ﰡ
مكية وآياتها سبع وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٥)شرح الكلمات:
حم: هذا أحد الحروف الهجائية يكتب هكذا: حم ويقرأ هكذا: حاميم
تنزيل الكتاب: أي القرآن.
من الله العزيز الحكيم: أي من عند الله العزيز الانتقام من أعدائه الحكيم في تدبيره.
لآيات: أي لدلالات واضحات على وجود الله تعالى وقدرته وعلمه وحكمته وهي موجبات الربوبية والألوهية له وحده دون سواه.
للمؤمنين: أي لأنهم بالإيمان أ؛ ياء يبصرون ويسمعون فيرون الآيات.
وفي خلقكم: أي وفي خلقكم أيها الناس وتركيب أعضائكم وسلامة بناينكم.
وما بث من دابة: أي وما خلق ونشر من أنواع الدواب من بهائم وغيرها.
آيات لقوم يوقنون: أي علامات على قدرة الله تعالى على البعث الآخر إذ الخالق لهذه العوالم قادر على إعادتها بعد موتها، ولكن هذه الآيات لا يراها إلا القوم الموقنون في إيمانهم بربوبية الله وألوهيته وصفات الجلال والكمال له.
واختلاف الليل والنهار: أي بمجيء هذا وذهاب ذاك وطول هذا وقصر ذاك على مدى الحياة.
وما أنزل الله من السماء من رزق: أي من مطر، وسمي المطر رزقاً لأنه يسببه.
فأحيا به الأرض بعد موتها: أحيا بالمطر الأرض بعد موت نباتها بالجدب.
وتصريف الرياح: أي من صبا إلى دبور، ومن شمال إلى جنوب، ومن سموم إلى باردة ومن نسيم إلى عاصفة.
آيات لقوم يعقلون: أي في اختلاف الليل والنهار وإنزال المطر وإحياء الأرض وتصريف الرياح دلالات واضحة على وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته واقتضاء ذلك ربوبية الله وألوهيته، لقوم يعقلون أي يستعملون عقولهم في إدراك الأشياء واستنتاج النتائج من مقدماتها.
معنى الآيات:
قوله تعالى: ﴿حم﴾ : الله أعلم بمراده به إذ هو من المتشابه الذي أمرنا أن نؤمن به ونفوض أمر معناه إلى من أنزله سبحانه وتعالى. وقد ذكرنا مرات فائدتين لهذه الحروف المقطعة فلتراجع في أكثر السور المفتتحة بالحروف المقطعة كحم الدخان السورة التي قبل هذه السورة. وقوله
وقوله: وفي خلقكم أيها الناس أي في أطوار خلقكم من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى بشر سوى الخلقة معتدل المزاج والتركيب له سمع وبصر ونطق وفكر.
وما يبث من دابة أي وما يخلق وما يفرق وينشر في الأرض من أنواع الدواب والبهائم والحيوانات على اختلافها من برية وبحرية آيات لقوم٣ يوقنون أي يوقنون في إيمانهم بالله تعالى وآياته، كما يوقنون بحقائق الأشياء، الثابتة لها فالواحد مع الواحد اثنان والموجود ضد المعدوم، والأبيض خلاف الأسود، والابن لابد به من أب، والعذب خلاف المر فأصحاب هذا اليقين يرون في خلق الإنسان والحيوان آيات دالة على وجود الله وعلمه وعزته وحكمته وقدرته على البعث والجزاء الذي أنكره عادموا العقول من المشركين والكافرين. وقوله: ﴿وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَار﴾ أي بتعاقبهما بمجيء الليل وذهاب النهار، والعكس كذلك وبطول أحدهما وقصر الآخر تارة والعكس كذلك وما أنزل الله من السماء من رزق أي من مطر هو سبب الرزق فأحيا به الأرض بعد موتها بيبس النبات وموته عليها، وتصري الرياح من صبا إلى دبور، ومن شمال إلى جنوب ومن رخاء لينة إلى عاصفة ذات برد أو سموم إن في المذكورات آيات حججاً ودلائل دالة على وجود عبادة الله وتوحيده في ذلك، ولكن لقوم٤ يعقلون أي لذوي العقول النيرة السليمة. أم الذين لا عقول لهم فلا يرون ولا في غيرها آية فضلا عن آياتٍ.
٢ كون الآيات للمؤمنين دون الكافرين باعتبار أنهم هم المنتفعون بها لأنهم يسمعون ويبصرون ويعقلون والكافرون فاقدون لذلك فلم تكن الآيات لهم لعدم انتفاعهم بها.
٣ اليقين لا يكون إلا بعد الإيمان فالإيمان يثمر اليقين فالمؤمن يرى في خلق السموات والأرض أي في إيجادهما على ما هما عليه آيات على قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته فيرتفع إيمانهم إلى مرتبة اليقين فيرون في أدق الأشياء كالأجنة في الأرحام وما هو أخفى يرون فيه آيات تزيد في يقينهم وتحملهم على حبهم لله وطاعتهم له والتقرب إليه.
٤ والعقل مرتبة ثالثة بعد الإيمان واليقين في باب الاهتداء فالذي يرى اختلاف الليل والنهار ونزول الأمطار وما ينجم عنها من نباتات وزروع ولم يهتد إلى الإيمان فيؤمن قهو غير عاقل ولا يصح نسبته إلى العقلاء.
من هداية الآيات:
١- عظم شأن القرآن الكريم لأنه تنزيل الله العزيز الحكيم.
٢- الإيمان أعم من اليقين ومقدم عليه في الترتيب واليقين أعلى في الرتبة.
٣- فضل العق١ل السليم إن استخدم في الخير وما ينفع.
