أهداف سورة الجاثية
سورة الجاثية مكية، نزلت في الفترة الأخيرة من حياة المسلمين بمكة، بعد الإسراء وقبيل الهجرة، وآياتها ٣٧ آية، نزلت بعد سورة الدخان، والسورة لها اسمان : سورة الجاثية، لقوله تعالى :﴿ وترى كل أمة جاثية... ﴾ ( الجاثية : ٢٨ ).
وسورة الشريعة لقوله تعالى :﴿ ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ﴾. ( الجاثية : ١٨ ).
الغرض من السورة
تحمل سورة الجاثية الدعوة إلى الإيمان بالله تعالى، والرد على الدهرية الذين لا يؤمنون به، وينكرون البعث بعد الموت، وقد دعت السورة إلى هذا تارة بالدليل، وتارة بالترهيب والترغيب، شأنها في ذلك شأن السورة السابقة، وشأن السورة التي ذكرت قبلها ووافقتها في هذا الغرض، كما وافقتها في الحروف التي ابتدأت بها، ولهذا ذكرت هذه السورة معها، وسميت مجموعة هذه السور بالحواميم، نسبة إلى بدايتها بقوله تعالى :﴿ حم ﴾.
وقال الفيروزبادي :
معظم مقصود سورة الجاثية هو : بيان حجة التوحيد، والشكاية من الكفار والمنكرين، وبيان النفع والضر والإساءة والإحسان١، وبيان شريعة الإسلام والإيمان، وتهديد العصاة والخائنين من أهل الإيمان، وذم متابعي الهوى، وذل الناس في المحشر، ونسخ كتب الأعمال من اللوح المحفوظ، وتأبيد الكفار في النار، وتحميد الرب المتعال بأوجز لفظ وأفصح مقال٢ في قوله :﴿ فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين ﴾. ( الجاثية : ٣٦ ).
سمات السورة
لاحظنا أن سورة الجاثية تتميز بقصر الآيات، وعنف الإيقاع كأنه مطارق تقرع القلوب، وسورة الجاثية بجوارها تسير في يسر وهوادة، وإيضاح هادئ، وبيان دقيق عميق.
والله سبحانه خالق القلوب، ومنزل هذا القرآن، يأخذ القلوب تارة بالقرع والطرق، وتارة باللمس الناعم الرفيق، وتارة بالبيان الهادئ الرقيق، حسب تنوعها هي واختلافها.
فمن الناس من ينفع معه الزجر والوعيد، ومنهم من يأسره التوجيه الهادئ الرشيد، والقلب الواحد يتقلب على حالات متعددة، والله يختار له ما يناسبه، وهو سبحانه اللطيف الخبير، السميع البصير، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :( اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك )، فقالت عائشة : يا رسول الله، أراك تكثر من هذا الدعاء، فقال النبي :( يا عائشة، إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمان يقلبها كيف يشاء )٣.
منهج السورة :
سورة الجاثية تصور جانبا من استقبال المشركين للدعوة الإسلامية، وطريقتهم في مواجهة حججها وآياتها، وتعنتهم في مواجهة حقائقها وقضاياها، وإتباعهم للهوى إتباعا كاملا في غير ما تحرج من حق واضح أو برهان ظاهر، كذلك تصور كيف كان القرآن يعالج قلوبهم الجامحة الشاردة مع الهوى، المغلقة دون الهدى، وهو يواجهها بآيات الله القاطعة، والعميقة التأثير والدلالة، ويذكرهم بعذابه، ويصور لهم ثوابه، ويقرر لهم سننه، ويعرفهم بنواميسه الماضية في هذا الوجود.
درسان في السورة :
سورة الجاثية وحدة في علاج موضوعها، وهذه الوحدة تشتمل على درسين :
الدرس الأول : يتناول أدلة الشرك بالتنفيذ، وأدلة الإيمان بالتوضيح والتأييد.
والدرس الثاني : يعرض عناد الكافرين في الدنيا، ثم يذكر أحوالهم في مشاهد القيامة.
١- شبهات الكفر، وأدلة الإيمان
تبدأ سورة الجاثية بهذين الحرفين : حم، والملاحظ أن هذه الأحرف يتبعها عادة الحديث عن القرآن، مما يشير إلى أنها نزلت لتنوه بهذا القرآن، وتستلفت الأنظار إلى خصائصه المتميزة، وتبرهن بذلك على أنه ليس من صنع بشر، وإنما هو من عند الله :﴿ تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ﴾. ( الجاثية : ٢ ).
وتعرض أدلة الإيمان والتوحيد، وتستلفت الأنظار إلى جلال الله، ودلائل قدرته في السماء والأرض، والخلق والدواب، والليل والنهار، والمطر والزرع والرياح، حتى تأخذ على النفس أقطارها، وتواجهها بالحجج والبراهين ساطعة واضحة، فتقول :﴿ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ( ٣ ) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ( ٤ ) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( ٥ ) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ( ٦ ) ﴾. ( الجاثية : ٣-٦ ).
ومن خلال الآيات التالية نرى فريقا من الناس مصرا على الضلالة، مكابرا في الحق، شديد العناد، سيء الأدب في حق الله وحق كلامه :﴿ ويل لكل أفاك أثيم * يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم ﴾. ( الجاثية : ٧، ٨ ).
ونرى جماعة من الناس، ربما كانوا من أهل الكتاب، سيئ التصوير والتقدير، لا يقيمون وزنا لحقيقة الإيمان الخالصة، ولا يحسون بالفارق الأصيل بينهم وهم يعلمون السيئات، وبين المؤمنين الذي يعملون الصالحات، والقرآن يشعرهم بأن هناك فارقا أصيلا في ميزان الله بين الفريقين :﴿ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ﴾. ( الجاثية : ٢١ ).
ونرى فريقا من الناس لا يعرف حكما يرجع إليه هواه، فهو إلهه الذي يعبده، ويطيع كل ما يراه، نرى هذا الفريق مصورا تصويرا فذًّا في هذه الآية التي تعجب من أمره، وتشهر بغفلته وعماه :﴿ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ﴾. ( الجاثية : ٢٢ ).
أرأيت كيف تناولت هذه السورة الهادئة أصناف المشركين و فرقهم المناوئة للدعوة، ويجوز أن يكون هؤلاء جميعا فريقا واحدا من الناس يصدر منه هذا وذاك، ويصفه القرآن في السورة هنا وهناك، كما يجوز أن يكونوا فرقا متعددة.
وعلى أية حال فقد واجه القرآن هؤلاء الناس بصفاتهم تلك وتصرفاتهم، وتحدث عنهم في هذه السورة ذلك الحديث، كذلك واجههم الله بآياته في الآفاق وفي أنفسهم، وفي البر والبحر، حيث يقول سبحانه :﴿ الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون * وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ﴾. ( الجاثية : ١٢، ١٣ ).
ويستغرق الدرس الأول من السورة الآيات من ( ١-٢٣ ).
٢- عناد الكافرين وعقابهم يوم الدين
يشمل الدرس الثاني من السورة الآيات من ( ٢٤-٣٧ )، ويبدأ بعرض أقوال المشركين عن الآخرة وعن البعث والحساب، ودعواهم بأن الأيام تمضي، والدهر ينطوي، فإذا هم أموات، والدهر في ظنهم هو الذي ينهي آجالهم، ويلحق بأجسامهم الموت فيموتون، وقد فقد القرآن هذه الدعوى، وبين أنها لا تستند إلى حقيقة أو يقين، وإذا قرعتهم الآيات الدالة على ثبوت البعث لم يجدوا لهم حجة إلا أن يقولوا :﴿ ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ﴾. ( الجاثية : ٢٥ ).
والله سبحانه له حكمة في خلق الناس، فقد خلقهم للاختبار والابتلاء في الدنيا، ثم يجازيهم في الآخرة، ولا يرجعهم إلى الدنيا قبل الموعد الذي قدره وفق حكمته العليا.
والله هو الذي يحيي وهو الذي يميت، فلا عجب إذن من أن يحيي الناس ويجمعهم إلى يوم القيامة، وهو سبحانه مالك السماوات والأرض، وهو القادر على الإنشاء والإعادة.
مشاهد القيامة
تعرض الآيات الأخيرة من سورة الجاثية مشاهد الآخرة، ظاهرة ملموسة للعين، ومن خلال الآيات نرى المشركين وقد جثوا على الركب، متميزين أمة أمة في ارتقاب الحساب المرهوب.
ثم يأخذون كتابهم وقد سجل كل شيء فيه، ونسخت فيه كل أعمالهم :﴿ وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون * هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ﴾. ( الجاثية : ٢٨، ٢٩ ).
ثم تنقسم الحشود الحاشدة والأمم المختلفة على مدى الأجيال إلى فريقين اثنين : الذين آمنوا، وهؤلاء يدخلهم ربهم في رحمته. والذين كفروا، وهؤلاء يلقون التشهير والتوبيخ جزاء عنادهم، وعندئذ تظهر أمامهم سيئات ما عملوا، ويحيق بهم المهانة والعذاب، ويسدل الستار عليهم، وقد أوصدت عليهم أبواب النار :﴿ ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون ﴾. ( الجاثية : ٣٥ ).
وهنا ينطلق صوت التحميد يعلن وحدة الربوبية في هذا الكون : سمائه وأرضه، إنسه وجنه، طيره ووحشه، وسائر ما فيه ومن فيه، فكلهم في رعاية رب واحد، له الكبرياء المطلق في هذا الوجود، وله العزة القادرة والحكمة المدبرة :﴿ فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين * وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ﴾. ( الجاثية : ٣٦، ٣٧ ).
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ حم ( ١ ) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ( ٢ ) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ( ٣ ) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ( ٤ ) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( ٥ ) ﴾المفردات :
حم : حرفان من حروف المعجم، أو أداة للتنبيه، أو للتحدي والإعجاز.
التفسير :
١- ﴿ حم ﴾ :
حرفان من حروف المعجم التي افتتح الله تعالى بها بعض السور للتنبيه، فهي بمثابة الجرس الذي يقرع فيتنبه التلاميذ لدخول المدرسة، أو للتحدي والإعجاز، أو للإشارة إلى أسماء الله تعالى أو صفاته، أو هي لجميع هذه المعاني، وغيرها مما سبق ذكره في أول سورة البقرة.
الكتاب : القرآن.
العزيز : القوي الغالب.
الحكيم : العالم المتقن للأمور، الذي يضع الشيء في موضعه.
التفسير :
٢- ﴿ تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ﴾ :
هذا القرآن تنزيل من الله، وحي أوحي به إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فهو هبة السماء للأرض، وهو منزل من عند الله، ﴿ العزيز ﴾ القوي في ملكه، ﴿ الحكيم ﴾ في صنعه، الذي لا يصدر عنه إلا كل ما فيه حكمة ومصلحة للعباد.
٣- ﴿ إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين ﴾.
إن في خلق السماوات وما فيها من أبراج وأفلاك وملائكة، وشموس وأقمار ونجوم وغير ذلك، وفي خلق الأرض وما فيها من جبال وبحار وأنهار ونبات، وإنسان وحيوان وطيور وطرق، ومعالم متعددة وغير ذلك لعلامات ودلائل وآيات ترشد الناس إلى الإيمان بأن هذه الصنعة الدقيقة لابد لها من خالق قادر حكيم متصف بالكمال، هو الله سبحانه وتعالى.
