تفسير سورة التكوير

حومد
تفسير سورة سورة التكوير من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد .
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

(١) - إِذَا جُمِعَ بَعْضُ الشَّمْسِ إِلَى بَعْضِ، وَتَلاَشَى ضَوْؤُهَا.
كُوِّرَتْ - أُزِيلَ ضَوْؤُهَا، أَوْ لُفَّتْ وَطُوِيتْ فَأَصْبَحَتْ كَالكَرَةِ.
(٢) - وَإِذَا تَنَاثَرَتِ النُّجُومُ، وَذَهَبَ لأْلاؤُهَا وَانْطَمَسَ نُورُهَا.
انْكَدَرَتْ - ذَهَبَ ضَوْؤُهَا أَوْ تَسَاقَطَتْ وَهَوَتْ.
(٣) - وَإِذَا زَالَتِ الجِبَالُ مِنْ أَمَاكِنِهَا، وَنُسِفَتْ، فَتَرَكَتِ الأَرْضَ قَاعاً صَفْصَفاً.
سُيِّرَتْ - أُزِيلَتْ مِنْ أَمَاكنِهَا.
(٤) - وَإِذَا النُّوقُ العِشَارُ أُهْمِلَتْ وَسُيِّبَتْ، وَلَمْ يَعُدْ يَعْتَنِي بِهَا أَحَدٌ لاشْتِدَادِ الخَطْبِ عَلَى النَّاسٍ.
العِشَارُ - جَمْعُ عُشَرَاءَ وَهِيَ النُّوقُ الحَوَامِلُ.
عُطَّلَتْ - أًهْمِلَتْ وَتُرِكَتْ بِلاَ رَاعٍ.
(٥) - وَإِذَا جُمِعَتَ الوُحُوشُ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ، وَاخْتَلَطَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ.
(٦) - وَإِذَا البِحَارُ انْدَلَعَتْ فِيهَا النِّيرَانُ فَصَارَتْ نَاراً تَضْطَرِمُ.
(وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بفِعْلِ زِلْزَالٍ وَتَشَقُّقِ فِي قِيعَانِ البِحَارِ فَيَتَسَرَّبُ مَاءُ البَحْرِ وَمَعَهُ المَوَاد القَابِلَةُ لِلأشْتِعَالِ، المَوْجُودَةُ فِي بَاطِنِ الأَرْضِ إِلَى حَيْثُ تُوجَدُ السَّوَائِلُ المُلْتَهِبَةُ دَاخِلَ الأَرْضِ، فَتَشْتَعِلُ وَتَظْهَرُ النِّيرَانُ عَلَى سَطْحِ البِحَارِ).
البِحَارُ سُجِّرَتْ - أَوْقِدَتْ فَصَارَتْ نَاراً تَضْطَرِمُ.
(٧) - وإِذَا عَادَتِ الأَرْوَاحُ إِلَى أبْدَانِهَا عِنْدَ النَّشْأَةِ الأُخْرَى، بَعْدَ أَنْ فَارَقْتَهَا حِينَ المَوْتِ، وَسَمَّى اللهُ تَعَالَى هَذِهِ العَوْدَةَ تَزْوِيجاً.
(وَعَدَّ بَعْضُهُمْ مَا جَاءَ فِي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلاً عَلَى أَنَّ الأَرْوَاحَ بَاقِيةٌ مِنْ حِينِ المَوْتِ إِلَى وَقْتِ الحَشرِ).
(وَقِيلَ إِنَّ مَعْنَى زُوَّجَتْ هُوَ: جَمْعُ كُلِّ نَفْسٍ مَعَ أَمْثَالِهَا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالى ﴿احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ.﴾ زُوِّجَتْ - رُدَّتِ الأَرْوَاحُ إِلَى أَجْسَادِ المَوْتَى، أَوْ قُرِنَتْ كُلُّ نَفْسٍ بِمَثِيلَتِهَا.
(٨) - وَإِذَا سُئِلَتْ المَؤْءُودَةُ أَمَامَ وَائِدِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ.
(وَكَانَ العَرَبُ فِي الجَاهِلِيَّةِ يَدْفنُونَ بَنَاتِهِمْ وَهُنَّ أَحْيَاءٌ وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ وَأَداً).
(٩) - وَإِذَا سُئِلَتِ المَوْءُودَةُ عَنِ الذَّنْبِ الذِي ارْتَكَبَتْهُ فَأَوْجَبَ قَتْلَهَا.
(وَسَتُجِيبُ بِأَنَّهَا قُتِلَتْ بِلاَ ذَنْبٍ جَنَتْهُ).
