تفسير سورة الشرح

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة الشرح من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة ألم نشرح وهي مكية

قَوْله تَعَالَى: ﴿ألم نشرح لَك صدرك﴾ مَعْنَاهُ: ألم نفتح لَك صدرك؟ وَقيل: ألم نوسع لَك صدرك، وَالْقَوْل الأول، قَالَه مُجَاهِد وَالْحسن.
وَقَالَ السّديّ: ألم نلين لَك قَلْبك، وَقَالَ الْحسن فِي رِوَايَة أُخْرَى: ﴿ألم نشرح لَك صدرك﴾ مَعْنَاهُ: أَنه ملئ حِكْمَة وإيمانا.
وَقد ورد فِي الْأَخْبَار بِرِوَايَة قَتَادَة، عَن أنس، [عَن] مَالك بن صعصعة، أَن نَبِي الله قَالَ: " بَيْنَمَا أَنا عِنْد الْبَيْت بَين النَّائِم وَالْيَقظَان إِذْ سَمِعت قَائِلا يَقُول: هُوَ بَين الثَّلَاثَة، فَأتيت بطست من ذهب فِيهِ مَاء زَمْزَم، فشرح الله صَدْرِي إِلَى كَذَا وَكَذَا.
قَالَ قَتَادَة: قلت: مَا تَعْنِي؟ قَالَ: إِلَى أَسْفَل بَطْني، فاستخرج قلبِي وغسله بِمَاء زَمْزَم، ثمَّ أَعَادَهُ إِلَى مَكَانَهُ، ثمَّ حشاه إِيمَانًا وَحِكْمَة ".
وَفِي الحَدِيث قصَّة طَوِيلَة، قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث القَاضِي الإِمَام أَبُو الدَّرْدَاء، أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس بن سراج، أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس بن مَحْبُوب أخبرنَا أَبُو عِيسَى الْحَافِظ، أخبرنَا مُحَمَّد بن بشار، أخبرنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَابْن أبي عدي، عَن سعيد بن أبي (عرُوبَة)، عَن قَتَادَة، عَن أنس بن مَالك الحَدِيث.
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح.
وَورد أَيْضا فِي الْأَخْبَار أَن النَّبِي قَالَ: " إِذا دخل النُّور فِي قلب الْمُؤمن انْشَرَحَ وانفسخ.
فَقيل يَا رَسُول الله وَهل لذَلِك من عَلامَة؟ قَالَ التَّجَافِي عَن دَار الْغرُور، والإنابة إِلَى دَار الخلود، والاستعداد للْمَوْت قبل حُلُول الْمَوْت ".
248
﴿ووضعنا عَنْك وزرك (٢) الَّذِي أنقض ظهرك (٣) ورفعنا لَك ذكرك (٤) ﴾
249
وَقَوله: ﴿ووضعنا عَنْك وزرك﴾ قَالَ مُجَاهِد: أَي غفرنا لَك، وَهُوَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى ﴿ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر﴾.
وَقَوله: ﴿وزرك﴾ قَالَ مُجَاهِد: أَي: ثقلك.
وَعَن بَعضهم: ووضعنا عَنْك وزرك، أَي: حططنا عَنْك ثقلك.
وَفِي رِوَايَة ابْن مَسْعُود: وحللنا عَنْك وقرك.
وَقَوله: ﴿الَّذِي أنقض ظهرك﴾ قَالَ الزّجاج، أَي: أثقلك ثقلا، يسمع مِنْهُ نقيض ظهرك: وَهَذَا على طَرِيق التَّشْبِيه والتمثيل، يَعْنِي: لَو كَانَ شَيْئا يثقل، يسمع من ثقله نقيض ظهرك.
فَإِن قَالَ قَائِل: وأيش كَانَ وزره؟ وَهل كَانَ على دين قومه قبل النُّبُوَّة أَو لَا؟
وَالْجَوَاب: قد ورد فِي التَّفْسِير: أَنه كَانَ على دين قومه قبل ذَلِك، وَمعنى ذَلِك: أَنه كَانَ يشْهد مشاهدهم، ويوافقهم فِي بعض أُمُورهم من غير أَن يعبد صنما أَو يعظم وثنا، وَقد كَانَ الله عصمه عَن ذَلِك، فَمَا ذكرنَا هُوَ الْوزر الَّذِي أنقض ظَهره.
وَقَوله: ﴿ورفعنا لَك ذكرك﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا: ورفعنا لَك ذكرك بِالنُّبُوَّةِ والرسالة.