يبث : ينشر ويفرق، يقال : بث الخبر، يبثه، نشره وأذاعه.
دابة : كل ما دب على الأرض ومنها الإنسان، جمعها دواب.
التفسير :
٤- ﴿ وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون ﴾.
وفي خلق الإنسان وتقلبه من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى عظام، ثم إلى مخلوق كامل، ثم إلى وليد، ثم تدرجه إلى الشباب والكهولة والشيخوخة والموت، وما فرق الله في الأرض من أجناس الحشرات والطيور والسباع والوحوش، وما في البحر من الأصناف المتنوعة، إن في هذا كله لدلائل تزيد الإيمان يقينا وتأكيدا وصدقا، بأن خالق هذا الكون قدير حكيم، فعال لما يريد.
واختلاف الليل والنهار : تعاقبهما وتفاوت أحوالهما.
رزق : مطر يتسبب عنه الرزق.
أحيا به الأرض : أحياها بالزرع.
موتها : جفافها ويبسها.
تصريف الرياح : اختلاف أحوالها.
التفسير :
٥- ﴿ واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون ﴾.
وفي اختلاف الليل والنهار، من التعاقب والطول والقصر، والحر والقر، والنور والظلمة، وما يتبع ذلك من تغاير الفصول، واختلاف المنافع، وفيما نزل الله من السحاب من مطر تحيا به الأرض بعد جفافها، ويكون رزقا للإنسان والحيوان والطيور، وفي تصريف الرياح، فتهب مرة جنوبا وأخرى شمالا، وحينا صبا بالرحمة وماء السحاب، وحينا دبورا تبعث العذاب، وفيما تؤديه من تلقيح النبات، وتيسير سير السفن في الأنهار والمحيطات، إن في ذلك كله لعلامات واضحة لقوم يستخدمون عقولهم، ليعلموا أن لهذه الأشياء صانعا حكيما، وخالقا قادرا عظيما.
وقد أفاد فخر الدين الرازي في تفسيره أن هذه العلامات المتعددة بآيات الله، إذا نظر إليها الإنسان متأملا ؛ قاده ذلك إلى الإيمان، لذلك قال سبحانه في الآية الثالثة :﴿ إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين ﴾.
وإذا تأمل في خلقه وتدرجه في بطن أمه، وفي حياته طفلا ويافعا وشابا وشيخا، ازداد يقينا بهذا الإيمان، لذلك نجد الآية الرابعة :﴿ وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون ﴾.
وإذا تأمل في حركة الكرة الأرضية وحركة الشمس، وما يترتب على ذلك من اختلاف الليل والنهار، ونزول المطر، وتصريف الرياح بأنواعها المتعددة، كان ذلك وسيلة إلى يقين العقل والفكر بقدرة الخالق سبحانه، لذلك جاء في الآية الخامسة :﴿ واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون ﴾.
وقريب من هذا الكلام ما ذكره الجمل في حاشيته على الجلالين، حيث أفاد أن التعقيب كان على دلائل القدرة كالآتي :﴿ لآيات للمؤمنين ﴾. ثم :﴿ لقوم يوقنون ﴾. ثم :﴿ لقوم يعقلون ﴾. لأن الإنسان إذا نظر في هذا الخلق آمن، وإذا نظر في خلق نفسه ونموها ازداد إيمانا فأيقن، وإذا نظر في سائر الحوادث عقل واستحكم علمه، فاختلاف الفواصل الثلاث لاختلاف الآيات في الدقة والظهور.
﴿ تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ( ٦ ) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ( ٧ ) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( ٨ ) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ( ٩ ) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( ١٠ ) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ( ١١ ) ﴾
تمهيد :
هذه الآيات نزلت في النضر بن الحارث، الذي كان يشتري أحاديث الأعاجم، ويشغل بها الناس عن استماع القرآن، والآيات عامة في كل نموذج يصر على الباطل، ويقاوم الحق، ويستغل الكذب في تشويه الحق، وهو مستهزئ بآيات الله وكتابه.
التفسير :
٦- ﴿ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله و آياته يؤمنون ﴾.
هذه آيات الله وقرآنه المشتمل على قصص الأولين، وعلى الوحي والتشريع والآداب، وهدى السماء للأرض، متحليا بمخاطبة العقل والفكر، فإذا لم يؤمنوا بهذا الكتاب الحكيم المعجز، فبأي كتاب أو قصة أو دعوة للإيمان يؤمنون ؟ لقد جاءهم أعظم هدى فأنكروه وهو واضح هاد، ومن جحده وأنكره لن يجد مثله في الدعوة الحكيمة إلى الإيمان.
﴿ تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ( ٦ ) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ( ٧ ) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( ٨ ) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ( ٩ ) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( ١٠ ) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ( ١١ ) ﴾
تمهيد :
هذه الآيات نزلت في النضر بن الحارث، الذي كان يشتري أحاديث الأعاجم، ويشغل بها الناس عن استماع القرآن، والآيات عامة في كل نموذج يصر على الباطل، ويقاوم الحق، ويستغل الكذب في تشويه الحق، وهو مستهزئ بآيات الله وكتابه.
المفردات :
ويل : عذاب وهلاك.
أفاك : كذاب، وأصله : أفك الشيء، يأفكه أفكا، أي : صرفه عن وجهه، والكذب قول مصروف عن وجهه.
أثيم : مذنب كثير الإثم.
التفسير :
٧، ٨- ﴿ ويل لكل أفاك أثيم * يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم ﴾.
الهلاك في جهنم لكل كذاب مرتكب للإثم بمقاومة الإسلام، والصد عن القرآن، وإذا سمع آيات القرآن تتلى وتقرأ عليه لم يتفتح قلبه لاستقبالها والإيمان بها، بل يعرض عنها كأنه لم يسمعها، ولم تطرق مسامعه، فاحمل له البشارة بالعذاب الشديد في جهنم.
والبشارة تكون بالخبر السار، لكن الله تعالى سمى ذلك بشارة تهكما بهذا الكافر، أي : كما استهنت بأعظم كتاب فأبشر بأعظم عذاب.
يصر : يستمسك ويدوم ويثيب، من الإصرار.
فبشره : البشارة للخبر السار، واستعمالها في الشر تهكم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧:عناد المشركين
﴿ تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ( ٦ ) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ( ٧ ) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( ٨ ) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ( ٩ ) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( ١٠ ) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ( ١١ ) ﴾
تمهيد :
هذه الآيات نزلت في النضر بن الحارث، الذي كان يشتري أحاديث الأعاجم، ويشغل بها الناس عن استماع القرآن، والآيات عامة في كل نموذج يصر على الباطل، ويقاوم الحق، ويستغل الكذب في تشويه الحق، وهو مستهزئ بآيات الله وكتابه.
المفردات :
ويل : عذاب وهلاك.
أفاك : كذاب، وأصله : أفك الشيء، يأفكه أفكا، أي : صرفه عن وجهه، والكذب قول مصروف عن وجهه.
أثيم : مذنب كثير الإثم.
التفسير :
٧، ٨- ﴿ ويل لكل أفاك أثيم * يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم ﴾.
الهلاك في جهنم لكل كذاب مرتكب للإثم بمقاومة الإسلام، والصد عن القرآن، وإذا سمع آيات القرآن تتلى وتقرأ عليه لم يتفتح قلبه لاستقبالها والإيمان بها، بل يعرض عنها كأنه لم يسمعها، ولم تطرق مسامعه، فاحمل له البشارة بالعذاب الشديد في جهنم.
والبشارة تكون بالخبر السار، لكن الله تعالى سمى ذلك بشارة تهكما بهذا الكافر، أي : كما استهنت بأعظم كتاب فأبشر بأعظم عذاب.
﴿ تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ( ٦ ) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ( ٧ ) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( ٨ ) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ( ٩ ) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( ١٠ ) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ( ١١ ) ﴾
تمهيد :
هذه الآيات نزلت في النضر بن الحارث، الذي كان يشتري أحاديث الأعاجم، ويشغل بها الناس عن استماع القرآن، والآيات عامة في كل نموذج يصر على الباطل، ويقاوم الحق، ويستغل الكذب في تشويه الحق، وهو مستهزئ بآيات الله وكتابه.
المفردات :
اتخذها : الضمير لآياتنا.
هزوا : سخرية واستهزاء.
التفسير :
٩، ١٠- ﴿ وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين * من ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم ﴾.
كان أبو جهل أو النضر بن الحارث أو غيرهما يستهزئ بآيات القرآن، والمعنى : وإذا سمع من القرآن شيئا استهزأ به واستهان، وقاوم الإيمان به، فسيلقى عذابا مذلا مهينا في جهنم، من خلفه ومن أمامه جهنم يوم القيامة، وكلمة : وراء، اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف أو من قدام، فهي مشترك لفظي، تطلق على الشيء وضده، أي ستلحقه النار من أمامه ومن خلفه، ولن يجد نصيرا ينصره، ولن ينفعه الحرام الذي اكتسبه، واللهو الذي آثره على القرآن، كما أن الأصنام والأوثان التي عبدها لن تنقذه، ولن تقدم له أي منفعة، وقد أعد له عذاب عظيم مخيف مؤلم.
من ورائهم : الوراء : اسم الجهة التي يواريها الشخص من خلف وقدام.
أولياء : نصراء.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩:عناد المشركين
﴿ تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ( ٦ ) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ( ٧ ) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( ٨ ) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ( ٩ ) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( ١٠ ) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ( ١١ ) ﴾
تمهيد :
هذه الآيات نزلت في النضر بن الحارث، الذي كان يشتري أحاديث الأعاجم، ويشغل بها الناس عن استماع القرآن، والآيات عامة في كل نموذج يصر على الباطل، ويقاوم الحق، ويستغل الكذب في تشويه الحق، وهو مستهزئ بآيات الله وكتابه.
المفردات :
اتخذها : الضمير لآياتنا.
هزوا : سخرية واستهزاء.
التفسير :
٩، ١٠- ﴿ وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين * من ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم ﴾.
كان أبو جهل أو النضر بن الحارث أو غيرهما يستهزئ بآيات القرآن، والمعنى : وإذا سمع من القرآن شيئا استهزأ به واستهان، وقاوم الإيمان به، فسيلقى عذابا مذلا مهينا في جهنم، من خلفه ومن أمامه جهنم يوم القيامة، وكلمة : وراء، اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف أو من قدام، فهي مشترك لفظي، تطلق على الشيء وضده، أي ستلحقه النار من أمامه ومن خلفه، ولن يجد نصيرا ينصره، ولن ينفعه الحرام الذي اكتسبه، واللهو الذي آثره على القرآن، كما أن الأصنام والأوثان التي عبدها لن تنقذه، ولن تقدم له أي منفعة، وقد أعد له عذاب عظيم مخيف مؤلم.
