ﰡ
[سورة الانفطار]
فاتحة سورة الانفطارلا يخفى على من لاح عليه آثار القدرة الغالبة الإلهية وانكشف دونه غناه سبحانه في ذاته عن عموم مظاهره ومصنوعاته ان جميع ما ظهر وبطن غيبا وشهادة انما هو محكوم حكمه المحكم وقضائه المبرم له سبحانه ان يتصرف فيها ويقلبها كيف يشاء ارادة واختيارا لكنها مرهونة بأوقات ومسبوقة بأمارات مقدرة من عنده سبحانه ومن تلك العلامات ما ذكره سبحانه في هذه السورة بعد ما تيمن بِسْمِ اللَّهِ الذي ظهر على ما ظهر وبطن حسب قدرته الكاملة الغالبة الرَّحْمنِ على عموم مظاهره بإعطاء الوجودات الاضافية الرَّحِيمِ عليها بنزعها عنها عند ظهور الوحدة الذاتية على صرافتها
[الآيات]
إِذَا السَّماءُ المعبر بها عن العلويات المتأثرات عن الأسماء والصفات الإلهية انْفَطَرَتْ انشقت وانخرقت ولم يبق قابليتها للتأثر والاستمداد من الأسماء والصفات الإلهية
وَإِذَا الْكَواكِبُ التي قد تعينت عليها بالهويات وتكثرت بالهياكل والماهيات انْتَثَرَتْ تفرقت أوضاعها وتلاشت أشكالها وهيآتها واضمحلت اجزاؤها
وَإِذَا الْبِحارُ الكلية المستحدثة من الأمواج المتراكمة المترادفة على بحر الوجود الوحدانى واتصف كل واحد منها بالصفات المتنوعة مثل اللاهوت والناسوت والغيب والشهادة والاولى والاخرى الى غير ذلك من العوالم التي لا تعد ولا تحصى فُجِّرَتْ انفجرت وانفتح بعضها الى بعض وارتفعت صور الأمواج واتصل الكل فصار بحرا واحدا وحدانيا فردانيا على ما قد كان عليه أزلا وابدا
وَإِذَا الْقُبُورُ والأجداث اى الهويات والتعينات المندرسة المنعكسة التي لم يبق في أجوافها شيء من امارات عالم الناسوت بل عادت على ما عليه كانت من العدم بُعْثِرَتْ بحثرت وقلبت وخرج عن مطاويها ما فيها من حصة عالم اللاهوت
عَلِمَتْ يومئذ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ واقترفت في نشأة الاختبار والاعتبار من صوالح الأعمال ومقابح الأخلاق والأطوار وَما أَخَّرَتْ أهملت وتركت فيها ما من صوالح الأعمال ومحاسن الأخلاق والأطوار. ثم نادى سبحانه للمظهر الإنساني المصور بصورة الرحمن نداء معاتبة وتخجيل على ما عرض عليه من الغفلة والنسيان مع انه قد جبل على فطرة التوحيد والعرفان فقال
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ المنعم عليه بأنواع الإحسان ما غَرَّكَ اى أى شيء خدعك ومكر بك حتى جرأك على الكفر والعصيان بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ
الَّذِي خَلَقَكَ اى أوجدك وأظهرك وصورك في احسن تقويم فَسَوَّاكَ اى سوى اعضاءك وجوارحك سليمة عن مطلق العيوب فَعَدَلَكَ اى جعلك معتدل المزاج متناسبة الأعضاء مطبوع الهيكل مقبول الشكل وبالجملة
فِي أَيِّ صُورَةٍ حسنة وشكل مطبوع مرغوب ما شاءَ وأراد بك يعنى في أى صورة بديعة عجيبة ممتازة عن صور عموم الحيوانات تعلقت بها مشيته وارادته سبحانه رَكَّبَكَ عليها اى انتخب صورتك من صور جميع المظاهر فركبك عليها وأظهرك فيها لتكون أنت مؤمنا موقنا بوحدة ذاته عارفا موحدا مع انك عصيت وأشركت معه غيره وخرجت عن ربقة عبوديتك مكابرة وعنادا. قيل لفضيل بن عياض قدس سره لو أقامك الله تعالى بين يديه يوم القيامة فقال يا فضيل ما غرك بربك الكريم ماذا كنت تقول قال أقول غرني ستورك المرخاة وقال يحيى بن معاذ قدس سره لو أقامني بين يديه فقال يا يحيى ما غرك بي قلت غرني برك بي سالفا وآنفا يا ربي وقال ابو بكر الوراق قدس سره لو قال لي ما غرك بربك الكريم لقلت كرم ربي الكريم
