تفسير سورة الفلق

التفسير الوسيط للزحيلي
تفسير سورة سورة الفلق من كتاب التفسير الوسيط المعروف بـالتفسير الوسيط للزحيلي .
لمؤلفه وهبة الزحيلي . المتوفي سنة 1436 هـ

[سورة الفلق (١١٣) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤)
وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٥)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» [الفلق: ١١٣/ ١- ٥].
نزلت هذه السورة- كما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها- في قصة سحر لبيد بن الأعصم اليهودي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. والنفاثات: بناته اللواتي كن ساحرات، فسحرن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعقدن له إحدى عشرة عقدة، فأنزل الله تعالى إحدى عشرة آية بعدد العقد، هي المعوذتان، فشفي النبي صلّى الله عليه وسلّم.
والنّفث: قيل: هو شبه النفخ دون تفل ريق، والأصح أنه مع الريق. وهذا النفث: هو على عقد تعقد في خيوط ونحوها على اسم المسحور، فيؤذى بذلك.
وقصة هذا السحر:
أن لبيد بن الأعصم اليهودي سحر النبي صلّى الله عليه وسلّم- ولكن لم يؤثر السحر فيه وعوفي منه- سحره في جفّ (قشر الطلع) فيه مشاطة رأسه صلّى الله عليه وسلّم، وأسنان مشطه، ووتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغروز بالإبر، فأنزلت عليه المعوذتان، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد صلّى الله عليه وسلّم في نفسه خفّة (نشاطا) حتى انحلت العقدة الأخيرة، فقام، فكأنما نشط من عقال. وجعل جبريل عليه السّلام يرقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيقول: «باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر حاسد وعين، والله يشفيك».
وأنكر بعض المعاصرين هذه القصة، ورأى أنها من مفتريات اليهود، ليشككوا الناس في النبي صلّى الله عليه وسلّم، وليلصقوا به السحر، لأن الله تعالى يقول عن رسوله:
(١) ألجأ إلى الله رب الفلق: كل ما يفلقه الله من النبات وعيون الماء والمطر والولد.
(٢) الليل المظلم المشتد ظلامه.
(٣) دخل ظلامه في كل شيء. [.....]
(٤) السواحر، جمع نفاثة، والنفث عادة: النفخ مع ريق.
(٥) جمع عقدة: وهي ما يعقد من حبل أو خيط ونحوهما.
2962
وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: ٥/ ٦٧]، ويقول: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر:
١٥/ ٩٥].
المعنى: قل أيها النبي: ألجأ إلى الله، وأستعيذ برب الصبح، لأن الليل ينفلق عنه، وبرب كل ما انفلق عن جميع ما خلق الله أو انفلق عن غيره، من الحيوان، والنبات، والحب، والنوى، والمطر، والولد، وكل شيء يفلقه الله. وأعوذ بالله تعالى خالق الكائنات من شر كل ما خلقه الله من جميع مخلوقاته. وفيه إشارة إلى أن القادر على إزالة الظلمة عن وجه الأرض، قادر على دفع ظلمة الشرور والآفات والحسد والسحر والعين ونحو ذلك عن الإنسان.
أخرج الترمذي وحسنه، والبيهقي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتعوذ من عين الجان، ومن عين الإنس، فلما نزلت سورتا المعوذتين أخذ بهما وترك ما سوى ذلك».
وأخرج مالك في الموطأ عن عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا اشتكى، يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث، فلما اشتد وجعه، كنت أقرأ عليه، وأمسح بيده، رجاء بركتهما».
ثم بعد تعميم الاستعاذة من جميع المخلوقات، خص بالذكر ثلاثة أشياء، لأنها أعظم الشرور وهي:
- وأعوذ بالله من شر الليل إذا أقبل، ودخل ظلامه في كل شيء، وغشّى ما يحيط به، لأن في الليل مخاوف ومخاطر من سباع البهائم، وهوام الأرض، وأهل الفسق والفساد.
- وأعوذ بالله من شر النفوس أو شر الساحرات، لأنهن كن ينفثن (أي ينفخن) في عقد الخيوط، حين يسحرن بها. فالنفاثات: صفة للنفوس رجالا أو نساء.
2963
والنفث: النفخ مع ريق، كما قال الزمخشري. وقيل هو شبه النفخ، يكون في الرقية، ولا ريق معه، فإن كان بريق فهو تفل، والأول هو الأصح.
- وأعوذ بالله من شر كل ذي شر، ومن شر كل حاسد إذا حسد، والحاسد: هو الذي يتمنى زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود.
قال قتادة: من شر عينه ونفسه، يريد السعي الخبيث والإذاية كيف قدر، لأنه عدو مجدّ ممتحن.
هذه السورة رقية ناجعة تفيد كل إنسان، لوقايته من الشرور، وحفظه من السوء، وتخلصه من الحسد والسحر والعين، وغير ذلك، والله على كل شيء قدير.
2964
Icon