٤- تقرير ألوهية الله تعالى بتقرير ربوبيته في الخلق والتدبير والعلم والحكمة.
تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آيَاتِ اللهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٠) هَذَا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١)
شرح الكلمات:
تلك آيات الله: أي تلك الآيات المذكورة آيات الله أي حججه الدالة على وحدانيته.
نتلوها عليك بالحق: أي نخبرك عنها بالحق لا بالباطل كما يخبر المشركون عن آلهتهم أنها تقربهم إلى الله زلفى كذبا وباطلا.
فبأي حديث بعد الله وآياته: أي فبأي حديث أيها المشركون بعد حديث الله هذا الذي يتلوه عليكم وبعد حججه هذه.
تؤمنون: أي تصدقون والجواب أنكم لا تؤمنون.
ويل لكل أفاك أثيم: أي عذاب الويل لكل كذاب ذي آثام كبيرة وكثيرة.
ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها: أي ثم يصر على الكفر حال كونه مستكبراً عم الإيمان والتوحيد كأن لم يسمعها.
وإذا علم من آياتنا شيئاً: أي إذا بلغه شيء من القرآن وعلم أنه من القرآن.
اتخذها هزوا: أي اتخذ تلك الآية أو الآيات مهزواً بها متهكما ساخراً منها.
له عذاب مهين: أي ذو إهانة لهم يهانون به وتكسر أنوفهم.
من ورائهم جهنم: أي أمامهم جهنم وذلك يوم القيامة، والوراء يطلق على الأمام كذلك.
ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئاً: أي لا يكفى عنهم ما كسبوه من المال والأفعال التي كانوا يعتزون بها شيئاً من الإغناء.
ولا ما اتخذوا من دون الله من: أي ولا يغني عنهم كذلك ما اتخذوه من أصنام آلهة عبدوها دون الله تعالى.
أولياء
هذا هدىً: أي هذا القرآن الذي أنزله الله تعالى على عبده ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هدىً أي كله حجج وبراهين ودلالات هادية.
والذين كفروا بآيات ربهم: أي والذين كفروا بالقرآن فلم يهتدوا به وبقوا على ضلالهم من الشرك والمعاصي.
لهم عذاب من رجز أليم: أي لهم عذاب موجع من نوع الرجز وهو أشد أنواع العذاب.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في طلب هداية قريش فبعد أن بين تعالى آياته في الآفاق وفي الأنفس قال لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ١ تلك آيات الله أي تلك الآيات المذكورة أي آيات الله أي حججه الدالة على وجوده وعلمه وقدرته وموجبة لربوبيته على خلقه وألوهيته فهو الإله الحق الذي لا إله إلا هو حق سواه.
وقوله فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون أي إن لم يؤمن هؤلاء المشركون بالله رباً وإلهاً ولا رب غيره ولا إله سواه، وبآياته القرآنية الحاملة للهدى والخير والنور فبأي شيء يؤمنون أي يصدقون لا شيء يؤمنون لأن الاستفهام إنكاري والإنكار كالنفي في معناه. وقوله ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ٢﴾ يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها هذا
٢ صاحب هاتين الصفتين كثرة الإفك وكثرة الإثم هو في خبث نفسه كالشياطين سواء بسواء إذ مثله هو الذي تنزل عليه الشياطين ويتحد معها على الخبث والكفر والشر والإفساد.
وقوله تعالى: ﴿هَذَا هُدىً٣﴾ أي هذا القرآن هدى أي يخرج من الضلالة إلى الهدى، ومن الكفر إلى الإيمان ومن الشرك إلى التوحيد لما فيه من الهدى والنور، ولما يدعو إليه من الحق والعدل والخير والذين كفروا به وأعرضوا عنه وهو آيات الله وحججه على خلقه هؤلاء لهم عذاب من رجز أليم أي عذاب هو من أشد أنواع العذاب لأنهم بالكفر بالآيات لم يزكوا أنفسهم ولم يطهروها فماتوا على أخبث النفوس وشرها فلا جزاء لهم إلا رجز العذاب.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- القرآن نور وأعظم نور فمن لم يهتد عليه لا يرجى له الهداية أبداً.
٢- الوعيد الشديد لأهل الإفك والآثام، والإفك الكذب المقلوب.
٣- شر الناس من إذا سمع آيات الله استهزأ وسخر منها أو ممن يتلوها.
٢ في الآية إشارة إلى أن أصحاب هذه الصفات يكونون من أرباب الأموال لأنهم يكتسبونها بكل وسيلة ولو ببيع عقولهم وضمائرهم وأموالهم والمحافظة عليها من عوامل ردهم لدعوة الإسلام ومحاربتها كما هو مشاهد.
٣ هذا هدى أي هذا القرآن هدى في ذاته وما يدعوا إليه ومن كفر به فحرم الهداية فلم يهتد فلا جزاء له إلا جزاء العذاب الأليم.
٥- لم يغن عن المشرك ما كان يعبد من دون الله أو مع الله من أصنام وأوثان وملائكة أو أنبياء أو أولياء.
اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١٥)
شرح الكلمات:
الله الذي سخر لكم البحر: أي الله المعبود بحق لا الآلهة الباطلة سخر لكم أي لأجلكم البحر بأن جعله أملس تطفو فوقه الأخشاب ونحوها.
لتجري الفلك فيه بأمره: أي جعله كذلك لتجري السفن فيه بإذن الله تعالى.
ولتبتغوا من فضله: أي لتسافروا إلى طلب الرزق من إقليم إلى إقليم.
ولعلكم تشكرون: أي رجاء أن تشكروا نعم الله عليكم.
وسخر لكم ما في السموات: أي من شمس وقمر ونجوم ورياح وماء أمطار.