﴿ تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ( ٦ ) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ( ٧ ) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( ٨ ) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ( ٩ ) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( ١٠ ) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ( ١١ ) ﴾
تمهيد :
هذه الآيات نزلت في النضر بن الحارث، الذي كان يشتري أحاديث الأعاجم، ويشغل بها الناس عن استماع القرآن، والآيات عامة في كل نموذج يصر على الباطل، ويقاوم الحق، ويستغل الكذب في تشويه الحق، وهو مستهزئ بآيات الله وكتابه.
المفردات :
الرجز : أشد العذاب، ويطلق أيضا على القذر كالرجس.
التفسير :
١١- ﴿ هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم ﴾.
أي : القرآن الكريم مصدر هداية أو هو نفس الهداية، والدعوة إلى الرشاد والإيمان، أما الذين كفروا بالقرآن وكذبوا بآيات الله، فلهم عذاب مؤلم مذل مهين.
قال الزمخشري : الزجر أشد العذاب.
وجاء في ظلال القرآن ما يأتي :
﴿ هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم ﴾.
إن حقيقة هذا القرآن أنه هدى، هدى خالص مصفى، هدى ممحض لا يشوبه ضلال، فالذي يكفر بعد ذلك بالآيات -وهذه حقيقتها- يستحق ألم العذاب، الذي يمثله توكيد معنى الشدة والإيلام، فالرجز هو العذاب الشديد، والعذاب الذي يهددون به هو عذاب من رجز أليم، تكرار بعد تكرار، وتوكيد بعد توكيد يليق بمن يكفر بالهدى الممحض الصريح٤.
﴿ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( ١٢ ) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( ١٣ ) قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( ١٤ ) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ( ١٥ ) ﴾
تمهيد :
في هذه الآيات ذكر لألوان النعم التي أنعم الله بها على عباده، وفيها دعوة إلى الصفح والعفو.
المفردات :
سخر : ذلل.
الفلك : السفينة.
الابتغاء : الطلب.
التفسير :
١٢- ﴿ الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ﴾.
ما أجل نعم الله تعالى على الإنسان، فهذا المخلوق البسيط يسر الله له طائفة من النعم، ومنها هذا البحر الهائج المائج المتلاطم الأمواج، الممتد الكبير، يسخره الله للإنسان، ويجعل سطح الماء سائلا أملس، قابلا لأن تجري عليه السفينة المكونة من ألواح الخشب، تحركها الرياح أو الفحم أو الكهرباء، وفي ذلك نجد عددا من الموافقات تتم في الكون مثل شدة الحرارة، وحركة الشمس، وتسخير الهواء والماء، وصناعة السفن، وإلهام الإنسان الاستفادة من هذه النعم، ولينقل البضائع والتجارة من بلد لآخر حتى يستفيد الجميع، ولعلهم يشكرون خالقهم وصاحب الأنعم المتعددة عليهم.
﴿ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( ١٢ ) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( ١٣ ) قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( ١٤ ) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ( ١٥ ) ﴾
تمهيد :
في هذه الآيات ذكر لألوان النعم التي أنعم الله بها على عباده، وفيها دعوة إلى الصفح والعفو.
التفسير :
١٣- ﴿ وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ﴾.
أي : سخر لكم أيضا ما في السماء من أبراج وأفلاك، وشموس وأقمار ونجوم، وليل ونهار، وما في الأرض من بحار وأنهار وأشجار، وجبال وزروع ونبات وحيوان، هذا وغيره مما نشاهده صباح مساء، قد سخره الله بفضله وأنعمه وتيسيره، مما يستدعي النظر والتأمل والتفكر في أدلة القدرة العالية.
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد
﴿ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( ١٢ ) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( ١٣ ) قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( ١٤ ) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ( ١٥ ) ﴾
تمهيد :
في هذه الآيات ذكر لألوان النعم التي أنعم الله بها على عباده، وفيها دعوة إلى الصفح والعفو.
المفردات :
يغفروا : يعفوا ويصفحوا.
لا يرجون أيام الله : لا يتوقعون وقائعه بأعدائه ونقمته عليهم.
ليجزي قوما : ليكافئ المؤمنين الغافرين.
التفسير :
١٤- ﴿ قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ﴾.
هذه السورة مكية، وكان عدد المسلمين في مكة مائتي رجل وامرأة، فأمرهم الله بالصبر والاحتمال في فترة الضعف، ثم لما استمر عناد المشركين، وقوى عود المسلمين، أمرهم الله بالجهاد والجلاد في المدينة.
قال الزركشي في البرهان :
وليس هذا من النسخ ولكنه من باب التدرج في التشريع، فكلما كان المسلمون ضعافا أمروا بالصبر والاحتمال، وكلما كانوا أقوياء أمروا بالجهاد، وقد تعددت أقوال العلماء في سبب نزول هذه الآية، فقيل : إنها نزلت في عمر بن الخطاب، شتمه مشرك من غفار بمكة قبل الهجرة، فهم أن يبطش به، فنزلت هذه الآية.
وروى الواحدي والقشيري عن ابن عباس :
أن الآية نزلت في عمر بن الخطاب مع عبد الله بن أبي، في غزوة بني المصطلق، فإنهم نزلوا على بئر يقال لها : المُرَيْسِيع، فأرسل عبد الله غلامه ليسقي فأبطأ عليه، فقال : ما حسبك ؟ قال : غلام عمر قعد على فم البئر، فما ترك أحدا يسقي حتى ملأ قرب النبي صلى الله عليه وسلم، وقرب أبي بكر، وملأ لمولاه، فقال عبد الله : ما مثلنا ومثل هؤلاء، إلا كما قيل :( سمن كلبك يأكلك ) فبلغ عمر قوله، فاشتمل على سيفه يريد التوجه إليه ليقتله، فأنزل الله هذه الآية، وقيل غير ذلك في سبب نزولها، لكن العبرة في الآية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهي دعوة عامة للمؤمنين أن يصفحوا ويغفروا، ويسامحوا هؤلاء المشركين الذين لا يتوقعون وقائع الله تعالى، ولا يخافون نقمته عليهم لكفرهم، كما انتقم الله منهم في بدر وأمثالها، وكما ينتقم منهم يوم القيامة، فيجزيهم على قبيح أفعالهم عند الحساب والجزاء، فالجزاء عادل يوم القيامة.
﴿ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( ١٢ ) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( ١٣ ) قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( ١٤ ) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ( ١٥ ) ﴾
تمهيد :
في هذه الآيات ذكر لألوان النعم التي أنعم الله بها على عباده، وفيها دعوة إلى الصفح والعفو.
المفردات :
ومن أساء فعليها : أي ومن أساء فعلى نفسه أساء.
التفسير :
١٥- ﴿ من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون ﴾.
من عمل من عباد الله عملا صالحا في الدنيا ثواب ذلك على نفسه، ومن ارتكب سوءا أو شرا فضرره عائد عليها، ولا يكاد يسري جزاء عمل إلى غير عامله، ثم تعودون إلى الله يوم القيامة، فيجازي كل إنسان بما عمل، المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، قال تعالى :﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾. ( الزلزلة : ٧، ٨ ).
﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ١٦ ) وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ( ١٧ ) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ( ١٨ ) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ( ١٩ ) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ( ٢٠ ) ﴾
تمهيد :
ذكر تعالى بعض نعمه على بني إسرائيل، ثم نعمته على البشرية عامة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، المشتملة على الهداية والرحمة، وإنارة البصائر، وهداية القلوب.
المفردات :
الكتاب : المراد به التوراة، أو الكتب التي نزلت على أنبيائهم، مثل التوراة والزبور والإنجيل.
الحكم : القضاء بين الناس، أو الفقه في الدين.
وفضلناهم : فضلناهم على عالمي زمانهم الوثنيين.
التفسير :
١٦- ﴿ ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين ﴾.
أنعم الله على بني إسرائيل بالعديد من النعم، ومن هذه النعم ما يأتي :
( أ ) التوراة وسائر الكتب السماوية السابقة اللاحقة، كالزبور والإنجيل والصحف، التي أنزلها الله على رسله، كما أعطاهم الفهم للدين ولعلوم الشريعة، وجعل فيهم عددا كبيرا من الأنبياء، ومنهم من أوتي الملك والنبوة مثل داود وسليمان.
( ب ) رزقهم الله رزقا طيبا كالمن والسلوى والسمك، وغير ذلك من أرزاق البر والبحر.
( ج ) فضلهم الله على عالمي زمانهم من المشركين، فلما أنزل الله الرسالة الخاتمة، وأرسل النبي الخاتم، انتقلت الأفضلية إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى :﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا... ﴾ ( البقرة : ١٤٣ ).
واليهود يهتمون بذكر تفضيلهم على العالمين، وعند استعراض آيات القرآن الكريم نجد أن هذا التفضيل كان بسبب إتباعهم لموسى، وعملهم بتعاليم التوراة وطاعتهم لله، فلما حرفوا التوراة وخالفوا أمر الله، غضب الله عليهم ولعنهم، كما سنجد في الآيات اللاحقة أن الله أعطاهم البينات والمعجزات الواضحة، مثل فلق البحر، والآيات التسع التي أعطيت لموسى، لكنهم اختلفوا طمعا في مناصب الدنيا.
﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ١٦ ) وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ( ١٧ ) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ( ١٨ ) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ( ١٩ ) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ( ٢٠ ) ﴾
تمهيد :
ذكر تعالى بعض نعمه على بني إسرائيل، ثم نعمته على البشرية عامة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، المشتملة على الهداية والرحمة، وإنارة البصائر، وهداية القلوب.
المفردات :
بينات من الأمر : أدلة في أمر الدين، ويندرج فيها المعجزات التي جاء بها موسى عليه السلام.
بغيا : حسدا وعنادا.
التفسير :
١٧- ﴿ وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ﴾.
أعطينا بني إسرائيل شريعة واضحة بينة، فيها الأوامر والنواهي، والحلال والحرام، هذا الوضوح والبيان، والعلم بما أحل الله وبما حرمه، كان يقتضي منهم السير صفا واحدا على الطريق الواضح، والصراط المستقيم، بيد أنهم اختلفوا وتفرقوا شيعا، بعد أن جاءهم العلم بالحق، وسبب الاختلاف هو الحسد والبغي طمعا في مناصب الدنيا وشهواتها، فانظر كيف كان العلم بأحكام الله، وتبين شريعته سببا في تفرقهم، وكان الأصل أن يكون سبب وحدتهم، لأن العلم إذا وجد قلبا نقيا، كان العلم كالماء يفيد الأرض الطيبة فينمي بذرتها، أما العلم إذا وجد قلبا غافلا غارقا في الشهوات، فإن هذا العلم يكون وبالا على صاحبه، كالماء إذا وجد أرضا سبخة مريضة، فإنها لا تمسك الماء ولا تنبت الكلأ.
لقد اختلفوا بعد أن جاءهم العلم واليقين بصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلموا من التوراة وغيرها صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه يولد في مكة، ويهاجر إلى يثرب، وأنه خاتم الرسل وآخرهم، وأنه لا يقابل السيئة بالسيئة لكن يعفو ويصفح، وقد استوضحوا صفاته بعد هجرته إلى المدينة، لكنهم كفروا به ظلما وبغيا وعدوانا.
قال تعالى :﴿ فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به... ﴾ ( البقرة : ٨٩ ).
وقال عز شأنه :﴿ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ﴾. ( البينة : ٤ ).
