ﰡ
[سُورَةُ الْبَقَرَةِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ مِائَتَانِ وَثَمَانُونَ وَسَبْعُ آيَاتٍ] [١]
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١ الى ٢]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢)الم قَالَ الشَّعْبِيُّ وَجَمَاعَةٌ: الم وَسَائِرُ حُرُوفِ الْهِجَاءِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ الله بِعِلْمِهِ، وَهِيَ سِرُّ الْقُرْآنِ، فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِظَاهِرِهَا وَنَكِلُ الْعِلْمَ فِيهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَفَائِدَةُ ذِكْرِهَا طَلَبُ الْإِيمَانِ بِهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [٢] : فِي كُلِّ كِتَابٍ سِرٌّ وَسِرُّ الله فِي الْقُرْآنِ أَوَائِلُ السُّوَرِ.
وَقَالَ عَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] : أَنَّ لِكُلِّ كِتَابٍ صَفْوَةٌ وَصَفْوَةُ هَذَا الْكِتَابِ حُرُوفُ التَّهَجِّي.
وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ: كُنْتُ أَسْأَلُ الشَّعْبِيَّ عَنْ فَوَاتِحِ السُّوَرِ فَقَالَ: يَا دَاوُدُ إِنَّ لِكُلِّ كِتَابٍ سِرًّا وَإِنَّ سِرَّ الْقُرْآنِ فَوَاتِحُ السُّوَرِ فَدَعْهَا، وَسَلْ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: [هِيَ] [٣] مَعْلُومَةُ الْمَعَانِي، فَقِيلَ: كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا مِفْتَاحُ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي كهيعص (١) [مريم: ١]، الكاف من كاف، وَالْهَاءُ مِنْ هَادٍ وَالْيَاءُ مِنْ حَكِيمٍ [٤] وَالْعَيْنُ مِنْ عَلِيمٍ وَالصَّادُ مِنْ صَادِقٍ، وَقِيلَ فِي المص (١) [الأعراف: ١] أَنَا اللَّهُ الْمَلِكُ الصَّادِقُ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ فِي الم: الْأَلِفُ مِفْتَاحُ اسْمِهِ اللَّهِ وَاللَّامُ مِفْتَاحُ اسْمِهِ اللَّطِيفِ وَالْمِيمُ مِفْتَاحُ اسْمِهِ الْمَجِيدِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: الْأَلِفُ آلَاءُ اللَّهِ وَاللَّامُ لُطْفُهُ وَالْمِيمُ مُلْكُهُ، وَرَوَى سَعِيدُ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَى الم أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَعْنَى المص أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ وأفضل، وَمَعْنَى الر: أَنَا اللَّهُ أَرَى، وَمَعْنَى المر [الرعد: ١] أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ وَأَرَى. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهَذَا حَسَنٌ فَإِنَّ الْعَرَبَ تَذْكُرُ حَرْفًا مِنْ كَلِمَةٍ تُرِيدُهَا كقولهم:
قلت لها قفي فقالت [٥] قَافْ
أَيْ: وَقَفْتُ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: هِيَ أَسْمَاءُ الله تعالى مقطعة لو أحسن النَّاسُ تَأْلِيفَهَا لَعَلِمُوا اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ المر وَحم وَن فَتَكُونُ الرَّحْمَنَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُهَا إِلَّا أَنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى وَصْلِهَا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: هَذِهِ الْحُرُوفُ أَسْمَاءُ الْقُرْآنِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ: هِيَ أَسْمَاءُ السُّوَرِ، وبيانه أن
(٢) ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المخطوط وحده «حليم».
(٥) زيد في المطبوع وحده «في». [.....]
وَرُوِيَ عَنِ ابن عباس: أَنَّهَا أَقْسَامٌ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: إِنَّمَا أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ لِشَرَفِهَا وفضلها لأنها مباني كتبه المنزلة ومبادئ أسمائه الحسنى.
ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) قوله: ذلِكَ الْكِتابُ أَيْ: هَذَا الْكِتَابُ وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: هَذَا فِيهِ مُضْمَرٌ أَيْ هَذَا ذَلِكَ الْكِتَابُ، قَالَ الْفَرَّاءُ: كَانَ اللَّهُ قَدْ وَعَدَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنْزِلَ عَلَيْهِ كِتَابًا لَا يَمْحُوهُ الْمَاءُ وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، فَلَمَّا أَنْزَلَ [١] الْقُرْآنَ قَالَ: هَذَا ذَلِكَ الْكِتَابُ الَّذِي وَعَدْتُكَ أَنْ أُنْزِلَهُ عَلَيْكَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَعَلَى لِسَانِ النَّبِيِّينَ مِنْ قَبْلِكَ، وَهَذَا لِلتَّقْرِيبِ وَذَلِكَ لِلتَّبْعِيدِ.
وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ قَبْلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ سُوَرًا كَذَّبَ بِهَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أَنْزَلَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَقَالَ: ذَلِكَ الْكِتَابُ يَعْنِي مَا تقدم [سورة] [٢] الْبَقَرَةَ مِنَ السُّوَرِ، لَا شَكَّ فِيهِ، وَالْكِتَابُ مَصْدَرٌ وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ كَمَا يُقَالُ لِلْمَخْلُوقِ [خَلْقٌ] [٣]، وَهَذَا الدِّرْهَمُ ضَرْبُ فُلَانٍ، [أَيْ] [٤] : مضروبه، وأصل الكتاب الضَّمُّ وَالْجَمْعُ، وَيُقَالُ لِلْجُنْدِ كَتِيبَةٌ، لِاجْتِمَاعِهَا وَسُمِّيَ الْكِتَابُ كِتَابًا لِأَنَّهُ جمع حرف إلى أحرف. قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا رَيْبَ فِيهِ، أَيْ: لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ من عند الله وَأَنَّهُ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ، وَقِيلَ: هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ أَيْ: لَا ترتابوا فيه لقوله تَعَالَى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ [الْبَقَرَةِ: ١٩٧]، أَيْ: لَا تَرْفُثُوا وَلَا تَفْسُقُوا، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ فِيهِ بِالْإِشْبَاعِ فِي الْوَصْلِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ هَاءِ كِنَايَةٍ [٥] قَبْلَهَا سَاكِنٌ يُشْبِعُهَا وَصْلًا مَا لَمْ يَلْقَهَا [٦] سَاكِنٌ، ثُمَّ إِنْ كَانَ السَّاكِنُ قَبْلَ الهاء ياء يشبعها بالكسر ياء، وإن كان غيرها يُشْبِعُهَا بِالضَّمِّ وَاوًا، وَوَافَقَهُ حَفْصٌ فِي قَوْلِهِ: فِيهِ مُهاناً [الْفُرْقَانِ: ٦٩] فأشبعه.
قَوْلُهُ تَعَالَى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، يُدْغِمُ الْغُنَّةَ عِنْدَ اللَّامِ وَالرَّاءِ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، زَادَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ عِنْدَ الْيَاءِ، وَزَادَ حَمْزَةُ عِنْدَ الْوَاوِ، وَالْآخَرُونَ لَا يُدْغِمُونَهَا، وَيُخْفِي أَبُو جَعْفَرٍ النُّونَ وَالتَّنْوِينَ عِنْدَ الْخَاءِ وَالْغَيْنِ، هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، أَيْ: هُوَ هُدًى، أَيْ: رُشْدٌ وَبَيَانٌ لِأَهْلِ التَّقْوَى، وَقِيلَ:
هُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: هَادِيًا تَقْدِيرُهُ لَا رَيْبَ [٧] فِي هِدَايَتِهِ لِلْمُتَّقِينَ، وَالْهُدَى مَا يَهْتَدِي بِهِ الْإِنْسَانُ، لِلْمُتَّقِينَ، أَيْ: للمؤمنين قال ابن عباس: الْمُتَّقِي مَنْ يَتَّقِي الشِّرْكَ وَالْكَبَائِرَ وَالْفَوَاحِشَ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الِاتِّقَاءِ، وأصله الحجز بين شيئين، وَمِنْهُ يُقَالُ: اتَّقَى بِتُرْسِهِ أَيْ: جَعَلَهُ حَاجِزًا بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ ما يقصده.
ع «٣٤» وَفِي الْحَدِيثِ: كُنَّا إِذَا احْمَرَّ [٨] الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم.
- وله شاهد من حديث علي أخرجه أحمد ١/ ٨٦ وأبو الشيخ في «أخلاق النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ص (٥٧) وأبو يعلى ٣٠٢ و٤١٢ وإسناده صحيح.
(١) زيد في المطبوع وحده «الله» والمثبت عن المخطوط وط.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) زيد في المطبوع.
(٥) في المطبوع كتابة.
(٦) في المطبوع «يلها».
(٧) زيد في المطبوع «فيه».
(٨) في المطبوع «اشتد».
ع «٣٥» وَفِي الْحَدِيثِ: «جِمَاعُ التَّقْوَى» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ» [النَّحْلِ: ٩٠] الْآيَةَ، وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: الْمُتَّقِي الَّذِي يَتْرُكُ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حذرا مما به بأس، وَتَخْصِيصُ الْمُتَّقِينَ بِالذِّكْرِ تَشْرِيفٌ لَهُمْ أو لأنهم هم المنتفعون بالهدى] [٥].
[سورة البقرة (٢) : آية ٣]
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ مَوْضِعُ الَّذِينَ خَفْضٌ، نَعْتًا لِلْمُتَّقِينَ (يُؤْمِنُونَ) يصدقون، ويترك همزه أَبُو عَمْرٍو وَوَرْشٌ، وَالْآخَرُونَ يَهْمِزُونَهُ، وَكَذَلِكَ يَتْرُكَانِ كُلَّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ هِيَ فَاءُ الْفِعْلِ [نَحْوَ] [٦] يُؤْمِنُ وَمُؤْمِنٌ إِلَّا أَحْرُفًا مَعْدُودَةً، وَحَقِيقَةُ الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا [يُوسُفَ: ١٧] أَيْ: بِمُصَدِّقٍ لَنَا.
وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ: الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ وَالْعَمَلُ بِالْأَرْكَانِ، فَسُمِّيَ الْإِقْرَارُ وَالْعَمَلُ إِيمَانًا لِوَجْهٍ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّهُ مِنْ شَرَائِعِهِ، وَالْإِسْلَامُ هُوَ الْخُضُوعُ وَالِانْقِيَادُ فَكُلُّ إِيمَانٍ إِسْلَامٌ وَلَيْسَ كُلُّ إِسْلَامٍ إِيمَانًا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ تَصْدِيقٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا [الْحُجُرَاتِ: ١٤]، وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ قد يكون [مسلما] [٧] فِي الظَّاهِرِ غَيْرَ مُصَدِّقٍ فِي الباطن ويكون مُصَدِّقًا فِي الْبَاطِنِ غَيْرَ مُنْقَادٍ في الظاهر، وقد اختلف [في] [٨] جَوَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمَا [٩] حِينَ سَأَلَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ مَا:
«٣٦» أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ [بْنِ عَلِيِّ بْنِ]...
٣٦- إسناده صحيح. عيسى بن أحمد العسقلاني ثقة، وقد توبع ومن دونه ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (٢) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٨ وأبو داود ٤٦٩٥ و٤٦٩٧ والترمذي ٢٦١٠ والنسائي ٨/ ٩٧ وابن ماجه ٦٣ والطيالسي ٢١ وابن أبي شيبة ١١/ ٤٤- ٤٥ وأحمد ١/ ٥٢ و٥٣ و١٠٧ وابن حبان ١٦٨ وابن مندة في «الإيمان» (١- ٨ و١٨٥ و١٨٦) من طرق عن كهمس بهذا الإسناد.
وفي الباب من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري ٥٠ و٤٧٧٧ وغيره.
(١) زيد في المطبوع.
(٢) في المطبوع «وتشمرت».
(٣) كعب هو ابن ماتع الحميري، ويعرف ب- كعب الأحبار- عامة رواياته من الإسرائيليات. [.....]
(٤) وقع في الأصل «اقتداء» والمثبت عن «ط».
(٥) في المطبوع تقديم وتأخير في النص.
(٦) زيد في المطبوع.
(٧) في المطبوع «مستسلما».
(٨) سقط من المطبوع.
(٩) في المخطوط «فيها».
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ:
بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ مَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ فَأَقْبَلَ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُكْبَتُهُ تَمَسُّ رُكْبَتَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» ]
، فَقَالَ: صَدَقْتَ، فَتَعَجَّبْنَا مِنْ سُؤَالِهِ وَتَصْدِيقِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَمَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بالله وحده وملائكته وكتبه ورسله وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»، فَقَالَ: صَدَقْتَ، ثُمَّ قَالَ: فَمَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»، قَالَ: صَدَقْتَ، ثُمَّ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: «ما المسئول عنها بأعلم مِنَ السَّائِلِ»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا قَالَ: «أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي بُنْيَانِ الْمَدَرِ» [٥]، قَالَ: صَدَقْتَ، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَالِثَةٍ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عُمَرُ هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «ذَلِكَ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ، وَمَا أَتَانِي فِي صُورَةٍ إِلَّا عَرَفْتُهُ فِيهَا إِلَّا فِي صُورَتِهِ هَذِهِ» [٦].
فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْإِسْلَامَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْمًا لِمَا ظَهَرَ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَالْإِيمَانَ اسْمًا لما بطن من الاعتقاد، [٧] وذلك لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ، والتصديق [٨] بِالْقَلْبِ لَيْسَ مِنَ الْإِسْلَامِ، بَلْ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لِجُمْلَةٍ هِيَ كُلُّهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَجِمَاعُهَا الدِّينُ، وَلِذَلِكَ قال: «ذاك جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ»، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ [الْأَعْمَالَ مِنَ] [٩] الإيمان، ما:
(٢) وقع في الأصل «يتفقرون» والتصويب من «صحيح مسلم».
ومعنى «يتقفّرون العلم» : يطلبونه ويتتبعونه- وقيل: معناه يجمعونه.
(٣) وقع في الأصل «أفق» والتصويب من «صحيح مسلم».
و «إن الأمر أنف» أي مستأنف، لم يسبق به قدر، ولا علم من الله تعالى، وإنما يعلمه بعد وقوعه.
(٤) زيد في المطبوع الإسلام.
(٥) في «القاموس» : المدر: قطع الطين اليابس، والمدن، والحضر.
(٦) زيد في المطبوع هاهنا «قال الفراء».
(٧) زيد في المطبوع «ليس».
(٨) في المطبوع «وتصديق». [.....]
(٩) زيد في المطبوع.
[وَقِيلَ] [٢] الْإِيمَانُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَمَانِ فَسُمِّيَ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنًا لِأَنَّهُ يُؤَمِّنُ نَفْسَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى مُؤْمِنٌ لِأَنَّهُ يُؤَمِّنُ الْعِبَادَ مِنْ عَذَابِهِ.
بِالْغَيْبِ، وَالْغَيْبُ: مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ، فَقِيلَ لِلْغَائِبِ: غَيْبٌ، كَمَا قِيلَ لِلْعَادِلِ:
عَدْلٌ، وَلِلزَّائِرِ: زَوْرٌ، وَالْغَيْبُ مَا كَانَ مَغِيبًا عَنِ [٣] الْعُيُونِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْغَيْبُ هَاهُنَا كُلُّ مَا أُمِرْتَ بِالْإِيمَانِ بِهِ فِيمَا غَابَ عَنْ بَصَرِكَ من الْمَلَائِكَةِ وَالْبَعْثِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ.
وَقِيلَ: الْغَيْبُ هَاهُنَا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقِيلَ: الْقُرْآنُ. وَقَالَ الحسن: الآخرة. وَقَالَ زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ وَابْنُ جريج: الوحي، نَظِيرُهُ: أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ [النَّجْمِ: ٣٥]، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: بِالْقَدَرِ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَذَكَرْنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم وما سبقوا بِهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ أَمْرَ مُحَمَّدٍ كَانَ بَيِّنًا [٤] لِمَنْ رَآهُ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا آمَنَ أَحَدٌ قَطُّ إِيمَانًا أَفْضَلَ مِنْ إِيمَانٍ بِغَيْبٍ، ثُمَّ قَرَأَ: الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ، إِلَى قوله: الْمُفْلِحُونَ [البقرة: ١- ٥]، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَوَرْشٌ: يُؤْمِنُونَ، بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ، وَكَذَلِكَ يترك أبو جعفر كُلِّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ إِلَّا فِي أَنْبِئْهُمْ [البقرة: ٣٣]، ويُنَبِّئُهُمُ [المائدة: ١٤]، ونَبِّئْنا [يوسف: ٣٦]، وَيَتْرُكُ أَبُو عَمْرٍو كُلَّهَا إِلَّا أن يكون علامة للجزم نحو نَبِّئْهُمْ [القمر: ٢٨]، وأَنْبِئْهُمْ [البقرة: ٣٣]، وتَسُؤْهُمْ [آل عمران: ١٢٠]، وتَسُؤْكُمْ [المائدة: ١٠١]، وإِنْ نَشَأْ [الشعراء: ٤]، ونُنْسِها [البقرة: ١٠٦]، ونحوها أو يكون خروجها مِنْ لُغَةٍ إِلَى أُخْرَى نَحْوَ: مُؤْصَدَةٌ [البلد: ٢٠]، ووَ رِءْياً [مريم: ٧٤]، وَيَتْرُكُ وَرْشٌ كُلَّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ كانت قبل فاء الفعل، إلا: تُؤْوِي [٥] [الأحزاب: ٥١] وتُؤْوِيهِ [٦] [المعارج: ١٣]، وَلَا يَتْرُكُ مِنْ عَيْنِ الْفِعْلِ إلا: الرُّؤْيَا [الإسراء: ٦٠]، وَبَابَهُ إِلَّا مَا كَانَ عَلَى وزن فعلي [٧].
قوله: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ، أَيْ: يُدِيمُونَهَا وَيُحَافِظُونَ عَلَيْهَا فِي مَوَاقِيتِهَا بِحُدُودِهَا وَأَرْكَانِهَا وَهَيْئَاتِهَا، يُقَالُ: قَامَ بِالْأَمْرِ وَأَقَامَ الأمر إذا أتى به معطيا حقوقه، أو المراد بِهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، ذُكِرَ بِلَفْظِ
وهو في «شرح السنة» (١٧) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ٣٥ وأبو داود ٤٦٧٦ والترمذي ٢٦١٤ والنسائي ٨/ ١١٠ وابن ماجه ٥٧ والبخاري في «الأدب المفرد» (٥٩٨) وأحمد ٢/ ٣٧٩ و٤١٤ والطيالسي ٢٤٠٢ وابن حبان ١٦٦ و١٩١ وابن مندة في «الإيمان» (١٤٧) و١٧٠ و١٧١ وابن أبي شيبة ١١/ ٤٠ والبغوي ١٧ والآجري في «الشريعة» (١١٠) من طرق كلهم من حديث أبي هريرة وفي رواية لمسلم وغيره «الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة... ».
(١) في الأصل «سهل» والتصويب عن «شرح السنة» و «كتب التراجم».
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «من».
(٤) في المطبوع «بيننا».
(٥) في المخطوط «يؤتي».
(٦) في المخطوط «تؤتيه».
(٧) في المطبوع «فعل».
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الْأَحْزَابِ: ٥٦] الْآيَةَ، إِنَّ الصَّلَاةَ مِنَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الرَّحْمَةُ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ، وَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ الدُّعَاءُ.
قوله: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ، أَيْ: أَعْطَيْنَاهُمْ، وَالرِّزْقُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ حَتَّى الْوَلَدِ وَالْعَبْدِ، وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ: الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ.
يُنْفِقُونَ: يَتَصَدَّقُونَ، قَالَ قَتَادَةُ: يُنْفِقُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَأَصْلُ الْإِنْفَاقِ: الْإِخْرَاجُ عَنِ الْيَدِ وَالْمُلْكِ، وَمِنْهُ نِفَاقُ السوق، لأنه يخرج فِيهِ السِّلْعَةُ عَنِ الْيَدِ، ومنه نَفَقَتِ الدَّابَّةُ: إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهَا، فَهَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مشركي العرب.
[سورة البقرة (٢) : آية ٤]
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)
قوله: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ. وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ: من التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَسَائِرُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَيَتْرُكُ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَقَالُونُ [وَأَبُو عَمْرٍو] [١] وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ ويعقوب كلّ مدّ يقع بين [٢] كَلِمَتَيْنِ، وَالْآخَرُونَ يَمُدُّونَهَا، وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [٣].
قوله: وَبِالْآخِرَةِ، أي: بالدار الآخرة، سميت الدنيا دنيا: لدنوها من الآخرة، وسميت الآخرة آخرة: لتأخرها وكونها بعد [فناء] [٤] الدنيا. هُمْ يُوقِنُونَ، أي: يستيقنون أنها كائنة، مِنَ الْإِيقَانِ وَهُوَ الْعِلْمُ.