وَالْآخر: رفعنَا لَك ذكرك أَي: جعلت طَاعَتك طَاعَتي، ومعصيتك معصيتي، وَالْقَوْل الْمَعْرُوف فِي هَذَا أَنِّي لَا أذكر إِلَّا ذكرت معي، قَالَ ابْن عَبَّاس: فِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَالتَّشَهُّد وعَلى المنابر فِي الْجمع والخطب فِي الْعِيدَيْنِ وَيَوْم عَرَفَة وَغير ذَلِك.
وَقَالَ قَتَادَة: مَا من متشهد وَلَا خطيب وَلَا صَاحب صَلَاة إِلَّا وَهُوَ يُنَادي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله.
وَقد ورد فِي بعض الْأَخْبَار هَذَا مَرْفُوعا إِلَى جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - بِرِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي قَالَ لي: " إِن جِبْرِيل قَالَ: قَالَ الله عز وَجل: إِذا ذكرت
249
﴿فَإِن مَعَ الْعسر يسرا (٥) إِن مَعَ الْعسر يسرا (٦) ﴾
وَقَالَ حسان بن ثَابت يمدح النَّبِي:
250
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِن من الْعسر يسرا﴾ أَي: مَعَ الْعسر يسرا.
فِي التَّفْسِير أَن الْمُشْركين عيروا النَّبِي وَأَصْحَابه، وَقَالُوا: لَو شِئْت جَمعنَا لَك شَيْئا من المَال لترجع عَن هَذَا القَوْل، فأكربه ذَلِك، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة.
وَالْمعْنَى: إِن مَعَ الْفقر غنى، وَمَعَ الضّيق سَعَة، وَإِن مَعَ الحزونة سهولة، وَمَعَ الشدَّة رخاء.
وَقد حقق الله ذَلِك فِي الدُّنْيَا بِمَا فتح على النَّبِي - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - وعَلى أَصْحَابه، فَإِن الله تَعَالَى فتح للنَّبِي الْحجاز، وتهامة، وَمَا والاها، وَعَامة بِلَاد الْيمن، وَكَثِيرًا من الْبَوَادِي إِلَى [قريب] من الْعرَاق وَالشَّام، وَفتح على أَصْحَابه مَا فتح وأغنمهم كنوز كسْرَى وَقَيْصَر، وَقد صَار حَال النَّبِي فِي آخر أمره أَنه كَانَ يهب المائين من الْإِبِل، والألوف من الْغنم، ويدخر لِعِيَالِهِ قوت سنة، فَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ هُوَ معنى الْآيَة.
وَقد روى معمر (عَن أَيُّوب) عَن الْحسن " أَن النَّبِي خرج يَوْمًا مَسْرُورا إِلَى أَصْحَابه وَقَالَ: أَبْشِرُوا لن يغلب عسر يسرين، ثمَّ قَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِن مَعَ الْعسر يسرا إِن مَعَ الْعسر يسرا﴾ قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد، أخبرنَا سهل بن عبد الصَّمد بن عبد الرَّحْمَن البرَاز أخبرنَا العذافري، أخبرنَا الدبرِي، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر... الحَدِيث.
250
فَإِن قَالَ قَائِل: مَا معنى قَوْله: لن يغلب عسر يسرين، وَقد كرر كِلَاهُمَا؟
وَالْجَوَاب عَنهُ: أَن الْفراء ذكر أَن النكرَة إِذا كررت نكرَة، فَالثَّانِي غير الأول، والنكرة إِذا أُعِيدَت معرفَة فَالثَّانِي هُوَ الأول تَقول الْعَرَب: كسبت الْيَوْم درهما، وأنفقت الدِّرْهَم.
فَالثَّانِي هُوَ الأول.
ونقول: وعَلى معنى هَذَا ورد قَوْله تَعَالَى: ﴿كَمَا أرسلنَا إِلَى فِرْعَوْن رَسُولا فعصى فِرْعَوْن الرَّسُول﴾ وَعَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لَو دخل الْعسر فِي جُحر لتَبعه الْيُسْر حَتَّى يَسْتَخْرِجهُ.
وَفِي معنى اليسرين قَولَانِ: أَحدهمَا: يسر الدُّنْيَا، وَالْآخر يسر الْآخِرَة، فعلى هَذَا معنى الْخَبَر، إِن غلب الْعسر يسر الدُّنْيَا، فَلَا يغلب يسر الْآخِرَة.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الْيُسْر الأول هُوَ للرسول، واليسر الثَّانِي لأَصْحَابه.