وما في الأرض جميعا: أي وما في الأرض من جبال وأنهار وأشجار ومعادن منه تعالى.
إن في ذلك لآيات: أي علامات ودلائل وحجج على وجود الله وألوهيته.
لقوم يتفكرون: أي لقوم يستخدمون عقولهم فيتفكرون في وجود هذه المخلوقات ومن أوجدها ولماذا أوجدها فتتجلى لهم حقائق وجود الله وعلمه وقدرته ورحمته فيؤمنوا ويوحدوا.
قل للذين آمنوا يغفروا: أي قل يا رسولنا للمؤمنين من عبادنا يغفروا أي يتجاوزوا
الذين لا يرجون أيام الله: أي لا يتوقعون أيام الله أي بالإدالة منهم للمؤمنين فيذلهم الله وينصر المؤمنين عليهم وهم الرسول وأصحابه وهذا قبل الأمر بجهادهم.
ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون: أي ليجزي تعالى يوم القيامة قوماً منهم وهم الذين علم تعالى أنهم لا يؤمنون بما كسبوه من أذى الرسول والمؤمنين.
من عمل صالحاً فلنفسه: أي فهو الذي يرحم ويسعد به.
ومن أساء فعليها: أي ومن عمل سوءاً فالعقوبة تحل به لا بغيره.
ثم إلى ربكم ترجعون: أي يعد الموت ويحكم بينكم في ما كان بينكم من خلاف وأذى.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في هداية قوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقوله تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ١﴾ تذكير لأولئك المعرضين بالحجج والآيات الدالة على وجوب الإيمان بالله وتوحيده وطاعته فهو تعالى يعرفهم أن ما بهم من نعم هي من الله لا من غيره من تلك الآلهة الباطلة. الله لا غيره هو الذي سخر لكم أي ذلل ويسر وسهل ما في السموات من شمس وقمر ونجوم وسحب وأمطار ورياح لمنافعكم، وسخر لكم ما في الأرض من جبال وأشجار وأنهار وبحار ومعادن وحيوانات على اختلافها كل ذلك منه٢ وهو وهبه لكم، إن في ذلك المذكور من إنعام الله عليكم بكل ما سخر لكم لآيات لقوم٣ يتفكرون فيهديهم تفكيرهم إلى وجوب حمد الله تعالى وشكره بعد أن آمنوا به ووحدوه في ربوبيته وألوهيته. وقوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا٤ يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ٥ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾. يأمر الله تعالى رسوله أن يقول لصحابته أيام الخوف في مكة قبل الهجرة اصفحوا وتجاوزوا عمن يؤذيكم من كفار قريش، ولا تردوا الأذى بأذى مثله بل اغفروا لهم ذلك وتجاوزوا عنه، وقد نسخ هذا بالأمر بالجهاد.
وقوله تعالى ﴿لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ تعليل للأمر بالصفح والتجاوز أي ليؤخر لهم
٢ منه من ابتدائية أي جميع ذلك المذكور المسخر من عند الله تعالى ليسر لغيره فيه أدنى شركة وموقع (منه) موقع الحال أي سخر لكم ما سخر حال كونه منه.
٣ التفكر هو منبع الإيمان واليقين والعقل إذا من فكر عقل ومن عقل آمن ومن آمن أيقن ومن أيقن طلب النجاة من النار والفوز بالجنان بالإيمان وصالح الأعمال بعد ترك الشرك والمعاصي.
٤ يغفروا مجزوم لأنه في جواب الأمر (قل) وجائز أن يكون مجزوما بتقدير لام الأمر محذوفة أي ليغفروا.
٥ جائز أن يراد بأيام الله ثوابه وعقابه أو نصره لأوليائه وإيقاعه بأعدائه. أو البعث الآخر ولقائه.
قوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ١﴾ أي من عمل صالحاً في هذه الحياة الدنيا من إيمان وطاعة لله ولرسوله في أوامرهما ونواهيهما فزكت بذلك نفسه وتأهل لدخول الجنة فإن الله يدخله الجنة ويكون عمله الصالح قد عاد عليه ولم يعد على غيره إن الله غني عن عمل عباده، وغير العامل لا تطهر نفسه ولا تزكو بعمل لم يباشره بنفسه، وقوله من أساء أي في حياته فلم يؤمن ولم يعمل صالحاً يزكي به نفسه، فجزاء كسبه السيء من الشرك والمعاصي عائد على نفسه عذاباً في النار وخلوداً فيها. ٢
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ أي إنكم أيها الناس بعد هذه الحياة وما عملتم فيها من صالح وسيء ترجعون إلى الله يوم القيامة ويجزيكم كلاً بحسب عمله الخير بالخير والشر بمثله.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير التوحيد والبعث٣ والجزاء والنبوة.
٢- بيان علة الإنعام الإلهي على العبد وهي أن يشكر الله تعالى بحمده والثناء عليه وصرف تلك النعم في مرضاته تعالى لا في معاصيه الموجبة لسخطه.
٣- مشروعية التسامح مع الكفار والتجاوز عن أذاهم في حال ضعف المسلمين.
٤- تقرير قاعدة أن المرء لا يؤخذ بجريرة غيره.
٥- تقرير أن الكسب يؤثر في النفس ويكون صفة لها وبه يتم الجزاء في الدار الآخرة من خير وغيره قال تعالى سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم (الأنعام).
٢ الخلود في النار خاص بالمشركين والكافرين أما أهل الإيمان والتوحيد فلا يخلدون في النار لحسنة الإيمان والتوحيد.
٣ هذه الأصول الثلاثة عليها مدار استقامة العبد وجل السور المكية تعالجها فلا تكاد توجد سورة تخلو من تحقيقها والدعوة إليها.