وَقِيلَ: الْإِيقَانُ وَالْيَقِينُ عِلْمٌ عَنِ اسْتِدْلَالٍ، وَلِذَلِكَ لَا يُسَمَّى اللَّهُ مُوقِنًا وَلَا عِلْمُهُ يَقِينًا إِذْ لَيْسَ عِلْمُهُ عَنِ اسْتِدْلَالٍ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥ الى ٩]
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩)
قَوْلُهُ: أُولئِكَ، أَيْ: أَهْلُ هَذِهِ الصِّفَةِ، وَأُولَاءِ: كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا الْكِنَايَةُ عَنْ جَمَاعَةٍ نَحْوُ: هُمْ، وَالْكَافُ لِلْخِطَابِ، كَمَا فِي حَرْفِ ذَلِكَ. عَلى هُدىً، أي: [على] [٥] رُشْدٍ وَبَيَانٍ وَبَصِيرَةٍ. مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ: النَّاجُونَ وَالْفَائِزُونَ فَازُوا بِالْجَنَّةِ وَنَجَوْا مِنَ النَّارِ، وَيَكُونُ الْفَلَاحُ بِمَعْنَى البقاء، أي: الباقون [٦] فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَأَصْلُ الْفَلَاحِ: الْقَطْعُ وَالشَّقُّ، وَمِنْهُ سُمِّي الزَّرَّاعُ: فَلَّاحًا، لِأَنَّهُ يَشُقُّ الْأَرْضَ، وَفِي الْمَثَلِ: الْحَدِيدُ بِالْحَدِيدِ يُفْلَحُ [أَيْ: يشق] [٧]، فهم المقطوع لَهُمْ بِالْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
(٢) زيد في المطبوع «كل».
(٣) في المطبوع «الكتب».
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) سقط من المطبوع. [.....]
(٦) في المطبوع «باقون».
(٧) سقط من المخطوط.
وَسُمِّي الزَّرَّاعُ كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْحَبَّ بِالتُّرَابِ، وَالْكَافِرُ [٢] يَسْتُرُ الْحَقَّ بِجُحُودِهِ، وَالْكُفْرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ: كُفْرُ إِنْكَارٍ، وَكُفْرُ جَحُودٍ، وَكُفْرُ عِنَادٍ، وكفر نفاق، فكفر الإنكار هو أَنْ لَا يَعْرِفَ اللَّهَ أَصْلًا وَلَا يَعْتَرِفَ بِهِ [٣]، وَكُفْرُ الْجَحُودِ هُوَ أَنْ [٤] يَعْرِفَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ ولا يعترف بلسانه ككفر إبليس [لعنه الله] [٥] وَكُفْرِ الْيَهُودِ [٦]، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [الْبَقَرَةِ: ٨٩]، وَكُفْرُ الْعِنَادِ هُوَ أَنْ يَعْرِفَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ وَيَعْتَرِفَ بِلِسَانِهِ وَلَا يَدِينُ بِهِ كَكُفْرِ أَبِي طَالِبٍ حَيْثُ يَقُولُ:
وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ | مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينًا |
لَوْلَا الْمَلَامَةُ أَوْ حَذَارِ مَسَبَّةٍ | لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِينًا |
خَتَمَ اللَّهُ، أي: طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلَا تعني خَيْرًا وَلَا تَفْهَمُهُ، وَحَقِيقَةُ الْخَتْمِ: الِاسْتِيثَاقُ مِنَ الشَّيْءِ كَيْلَا يَدْخُلَهُ مَا خَرَجَ مِنْهُ وَلَا يَخْرُجَ عَنْهُ مَا فِيهِ وَمِنْهُ الْخَتْمُ عَلَى الْبَابِ، قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَيْ: حَكَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ بِالْكُفْرِ لما سبق من علمه الأوّل فِيهِمْ، وَقَالَ الْمُعْتَزِلَةُ: جَعَلَ عَلَى قُلُوبِهِمْ عَلَامَةً تَعْرِفُهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِهَا، وَعَلى سَمْعِهِمْ، أَيْ: عَلَى مَوْضِعِ سَمْعِهِمْ فَلَا يَسْمَعُونَ الْحَقَّ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَأَرَادَ عَلَى أَسْمَاعِهِمْ كَمَا قَالَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَإِنَّمَا وَحَّدَهُ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ. وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ: هَذَا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ، غِشَاوَةٌ أَيْ: غِطَاءٌ فَلَا يَرَوْنَ الْحَقَّ.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو [وَحَمْزَةُ] [٩] وَالْكِسَائِيُّ: أَبْصارِهِمْ بِالْإِمَالَةِ وَكَذَلِكَ كَلُّ أَلِفٍ بَعْدَهَا رَاءٌ مَجْرُورَةٌ فِي الْأَسْمَاءِ كَانَتْ لَامَ الْفِعْلِ يُمِيلَانِهَا [١٠]، وَيُمِيلُ حَمْزَةُ مِنْهَا [مَا يَتَكَرَّرُ] [١١] فِيهِ الرَّاءُ «كَالْقَرَارِ» وَنَحْوِهِ، زَادَ الْكِسَائِيُّ إِمَالَةَ (جَبَّارِينَ، وَالْجَوَارِ، [وَالْجَارِ وَبَارِئِكُمْ] [١٢] وَمَنْ أَنْصَارِي، وَنُسَارِعُ) وَبَابِهِ، وَكَذَلِكَ يميل هؤلاء كل ألف [هي] [١٣] بِمَنْزِلَةِ لَامِ الْفِعْلِ أَوْ كَانَ عَلَمًا لِلتَّأْنِيثِ إِذَا كَانَ قَبْلَهَا رَاءٌ، فَعَلَمُ التَّأْنِيثِ مِثْلُ:
(الْكُبْرَى، وَالْأُخْرَى)، وَلَامُ الْفِعْلِ مِثْلُ: (تَرَى، وفترى)، يكسرون الراء منها [١٤].
(٢) في المطبوع «فالكافر».
(٣) زيد في المطبوع «وكفر به».
(٤) زيد في المطبوع: لا.
(٥) سقط من المطبوع.
(٦) سقط من المخطوط.
(٧) في المطبوع: «خقق».
(٨) زيادة عن المخطوط.
(٩) زيادة عن المخطوط.
(١٠) في المخطوط «يميلانه».
(١١) العبارة في المطبوع «ما».
(١٢) ما بين المعقوفتين في المطبوع «مأواكم». [.....]
(١٣) سقط في المطبوع.
(١٤) في المخطوط «فِيهَا».
قَوْلُهُ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي ابن [٢] سَلُولٍ وَمُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ وَجَدِّ بْنِ قَيْسٍ وَأَصْحَابِهِمْ، حَيْثُ أَظْهَرُوا كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ لِيَسْلَمُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَاعْتَقَدُوا خِلَافَهَا، وَأَكْثَرُهُمْ مِنَ الْيَهُودِ، وَالنَّاسُ: جَمْعُ إِنْسَانٍ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ عُهِدَ إِلَيْهِ فَنَسِيَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ [طه: ١١٥]، وَقِيلَ: لِظُهُورِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ [آنَسْتُ] [٣]، أَيْ: أَبْصَرْتُ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُسْتَأْنَسُ بِهِ، وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَيْ: بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ.
يُخادِعُونَ اللَّهَ، أي: يخالفون الله، وأصل الخداع [٤] فِي اللُّغَةِ الْإِخْفَاءُ، وَمِنْهُ الْمَخْدَعُ لِلْبَيْتِ الَّذِي يُخْفَى فِيهِ الْمَتَاعُ، والمخادع يظهر خلاف ما يضمر، والخداع [٥] مِنَ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ خادِعُهُمْ
[النِّسَاءِ:
١٤٢]، أَيْ: يُظْهِرُ لَهُمْ وَيُعَجِّلُ لَهُمْ مِنَ النَّعِيمِ فِي الدُّنْيَا خِلَافَ مَا يَغِيبُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَقِيلَ:
أَصْلُ الخداع [٦] : الْفَسَادُ. [مَعْنَاهُ: يُفْسِدُونَ مَا أَظْهَرُوا مِنَ الْإِيمَانِ بِمَا أَضْمَرُوا مِنَ الْكُفْرِ] [٧]، وَقَوْلُهُ:
وَهُوَ خادِعُهُمْ
، أَيْ: يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ نَعِيمَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِمَا يُصَيِّرُهُمْ إِلَيْهِ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: يُخادِعُونَ اللَّهَ، وَالْمُفَاعَلَةُ لِلْمُشَارَكَةِ وَقَدْ جَلَّ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمُخَادَعَةِ؟ قِيلَ: قَدْ تَرِدُ الْمُفَاعَلَةُ لَا عَلَى مَعْنَى الْمُشَارِكَةِ كَقَوْلِكَ: عَافَاكَ اللَّهُ وَعَاقَبْتُ [٨] فُلَانًا وَطَارَقْتُ النَّعْلَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ يُخَادِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ [الْأَحْزَابِ:
٥٧]، أَيْ: أَوْلِيَاءَ اللَّهِ، وَقِيلَ: ذِكْرُ اللَّهِ هَاهُنَا [٩] تَحْسِينٌ، وَالْقَصْدُ بِالْمُخَادَعَةِ الَّذِينَ آمَنُوا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الْأَنْفَالِ: ٤١]، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَفْعَلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ مَا هُوَ خِدَاعٌ فِي دِينِهِمْ. وَالَّذِينَ آمَنُوا، أَيْ: وَيُخَادِعُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِمْ إِذَا رَأَوْهُمْ آمَنَّا وَهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ، وَما يَخْدَعُونَ. قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو: «وَمَا يُخَادِعُونَ» [١٠] كَالْحَرْفِ الْأَوَّلِ وَجَعَلُوهُ مِنَ الْمُفَاعَلَةِ الَّتِي تَخْتَصُّ [١١] بِالْوَاحِدِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ وَما يَخْدَعُونَ عَلَى الْأَصْلِ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ، لِأَنَّ وَبَالَ خِدَاعِهِمْ رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ لأن الله يُطْلِعُ [١٢] نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِفَاقِهِمْ فَيُفْتَضَحُونَ فِي الدُّنْيَا وَيَسْتَوْجِبُونَ الْعِقَابَ فِي الْعُقْبَى، وَما يَشْعُرُونَ، أَيْ: لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَخْدَعُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَنَّ وَبَالَ خداعهم يعود عليهم [١٣].
(٢) في المطبوع «يعني».
(٣) سقط من المطبوع.
٤ في المخطوط «الخدع».
٥- في المخطوط «الخدع».
٦- في المخطوط «الخدع».
(٧) العبارة في المخطوط [معناه: ما يفسدون من ظهور الإيمان وإضمار الكفر].
(٨) في المطبوع «وعافيت».
(٩) في المخطوط «هنا».
(١٠) وقع في الأصل «يخدعون» والتصويب من «م» و «كتب القراءات».
(١١) في المطبوع «يختص».
(١٢) في المخطوط «أطلع». [.....]
(١٣) في المخطوط «إليهم».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٠ الى ١٤]
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (١٢) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤)فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: شَكٌّ وَنِفَاقٌ، وأصل المرض الضعف، سمي الشَّكُّ فِي الدِّينِ [١] مَرَضًا لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الدِّينَ كَالْمَرَضِ يُضْعِفُ الْبَدَنَ، فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً، لِأَنَّ الْآيَاتِ كَانَتْ تَنْزِلُ تَتْرَى آيَةً بَعْدَ آيَةٍ، كُلَّمَا كَفَرُوا بِآيَةٍ ازْدَادُوا كُفْرًا وَنِفَاقًا، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة: ١٢٥]، قرأ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ فَزادَهُمُ، بِالْإِمَالَةِ، وَزَادَ حَمْزَةُ إِمَالَةَ (زَادَ) حَيْثُ وقع، (وزاغ، وخاب، وخاف، وحاق، وضاق، وطاب)، وَالْآخَرُونَ لَا يُمِيلُونَهَا، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ: مُؤْلِمٌ يَخْلُصُ وَجَعُهُ إِلَى قُلُوبِهِمْ، بِما كانُوا يَكْذِبُونَ [مَا لِلْمَصْدَرِ، أَيْ: بِتَكْذِيبِهِمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي السِّرِّ، وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ] [٢] يَكْذِبُونَ بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ: بِكَذِبِهِمْ إِذْ قَالُوا: آمَنَّا وَهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ، وَإِذا قِيلَ لَهُمْ قرأ الكسائي (قيل، وغيض، وجيء، وحيل، وسيق، وسيئت) بروم أوائلهن الضم، ووافق أهل المدينة في (سيئ، وسيئت) وَوَافَقَ ابْنَ عَامِرٍ فِي (سِيقَ، وحيل، وسيء، وَسِيئَتْ)، لِأَنَّ أَصْلَهَا قُوِلَ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْوَاوِ، مِثْلَ قُتِلَ، وَكَذَلِكَ فِي أَخَوَاتِهِ، فَأُشِيرَ إِلَى الضَّمَّةِ لِتَكُونَ دَالَّةً عَلَى الْوَاوِ المنقلبة، و [قرأ] [٣] الْبَاقُونَ بِكَسْرِ أَوَائِلِهِنَّ، اسْتَثْقَلُوا الْحَرَكَةَ عَلَى الْوَاوِ، فَنَقَلُوا كَسْرَتَهَا إِلَى فَاءِ الْفِعْلِ وَانْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً لكسر مَا قَبْلَهَا.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ: يَعْنِي لِلْمُنَافِقِينَ، وَقِيلَ: لِلْيَهُودِ، أَيْ: قَالَ لَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ، بِالْكُفْرِ وَتَعْوِيقِ النَّاسِ عَنِ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَكْفُرُوا، وَالْكُفْرُ أَشَدُّ فَسَادًا فِي الدِّينِ، قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ: يَقُولُونَ [٤] هَذَا الْقَوْلَ كَذِبًا كَقَوْلِهِمْ آمَنَّا وَهُمْ كَاذِبُونَ.
أَلا: كَلِمَةُ تَنْبِيهٍ يُنَبَّهُ بِهَا الْمُخَاطَبُ، إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْكُفْرِ، وَالنَّاسَ بِالتَّعْوِيقِ عَنِ الْإِيمَانِ، وَلكِنْ لَا يَشْعُرُونَ، أَيْ: لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ مُفْسِدُونَ، لِأَنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنْ إِبِطَانِ الْكُفْرِ صَلَاحٌ، وَقِيلَ: لَا يَعْلَمُونَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَيْ: لِلْمُنَافِقِينَ، وَقِيلَ: لِلْيَهُودِ، آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَغَيْرُهُ مِنْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقِيلَ: كَمَا آمَنَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَيِ: الْجُهَّالُ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ النِّفَاقُ مَعَ الْمُجَاهَرَةِ بِقَوْلِهِمْ: أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ؟ قِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُظْهِرُونَ هَذَا الْقَوْلَ فِيمَا بَيْنَهُمْ لَا عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لَا يَعْلَمُونَ، أنهم كذلك، والسفيه خَفِيفُ الْعَقْلِ رَقِيقُ الْحِلْمِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: ثَوْبٌ سَفِيهٌ أَيْ: رَقِيقٌ، وقيل: السفيه: الكذاب الذي [يعمل] [٥] بِخِلَافِ مَا يَعْلَمُ.
قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَالشَّامِ السُّفَهاءُ أَلا بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ هَمْزَتَيْنِ وَقَعَتَا في كلمتين
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «يقول».
(٥) في المطبوع «يتعمد».
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا، يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ إِذَا لَقُوا الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ، قالُوا آمَنَّا كَإِيمَانِكُمْ وَإِذا خَلَوْا رَجَعُوا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الخلوة، وإِلى، بِمَعْنَى: الْبَاءِ، أَيْ: بِشَيَاطِينِهِمْ، وَقِيلَ: إِلَى بِمَعْنَى مَعَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ [النِّسَاءِ: ٢] أَيْ: مَعَ أَمْوَالِكُمْ.
شَياطِينِهِمْ، أَيْ: رُؤَسَائِهِمْ وَكَهَنَتِهِمْ، قال ابن عباس: وَهُمْ خَمْسَةُ نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ بِالْمَدِينَةِ، وَأَبُو بُرْدَةَ فِي بَنِي أَسْلَمَ، وَعَبْدُ الدَّارِ فِي جُهَيْنَةَ، وَعَوْفُ بْنُ عَامِرٍ فِي بَنِي أَسَدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّوْدَاءِ [٤] بِالشَّامِ، وَلَا يَكُونُ كَاهِنٌ إِلَّا وَمَعَهُ [شَيْطَانٌ] [٥] تَابِعٌ لَهُ، وَالشَّيْطَانُ الْمُتَمَرِّدُ الْعَاتِي مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَصْلُهُ الْبُعْدُ، يُقَالُ: بِئْرٌ شُطُونٌ، أَيْ: بَعِيدَةُ الْعُمْقِ، سُمِّيَ الشَّيْطَانُ شَيْطَانًا لِامْتِدَادِهِ فِي الشَّرِّ وَبُعْدِهِ مِنَ الْخَيْرِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِلَى أَصْحَابِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ، أَيْ: عَلَى دينكم إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ بِمَا نُظْهِرُ مِنَ الْإِسْلَامِ. قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: (مُسْتَهْزُونَ، وَيُسْتَهْزُونَ، وقل استهزؤوا، وَلِيُطْفُوا، وَلِيُوَاطُوا، وَيَسْتَنْبُونَكَ، وَخَاطِينَ، وَخَاطُونَ، وَمُتَّكِينَ وَمُتَّكُونَ فَمَالُونَ، وَالْمُنْشُونَ) [٦] بِتَرْكِ الهمزة فيهن.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٥ الى ١٩]
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩)
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، أَيْ: يُجَازِيهِمْ جَزَاءَ اسْتِهْزَائِهِمْ، سُمِّيَ الْجَزَاءُ بِاسْمِهِ لِأَنَّهُ [فِي] [٧] مُقَابَلَتِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشُّورَى: ٤٠]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ يُفْتَحَ لَهُمْ بَابٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَإِذَا انْتَهَوْا إِلَيْهِ سُدَّ عَنْهُمْ وَرُدُّوا إِلَى النَّارِ. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يُضْرَبَ لِلْمُؤْمِنِينَ نور يمشون [به] [٨] عَلَى الصِّرَاطِ فَإِذَا وَصَلَ الْمُنَافِقُونَ إِلَيْهِ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، كما قَالَ اللَّهُ تَعَالَى [٩] : فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ [الحديد: ١٣] الآية. وقال الحسن: معناه أن اللَّهُ يُظْهِرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى نِفَاقِهِمْ. وَيَمُدُّهُمْ: يتركهم ويمهلهم،
(٢) في المطبوع «بتحقيق».
(٣) العبارة في المطبوع «بتليين الأولى وتحقيق الثانية».
(٤) في المخطوط «الأسود».
(٥) زيد في المطبوع.
(٦) وقع في الألفاظ المتقدمة اضطراب في المطبوع حيث أثبت فوق الواو الهمزة أحيانا وحذفت أحيانا، والصواب بحذفها جميعا كما هو معلوم من قراءة أبي جعفر. والله أعلم.
(٧) في المطبوع «ب» بدل «في».
(٨) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٩) زيد في المطبوع عقب لفظ «تَعَالَى» وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ وقال الله تعالى».
مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَمِنْهُ: طَغَى الْمَاءُ. يَعْمَهُونَ، أَيْ: يَتَرَدَّدُونَ فِي الضَّلَالَةِ مُتَحَيِّرِينَ [٣].
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى: [أي اشتروا الْكُفْرَ] [٤] بِالْإِيمَانِ، فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ، أَيْ: مَا رَبِحُوا فِي تِجَارَتِهِمْ، أَضَافَ الرِّبْحَ إِلَى التِّجَارَةِ لِأَنَّ الرِّبْحَ يَكُونُ فِيهَا كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: رَبِحَ بَيْعُكَ وَخَسِرَتْ صَفْقَتُكَ. وَما كانُوا مُهْتَدِينَ: مِنَ الضَّلَالَةِ، وَقِيلَ: مُصِيبِينَ فِي تِجَارَتِهِمْ.
