ﰡ
[سورة الأعلى (٨٧) : الآيات ١٨ الى ١٩]
إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩)
هذا إشارة إلى قوله قَدْ أَفْلَحَ إلى أَبْقى يعنى أنّ معنى هذا الكلام وارد في تلك الصحف. وقيل: إلى ما في السورة كلها. وروى عن أبى ذر رضى الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم أنزل الله من كتاب؟ فقال: مائة وأربعة كتب، منها على آدم: عشر صحف، وعلى شيث: خمسون صحيفة، وعلى أخنوخ وهو إدريس: ثلاثون صحيفة، وعلى إبراهيم: عشر صحائف والتوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان «٢». وقيل إنّ في صحف إبراهيم ينبغي للعاقل أن يكون حافظا للسانه عارفا بزمانه مقبلا على شأنه. عن رسول الله ﷺ «من قرأ سورة الأعلى أعطاه الله عشر حسنات بعدد كل حرف أنزله الله على إبراهيم وموسى ومحمد «٣» وكان إذا قرأها قال: سبحان ربى الأعلى «٤» وكان على وابن عباس يقولان ذلك، وكان يحبها «٥» وقال: أول من قال «سبحان ربى الأعلى» ميكائيل «٦».
سورة الغاشية
مكية، وآياتها ٢٦ [نزلت بعد الذاريات] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الغاشية (٨٨) : آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (١)الْغاشِيَةِ الداهية التي تغشى الناس بشدائدها وتلبسهم أهوالها. يعنى القيامة، من قوله
(٢). هو مختصر من حديث طويل أخرجه ابن حبان والحاكم. وقد تقدمت الاشارة اليه في الحج «تنبيه» وقع فيه «على آدم عشر صحائف» والذي عند المذكورين على موسى قبل التوراة عشر صحائف. [.....]
(٣). أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه بالسند إلى أبى بن كعب.
(٤). أخرجه أبو داود والحاكم من طريق سعد بن جبير عن ابن عباس بهذا.
(٥). أخرجه البزار عن يوسف بن موسى: ووكيع عن إسرائيل عن ثور بن ابى فاختة عن أبيه عن على بهذا ورواه الواحدي من طريق أحمد بن حنبل ووكيع.
(٦). ذكره الثعلبي عن على بغير إسناد.
يبيس الشبرق، وهو جنس من الشوك ترعاه الإبل ما دام رطبا «٣»، فإذا يبس تحامته الإبل وهو سم قاتل. قال أبو ذؤيب:
رعى الشيرق الرّيّان حتّى إذا ذوى | وعاد ضريعا بان عنه النّحائص «٤» |
وحبسن في هزم الضّريع فكلّها | حدباء دامية اليدين حرود «٥» |
(٢). قوله «من الصوم الدائب، الدائب والواصب كلاهما بمعنى الدائم. (ع)
(٣). قال محمود: «الضريع: يبيس الشبرق، وهو جنس من الشوك ترعاه الإبل ما دام رطبا... الخ» قال أحمد: فعلى الوجه الأول يكون صفة مخصصة لازمة. ذكرت شارحة لحقيقة الضريع. وعلى الثاني: تكون صفة مخصصة.
(٤). أى: رعى البعير الشبرق الريان، أى: الشوك الرطب. وذوى يذوى ذويا: ذبل ذبولا. وذوى كرضى أنكرها الجوهري، وأثبتها أبو عبيدة، أى: حتى إذا جف وصار ضريعا يابسا يتفتت بان عنه، أى: بعد عنه النحائص: جمع نحوص وهي الناقة الحائل، لعلها أنه لا يسمن ولا يغنى من جوع.
(٥). لقيس بن عيزارة، وهزمه- بالزاي-: صدعه «ومنه: الهزم، أى: المنكسر. وناقة هزماء: بدا عظم وركيها من الهزال. وأما الهرم بالراء فهو الحمض، وبعير عارم: يرعى الحمض. والضريع: نبت سيئ ذو شوك. والحدب: الانحناء. والحدباء: المنحنية. وحرد حردا: يبس وشح، يقول: حبست النوق في مرعى غث متفتت، فكلها منحنية الظهور أو الأرجل من الهزال، دامية اليدين من الشوك، قليلة اللبن.
قلت: العذاب ألوان، والمعذبون طبقات، فمنهم. أكلة الزقوم. ومنهم أكلة الغسلين، ومنهم أكلة الضريع: لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ. لا يُسْمِنُ مرفوع المحل أو مجروره على وصف طعام. أو ضريع، يعنى: أنّ طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس، وإنما هو شوك والشوك مما ترعاه الإبل وتتولع به. وهذا نوع منه تنفر عنه ولا تقربه. ومنفعتا الغذاء منتفيتان عنه: وهما إماطة الجوع، وإفادة القوّة والسمن في البدن. أو أريد: أن لا طعام لهم أصلا، لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلا عن الإنس، لأن الطعام ما أشبع أو أسمن، وهو منهما بمعزل. كما تقول ليس لفلان ظل إلا الشمس، تريد: نفى الظل على التوكيد. وقيل: قالت كفار قريش: إن الضريع لتسمن عليه إبلنا فنزلت لا يُسْمِنُ فلا يخلو إما أن يتكذبوا ويتعنتوا بذلك وهو الظاهر، فيردّ قولهم بنفي السمن والشبع، وإما أن يصدقوا فيكون المعنى: أن طعامهم من ضريع ليس من جنس ضريعكم، إنما هو من ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع.