شرح الكلمات:
الكتاب: أي التوراة لأنها الحاوية للأحكام الشرعية بخلاف الزبور والإنجيل.
والحكم: أي الفصل في القضايا بين المتنازعين على الوجه الذي يحقق العدل.
والنبوة ورزقناهم من الطيبات: أي جعلنا فيهم النبوة كنبوة موسى وهارون وداود وسليمان، ورزقهم من الطيبات كالمن والسلوى وغيرهما.
وفضلناهم على العالمين: أي على عالمي زمانهم من الأمم المعاصرة لهم.
إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا: أي لم يخلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ببعثة النبي محمد صلّى الله عليه وسلم بغياً بينهم أي حسداً للعرب أولاد إسماعيل أن تكون النبوة فيهم.
ثم جعلناك على شريعة١ من الأمر: أي ثم جعلناك يا رسولنا على شريعة من أمر الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده.
ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون: من مشركي العرب ومن ضلال أهل الكتاب.
إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا: أي إن أنت تركت ما شرع لك واتبعت ما يقترحون عليك أن تفعله مما يوافق أهواءهم إنك إن اتبعتهم لن يدفعوا عنك من العذاب الدنيوي والأخروي شيئا.
وإن الظالمين بعضهم أولياء: أي ينصر بعضهم بعضا في الدنيا أما في الآخرة فإنهم لا ينصرون.
بعض
والله ولي المتقين: أي متوليهم في أمورهم كلها وناصرهم على أعدائهم.
هذا بصائر للناس وهدى: أي هذا القرآن أي أنوار هداية يهتدون به إلى ما يكملهم ويسعدهم، وهدى ورحمة، ولكن لأهل اليقين في إيمانهم فهم الذين يهتدون به ويرحمون عليه أما غير الموقنين فلا يرون هداه ولا يجدون رحمته لأن شكهم وعدم إيقانهم يتعذر معهما أن يعملوا به في جد وصدق وإخلاص.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في طلب هداية قوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعرض عليهم حالاً شبيهة بحالهم لعلهم يجدون فيها ما يذكرهم ويعظهم فيؤمنوا ويوحدوا قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي١ إِسْرائيلَ﴾ أي أعطينا بني إسرائيل وهم أولاد يعقوب الملقب بإسرائيل وهو ابن اسحق بن إبراهيم خليل الرحمن آتيناهم ﴿الْكِتَابَ﴾ التوراة ﴿وَالْحُكْمَ﴾ وهو الفقه بأحكام الشرع والإصابة في العمل والحق فيها ثمرة إيمانهم وتقواهم ﴿وَالنُّبُوَّة﴾ فجعلنا منهم أنبياء ورسلاً كموسى وهارون ويوسف وداود وسليمان وعيسى، وفضلناهم٢ على العالمين أي على فرعون وقومه من الأقباط، وعلى من جاور بلادهم من الناس، وذلك أيام إيمانهم واستقامتهم، وآتيناهم بينات٣ من الأمر أمر الدين تحملها التوراة والإنجيل ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ الإلهي يحمله القرآن ونبيه فاختلفوا فيما كان عندهم من الأنباء عن نبي آخر الزمان ونعوته وما سيورثه الله وأمته من الكمال الدنيوي والأخروي فحملهم بغي حدث
٢ بأن جمع الله لهم بين استقامة الدين والخلق وبين حكم أنفسهم بأنفسهم وبين أصول العدل فيهم مع حسن العيش وشمول الأمن والرخاء لهم.
٣ أي علمناهم حججا وعلوما في أمر دينهم ونظام حياتهم بحيث يكونون على بصيرة في تدبير مجتمعهم وعلى سلامته من الشرور والمفاسد.
وقوله تعالى ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ هذه تسلية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جهة، ومن جهة أخرى إعلام منه تعالى بأنه سيحكم بينهم ويفصل ويؤدي كل واحد ثمرة كسبه من خير وشر في هذه الحياة وذلك يوم القيامة.
وقوله: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَة١ٍ مِنَ الْأَمْرِ﴾ أي من أمر ديننا الإسلام الذي هو دين الأنبياء من قبلك فلم تختلف شريعتك في أصولها على شرائعهم، وعليه فاتبعها ولا تحد عنها متبعا أهواء الذين لا يعلمون من زعماء قريش الذين يقدمون لك اقتراحاتهم من الوقت إلى الوقت ولا أهواء ضلال أهل الكتابين من اليهود والنصارى إنهم جهال لا يعلمون هدى الله، ولا ما هو سبيل النجاة من النار والفوز بالجنة في الآخرة، ولا هو سبيل العزة والكرامة والدولة والقوة في الدنيا.
وقوله: ﴿إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً﴾ أي إنك إن اتبعت أهوائهم واستوجبت العذاب لن يدفعوا عنك ولن يكفوك شيئا منه، وقوله: ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ أي في الدنيا فيتعاونون على الباطل والشر أما في الآخرة فلا ينصر بعضهم بعضا ولا هم ينصرون من قبل أحد والله ولي المتقين، أما المتقون فالله وليهم في الدنيا والآخرة، فعليك بولاية الله، ودع ولاية أعدائه، فإنها لن تغني عنك شيئاً.