وفي الآخرة نجد القضاء العادل من الإله العليم الحكيم، المطلع على الخفايا والأسرار، فيتم الحكم بالعدل، وإنصاف المظلوم وعقوبة الظالم.
﴿ إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ﴾.
إن عدالة الله ستقضي بينهم فيما اختلفوا فيه.
وفي سورة الزمر يقول الله تعالى :﴿ قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ﴾. ( الزمر : ٤٦ ).
وفي هذا تحذير للأمة الإسلامية من أن تسلك مسلكهم، وأن تسير على نهجهم.
قال تعالى :﴿ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ﴾. ( الأنفال : ٤٦ ).
﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ١٦ ) وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ( ١٧ ) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ( ١٨ ) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ( ١٩ ) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ( ٢٠ ) ﴾
تمهيد :
ذكر تعالى بعض نعمه على بني إسرائيل، ثم نعمته على البشرية عامة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، المشتملة على الهداية والرحمة، وإنارة البصائر، وهداية القلوب.
المفردات :
شريعة : منهاج وطريقة في أمر الدين، وأصل الشريعة : مورد الماء في الأنهار ونحوها، وشريعة الدين يرد منها الناس إلى رحمة الله والقرب منه.
الأهواء : ما لا حجة عليه من آراء الجهال التابعة للشهوات.
التفسير :
١٨- ﴿ ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ﴾.
ثم أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم برسالة عامة للناس أجمعين، وهي شريعة واضحة سهلة سمحة من أمر الدين، فاتبع هذه الشريعة واثبت على أمر الله، واصبر على تبليغ الدعوة، ولا تتبع أهواء كفار مكة الذين قالوا له : ارجع إلى دين آبائك، كذلك لا تتبع أهواء اليهود الذين يكتمون الحق، أو لا تتبع أهواء أي صاحب هوًى من المشركين أو اليهود أو غيرهم.
قال المفسرون : والشريعة في كلام العرب : الموضع الذي يرد منه الناس في الأنهار ونحوها، فشريعة الله حيث يرد الناس منها أمر الدين، ورحمته تعالى والتقرب إليه.
﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ١٦ ) وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ( ١٧ ) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ( ١٨ ) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ( ١٩ ) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ( ٢٠ ) ﴾
تمهيد :
ذكر تعالى بعض نعمه على بني إسرائيل، ثم نعمته على البشرية عامة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، المشتملة على الهداية والرحمة، وإنارة البصائر، وهداية القلوب.
التفسير :
١٩- ﴿ إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين ﴾.
الآية تعليل لقوله سبحانه :﴿ ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ﴾.
أي : فهؤلاء أصحاب الهوى والشهوات، إن اتبعتهم لن يدفعوا عنك من عذاب الله شيئا، ولو كان لهم نفع لنفعوا أنفسهم.
﴿ وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض... ﴾
أي : إن المتجاوزين حدود الله، والخارجين على أوامره، بعضهم أعوان لبعض على الباطل، فلا توالهم بإتباع أهوائهم فهم في خسران، ودم على طاعتك لله وتبليغ شريعته، فإنه سبحانه ولي المتقين، يرعاهم ويؤيدهم بنصره، وأنت إمام للمتقين.
﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ١٦ ) وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ( ١٧ ) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ( ١٨ ) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ( ١٩ ) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ( ٢٠ ) ﴾
تمهيد :
ذكر تعالى بعض نعمه على بني إسرائيل، ثم نعمته على البشرية عامة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، المشتملة على الهداية والرحمة، وإنارة البصائر، وهداية القلوب.
المفردات :
هذا : القرآن.
بصائر للناس : معالم للدين بمنزلة البصائر في القلوب.
التفسير :
٢٠- ﴿ هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون ﴾.
هذه رسالة الإسلام، وآيات القرآن، علامة هداية، ونور يضيء طريق الإيمان، ويبصر القلوب بطاعة الرحمان، فقد اختلف أهل الكتاب من بعد ما جاءهم العلم، ثم أنزل الله عليك القرآن هداية ورحمة، وتبصرة بمعالم الدين، وأحكام الحلال والحرام، وتشريعا لأحكام الله، وتبصيرا للناس بدين الله، وفي القرآن هداية ورحمة، لاشتماله على ألوان الهداية، من التشريع والقصص، وصفات الله وكمالاته، وبيان ألوان الهداية التي يتفضل الله بها على عباده، برحمته وفضله، وحنانه ومغفرته، وتوفيقه وألطافه، وسائر معونته لعباده الذين يوقنون بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ( ٢١ ) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ( ٢٢ ) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ( ٢٣ ) ﴾
سبب النزول :
روى الكلبي في تفسيره أن عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، قالوا لعلي وحمزة وجمع من المؤمنين : والله ما أنتم على شيء، ولو كان ما تقولونه حقا، لكان حالنا أفضل من حالكم في الآخرة، كما هو أفضل في الدنيا، فنزل قوله تعالى :﴿ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات... ﴾
المفردات :
اجترحوا السيئات : اكتسبوا الكفر والمعاصي.
ساء ما يحكمون : قبح ما يقضون به.
التفسير :
٢١- ﴿ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ﴾.
زعم الكافرون أن القيامة إذا قامت فإن لهم منزلة سامية عند الله، كما كانوا في الدنيا، فسيكونون كذلك في الآخرة، وقد رد الله عليهم بأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات قد أطاعوا الله وأطاعوا رسوله، فاستحقوا رضوان الله في الدنيا، وجنته في الآخرة، أما الكافرون فقد خالفوا أمر الله وكذبوا رسوله، فاستحقوا غضب الله في الدنيا، وعذاب النار في الآخرة.
قال الزمخشري :
المعنى : إنكار أن يستوي المحسنون والمسيئون محيا، وأن يستووا مماتا، لافتراق أحوالهم في ذلك، والآية متضمنة للرد على الكفار، كما يعرف بأدنى تدبر، لأن الله إذا أنكر عليهم المساواة، فكيف بالأفضلية ؟
المؤمنون عملوا أعمالا صالحة، فحافظوا على الإيمان والطاعة، وابتعدوا عن معصية الله، والكافرون اقترفوا المعاصي والفسوق في الدنيا، وإذا لم يستويا في الدنيا عملا، فلن يستويا في الآخرة في الجزاء.
وقد جاء هذا المعنى في سورة السجدة، قال تعالى :﴿ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون * أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون * وأما الذين فسقوا فمأواهم النار... ﴾ ( السجدة : ١٨-٢٠ ).
وقال تعالى :﴿ لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ﴾. ( الحشر : ٢٠ ).
ومعنى الآية :
﴿ ساء ما يحكمون ﴾.
أي : ساء ما ظنوا، وبعد أن نساوي بين الأبرار والفجار في الآخرة، وفي هذه الدار.
قال مجاهد :
المؤمن يموت مؤمنا ويبعث مؤمنا، والكافر يموت كافرا ويبعث كافرا، نقله القرطبي في تفسيره.
وقد كان الصحابة والتابعون يرددون هذه الآية هضما لأنفسهم، وترغيبا لأنفسهم في الحسنات، وتزهيدا في السيئات، فقد أخرج الطبراني، عن أبي الضحى، عن مسروق أن تميما الداري قام ليلة حتى أصبح يردد هذه الآية :﴿ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات... ﴾
وكان الفضيل بن عياض يقول لنفسه إذا قرأها : ليت شعري، من أي الفريقين أنت ؟
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ( ٢١ ) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ( ٢٢ ) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ( ٢٣ ) ﴾
سبب النزول :
روى الكلبي في تفسيره أن عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، قالوا لعلي وحمزة وجمع من المؤمنين : والله ما أنتم على شيء، ولو كان ما تقولونه حقا، لكان حالنا أفضل من حالكم في الآخرة، كما هو أفضل في الدنيا، فنزل قوله تعالى :﴿ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات... ﴾
التفسير :
٢٢- ﴿ وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزي كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ﴾.
بالعدل قامت السماوات والأرض، والكون كله خاضع لأمر الله خضوع القهر والغلبة، وهذا الكون يسبح بحمد الله، وهو نغمة متناسقة خاشعة خاضعة، مسبحة بحمد الله، مستجيبة لأمره، فالإنسان العابد الطائع متناسق مع الكون، خاضع لأمر الله، والكافر العاصي، والفاجر الفاسق الخارج على أوامر الله، هؤلاء نغمة نشاز في هذا الكون، من أجل ذلك كان لابد من دار جزاء، يثاب فيها الطائع، ويعاقب العاصي ؛ لأن خلق الكون بالعدل والحق يؤدي إلى أن تجزى كل نفس بما كسبت، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، تلك قوانين العادلة والإنصاف، ولا يظلم ربك أحدا.
قال تعالى :﴿ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ﴾. ( الأنبياء : ٤٧ ).
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ( ٢١ ) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ( ٢٢ ) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ( ٢٣ ) ﴾
سبب النزول :
روى الكلبي في تفسيره أن عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، قالوا لعلي وحمزة وجمع من المؤمنين : والله ما أنتم على شيء، ولو كان ما تقولونه حقا، لكان حالنا أفضل من حالكم في الآخرة، كما هو أفضل في الدنيا، فنزل قوله تعالى :﴿ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات... ﴾
المفردات :
من اتخذ إلهه هواه : من اتخذ هواه معبودا له، فخضع له وأطاعه.
وأضله الله على علم : أضله الله وسلب عنه الهدى بعد بلوغ العلم إليه وقيام الحجة عليه.
قال ابن كثير : ويحتمل معنى آخر هو : أضله الله لعلمه أنه يستحق ذلك.
وختم على سمعه وقلبه : أغلق منافذ الهداية عنده، فهو لا يقبل ما ينفعه مما يسمعه، ولا يقبل حقا لإصراره على كفره.
وجعل على بصره غشاوة : غطاء أو ظلمة فلا يبصر دواعي الهدى.
فمن يهديه من بعد الله : فمن يهديه من بعد إعراض الله عنه ؟ أي : لا أحد يهديه.
أفلا تتذكرون : أتتركون النظر فلا تتعظون.
التفسير :
٢٣- ﴿ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ﴾.
مع أن الكون كله قد خلق بالحق والعدل، وهو يسبح بحمد الله تسبيح طائع لله، ملتزم بأوامره وقوانينه، فإنك تعجب حين تجد الكافر الذي يشذ عن عبادة الله، فيعبد الهوى والصنم والشهوة، فهو أسير هواه وشهواته، وقد سلب الله عنه الهدى والتوفيق، فاختار الضلالة مع علمه بأنها ضلالة، كما قال سبحانه :﴿ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ﴾. ( النمل : ١٤ ).
أو أضله الله عالما بحاله، وأنه يؤثر الهوى على الحق، لذلك سلب عنه الهدى والتوفيق، وتركه ضالا متحيرا، فلا يسمع ما يفيده، ولا يتأمل بقلبه في أسباب الهدى، ولا يتأمل ببصره في ملكوت السماوات والأرض.
﴿ فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ﴾.
إن الهدى هدى الله، وإذا كان الله تعالى قد سلب عنه الهدى والتوفيق، فمن يملك له أسباب الهداية بعد أن سلبها الله عنه ؟ إن هذا لأمر يستحق التفكر والتذكر.
