تفسير سورة الإنفطار

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة الإنفطار من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة ( انفطرت )١ وهي مكية
١ في ((ك)) : الأنفطار..

قَوْله تَعَالَى: ﴿إِذا السَّمَاء انفطرت﴾ مَعْنَاهُ: انشقت، وَمِنْه انفطر نَاب الْبَعِير.
وَقَوله: ﴿وَإِذا الْكَوَاكِب انتثرت﴾ أَي: تساقطت.
وَقَوله: ﴿وَإِذا الْبحار فجرت﴾ قَالَ الْحسن: يَبِسَتْ.
وَعَن غَيره: ملئت، وَالْمَعْرُوف فجر بَعْضهَا فِي بعض، العذب فِي المالح، والمالح فِي العذب، وَقيل: فجرت أَي: جعلت بحرا وَاحِدًا، وَذَلِكَ بتفجير بَعْضهَا فِي بعض.
وَقَوله: ﴿وَإِذا الْقُبُور بعثرت﴾ أَي: بحثرت وبحثت، وَالْمعْنَى: قلبت ترابها، وَأخرج مَا فِيهَا من الْمَوْتَى.
وَفِي الْخَبَر: أَن الأَرْض تلقى أفلاذ كَبِدهَا يَوْم الْقِيَامَة، فَتخرج كنوزها وموتاها وكل مَا فِيهَا.
وَمن الْمَعْرُوف أَن النَّبِي قَالَ: " يُوشك أَن يحسر الْفُرَات على جبل من ذهب، فيقتتل النَّاس عَلَيْهِ ".
قَالَ الْقفال: يجوز أَن يكون مَا ذكره الله تَعَالَى من هَذِه الْأَشْيَاء قبل قيام السَّاعَة، وَيجوز أَن يكون بعد قيام السَّاعَة.
وَقَوله: ﴿علمت نفس مَا قدمت وأخرت﴾ أَي: ﴿مَا قدمت﴾ فَعمِلت من عمل ﴿وأخرت﴾ أَي: ترك من الْعَمَل، وَقيل: مَا قدمت وأخرت أَي: مَا عملت من قديم
172
الْإِنْسَان مَا غَرَّك بِرَبِّك الْكَرِيم (٦)). وَحَدِيث، وَقيل فِي قَوْله: ﴿وأخرت﴾ أَي: من سنة سَيِّئَة عمل بهَا بعده.
173
قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيهَا الْإِنْسَان مَا غَرَّك بِرَبِّك الْكَرِيم﴾ قيل: نزلت الْآيَة فِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، وَقيل: فِي أبي جهل، وَقيل: فِي غَيرهمَا.
وَقَوله: ﴿مَا غَرَّك بِرَبِّك الْكَرِيم﴾ أَي: أَي شَيْء غَرَّك وجرأك وسول لَك حَتَّى ارتكبت مَا ارتكبت؟
وَقَوله: ﴿بِرَبِّك الْكَرِيم﴾ يتَجَاوَز عَنْك، وَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا.
وَفِي بعض التفاسير: أَن الْآيَة نزلت فِي أبي الْأسد، وَكَانَ قد ضرب النَّبِي، فَلم يُعَاقِبهُ الله تَعَالَى فِي الدُّنْيَا، فَهُوَ معنى قَوْله: ﴿بِرَبِّك الْكَرِيم﴾ الَّذِي تجَاوز عَنْك، وَلم يعاقبك فِي الدُّنْيَا.
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الجنوجردي: أخبرنَا أَبُو إِسْحَاق الثعالبي: أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن فَنْجَوَيْهِ: أخبرنَا أَبُو عَليّ بن حبش الْمُقْرِئ: أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم بن الْفضل الْمُقْرِئ: أخبرنَا أَبُو عَليّ بن الْحُسَيْن: أخبرنَا الْمقدمِي، أخبرنَا كثير بن هِشَام: أخبرنَا جَعْفَر بن برْقَان قَالَ: حَدثنِي صَالح بن مِسْمَار، قَالَ: " بَلغنِي أَن النَّبِي تَلا هَذِه الْآيَة: ﴿يَا أَيهَا الْإِنْسَان مَا غَرَّك بِرَبِّك الْكَرِيم﴾ قَالَ: جَهله ".
وَعَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا سيخلو الله بِهِ يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول: يَا ابْن آدم، مَا غَرَّك بِي؟ يَا ابْن آدم، مَاذَا عملت فِيمَا عملت؟ يَا ابْن آدم، مَاذَا أجبْت الْمُرْسلين؟ وَعَن السّديّ (بن الْمُفلس) قَالَ: غره رفقه بِهِ.
وَعَن إِبْرَاهِيم بن الْأَشْعَث أَن الفضيل بن عِيَاض قيل لَهُ: لَو قَالَ الله تَعَالَى لَك: مَا غَرَّك بِي فَمَاذَا تَقول لَهُ؟ قَالَ: أَقُول ستورك المرخاة.