وقوله تعالى: ﴿هَذَا بَصَائِرُ ٢لِلنَّاسِ﴾ يريد القرآن الكريم إنه عيون القلوب بها تبصر النافع من الضار والحق من الباطل فمن آمن به وعمل بما فيه اهتدى إلى سعادته وكماله ومن لم يؤمن به ولم يعمل بما فيه ضل وشقي. وقوله ﴿وَهُدىً وَرَحْمَةٌ٣ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ أي أن القرآن الكريم كتاب هداية ورحمة عليه يهتدي المهتدون، ويرحم المرحومون وهم الذين أيقنوا بهدايته ورحمته فعملوا به عقائد وعبادات وأحكاماً وآدابا وأخلاقاً فحصل لهم ذلك كما حصل للسلف الصالح من هذه الأمة، وما زال القرآن كتاب هداية ورحمة لكل من آمن به وأيقن فعمل وطبق بجد وصدق أحكامه وشرائعه وآدابه وأخلاقه التي جاء بها وقد كان خلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن لقول عائشة رضي الله عنها في الصحيح كان خلقه القرآن.
٢ البصائر جميع بصيرة وهي إدراك العقل الأمور على حقيقتها شبهت ببصر العين.
٣ القرآن هدى ورحمة لكل من يهتدي بهداه ويتعرض لرحمته العمل به وخص به لذلك أهل اليقين لأنهم القادرون على الأخذ بهدايته والتعرض لرحمته والعمل به.
من هداية الآيات:
١- بيان أن كفر أهل الكتاب كان حسداً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقومه من العرب.
٢- بيان إفضال الله تعالى على بني إسرائيل حيث أعطاهم الكتاب والحكم والنبوة.
ومع هذا اختلفوا في الحق حسداً وطمعاً في الرئاسة وإقامة مملكة بني إسرائيل من النيل إلى الفرات.
٣-تقرير البعث والجزاء والنبوة والتوحيد.
٤- وجوب لزوم تطبيق الشريعة الإسلامية وعدم التنازل عن شيء منها.
٥- تقرير ولاية الله تعالى لأهل الإيمان به وتقواه بفعل محابه وترك مساخطه.
٦- بيان أن القرآن كتاب هداية وإصلاح، ولا يتم شيء من هداية الناس وإصلاحهم إلا عليه.
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣)
شرح الكلمات:
اجترحوا السيئات: أي اكتسبوا بجوارحهم الشرك والمعاصي.
سواء محياهم ومماتهم: أي محياهم ومماتهم سواء، لا لا المؤمنون في الجنة والمشركون في النار.
ساء ما يحكمون: أي ساء حكماً حكمهم بالتساوي مع المؤمنين.
ولتجزى كل نفس بما كسبت: أي وليجزي الله كل نفس ما كسبت من خير وشر.
أفرأيت من اتخذ إلهه هواه: أي أخبرني عمن اتخذ أي جعل إلهه أي معبوده هواه.
وجعل على بصره غشاوة: أي ظلمة على عينيه فلا يبصر الآيات والدلائل.
أفلا تذكرون: أي أفلا تتذكرون أيها الناس فتتعظون.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى في الآيات قبل هذه الظالمين والمتقين وجزاء كل منهم وأنه كان مختلفا باختلاف نفوس الظالمين والمتقين خبثا وطهراً ذكر هنا ما يقرر ذلك الحكم وهو اختلاف جزاء الظالمين والمتقين فقال: أم حسب١ الذين اجترحوا السيئات أي اكتيبوها بجوارحهم، والمراد بها الشرك والمعاصي أن نجعلهم كالذين آمنوا بالله ربا وإلهاً وبكل ما أمر تعالى بالإيمان به، وعمل الصالحات من إقام الصلاة وآيتاه الزكاة وصيام رمضان والجهاد والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما إلى ذلك من الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون٢ أي ساء حكما حكمهم هذا ومعنى هذا أن الله تعالى أنكر على من يحسب هذا الحسبان ويظن هذا الظن الفاسد وهو أن يعيش الكافر والمؤمن في هذه الحياة الكافر يعيش على المعاصي والذنوب والمؤمن على الطاعة والحسنات ثم يموتون ولا يجزى الكافر على كفره والمؤمن على إيمانه، وأسوأ من هذا الظن ظن آخر كان ليعضهم وهو أنهم إذا ماتوا يكرمون وينعم عليهم بخير ما يكرم به المؤمن وينعم به عليهم. وهذا غرور عجيب، فأنكر تعالى عليهم هذا الظن الباطل وحكم أنه لا يسوى بين بر وفاجر، ولا بين مؤمن وكافر لأن ذلك مناف للعدل والحق والله خلق السموات والأرض بالحق، وأنزل الشرائع وأرسل الرسل ليعمل الناس في هذه الحياة الدنيا فمن آمن وعمل صالحا كانت الحسنى له جزاء، ومن كفر وعمل سوءاً كانت جهنم جزاءه، وهو معنى قوله تعالى: ﴿وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ٣﴾ أي من خير وشر، وهم لا يظلمون لأن العدالة الإلهية هي التي تسود يوم القيامة وتحكم.
وقوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ٤ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ أي جعل معبوده ما تهواه نفسه فما هويت قولا إلا قاله، ولا عملا إلا عمله ولا اعتقاداً إلا اعتقده ضارباً بالعقل والشرع عرض الحائط فلا يلتفت
٢ ساء ما يحكمون هذه الجملة تذييل لما قبلها من إنكار حسبانه وما اتصل به من المعاني، والحياة والممات مصدران ميميان من الحياة والموت.
٣ الباء للتعويض لأن ما كسبته النفس لا تجزى به وإنما تجزى بمثله وما يناسبه من خير وشر.
٤ الاستفهام للتعجب من حال هذا الذي اتخذ إلهه هواه والمخاطب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكل ذي أهلية لأن يفهم عن الله تعالى من المؤمنين.