قال الألوسي : والكلام على التمثيل. اه.
أي أن الله شبه إعراض الكافر عن الحق، وتعاميه عن الهدى، وتصاممه عن سماع القرآن، بمن فقد هذه الحواس.
وقريب من ذلك قوله تعالى :﴿ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ﴾. ( الأعراف : ١٧٩ ).
وجاء في حاشية الجمل على الجلالين ما يأتي :
وصف الله تعالى الكفار بأربعة أوصاف :
الأول : عبادة الهوى.
الثاني : ضلالهم على علم.
الثالث : الطبع على أسماعهم وقلوبهم.
الرابع : جعل الغشاوة على أبصارهم.
وكل وصف من هذه الأوصاف مقتض للضلالة، فلا يمكن إيصال الهدى إليهم بوجه من الوجوه.
من تفسير القرطبي
ذكر القرطبي في تفسير قوله تعالى :﴿ وختم على سمعه وقلبه... ﴾
قال مقاتل : نزلت في أبي جهل، ذلك أنه طاف بالبيت ذات ليلة، ومعه الوليد بن المغيرة، فتحدثا في شأن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو جهل : والله إني لأعلم أنه صادق، فقال له : مَهْ، وما دلك على ذلك ؟ قال : يا أبا عبد شمس كنا نسميه في صباه الصادق الأمين، فلما ثم عقله وكمل رشده نسميه الكذاب الخائن، والله إني لأعلم أنه صادق، قال : فما يمنعك أن تصدقه وتؤمن به ؟ قال : تتحدث عني بنات قريش أني اتبعت يتيم أبي طالب من أجل كسرة، واللات والعزى لا أتبعه أبدا، فنزلت :﴿ وختم على سمعه وقلبه... ﴾٥.
وقد أورد القرطبي في تفسيره لهذه الآية عشرة آيات في ذم الهوى، والدعوة إلى مخالفة هوى النفس، وإتباع العلم والدين، ومن ذلك قول عبد الله بن المبارك :
ومن البلايا للبلاء علامة | ألا يرى لك عن هواك نزوع |
العبد عبد النفس في شهواتها | والحر يشبع تارة ويجوع |
﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ( ٢٤ ) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( ٢٥ ) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ( ٢٦ ) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ( ٢٧ ) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٢٨ ) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٢٩ ) ﴾
تمهيد :
ذكر تعالى شبه الكافرين وما يرون أنه حجة في ظنهم، واعتقادهم أن هذه الحياة الدنيا هي كل شيء، وما يميتهم إلا تتابع الليل والنهار، فيموت أقوام ويولد آخرون، ولا بعث ولا حشر ولا حساب ولا جزاء، وحجتهم تتلخص في طلب إحياء آبائهم بعد أن ماتوا، والله تعالى جعل الدنيا للعمل دون الحساب، والآخرة للحساب دون العمل.
وقدم القرآن أدلة على وجوب البعث، منها أن الله قد بدأ الخلق، والإعادة أهون من البدء، ثم إن الله له ملك السماوات والأرض، وهذا المالك سيبعث الأموات أحياء يوم القيامة، وعندئذ نجد كل جماعة من الناس جاثية على ركبها، مستوفزة من الهول، ويتم الحساب والجزاء، وقد سجل الملائكة والحفظة أعمال كل إنسان في كتاب ينطق عليه بما عمل.
المفردات :
ما هي إلا حياتنا الدنيا : ما الحياة إلا حياتنا الدنيا التي نحياها.
نموت ونحيا : يموت بعض ويولد آخرون، ولا ميعاد ولا قيامة.
وما يهلكنا إلا الدهر : وما يهلكنا إلا مرور الزمان.
إن هم إلا يظنون : ما هم إلا قوم يتوهمون.
التفسير :
٢٤- ﴿ وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ﴾.
قال المشركون : لا بعث ولا حشر ولا حساب ولا جزاء، وليست هناك حياة آخرة، وإنما الموجود هو الحياة الدنيا فقط، نعيش فيها مدة ثم نموت ثم نحيا في أبنائنا والأجيال التي تأتي من بعدنا، وما يهلكنا إلا كرّ الأيام وتتابع الليالي، وهي فكرة خاطئة لا تعتمد على شرع نزل بذلك، ولا على يقين مؤكد مثل : ١+١=٢، إنما هو ظن ظنه أهل الجاهلية، والدهر أو الأيام والليالي ليست هي التي تميت، ولو كان ذلك كذلك لمات الناس جميعا في سن معينة، لكن الموت يأتي على الصغير كما يأتي على الكبير، ويأتي على القوي كما يأتي على الضعيف، ويأتي على الشيخ كما يأتي على الشاب، ويأتي على السليم كما يأتي على المريض، فالأجل عند الله في كتاب في اللوح المحفوظ.
يذكر المفسرون في هذه الآية والآية السابقة عليها الرد على الدهرية، وهم قوم من العرب كانوا يقولون : إنما يهلكنا الليل والنهار ودورة الزمان، وينسبون الحياة والموت إلى الدهر، وإذا أصابهم مكروه سبوا الدهر، ووجد من غيرهم من الطوائف من يوافقهم على ذلك، منهم جمهور الفلاسفة الدهريين والملاحدة في كل زمان، حيث ينسبون الحياة وتنوع أشكالها إلى التطور الذي استمر ملايين السنين، وفي اعتقادهم أن ليس وراء ذلك قوة مدبرة مبدعة خلاقة، وأن الأمر لا يعدو أن يكون صدفة، ومنهم من ينتسب إلى الإسلام لكنه في كتاباته العلمية يجاري هؤلاء ويخجل أن يذكر نسبة الخلق إلى خالق مبدع، وربما قال : الطبيعة هي التي أبدعت وصنعت، ولو سئل عن الطبيعة : ألها فكر ؟ لما كان لديه جواب، وهم كما قال تعالى :﴿ وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ﴾. ( الجاثية : ٢٤ ).
وإلا فأين الأسلوب العلمي في نسبة حدوث هذه المخلوقات العجيبة، بما فيها من الأجهزة العلمية الدقيقة التي تتكامل لتؤدي وظائف معينة على أكمل ما يكون، كيف تنسب إلى الصدفة أو الطبيعة غير العاقلة ؟ سبحان الله ! كيف يعمي الهوى الأبصار والبصائر٧.
من دلائل الإيمان
الإيمان فطرة في الإنسان، ودليل اليقين والهدوء النفسي، وبه جاءت الرسل والكتب، وأثبتت الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية أن المؤمنين أقدر على الصبر والتماسك في الشدائد، وأقدر على الشكر والتعاون والتصدق ومساعدة الآخرين في السراء والضراء، والإيمان سند وعون في الملمات، ووسيلة لإتباع مكارم الأخلاق، والبعد عن المعاصي والقبائح، ولو لم يكن ما أرسل به الرسل دينا لكان في دنيا الناس شيئا عظيما، إن دلائل الإيمان شواهد في خلق السماء والأرض والنجوم والجبال والنبات والأشجار والإنسان والحيوان والشمس والقمر والهواء والماء، وكل ما تراه العين يدل على إبداع الخالق سبحانه بديع السماوات والأرض.
قال تعالى :﴿ الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور... ﴾ ( الأنعام : ١ ).
﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ( ٢٤ ) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( ٢٥ ) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ( ٢٦ ) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ( ٢٧ ) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٢٨ ) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٢٩ ) ﴾
تمهيد :
ذكر تعالى شبه الكافرين وما يرون أنه حجة في ظنهم، واعتقادهم أن هذه الحياة الدنيا هي كل شيء، وما يميتهم إلا تتابع الليل والنهار، فيموت أقوام ويولد آخرون، ولا بعث ولا حشر ولا حساب ولا جزاء، وحجتهم تتلخص في طلب إحياء آبائهم بعد أن ماتوا، والله تعالى جعل الدنيا للعمل دون الحساب، والآخرة للحساب دون العمل.
وقدم القرآن أدلة على وجوب البعث، منها أن الله قد بدأ الخلق، والإعادة أهون من البدء، ثم إن الله له ملك السماوات والأرض، وهذا المالك سيبعث الأموات أحياء يوم القيامة، وعندئذ نجد كل جماعة من الناس جاثية على ركبها، مستوفزة من الهول، ويتم الحساب والجزاء، وقد سجل الملائكة والحفظة أعمال كل إنسان في كتاب ينطق عليه بما عمل.
المفردات :
ما كان حجتهم : ما كان قولهم الذي ساقوه مساق الحجة، وليس بحجة.
ائتوا بآبائنا : أحضروا آباءنا أحياء في هذه الدنيا بعد أن ماتوا.
التفسير :
٢٥- ﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ﴾.
إذا قرئت عليهم آيات القرآن واضحات بينات، وفيها دلائل التوحيد وأخبار السابقين، وتشريع المؤمنين وبيان العقائد والعبادات والمعاملات ؛ لجأوا إلى الجدال بالباطل، فقد اقترحوا على النبي صلى الله عليه وسلم عددا من الاقتراحات من بينها ما يأتي :
( أ ) إبعاد الجبال عن مكة، وتسخير أرضها بالينابيع والخضرة مثل أرض الشام.
( ب ) إحياء رجلين ممن مات من آبائهم، منهما قصي بن كلاب، حتى يسألوه عن البعث بعد الموت وهل هو حق، ويسألوه : هل محمد صادق في دعواه الرسالة ؟
وهنا حكى القرآن قولهم وهو شبهة، وسماها القرآن حجة بناء على زعمهم أو تهكما بهم.
والمقصود من الآية :
إذا دعوتهم إلى الإيمان وقرأت عليهم آيات القرآن ؛ لم تكن لديهم وسيلة إلى الرفض إلا الجدال بالباطل، وطلبهم أن تبعث لهم من مات من آبائهم إن كنت صادقا في أن البعث حق.
والله تعالى قد حدد للبعث وقتا، وجعل ذلك ناموسا من نواميس الحياة، حتى لا يكون الخلق عبثا وباطلا، فلابد من دار يكون فيها الحساب والجزاء، أما أن يكون البعث وسيلة للتسلية، أو اقتراحا يقترحه أهل مكة، فالله لا يعجل لعجلة العباد، ولا يغير النواميس من أجل اقتراح الأشخاص.
يذكر المفسرون في هذه الآية والآية السابقة عليها الرد على الدهرية، وهم قوم من العرب كانوا يقولون : إنما يهلكنا الليل والنهار ودورة الزمان، وينسبون الحياة والموت إلى الدهر، وإذا أصابهم مكروه سبوا الدهر، ووجد من غيرهم من الطوائف من يوافقهم على ذلك، منهم جمهور الفلاسفة الدهريين والملاحدة في كل زمان، حيث ينسبون الحياة وتنوع أشكالها إلى التطور الذي استمر ملايين السنين، وفي اعتقادهم أن ليس وراء ذلك قوة مدبرة مبدعة خلاقة، وأن الأمر لا يعدو أن يكون صدفة، ومنهم من ينتسب إلى الإسلام لكنه في كتاباته العلمية يجاري هؤلاء ويخجل أن يذكر نسبة الخلق إلى خالق مبدع، وربما قال : الطبيعة هي التي أبدعت وصنعت، ولو سئل عن الطبيعة : ألها فكر ؟ لما كان لديه جواب، وهم كما قال تعالى :﴿ وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ﴾. ( الجاثية : ٢٤ ).