مَثَلُهُمْ: شَبَهُهُمْ، وَقِيلَ: صِفَتُهُمْ، وَالْمَثَلُ قَوْلٌ سَائِرٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ [يُعْرَفُ] [٥] بِهِ مَعْنَى الشَّيْءِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْسَامِ الْقُرْآنِ السَّبْعَةِ، كَمَثَلِ الَّذِي: يَعْنِي الَّذِينَ بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْآيَةِ، وَنَظِيرُهُ:
وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) [الزُّمَرِ: ٣٣]، اسْتَوْقَدَ ناراً: أَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضاءَتْ النَّارُ مَا حَوْلَهُ، أَيْ: حَوْلَ الْمُسْتَوْقَدِ، وَأَضَاءَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ، يُقَالُ: أَضَاءَ الشيء نفسه وأضاء غيره، وهو هنا مُتَعَدٍّ، ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لَا يُبْصِرُونَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ يَقُولُ مَثَلُهُمْ فِي نِفَاقِهِمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فِي مَفَازَةٍ فَاسْتَدْفَأَ وَرَأَى مَا حوله فاتقى مما يخاف، فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره فبقي في ظلمة خائفا مُتَحَيِّرًا، فَكَذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ بِإِظْهَارِ كَلِمَةِ الْإِيمَانِ أَمِنُوا عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَنَاكَحُوا الْمُؤْمِنِينَ وَوَارَثُوهُمْ وَقَاسَمُوهُمُ الْغَنَائِمَ، فَذَلِكَ نُورُهُمْ، فَإِذَا مَاتُوا عَادُوا إِلَى الظُّلْمَةِ وَالْخَوْفِ.
وَقِيلَ: ذَهَابُ نورهم في قبورهم [٦]، وَقِيلَ: فِي الْقِيَامَةِ حَيْثُ يَقُولُونَ لِلَّذِينِ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ، وَقِيلَ: ذَهَابُ نُورِهِمْ بِإِظْهَارِ عَقِيدَتِهِمْ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ النَّارَ مَثَلًا، ثُمَّ لَمْ يَقُلْ:
أَطْفَأَ اللَّهُ نَارَهُمْ [٧] لَكِنْ عَبَّرَ بِإِذْهَابِ النور عنه، لأن النار نُورٌ وَحَرَارَةٌ فَيَذْهَبُ نُورُهُمْ وَتَبْقَى الْحَرَارَةُ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِضَاءَةُ النَّارِ إِقْبَالُهُمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْهُدَى، وَذَهَابُ نُورِهِمْ إِقْبَالُهُمْ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَالضَّلَالَةِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَانْتِظَارِهِمْ خُرُوجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتِفْتَاحِهِمْ [بِهِ] [٨] عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، فَلَمَّا خَرَجَ كَفَرُوا بِهِ، ثُمَّ وَصَفَهُمُ اللَّهُ فَقَالَ:
صُمٌّ، أَيْ: هُمْ صُمٌّ عَنِ الْحَقِّ لَا يَقْبَلُونَهُ، وَإِذَا لَمْ يَقْبَلُوا فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا، بُكْمٌ خُرْسٌ عَنِ الْحَقِّ لَا يَقُولُونَهُ [٩]، أَوْ [١٠] أَنَّهُمْ لَمَّا أَبْطَنُوا خِلَافَ مَا أَظْهَرُوا فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَنْطِقُوا بِالْحَقِّ، عُمْيٌ، أَيْ: لَا بَصَائِرَ لَهُمْ، وَمَنْ لَا بَصِيرَةَ لَهُ كَمَنْ لَا بَصَرَ لَهُ، فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ عَنِ الضَّلَالَةِ إِلَى الْحَقِّ.
أَوْ كَصَيِّبٍ، أَيْ: كَأَصْحَابِ صَيِّبٍ، وَهَذَا مَثَلٌ آخَرُ ضَرَبَهُ اللَّهُ تعالى للمنافقين، معناه [١١] : إن
(٢) ما بين المعقوفتين ليس في المخطوط.
(٣) في المخطوط «متحيرون».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) كذا في المطبوع وب- وفي- أ- «يعرفون».
(٦) في المطبوع «القبر».
(٧) في المخطوط «نوره» بدل «نارهم».
(٨) زيادة في المطبوع.
(٩) في المخطوط «لا يقبلونه».
(١٠) في المخطوط «أي» بدل: أو.
(١١) في المطبوع «بمعنى».
وقيل: هِيَ السَّمَاءُ بِعَيْنِهَا، وَالسَّمَاءُ كُلُّ مَا عَلَاكَ فَأَظَلَّكَ، وَهِيَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ يَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا. فِيهِ، أَيْ: فِي الصَّيِّبِ، وَقِيلَ: في السماء، أي: في السَّحَابِ، وَلِذَلِكَ ذَكَّرَهُ، وَقِيلَ:
السَّمَاءُ تذكّر وتؤنّث، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ [الْمُزَّمِّلِ: ١٨]، وَقَالَ: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) [الِانْفِطَارِ: ١]، ظُلُماتٌ: جَمْعُ ظُلْمَةٍ وَرَعْدٌ: وهو الصَّوْتُ الَّذِي يُسْمَعُ مِنَ السَّحَابِ، وَبَرْقٌ:
وهو النَّارُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهُ، قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: الرَّعْدُ اسْمُ مَلَكٍ يَسُوقُ السَّحَابَ، وَالْبَرْقُ لَمَعَانُ سَوْطٍ مِنْ نُورٍ، يَزْجُرُ بِهِ الْمَلَكُ السَّحَابَ، وَقِيلَ: الصَّوْتُ زَجْرُ السَّحَابِ، وَقِيلَ: تَسْبِيحُ الْمَلَكِ، وَقِيلَ: الرَّعْدُ نُطْقُ الْمَلَكِ وَالْبَرْقُ ضَحِكُهُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الرَّعْدُ اسْمُ الْمَلَكِ، وَيُقَالُ لِصَوْتِهِ أَيْضًا: رَعْدٌ، وَالْبَرْقُ: [مَصَعَ] [٣] مَلَكٌ يَسُوقُ السَّحَابَ، وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: الرعد ملك يزجر [السَّحَابَ] فَإِذَا تَبَدَّدَتْ ضَمَّهَا فَإِذَا اشْتَدَّ غَضَبُهُ طَارَتْ مِنْ فِيهِ النَّارُ فَهِيَ الصَّوَاعِقُ، وَقِيلَ: الرَّعْدُ صوت انخراق [٤] الرِّيحِ بَيْنَ السَّحَابِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ: جَمْعُ صَاعِقَةٍ، وَهِيَ الصَّيْحَةُ الَّتِي يَمُوتُ مَنْ يَسْمَعُهَا أَوْ يُغْشَى عَلَيْهِ، وَيُقَالُ لِكُلِّ عَذَابٍ مهلك: صاعقة، وقال: الصَّاعِقَةُ قِطْعَةُ عَذَابٍ يُنْزِلُهَا اللَّهُ على من يشاء.
ع «٣٨» رُوِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ وَالصَّوَاعِقِ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ».
قَوْلُهُ: حَذَرَ الْمَوْتِ، أَيْ: مَخَافَةَ الْهَلَاكِ، وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ، أَيْ: عَالِمٌ بهم وقيل جامعهم قال مُجَاهِدٌ: يَجْمَعُهُمْ فَيُعَذِّبُهُمْ، وَقَيْلَ: مُهْلِكُهُمْ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ [يُوسُفَ: ٦٦]، أَيْ: تُهْلَكُوا جَمِيعًا. وَيُمِيلُ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ «الْكَافِرِينَ» فِي مَحَلِّ النَّصْبِ [٥] وَالْخَفْضِ، وَلَا يُمِيلَانِ:
أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ [البقرة: ٤١].
وضعف إسناده النووي في «الأذكار» (٤٦٣) وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلا من هذا الوجه: وهذا توهين منه للحديث.
(١) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٢) زيد في المطبوع «فعيل».
(٣) في المطبوع «اسم» وفي المخطوط «مضغ» والمثبت عن كتب الحديث والأثر، انظر تفسير الطبري (١/ ٨٧) و «الدر المنثور» (٤/ ٩٤).
(٤) في نسخة من المخطوط «انخفاض» ولعل الصواب «انخراق» بالخاء.
(٥) في المطبوع «أو».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٠ الى ٢٣]
يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣)يَكادُ الْبَرْقُ، أَيْ: يَقْرُبُ، يُقَالُ: كَادَ يَفْعَلُ إِذَا قَرُبَ وَلَمْ يَفْعَلْ، يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ: يَخْتَلِسُهَا، وَالْخَطْفُ استلاب [١] بسرعة، كُلَّما: [كلّ حَرْفٌ جُمْلَةً، ضُمَّ إِلَى مَا الْجَزَاءِ] [٢] فَصَارَ أَدَاةً لِلتَّكْرَارِ، وَمَعْنَاهُمَا [٣] مَتَى مَا، أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا، أَيْ: وَقَفُوا مُتَحَيِّرِينَ، فَاللَّهُ تَعَالَى شَبَّهَهُمْ فِي كُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ بِقَوْمٍ كانوا في مفازة وسواد فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فِيهِ ظُلُمَاتٌ، مِنْ صِفَتِهَا أَنَّ السَّارِيَ [٤] لَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ فِيهَا، وَرَعْدٌ مِنْ صِفَتِهِ أَنْ يَضُمَّ السَّامِعُونَ أَصَابِعَهُمْ إِلَى [٥] آذَانِهِمْ مِنْ هَوْلِهِ، وَبَرْقٌ مِنْ صِفَتِهِ أَنْ يَقْرُبَ مِنْ أَنْ يَخْطِفَ أَبْصَارَهُمْ وَيُعْمِيَهَا مِنْ شِدَّةِ تَوَقُّدِهِ، فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْقُرْآنِ، وَصَنِيعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ مَعَهُ، فَالْمَطَرُ: الْقُرْآنُ لِأَنَّهُ حَيَاةُ الْجِنَانِ كَمَا أَنَّ الْمَطَرَ [٦] حَيَاةُ الْأَبْدَانِ، وَالظُّلُمَاتُ: مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ، وَالرَّعْدُ: مَا خُوِّفُوا بِهِ مِنَ الْوَعِيدِ، وَذِكْرِ النَّارِ وَالْبَرْقُ مَا فِيهِ مِنَ الْهُدَى وَالْبَيَانِ والوعد وذكر الجنّة، فالكافرون يَسُدُّونَ آذَانَهُمْ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَخَافَةَ مَيْلِ الْقَلْبِ إِلَيْهِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ عِنْدَهُمْ كُفْرٌ، وَالْكُفْرُ مَوْتٌ، يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ أَيِ: الْقُرْآنُ يَبْهَرُ قُلُوبَهُمْ، وَقِيلَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ، فَالْمَطَرُ: الْإِسْلَامُ، وَالظُّلُمَاتُ: مَا فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْمِحَنِ، وَالرَّعْدُ: مَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ وَالْمَخَاوِفِ فِي الْآخِرَةِ، وَالْبَرْقُ: مَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ.
يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ [البقرة: ١٩]، يَعْنِي: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ إِذَا رَأَوْا فِي الْإِسْلَامِ بَلَاءً وَشِدَّةً هَرَبُوا حَذَرًا مِنَ الْهَلَاكِ [٧]، وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ: جَامِعُهُمْ، يَعْنِي: لَا يَنْفَعُهُمْ هَرَبُهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ وَرَائِهِمْ يَجْمَعُهُمْ فَيُعَذِّبُهُمْ.
يَكادُ الْبَرْقُ، يَعْنِي: دَلَائِلَ الْإِسْلَامِ تُزْعِجُهُمْ إِلَى النَّظَرِ لَوْلَا مَا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ الشَّقَاوَةِ.
كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ، يَعْنِي: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ إِذَا أَظْهَرُوا كَلِمَةَ الْإِيمَانِ آمَنُوا فَإِذَا مَاتُوا عَادُوا إِلَى الظُّلْمَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كُلَّمَا نَالُوا غَنِيمَةً وَرَاحَةً فِي الْإِسْلَامِ ثَبَتُوا وَقَالُوا: إِنَّا مَعَكُمْ، وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ، يعني: رأوا شدّة وبلاء قامُوا [أي تأخروا] ووقفوا [أو قعدوا] [٨] كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [الْحَجِّ: ١١].
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ، أَيْ: بِأَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ الظَّاهِرَةِ، كَمَا ذَهَبَ بِأَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمُ الْبَاطِنَةِ، وَقِيلَ: لَذَهَبَ بِمَا اسْتَفَادُوا مِنَ الْعِزِّ وَالْأَمَانِ الَّذِي لَهُمْ بمنزلة السمع والبصر، إِنَ
(٢) العبارة في المخطوط [حرف كل ضم الجزاء].
(٣) في المخطوط «ومعناه».
(٤) السرى: سير عامة الليل.
(٥) في المخطوط «في».
(٦) في المطبوع «المطهر» وفي نسخة من المخطوط «كالمطر».
(٧) في المخطوط «البلاء».
(٨) زيادة عن المخطوط.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ.
قال ابن عباس يا أَيُّهَا النَّاسُ خطاب لأهل [١] مَكَّةَ، وَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خطاب لأهل الْمَدِينَةِ، وَهُوَ هَاهُنَا عَامٌّ إِلَّا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الصِّغَارُ وَالْمَجَانِينُ. اعْبُدُوا: وَحِّدُوا.
قَالَ ابن عباس: كَلُّ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ من العبادة فمعناه [٢] التَّوْحِيدُ.
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ: وَالْخَلْقُ اخْتِرَاعُ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ، وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، أَيْ:
وَخَلَقَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ.
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ: لعلكم [٣] تنجون مِنَ الْعَذَابِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كُونُوا عَلَى رَجَاءِ التَّقْوَى بِأَنْ تَصِيرُوا فِي سَتْرٍ وَوِقَايَةٍ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَحُكْمُ اللَّهِ مِنْ وَرَائِكُمْ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ كَمَا قَالَ: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤) [طه: ٤٤]، أَيِ: ادْعُوَاهُ [٤] إِلَى الْحَقِّ وَكُونَا [٥] عَلَى رَجَاءِ التَّذَكُّرِ، وَحُكْمُ اللَّهِ مِنْ وَرَائِهِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَعَلَّ وَعَسَى حَرْفَا تَرَجٍّ، وَهُمَا مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ.
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً، أَيْ: بِسَاطًا، وَقِيلَ: مَنَامًا، وَقِيلَ: وِطَاءً [٦]، أَيْ: ذَلَّلَهَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا حَزْنَةً لا يمكن القرار عليها، وَالْجَعْلُ هَاهُنَا بِمَعْنَى: الْخَلْقِ، وَالسَّماءَ بِناءً، أي: سقفا مَرْفُوعًا، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ، أَيْ: [٧] السحاب، ماءً، وهو الْمَطَرَ، فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ: من أَلْوَانَ الثَّمَرَاتِ وَأَنْوَاعَ النَّبَاتِ، رِزْقاً لَكُمْ: طَعَامًا لَكُمْ وَعَلَفًا لِدَوَابِّكُمْ، فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً، أَيْ:
أمثالا تعبدونهم كعبادة الله.
وقال أَبُو عُبَيْدَةَ: النِّدُّ الضِّدُّ، وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ، وَاللَّهُ تَعَالَى بَرِيءٌ مِنَ الْمِثْلِ وَالضِّدِّ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ: أنّه واحد خلق [٨] هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ، أي: [٩] شك [معناه: وإن كنتم] [١٠]، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّهُمْ شَاكُّونَ مِمَّا نَزَّلْنا، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، عَلى عَبْدِنا: مُحَمَّدٍ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]، فَأْتُوا: أَمْرُ تَعْجِيزٍ، بِسُورَةٍ، وَالسُّورَةُ قِطْعَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ مَعْلُومَةُ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ، مِنْ أَسْأَرْتُ [١١]، أَيْ: أَفْضَلْتُ [١٢] وحذفت الْهَمْزَةُ.
وَقِيلَ: السُّورَةُ اسْمٌ لِلْمَنْزِلَةِ الرفيعة، ومنه سور البلد لِارْتِفَاعِهِ، سُمِّيَتْ سُورَةً لِأَنَّ الْقَارِئَ يَنَالُ بِقِرَاءَتِهَا مَنْزِلَةً رَفِيعَةً حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْمَنَازِلَ بِاسْتِكْمَالِهِ سُوَرَ الْقُرْآنِ، مِنْ مِثْلِهِ، أَيْ: مِثْلِ الْقُرْآنِ، وَمِنْ:
صِلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ [النُّورِ: ٣٠]، وَقِيلَ: الْهَاءُ فِي مَثَلِهِ رَاجِعَةٌ إلى
(٢) في المطبوع «فمعناها». [.....]
(٣) في المطبوع «لكي».
(٤) في المطبوع «ادعوه».
(٥) في المخطوط «وكونوا».
(٦) في القاموس: الوطاء: خلاف الغطاء.
(٧) زيد في المطبوع «من».
(٨) في المطبوع «خالق».
(٩) زيد في المطبوع «وإن كنتم في».
(١٠) سقط من المطبوع.
(١١) في المطبوع «أسارت» والتصويب عن «لسان العرب» (٤/ ٣٨٧).
(١٢) كذا في المطبوع و «اللسان» (٤/ ٣٨٧) وهو الصواب.
وفي المخطوط- أ- «أفصلت» وفي- ب- «فصلت».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٤ الى ٢٥]
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥)
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا، فِيمَا مَضَى وَلَنْ تَفْعَلُوا، أَبَدًا فِيمَا بَقِيَ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْإِعْجَازِ، وأن القرآن كان معجزة النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ عَجَزُوا عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ، قوله: فَاتَّقُوا النَّارَ، أَيْ: فَآمِنُوا وَاتَّقُوا بِالْإِيمَانِ النَّارَ، الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: يَعْنِي حِجَارَةَ الْكِبْرِيتِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ الْتِهَابًا، وَقِيلَ: جَمِيعُ [١] الْحِجَارَةِ، وهو دليل على عظم تِلْكَ النَّارِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهَا الْأَصْنَامَ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَصْنَامِهِمْ كَانَتْ مَنْحُوتَةً مِنَ الْحِجَارَةِ، كَمَا قَالَ: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الْأَنْبِيَاءِ: ٩٨]، أُعِدَّتْ: هيّئت لِلْكافِرِينَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَيْ: أَخْبِرْ، وَالْبِشَارَةُ: كُلُّ خَبَرِ صدق يتغيّر [٢] بِهِ بَشَرَةُ الْوَجْهِ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَفِي الْخَيْرِ أَغْلَبُ.
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، أَيِ: الْفِعْلَاتِ الصَّالِحَاتِ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ [الَّذِينَ هُمْ] [٣] مِنْ أَهْلِ الطَّاعَاتِ، قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عفان رضي الله تعالى عَنْهُ: وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، أَيْ: أَخْلَصُوا الْأَعْمَالَ كَمَا قَالَ: فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً [الكهف: ١١٠]، أي: خاليا عن الرِّيَاءِ، قَالَ مُعَاذٌ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي فِيهِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الْعِلْمُ وَالنِّيَّةُ وَالصَّبْرُ وَالْإِخْلَاصُ.
أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ: جَمْعُ الْجَنَّةِ، وَالْجَنَّةُ: الْبُسْتَانُ الَّذِي فِيهِ أَشْجَارٌ مُثْمِرَةٌ، سُمِّيَتْ بِهَا لِاجْتِنَانِهَا وَتَسَتُّرِهَا بِالْأَشْجَارِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْجَنَّةُ مَا فِيهِ النَّخِيلُ، وَالْفِرْدَوْسُ مَا فِيهِ الْكَرْمُ.
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا، أَيْ: مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهَا وَمَسَاكِنِهَا الْأَنْهارُ، أَيِ: الْمِيَاهُ فِي الْأَنْهَارِ، لِأَنَّ النَّهْرَ لَا يَجْرِي، وَقِيلَ: مِنْ تَحْتِهَا أَيْ: بأمرهم كقوله [٤] تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ: وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزُّخْرُفِ: ٥١]، أَيْ [٥] : بِأَمْرِي، وَالْأَنْهَارُ جَمْعُ نَهْرٍ، سُمِّيَ بِهِ لِسِعَتِهِ وَضِيَائِهِ، وَمِنْهُ النَّهَارُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَجْرِي فِي غَيْرِ أُخْدُودٍ» [٦].
كُلَّما: مَتَى مَا، رُزِقُوا: أُطْعِمُوا مِنْها أَيْ: مِنَ الْجَنَّةِ، مِنْ ثَمَرَةٍ أي: ثمرة، ومن: صِلَةٌ، رِزْقاً: طَعَامًا، قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ، قبل [٧] : رَفْعٌ عَلَى الْغَايَةِ، قَالَ اللَّهُ
(٢) في المطبوع «تتغير».
(٣) زيادة في المطبوع.
(٤) في المطبوع «لقوله». [.....]
(٥) سقط لفظ «أي» من المطبوع.
(٦) لا أصل له في المرفوع وإنما هو من قول مسروق بن الأجدع كما في «تفسير الطبري» (٥٠٩) وليس بالمرفوع، فتنبه، والله الموفق
(٧) في المطبوع «وقبل».
الرزق] [١].