وقوله تعالى: ﴿أَفَلا تَذَكَّرُونَ٢﴾ أي أفلا تذكرون فتتعظون أيها الناس فتؤمنوا وتوحدوا وتعملوا الصالحات فتكملوا وتسعدوا في الدنيا وتنجو من النار وتدخلوا الجنة في الآخرة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بطلان اعتقاد الكافرين في أن الناس يحيون ويموتون بلا جزاء على الكسب صالحه وفاسده.
٢- تقرير البعث والجزاء.
٣- موعظة كبيرة في هذه الآية أم حسب الذين اجترحوا السيئات إلى آخرها حتى إن أحد رجال السلف الصالح قام يتهجد من الليل فقرأ حتى انتهى الى هذه الآية فأخذ يرددها ويبكي حتى طلع الفجر.
٤- التنديد بالهوى والتحذير٣ من اتباعه فقد يفضي بالعبد إلى ترك متابعة الهدى إلى مطاوعة الهوى فيصبح معبوده هواه لا الرب تعالى مولاه.
٥- التحذير من ارتكاب سنن الضلال المفضي بالعبد إلى الضلال الذي لا هداية معه.
٢ قرأ نافع تذكرون بتشديد الذال وقرأه حفص بتخفيفها الأولى على إدغام إحدى التائين في الذال فشددت والثانية على حذف إحدى التائين فخففت.
٣ من الكلمات المأثورة في هذا قولهم ثلاث من المهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه.
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٦)
شرح الكلمات:
وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا: أي قال منكرو البعث ما هي إلا هذه الحياة، وليس ورائها حياة أخرى.
نموت ونحيا: أي يموت بعضنا ويحيا بعضنا ويحيا بعضنا بأن يولدوا فيحيوا ويموتوا.
وما يهلكنا إلا الدهر: أي وما يميتنا إلا مرور الزمان علينا.
وما لهم بذاك من علم: أي وليس لهم أدنى علم على قولهم لا من وحي وكتاب إلهي ولا من عقل صحيح.
إن هم إلا يظنون: أي ما هم إلا يظنون فقط والظن لا قيمة له ولا يبنى عليه حكم.
وإذا تتلى عليهم آيتنا بينات: أي وإذا قرئت عليهم الآيات الدالة على البعث والجزاء الأخرى بوضوح.
ما كان حجتهم: أي لم تكن لهم من حجة إلا قولهم.
إلا أن قالوا أئتوا بآبائنا: إلا قولهم احيوا لنا آباءنا الذين ماتوا وأتوا بهم إلينا.
إن كنتم صادقين: إن كنتم صادقين فيما تخبروننا به من البعث والجزاء.
قل الله يحيكم ثم يميتكم: أي قل لهم يا رسولنا الله الذي يحيكم حين كنتم نطفاً ميتة، ثم يميتكم.
ثم يجمعكم إلى يوم القيامة: أي ثم بعد الموت يجمعكم إلى يوم القيامة للحساب والجزاء.
لا ريب فيه: أي يوم القيامة الذي لا ريب ولا شك في مجيئه في وقته المحدد له.
ولكن أكثر الناس لا يعلمون: أي لا يعلمون تلقيهم العلم عن الوحي الإلهي لكفرهم بالرسل والكتب.
تقدم في الآيات بيان اعتقاد بعض المشركين في استواء حال المؤمنين والكافرين يوم القيامة وأن الله تعالى أبطل ذلك الاعتقاد منكراً له عليهم، وهنا حكى قول منكري البعث بالكلية ليرد عليهم وفي ذلك دعوة لعامة الناس إلى الإيمان والعمل الصالح للإسعاد والكمال في الحياتين ولله الحمد والمنة فقال عز وجل: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا١ الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ٢﴾ أي وقال منكرو البعث والجزاء يوم القيامة ما هناك إلا حياتنا هذه التي نحياها وليس ورائها حياة أخرى، إننا نموت ونحيا أي نموت نحن الأحياء ويحيى أبناؤنا من بعدنا وهكذا تستمر الحياة أبداً يموت الكبار ويحيى الصغار، وما يهلكنا إلا الدهر أي وما يميتنا ويفنينا إلا مرور الزمان وطول الأعمار وهو إلحاد كامل وإنكار للخالق عز وجل وهو تناقض منهم لأنهم إذا سألوا من خلقهم يقولون فينسبون إليه الخلق وهو أصعب ولا ينسبوا إليه الإماتة وهي أهون من الخلق فرد تعالى عليهم مذهبهم "الدهري" بقوله: ﴿وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ﴾ أي ليس٣ لهم على معتقدهم هذا أدنى علم نقلياً كان ولا عقلياً أي يتلقوه عن وحي أوحاه الله إلى من شاء من عباده ولا عن عقل سليم راجح لا ينقض حكمه كالواحد مع الواحد اثنان والأبيض خلاف الأسود وما إلى ذلك من القضايا العقلية التي لا ترد فهؤلاء الدهريون ليس لهم شيء من ذلك ما لهم إلا الظن والخرص وقضايا العقيدة لا تكون بالظن. والظن أكذب الحديث.
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ﴾ أي وإذا قرأ عليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيات القرآن الدالة على البعث والجزاء تدعوهم إلى الإيمان به واعتقاده ﴿مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ٤﴾ أي لم تكن لهم من حجة يردون بها ما دعوا إليه إلا قولهم٥: أئتوا بآبائنا إن كنتم صادقين أي أحيوا لنا آبائنا الذين ماتوا وأحضروهم عندنا إن كنتم صادقين في ما تخبروننا من البعث والجزاء. فقال تعالى في رد هذه الشبهة وبيان للحق في المسألة قل الله يحيكم ثم يميتكم، ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب٦ فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي قل يا رسولنا لهؤلاء الدهرين المنكرين للبعث الله يحيكم إذ كنتم نطفاً ميته
٢ روي عن أبي هريرة عن النبي صلى لله عليه وسلم أنه قال: "كان أهل الجاهلية يقولون ما يهلكنا إلا الليل والنهار وهو الذي يهلكنا ويميتنا ويحينا فيسبون الدهر ". قال الله تعالى "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار".
