وَمَا تشاءون إِلَّا أَن يَشَاء الله رب الْعَالمين (٢٩) ﴾.
171
وَقَوله: ﴿إِن هُوَ إِلَّا ذكر للْعَالمين﴾ أَي: تذكرة وعظة للْعَالمين.
وَقَوله: ﴿لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يَسْتَقِيم﴾ فِي التَّفْسِير أَنه لما نزلت هَذِه الْآيَة، قَالَ أَبُو جهل: الْأَمر إِلَيْنَا إِن شِئْنَا استقمنا، وَإِن شِئْنَا لم نستقم، فَأنْزل الله تَعَالَى قَوْله، ﴿وَمَا تشاءون إِلَّا أَن يَشَاء الله رب الْعَالمين﴾ ردا عَلَيْهِ.
وَفِي الْبَاب أَحَادِيث كَثِيرَة مِنْهَا مَا رُوِيَ عَن مَالك عَن زيد بن أبي أنيسَة أَن عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب أخبرهُ عَن مُسلم بن يسَار الْجُهَنِيّ أَن عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة ﴿وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ﴾ إِلَى أَن قَالَ: ﴿أَلَسْت بربكم﴾ الْآيَة.
فَقَالَ عمر بن الْخطاب: سَمِعت رَسُول الله سُئِلَ عَنْهَا؟ فَقَالَ: " إِن الله خلق آدم فَمسح ظَهره بِيَمِينِهِ فاستخرج مِنْهُ ذُرِّيَّة، فَقَالَ: خلقت هَؤُلَاءِ للجنة وبعمل أهل الْجنَّة يعْملُونَ، ثمَّ مسح ظَهره فاستخرج، فَقَالَ: خلقت هَؤُلَاءِ للنار وبعمل أهل النَّار يعْملُونَ، فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله، فَفِيمَ الْعَمَل؟ فَقَالَ رَسُول الله: إِن الله تَعَالَى إِذا خلق العَبْد للجنة اسْتَعْملهُ بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى يَمُوت على عمل أهل الْجنَّة، فيدخله بِهِ الْجنَّة، وَإِذا خلق العَبْد للنار اسْتَعْملهُ بِعَمَل أهل النَّار حَتَّى يَمُوت، وَهُوَ على عمل أهل النَّار فيدخله بِهِ النَّار، وَقَالَ الله تَعَالَى ﴿وَلَو أننا نزلنَا إِلَيْهِم الْمَلَائِكَة وكلمهم الْمَوْتَى وحشرنا عَلَيْهِم كل شَيْء قبلا مَا كَانُوا ليؤمنوا إِلَّا أَن يَشَاء الله﴾.
وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَمَا كَانَ لنَفس أَن تؤمن إِلَّا بِإِذن الله﴾ قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو مُحَمَّد هياج بن عبيد الخطيبي بِمَكَّة قَالَ: أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن جَمِيع، أخبرنَا جدي، أخبرنَا مُحَمَّد بن عَبْدَانِ الْقَزاز، أخبرنَا أَبُو مُصعب عَن مَالك الحَدِيث.
وَالله أعلم.
171

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿إِذا السَّمَاء انفطرت (١) وَإِذا الْكَوَاكِب انتثرت (٢) وَإِذا الْبحار فجرت (٣) وَإِذا الْقُبُور بعثرت (٤) علمت نفس مَا قدمت وأخرت (٥) يَا أَيهَا﴾.
تَفْسِير سُورَة (انفطرت)
وَهِي مَكِّيَّة
172
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٨:وقوله :( لمن شاء منكم أن يستقيم ) في التفسير أنه لما نزلت هذه الآية، قال أبو جهل : الأمر إلينا إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، فأنزل الله تعالى قوله، ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) ردا عليه. وفي الباب أحاديث كثيرة منها ما روي عن مالك عن زيد بن أبي أنيسة أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سئل عن هذه الآية ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم )١ إلى أن قال :( ألست بربكم ) الآية. فقال عمر بن الخطاب : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عنها ؟ فقال :" إن الله خلق آدم فمسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، فقال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج، فقال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون، فقال رجل : يا رسول الله، ففيم العمل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله تعالى إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل أهل الجنة، فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت، وهو على عمل أهل النار فيدخله به النار، وقال الله تعالى ( ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله )٢. وقال تعالى ( وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله )٣ قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو محمد هياج بن عبيد الخطيبي بمكة قال : أخبرنا أبو محمد الحسن بن جميع، أخبرنا جدي، أخبرنا محمد بن عبدان القزاز، أخبرنا أبو مصعب عن مالك الحديث٤. والله أعلم.
١ - الأعراف : ١٧٣..
٢ -الأنعام : ١١١..
٣ - يونس : ١٠٠..
٤ - تقدم تخريجه في تفسير سورة الأعراف..

Icon