مُتَشابِهاً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالرَّبِيعُ: مُتَشَابِهًا فِي الْأَلْوَانِ مُخْتَلِفًا فِي الطُّعُومِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: مُتَشَابِهًا أَيْ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي الْجَوْدَةِ، أَيْ: كُلُّهَا خِيَارٌ لَا رَذَالَةَ فِيهَا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ:
يُشْبِهُ ثَمَرَ الدُّنْيَا، غَيْرَ أَنَّهَا أَطْيَبُ، وَقِيلَ: مُتَشَابِهًا فِي الِاسْمِ مُخْتَلِفًا فِي الطَّعْمِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنه: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الجنة [شيء] [٢] إلا الأسامي.
«٣٩» أَنَا أَبُو حَامِدٍ [أَحْمَدُ] [٣] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ [عَبْدِ اللَّهِ] [٤] الصَّفَّارُ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبَرْتِيُّ [٥]، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَهْلُ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَلَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَبْزُقُونَ، يُلْهَمُونَ الْحَمْدَ والتسبيح كما يلهمون [٦] النَّفَسَ، طَعَامُهُمُ [٧] الْجُشَاءُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَهُمْ فِيها: فِي الجنات [٨] أَزْواجٌ: نساء وجوار، يَعْنِي: مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، مُطَهَّرَةٌ: مِنَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ والبصاق والمخاط والمني والولد [والودي] [٩] [وَكُلُّ] قَذَرٍ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: فِي الْجَنَّةِ جِمَاعٌ مَا شِئْتَ وَلَا وَلَدَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هُنَّ عجائزكم العمص [١٠] الْعُمْشُ طُهِّرْنَ مِنْ قَذَرَاتِ الدُّنْيَا، وقيل: مطهرة من [١١] مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ، وَهُمْ فِيها خالِدُونَ، دائمون [فيها] لا يموتون ولا يخرجون منها.
وأخرجه مسلم ٢٨٣٥ وأبو داود ٤٧٤١ والطيالسي ١٧٧٦ وأحمد ٣/ ٣٤٩ و٣٨٤ والدارمي ٢/ ٣٣٥ وأبو يعلى ١٩٠٦ و٢٠٥٢ وابن حبان ٧٤٣٥ وأبو نعيم في «صفة الجنة» (٢٧٤ و٣٣٤) والبغوي في «شرح السنة» (٤٣٧٥) والبيهقي في «البعث» (٣١٦) من طرق كلهم من حديث جابر، ورواية أبي داود مختصرة جدا.
(١) العبارة في المطبوع «رزقا».
(٢) زيادة عن تفسير الطبري ٥٣٥.
(٣) زيادة عن كتب التراجم.
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» ومن «ط».
(٥) في الأصل «البزي» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط» وكتاب «الأنساب».
(٦) في المطبوع «تلهمون».
(٧) كذا في الأصل، ورواية مسلم «ولكن طعامهم ذاك جشاء كرشح المسك» ورواية أخرى له «قالوا: فما بال الطعام؟ قال:
جشاء ورشح كرشح المسك» - قوله: «فما بال الطعام» أي أين يذهب- ورواية ابن حبان «طعامهم له جشاء، وريحهم المسك».
ورواية لأبي نعيم «وإنه يصير طعامهم جشاء، وشرابهم رشح مسك».
والجشاء: تنفس المعدة من الامتلاء.
وفي النهاية لابن الأثير «الجشّاء» بتشديد الشين: الطحال.
(٨) في المطبوع «جنان».
(٩) زيادة عن المخطوط.
(١٠) في المطبوع «الغمص». [.....]
(١١) في المطبوع «عن».
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَتْفُلُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ [٤]، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ».
٤»
أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [٥] الْمَلِيحِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَنَا فُضَيْلٌ هُوَ ابْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ [تَدْخُلُ] [٦] الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُورَةُ وُجُوهِهِمْ مِثْلُ صورة القمر ليلة
(٢) في الأصل «المليجي» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة».
(٣) في الأصل «العزيزي» والتصويب عن «ط» وكتاب «الأنساب» للسمعاني.
٤٠- إسناده صحيح على شرطهما. الفربري هو أحد رواة صحيح البخاري. جرير هو ابن عبد الحميد، وعمارة هو ابن القعقاع بن شبرمة. أبو زرعة هو ابن عمرو بن جرير قيل: اسمه هرم، وقيل غير ذلك.
وهو في «شرح السنة» (٤٢٦٩) بهذا الإسناد.
في «صحيح البخاري» (٣٣٢٧) عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٣٢٤٥ و٣٢٤٦ ومسلم ٢٨٣٤ والترمذي ٢٥٣٧ وعبد الرزاق في «المصنف» (٢٠٨٦٦) وأحمد ٢/ ٣١٦ وأبو نعيم في «صفة الجنة» (٢٤٣) من حديث أبي هريرة.
(٤) الألوّة: هو العود الذي يتبخر به- العود الهندي.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) العبارة في المطبوع «من يدخل».
٤١- إسناده ضعيف لضعف عطية بن سعد العوفي، وتقدم ذكره في المقدمة، وباقي رجال الإسناد ثقات، علي بن الجعد من رجال البخاري، وشيخه فضيل بن مرزوق، من رجال مسلم. وقد توبع عطية على صدر الحديث، وتفرد ببعض ألفاظ عجزه دون بعض.
- وهو في «شرح السنة» (٤٢٧٠) بهذا الإسناد.
- ورواه المصنف من طريق أبي القاسم البغوي، وهو في «الجعديات» (٢٠٠٥) عن علي بن الجعد بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي ٢٥٢٢ و٢٥٣٥ وابن أبي شيبة ١٥٨٦٤ (١٣/ ١٢٠) وأبو نعيم في «صفة الجنة» (٢٥١) وأحمد ٣/ ١٦ والطبراني في «الأوسط» (٩١٩) وابن عدي في «الكامل» (٦/ ١٩) من حديث أبي سعيد الخدري، ومداره على عطية العوفي، وهو ضعيف.
قال الهيثمي في «المجمع» (١٨٧١٦) : وفي إسناده أبي سعيد عطية، والأكثر على تضعيفه اهـ. ومع ذلك قال الترمذي:
حسن صحيح! وورد عجزه بلفظ «يرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها» وهذا ورد من حديث ابن مسعود، أخرجه الترمذي ٢٥٣٣ وابن حبان ٧٣٩٦ بإسناد ضعيف فيه عطاء بن السائب، وقد اختلط. وصوب الترمذي فيه الوقف. وهو الصواب، والغريب في المتن لفظ «على كل زوجة سبعون حلة» فهذا من مناكير عطية العوفي، حيث تفرد به، ولم يتابع عليه. وكذا تفرد بلفظ «دمائهما وحللهما» فهو من منكراته، وقد ورد هذا الحديث عن أبي هريرة مرفوعا، أخرجه البخاري ٣٢٥٤ ومسلم ٢٨٣٤ لكن عجزه عندهما «ولكل واحد منهما زوجتان، يرى مخ ساقهما من وراء اللحم» فهذا هو الصحيح في هذا [الحديث- والله أعلم.
«٤٢» أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ الْمَرْوَزِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا [أَبُو] [٢] عَبْدِ الرَّحْمَنِ [٣] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْمَدَنِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطّلعت إلى الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا وَلَنَصِيفُهَا [٤] عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فيها»، صحيح [أخرجه مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ محمد عن معاوية بن عمرو عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ] [٥].
«٤٣» أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ [مُحَمَّدُ] [٦] بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ [بْنُ مُحَمَّدِ] [٧] بْنِ مُسْلِمٍ [٨] أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ [٩] أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِمْصِيُّ، أَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ عَنِ الضَّحَّاكِ الْمَعَافِرِيِّ [١٠] عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى حَدَّثَنِي كُرَيْبٌ أَنَّهُ سَمِعَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ:
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، واستدرك من «شرح السنة» و «الأنساب» (٤/ ٩٧).
(٣) زيد في الأصل بين «عبد الرحمن» و «عبد الله» :«بن أبي شريح أنا» والتصويب عن «شرح السنة» و «الأنساب».
(٤) النصيف: الخمار- وقد نصفت المرأة رأسها بالخمار، وانتصفت الجارية وتنصفت أي: اختمرت.
(٥) زيد في المطبوع، وهو في «شرح السنة» ٤٢٧٢. [.....]
(٦) زيد في المطبوع.
(٧) ما بين المعقوفتين زيادة من «شرح السنة» و «الأنساب» (٢/ ١١٣) للسمعاني.
(٨) زيد في الأصل بين «مسلم» و «أبو بكر» :«أنا» والتصويب عن «شرح السنة» و «الأنساب».
(٩) وقع في الأصل «الجوريدي» والتصويب عن «ط» و «شرح السنة» وراجع التعليق على كتاب «الأنساب» (٢/ ١١٣).
(١٠) في الأصل «المغافري» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط» وعن كتب التراجم.
٤٢- إسناده صحيح على شرطهما، حميد هو ابن أبي حميد أبو عبيدة البصري، اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال، كما في «التقريب».
وهو في «شرح السنة» (٤٢٧٢) بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٢٧٩٦ و٦٥٦٨ والترمذي ١٦٥١ وأحمد ٣/ ١٤١ و٢٦٣ وأبو نعيم في «صفة الجنة» (٣٨٠) وأبو يعلى ٣٧٧٥ وابن حبان ٧٣٩٨ من طرق كلهم من حديث أنس، وصدره عند البخاري وغيره «غدوة في سبيل أو روحة، خير من الدنيا وما فيها... ».
٤٣- إسناده ضعيف، الضحاك المعافري، وثقه ابن حبان وحده، وقال الذهبي في «الميزان» : لا يعرف. وسليمان بن موسى، ضعفه قوم، ووثقه آخرون، وباقي رجال الإسناد ثقات. كريب هو مولى ابن عباس، وهو كريب بن أبي مسلم.
وهو في «شرح السنة» (٤٢٨٢) بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه ٤٣٣٢ والبخاري في «التاريخ الكبير» (٤/ ٣٣٦) وابن حبان ٧٣٨١ وأبو نعيم ٢٤ والطبراني في «الكبير» (٣٨٨) وأبو الشيخ في «العظمة» (٦٠١) والرامهرمزي في «الأمثال» (١٠٧) والبيهقي في «البعث» (٣٩١) والبغوي ٤٣٨٦ من طرق عن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار بهذا الإسناد.
وقال البوصيري في «الزوائد» : هذا إسناد فيه مقال، الضحاك المعافري ذكره ابن حبان في «الثقات» وقال الذهبي في «طبقات التهذيب» : مجهول. سليمان بن موسى الأموي مختلف فيه، وباقي رجال الإسناد ثقات اهـ.
ع «٤٤» وَرَوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَهْلُ الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كُحْلٌ لَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ ولا تبلى ثيابهم».
«٤٥» وأنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ، أَنَا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ الْحَدَّادِيُّ أَنَا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أَنَا إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ النعمان بن سعد [٣] عن علي قال:
(٢) كذا في الأصل، وأما عند ابن ماجه وغيره، فقد ورد ذكر «الفاكهة» بعد قوله «ونهر مطّرد».
٤٤- ع حديث جيد قوي بمجموع طرقه وشواهده.
أخرجه الترمذي ٢٥٣٩ والدارمي ٣٨٢٩ وأبو نعيم في «صفة الجنة» (٢٥٦) من حديث أبي هريرة، ومداره على شهر بن حوشب وهو كثير الإرسال والتدليس، وقد عنعن وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب اهـ.
- وورد من طريق آخر عند أحمد ٢/ ٢٩٥ و٤١٥ وابن عدي ٥/ ١٩٨ والطبراني في «الصغير» (٨٠٨) وفي «الأوسط» (٥٤١٨) والبيهقي في «البعث» (٤٦٣ و٤٦٥) وفي إسناده عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، وهو ضعيف.
وقال الهيثمي في «المجمع» (١٠/ ٣٩٩) : وإسناده حسن وفي الصحيح بعضه اهـ.
- وله شاهد من أنس بن مالك أخرجه الطبراني في «الصغير» (١١٦٤) وابن أبي داود في «البعث» (٦٥) وأبو نعيم في «الحلية» (٣/ ٥٦) والبيهقي في «البعث» (٤٦٢).
وفي إسناده هارون بن رئاب، وهو ثقة، لكن مختلف في سماعه من أنس كما في التهذيب.
- وله شاهد آخر من حديث معاذ بن جبل أخرجه الترمذي ٢٥٤٥ وأحمد ٥/ ٢٣٢ و٢٣٩ و٢٤٣ وأبو نعيم في «صفة الجنة» (٢٥٧) وفي إسناده شهر بن حوشب. وهو حسن الحديث في المتابعات.
وقال الترمذي: حسن غريب، وبعض أصحاب قتادة رووا هذا عن قتادة مرسلا، ولم يسندوه اهـ.
- وحديث أبي هريرة حسّنه لشواهده الأرناؤوط في «جامع الأصول» (٨٠٨١) وهو حديث حسن صحيح، ولأصله شواهد.
٤٥- إسناده ضعيف جدا، فيه عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة الواسطي، وهو ضعيف، متروك الحديث. وشيخه النعمان بن سعد مجهول. والوهن فقط في صدره، أما عجزه فله شواهد.
وهو في «شرح السنة» (٤٢٨٤) بهذا الإسناد. لكن جعله موقوفا.
وورد مرفوعا وأخرجه الترمذي ٢٥٥٠ و٢٥٦٤ وابن أبي شيبة ١٣/ ١٠٠- ١٠١ وعبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (١/ ١٥٦) وأبو يعلى ٢٦٨ وابن عدي ٤/ ٣٠٥ وأبو نعيم في «صفة الجنة» (٤١٨) وابن الجوزي في «الموضوعات» (٣/ ٢٥٦) وفي «العلل المتناهية» (١٥٥٥) والبيهقي في «البعث» (٤١٨) من حديث علي بن أبي طالب، وقال الترمذي: هذا حديث غريب اهـ وكذا استغربه العراقي في تخريج الإحياء ٤/ ٥٢٥، وهذا توهين منهما للحديث.
وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، والمتهم به عبد الرحمن بن إسحاق، أبو شيبة الواسطي. قال أحمد: ليس بشيء منكر الحديث، وقال يحيى: متروك اهـ. قلت: الوهن فقط في صدره، وأما عجزه، وهو غناء الحور العين إلخ، فله شواهد لكنها ضعيفة. راجع «الترغيب والترهيب» (٤/ ٤٤٧) فصل «غناء الحور العين»، وكذا «المجمع» (١٠/ ٤١٩).
(٣) وقع في الأصل «سعيد» والتصويب من كتب التراجم.
وَرَوَاهُ أَبُو عِيسَى عَنْ هَنَّادٍ وَأَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا وَقَالَ: [هَذَا] [٦] حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
«٤٦» أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، أَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ [٧] بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْبَصْرِيُّ، أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ]
عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمْعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُ لَهُمْ أهلوهم [٩] : وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ [بَعْدَنَا] حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازددتم [بعدنا] [١٠] حسنا وجمالا».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَما فَوْقَها.
سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ضَرَبَ الْمَثَلَ بِالذُّبَابِ وَالْعَنْكَبُوتِ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ [الْحَجِّ: ٧٣]، وَقَالَ: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ
وهو في «شرح السنة» (٤٢٨٥) بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق مسلم، وهو في «صحيحه» (٢٨٣٣) عن أبي عثمان بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٣/ ١٥٠ وأحمد ٣/ ٢٨٤ و٢٨٥ والدارمي ٢٨٤٥ وأبو نعيم ٤١٧ والبغوي في «شرح السنة» (١٥/ ٢٢٦- ٢٢٧) والبيهقي في «البعث» (٤١٧) من حديث أنس.
(١) زيد في المطبوع، وفي نسخة- ط- وليس هو في المخطوط وشرح السنة لكن يؤيد الأول هو أنه أخرجه الترمذي وابن أبي شيبة وغيرهما مرفوعا كما في التخريج، فالله أعلم. [.....]
(٢) في المطبوع «دخل فيها».
(٣) في المطبوع «مثله».
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) سقط من المخطوط.
(٦) سقط من المخطوط.
(٧) وقع في الأصل «سعد» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط» وعن «صحيح مسلم».
(٨) في الأصل «مسلمة» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٩) في المطبوع «أهلهم».
(١٠) سقط من المخطوط.
وَقِيلَ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّا لَا نَعْبُدُ إِلَهَا يَذْكُرُ مِثْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي، أَيْ: لَا يَتْرُكُ وَلَا يَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا [أي] [٢] يَذْكُرُ شَبَهًا، مَا بَعُوضَةً، مَا:
صلة، أي: مثلا بالبعوضة، وبعوضة: نَصْبُ بَدَلٍ عَنِ الْمَثَلِ، وَالْبَعُوضُ صغار البق، سمّيت بعوضة لأنها [٣] بَعْضُ الْبَقِّ، فَما فَوْقَها، يَعْنِي: الذُّبَابَ وَالْعَنْكَبُوتَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَيْ: فَمَا دُونَهَا، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ جَاهِلٌ، فَيُقَالُ: وَفَوْقَ ذَلِكَ، أَيْ: وَأَجْهَلُ.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا: بِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ، فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ، يَعْنِي: الْمَثَلُ هُوَ الْحَقُّ: الصِّدْقُ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا؟ أَيْ: بِهَذَا الْمَثَلِ، فَلَمَّا حَذَفَ الألف واللام نصب عَلَى الْحَالِ وَالْقَطْعِ، ثُمَّ أَجَابَهُمْ فقال: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً من الكفار، وذلك أنهم يكذبون فَيَزْدَادُونَ ضَلَالًا، وَيَهْدِي بِهِ، أَيْ: بهذا المثل كَثِيراً من الْمُؤْمِنِينَ فَيُصَدِّقُونَهُ، وَالْإِضْلَالُ هُوَ الصَّرْفُ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ [٤]، وَقِيلَ: هُوَ الْهَلَاكُ، يُقَالُ: ضَلَّ الْمَاءُ فِي اللَّبَنِ إِذَا هَلَكَ، وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ: الْكَافِرِينَ، وَأَصْلُ الْفِسْقَ: الْخُرُوجُ، يُقَالُ: فَسَقَتِ الرطبة إذا خرجت عن قِشْرِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الْكَهْفِ: ٥٠]، أَيْ: خَرَجَ، ثُمَّ وَصَفَهُمْ فَقَالَ:
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ: يُخَالِفُونَ وَيَتْرُكُونَ، وَأَصْلُ النَّقْضِ: الْكَسْرُ، عَهْدَ اللَّهِ: أَمْرُ اللَّهِ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْمِيثَاقِ بِقَوْلِهِ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الْأَعْرَافِ: ١٧٢]، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَى النَّبِيِّينَ وَسَائِرِ الْأُمَمِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ [آلِ عِمْرَانَ: ٨١] الْآيَةَ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْعَهْدَ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُبَيِّنُوا نَعْتَهُ، مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ:
تَوْكِيدِهِ، وَالْمِيثَاقُ: الْعَهْدُ الْمُؤَكَّدُ، وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، يَعْنِي: الْإِيمَانَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِجَمِيعِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ [النساء: ١٥٠]، وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْأَرْحَامَ، وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ: بِالْمَعَاصِي وَتَعْوِيقِ النَّاسِ عَنِ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْقُرْآنِ، أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ: الْمَغْبُونُونَ، ثُمَّ قَالَ لِمُشْرِكِي العرب على وجه التعجب:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ؟ بَعْدَ نَصْبِ الدَّلَائِلِ وَوُضُوحِ الْبَرَاهِينِ [٥]، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّلَائِلَ [٦] فَقَالَ:
وَكُنْتُمْ أَمْواتاً: نُطَفًا فِي أَصْلَابِ آبَائِكُمْ، فَأَحْياكُمْ: فِي الْأَرْحَامِ وَالدُّنْيَا، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عِنْدَ انْقِضَاءِ آجَالِكُمْ، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ: لِلْبَعْثِ [٧]، ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، أَيْ: تُرَدُّونَ في الآخرة فيجزيكم
(٢) زيادة عن المخطوط- أ-.
(٣) زيد في المطبوع «كانت».
(٤) كذا في المطبوع ونسخة- ط- وفي المخطوط «بالباطل».
(٥) في المطبوع «البرهان». [.....]
(٦) في المخطوط «الدليل».
(٧) في المخطوط «بالبعث».
قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [٢]، لِكَيْ تَعْتَبِرُوا وَتَسْتَدِلُّوا، وَقِيلَ: لِكَيْ تَنْتَفِعُوا، ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ مُفَسِّرِي السَّلَفِ: أَيِ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ وَالْفَرَّاءُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ: أَيْ أَقْبَلَ عَلَى خَلْقِ السَّمَاءِ، وَقِيلَ: قَصَدَ لِأَنَّهُ خَلَقَ الْأَرْضَ أَوَّلًا ثُمَّ عَمَدَ إِلَى خَلْقِ السماء، فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ: [أي] خَلَقَهُنَّ مُسْتَوَيَاتٍ [٣] لَا فُطُورَ فِيهَا [٤] ولا صدوع، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ وَقَالُونُ (وَهْوَ، وَهْيَ) بِسُكُونِ الْهَاءِ إِذَا كَانَ قَبْلَ الْهَاءِ: وَاوٌ أَوْ فَاءٌ أَوْ لَامٌ، زَادَ الْكِسَائِيُّ وَقَالُونُ [ (ثُمَّ هْوَ) وَقَالُونُ] [٥] أَنْ يُمِلَّ هُوَ [البقرة:
٢١٢].
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٠ الى ٣٢]
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١) قالُوا سُبْحانَكَ لَا عِلْمَ لَنا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ، أَيْ: وَقَالَ رَبُّكَ وَإِذْ زَائِدَةٌ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَاذْكُرْ إِذْ قَالَ رَبُّكَ، وَكَذَلِكَ كَلُّ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ هَذَا النَّحْوِ فَهَذَا سَبِيلُهُ، وَإِذْ وَإِذَا حَرْفَا تَوْقِيتٍ إِلَّا أَنَّ إِذْ لِلْمَاضِي وَإِذَا لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَقَدْ يُوضَعُ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ، قَالَ الْمُبَرِّدُ: إِذَا جَاءَ إِذْ مَعَ الْمُسْتَقْبَلِ كَانَ مَعْنَاهُ مَاضِيًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ يَمْكُرُ [الأنفال: ٢٠]، يريد وإذ مكر، وَإِذَا جَاءَ [إِذَا] مَعَ الْمَاضِي كانت مَعْنَاهُ مُسْتَقْبَلًا كَقَوْلِهِ: فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ [النَّازِعَاتِ: ٣٤]، إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ [النَّصْرِ: ١]، أَيْ: يَجِيءُ. لِلْمَلائِكَةِ [والملائكة] [٦] جَمْعُ مَلَكٍ، وَأَصْلُهُ مَأْلَكٌ مِنَ الْمَأْلَكَةِ وَالْأَلُوكَةِ وَالْأُلُوكِ: وَهِيَ الرِّسَالَةُ، فَقُلِبَتْ فَقِيلَ: مَلْأَكٌ، ثُمَّ حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ وَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إِلَى اللَّامِ: فَقِيلَ: «ملك» وأراد به الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْأَرْضِ.
وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَخَلَقَ الْمَلَائِكَةَ وَالْجِنَّ فَأَسْكَنَ الْمَلَائِكَةَ السَّمَاءَ وَأَسْكَنَ الْجِنَّ الأرض فَعَبَدُوا دَهْرًا طَوِيلًا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ ظَهَرَ فِيهِمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْيُ فأفسدوا [واقتتلوا] [٧]، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ جُنْدًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ: الْجِنُّ، وَهُمْ خزان الجنان اشتق لهم [اسم] [٨] مِنَ الْجَنَّةِ رَأَسَهُمْ إِبْلِيسَ وَكَانَ رَئِيسَهُمْ وَمُرْشِدَهُمْ وَأَكْثَرَهُمْ عِلْمًا، فَهَبَطُوا إِلَى الْأَرْضِ فَطَرَدُوا الْجِنَّ إِلَى شعوب الجبال وَجَزَائِرِ الْبُحُورِ وَسَكَنُوا الْأَرْضَ وَخَفَّفَ الله عنهم العبادة وأعطى اللَّهُ إِبْلِيسَ [مُلْكَ] [٩] الْأَرْضِ، وَمُلْكَ السماء الدنيا وخزانة الجنة فكان يَعْبُدُ اللَّهَ تَارَةً فِي الْأَرْضِ وَتَارَةً فِي السَّمَاءِ وَتَارَةً فِي الجنة فدخله العجب، وقال فِي نَفْسِهِ: مَا أَعْطَانِي اللَّهُ هَذَا الْمُلْكَ إِلَّا لِأَنِّي أَكْرَمُ الملائكة عليه، فقال الله له ولجنده:
(٢) زيد في المطبوع «للحي».
(٣) في- أ- «سويات».
(٤) في- أ- «فيهن».
(٥) سقط من المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في المطبوع وط- «قتلوا».
(٨) زيادة عن المخطوط.
(٩) زيادة عن المخطوط.
وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَخْلُفُهُ غَيْرُهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ لإقامة أحكامه وتنفيذ قضاياه، قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها: بِالْمَعَاصِي، وَيَسْفِكُ الدِّماءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَيْ: كَمَا فَعَلَ بَنُو الْجَانِّ فَقَاسُوا الشَّاهِدَ عَلَى الْغَائِبِ، وَإِلَّا فَهُمْ مَا كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، قَالَ الْحَسَنُ: نَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ وَهُوَ صَلَاةُ الْخَلْقِ [وَصَلَاةُ الْبَهَائِمِ وَغَيْرِهِمَا سِوَى الْآدَمِيِّينَ] [٢] وَعَلَيْهَا يُرْزَقُونَ.
«٤٧» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا حَبَّانُ [٣] بْنُ هِلَالٍ، أَنَا وُهَيْبٌ أَنَا سَعِيدٌ الْجَرِيرِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الجسري عن ابن الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ [٤] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْكَلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَا اصْطَفَى اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ».
وقيل: نحن نُصَلِّي بِأَمْرِكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ التَّسْبِيحِ فَالْمُرَادُ مِنْهُ الصَّلَاةُ، وَنُقَدِّسُ لَكَ، أَيْ: نُثْنِي عَلَيْكَ بِالْقُدْسِ والطهارة [عما لا يليق بعظمتك وجلالك] [٥]، وَقِيلَ: وَنُطَهِّرُ أَنْفُسَنَا لِطَاعَتِكَ، وَقِيلَ: وَنُنَزِّهُكَ، وَاللَّامُ: صِلَةٌ، وَقِيلَ: لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِرَاضِ وَالْعُجْبِ بِالْعَمَلِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ وَطَلَبِ [وَجْهِ] [٦] الْحِكْمَةِ فِيهِ، قالَ اللَّهُ: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ: من الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، وَقِيلَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ فِي ذُرِّيَّتِهِ مَنْ يُطِيعُنِي ويعبدني من الأنبياء والأولياء والصلحاء، وَقِيلَ: إِنِّي [٧] أَعْلَمُ أَنَّ فِيكُمْ مَنْ يَعْصِينِي وَهُوَ إِبْلِيسُ، وَقِيلَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُمْ يُذْنِبُونَ وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُمْ، قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ: إِنِّي أَعْلَمُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَذَلِكَ كَلُّ يَاءِ إِضَافَةٍ اسْتَقْبَلَهَا أَلِفٌ مَفْتُوحَةٌ إِلَّا فِي مَوَاضِعَ معدودة، ويفتحون في بعض مواضع عِنْدَ الْأَلِفِ الْمَضْمُومَةِ وَالْمَكْسُورَةِ، وَعِنْدَ غَيْرِ الْأَلِفِ، وَبَيْنَ الْقُرَّاءِ فِي تفصيله اختلاف.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها: سُمِّيَ آدَمَ لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ آدَمَ اللَّوْنِ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو الْبَشَرِ، فَلَمَّا خَلَقَهُ الله عزّ وجلّ علّمه أسماء الأشياء [كلها] [٨].
وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالُوا لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً لِيَخْلُقْ رَبُّنَا مَا شَاءَ فَلَنْ يَخْلُقَ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنَّا وَإِنْ كَانَ غيرنا أكرم عليه فَنَحْنُ أَعْلَمُ مِنْهُ لِأَنَّا خُلِقْنَا قَبْلَهُ وَرَأَيْنَا مَا لَمْ يَرَهُ،
أخرجه المصنف من طريق مسلم، وهو في «صحيحه» (٢٧٣١) ح ٨٤ عن زهير بن حرب بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ٢٧٣١ ح ٨٥ والترمذي ٣٥٨٧ وأحمد ٥/ ١٤٨ و١٧٦ من طرق عن سعيد الجريري بهذا الإسناد.
(١) زيادة عن المخطوط وط-.
(٢) زيد في المطبوع. [.....]
(٣) وقع في الأصل «جينان» والتصويب من كتب «تراجم الرجال».
(٤) في الأصل «عن» والتصويب عن «شرح السنة» و «صحيح مسلم».
(٥) سقط من المخطوط.
(٦) سقط من المطبوع.
(٧) في المطبوع «إن».
(٨) زيادة عن المخطوط.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الْقَصْعَةِ وَالْقُصَيْعَةِ، وَقِيلَ: اسْمَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: أَسْمَاءَ الْمَلَائِكَةِ، وَقِيلَ: أَسْمَاءَ ذُرِّيَّتِهِ، وَقِيلَ: صَنْعَةَ كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَّمَ آدَمَ جَمِيعَ اللُّغَاتِ ثُمَّ تَكَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ بِلُغَةٍ فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ وَاخْتَصَّ كُلَّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ بِلُغَةٍ، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ، إِنَّمَا قَالَ: عَرَضَهُمْ، وَلَمْ يَقُلْ عَرَضَهَا، لِأَنَّ الْمُسَمَّيَاتِ إذا جمعت [٢] مَنْ يَعْقِلُ وَمَنْ لَا يَعْقِلُ يُكَنَّى عَنْهَا بِلَفْظِ مَنْ يَعْقِلُ، كَمَا يُكَنَّى عَنِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِلَفْظِ الذُّكُورِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: خَلَقَ الله كل شيء [من] [٣] الْحَيَوَانَ وَالْجَمَادَ ثُمَّ عَرَضَ تِلْكَ الشُّخُوصَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، فَالْكِنَايَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى الشُّخُوصِ [٤]، فَلِذَلِكَ قَالَ عَرَضَهُمْ، فَقالَ أَنْبِئُونِي أَخْبَرُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ [أي الموجودات] [٥] إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [فِي] [٦] أَنِّي لا أخلق خلقا إلّا كنتم أفضل وأعلم منه، قالُوا [٧] الْمَلَائِكَةُ إِقْرَارًا بِالْعَجْزِ:
قالُوا سُبْحانَكَ: تَنْزِيهًا لَكَ، لَا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا، معناه: إنك أَجَلُّ مِنْ أَنْ نُحِيطَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِكَ إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ بِخَلْقِكَ الْحَكِيمُ فِي أَمْرِكَ، وَالْحَكِيمُ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا الْحَاكِمُ وَهُوَ الْقَاضِي الْعَدْلُ، وَالثَّانِي الْمُحْكِمُ لِلْأَمْرِ كَيْ لَا يَتَطَرَّقَ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، وَأَصْلُ الْحِكْمَةِ فِي اللُّغَةِ:
الْمَنْعُ فَهِيَ تَمْنَعُ صَاحِبَهَا مِنَ الْبَاطِلِ، وَمِنْهُ حِكْمَةُ الدَّابَّةِ لِأَنَّهَا تَمْنَعُهَا مِنَ الِاعْوِجَاجِ، فلما ظهر عجزهم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٣ الى ٣٥]
قالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤) وَقُلْنا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥)
قالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ، أَخْبِرْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَسَمَّى آدَمُ كُلَّ شَيْءٍ [بِاسْمِهِ] [٨] وَذَكَرَ الْحِكْمَةَ الَّتِي لِأَجْلِهَا خُلِقَ، فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ يَا مَلَائِكَتِي إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [مَا كَانَ مِنْهُمَا وَمَا يَكُونُ، لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ لَهُمْ: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ] [٩].
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو: (إِنِّيَ)، بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَذَلِكَ يفتحون كَلُّ يَاءِ إِضَافَةٍ اسْتَقْبَلَهَا أَلِفٌ قطع مفتوحة إلا أحرفا معدودة، ويفتح نافع و [أبو] [١٠] عمرو عند الألف المكسورة أيضا إلا أحرفا معدودة، ويفتح نافع عند المضمومة إلا أحرفا معدودة، والآخرون لا يفتحون إلا [في] [١١] أحرف معدودة، وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ، قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي قَوْلَهُمْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا، وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ:
قَوْلَكُمْ لَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ خلقا أكرم عليه منّا.
(٢) في المخطوط «اجتمعت مع».
(٣) زيادة في المخطوط.
(٤) في المطبوع «الخصوص».
(٥) سقط من المطبوع.
(٦) زيادة عن نسخة- ط-.
(٧) في نسخ المطبوع «فقالت».
(٨) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من أحد المخطوطين.
(١٠) سقط من المطبوع.
(١١) زيد في المطبوع.
لِأَمْرٍ مَا خُلِقَ هَذَا، ثُمَّ دَخَلَ فِي فِيهِ وَخَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ خَلْقٌ لَا يَتَمَاسَكُ لِأَنَّهُ أَجْوَفُ، ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ فُضِّلَ [الله] [١] هَذَا عَلَيْكُمْ وَأُمِرْتُمْ بِطَاعَتِهِ مَاذَا تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: نُطِيعُ أَمْرَ رَبِّنَا، فَقَالَ إِبْلِيسُ فِي نَفْسِهِ: وَاللَّهِ لَئِنْ سُلِّطْتُ عَلَيْهِ لَأُهْلِكَنَّهُ وَلَئِنْ سُلِّطَ عَلَيَّ لَأَعْصِيَنَّهُ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ يَعْنِي: مَا تُبْدِيهِ الْمَلَائِكَةُ مِنَ الطَّاعَةِ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ يَعْنِي إِبْلِيسَ من المعصية.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى جِوَارِ أَلِفِ اسْجُدُوا، وَكَذَلِكَ قَرَأَ قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ [الْأَنْبِيَاءِ: ١١٢]، بِضَمِّ الْبَاءِ، وَضَعَّفَهُ النُّحَاةُ جِدًّا وَنَسَبُوهُ إِلَى الْغَلَطِ فِيهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ مَعَ [أي من] [٢] الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَ الَّذِينَ كَانُوا سُكَّانَ الْأَرْضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ جَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ [الْحِجْرِ: ٣٠]، وَقَوْلُهُ: اسْجُدُوا، فِيهِ قَوْلَانِ:
الْأَصَحُّ أَنَّ السُّجُودَ كَانَ لِآدَمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَتَضَمَّنَ مَعْنَى الطَّاعَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِامْتِثَالِ [٣] أَمْرِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ سُجُودَ تَعْظِيمٍ وَتَحِيَّةٍ لَا سُجُودَ عِبَادَةٍ، كَسُجُودِ إِخْوَةِ يُوسُفَ لَهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً [يُوسُفَ: ١٠٠]، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ وَضْعُ الْوَجْهِ عَلَى الأرض إنما كان انحناء، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَبْطَلَ ذَلِكَ بِالسَّلَامِ.
وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ: اسْجُدُوا لِآدَمَ أَيْ: إِلَى آدَمَ فَكَانَ آدَمُ قِبْلَةً وَالسُّجُودُ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا جُعِلَتِ الْكَعْبَةُ قِبْلَةً لِلصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَسَجَدُوا يَعْنِي: الْمَلَائِكَةُ، إِلَّا إِبْلِيسَ، وَكَانَ اسْمُهُ عَزَازِيلَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ وَبِالْعَرَبِيَّةِ الْحَارِثُ، فَلَمَّا عَصَى [٤] غُيِّرَ اسْمُهُ وَصُورَتُهُ، فقيل [له] [٥] : إِبْلِيسُ لِأَنَّهُ أَبْلَسَ مِنْ رَحْمَةِ الله تعالى، أي: يئس [منها] [٦].
وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ مِنَ الْجِنِّ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الْكَهْفِ: ٥٠]، فَهُوَ أَصْلُ الْجِنِّ كَمَا أَنَّ آدَمَ أَصْلُ الْإِنْسِ، وَلِأَنَّهُ خُلِقَ مِنَ النَّارِ وَالْمَلَائِكَةَ خُلِقُوا مِنَ النُّورِ، وَلِأَنَّ لَهُ ذُرِّيَّةً وَلَا ذُرِّيَّةَ لِلْمَلَائِكَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ خِطَابَ السُّجُودِ كَانَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، وَقَوْلُهُ: كانَ مِنَ الْجِنِّ، أَيْ: مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ هُمْ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مِنَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْجَنَّةِ، وَقَالَ قَوْمٌ: مِنَ الملائكة الذين [كانوا] [٧] يَصُوغُونَ حُلِيَّ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ: إِنَّ فِرْقَةً مِنَ الْمَلَائِكَةِ خُلِقُوا مِنَ النَّارِ سُمُّوا جِنًّا لِاسْتِتَارِهِمْ عَنِ الْأَعْيُنِ، وَإِبْلِيسُ كَانَ مِنْهُمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [الصَّافَّاتِ: ١٥٨]، وَهُوَ قَوْلُهُمُ:
الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَلَمَّا أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ جُعِلَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ، قَوْلُهُ: أَبى أَيِ: امْتَنَعَ فَلَمْ يَسْجُدْ، وَاسْتَكْبَرَ، أَيْ: تَكَبَّرَ عَنِ السُّجُودِ لِآدَمَ، وَكانَ أي: وصار مِنَ الْكافِرِينَ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ:
وَكَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ [أنه] [٨] مِنَ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ وَجَبَتْ لَهُمُ الشقاوة.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المخطوط تقديم وتأخير في العبارات هاهنا، وسياق المطبوع وفي نسخة- ط- هو الصواب، والله أعلم.
(٤) تحرف في المطبوع «عصى» إلى «أعصى».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) ليست في المخطوط.
(٨) زيادة عن المخطوط.
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي وَيَقُولُ: يَا وَيْلَهْ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ [٣] فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَعَصَيْتُ فَلِيَ النَّارُ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُلْنا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّ آدَمَ لم يكن [له] [٤] فِي الْجَنَّةِ مَنْ يُجَانِسُهُ فَنَامَ نَوْمَةً فَخَلَقَ اللَّهُ زَوْجَتَهُ حَوَّاءَ من قصيراء [أي من] [٥] شِقِّهِ الْأَيْسَرِ، وَسُمِّيَتْ حَوَّاءَ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ حَيٍّ، خَلَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يحسّ بِهِ آدَمُ وَلَا وَجَدَ لَهُ أَلَمًا، وَلَوْ وَجَدَ لَمَا عَطَفَ رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ قَطُّ، فَلَمَّا هَبَّ مِنْ نَوْمِهِ رَآهَا جَالِسَةً عند رأسه كأحسن ما خَلْقِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهَا: مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: زَوْجَتُكَ خَلَقَنِي اللَّهُ لَكَ تَسْكُنُ إِلَيَّ وَأَسْكُنُ إِلَيْكَ وَكُلا مِنْها رَغَداً: وَاسِعًا كَثِيرًا، حَيْثُ شِئْتُما: كَيْفَ شِئْتُمَا [وَمَتَى شِئْتُمَا] [٦] وَأَيْنَ شِئْتُمَا، وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ، يعني: بالأكل، قال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَقَعَ النَّهْيُ عَلَى جِنْسٍ مِنَ الشَّجَرِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: عَلَى شَجَرَةٍ مَخْصُوصَةٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تلك الشجرة، فقال ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَمُقَاتِلٌ: هِيَ السُّنْبُلَةُ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هِيَ شَجَرَةُ الْعِنَبِ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: شَجَرَةُ التِّينِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: شَجَرَةُ الْعِلْمِ، وَفِيهَا مِنْ كل شيء، وقال علي: شَجَرَةُ الْكَافُورِ، فَتَكُونا: فَتَصِيرَا مِنَ الظَّالِمِينَ، أي: [من] [٧] الضَّارِّينَ [٨] بِأَنْفُسِكُمَا بِالْمَعْصِيَةِ، وَأَصْلُ الظُّلْمِ: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ [٩].
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٦ الى ٣٨]
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٣٦) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨)
وهو في «شرح السنة» بإثر (٦٥٤) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ٨١ وابن ماجه ١٠٥٢ وأحمد ٢/ ٤٤٣ وابن خزيمة ٥٤٩ وابن حبان ٢٧٥٩ والبغوي ٦٥٤.
والبيهقي في «الشعب» (١٤٨٧) من طرق عن أبي صالح به.
(١) في الأصل «ابن الحاكم» والتصويب عن «شرح السنة».
(٢) في «شرح السنة» :«الخالدي» بدل «بن خالد». [.....]
(٣) في المطبوع «فأطاع».
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) سقط من المطبوع، وفي- ط- «من» بدون «أي».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) في المطبوع «الضاربين».
(٩) في المخطوط «محله».