ونظم ذَلِك بَعضهم:
173
﴿الَّذِي خلقك فسواك فعدلك (٧) فِي أَي صُورَة مَا شَاءَ ركبك (٨) ﴾.
(يَا كاتم الذَّنب أما تَسْتَحي... وَالله فِي الْخلْوَة ثأنيكا)
(غَرَّك من رَبك إمهاله... وستره طول مساويكا)
وَعَن يحيى بن معَاذ قَالَ: لَو يَقُول الله تَعَالَى: مَا غَرَّك بِرَبِّك؟ فَأَقُول: تَركك لي سالفا وآنفا.
وَعَن أبي بكر الْوراق قَالَ: أَقُول غرني كرم الْكَرِيم.
وَعَن مَنْصُور بن عمار قَالَ: أَقُول غرني مَا علمت من سَابق أفضالك.
وَقَالَ بَعضهم:
(يَا من خلا فِي الغي والتيه... وغره طول تماديه)
أمل لَك الله فبارزته... وَلم تخف غب مَعَاصيه)
174
وَقَوله: ﴿الَّذِي خلقك فسواك فعدلك فِي أَي صُورَة﴾ قَالَ عَطاء: جعلك قَائِما معتدلا حسن الصُّورَة، وَقيل: سواك أَي: سوى بَين يَديك ورجليك وعينيك وأذنيك، [و] وَوضع كل شَيْء مَوْضِعه، وَهُوَ أَيْضا معنى قَوْله: ﴿فعدلك﴾ ذكره الْكَلْبِيّ وَغَيره.
وَقيل: عدلك أَي عدل خلقك، وَهُوَ على مَا بَينا.
وَقُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ أَي: صرفك فِي أَي صُورَة شَاءَ من حسن وقبيح، وطويل وقصير.
وَفِي بعض الغرائب من الْأَخْبَار: " أَن الله تَعَالَى إِذا أَرَادَ خلق عبد أحضر خلقه كل عرق كَانَ بَينه وَبَين آدم، فيخلقه على مَا يُرِيد من الشّبَه بِمن شَاءَ ".
وَقد قيل: فَعدل فِي أَي صُورَة مَا شَاءَ ركبك أَي: من شبه أَب وَأم وَعم وخال، وَقَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي: معنى عدلك
174
﴿كلا بل تكذبون بِالدّينِ (٩) وَإِن عَلَيْكُم لحافظين (١٠) كراما كاتبين (١١) يعلمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (١٢) إِن الْأَبْرَار لفي نعيم (١٣) وَإِن الْفجار لفي جحيم﴾. بِالتَّخْفِيفِ أَي: فِي عدل بعضك بِبَعْض، فَكنت معتدل الْخلق مناسبها فَلَا تفَاوت فِيهَا.
175
قَوْله تَعَالَى: ﴿كلا بل تكذبون بِالدّينِ﴾ أَي: بِيَوْم الْقِيَامَة، وَقيل: بِالْحِسَابِ.
وَقَوله: ﴿وَإِن عَلَيْكُم لحافظين كراما كاتبين﴾ فِي بعض الْأَحَادِيث " أَن النَّبِي قَالَ: أكْرمُوا الْكِرَام الْكَاتِبين فَإِنَّهُم مَعكُمْ، إِلَّا عِنْد الْجَنَابَة والتبرز للْحَاجة ".
وَقد ورد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿كرام بررة﴾ أَنهم الْمَلَائِكَة، يكرموا أَن يَكُونُوا مَعَ ابْن آدم عِنْد خلوته بأَهْله، وَعند حَاجته.
وَقَوله: ﴿كاتبين﴾ هم الْمَلَائِكَة يَقْعُدُونَ عَن يَمِين الْإِنْسَان ويساره، فيكتبون مَا عَلَيْهِ وَله، وَقيل: وَاحِد عَن يَمِينه، وَوَاحِد عَن يسَاره، فَالَّذِي عَن يَمِينه يكْتب الْحَسَنَات، وَالَّذِي عَن يسَاره يكْتب السَّيِّئَات، وَقيل: إِن الَّذِي عَن يَمِينه أَمِين على الَّذِي على يسَاره لَا يكْتب إِلَّا بِإِذْنِهِ.
وَفِي الْخَبَر بِرِوَايَة أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي: " إِن العَبْد إِذا هم بحسنة يكْتب لَهُ الْملك حَسَنَة، فَإِذا عَملهَا كتب لَهُ عشر حَسَنَات، وَإِذا هم بسيئة لم تكْتب عَلَيْهِ شَيْئا، فَإِذا عَملهَا كتب سَيِّئَة ".
