تفسير سورة الجاثية

تفسير التستري
تفسير سورة سورة الجاثية من كتاب تفسير التستري المعروف بـتفسير التستري .
لمؤلفه سهل التستري . المتوفي سنة 283 هـ

السورة التي يذكر فيها الجاثية
[سورة الجاثية (٤٥) : آية ٣]
إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣)
قوله تعالى: إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ [٣] قال: العلامات لمن أيقن بقلبه واستدل بكونها على مكونها.
[سورة الجاثية (٤٥) : آية ١٣]
وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣)
قوله تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ [١٣] قال: إذا سكن قلب العبد إلى مولاه قويت حال العبد، فسخر له كل شيء، بل أنس به كل شيء، حتى الطيور والوحوش. وحكي عن الثوري قال خرجت مع شيبان «١» الراعي إلى مكة فعرض لنا الأسد.
فقلت: يا شيبان أما ترى هذا الكلب. فقال: لا تخف. فما هو إلا أن سمع الأسد كلام شيبان الراعي، حتى جعل يبصبص بذنبه، فأتاه شيبان فأخذ بأذنه وعركها. فقلت له: ما هذه الشهرة يا شيبان؟ فقال: وأي شهرة ترى يا ثوري، والله لولا مخافة الشهرة ما حملت زادي إلى مكة إلا على ظهره «٢». وكان شيبان يحضر صلاة الجمعة، فبصر بذئب عند الغنم، فقال له: اقعد عند الغنم حتى إذا رجعت أعطيتك حملاً، فرجع من صلاة الجمعة، فإذا هو بالذئب قاعد يحفظ له الغنم، فأعطاه حملاً له. وكان سهل يقول لشاب يصحبه: إن كنت تخاف السباع فلا تصحبني.
وسئل سهل: كيف يدرك الرجل منزلة الكرامات؟ فقال: من زهد في الدنيا أربعين يوماً صادقاً مخلصاً فقد ظهرت الكرامات من الله عزَّ وجلَّ له، ومن لم تظهر له فهو لما فقد من زهده من الصدق والإخلاص، أو كلاماً نحو هذا.
(١) شيبان أبو محمد الراعي: كان في العبادة فائقا، وبالتوكل على ربه واثقا. كان في عصر هارون الرشيد.
(الحلية ٨/ ٣١٧ وصفوة الصفوة ٤/ ٣٧٧).
(٢) صفوة الصفوة ٤/ ٣٧٧، والحلية ٧/ ٦٨- ٦٩ وسير أعلام النبلاء ٧/ ٢٦٨. وروي أن مثل هذا الخبر جرى مع ابن عمر، (لسان الميزان ٢/ ٤٩) ومع إبراهيم بن الأدهم، (التدوين في أخبار قزوين ٢/ ٢٤٦) ومع أم هارون (صفوة الصفوة ٤/ ٣٠٤).

[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ١٧ الى ١٩]

وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩)
قوله تعالى: وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ [١٧] قال: فتحنا أسماعهم لفهم خطابنا، وجعلنا أفئدتهم وعاء لكلامنا، وأعطيناهم فراسة صادقة يحكمون بها في عبادنا حكم يقين وأخبار صدق، فهذه هي البينات من الأمر في طريق الباطن.
قوله تعالى: ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها [١٨] قال: يعني منهاج سنن من كان من قبلكم من الأنبياء، فإنهم على منهاج الهدى والشريعة الشارع الممتد الواضح إلى طريق النجاة وسبيل الرشد.
قوله تعالى: إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً [١٩] من استغنى بغير الله فبغناه افتقر ومن اعتز بغيره فبعزه ذل، ألا ترى أن الله يقول: إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً [١٩].
[سورة الجاثية (٤٥) : آية ٢١]
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١)
قوله تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ
[٢١] الآية، قال: ليس من أقعد على بساط الموافقة كمن أقيم في مقام المخالفة، فإن بساط الموافقة يجر بصاحبه إلى مقاعد الصدق، ومقام المخالفة يهوي بصاحبه في لظى.
[سورة الجاثية (٤٥) : آية ٢٣]
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣)
قوله تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [٢٣] قال: يعني أفرأيت من كان مغموراً في لذة نفسه من الدنيا، غير ورع ولا تقي، فاتبع مراده ولم يسلك مسالك الاقتداء، وآثر شهوات الدنيا على نعيم العقبى، أنى تكون له في الآخرة من الدرجات الرفيعة والمنازل السنية «١» وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ [٢٣] قال: أي على علم الله السابق فيه بترك عصمته ومعونته.
[سورة الجاثية (٤٥) : آية ٢٦]
قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٦)
قوله: قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ [٢٦] قال: يحييكم في بطون أمهاتكم، ثم يميتكم بجهالة، ويجمعكم إلى يوم القيامة أولكم وآخركم لا ريب فيه.
[سورة الجاثية (٤٥) : آية ٢٨]
وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨)
قوله تعالى: وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً [٢٨] قال: على ركبها تجادل عن نفسها عند المرافقة الصادق يجتهد في تحقيق صدقه، والجاحد يجتهد في الدفع عن نفسه، وكلٌّ محكوم عليه في الذي أملاه، مدده ريقه، وقلمه لسانه، وقرطاسه جوارحه.
[سورة الجاثية (٤٥) : آية ٣٧]
وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧)
قوله: وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [٣٧] قال: العلو والقدرة والعظمة والحول والقوة له في جميع الملك، فمن اعتصم به أيّده بحوله وقوته، ومن اعتمد على نفسه وكّله الله إليها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(١) في تفسير القرطبي ١٦/ ١٦٨ بعد تفسير الآية المذكورة، أن سهل التستري قال: هواك داؤك، فإن خالفته فدواؤك).
Icon