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّمَا رَآهُمَا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، لِأَنَّهُمَا كَانَا يَخْرُجَانِ مِنْهَا وَقَدْ كَانَ آدَمُ حِينَ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ قَالَ: لو أن أخلد، فَاغْتَنَمَ ذَلِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ مِنْ قِبَلِ الْخُلْدِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُ إِبْلِيسُ فَبَكَى وَنَاحَ نِيَاحَةً أَحْزَنَتْهُمَا وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ نَاحَ، فَقَالَا لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي عَلَيْكُمَا تَمُوتَانِ فَتُفَارِقَانِ مَا أَنْتُمَا فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ، فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمَا فَاغْتَمَّا، وَمَضَى إبليس [عنهما] [٧] ثم أتاهما بعد ذلك فقال: يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ وَقَاسَمَهُمَا بِاللَّهِ إِنَّهُ لَهُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَاغْتَرَّا، وَمَا ظَنَّا أَنَّ أَحَدًا يَحْلِفُ بِاللَّهِ كَاذِبًا فبادرت حواء إلى الأكل [من] [٨] الشَّجَرَةِ ثُمَّ نَاوَلَتْ آدَمَ حَتَّى أكل [منها] [٩].
وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا أَكَلَ آدَمُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَهُوَ يَعْقِلُ وَلَكِنْ حَوَّاءُ سَقَتْهُ الْخَمْرَ حَتَّى [إِذَا] [١٠] سَكِرَ قَادَتْهُ إِلَيْهَا فَأَكَلَ [١١]، قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: أَوْرَثَتْنَا تِلْكَ الْأَكْلَةُ حُزْنًا طَوِيلًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِآدَمَ: أَلَمْ يَكُنْ فِيمَا أَبَحْتُكَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الشَّجَرَةِ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يَحْلِفُ بِكَ كَاذِبًا، قَالَ: فَبِعِزَّتِي لَأُهْبِطَنَّكَ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ لَا تنال العيش إلا كدّا [١٢] [ولا تنال من النساء إلا مشقة وتعبا] [١٣]. فأهبط من الجنة، وكانا يأكلان منها رَغَدًا فَعُلِّمَ صَنْعَةَ الْحَدِيدِ وَأُمِرَ بالحرث فحرث وَزَرَعَ ثُمَّ سَقَى حَتَّى إِذَا بلغ حصد، ثم درسه [١٤] ثُمَّ ذَرَاهُ ثُمَّ طَحَنَهُ ثُمَّ عَجَنَهُ ثُمَّ خَبَزَهُ ثُمَّ أَكَلَهُ، فَلَمْ يَبْلُغْهُ [١٥] حَتَّى بَلَغَ [مِنْهُ] [١٦] ما شاء اللَّهِ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ آدَمَ لَمَّا أَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجلّ:
يا آدم مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ زَيَّنَتْهُ لِي حَوَّاءُ، قَالَ: فَإِنِّي أَعْقَبْتُهَا أَنْ لَا تَحْمِلَ إِلَّا كُرْهًا وَلَا تَضَعَ إِلَّا كُرْهًا وَدَمَيْتُهَا [١٧] فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ، فَرَنَّتْ حَوَّاءُ عِنْدَ ذَلِكَ فَقِيلَ: عَلَيْكِ الرَّنَّةُ وَعَلَى بناتك، فلما أكلا منها فتت [١٨] عَنْهُمَا ثِيَابُهُمَا وَبَدَتْ سَوْآتُهُمَا وَأُخْرِجَا مِنَ الْجَنَّةِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُلْنَا اهْبِطُوا:
انْزِلُوا إِلَى الْأَرْضِ، يَعْنِي: آدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ وَالْحَيَّةَ، فَهَبَطَ آدَمُ بسر نديب مِنْ أَرْضِ الْهِنْدِ عَلَى جَبَلٍ يقال
(٢) زيد في المطبوع.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المخطوط «لآدم».
(٥) سقط من المطبوع.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) سقط من المطبوع. [.....]
(٨) سقط من المطبوع، وفي المطبوع «أكل «بدل «الأكل».
(٩) في المطبوع «أكلها».
(١٠) سقط من المطبوع.
(١١) زيد في المخطوط «منها».
(١٢) في المطبوع «نكدا».
(١٣) زيادة عن المخطوط.
(١٤) في المطبوع «درس» وفي المخطوط «داسه».
(١٥) في المخطوط «يبتلعه» والمثبت عن كتب التخريج والمطبوع.
(١٦) زيادة عن المخطوط.
(١٧) في المخطوط «أدميتها».
(١٨) في- ط- «تهافتت».
«٤٩» أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ [بْنُ] [٢] بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ [٣] مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عباس قال: لَا أَعْلَمَهُ إِلَّا رَفَعَ الْحَدِيثَ:
«أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ وَقَالَ: مَنْ تَرَكَهُنَّ خَشْيَةَ أَوْ مَخَافَةَ ثَائِرٍ فَلَيْسَ مِنَّا»، وَزَادَ مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي الْحَدِيثِ: «مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حاربناهنّ» [٤].
ع «٥٠» وَرُوِيَ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَوَاتِ البيوت».
ع «٥١» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِنْ رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ: مَوْضِعُ قَرَارٍ وَمَتاعٌ بُلْغَةٌ وَمُسْتَمْتَعٌ إِلى حِينٍ: إلى انقضاء آجالكم.
فَتَلَقَّى: تلقن [٥]، وَالتَّلَقِّي: هُوَ قَبُولٌ عَنْ فِطْنَةٍ وَفَهْمٍ، وَقِيلَ: هُوَ التَّعَلُّمُ، آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ آدَمُ بِرَفْعِ الْمِيمِ وَكَلِمَاتٍ بِخَفْضِ التاء، وقرأ ابْنُ كَثِيرٍ (آدَمَ) بِالنَّصْبِ (كَلِمَاتٌ) بِرَفْعِ التَّاءِ، يَعْنِي: جَاءَتِ الْكَلِمَاتُ آدَمَ مِنْ رَبِّهِ وَكَانَتْ سَبَبَ تَوْبَتِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْكَلِمَاتِ، فقال [٦] سعيد بن
(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من «ط» و «أ» و «شرح السنة».
(٣) زيد في الأصل: [محمد بن الصفار حدثنا] بين «أحمد» و «منصور» والتصويب عن «شرح السنة». [.....]
(٤) كذا وقع في الأصل وفي مصنف عبد الرزاق وفي رواية لأبي داود ٥٢٤٩ من حديث ابن مسعود «فمن خاف ثأرهن».
٤ هذه الزيادة لأبي داود.
(٥) في المطبوع «تلقى».
(٦) في المطبوع «قال».
٤٩- صحيح، أحمد بن منصور الرمادي، ثقه حافظ، كما في «التقريب» وقد توبع ومن دونه ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، معمر هو ابن راشد، وأيوب هو ابن أبي كريمة، وعكرمة هو أبو عبد الله مولى ابن عباس.
وهو في «شرح السنة» (٣١٥٨) بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود ٥٢٥٠ وعبد الرزاق في «المصنف» (١٩٦١٧) وأحمد ١/ ٢٣٠ من حديث ابن عباس وإسناده صحيح.
- وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أبو داود ٥٢٤٨ والحميدي ١١٥٦ وأحمد ٢/ ٢٤٧ و٤٣٢ و٢٥٠ وابن حبان ٥٦٤٤، وله أيضا شواهد أخرى في الصحيحين.
٥٠- ع صحيح. أخرجه البخاري ٣٢٩٧ و٣٣١٢ و٣٣١٣ ومسلم ٢٢٣٣ وأبو داود ٥٢٥٣ وعبد الرزاق ١٩٦١٦ وابن حبان ٥٦٤٣ من طرق من حديث ابن عمر، وفيه قصة.
٥١- ع صحيح. أخرجه مسلم ٢٢٣٦ وأبو داود ٥٢٥٩ والترمذي ١٤٨٤ والنسائي في «الكبرى» (٨٨٧١ و١٠٨٠٥ و١٠٨٠٨) ومالك ٢/ ٩٧٦- ٩٧٧ وابن حبان ٥٦٣٧ والطحاوي في «المشكل» (٤/ ٩٤- ٩٥) والبغوي ٣٢٦٤ من حديث أبي سعيد الخدري، وله قصة.
وَقَالَ [مُجَاهِدٌ] [١] وَمُحَمَّدُ بْنُ كعب القرظي: هو قَوْلُهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ رَبِّ عَمِلْتُ سُوءًا وَظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إِنَّكَ أنت الغفور الرَّحِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ رَبِّ عَمِلْتُ سُوءًا وَظَلَمْتُ نَفْسِي فَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: هِيَ أَنَّ آدَمَ قَالَ: يَا رَبِّ أَرَأَيْتَ مَا أَتَيْتُ، أَشَيْءٌ ابْتَدَعْتُهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي أَمْ شَيْءٌ قَدَّرْتَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ تَخْلُقَنِي؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا بَلْ شَيْءٌ قُدَّرْتُهُ عَلَيْكَ قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَكَ، قَالَ: يَا رب فكما قدّرته [علّي] [٢] [٣] فَاغْفِرْ لِي، وَقِيلَ: هِيَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ الْحَيَاءُ وَالدُّعَاءُ وَالْبُكَاءُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَكَى آدَمُ وَحَوَّاءُ عَلَى مَا فَاتَهُمَا مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَلَمْ يَأْكُلَا وَلَمْ يَشْرَبَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَلَمْ يَقْرُبْ آدَمُ حَوَّاءَ مِائَةَ سَنَةٍ.
وَرَوَى الْمَسْعُودِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ خباب [٤] وعلقمة بن مرثد قالا: لَوْ أَنَّ دُمُوعَ [جَمِيعِ] [٥] أَهْلِ الْأَرْضِ جُمِعَتْ لَكَانَتْ دُمُوعُ دَاوُدَ أَكْثَرَ [٦] حَيْثُ أَصَابَ الْخَطِيئَةَ، وَلَوْ أَنَّ دُمُوعَ دَاوُدَ وَدُمُوعَ أَهْلِ الْأَرْضِ جُمِعَتْ لَكَانَتْ دُمُوعُ آدَمَ أَكْثَرَ حَيْثُ أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ.
قَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: بلغني أن آدم لما أهبط إِلَى الْأَرْضِ مَكَثَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ لا يرفع رأسه [إلى السماء] [٧] حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، قَوْلُهُ: فَتابَ عَلَيْهِ: فَتَجَاوَزَ عَنْهُ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ: يَقْبَلُ تَوْبَةَ عِبَادِهِ، الرَّحِيمُ: بخلقه.
قوله تَعَالَى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً، يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ، وَقِيلَ: الْهُبُوطُ الْأَوَّلُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى السَّمَاءِ [٨] الدنيا، والهبوط الثاني [٩] مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا إِلَى الْأَرْضِ، فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ، أَيْ: فَإِنْ يَأْتِكُمْ يَا ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنِّي هُدىً، أَيْ: رُشْدٌ وَبَيَانُ شَرِيعَةٍ، وَقِيلَ: كِتَابٌ وَرَسُولٌ، فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، قَرَأَ يَعْقُوبُ: فَلا خَوْفٌ بالنصب [في] [١٠] كل القرآن، والآخرون بالرفع [١١] وَالتَّنْوِينِ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فِيمَا يستقبلهم وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفُوا [١٢]، وَقِيلَ: لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ [فِي الدُّنْيَا] [١٣]، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ في الآخرة.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٩ الى ٤٤]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٩) يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٤٤)
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيد في المطبوع «قبل أن تخلقني» وهي غير موجودة في المخطوط ولا في «الدر المنثور».
(٤) في المطبوع «خطاب» وهو تصحيف.
(٥) زيادة في نسخ المطبوع.
(٦) زيد في المخطوط «من».
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) في المخطوط «سماء». [.....]
(٩) في نسخة- ط- الآخر».
(١٠) في المطبوع «بالفتح».
(١١) في المطبوع «بالضم».
(١٢) في المطبوع «خلقوا».
(١٣) سقط من المخطوط.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا بَنِي إِسْرائِيلَ يَا أَوْلَادَ يعقوب، ومعنى إسرا [١] : عبد [٢]، وَإِيلُ: هُوَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقِيلَ: صَفْوَةُ اللَّهِ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: (إسرائيل) بغير همزة، اذْكُرُوا: احْفَظُوا، وَالذِّكْرُ يَكُونُ بِالْقَلْبِ وَيَكُونُ بِاللِّسَانِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الشُّكْرَ، وَذُكِرَ بِلَفْظِ الذِّكْرِ، لِأَنَّ في الشكر ذكرا وفي الكفر [٣] نِسْيَانًا، قَالَ الْحَسَنُ: ذِكْرُ النِّعْمَةِ شُكْرُهَا، نِعْمَتِيَ، أَيْ: نِعَمِي، لَفْظُهَا وَاحِدٌ وَمَعْنَاهَا جَمْعٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها [إِبْرَاهِيمَ: ٣٤]، الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ، أَيْ: عَلَى أَجْدَادِكُمْ وَأَسْلَافِكُمْ.
قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ النِّعَمُ الَّتِي خُصَّتْ بِهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ: فلق البحر، وإنجاؤهم مِنْ فِرْعَوْنَ بِإِغْرَاقِهِ، وَتَظْلِيلِ الْغَمَامِ عَلَيْهِمْ فِي التِّيهِ، وَإِنْزَالِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، وَإِنْزَالِ التَّوْرَاةِ، فِي نِعَمٍ كَثِيرَةٍ لَا تُحْصَى.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ جَمِيعُ النِّعَمِ الَّتِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِي [أَيْ] : بِامْتِثَالِ أَمْرِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ: بِالْقَبُولِ وَالثَّوَابِ، قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: أَرَادَ بِهَذَا الْعَهْدِ مَا ذكر في سورة المائدة [في قوله] [٤] : وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً [المائدة: ١٢] إِلَى أَنْ قَالَ:
لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [الْمَائِدَةِ: ١٢]، فَهَذَا قَوْلُهُ: أُوفِ بِعَهْدِكُمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ قَوْلُهُ: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ [الْبَقَرَةِ: ٦٣]، فَهُوَ [٥] شَرِيعَةُ التَّوْرَاةِ، وَقَالَ مقاتل:
هو قَوْلُهُ [تَعَالَى] : وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ [الْبَقَرَةِ: ٨٣].
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: عَهِدَ اللَّهُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لسان موسى [عليه الصّلاة والسّلام] : إِنِّي بَاعِثٌ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ نبيا أمّيّا من تبعه وصدق بالنور الذي يأتي معه [٦] غفرت له ذنوبه [٧] وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ، وَجَعَلْتُ لَهُ أَجْرَيْنِ اثْنَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ [آلَ عِمْرَانَ: ١٨٧]، يَعْنِي: أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ: فَخَافُونِي فِي نَقْضِ الْعَهْدِ، وَأَثْبَتَ يَعْقُوبُ الْيَاءَآتِ المحذوفة في الخط مثل (فارهبون، فاتقون، واخشون)، والآخرون يحذفونها في [٨] الْخَطِّ.
وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ يَعْنِي الْقُرْآنَ، مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ، أَيْ: موافقا لما معكم من [٩] التَّوْرَاةَ فِي التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْأَخْبَارِ وَنَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَأَصْحَابِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ وَرُؤَسَائِهِمْ، وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ، أَيْ: بِالْقُرْآنِ، يُرِيدُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، لِأَنَّ قُرَيْشًا كَفَرَتْ قَبْلَ الْيَهُودِ بِمَكَّةَ، مَعْنَاهُ: وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ مَنْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ فتتابعكم اليهود على ذلك فتبوؤوا بآثامكم وآثامهم [لأنكم أصل إضلالهم] [١٠]، وَلا تَشْتَرُوا، أَيْ: وَلَا تَسْتَبْدِلُوا بِآياتِي: بِبَيَانِ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثَمَناً قَلِيلًا، أي: عوضا يَسِيرًا مِنَ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْيَهُودِ وَعُلَمَاءَهُمْ كَانَتْ لَهُمْ مآكل [١١] يصيبونها
(٢) زيد في المطبوع «الله».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) في المخطوط «فهذه».
(٦) في المطبوع «به».
(٧) في المطبوع «ذنبه».
(٨) في نسخ المطبوع «على».
(٩) في المخطوط «يعني» بدل «من». [.....]
(١٠) زيادة عن المخطوط.
(١١) في المطبوع «مأكلة».
وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ، أَيْ: لَا تَخْلِطُوا، يُقَالُ: لَبِسَ الثَّوْبَ يَلْبَسُ لُبْسًا، وَلَبِسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ يلبس لبسا، أي: خلط، يقال: لَا تَخْلِطُوا الْحَقَّ الَّذِي أَنْزَلْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَاطِلِ الَّذِي تكتبونه بأيديكم من تغيير [صفته] [٢]، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ لَا تلبسوا الإسلام باليهودية والنصرانية، قال [٣] مُقَاتِلٌ: إِنَّ الْيَهُودَ أَقَرُّوا بِبَعْضِ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَتَمُوا بَعْضًا [٤] لِيُصَدَّقُوا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ الَّذِي تُقِرُّونَ بِهِ [٥] بِالْباطِلِ، يَعْنِي: بِمَا تَكْتُمُونَهُ، فَالْحَقُّ بَيَانُهُمْ [٦] وَالْبَاطِلُ كِتْمَانُهُمْ، وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ، أَيْ: لَا تَكْتُمُوهُ، يَعْنِي: نَعْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ.
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، يَعْنِي: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ بِمَوَاقِيتِهَا وَحُدُودِهَا، وَآتُوا الزَّكاةَ أَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمُ المفروضة، فهي مأخوذة من زكاة الزَّرْعُ إِذَا نَمَا وَكَثُرَ، وَقِيلَ: مِنْ تَزَكَّى، أَيْ: تَطَهَّرَ، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَوْجُودٌ [٧] فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّ فِيهَا تَطْهِيرًا وَتَنْمِيَةً لِلْمَالِ، وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ، أَيْ: صَلُّوا مَعَ الْمُصَلِّينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَذُكِرَ بِلَفْظِ الرُّكُوعِ لأن الركوع رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْيَهُودِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ركوع، وكأنه قَالَ: صَلُّوا صَلَاةً ذَاتَ رُكُوعٍ، قيل: وإعادته بَعْدَ قَوْلِهِ: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، لِهَذَا أَيْ:
صَلُّوا مَعَ الَّذِينَ فِي صَلَاتِهِمْ [٨] رُكُوعٌ، فَالْأَوَّلُ مُطْلَقٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَهَذَا فِي حَقِّ أَقْوَامٍ مَخْصُوصِينَ، وَقِيلَ:
هَذَا حَثٌّ على إقام الصَّلَاةِ جَمَاعَةً كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: صَلُّوا مَعَ [الْمُصَلِّينَ] [٩] الَّذِينَ سَبَقُوكُمْ بالإيمان.
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ، أَيْ: بِالطَّاعَةِ، نَزَلَتْ فِي عُلَمَاءِ الْيَهُودِ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَقُولُ لِقَرِيبِهِ [١٠] وَحَلِيفِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [١١] إِذَا سَأَلَهُ عَنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اثْبُتْ عَلَى دِينِهِ فَإِنَّ أَمْرَهُ حَقٌّ، وَقَوْلَهُ صِدْقٌ، وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِأَحْبَارِهِمْ حَيْثُ أَمَرُوا أَتْبَاعَهُمْ بِالتَّمَسُّكِ بِالتَّوْرَاةِ، ثُمَّ خَالَفُوا وَغَيَّرُوا نَعْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ، أَيْ: تَتْرُكُونَ أَنْفُسَكُمْ فَلَا تَتَّبِعُونَهُ، وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ: تَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ فِيهَا نَعْتُهُ وَصَفْتُهُ، أَفَلا تَعْقِلُونَ: أَنَّهُ حَقٌّ فَتَتَّبِعُونَهُ [١٢]، وَالْعَقْلُ مَأْخُوذٌ مِنْ عِقَالِ الدَّابَّةِ، وَهُوَ مَا يُشَدُّ بِهِ رُكْبَةُ الْبَعِيرِ فيمنعه عن [١٣] الشُّرُودِ، فَكَذَلِكَ الْعَقْلُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ من الكفر والجحود، [والمخالفة لما علمه الحق] [١٤].
«٥٢» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو عُمَرَ [١٥] بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، أَنَا أَبُو بكر محمد بن
- وهو في «شرح السنة» (٤٠٥٤) بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (١٤/ ٣٠٨) وأحمد ٣/ ١٢٠ و١٨٠ و٢٣١ و٢٣٩ كلهم عن علي بن زيد به، وقد توبع ابن زيد، تابعه مالك بن دينار عند ابن حبان ٥٣ وأبي نعيم في «الحلية» (٨/ ٤٣- ٤٤)، وعند ابن حبان المغيرة ختن مالك بن دينار، وهو لين الحديث، وقد توبع في «الحلية»، وأخرجه البيهقي في «الشعب» (١٧٧٣) من وجه آخر عن مالك بن دينار عن ثمامة بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ، فجعل واسطة بينهما- ثمامة- ومالك سمع من أنس، وأخرجه أبو نعيم ٨/ ١٧٢ من طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ ابن الْمُبَارَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أنس، فالحديث قوي بطرقه. وفي الباب أحاديث، منها الآتي.