(١٠) - وَإِذَا نُشِرَتْ صَحَائِفُ الأَعْمَالِ أَمَامَ أَعْيُنِ أَصْحَابِهَا يَوْمَ الحِسَابِ.
(١١) - وَإِذَا كُشِطَتِ السَّمَاءُ، وَأُزِيلَتْ مِنْ مَكَانِهَا، فَلَمْ يَبْقَ غِطَاءٌ وَلاَ سَمَاءٌ.
كُشِطَتْ - قُلِعَتْ كَمَا يُقْلَعُ السَّقْفُ.
(١٢) - وَإِذَا أُوْقِدَتْ نَارُ الجَحِيمِ، إِيْقَاداً شَدِيداً، لِيَكُونَ حَرُّهَا أَكْثَرَ إِيلاَماً لِلْكَفَرَةِ الطُّغَاةِ.
سُعِّرَتْ - أُوْقِدَتِ النَّارُ إِيقَاداً عَظِيماً.
(١٣) - وَإِذَا أُدْنِيَتِ الجَنَّةُ مِنْ أَهْلِهَا، وَقُرِّبَتْ مِنْهُمْ وَأَعِدَّتْ لِدُخُولِهِمْ إِلَيهَا.
أُزْلِفَتْ - قُرِّبَتْ وَأَدْنِيَتْ.
(١٤) - فَإِذَا حَصَلَ كُلُّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الأَحْدَاثِ السَّالِفَةِ التِي تَدُلُّ عَلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَبُعِثَ النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَحُشِرُوا لِلحِسَابِ.. حِينَئِذٍ تَعْلَمُ كَلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ، وَمَا أُعِدَّ لَهَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍ، وَتَعْلَمُ أَيَّ أَعْمَالِهَا قَدْ تَقَبَّلَهُ اللهُ، وَأَيَّ أَعْمَالِهَا رَدَّهُ عَلَيْهَا وَرَفَضَهُ.
أَحْضَرَتْ - عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍ.
(١٥) - أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى بِالنُّجُومِ التِي تَغِيبُ عَنِ العُيُونِ فِي النَّهَارِ، وَتَخْتَفِي عَنِ الأبْصَارِ، وَكَأَنَّهَا تَخْنُسُ فِي النَّهَارِ [وَلاَ لِتَوْكِيدِ القَسَمِ، وَقِيلَ إِنَّهَا صِلَةٌ مِثلهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (لَئِلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ) ].
(١٦) - وَهِيَ تَجْرِي فِي أَفْلاَكِهَا وَمَدَارَاتِهَا وَتَعُودُ لِتَظْهَرَ فِي اللَّيْلِ، وَكَأَنَّهَا عَادَتْ إِلَى مَوَاقِعَهَا كَمَا يَعُودُ الظَّبْيُ إِلَى كِنَاسِهِ (أَيْ بَيْتِهِ).
الكُنَّسِ - التِي تَسْتَتِرُ فِي مَغِيبِهَا.
﴿الليل﴾
(١٧) - وَاللَّيْلِ إِذَا أَدْبَرَ وَوَلَّى مُؤْذِناً بِزَوَالِ الظُّلْمَةِ.
عَسْعَسَ - أَدْبَرَ (وَقِيلَ إِنَّ عَسْعَسَ تَعْنِي إِقْبَالَ اللَّيْلِ لاَ إِدْبَارَهُ).
(١٨) - وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ وَظَهَرَ نُورُهُ، وَفِي ذَلِكَ بُشْرَى لِلأَنْفُسِ.
تَنَفَّسَ - أَقْبَلَ، وَأَشْرَقَ.
(١٩) - بَعْدَ أَنْ أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى بِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ قَالَ إِنَّ مَا أَخْبَرَكُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ لَيْسَ بِكِهَانَةً، وَلاَ افْتِرَاءٍ عَلَى اللهِ، وَإِنَّما هُوَ قَوْلٌ نَزَلَ عَلَيهِ وَحْياً مِنْ رَبِّهِ بِوَاسِطَةِ جِبْرِيلَ عَلَيهِ السَّلاَمُ. وَوَصَفَ تَعَالَى جِبْرِيلَ بِأَنَّهُ رَسُولٌ كَرِيمٌ، أَيْ عَزِيزٌ عَلَى رَبِّهِ.
(٢٠) - ثُمَّ يُتَابِعُ تَعَالَى وَصْفَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَيَقُولُ: إِنَّهُ ذُو قُوَّةٍ فِي الحِفْظِ وَالبُعْدِ عَنِ النِّسْيَانِ وَالخَطَإِ وَهُوَ ذُو جَاهٍ وَمَنْزِلَةٍ عِنْدَ صَاحِبِ العَرْشِ أَيْ لَهُ مَكَانَةٌ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ.