[سورة الغاشية (٨٨) : الآيات ٢ الى ١٦]
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (٢) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (٣) تَصْلى ناراً حامِيَةً (٤) تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (٦)
لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (١٠) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (١١)
فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦)
ناعِمَةٌ ذات بهجة وحسن، كقوله تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ أو متنعمة لِسَعْيِها راضِيَةٌ رضيت بعملها لما رأت ما أدّاهم إليه من الكرامة والثواب عالِيَةٍ من علو المكان أو المقدار لا تَسْمَعُ يا مخاطب. أو الوجوه لاغِيَةً أى لغوا، أو كلمة ذات لغو. أو نفسا تلغو، لا يتكلم أهل الجنة إلا بالحكمة وحمد الله على ما رزقهم من النعيم الدائم. وقرئ:
لا تسمع: على البناء للمفعول بالتاء والياء «١» فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ يريد عيونا في غاية الكثرة،
أو مفرقة في المجالس.
[سورة الغاشية (٨٨) : الآيات ١٧ الى ٢٦]
أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١)
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (٢٦)
أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ نظر اعتبار كَيْفَ خُلِقَتْ خلقا عجيبا، دالا على تقدير مقدر، شاهدا بتدبير مدبر، حيث خلقها للنهوض بالأثقال وجرها إلى البلاد الشاحطة «٢» فجعلها تبرك حتى تحمل عن قرب ويسر، ثم تنهض بما حملت، وسخرها منقادة لكل من اقتادها بأزمّتها: لا تعاز ضعيفا ولا تمانع صغيرا، وبرأها طوال الأعناق لتنوء بالأوقار. وعن بعض الحكماء. أنه حدث عن البعير وبديع خلقه، وقد نشأ في بلاد لا إبل بها، ففكر ثم قال: يوشك أن تكون طوال الأعناق، وحين أراد بها أن تكون سفائن البر صبرها على احتمال العطش، حتى إن أظماءها «٣» لترتفع إلى العشر فصاعدا، وجعلها ترعى كل شيء نابت في البراري والمفاوز مما لا يرعاه سائر البهائم. وعن سعيد بن جبير قال: لقيت شريحا القاضي فقلت: أين تريد؟ قال:
(٢). «قوله إلى البلاد الشاحطة» أى البعيدة. أفاده الصحاح. (ع)
(٣). قوله «حتى إن أظماءها» في الصحاح. «الظمء» ما بين الوردين: وهو حبس الإبل عن الماء إلى غاية الورد، والجمع: الأظماء. (ع)
فعلتها. فحذف المفعول. وعن هرون الرشيد أنه قرأ: سطحت بالتشديد، والمعنى: أفلا ينظرون إلى هذه المخلوقات الشاهدة على قدرة الخالق، حتى لا ينكروا اقتداره على البعث فيسمعوا إنذار الرسول ﷺ ويؤمنوا به ويستعدوا للقائه. أى: لا ينظرون، فذكرهم ولا تلح عليهم، ولا يهمنك أنهم لا ينظرون ولا يذكرون إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ كقوله إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ بمتسلط، كقوله وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ وقيل: هو في لغة تميم مفتوح الطاء، على أن «سيطر» متعد عندهم. وقولهم: تسيطر، يدل عليه إِلَّا مَنْ تَوَلَّى استثناء منقطع، أى: لست بمستول عليهم، ولكن من تولى وَكَفَرَ منهم، فإن لله الولاية والقهر. فهو يعذبه الْعَذابَ الْأَكْبَرَ الذي هو عذاب جهنم. وقيل. هو استثناء من قوله فَذَكِّرْ أى: فذكر إلا من انقطع طمعك من إيمانه وتولى، فاستحق العذاب الأكبر وما بينهما اعتراض. وقرئ: إلا من تولى، على التنبيه. وفي قراءة ابن مسعود: فإنه يعذبه:
وقرأ أبو جعفر المدني: إيابهم، بالتشديد. ووجهه أن يكون «فيعالا» مصدر «أيب» فيعل من الإياب. أو أن يكون أصله أوابا: فعالا من أوّب، ثم قيل: إيوابا كديوان في دوّان، ثم فعل به ما فعل بأصل: سيد وميت. فإن قلت. ما معنى تقديم الظرف؟ قلت: معناه التشديد في الوعيد، «١» وأن إيابهم ليس إلا إلى الجبار المقتدر على الانتقام، وأن حسابهم ليس بواجب إلا عليه، وهو الذي يحاسب على النقير والقطمير. ومعنى الوجوب: الوجوب في الحكمة. عن رسول الله ﷺ «من قرأ سورة الغاشية حاسبه الله حسابا يسيرا» «٢».
(٢). أخرجه الواحدي والثعلبي وابن مردويه بالإسناد إلى أبى بن كعب.