تفسير سورة الطور

التفسير الميسر
تفسير سورة سورة الطور من كتاب التفسير الميسر .
لمؤلفه التفسير الميسر . المتوفي سنة 2007 هـ

﴿ وَالطُّورِ ( ١ ) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ( ٢ ) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ ( ٣ ) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ( ٤ ) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ( ٥ ) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ( ٦ ) ﴾
أقسم الله بالطور، وهو الجبل الذي كلَّم الله سبحانه وتعالى موسى عليه،
وبكتاب مكتوب،
وهو القرآن في صحف منشورة،
وبالبيت المعمور في السماء بالملائكة الكرام الذين يطوفون به دائمًا،
وبالسقف المرفوع وهو السماء الدنيا،
وبالبحر المسجور المملوء بالمياه.
﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ( ٧ ) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ ( ٨ ) يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً ( ٩ ) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً ( ١٠ ) ﴾
إن عذاب ربك –يا محمد- بالكفار لَواقع،
ليس له مِن مانع يمنعه حين وقوعه،
يوم تتحرك السماء فيختلُّ نظامها وتضطرب أجزاؤها، وذلك عند نهاية الحياة الدنيا،
وتزول الجبال عن أماكنها، وتسير كسير السحاب.
﴿ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ( ١١ ) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ ( ١٢ ) ﴾
فالهلاك في هذا اليوم واقع بالمكذبين
الذين هم في خوض بالباطل يلعبون به، ويتخذون دينهم هزوًا ولعبًا.
﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً ( ١٣ ) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ( ١٤ ) ﴾
يوم يُدْفَع هؤلاء المكذبون دفعًا بعنف ومَهانة إلى نار جهنم،
ويقال توبيخًا لهم : هذه هي النار التي كنتم بها تكذِّبون.
﴿ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ ( ١٥ ) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( ١٦ ) ﴾
أفسحر ما تشاهدونه من العذاب أم أنتم لا تنظرون ؟
ذوقوا حرَّ هذه النار، فاصبروا على ألمها وشدتها، أو لا تصبروا على ذلك، فلن يُخَفَّف عنكم العذاب، ولن تخرجوا منها، سواء عليكم صبرتم أم لم تصبروا، إنما تُجزون ما كنتم تعملون في الدنيا.
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ( ١٧ ) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ( ١٨ ) ﴾
إن المتقين في جنات ونعيم عظيم،
يتفكهون بما آتاهم الله من النعيم من أصناف الملاذِّ المختلفة، ونجَّاهم الله من عذاب النار.
﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( ١٩ ) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ( ٢٠ ) ﴾
كلوا طعامًا هنيئًا، واشربوا شرابًا سائغًا ؛ جزاء بما عملتم من أعمال صالحة في الدنيا.
وهم متكئون على سرر متقابلة، وزوَّجناهم بنساء بيض واسعات العيون حسانهنَّ.
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ( ٢١ ) ﴾
والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم في الإيمان، وألحقنا بهم ذريتهم في منزلتهم في الجنة، وإن لم يبلغوا عمل آبائهم ؛ لتَقَرَّ أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم، فيُجْمَع بينهم على أحسن الوجوه، وما نقصناهم شيئًا من ثواب أعمالهم. كل إنسان مرهون بعمله، لا يحمل ذنب غيره من الناس.
﴿ وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ( ٢٢ ) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ ( ٢٣ ) ﴾
وزدناهم على ما ذُكر من النعيم فواكه ولحومًا مما يستطاب ويُشتهى،
ومن هذا النعيم أنهم يتعاطَوْن في الجنة كأسًا من الخمر، يناول أحدهم صاحبه ؛ ليتم بذلك سرورهم، وهذا الشراب مخالف لخمر الدنيا، فلا يزول به عقل صاحبه، ولا يحصل بسببه لغو، ولا كلام فيه إثم أو معصية.
﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ ( ٢٤ ) ﴾
ويطوف عليهم غلمان مُعَدُّون لخدمتهم، كأنهم في الصفاء والبياض والتناسق لؤلؤ مصون في أصدافه.
﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ( ٢٥ ) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ( ٢٦ ) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ( ٢٧ ) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ( ٢٨ ) ﴾
وأقبل أهل الجنة، يسأل بعضهم بعضًا عن عظيم ما هم فيه وسببه،
قالوا : إنا كنا قبل في الدنيا- ونحن بين أهلينا- خائفين ربنا، مشفقين من عذابه وعقابه يوم القيامة.
فمنَّ الله علينا بالهداية والتوفيق، ووقانا عذاب سموم جهنم، وهو نارها وحرارتها.
إنا كنا من قبلُ نضرع إليه وحده لا نشرك معه غيره أن يقينا عذاب السَّموم ويوصلنا إلى النعيم، فاستجاب لنا وأعطانا سؤالنا، إنه هو البَرُّ الرحيم. فمن بِره ورحمته إيانا أنالنا رضاه والجنة، ووقانا مِن سخطه والنار.
﴿ فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ ( ٢٩ ) ﴾
فذكِّر –يا محمد- مَن أُرسلت إليهم بالقرآن، فما أنت بإنعام الله عليك بالنبوة ورجاحة العقل بكاهن يخبر بالغيب دون علم، ولا مجنون لا يعقل ما يقول كما يَدَّعون.
﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ( ٣٠ ) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُتَرَبِّصِينَ ( ٣١ ) ﴾
أم يقول المشركون لك –يا محمد- : هو شاعر ننتظر به نزول الموت ؟
قل لهم : انتظروا موتي فإني معكم من المنتظرين بكم العذاب، وسترون لمن تكون العاقبة.
﴿ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ( ٣٢ ) ﴾
بل أتأمر هؤلاء المكذبين عقولهم بهذا القول المتناقض ( ذلك أن صفات الكهانة والشعر والجنون لا يمكن اجتماعها في آن واحد )، بل هم قوم متجاوزون الحدَّ في الطغيان.
﴿ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ ( ٣٣ ) ﴾
بل أيقول هؤلاء المشركون، اختلق محمد القرآن من تلقاء نفسه ؟ بل هم لا يؤمنون، فلو آمنوا لم يقولوا ما قالوه.
﴿ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ( ٣٤ ) ﴾
فليأتوا بكلام مثل القرآن، إن كانوا صادقين- في زعمهم- أن محمدًا اختلقه.
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ ( ٣٥ ) ﴾
أخُلِق هؤلاء المشركون من غير خالق لهم وموجد، أم هم الخالقون لأنفسهم ؟ وكلا الأمرين باطل ومستحيل. وبهذا يتعيَّن أن الله سبحانه هو الذي خلقهم، وهو وحده الذي لا تنبغي العبادة ولا تصلح إلا له.
﴿ أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ ( ٣٦ ) ﴾
أم خَلَقوا السموات والأرض على هذا الصنع البديع ؟ بل هم لا يوقنون بعذاب الله، فهم مشركون.
﴿ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ ( ٣٧ ) ﴾
أم عندهم خزائن ربك يتصرفون فيها، أم هم الجبارون المتسلطون على خلق الله بالقهر والغلبة ؟ ليس الأمر كذلك، بل هم العاجزون الضعفاء.
﴿ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ( ٣٨ ) ﴾
أم لهم مصعد إلى السماء يستمعون فيه الوحي بأن الذي هم عليه حق ؟ فليأت مَن يزعم أنه استمع ذلك بحجة بينة تصدِّق دعواه.
﴿ أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمْ الْبَنُونَ ( ٣٩ ) ﴾
ألِلهِ سبحانه البنات ولكم البنون كما تزعمون افتراء وكذبًا ؟
﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ( ٤٠ ) ﴾
بل أتسأل –يا محمد- هؤلاء المشركين أجرًا على تبليغ الرسالة، فهم في جهد ومشقة من التزام غرامة تطلبها منهم ؟
﴿ أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ( ٤١ ) ﴾
أم عندهم علم الغيب فهم يكتبونه للناس ويخبرونهم به ؟ ليس الأمر كذلك ؛ فإنه لا يعلم الغيب في السموات والأرض إلا الله.
﴿ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمْ الْمَكِيدُونَ ( ٤٢ ) ﴾
بل يريدون برسول الله وبالمؤمنين مكرًا، فالذين كفروا يرجع كيدهم ومكرهم على أنفسهم.
﴿ أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ( ٤٣ ) ﴾
أم لهم معبود يستحق العبادة غير الله ؟ تنزَّه وتعالى عما يشركون، فليس له شريك فى الملك، ولا شريك في الوحدانية والعبادة.
{ وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنْ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ ( ٤٤ )
وإن ير هؤلاء المشركون قطعًا من السماء ساقطًا عليهم عذابًا لهم لم ينتقلوا عما هم عليه من التكذيب، ولقالوا : هذا سحاب متراكم بعضه فوق بعض.
فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ ( ٤٥ ) }
فدع –يا محمد- هؤلاء المشركين حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يُهْلكون، وهو يوم القيامة.
﴿ يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ( ٤٦ ) ﴾
وفي ذلك اليوم لا يَدْفع عنهم كيدهم من عذاب الله شيئًا، ولا ينصرهم ناصر من عذاب الله.
﴿ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ( ٤٧ ) ﴾
وإن لهؤلاء الظلمة عذابًا يلقونه في الدنيا قبل عذاب يوم القيامة من القتل والسبي وعذاب البرزخ وغير ذلك، ولكن أكثرهم لا يعلمون ذلك.
﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ( ٤٨ ) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ( ٤٩ ) ﴾
واصبر –يا محمد- لحكم ربك وأمره فيما حَمَّلك من الرسالة، وعلى ما يلحقك من أذى قومك، فإنك بمرأى منا وحفظ واعتناء، وسبِّح بحمد ربك حين تقوم إلى الصلاة، وحين تقوم من نومك،
ومن الليل فسبِّح بحمد ربك وعظِّمه، وصلِّ له، وافعل ذلك عند صلاة الصبح وقت إدبار النجوم. وفي هذه الآية إثبات لصفة العينين لله تعالى بما يليق به، دون تشبيه بخلقه أو تكييف لذاته، سبحانه وبحمده، كما ثبت ذلك بالسنة، وأجمع عليه سلف الأمة، واللفظ ورد هنا بصيغة الجمع للتعظيم.
Icon