وإلا فأين الأسلوب العلمي في نسبة حدوث هذه المخلوقات العجيبة، بما فيها من الأجهزة العلمية الدقيقة التي تتكامل لتؤدي وظائف معينة على أكمل ما يكون، كيف تنسب إلى الصدفة أو الطبيعة غير العاقلة ؟ سبحان الله ! كيف يعمي الهوى الأبصار والبصائر٧.
من دلائل الإيمان
الإيمان فطرة في الإنسان، ودليل اليقين والهدوء النفسي، وبه جاءت الرسل والكتب، وأثبتت الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية أن المؤمنين أقدر على الصبر والتماسك في الشدائد، وأقدر على الشكر والتعاون والتصدق ومساعدة الآخرين في السراء والضراء، والإيمان سند وعون في الملمات، ووسيلة لإتباع مكارم الأخلاق، والبعد عن المعاصي والقبائح، ولو لم يكن ما أرسل به الرسل دينا لكان في دنيا الناس شيئا عظيما، إن دلائل الإيمان شواهد في خلق السماء والأرض والنجوم والجبال والنبات والأشجار والإنسان والحيوان والشمس والقمر والهواء والماء، وكل ما تراه العين يدل على إبداع الخالق سبحانه بديع السماوات والأرض.
قال تعالى :﴿ الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور... ﴾ ( الأنعام : ١ ).
﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ( ٢٤ ) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( ٢٥ ) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ( ٢٦ ) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ( ٢٧ ) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٢٨ ) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٢٩ ) ﴾
تمهيد :
ذكر تعالى شبه الكافرين وما يرون أنه حجة في ظنهم، واعتقادهم أن هذه الحياة الدنيا هي كل شيء، وما يميتهم إلا تتابع الليل والنهار، فيموت أقوام ويولد آخرون، ولا بعث ولا حشر ولا حساب ولا جزاء، وحجتهم تتلخص في طلب إحياء آبائهم بعد أن ماتوا، والله تعالى جعل الدنيا للعمل دون الحساب، والآخرة للحساب دون العمل.
وقدم القرآن أدلة على وجوب البعث، منها أن الله قد بدأ الخلق، والإعادة أهون من البدء، ثم إن الله له ملك السماوات والأرض، وهذا المالك سيبعث الأموات أحياء يوم القيامة، وعندئذ نجد كل جماعة من الناس جاثية على ركبها، مستوفزة من الهول، ويتم الحساب والجزاء، وقد سجل الملائكة والحفظة أعمال كل إنسان في كتاب ينطق عليه بما عمل.
المفردات :
قل الله يحييكم : يخرجكم إلى الوجود بعد أن كنتم نطفا.
ثم يجمعكم إلى يوم القيامة : ثم يجمعكم أحياء في يوم القيامة.
لا ريب فيه : لاشك فيه، فإن من قدر على الابتداء في الخلق قادر على الإعادة.
التفسير :
٢٦- ﴿ قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾.
إن الله تعالى هو الذي أحياكم حين كنتم نطفة في ظهور آبائكم، ثم يميتكم عند انتهاء آجالكم، فالحياة والموت بيد الله وحده، لا بيد الأيام والليالي أو الدهر كما زعمتم، ثم يبعثكم ويجمعكم يوم القيامة لا شك في حصوله، حتى يجازي كل إنسان بما عمل، ولكن أكثر الناس لا يعلمون قدرة الله على البعث لإعراضهم عن التفكر في الدلائل.
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى :﴿ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور ﴾. ( الملك : ٢ ).
وقوله سبحانه :﴿ كما بدأنا أول خلق نعيده... ﴾ ( الأنبياء : ١٠٤ ).
وقوله عز وجل :﴿ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ﴾. ( الروم : ٢٧ ).
يذكر المفسرون في هذه الآية والآية السابقة عليها الرد على الدهرية، وهم قوم من العرب كانوا يقولون : إنما يهلكنا الليل والنهار ودورة الزمان، وينسبون الحياة والموت إلى الدهر، وإذا أصابهم مكروه سبوا الدهر، ووجد من غيرهم من الطوائف من يوافقهم على ذلك، منهم جمهور الفلاسفة الدهريين والملاحدة في كل زمان، حيث ينسبون الحياة وتنوع أشكالها إلى التطور الذي استمر ملايين السنين، وفي اعتقادهم أن ليس وراء ذلك قوة مدبرة مبدعة خلاقة، وأن الأمر لا يعدو أن يكون صدفة، ومنهم من ينتسب إلى الإسلام لكنه في كتاباته العلمية يجاري هؤلاء ويخجل أن يذكر نسبة الخلق إلى خالق مبدع، وربما قال : الطبيعة هي التي أبدعت وصنعت، ولو سئل عن الطبيعة : ألها فكر ؟ لما كان لديه جواب، وهم كما قال تعالى :﴿ وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ﴾. ( الجاثية : ٢٤ ).
وإلا فأين الأسلوب العلمي في نسبة حدوث هذه المخلوقات العجيبة، بما فيها من الأجهزة العلمية الدقيقة التي تتكامل لتؤدي وظائف معينة على أكمل ما يكون، كيف تنسب إلى الصدفة أو الطبيعة غير العاقلة ؟ سبحان الله ! كيف يعمي الهوى الأبصار والبصائر٧.
من دلائل الإيمان
الإيمان فطرة في الإنسان، ودليل اليقين والهدوء النفسي، وبه جاءت الرسل والكتب، وأثبتت الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية أن المؤمنين أقدر على الصبر والتماسك في الشدائد، وأقدر على الشكر والتعاون والتصدق ومساعدة الآخرين في السراء والضراء، والإيمان سند وعون في الملمات، ووسيلة لإتباع مكارم الأخلاق، والبعد عن المعاصي والقبائح، ولو لم يكن ما أرسل به الرسل دينا لكان في دنيا الناس شيئا عظيما، إن دلائل الإيمان شواهد في خلق السماء والأرض والنجوم والجبال والنبات والأشجار والإنسان والحيوان والشمس والقمر والهواء والماء، وكل ما تراه العين يدل على إبداع الخالق سبحانه بديع السماوات والأرض.
قال تعالى :﴿ الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور... ﴾ ( الأنعام : ١ ).
﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ( ٢٤ ) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( ٢٥ ) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ( ٢٦ ) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ( ٢٧ ) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٢٨ ) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٢٩ ) ﴾
تمهيد :
ذكر تعالى شبه الكافرين وما يرون أنه حجة في ظنهم، واعتقادهم أن هذه الحياة الدنيا هي كل شيء، وما يميتهم إلا تتابع الليل والنهار، فيموت أقوام ويولد آخرون، ولا بعث ولا حشر ولا حساب ولا جزاء، وحجتهم تتلخص في طلب إحياء آبائهم بعد أن ماتوا، والله تعالى جعل الدنيا للعمل دون الحساب، والآخرة للحساب دون العمل.
وقدم القرآن أدلة على وجوب البعث، منها أن الله قد بدأ الخلق، والإعادة أهون من البدء، ثم إن الله له ملك السماوات والأرض، وهذا المالك سيبعث الأموات أحياء يوم القيامة، وعندئذ نجد كل جماعة من الناس جاثية على ركبها، مستوفزة من الهول، ويتم الحساب والجزاء، وقد سجل الملائكة والحفظة أعمال كل إنسان في كتاب ينطق عليه بما عمل.
المفردات :
المبطلون : أهل الباطل وهم الكفار.
التفسير :
٢٧- ﴿ ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون ﴾.
الكون كله في قبضته وطوع إرادته، وهو سبحانه له ملك السماوات وما فيها، وملك الأرض وما عليها، وله الملك وحده يوم القيامة، وفي هذا اليوم يخسر المكذبون الكافرون المتعلقون بالأباطيل، ويظهر في ذلك اليوم خسرانهم لأنهم يصيرون إلى النار.
يذكر المفسرون في هذه الآية والآية السابقة عليها الرد على الدهرية، وهم قوم من العرب كانوا يقولون : إنما يهلكنا الليل والنهار ودورة الزمان، وينسبون الحياة والموت إلى الدهر، وإذا أصابهم مكروه سبوا الدهر، ووجد من غيرهم من الطوائف من يوافقهم على ذلك، منهم جمهور الفلاسفة الدهريين والملاحدة في كل زمان، حيث ينسبون الحياة وتنوع أشكالها إلى التطور الذي استمر ملايين السنين، وفي اعتقادهم أن ليس وراء ذلك قوة مدبرة مبدعة خلاقة، وأن الأمر لا يعدو أن يكون صدفة، ومنهم من ينتسب إلى الإسلام لكنه في كتاباته العلمية يجاري هؤلاء ويخجل أن يذكر نسبة الخلق إلى خالق مبدع، وربما قال : الطبيعة هي التي أبدعت وصنعت، ولو سئل عن الطبيعة : ألها فكر ؟ لما كان لديه جواب، وهم كما قال تعالى :﴿ وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ﴾. ( الجاثية : ٢٤ ).
وإلا فأين الأسلوب العلمي في نسبة حدوث هذه المخلوقات العجيبة، بما فيها من الأجهزة العلمية الدقيقة التي تتكامل لتؤدي وظائف معينة على أكمل ما يكون، كيف تنسب إلى الصدفة أو الطبيعة غير العاقلة ؟ سبحان الله ! كيف يعمي الهوى الأبصار والبصائر٧.
من دلائل الإيمان
الإيمان فطرة في الإنسان، ودليل اليقين والهدوء النفسي، وبه جاءت الرسل والكتب، وأثبتت الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية أن المؤمنين أقدر على الصبر والتماسك في الشدائد، وأقدر على الشكر والتعاون والتصدق ومساعدة الآخرين في السراء والضراء، والإيمان سند وعون في الملمات، ووسيلة لإتباع مكارم الأخلاق، والبعد عن المعاصي والقبائح، ولو لم يكن ما أرسل به الرسل دينا لكان في دنيا الناس شيئا عظيما، إن دلائل الإيمان شواهد في خلق السماء والأرض والنجوم والجبال والنبات والأشجار والإنسان والحيوان والشمس والقمر والهواء والماء، وكل ما تراه العين يدل على إبداع الخالق سبحانه بديع السماوات والأرض.
قال تعالى :﴿ الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور... ﴾ ( الأنعام : ١ ).
﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ( ٢٤ ) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( ٢٥ ) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ( ٢٦ ) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ( ٢٧ ) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٢٨ ) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٢٩ ) ﴾
تمهيد :
ذكر تعالى شبه الكافرين وما يرون أنه حجة في ظنهم، واعتقادهم أن هذه الحياة الدنيا هي كل شيء، وما يميتهم إلا تتابع الليل والنهار، فيموت أقوام ويولد آخرون، ولا بعث ولا حشر ولا حساب ولا جزاء، وحجتهم تتلخص في طلب إحياء آبائهم بعد أن ماتوا، والله تعالى جعل الدنيا للعمل دون الحساب، والآخرة للحساب دون العمل.