كَلَّا ردعا للإنسان عن الغفلة والاغترار بإيراد الاعذار الكاذبة بَلْ تُكَذِّبُونَ ايها المغترون المسرفون بِالدِّينِ وبترتب الجزاء على أعمالكم وأخلاقكم من حسناتكم وسيئاتكم لذلك غرتكم الحياة المستعارة الدنياوية ففعلتم ما فعلتم من المفاسد والمقابح بشدة الإنكار والإصرار بلا مبالاة وخشية من القدير العليم
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ من قبل الحق لَحافِظِينَ رقباء
كِراماً أمناء لا يزيدون عليها ولا ينقصون منها لكونهم كاتِبِينَ مثبتين في صحف أعمالكم
يَعْلَمُونَ منكم جميع ما تَفْعَلُونَ فيقررون عليكم وقت حسابكم ثم تجازون على مقتضاها
إِنَّ الْأَبْرارَ البارين المبرورين لَفِي نَعِيمٍ مقيم ومسرة دائمة وفوز عظيم
وَإِنَّ الْفُجَّارَ المسرفين المفترين لَفِي جَحِيمٍ معذبين بعذاب أليم
يَصْلَوْنَها ويدخلون فيها يَوْمَ الدِّينِ والجزاء بعد ما حوسبوا
وَبالجملة ما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ متحولين مفارقين ابدا بل صاروا فيها خالدين مخلدين. ثم أبهم سبحانه ذلك اليوم على السامعين تعظيما له وتفخيما على سبيل التهويل فقال
وَما أَدْراكَ وأعلمك ايها المغرور ما يَوْمُ الدِّينِ وما شأنه الفظيع وما شدة هوله وفزعه
ثُمَّ ما أَدْراكَ ايها المغرور الممكور ما يَوْمُ الدِّينِ وما يجرى عليك فيها من الشدائد والأهوال وانواع الهموم والأحزان وبالجملة
يَوْمَ وأى يوم يوم لا تَمْلِكُ تنفع وتدفع نَفْسٌ لِنَفْسٍ حميم لحميم وصديق لصديق شَيْئاً مما حكم عليها واستحق لها من الجزاء بل كل نفس رهينة بما كسبت مشغولة بما اقترفت بلا التفات منها الى غيرها من شدة هولها وحزنها وَبالجملة الْأَمْرُ اى عموم امور العباد وما جرى عليهم من الثواب والعقاب كله يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ مختصة به موكولة بمشيته مفوضة الى ارادته يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فضلا وعدلا لا يسأل عن فعله انه حكيم حميد. اصنع بنا ما أنت به اهل يا مولانا
خاتمة سورة الانفطار
عليك ايها المترقب لفضل الحق ولطفه في يوم الجزاء ان تفوض أمورك كلها الى الله في نشأتك هذه وتقوم بين يدي الله في كل الأحوال وتتجرد عن مقتضيات ناسوتك في عموم الشئون والأطوار الطارية عليك على تعاقب الأدوار في مدة حياتك المستعارة وإياك إياك الاغترار بخداع هذه الغدارة المكارة فاعتبر من اهل هذا الدار ان كنت من ذوى العبرة والاستبصار فاعبر عنها فإنها ما هي دار القرار بل منزلة الخبرة والاعتبار فاعتبروا يا اولى الأبصار
[سورة المطففين]
فاتحة سورة التطفيف
لا يخفى على من تمكن في جادة العدالة الإلهية ورسخ قدم عزمه وهمته على صراط الاستقامة الحقيقية الموصلة الى ينبوع بحر الوحدة الذاتية ان الانحراف والميل عن مقتضى القسط والإنصاف الإلهي انما هو من طغيان القوى البهيمية ومن استيلاء شياطين الامارة على جنود المطمئنة وغلبة مقتضيات لوازم الإمكان ولواحق الطبيعة المورثة لانواع الخذلان والخسران على القوى الوجوبية والنواميس الإلهية المسقطة للاضافات المانعة من الوصول الى ينبوع الوحدة الذاتية ولا شك