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠:وقوله :( وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين ) في بعض الأحاديث " أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أكرموا الكرام الكاتبين فإنهم معكم، إلا عند الجنابة والتبرز للحاجة " ١. وقد ورد عن ابن عباس في قوله تعالى :( كرام بررة )٢ أنهم الملائكة، يكرموا أن يكونوا مع ابن آدم عند خلوته بأهله، وعند حاجته.
وقوله :( كاتبين ) هم الملائكة يقعدون عن يمين الإنسان ويساره، فيكتبون ما عليه وله، وقيل : واحد عن يمينه، وواحد عن يساره، فالذي عن يمينه يكتب الحسنات، والذي عن يساره يكتب السيئات، وقيل : إن الذي عن يمينه أمين على الذي على يساره لا يكتب إلا بإذنه. وفي الخبر برواية أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم :" إن العبد إذا هم بحسنة يكتب له الملك حسنة، فإذا عملها كتب له عشر حسنات، وإذا هم بسيئة لم تكتب عليه شيئا، فإذا عملها كتب سيئة " ٣.
١ - رواه الترمذى (٥ /١٠٤ رقم ٢٨٠٠) و قال : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، و في الباب عن ابن عباس و مجاهد مرسلا..
٢ - عيس : ١٦..
٣ - متفق عليه، رواه البخاري ( ١٣ /٤٧٣ -٤٧٤ رقم ٧٥٠١) و مسلم (٢ /١٩٤ رقم ١٢٨)..

وَقَوله: ﴿يعلمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الْأَبْرَار لفي نعيم﴾ فِي الْخَبَر أَن النَّبِي قَالَ: " هم الَّذين بروا آبَاءَهُم وأبناءهم ".
وَظَاهر الْمَعْنى أَنهم المطيعون.
175
( ﴿١٤) يصلونها يَوْم الدّين (١٥) وَمَا هم عَنْهَا بغائبين (١٦) وَمَا أَدْرَاك مَا يَوْم الدّين (١٧) ثمَّ مَا أَدْرَاك مَا يَوْم الدّين (١٨) يَوْم لَا تملك نفس لنَفس شَيْئا وَالْأَمر يَوْمئِذٍ لله (١٩) ﴾.
176
وَقَوله: ﴿وَإِن الْفجار لفي جحيم﴾ هِيَ النَّار، نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا.
وَفِي الحكايات: أَن سُلَيْمَان بن عبد الْملك حج، فلقي أَبَا حَازِم سَلمَة بن دِينَار فَقَالَ: يَا أَبَا حَازِم، كَيفَ الْقدوم على الله؟ فَقَالَ: أما المحسنون فكالغائب يقدم على أَهله، وَأما الْمُسِيء فكالعبد الْآبِق يرد إِلَى سَيّده، فَبكى سُلَيْمَان، ثمَّ قَالَ: لَيْت شعري نعلم مَا حَالنَا عِنْد الله؟ فَقَالَ أَبُو حَازِم: اعرضها على كتاب الله تَعَالَى، فَقَالَ: وعَلى أَي ذَلِك أعرض؟ فَقَالَ على قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الْأَبْرَار لفي نعيم وَإِن الْفجار لفي جحيم﴾ قَالَ سُلَيْمَان: فَأَيْنَ رَحْمَة الله؟ قَالَ: قريب من الْمُحْسِنِينَ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يصلونها يَوْم الدّين﴾ أَي: يدْخلُونَهَا يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَوله: ﴿وَمَا هم عَنْهَا بغائبين﴾ أَي: مبعدين.
وَقَوله: ﴿وَمَا أَدْرَاك مَا يَوْم الدّين ثمَّ مَا أَدْرَاك مَا يَوْم الدّين﴾ هُوَ على معنى تفخيم الْأَمر وتعظيمه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧:وقوله :( وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين ) هو على معنى تفخيم الأمر وتعظيمه.
وَقَوله: ﴿يَوْم لَا تملك نفس لنَفس شَيْئا﴾ أَي: لَا تغني نفس عَن نفس شَيْئا.
وَيَوْم مَنْصُوب على الظّرْف، وَقُرِئَ " يَوْم " بِالرَّفْع، وَهُوَ ظَاهر.
وَقَوله: ﴿وَالْأَمر يَوْمئِذٍ لله﴾ أَي: الْأَمر يَوْم الْقِيَامَة لله لَيْسَ لأحد مَعَه أَمر، وَالله أعلم.
176

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿ويل لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذين إِذا اكتالوا على النَّاس يستوفون (٢) وَإِذا كالوهم أَو وزنوهم يخسرون (٣) ﴾.
سُورَة المطففين
وَهِي مَدَنِيَّة
قَالَ ابْن عَبَّاس: هِيَ أول سُورَة نزلت بِالْمَدِينَةِ، قدم رَسُول الله الْمَدِينَة، وهم أَخبث النَّاس كَيْلا ووزنا، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه السُّورَة، فاستقاموا، فهم أوفى النَّاس كَيْلا ووزنا إِلَى (الْيَوْم).
177
Icon