وقدم القرآن أدلة على وجوب البعث، منها أن الله قد بدأ الخلق، والإعادة أهون من البدء، ثم إن الله له ملك السماوات والأرض، وهذا المالك سيبعث الأموات أحياء يوم القيامة، وعندئذ نجد كل جماعة من الناس جاثية على ركبها، مستوفزة من الهول، ويتم الحساب والجزاء، وقد سجل الملائكة والحفظة أعمال كل إنسان في كتاب ينطق عليه بما عمل.
المفردات :
جاثية : باركة على الركب مستوفزة.
كتابها : صحيفة أعمالها.
عود إلى التفسير :
٢٨- ﴿ وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون ﴾.
تصف الآية مشهدا من مشاهد القيامة ؛ يشتد فيه الهول ؛ وتزفر جهنم زفرة لا يبقى أحد إلا جثا على ركبتيه مستوفزا، لا يلمس الأرض منه إلا ركبتاه وأطراف أنامله.
قال الحسن : ترى كل أمة باركة على الركب، كل مجموعة أو ملة واحدة تدعى إلى كتابها، أي : صحيفة عملها. وقيل : كل ملة تدعى إلى الكتاب المنزل عليها.
ولسان الحال أو لسان المقال يقول :﴿ اليوم تجزون ما كنتم تعملون ﴾.
هذا يوم الجزاء على أعمالكم :﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾. ( الزلزلة : ٧، ٨ ).
﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ( ٢٤ ) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( ٢٥ ) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ( ٢٦ ) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ( ٢٧ ) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٢٨ ) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٢٩ ) ﴾
تمهيد :
ذكر تعالى شبه الكافرين وما يرون أنه حجة في ظنهم، واعتقادهم أن هذه الحياة الدنيا هي كل شيء، وما يميتهم إلا تتابع الليل والنهار، فيموت أقوام ويولد آخرون، ولا بعث ولا حشر ولا حساب ولا جزاء، وحجتهم تتلخص في طلب إحياء آبائهم بعد أن ماتوا، والله تعالى جعل الدنيا للعمل دون الحساب، والآخرة للحساب دون العمل.
وقدم القرآن أدلة على وجوب البعث، منها أن الله قد بدأ الخلق، والإعادة أهون من البدء، ثم إن الله له ملك السماوات والأرض، وهذا المالك سيبعث الأموات أحياء يوم القيامة، وعندئذ نجد كل جماعة من الناس جاثية على ركبها، مستوفزة من الهول، ويتم الحساب والجزاء، وقد سجل الملائكة والحفظة أعمال كل إنسان في كتاب ينطق عليه بما عمل.
المفردات :
ينطق : يشهد.
نستنسخ : نستكتب الملائكة أعمالكم، ونثبت ونحفظ.
التفسير :
٢٩- ﴿ هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ﴾.
هذا كتاب أعمالكم يشهد عليكم بالعدل والصدق، فقد كان الحفظة يكتبون أعمالكم ويسجلون حسناتكم وسيئاتكم، وكلمة نستنسخ بمعنى نكتب، وحقيقة النسخ : هو النقل من أصل إلى آخر.
قال ابن عباس : تكتب الملائكة أعمال العباد، ثم تصعد بها إلى السماء، فيقابل الملائكة الموكلون بديوان الأعمال ما كتبه الحفظة مما قد أبرز لهم من اللوح المحفوظ في كل ليلة قدر، مما كتبه الله في القدم على العباد قبل أن يخلقهم، فلا يزيد حرفا ولا ينقص حرفا، فذلك هو الاستنساخ، وكان ابن عباس يقول : ألستم عربا، وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل٨.
وفي فتح القدير :
﴿ إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ﴾.
أي : نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم، أي بكتابتها وتثبيتها، وقيل : إن الملائكة إذا رفعت أعمال العباد إلى الله سبحانه أمر عز وجل أن يثبت عنده منها ما فيه ثواب وعقاب، ويسقط منها ما لا ثواب فيه ولا عقاب. اه.
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى :﴿ ووضع الكتاب وجاء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ﴾. ( الزمر : ٦٩ ).
وقوله عز شأنه :﴿ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ﴾. ( الكهف : ٤٩ ).
وقال علي رضي الله عنه : إن لله ملائكة ينزلون كل يوم بشيء يكتبون فيه أعمال بني آدم.
وهذا يدل على أن الكتابة هنا رمز لطرق الإثبات والاستيثاق والحفظ وتسجيل الأعمال، حتى ليفاجأ العبد بأن كل ما عمله مسجل محفوظ، كما قال سبحانه :﴿ أحصاه الله ونسوه... ﴾ ( المجادلة : ٦ ).
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ( ٣٠ ) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ ( ٣١ ) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ( ٣٢ ) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( ٣٣ ) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ( ٣٤ ) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ( ٣٥ ) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ٣٦ ) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( ٣٧ ) ﴾
تمهيد :
تصف الآيات جزاء المتقين في الجنة، وعقوبة الكافرين في النار، وتعرض أهوال القيامة وما يحيق بالمجرمين، حيث يتركون في النار يتذوقون الهوان، ويعاملون معاملة المنسيين المهملين جزاء سخريتهم بالقرآن وغرورهم بالدنيا، فلهم في الآخرة خلود أبدي في جهنم، ولا يقبل منهم اعتذار، ولا يسمح لهم بالعودة إلى الدنيا مرة أخرى للتوبة من المعاصي، وطلب العتبى والرضا من الله.
وتختم السورة بالحمد لله رب السماوات ورب الأرض رب العالمين، أي عالم الإنس، وعالم الجن، وعالم الطير، وعالم الملائكة، ورب الجميع، وهو سبحانه المتفرد بالكبرياء، المتوحد بالعظمة والبقاء، وليس كبرياء التعالي على الضعفاء، بل هو تعظيم الخالق الرازق المتصف إجمالا بكل كمال، والمنزه إجمالا عن كل نقص.
المفردات :
في رحمته : في جنته.
التفسير :
٣٠- ﴿ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين ﴾.
ينقسم الناس في الآخرة إلى قسمين : المؤمنون، والمجرمون.
أما المؤمنون الذين آمنوا بالله وأطاعوا أوامره واجتنبوا نواهيه، وقدموا الأعمال الصالحة، فيدخلهم الله في جنته ورضوانه، وذلك الفوز أعظم فوز لأنه النجاح الذي لا يعدله نجاح، النجاح في الآخرة حيث الحياة الحقيقية، وفي الحديث الصحيح : أن الله تعالى قال للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء٩.
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ( ٣٠ ) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ ( ٣١ ) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ( ٣٢ ) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( ٣٣ ) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ( ٣٤ ) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ( ٣٥ ) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ٣٦ ) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( ٣٧ ) ﴾
تمهيد :
تصف الآيات جزاء المتقين في الجنة، وعقوبة الكافرين في النار، وتعرض أهوال القيامة وما يحيق بالمجرمين، حيث يتركون في النار يتذوقون الهوان، ويعاملون معاملة المنسيين المهملين جزاء سخريتهم بالقرآن وغرورهم بالدنيا، فلهم في الآخرة خلود أبدي في جهنم، ولا يقبل منهم اعتذار، ولا يسمح لهم بالعودة إلى الدنيا مرة أخرى للتوبة من المعاصي، وطلب العتبى والرضا من الله.
وتختم السورة بالحمد لله رب السماوات ورب الأرض رب العالمين، أي عالم الإنس، وعالم الجن، وعالم الطير، وعالم الملائكة، ورب الجميع، وهو سبحانه المتفرد بالكبرياء، المتوحد بالعظمة والبقاء، وليس كبرياء التعالي على الضعفاء، بل هو تعظيم الخالق الرازق المتصف إجمالا بكل كمال، والمنزه إجمالا عن كل نقص.
المفردات :
أفلم تكن آياتي تتلى : يقال لهم ذلك.
التفسير :
٣١- ﴿ وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين ﴾.
وأما الذين كفروا فينالون التوبيخ والتقريع واللوم، حيث يقال لهم : ألم أرسل لكم الرسل تقرأ عليكم آياتي فأعرضتم عن سماعها، واستكبرتم عن الإيمان وكنتم قوما فاسقين، خارجين عن حد الاعتدال، لم تستخدموا عقولكم ولا تفكيركم في هذه الهداية التي ساقها الله لكم.
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ( ٣٠ ) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ ( ٣١ ) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ( ٣٢ ) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( ٣٣ ) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ( ٣٤ ) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ( ٣٥ ) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ٣٦ ) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( ٣٧ ) ﴾
تمهيد :
تصف الآيات جزاء المتقين في الجنة، وعقوبة الكافرين في النار، وتعرض أهوال القيامة وما يحيق بالمجرمين، حيث يتركون في النار يتذوقون الهوان، ويعاملون معاملة المنسيين المهملين جزاء سخريتهم بالقرآن وغرورهم بالدنيا، فلهم في الآخرة خلود أبدي في جهنم، ولا يقبل منهم اعتذار، ولا يسمح لهم بالعودة إلى الدنيا مرة أخرى للتوبة من المعاصي، وطلب العتبى والرضا من الله.
وتختم السورة بالحمد لله رب السماوات ورب الأرض رب العالمين، أي عالم الإنس، وعالم الجن، وعالم الطير، وعالم الملائكة، ورب الجميع، وهو سبحانه المتفرد بالكبرياء، المتوحد بالعظمة والبقاء، وليس كبرياء التعالي على الضعفاء، بل هو تعظيم الخالق الرازق المتصف إجمالا بكل كمال، والمنزه إجمالا عن كل نقص.
المفردات :
لا ريب فيها : لا شك فيها.
ما الساعة : أي شيء الساعة ؟ ما حقيقتها ؟
التفسير :
٣٢- ﴿ وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين ﴾.
إذا قال لكم الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه : آمنوا بالله، فإن ما وعد به من البعث والحشر، والحساب والجزاء والجنة والنار، حق لا شك فيه، والساعة وهي القيامة قادمة لا شك في قدومها، كان جوابكم : لا نعلم ما هي الساعة، ولا نتيقن بمجيئها، إنما نسمع عنها سماعا، ونعلم عنها من كلام المؤمنين، فنظن قيام القيامة ظنا غير متحققين من قدومها ولا متثبتين، فهو شك أو احتمال أو ظن أن تقوم القيامة، ولكنا غير متيقنين ولا متأكدين ولا جازمين بذلك.
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ( ٣٠ ) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ ( ٣١ ) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ( ٣٢ ) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( ٣٣ ) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ( ٣٤ ) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ( ٣٥ ) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ٣٦ ) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( ٣٧ ) ﴾
تمهيد :
تصف الآيات جزاء المتقين في الجنة، وعقوبة الكافرين في النار، وتعرض أهوال القيامة وما يحيق بالمجرمين، حيث يتركون في النار يتذوقون الهوان، ويعاملون معاملة المنسيين المهملين جزاء سخريتهم بالقرآن وغرورهم بالدنيا، فلهم في الآخرة خلود أبدي في جهنم، ولا يقبل منهم اعتذار، ولا يسمح لهم بالعودة إلى الدنيا مرة أخرى للتوبة من المعاصي، وطلب العتبى والرضا من الله.