(١) سقط من المطبوع.
(٢) في المطبوع «صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم».
(٣) في المطبوع «وقال».
(٤) في المخطوط «بعضها».
(٥) في المطبوع «تغيرون».
(٦) في المخطوط «إثباتهم».
(٧) في المطبوع «موجودان».
(٨) في المطبوع «صلواتهم» والمثبت عن المخطوط وط-.
(٩) زيد في نسخ المطبوع.
(١٠) في المخطوط «لقرينه».
(١١) في المطبوع «المؤمنين» والمثبت عن المخطوط وط-. [.....]
(١٢) في المطبوع «فتتبعون».
(١٣) في المخطوط «من».
(١٤) سقط من نسخ المطبوع.
(١٥) في المطبوع «عمرو».
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أسري بي رجالا تقرض شفافهم بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءٌ مِنْ أُمَّتِّكَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبَرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ».
«٥٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ [بْنُ] [١] عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وائل قال: قال أسامة [بن زيد] [٢] :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فتندلق أقتابه [٣] فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ [٤] [٥]، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ».
وَقَالَ شُعْبَةُ عن الأعمش:
«فيطحن [فيها كطحن] [٦] الحمار برحاه».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤٥ الى ٤٩]
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (٤٦) يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (٤٧) وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨) وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩)
وهو في «شرح السنة» (٤٠٥٣) بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٣٢٦٧) عن علي بن عبد الله بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٧٠٩٨ ومسلم ٢٩٨٩ وأحمد ٥/ ٢٠٦ من طرق من حديث أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما.
(١) سقط من المطبوع.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) الأقتاب: الأمعاء.
(٤) الرحى: الطاحون.
(٥) كذا في المطبوع وشرح السنة، وفي المخطوط «بالرحى».
(٦) في نسخ المطبوع «بها كما يطحن» والمثبت عن المخطوط، وشرح السنة.
[على تمحيض محو الذنوب] [١] أَرَادَ حَبْسَ النَّفْسِ عَنِ الْمَعَاصِي، وقيل: أراد بالصبر: الصَّبْرَ عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَقَالَ مجاهد: الصبر [هو] : الصَّوْمُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّوْمَ يُزَهِّدُهُ فِي الدُّنْيَا وَالصَّلَاةَ تُرَغِّبُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: الْوَاوُ بِمَعْنَى «عَلَى» أَيْ: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ عَلَى الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها [التوبة: ١٣٢]، وَإِنَّها، ولم يقل وإنهما، ردّ الكناية إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَيْ: وَإِنَّ كُلَّ خَصْلَةٍ مِنْهُمَا، كَمَا قَالَ: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها [الْكَهْفِ:
٣٣]، أَيْ: كُلُّ [٢] وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ [وَإِنَّهُ لِكَبِيرٌ، وَبِالصَّلَاةِ] [٣] وَإِنَّهَا لِكَبِيرَةٌ، فَحَذَفَ أحدهما اختصارا.
وقال المورّج [٤] : رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا أَعَمُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها [التَّوْبَةِ: ٣٤] رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الْفِضَّةِ لِأَنَّهَا أَعَمُّ، وَقِيلَ: رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّ الصَّبْرَ دَاخِلٌ فِيهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ [التَّوْبَةِ: ٦٢]، ولم يقل يرضوهما، لأن رضى الرسول داخل في رضى الله عزّ وجلّ.
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ، لَكَبِيرَةٌ، أَيْ: لِثَقِيلَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: الْخَائِفِينَ، وَقِيلَ: الْمُطِيعِينَ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: الْمُتَوَاضِعِينَ، وَأَصْلُ الْخُشُوعِ: السُّكُونُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ [طه: ١٠٨]، فَالْخَاشِعُ سَاكِنٌ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
الَّذِينَ يَظُنُّونَ: يَسْتَيْقِنُونَ، وَالظَّنُّ [٥] مِنَ الْأَضْدَادِ يَكُونُ شَكًّا ويقينا، كالرجاء يكون أمنا وخوفا، أَنَّهُمْ مُلاقُوا: معاينوا رَبِّهِمْ: فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ اللِّقَاءِ الصَّيْرُورَةُ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ: فَيَجْزِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ.
يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (٤٧)، أي: عالمي زمانكم، [لا مطلق العالمين] [٦] وَذَلِكَ التَّفْضِيلُ وَإِنْ كَانَ فِي حق الآباء ولكن يحصل به الشرف في حق الأبناء.
وَاتَّقُوا يَوْماً: وَاخْشَوْا عِقَابَ [٧] يَوْمٍ، لَا تَجْزِي نَفْسٌ: لَا تَقْضِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً، أَيْ:
حَقًّا لَزِمَهَا، وَقِيلَ: لَا تُغْنِي، وَقِيلَ: لَا تَكْفِي شَيْئًا مِنَ الشَّدَائِدِ، وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ [٨] بِالتَّاءِ، لِتَأْنِيثِ الشَّفَاعَةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ، لِأَنَّ الشَّفْعَ وَالشَّفَاعَةَ بمعنى واحد
(٢) زيد في المطبوع «أكل».
(٣) سقط من المخطوط. [.....]
(٤) هو الإمام اللغوي مؤرّج بن عمرو السدوسي، أخذ عن الخليل بن أحمد، راجع «الأعلام» للزركليّ (٧/ ٣١٨).
(٥) زيد في نسخة- ط- «أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ، وَأَنَّهُمْ مُحَاسَبُونَ، وَأَنَّهُمْ رَاجِعُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ يصدقون بالبعث، وجعل رجوعهم إلى المحشر رجوعا إليه».
وقال محققه: ساقط من ب.
قلت: ليس هو في نسخ المخطوط ولا نسخة المطبوع الأخرى، وسيفسر المصنف العبارات الآتية من الآية، مما يدل على عدم ثبوت تلك الزيادة فتأمل، والله أعلم.
(٦) زيد عن المخطوط- أ- ب.
(٧) في المخطوط «عذاب».
(٨) جعل في نسختي المخطوط «وأهل البصرة» بدل «ويعقوب» والمثبت هو الصواب، حيث رجعت إلى كتب القراءات، فرأيت المثبت هو الصواب.
وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ، [يَعْنِي] : أَسْلَافَكُمْ وَأَجْدَادَكُمْ فَاعْتَدَّهَا مِنَّةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ نَجَوْا بِنَجَاتِهِمْ، مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ: أَتْبَاعِهِ وَأَهْلِ دِينِهِ، وَفِرْعَوْنُ هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ الرَّيَّانِ، وَكَانَ مِنَ الْقِبْطِ الْعَمَالِيقِ وَعُمِّرَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ، يَسُومُونَكُمْ: يُكَلِّفُونَكُمْ وَيُذِيقُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ: أَشَدَّ الْعَذَابِ وَأَسْوَأَهُ، وَقِيلَ: يَصْرِفُونَكُمْ فِي الْعَذَابِ [مرة هكذا و] [٣] مرة هَكَذَا كَالْإِبِلِ السَّائِمَةِ فِي الْبَرِّيَّةِ.
وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ جَعْلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَدَمًا وَخَوَلًا، وَصَنَّفَهُمْ فِي الْأَعْمَالِ فَصِنْفٌ يَبْنُونَ، وَصِنْفٌ يَحْرُثُونَ ويزرعون، وصنف يخدمون، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فِي عمل وضع عليه الجزية.
قال وَهْبٌ: كَانُوا أَصْنَافًا فِي أَعْمَالِ فرعون، فذو والقوة يَنْحِتُونَ السَّوَارِيَ مِنَ الْجِبَالِ حَتَّى قُرِحَتْ أَعْنَاقُهُمْ [وَأَيْدِيهِمْ] [٤] وَدَبِرَتْ ظُهُورُهُمْ مِنْ قَطْعِهَا وَنَقْلِهَا، وَطَائِفَةٌ يَنْقُلُونَ الحجارة [والطين يَبْنُونَ لَهُ الْقُصُورَ] [٥]، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَضْرِبُونَ اللَّبِنَ وَيَطْبُخُونَ الْآجُرَّ، وَطَائِفَةٌ نَجَّارُونَ وَحَدَّادُونَ، وَالضَّعَفَةُ مِنْهُمْ يَضْرِبُ عليهم الخراج، جزية [٦] يُؤَدُّونَهَا كُلَّ يَوْمٍ فَمَنْ غَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ ضَرِيبَتَهُ غُلَّتْ يَمِينُهُ إِلَى عُنُقِهِ شَهْرًا، وَالنِّسَاءُ يَغْزِلْنَ الْكَتَّانَ وَيَنْسِجْنَ، وقيل: تفسير قوله يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ: ما [٧] بعده وهو قوله تعالى: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ، فهو مَذْكُورٌ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ، وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ يَتْرُكُونَهُنَّ أَحْيَاءً.
وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ نَارًا أَقْبَلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَحَاطَتْ بِمِصْرَ وَأَحْرَقَتْ كُلَّ قِبْطِيٍّ فِيهَا، وَلَمْ تَتَعَرَّضْ [٨] لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَهَالَهُ ذَلِكَ وَسَأَلَ الْكَهَنَةَ عَنْ رؤياه فقالوا يولد ولد فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ غُلَامٌ يَكُونُ على يديه [٩] هَلَاكُكَ وَزَوَالُ مُلْكِكَ، فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ بِقَتْلِ كُلِّ غُلَامٍ يُولَدُ فِي بني إسرائيل، وجمع القوابل قال لَهُنَّ: لَا يُسْقَطَنَّ عَلَى أَيْدِيكُنَّ غُلَامٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا قُتِلَ وَلَا جَارِيَةٌ إِلَّا تُرِكَتْ، ووكّل بالقوابل [أمناء ينظرون ما يصنع كل حامل من ذكر أو أنثى ويخبرونه] [١٠]، فَكُنَّ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ حَتَّى قِيلَ: إنه قتل فِي طَلَبِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ اثني عشر ألف صبي، وَقَالَ وَهْبٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ ذَبَحَ فِي طَلَبِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ تسعين ألف وليد، [قال] [١١] : ثم أسرع الْمَوْتُ فِي مَشْيَخَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فدخل رؤوس الْقِبْطِ عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَالُوا: إِنَّ الْمَوْتَ قَدْ وَقَعَ فِي بَنِي إسرائيل فتذبح صغارهم ويموت في أَنْ يَقَعَ الْعَمَلُ عَلَيْنَا، فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ أَنْ يَذْبَحُوا سَنَةً وَيَتْرُكُوا سنة فولد هرون في السنة التي
(٢) في المطبوع «والعدل» والمثبت عن المخطوطتين، ونسخة- ط-.
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) سقط من المطبوع.
(٦) في المطبوع «ضريبة».
(٧) زيد في المخطوط «ذكره» عقب لفظ «ما».
(٨) في المطبوع «يتعرض».
(٩) في المطبوع «يده». [.....]
(١٠) سقط في نسخ المطبوع.
(١١) زيد عن المخطوط.
الْبَلَاءُ: الْمِحْنَةُ، أَيْ: فِي سَوْمِهِمْ إِيَّاكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ مِحْنَةٌ عَظِيمَةٌ، وَقِيلَ: الْبَلَاءُ: النِّعْمَةُ، أَيْ: فِي إِنْجَائِي إِيَّاكُمْ مِنْهُمْ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، فَالْبَلَاءُ يَكُونُ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ وَبِمَعْنَى الشِّدَّةِ، فَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ يَخْتَبِرُ عَلَى النِّعْمَةِ بِالشُّكْرِ، وعلى الشدة بالصبر، قال اللَّهُ تَعَالَى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء: ٣٥].
[سورة البقرة (٢) : آية ٥٠]
وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠)
وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ، قِيلَ: معناه فرقنا لكم [البحر] [٢]، وَقِيلَ: فَرَقْنَا الْبَحْرَ بِدُخُولِكُمْ إِيَّاهُ، وَسُمِّيَ الْبَحْرُ بَحْرًا لِاتِّسَاعِهِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْفَرَسِ: بَحْرٌ إِذَا اتَّسَعَ فِي جَرْيِهِ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا دَنَا هَلَاكُ فِرْعَوْنَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يسير بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ لَيْلًا فَأَمَرَ مُوسَى قَوْمَهُ أَنْ يُسْرِجُوا [٣] فِي بُيُوتِهِمْ إِلَى الصُّبْحِ، وَأَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ وَلَدِ زِنًا فِي الْقِبْطِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَيْهِمْ وَكُلَّ وَلَدِ زِنًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْقِبْطِ إِلَى الْقِبْطِ، حَتَّى رَجَعَ كُلٌّ إِلَى أَبِيهِ، وَأَلْقَى اللَّهُ الْمَوْتَ عَلَى الْقِبْطِ فَمَاتَ كُلُّ بِكْرٍ لَهُمْ فاشتغلوا بدفنهم حتى أصبحوا، حتى طلعت الشَّمْسُ وَخَرَجَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي سِتِّمِائَةِ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ لَا يَعُدُّونَ ابْنَ الْعِشْرِينَ لِصِغَرِهِ وَلَا ابْنَ السِّتِّينَ لِكِبَرِهِ، وَكَانُوا يَوْمَ دَخَلُوا مِصْرَ مَعَ يَعْقُوبَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ إِنْسَانًا مَا بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُوسَى سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ وَسَبْعِينَ أَلْفًا.
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: كَانُوا سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ، فَلَمَّا أَرَادُوا السَّيْرَ ضُرِبَ عَلَيْهِمُ التِّيهُ فَلَمْ يَدْرُوا أَيْنَ يَذْهَبُونَ، فَدَعَا مُوسَى مَشْيَخَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَسَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: إِنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ عَلَى إِخْوَتِهِ عَهْدًا أَنْ لَا يَخْرُجُوا مِنْ مِصْرَ حَتَّى يُخْرِجُوهُ مَعَهُمْ فَلِذَلِكَ انْسَدَّ عَلَيْنَا الطَّرِيقُ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ مَوْضِعِ قَبْرِهِ فَلَمْ يَعْلَمُوا فَقَامَ مُوسَى يُنَادِي أُنْشِدُ اللَّهَ كُلَّ مَنْ يَعْلَمُ أَيْنَ مَوْضِعُ قَبْرِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَلَا أَخْبَرَنِي بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ [بِهِ] [٤] فَصُمَّتْ أذناه عن سماع قَوْلِي، وَكَانَ يَمُرُّ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يُنَادِي [فَلَا] [٥] يَسْمَعَانِ صَوْتَهُ، حَتَّى سَمِعَتْهُ عَجُوزٌ لَهُمْ فَقَالَتْ: أَرَأَيْتُكَ إِنْ دَلَلْتُكَ عَلَى قَبْرِهِ أَتُعْطِينِي كُلَّ مَا سَأَلْتُكَ؟ فَأَبَى عَلَيْهَا وَقَالَ حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي، فَأَمَرَهُ الله تعالى بإيتائها سؤالها، فَقَالَتْ: إِنِّي عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ لَا أَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ فَاحْمِلْنِي وَأَخْرِجْنِي مِنْ مِصْرَ، هَذَا فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَأَسْأَلُكَ أَنْ لَا تَنْزِلَ [غُرْفَةً مِنَ] [٦] الْجَنَّةِ إِلَّا نَزَلْتُهَا مَعَكَ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِنَّهُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ فِي النيل، فادع الله تعالى حَتَّى [يَحْسِرَ عَنْهُ]]
الْمَاءَ، فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى فَحَسِرَ عَنْهُ الْمَاءَ، ودعا الله [٨] أَنْ يُؤَخِّرَ طُلُوعَ الْفَجْرِ إِلَى أَنْ يَفْرَغَ مِنْ أَمْرِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَحَفَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَاسْتَخْرَجَهُ فِي [٩] صُنْدُوقٍ مِنْ مَرْمَرٍ وَحِمَلَهُ حَتَّى دَفَنَهُ بِالشَّامِ، فَفُتِحَ لَهُمُ الطَّرِيقُ فَسَارُوا وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى ساقتهم [١٠] وهرون على مقدمتهم،
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) أي أمرهم أن يضيئوا السراج.
(٤) سقط في المخطوط.
(٥) في المطبوع «ولا».
(٦) كذا في نسخ المطبوع، وفي المخطوط «منزلا في».
(٧) في المطبوع «ينحسر».
(٨) زيادة عن المخطوط.
(٩) في المخطوط «من».
(١٠) ساقة الجيش: مؤخّره.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ فِي عَسْكَرِ فِرْعَوْنَ مِائَةُ أَلْفِ حِصَانٍ أَدْهَمَ سِوَى سَائِرِ الشِّيَاتِ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ [يَكُونُ] [٥] فِي الدُّهْمِ [٦] وَقِيلَ: كَانَ فِرْعَوْنُ فِي سَبْعَةِ آلَافِ أَلْفٍ، وَكَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِائَةُ أَلْفِ نَاشِبٍ وَمِائَةُ أَلْفٍ أَصْحَابُ حِرَابٍ، وَمِائَةُ أَلْفٍ أَصْحَابُ الْأَعْمِدَةِ فَسَارَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حَتَّى وَصَلُوا إلى البحر أو لماء في غاية الزيادة.
ونظروا فَإِذَا هُمْ بِفِرْعَوْنَ حِينَ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ، فَبَقُوا مُتَحَيِّرِينَ فَقَالُوا: يَا مُوسَى كَيْفَ نَصْنَعُ وَأَيْنَ مَا وَعَدْتَنَا؟ هَذَا فِرْعَوْنُ خَلْفَنَا إِنْ أَدْرَكَنَا قَتَلَنَا وَالْبَحْرُ أَمَامَنَا إِنْ دَخَلْنَاهُ غَرِقْنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) [الشُّعَرَاءِ: ٦١. ٦٢] فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ [الشعراء: ٦٣]، فَضَرَبَهُ فَلَمْ يُطِعْهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ كَنِّهِ، فَضَرَبَهُ وَقَالَ: انْفَلِقْ يَا أَبَا خَالِدٍ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء: ٦٣]، وَظَهَرَ فِيهِ اثْنَا عَشَرَ طَرِيقًا لِكُلِّ سِبْطٍ طَرِيقٌ، وَارْتَفَعَ الْمَاءُ بَيْنَ كُلِّ طَرِيقَيْنِ كَالْجَبَلِ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ عَلَى قَعْرِ البحر حتى صار [البحر] يَبِسَا فَخَاضَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ كُلُّ سِبْطٍ فِي طَرِيقٍ وَعَنْ جانبيهم الماء كالجبل الضخم لا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَخَافُوا وَقَالَ كُلُّ سِبْطٍ: قَدْ قُتِلَ إِخْوَانُنَا فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى جِبَالِ الْمَاءِ أَنْ تَشَبَّكِي فَصَارَ الْمَاءُ شَبَكَاتٍ كَالطَّبَقَاتِ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَسْمَعُ بَعْضُهُمْ كَلَامَ بَعْضٍ، حَتَّى عَبَرُوا الْبَحْرَ سَالِمِينَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ: مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَالْغَرَقِ.
وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ لِمَا وَصَلَ إِلَى الْبَحْرِ فرآه منفلقا قَالَ لِقَوْمِهِ: انْظُرُوا إِلَى الْبَحْرِ انْفَلَقَ مِنْ هَيْبَتِي حَتَّى أُدْرِكَ عبيدي الذين أبقوا مني، ادْخُلُوا الْبَحْرَ فَهَابَ قَوْمُهُ أَنْ يَدْخُلُوهُ، وَقِيلَ: قَالُوا لَهُ: إِنْ كُنْتَ رَبًّا فَادْخُلِ الْبَحْرَ كَمَا دخل موسى، وكان فرعون [راكبا] عَلَى حِصَانٍ أَدْهَمَ، وَلَمْ يَكُنْ في خيل فرعون أُنْثَى فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَى فَرَسٍ أُنْثَى وَدِيقٍ [٧]، فَتَقَدَّمَهُمْ وَخَاضَ الْبَحْرَ، فَلَمَّا شَمَّ أَدْهَمُ فِرْعَوْنَ رِيحَهَا اقْتَحَمَ الْبَحْرَ فِي أَثَرِهَا وَهُمْ لَا يَرَوْنَهُ [٨]، وَلَمْ يَمْلِكْ فِرْعَوْنُ مِنْ أَمْرِهِ شَيْئًا وَهُوَ لَا يَرَى فَرَسَ جِبْرِيلَ، وَاقْتَحَمَتِ الْخُيُولُ خَلْفَهُ فِي الْبَحْرِ وَجَاءَ مِيكَائِيلُ عَلَى فَرَسٍ خَلْفَ الْقَوْمِ [يَشْحَذُهُمْ] [٩] يسوقهم حَتَّى لَا يَشِذَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ [١٠] وَيَقُولَ لَهُمُ: الْحَقُوا بِأَصْحَابِكُمْ حَتَّى خَاضُوا كُلُّهُمُ الْبَحْرَ وَخَرَجَ [١١] جِبْرِيلُ من البحر
(٢) في نسخ المطبوع «يصبح الديك». [.....]