٣ قال القرطبي كان المشركون أصنافاً منهم هؤلاء ومنهم من كان يثبت الصانع وينكر البعث ومنهم من يشك بالبعث ولا يقطع بإنكاره.
٤ فإن قيل لم سمى قولهم حجة وليس هو بحجة؟ قيل لأنهم أدلوا به كما يدلي المحتج بحجته وساقوه مساقها فسميت حجة على سبيل التهكم.
٥ أي أحيوا لنا الموتى نسألهم عن صدق ما تقولون.
٦ جملة لا ريب فيه حال يوم القيامة أي لا ريب في وجوده وكونه لا ريب فيه لأنه علة الحياة كلها فلولاه ما كانت هذه الحياة فمن هنا لامعنى للشك فيه بالكلية.
هدية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير البعث والجزاء.
٢- الرد على الدهريين وهم الذين ينسبون الحياة والموت للدهر وينفون وجود الخالق عز وجل.
٣- بيان أن الكفار لا دليل لهم عقلي ولا نقلي على صحة الكفر عقيدة كان أو عملا.
٤- عدم إحياء الله تعالى للمطالبين بحياة من مات حتى يؤمنوا لم يكن عن عجز بل لأنه يتنافى مع الحكمة التي دار عليها الكون كله.
٥- بيان أن أكثر الناس لا يعلمون وذلك لأنهم كذبوا بالوحي الإلهي في الكتاب والسنة.
٦- بيان أنه لا علم صحيح إلا من طريق الوحي الإلهي.
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً
شرح الكلمات:
ولله ملك السموات والأرض: أي خلقا وملكاً وتصرفا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
يخسر المبطلون: أي ويوم تقوم الساعة التي أنكرها الكافرون يخسر أصحاب الباطل بصيرورتهم إلى النار.
وترى كل أمة جاثية: أي كل أمة ذات دين جاثية على ركبها تنتظر حكم الله فيها.
تدعى إلى كتابها: أي إلى كتاب أعمالها فهو الحكم فيها إن كان خيرا فخير وإن كان شرا فشر.
اليوم تجزون ما كنتم تعملون: أي يقال لهم اليوم تجزون ما كنتم تعملون في الدنيا من خير وشر.
هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق: أي ديوان الحفظة الذي دونوه من أعمال العقلاء من الناس شاهد عليكم بالحق.
إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون: أي نأمر بنسخ ما كنتم تعملون.
فيدخلهم ربهم في رحمته: أي فيدخلهم في جنته.
ذلك هو الفوز المبين: أي الفوز البين الظاهر وهو النجاة من النار ودخول الجنة.
أفلم تكن آياتي تتلى عليكم: أي يقال لهم ألم تأتكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم.
فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين: أي عن آيات الله فلم تؤمنوا بها وكنتم بذلك قوما كافرين.
إن وعد الله حق: أي بالبعث والجزاء العادل يوم القيامة حق ثابت.
إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين: أي ما كنا مستيقنين بالبعث وإنما كنا نظنه لا غير ولا نجزم به.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ خلقا وإيجاداً وملكاًُ وتصرفا ومن كان هذا وصفه من القدرة والعلم والحكمة لا ينكر عليه بعث العباد بعد موتهم وجمعهم للحساب والجزاء. وقوله ويوم١ تقوم الساعة التي ينكرها المنكرون يومئذ يخسر المبطلون يخسرون كل شيء حتى أنفسهم يخسرون منازلهم في الجنة يرثها عنهم المؤمنون ويرثون هم المؤمنين منازلهم في النار ذلك هو الخسران المبين وقوله تعالى:
قال تعالى مفصلا للحكم الناتج عن شهادة الكتاب ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ٢ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي وتركوا الشرك والمعاصي فيدخلهم ربهم جزاء لهم في رحمته وهي الجنة دار المتقين ذلك هو الفوز المبين أي إدخاله الجنة بعد إنجائهم من النار هو الفوز المبين إذا الفوز معناه، النجاة من المرهوب والظفر بالمرغوب المحبوب. هذا جزاء أهل الإيمان والتقوى وأما الذين كفروا وهم أهل الشرك والمعاصي فيقال لهم: ﴿أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ أي ألم تأتكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم؟ بل كانت تتلى عليكم فاستكبرتم عنها فلم تتعرفوا إلى ما فيها وإلى ما تدعوا إليه، وكنتم باستكباركم عنها قوما مجرمين٣ على أنفسكم إذا أفسدتموها بالشرك والمعاصي.
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ﴾ أي وعده تعالى بالبعث والجزاء حق لابد واقع والساعة آتية لا ريب فيها أي جائية لا محالة ولا ريب في وقوعها بحال من الأحوال قلتم ما ندري ما الساعة متجاهلين لها متعجبين من وقوعها. وقلتم إن نظن إلا مجرد ظن فقط وما نحن بمستيقنين٤ بمجيئها، وهذا بالنسبة إلى بعض الناس، وإلا فقد تقدم أن بعضهم كان ينكر البعث بالكلية وهذا ظاهر في كثير من الناس الذين يؤمنون بالله وبلقائه وهم لا يفترون من المعاصي ولا يقصرون عن فعل الشر والفساد.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر بعض ما يقع يوم القيامة.
٢- تقرير عقيدة كتابة أعمال العباد وتقديمها لهم يوم القيامة في كتاب خاص.