وتختم السورة بالحمد لله رب السماوات ورب الأرض رب العالمين، أي عالم الإنس، وعالم الجن، وعالم الطير، وعالم الملائكة، ورب الجميع، وهو سبحانه المتفرد بالكبرياء، المتوحد بالعظمة والبقاء، وليس كبرياء التعالي على الضعفاء، بل هو تعظيم الخالق الرازق المتصف إجمالا بكل كمال، والمنزه إجمالا عن كل نقص.
المفردات :
وحاق بهم : وأحاط بهم ونزل.
التفسير :
٣٣- ﴿ وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ﴾.
وظهر أمامهم واضحا جليا عقوبة السيئات التي ارتكبوها في الدنيا، ووجدوا ما عملوا حاضرا، وأحاط بهم العذاب والنكال والخزي من كل جانب، جزاء سخريتهم بالمؤمنين، وتكذيبهم بالبعث والحشر والثواب والعقاب.
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ( ٣٠ ) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ ( ٣١ ) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ( ٣٢ ) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( ٣٣ ) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ( ٣٤ ) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ( ٣٥ ) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ٣٦ ) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( ٣٧ ) ﴾
تمهيد :
تصف الآيات جزاء المتقين في الجنة، وعقوبة الكافرين في النار، وتعرض أهوال القيامة وما يحيق بالمجرمين، حيث يتركون في النار يتذوقون الهوان، ويعاملون معاملة المنسيين المهملين جزاء سخريتهم بالقرآن وغرورهم بالدنيا، فلهم في الآخرة خلود أبدي في جهنم، ولا يقبل منهم اعتذار، ولا يسمح لهم بالعودة إلى الدنيا مرة أخرى للتوبة من المعاصي، وطلب العتبى والرضا من الله.
وتختم السورة بالحمد لله رب السماوات ورب الأرض رب العالمين، أي عالم الإنس، وعالم الجن، وعالم الطير، وعالم الملائكة، ورب الجميع، وهو سبحانه المتفرد بالكبرياء، المتوحد بالعظمة والبقاء، وليس كبرياء التعالي على الضعفاء، بل هو تعظيم الخالق الرازق المتصف إجمالا بكل كمال، والمنزه إجمالا عن كل نقص.
المفردات :
ننساكم : نترككم في العذاب ترك المنسي.
كما نسيتم : كما تركتم الاستعداد للقاء ربكم في هذا اليوم.
ومأواكم : ومحل إقامتكم.
التفسير :
٣٤- ﴿ وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ﴾.
لقد شاهدوا العذاب واضحا أمامهم، ثم يقال لهم على سبيل التبكيت والعتاب : لقد أنعمنا عليكم بالنعم، وأرسلنا لكم الرسل فاستهزأتم بالمرسلين، وأعرضتم عن الإيمان، وتناسيتم القيامة والبعث والحشر والجزاء، فاليوم نهملكم ونعاملكم معاملة من نسي وأهمل أمره، وتنرك في النار خالدا، فمآلكم النار هي دار إقامتكم، ولا تجدون وليا ولا نصيرا.
قال ابن كثير في تفسيره :
وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لبعض العبيد يوم القيامة :( ألم أزوجك ؟ ألم أكرمك ؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل ؟ وأذرك ترأس وتربع ؟، فيقول : بلى يا رب، فيقول : أظننت أنك ملاقيّ ؟ فيقول : لا، فيقول الله تعالى : فاليوم أنساك كما نسيتني )١٠.
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ( ٣٠ ) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ ( ٣١ ) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ( ٣٢ ) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( ٣٣ ) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ( ٣٤ ) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ( ٣٥ ) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ٣٦ ) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( ٣٧ ) ﴾
تمهيد :
تصف الآيات جزاء المتقين في الجنة، وعقوبة الكافرين في النار، وتعرض أهوال القيامة وما يحيق بالمجرمين، حيث يتركون في النار يتذوقون الهوان، ويعاملون معاملة المنسيين المهملين جزاء سخريتهم بالقرآن وغرورهم بالدنيا، فلهم في الآخرة خلود أبدي في جهنم، ولا يقبل منهم اعتذار، ولا يسمح لهم بالعودة إلى الدنيا مرة أخرى للتوبة من المعاصي، وطلب العتبى والرضا من الله.
وتختم السورة بالحمد لله رب السماوات ورب الأرض رب العالمين، أي عالم الإنس، وعالم الجن، وعالم الطير، وعالم الملائكة، ورب الجميع، وهو سبحانه المتفرد بالكبرياء، المتوحد بالعظمة والبقاء، وليس كبرياء التعالي على الضعفاء، بل هو تعظيم الخالق الرازق المتصف إجمالا بكل كمال، والمنزه إجمالا عن كل نقص.
المفردات :
آيات الله : القرآن.
هزوا : سخريا.
وغرتكم : وخدعتكم فاطمأننتم إليها.
ولا هم يستعتبون : أي : ولا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم، أي أن يرضوه، يقال : عتب عليه فأعتبه، أي : لامه فأرضاه بإزالة ما لامه من أجله، والعتبى هي الرضا.
التفسير :
٣٥- ﴿ ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون ﴾.
ذلكم العذاب بأنكم سخرتم من القرآن وآيات الله ومعجزاته البينات، واستهزأتم بالرسول والمؤمنين والدعوة إلى الإيمان والتوحيد، وشغلتكم الدنيا بما فيها، وظننتم ألا بعث ولا جزاء، فاليوم يوم الجزاء، لا تخرجون من النار أبدا، ولا تقبل منكم توبة، ولا ترجعون إلى الدنيا أملا في العتبى، أي مرضاة الله والعمل بما يرضيه، فقد مضى أوان التوبة والرضا، لأن الدنيا عمل ولا حساب، والآخرة حساب ولا عمل.
قال صاحب الظلال :
ثم يسدل الستار عليهم بإعلان مصيرهم الأخير، وهم متروكون في جهنم لا يخرجون، ولا يطلب إليهم اعتذار ولا عتاب.
﴿ فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون ﴾.
وكأننا نسمع مع إيقاع هذه الكلمات صرير الأبواب وهي توصد إيصادها الأخير، وقد انتهى المشهد فلم يعد فيه بعد ذلك تغيير ولا تحوير.
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ( ٣٠ ) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ ( ٣١ ) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ( ٣٢ ) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( ٣٣ ) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ( ٣٤ ) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ( ٣٥ ) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ٣٦ ) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( ٣٧ ) ﴾
تمهيد :
تصف الآيات جزاء المتقين في الجنة، وعقوبة الكافرين في النار، وتعرض أهوال القيامة وما يحيق بالمجرمين، حيث يتركون في النار يتذوقون الهوان، ويعاملون معاملة المنسيين المهملين جزاء سخريتهم بالقرآن وغرورهم بالدنيا، فلهم في الآخرة خلود أبدي في جهنم، ولا يقبل منهم اعتذار، ولا يسمح لهم بالعودة إلى الدنيا مرة أخرى للتوبة من المعاصي، وطلب العتبى والرضا من الله.
وتختم السورة بالحمد لله رب السماوات ورب الأرض رب العالمين، أي عالم الإنس، وعالم الجن، وعالم الطير، وعالم الملائكة، ورب الجميع، وهو سبحانه المتفرد بالكبرياء، المتوحد بالعظمة والبقاء، وليس كبرياء التعالي على الضعفاء، بل هو تعظيم الخالق الرازق المتصف إجمالا بكل كمال، والمنزه إجمالا عن كل نقص.
التفسير :
٣٦، ٣٧- ﴿ فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين * وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ﴾.
بينت السورة آلاء الله أفضاله، واشتملت على البراهين الساطعة، والنصوص القاطعة في المبدأ والميعاد، وانتهاء الأخيار إلى الجنة، والفجار إلى النار، وعند هذه النهاية تعلن السورة أن الحمد كله والثناء كله والمجد كله والعظمة كلها لله خالق الكون، رب السماوات وما أظلت، ورب الأرضين وما أقلت، ورب العالمين، وهو الإله الحق لكل ما عدا الله.
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ( ٣٠ ) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ ( ٣١ ) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ( ٣٢ ) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( ٣٣ ) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ( ٣٤ ) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ( ٣٥ ) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ٣٦ ) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( ٣٧ ) ﴾
تمهيد :
تصف الآيات جزاء المتقين في الجنة، وعقوبة الكافرين في النار، وتعرض أهوال القيامة وما يحيق بالمجرمين، حيث يتركون في النار يتذوقون الهوان، ويعاملون معاملة المنسيين المهملين جزاء سخريتهم بالقرآن وغرورهم بالدنيا، فلهم في الآخرة خلود أبدي في جهنم، ولا يقبل منهم اعتذار، ولا يسمح لهم بالعودة إلى الدنيا مرة أخرى للتوبة من المعاصي، وطلب العتبى والرضا من الله.
وتختم السورة بالحمد لله رب السماوات ورب الأرض رب العالمين، أي عالم الإنس، وعالم الجن، وعالم الطير، وعالم الملائكة، ورب الجميع، وهو سبحانه المتفرد بالكبرياء، المتوحد بالعظمة والبقاء، وليس كبرياء التعالي على الضعفاء، بل هو تعظيم الخالق الرازق المتصف إجمالا بكل كمال، والمنزه إجمالا عن كل نقص.
المفردات :
الكبرياء : العظمة، وهي من الله ممدوحة لأنه العظيم الذي لا يدرك الخيال لعظمته حدّا، وليس المراد بها أنه متصف بصفة المتكبرين من احتقار الناس وامتهانهم.
التفسير :
﴿ وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ﴾.
العظمة والجلال والسلطان والكمال لله وحده الذي خضع له الكون وذلت لعظمته الجباه، وسبح بحمده كل كائن، وله كمال الذات وكمال الوجود، فلا تخضع الجباه إلا له، ولا ينبغي التسبيح إلا له، فله الحمد وله الملك وله الكبرياء في السماوات والأرض، لا عن تجبر وترفع عن الفقراء، بل هو أهل لأن يحمد، وهو أهل لأن يطاع ويوقر، ويعظم فلا يعصى ولا يجحد، وهو العزيز الذي لا يقهر، والحكيم في كل ما قضى وقدر، وهو بحكمته يضع الشيء في موضعه، وجميع أعماله صادرة عن حكمة إلهية عليا.
وقد ورد في الحديث الصحيح :( العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدا منهما أسكنته ناري )١١.
قال مجاهد :
﴿ وله الكبرياء في السماوات والأرض... ﴾
يعني : السلطان، أي هو العظيم المجد، الذي كل شيء خاضع له، فقير إليه.
﴿ وهو العزيز... ﴾ الذي لا يغالب ولا يمانع.
﴿ الحكيم ﴾. في أقواله وأفعاله، وشرعه وقدره، تعالى وتقدس لا إله إلا هو.
ونلاحظ أن قراءة حفص :﴿ رب السماوات ﴾. بخفض رب، على أنه صفة للفظ الجلالة أو بدل منه.
وجاء في تفسير القرطبي ما يأتي :
قرأ مجاهد وحميد وابن محيصن :﴿ رب السماوات ورب الأرض رب العالمين ﴾. بالرفع فيها كلها على معنى : هو رب.
﴿ وله الكبرياء ﴾. أي : العظمة والجلال والبقاء والسلطان والقدرة والكمال.