ﰡ
وفيه إضمارٌ تقديرهُ : ورب الضُّحى وهو النهار كلُّه، وقال بعضُهم : ساعةُ ارتفاعِ الشَّمس على ما هو المعهودُ من الكلامِ. وقولهُ تعالى ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴾ أي إذا أظلمَ، واشتدَّ ظلامهُ حتى يسترَ الأشياءَ كلَّها بالظلامِ، ومنه قولُهم : فلانٌ يُسْجَى بثوبهِ ؛ أي مُغطَّى، ومنه قولُهم : سَجَى قبرَ المرأةِ. وَقِيْلَ : معناهُ : إذا سكَنت الأشياءُ فيه، ومن ذلك : بحرٌ سَاجٍ ؛ أي ساكنٌ، ويقالُ : بلدٌ ساجِية إذا كان أهلُها في سكونٍ، وكذلك طريقٌ ساجٍ ؛ أي آمنٌ، قال الشاعرُ : أنَا ابْنُ عَمِّ اللَّيْلِ وَابْنُ خالِِهِ إذا سَجَى دَخَلْتُ فِي سِرْبَالِهِقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴾ أي ما تركَكَ منذُ اختارَكَ، ولا بغَضَكَ منذ أحبَّكَ، وهذا جوابُ القسَمِ.
وعن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ :((رضَى مُحَمَّدٌ أنْ لاَ يَدْخُلَ أحَدٌ مِنْ أهْلِ بَيْتِهِ النَّارَ)). وَقِيْلَ : الشفاعةُ في جميعِ المؤمنين، وعن عليٍّ رضي الله عنه قالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ :" أشْفَعُ لأُمَّتِي حَتَّى يُنَادِي رَبي عَزَّ وَجَلَّ : أرَضِيتَ يَا مُحَمَّدُ ؟ فَأَقُولُ : رَضِيتُ ".
وعن جعفرَ بن مُحَمَّدٍ قال :" دَخَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى فَاطِمَةَ وَهِيَ تَطْحَنُ بيَدِهَا وَتُرْضِعُ وَلَدَهَا، فَلَمَّا أبْصَرَهَا كَذلِكَ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ :" يَا بنْتَاهُ تَعَجَّلِي فَتَجَرَّعِي مَرَارَةَ الدُّنْيَا بحَلاَوَةِ الآخِرَةِ، فَقَدْ أنْزَلَ اللهُ عَلَيَّ ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ " وعن ابنِ عبَّاس : قالَ :((يُعْطِيهِ اللهُ فِي الْجَنَّةِ ألْفَ قَصْرٍ مِنَ اللُّؤْلُؤِ تُرَابُهُ الْمِسْكُ، فِي كُلِّ قَصْرٍ مِنْ كُلِّ مَا يُشْتَهَى عَلَى أحْسَنِ الصِّفَاتِ)).
وَقِيْلَ : معناهُ : أنَّ النبي ﷺ كان ضَلَّ في صِغَره عن قومهِ في شِعاب مكَّة، فوجدَهُ أبو لَهب فردَّهُ على جدِّهِ. وَقِيْلَ : معناهُ : وجدَكَ ضَائعاً بين قومٍ ضوَالٍّ لا يعرِفون حُرمَتك، فهدَاهُم اللهُ تعالى إلى معرفةِ قَدركَ.
وعنه ﷺ قَالَ :" سَأَلْتُ رَبي مَسْأَلَةً وَدَدْتُ أنِّي لَمْ أسْأَلْهَا قَطُّ، قُلْتُ : يَا رَب اتَّخَذْتَ إبْرَاهِيمَ خَلِيلاً، وَكَلَّمْتَ مُوسَى تَكْلِيماً، وَسَخَّرْتَ لِدَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبحْنَ، وَأعْطَيْتَ سُلَيْمَانَ كَذا وَكَذا.