٢ فأما.. الخ هذه الفاء عاطفة لمفصل من الكلام على مجمل منه وهو قوله تعالى وترى كل أمة جاثية والبدأ بتفصيل المؤمنين تعجيلاً للمسرة لهم وتنويها لشأن الإيمان والعمل الصالح.
٣ إقحام لفظ (قوما) للدلالة على أن الإجرام صار خلقاً لهم مخالطاً لنفوسهم حتى صار مما يمقتون به ولولا هذا لقال بل كنتم مجرمين، دون ذكر (قوم) والاستفهام في قوله أفلم تكن آياتي للتقرير والتوبيخ.
٤ هذه الجملة تأكيد لجملة إن نظن إلا ظناً، والسين والتاء في بمستيقنين للمبالغة في عدم حصول الفعل.
٤- الظن في العقائد كالكفر بها، والعياذ بالله تعالى.
وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٣) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٣٤) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧)
شرح الكلمات:
وبدا لهم سيئات ما عملوا: أي ظهر لهم في يوم القيامة جزاء سيئات ما عملوه في الدنيا من الشرك والمعاصي.
وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون: أي نزل وأحاط بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به إذا ذكروا به وخوفوا منه في الدنيا.
وقيل اليوم ننساكم: أي وقال الله تعالى لهم اليوم ننساكم أي نترككم في النار.
كما نسيتم لقاء يومكم هذا: أي مثل ما نسيتم يومكم هذا فلم تعملوا له بما ينجي فيه وهو الإيمان والعمل الصالح، وترك الشرك والمعاصي.
ومأواكم النار: أي ومحل إقامتكم النار.
ومالكم من ناصرين: أي من ناصرين ينصرونكم بإخراجكم من النار.
ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله: أي ذلكم العذاب كان لكم بسبب كفركم واتخاذكم آيات الله هزواً.
هزواً: أي شيئا مهزؤاً به.
وغرتكم الحياة الدنيا: أي طول العمر والتمتع بالشهوات والمستلذات.
ولا هم يستعتبون: أي لا يؤذن لهم في الاستعتاب ليعتبوا فيتوبوا.
الأرض
وله الكبرياء في السموات والأرض: أي العظمة والحكم النافذ الناجز على من شاء.
وهو العزيز الحكيم: أي وهو العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبير خلقه.
معنى الآيات:
ما زال السياق في عرض مشاهد القيامة وبعض ما يتم فيها من عظائم الأمور لعل السامعين لها يتعظون بها فقال تعالى ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ ١يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي وظهر للمشركين المكذبين بالبعث والجزاء ظهر لهم وشاهدوا العذاب الذي كانوا إذا ذكروا به أو خوفوا منه استهزأوا به وسخروا منه. وقد حل بهم ونزل بساحتهم وأحاط بهم وقال لهم الرب تعالى اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا أي نترككم في عذاب النار كما تركتم العمل المنجي من هذا العذاب وهو الإيمان والعمل الصالح بعد التخلي عن الشرك والمعاصي. ومأواكم٢ النار أي هي مأواكم ودار إقامتكم ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ أي وليس لكم من ينصركم فيخلصكم من النار، وعلة هذا الحكم عليهم بينها تعالى بقوله ﴿ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللهِ هُزُواً٣ وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ أي حكم عليكم بالعذاب والخذلان بسبب اتخاذكم آيات الله الحاملة للحجج والبراهين الدالة على وجود الله ووجوب توحيده وطاعته هزواً أي شيئا مهزواً به، ﴿وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ بزخرفها وزينتها، وطول أعماركم فيها فلم تؤمنوا ولم تعملوا صالحا ينجيكم من هذا العذاب الذي حاق بكم اليوم. قال تعالى ﴿فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا﴾ وترك مخاطبتهم إشعاراً لهم بأنهم لا كرامة لله لهم اليوم فلم يقل فاليوم لا تخرجون منها، بل عدل عنها إلى قوله ﴿فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ أي لن يطلب منهم أن يعتبوا ربهم بالتوبة إليه، إذ لا توبة بعد الموت والرجوع إلى الدنيا غير ممكن في حكم الله وقضائه وهنا تعظم حسرتهم ويشتد العذاب عليهم ويعظم كربهم.
وقوله تعالى: ﴿فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ٤ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أي رب كل شيء ومليكه حمد نفسه، وقصر الحمد عليه بعد أن أنجز ما أوعد به الكافرين، وذكر موجب الحمد وهو سلطانه القاهر في السموات وفي الأرض، وقوله ﴿وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ٥﴾ أي العظمة والسلطان {في
٢ التعبير بالمأوى إشارة إلى تأييد الخلود فيها إذ المأوى مكان الإيواء والاستقرار ولا مكان غيره.
٣ الهزء مصدر كالخلق أطلق أريد به اسم المفعول أي مهزؤاً به.
٤ الفاء للتفريع فهذه الجملة (الحمد لله) والثناء عليه متفرع عما ورد في هذه السورة من مظاهر ربوبيته تعالى وألطافه إحسانه بإحقاق الحق وإبطال الباطل وعدله في قضائه بين عباده.
٥ تقديم الجار والمجرور في قوله فلله الحمد، وقوله وله الكبرياء مؤذن بالحصر والاختصاص والكبرياء هي الكبر الحق العظيم وهما الكمال في الذات والكمال في الصفات والوجود.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان أن الاستهزاء بآيات الله وشرائعه كفر موجب للعذاب.
٢- تقرير قاعدة الجزاء من جنس العمل، وكما يدين الفتى يدان.
٣- مشروعية الحمد عند الفراغ من أي عمل صالح أو مباح.