مَكِينٍ - ذُو مَكَانَةٍ رَفِيعَةٍ وَشَرَفٍ.
(٢١) - تُطِيعُهُ المَلاَئِكَةُ وَيَصْدُرُونَ عَنْ أَمْرِهِ، وَيَرْجِعُونَ إِلَى رَأْيِهِ، وَهُوَ أَمِينٌ عَلَى إِبْلاَغِ وَحْيِ رَبِّهِ وَرِسَالاَتِهِ، وَقَدْ عَصَمَهُ اللهُ مِنَ الخِيَانَةِ فِيمَا يَأْمُرُهُ بِهِ رَبُّهُ، وَمِنَ الزَّلَلِ وَالخَطَإِ.
(٢٢) - وَبَعْدَ أَنْ وَصَفَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ جِبْرِيلَ، وَصَفَ نَبِيَّهُ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَقَالَ إِنَّ مَحَمَّداً ﷺ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ، وَهُوَ صَاحِبَهُمْ، وَهُمْ يَعْرِفُونَهُ، لأَنَّهَ خَالَطَهُمْ وَعَاشَرُهُمْ وَعَرَفُوا صِفَاتِهِ.
﴿رَآهُ﴾
(٢٣) - وَإِنَّ مُحَمَّداً رَأَى جِبْرِيلَ عِيَاناً بِالأُفُقِ الأَعْلَى بِشَكْلٍ بَيِّنٍ وَاضِحٍ، وَقَدْ تَمَثَّلَ لَهُ فِي صُورَةٍ يَسْتَطِيعُ فِيهَا رُؤْيَتَهُ.
(٢٤) - وَلَيْسَ مُحَمَّدٌ بِالمُتَّهمِ عَلَى القُرْآنِ، بَلْ إِنَّهُ ثِقَةٌ أَمِينٌ لاَيُبَدِّلُ فِيهِ وَلاَ يُحَرِّفُ، وَلاَ يَضِنُّ بِبَذْلِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ فَهُوَ غَيْرُ بَخِيلٍ بِهِ.
الغَيْبِ - الوَحْيِ وَخَبَرِ السَّمَاءِ.
ضَنِينٍ - بَخِيلٍ فَيُقَصِّرُ فِي تَبْلِيغِهِ.
﴿شَيْطَانٍ﴾
(٢٥) - وَلَيْسَ هَذَا القُرْآنُ الذِي يَتْلَوهُ مُحَمَّدٌ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ مَطْرُودٍ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ (رَجِيمٍ)، وَلاَ يَسْتَطِيعُ الشَّيْطَانُ حَمْلَهُ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ، (كَمَا جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى).
(٢٦) - فَأَيْنَ تَذْهَبُ عُقُولَكُمْ، وَأَنْتُمْ تُكَذِّبُونَ بِهَذَا القُرْآنِ، وَقَدْ وَضَحَ لَكُمْ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ؟ وَأَيَّ سَبِيلٍ تَسْلُكُونَ لِلْهَرَبِ، وَقَدْ سُدَّتْ عَلَيْكُمْ المَسَالِكُ وَالسُبُلُ، وَبَطُلَتْ مُفْتَرَيَاتُكُمْ، وَقَامَتْ عَلَيْكُمُ الحُجَّةُ؟
﴿لِّلْعَالَمِينَ﴾
(٢٧) - وَلَيْسَ هَذَا القُرْآنُ إِلاَّ عِظَةً وَتَذْكِرَةً لِلنَّاسِ كَافَّةً.
(٢٨) - وَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمُ الهِدَايَةَ وَالاسْتِقَامَةَ عَلَى جَادَّةِ الحَقِّ وَالصَّوَابِ، فَعَلَيْهِ بِهَذَا القُرْآنِ فَلاَ هِدَايَةَ فِي غَيْرِهِ.
﴿العالمين﴾
(٢٩) - لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ﴾ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: الأَمْرُ إِلَيْنَا إِنْ شِئْنَا اسْتَقَمْنَا وَإِنْ شِئْنَا لَمْ نَسْتَقِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ. وَالمَعْنَى أَنَّ المَشِيئَةَ مَرْدُودَةٌ إِلَى اللهِ وَلَيْسَتْ إِلَيْكُمْ، فَهُوَ الذِي يُودِعُ فِي النَّاسِ إِرَادَةَ فِعْلِ الخَيْرِ فَتَنْصَرِفُ هَمتُهُمْ إِلَيْهِ، وَلَوْ شَاءَ لَسَلَبَهُمْ إِيَّاهَا (أَيْ إِرَادَةَ فِعْلِ الخَيْرِ).
Icon