فَقَالَ اللهُ تَعَالَى : ألَمْ أجِدْكَ يَتِيماً فآوَيْتُكَ ؟ قُلْتُ : بَلَى يَا رَب، قَالَ : ألَمْ أجِدْكَ ضَالاً فَهَدَيْتُكَ ؟ قُلْتُ : بَلَى يَا رَب، قَالَ : ألَمْ أجِدْكَ عَائِلاً فَأَغْنَيْتُكَ ؟ قُلْتُ : بَلَى يَا رَب، قَالَ : ألَمْ أشْرَحَ لَكَ صَدْرَكَ ؟ قُلْتُ بَلَى يَا رَب، قَالَ : ألَمْ أرْفَعَ لَكَ ذِكْرَكَ فلاَ أُذْكَرُ إلاَّ وَتُذْكَرُ مَعِي ؟ قُلْتُ بَلَى يَا رَب، قَالَ : ألَمْ أُؤْتِكَ مَا لَمْ أُوْتِ نَبيّاً قَبْلَكَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ؟ قُلْتُ : بَلَى يَا رَب، قَالَ : ألَمْ اتَّخِذْكَ حَبيباً كَمَا اتَّخَذْتُ إبْرَاهِيمَ خَليلاً ؟ قُلْتُ : بَلَى يَا رَب ".
وعن النبيِّ ﷺ أنه قالَ :" مَنْ ضَمَّ يَتِيماً فَكَانَ فِي مُؤْنَتِهِ وَنَفَقَتِهِ كَانَ لَهُ حِجَاباً مِنَ النَّار يَوْمَ الْقِيَِامَةِ، وَمَنْ مَسَحَ برَأسِ يَتِيمٍ كَانَ لَهُ بكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةٌ " وقال ﷺ :" إنَّ اليَتِيمَ إذا بَكَى اهْتَزَّ لِبُكَائِهِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، فَيَقُولُ اللهُ : يَا مَلاَئِكَتِي مَنْ أبْكَى هَذا الْيَتِيمَ الَّذِي غَيَّبْتُ أبَاهُ فِي التُّرَاب ؟ فَتَقُولُ الْمَلاَئِكَةُ : رَبُّنَا أعْلَمُ، فَيَقُولُ : يَا مَلاَئِكَتِي أُشْهِدُكُمْ أنَّ كُلَّ مَنْ أسْكَتَهُ وَأرْضَاهُ أنْ أُرْضِيَهُ يَوْم الْقِيَامَةِ " قَالَ :((فَكَانَ عُمَرُ إذا رَأى يَتِيماً مَسَحَ عَلَى رَأسِهِ وَأعْطَاهُ شَيئاً)).
وكان الحسنُ يقول :((أرَادَ بالسَّائِلِ فِي هَذِهِ الآيَةِ سَائِلَ الْعِلْمِ لاَ تَرُدُّهُ خَائِباً). وقال يحيىَ بنُ آدم في هذه الآيةِ قال :((إذا جَاءَكَ طَالِبُ الْعِلْمِ فَلاَ تَنْهَرْهُ)). وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ :" لاَ يَمْنَعَنَّ أحَدُكُمُ السَّائِلَ أنْ يُعْطِيَهُ إذا سَأَلَ، وَإنْ رَأى فِي يَدَيْهِ قُلْبَيْنِ مِنْ ذهَبٍ " وعن إبراهيمَ بن أدهمٍ قالَ :((نِعْمَ الْقَوْمُ السُّؤَّالُ، يَحْمِلُونَ زَادَنَا إلَى الآخِرَةِ، يَجِيءُ السَّائِلُ إلَى بَاب أحَدِكُمْ فَيَقُولُ : هَلْ تُوَجِّهُونَ إلَى أهْلِيكُمْ شَيْئاً)).
وفي الحديثِ :" إذا أنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدٍ أحَبَّ أنْ يَرَى أثَرَ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ "، وقال ﷺ :" مَنْ أُعْطِيَ خَيْراً فَلَمْ يُرَ عَلَيْهِ، سُمِّيَ بَغِيضَ اللهِ مُعَادِياً لِنِعْمَةِ اللهِ " قالَ ﷺ :" مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ لَمْ يُشْكِرِ الْكَثِيرَ، ومَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللهَ، وَالتَّحَدُّثُ بالنِّعْمَةِ شُكْرٌ ".