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الجنوجردي قَالَ: أخبرنَا أَبُو إِسْحَاق الثَّعْلَبِيّ الْحسن بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي قَالَ: سَمِعت مُحَمَّد بن عَامر الْبَغْدَادِيّ قَالَ سَمِعت عبد الْعَزِيز بن يحيى قَالَ: سَمِعت عمر قَالَ الْعُتْبِي يَقُول: كنت ذَات لَيْلَة فِي الْبَادِيَة، فَألْقى فِي روعي بَيت من شعر، فَقلت:
(أرى الْمَوْت لمن أصبح... مغموما أروح)
فَلَمَّا جن اللَّيْل سَمِعت هاتفا يَهْتِف من الْهَوَاء:
(أَلا أَيهَا الْمَرْء الَّذِي... الْهم بِهِ يبرح)
(وَقد أنْشد بَيْتا... لم يزل فِي فكره يسنح)
(إِذا اشتدت بك العسرى... ففكر فِي ألم نشرح)
(فعسر بَين يسرين... إِذا أبصرته فافرح)
قَالَ: فَحفِظت الأبيات، وَفرج الله غمي.
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: وأنشدنا أَبُو بكر قَالَ: أنشدنا أَبُو إِسْحَاق قَالَ أنشدنا الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ: أنشدنا أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْحِيرِي قَالَ: أنشدنا
251
﴿فَإِذا فرغت فانصب (٧) وَإِلَى رَبك فارغب (٨) ﴾ إِسْحَاق بن بهْلُول القَاضِي:
(أغر عَلَيْهِ للبنوة خَاتم من الله مشهود يلوح وَيشْهد)
(وَضم الْإِلَه اسْم النَّبِي مَعَ اسْمه إِذا قَالَ فِي الْخمس الْمُؤَذّن أشهد)
(وشق لَهُ من اسْمه ليجله فذو الْعَرْش مَحْمُود وَهَذَا مُحَمَّد)
(فَلَا تيأس وَإِن أعسرت يَوْمًا فقد أَيسَرت فِي دهر طَوِيل)
(وَلَا تَظنن بِرَبِّك ظن سوء فَإِن الله أولى بالجميل)
(وَإِن الْعسر يتبعهُ يسَار وَقَول الله أصدق كل قيل)
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: وأنشدنا أَبُو بكر قَالَ: أنشدنا أَبُو إِسْحَاق قَالَ: أنشدنا الْحسن قَالَ: أنشدنا الْحسن بن مُحَمَّد قَالَ: أَنْشدني مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن معَاذ (الْكَرْخِي) قَالَ أنشدنا أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي:
(إِذا بلغ الْعسر مجهوده فثق عِنْد ذَاك بيسر سريع)
(ألم تَرَ نحس الشتَاء النطيع يتلوه سعد الرّبيع البديع)
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: وأنشدنا أَبُو بكر، أنشدنا أَبُو إِسْحَاق، أَنْشدني عِيسَى بن زيد الطفيلي أَنْشدني سُلَيْمَان بن أَحْمد الرقي:
252
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِذا فرغت فانصب﴾ قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك والكلبي وَمُقَاتِل: إِذا فرغت من الصَّلَاة فانصب للدُّعَاء، وارغب إِلَى الله فِي الْمَسْأَلَة.
وَقَالَ الشّعبِيّ: إِذا فرغت من التَّشَهُّد فَادع لدنياك وآخرتك.
وروى نَحْو ذَلِك عَن الزُّهْرِيّ وَعَن ابْن مَسْعُود: إِذا فرغت من الْفَرَائِض فانصب لقِيَام اللَّيْل.
وَعَن بَعضهم إِذا فرغت من تَبْلِيغ الرسَالَة فانصب لجهاد الْكفَّار.
وَقَوله: ﴿وَإِلَى رَبك فارغب﴾ هُوَ الْحَث على الدُّعَاء [و] الْمَسْأَلَة.
وَقَالَ الزّجاج: إِلَى رَبك فارغب وَحده، وَلَا تكن رغبتك إِلَى أحد سواهُ.
وَالله أعلم.
252

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿والتين وَالزَّيْتُون (١) وطور سينين (٢) وَهَذَا الْبَلَد الْأمين (٣) لقد خلقهَا الْإِنْسَان فِي أحسن تَقْوِيم (٤) ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين (٥) ﴾
تَفْسِير سُورَة التِّين
وَهِي مَكِّيَّة
وَقد ثَبت بِرِوَايَة الْبَراء بن عَازِب أَن النَّبِي قَرَأَ هَذِه السُّورَة فِي صَلَاة الْمغرب خرجه مُسلم فِي كِتَابه.
253
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
(توقع إِذا مَا عدتك الخطوب سُرُورًا يسردها عنْدك فسرا)
(ترى الله يخلف ميعاده وَقد قَالَ إِن مَعَ الْعسر يسرا)