(٣) في المخطوط «مقدمته» دون «عسكره».
(٤) الشيات: جمع الشية: وهي كل لون يخالف معظم لون الفرس.
(٥) زيادة عن المخطوط وط-.
(٦) الدهم: العدد الكثير- وقيل: الخيل السوداء.
(٧) في القاموس: ودق ذات الحافر وداقا: أرادت الفحل- وأتان وفرس وديق وبها وداق وفي المثل: «ودق البعير إلى الماء» يضرب لمن خضع لشيء حرصا عليه- وذات ودقين: الداهية.
(٨) هذه الأخبار من الإسرائيليات لا حجة فيها.
(٩) سقط من المطبوع.
(١٠) كذا في نسخ المطبوع، وفي المخطوط «لا يشرد منهم رجل».
(١١) في المطبوع «وخاض».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥١ الى ٥٤]
وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤)
وَإِذْ واعَدْنا، هذا [٤] مِنَ الْمُفَاعَلَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنَ الْوَاحِدِ كَقَوْلِهِمْ: عَافَاكَ اللَّهُ وَعَاقَبْتُ اللِّصَّ وَطَارَقْتُ النَّعْلَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: كَانَ مِنَ اللَّهِ الْأَمْرُ وَمِنْ مُوسَى الْقَبُولُ، فَلِذَلِكَ ذُكِرَ بِلَفْظِ المواعدة، وقرأ أبو عمرو وأهل الْبَصْرَةِ «وَإِذْ وَعَدْنَا» مِنَ الْوَعْدِ، مُوسى: اسم عبري عرّب وهو بالعبرانية [موشي ومو الماء وشا الشجر] [٥]، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ بَيْنِ الْمَاءِ وَالشَّجَرِ، ثُمَّ قُلِبَتِ الشِّينُ الْمُعْجَمَةُ سِينًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، أي: انقضاءها ثلاثون من ذي الْقِعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَقَرَنَ [التَّارِيخَ] [٦] بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ لِأَنَّ شُهُورَ الْعَرَبِ وُضِعَتْ عَلَى سَيْرِ الْقَمَرِ، [وَالْهِلَالُ إِنَّمَا يُهِلُّ بِاللَّيْلِ] [٧].
وَقِيلَ: لِأَنَّ الظُّلْمَةَ أَقْدَمُ مِنَ الضَّوْءِ، وَخَلْقُ اللَّيْلِ قَبْلَ النَّهَارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [يس: ٣٧]، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِمَا أَمِنُوا مِنْ عَدُوِّهِمْ وَدَخَلُوا مِصْرَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ كِتَابٌ وَلَا شَرِيعَةٌ يَنْتَهُونَ إِلَيْهِمَا [٨]، فَوَعَدَ الله موسى أن ينزل عليهم التَّوْرَاةَ، فَقَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ: إِنِّي ذاهب لميقات ربي [٩] آتِيكُمْ بِكِتَابٍ فِيهِ بَيَانُ مَا تَأْتُونَ وَمَا تَذْرُوَنَ، وَوَاعَدَهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثَلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ وعشر مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ أَخَاهُ هَارُونَ، فَلَمَّا أَتَى الْوَعْدُ جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَى فَرَسٍ، يُقَالُ لَهُ:
فَرَسُ الْحَيَاةِ لَا يُصِيبُ شَيْئًا إِلَّا حُيِيَ لِيَذْهَبَ بِمُوسَى إِلَى رَبِّهِ، فَلَمَّا رَآهُ السَّامِرِيُّ وَكَانَ رَجُلًا صَائِغًا مِنْ أَهْلِ بَاجَرْمَى وَاسْمُهُ مِيخَا [١٠]، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ [١١] : كَانَ مِنْ أَهْلِ كَرْمَانَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اسْمُهُ موسى بن ظفر.
وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهَا سامرة، ورأى موضع قدم الفرس تخضرّ من ذلك، وَكَانَ مُنَافِقًا أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، وَكَانَ مِنْ قَوْمٍ يَعْبُدُونَ الْبَقَرَ، فَلَمَّا رأى جبريل على ذلك الفرس، [فقال: إن لهذا لشأنا وأخذ قَبْضَةً] [١٢] مِنْ تُرْبَةِ حَافِرِ فَرَسِ جبريل عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ عِكْرِمَةُ: أُلْقِيَ في
(٢) زيد في المطبوع.
(٣) في المطبوع [على طرف بحر من بحر فارس].
(٤) في المطبوع «هو».
(٥) ما بين المعقوفتين في المطبوع «الماء والشجر». [.....]
(٦) سقط من المطبوع.
(٧) سقط من المخطوط.
(٨) كذا في نسخ المطبوع، وفي المخطوط «ينتمون إليها».
(٩) في المطبوع «ربكم».
(١٠) في المخطوط «ميحا» وفي «الدر» (٤/ ٥٤٥) «ما جرما» بدل «باجرما».
(١١) في المخطوط «المسيب» وهو خطأ.
(١٢) العبارة في المطبوع «علم إِنَّ لِهَذَا شَأْنًا فَأَخَذَ قَبْضَةً».
وَقَالَ [٤] السُّدِّيُّ: إِنَّ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَهُمْ أن يلقوها في حفرة [٥]، حَتَّى يَرْجِعَ مُوسَى فَفَعَلُوا، فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْحُلِيُّ صَاغَهَا السَّامِرِيُّ عِجْلًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ أَلْقَى فِيهَا [٦] الْقَبْضَةَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ تُرَابِ [أَثَرِ] فَرَسِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَخَرَجَ عِجْلًا مِنْ ذَهَبٍ مُرَصَّعًا بِالْجَوَاهِرِ كَأَحْسَنِ مَا يَكُونُ، فخار خَوْرَةً، وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ يَخُورُ وَيَمْشِي فَقَالَ السَّامِرِيُّ: هَذَا إِلَهُكُمْ وإله موسى، فنسي، أَيْ: فَتَرَكَهُ هَاهُنَا وَخَرَجَ يَطْلُبُهُ، وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَدْ أَخْلَفُوا الوعد فعدّوا اليوم مع الليلة يومين، فلما مضى عِشْرُونَ يَوْمًا وَلَمْ يَرْجِعْ مُوسَى وَقَعُوا فِي الْفِتْنَةِ، وَقِيلَ: كَانَ مُوسَى قَدْ وَعَدَهُمْ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً ثُمَّ زِيدَتِ الْعَشَرَةَ فَكَانَتْ فِتْنَتُهُمْ فِي تِلْكَ الْعَشَرَةِ، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُونَ وَلَمْ يَرْجِعْ مُوسَى ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، وَرَأَوُا الْعِجْلَ وسمعوا قول السامري، فعكف ثَمَانِيَةُ آلَافِ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى الْعِجْلِ يَعْبُدُونَهُ، وَقِيلَ: كُلُّهُمْ عَبَدُوهُ إِلَّا هَارُونَ مَعَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ وَهَذَا أَصَحُّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: كُلُّهُمْ عَبَدُوهُ إِلَّا هَارُونَ وَحْدَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ، أَيْ: إِلَهًا مِنْ بَعْدِهِ، أَظْهَرَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ الذَّالَ مِنْ (أَخَذْتُ، وَاتَّخَذْتُ)، وَالْآخَرُونَ يُدْغِمُونَهَا، وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ: ضَارُّونَ لِأَنْفُسِكُمْ بِالْمَعْصِيَةِ وَاضِعُونَ الْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا.
ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ: مَحَوْنَا ذنوبكم، مِنْ بَعْدِ ذلِكَ: من عِبَادَتِكُمُ الْعِجْلَ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ:
لِكَيْ تَشْكُرُوا عَفْوِي عَنْكُمْ وَصَنِيعِي إِلَيْكُمْ، قِيلَ: الشُّكْرُ هُوَ الطَّاعَةُ بِجَمِيعِ الْجَوَارِحِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، قَالَ الْحَسَنُ: شُكْرُ النِّعْمَةِ ذِكْرُهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضُّحَى: ١١].
قَالَ الْفُضَيْلُ: [شُكْرُ كُلِّ نِعْمَةٍ أَنْ لَا يُعْصَى اللَّهُ بَعْدَ تِلْكَ النِّعْمَةِ] [٧]، وَقِيلَ: حَقِيقَةُ الشُّكْرِ الْعَجْزُ عَنِ الشُّكْرِ، حُكِيَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِلَهِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ النِّعَمَ السَّوَابِغَ وَأَمَرَتْنِي بِالشُّكْرِ، وَإِنَّمَا شُكْرِي إِيَّاكَ نِعْمَةٌ مِنْكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا مُوسَى تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ الذي لا يفوقه عِلْمٍ [٨]، حَسْبِي مِنْ عَبْدِي أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَا بِهِ مِنْ نِعْمَةٍ فَهُوَ مِنِّي، وَقَالَ دَاوُدُ: سُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ اعْتِرَافَ الْعَبْدِ بِالْعَجْزِ عَنْ شُكْرِهِ شُكْرًا، كَمَا جَعَلَ اعْتِرَافَهُ بِالْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ مَعْرِفَةً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ، يَعْنِي: التَّوْرَاةَ، وَالْفُرْقانَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ التَّوْرَاةُ أَيْضًا ذَكَرَهَا بِاسْمَيْنِ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: الْفُرْقَانُ نَعْتُ الْكِتَابِ، وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ، يَعْنِي: الكتاب الفرقان، أي:
(٢) وقع في كافة نسخ المطبوع والمخطوط «السامري» وهو سبق قلم من المصنف رحمه الله، والمثبت كتب الحديث والأثر.
والروايات ظاهرة في أن القائل هارون عليه السلام. انظر تفسير الطبري ٩٢٠ و٩٢٢ و٩٢٣ و٩٢٤ و «الدر المنثور» (٤/ ٥٤٥- ٥٤٧).
(٣) في المخطوط «استعرتموه».
(٤) في المخطوط «قال».
(٥) في المطبوع «حفيرة».
(٦) في المخطوط «فيه».
(٧) ما بين المعقوفتين هكذا في نسخ المطبوع. وهي في المخطوط [شكر النعمة أن لا يعصي الله بعدها]. [.....]
(٨) زيد في المطبوع «شيء من» قبل لفظ «علم».
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ: الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْلَ، يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ: ضَرَرْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ، بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ: إِلَهًا. قَالُوا: فَأَيُّ شَيْءٍ [٢] نَصْنَعُ؟ قَالَ: فَتُوبُوا: فَارْجِعُوا إِلى بارِئِكُمْ: خَالِقِكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَتُوبُ؟ قَالَ: فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، يَعْنِي: لِيَقْتُلِ الْبَرِيءُ مِنْكُمُ الْمُجْرِمَ، ذلِكُمْ، أَيِ: الْقَتْلُ، خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ، فَلَمَّا أَمَرَهُمْ مُوسَى بِالْقَتْلِ، قَالُوا: نَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ فَجَلَسُوا بِالْأَفْنِيَةِ مُحْتَبِينَ، وَقِيلَ لَهُمْ: مَنْ حلّ حَبَوْتَهُ أَوْ مَدَّ طَرْفَهُ إِلَى قَاتِلِهِ أَوِ اتَّقَاهُ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَهُوَ مَلْعُونٌ مَرْدُودَةٌ تَوْبَتُهُ، وأصلت [٣] القوم عليهم الخناجر وكان الرَّجُلُ يَرَى ابْنَهُ [٤] وَأَبَاهُ وَأَخَاهُ وَقَرِيبَهُ وَصَدِيقَهُ وَجَارَهُ، فَلَمْ يُمْكِنْهُمُ الْمُضِيُّ [٥] لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالُوا [٦] : يَا مُوسَى كَيْفَ نَفْعَلُ؟ فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ [٧] ضَبَابَةً وَسَحَابَةً سَوْدَاءَ لَا يُبْصِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَكَانُوا يَقْتُلُونَهُمْ إِلَى الْمَسَاءِ، فَلَمَّا كثر القتل دعا موسى وهرون عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَبَكَيَا وَتَضَرَّعَا وَقَالَا: يَا رَبُّ هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، الْبَقِيَّةَ الْبَقِيَّةَ، فَكَشَفَ اللَّهُ تَعَالَى السَّحَابَةَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَكُفُّوا عَنِ القتل، فكشف عَنْ أُلُوفٍ مِنَ الْقَتْلَى، يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عَدَدُ الْقَتْلَى سَبْعِينَ أَلْفًا فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى مُوسَى فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: أَمَا يُرْضِيكَ أَنْ أُدْخِلَ الْقَاتِلَ والمقتول [منهم] [٨] الْجَنَّةَ؟ فَكَانَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ شَهِيدًا، وَمَنْ بَقِيَ مُكَفَّرًا عَنْهُ ذُنُوبُهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتابَ عَلَيْكُمْ، أَيْ: فَفَعَلْتُمْ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَتَجَاوَزَ عَنْكُمْ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ: القابل للتوبة [منكم] [٩] الرَّحِيمُ بكم [١٠].
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥٥ الى ٥٧]
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَأْتِيَهُ فِي نَاسٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، فَاخْتَارَ [مُوسَى] سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خيارهم وقال لَهُمْ: صُومُوا وَتَطَهَّرُوا وَطَهِّرُوا ثِيَابَكُمْ فَفَعَلُوا، فَخَرَجَ بِهِمْ مُوسَى إِلَى طُورِ سَيْنَاءَ لِمِيقَاتِ رَبِّهِ، فَقَالُوا لموسى: اطلب لنا أن نسمع كلام ربنا، فقال: أفعل فلما دنا موسى مِنَ الْجَبَلِ وَقَعَ عَلَيْهِ عَمُودُ الْغَمَامِ وَتَغَشَّى الْجَبَلَ كُلَّهُ فَدَخَلَ فِي الْغَمَامِ، وَقَالَ لِلْقَوْمِ: ادْنُوَا فدنا القوم حَتَّى دَخَلُوا فِي الْغَمَامِ وَخَرُّوا سُجَّدًا، وَكَانَ مُوسَى إِذَا كَلَّمَهُ رَبُّهُ وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ نُورٌ سَاطِعٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَضُرِبَ دُونَهُمُ الْحِجَابُ وَسَمِعُوهُ وَهُوَ يُكَلِّمُ مُوسَى يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ، وَأَسْمَعَهُمُ اللَّهُ: أَنِّي أَنَا اللَّهُ لَا
(٢) في المخطوط «فما» بدل «فأي شيء».
(٣) وقع في الأصل «واصلت» والتصويب من نسخة «ف».
(٤) كذا في نسخ المطبوع، وفي المخطوط «أمه».
(٥) زيد في المخطوط «إليه».
(٦) في المخطوط «فقالوا».
(٧) في المخطوط «إليهم».
(٨) سقط من المطبوع.
(٩) سقط من المطبوع.
(١٠) في المطبوع «بهم» وفي نسخة- ط- «بخلقه» بدل «بكم».
وَقِيلَ: نَارٌ جَاءَتْ مِنَ السَّمَاءِ فَأَحْرَقَتْهُمْ، وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ، أَيْ: يَنْظُرُ بَعْضُكُمْ [إِلَى] [٢] بَعْضٍ حِينِ أَخَذَكُمُ الْمَوْتُ، وَقِيلَ: تَعْلَمُونَ، وَالنَّظَرُ يَكُونُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، فَلَمَّا هَلَكُوا جَعَلَ مُوسَى يَبْكِي وَيَتَضَرَّعُ وَيَقُولُ: مَاذَا أَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا أَتَيْتُهُمْ وقد هلك خِيَارَهُمْ؟ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا [الْأَعْرَافِ: ١٥٥]، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُ رَبَّهُ حَتَّى أَحْيَاهُمُ اللَّهُ تعالى رجلا [٣] رجلا، بَعْدَ مَا مَاتُوا يَوْمًا وَلَيْلَةً وينظر بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ كَيْفَ يُحْيَوْنَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
ثُمَّ بَعَثْناكُمْ: أَحْيَيْنَاكُمْ، وَالْبَعْثُ: إِثَارَةُ الشَّيْءِ عَنْ مَحَلِّهِ، يُقَالُ: بَعَثْتُ الْبَعِيرَ وَبَعَثْتُ النَّائِمَ فَانْبَعَثَ، مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، قال قتادة: أحياهم [الله] [٤] لِيَسْتَوْفُوا بَقِيَّةَ آجَالِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ، وَلَوْ مَاتُوا بِآجَالِهِمْ لَمْ يُبْعَثُوا [إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ] [٥] لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ، في التيه تقيكم حَرَّ الشَّمْسِ وَالْغَمَامُ مِنَ الْغَمِّ، وَأَصْلُهُ: التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ، سُمِّيَ السَّحَابُ غَمَامًا لِأَنَّهُ يُغَطِّي وَجْهَ الشَّمْسِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي التِّيهِ كُنٌّ [٦] يَسْتُرُهُمْ فَشَكَوْا إِلَى مُوسَى فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى غَمَامًا أَبْيَضَ رَقِيقًا أَطْيَبَ مِنْ غَمَامِ الْمَطَرِ، وَجَعَلَ لَهُمْ عَمُودًا مِنْ نُورٍ يُضِيءُ لَهُمُ اللَّيْلَ [٧] إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَمَرٌ، وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى، أَيْ: فِي التِّيهِ، وَالْأَكْثَرُونَ: عَلَى أَنَّ الْمَنَّ هُوَ التَّرَنْجَبِينُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ شَيْءٌ كَالصَّمْغِ كَانَ يَقَعُ عَلَى الْأَشْجَارِ طَعْمُهُ كَالشَّهْدِ، وَقَالَ وَهْبٌ: هُوَ الْخُبْزُ الرُّقَاقُ، قَالَ الزجاج: [٨] الْمَنِّ مَا [٩] يَمُنُّ اللَّهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ.
«٥٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ هُوَ ابْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ وماؤها شفاء للعين» [١٠].
وهو في «شرح السنة» (٢٨٩٠) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٤٤٧٨) عن أبي نعيم بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٤٤٧٨ و٤٦٣٩ و٥٧٠٨ ومسلم ٢٠٤٩ والترمذي ٢٠٦٨ وأحمد ١/ ١٧٨ و١٨٧ و١٨٨ وأبو يعلى ٩٦١ من حديث سعيد بن زيد.
(١) أي: ذو قوة.
(٢) في المطبوع «ل» بدل «إلى». [.....]
(٣) في المخطوط «رجلا بعد رجل».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) سقط من المخطوط.
(٦) الكن: ووقاء كل شيء وستره والكنان: البيت- والكنة: جناح يخرج من حائط أو سقيفة فوق باب الدار، أو ظلة.
(٧) في المخطوط «بالليل».
(٨) زيد في الأصل جملة».
(٩) في المطبوع «من».
(١٠) وقع في الأصل «للعي» والتصويب من صحيح البخاري وغيره.
يَا مُوسَى قَتَلَنَا هَذَا الْمَنُّ بِحَلَاوَتِهِ، فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يُطْعِمَنَا اللَّحْمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ السَّلْوَى وَهُوَ طَائِرٌ يُشْبِهُ السُّمَانَى، وَقِيلَ: هُوَ السُّمَانَى بِعَيْنِهِ، بَعَثَ الله سحابة فأمطرت السماني في عرض ميل [من الأرض] [٢] وَطُولِ رُمْحٍ فِي السَّمَاءِ بَعْضُهُ على بعض [٣]، فَكَانَ اللَّهُ يُنْزِلُ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلَّ صَبَاحٍ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَكْفِيهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمْعَةِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَكْفِيهِ لِيَوْمَيْنِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَنْزِلُ يَوْمَ السَّبْتِ. كُلُوا، أَيْ: وَقُلْنَا لَهُمْ كُلُوا: مِنْ طَيِّباتِ: [من] [٤] حَلَالَاتِ، مَا رَزَقْناكُمْ، وَلَا تَدَّخِرُوا لِغَدٍ، فَفَعَلُوا فَقَطَعَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَدَوَّدَ وَفَسَدَ مَا ادَّخَرُوا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، أَيْ: وَمَا بَخَسُوا بِحَقِّنَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بِاسْتِيجَابِهِمْ عَذَابِي، وَقَطْعِ مَادَّةِ الرِّزْقِ الَّذِي كَانَ يُنَزَّلُ عَلَيْهِمْ بِلَا مُؤْنَةٍ فِي الدُّنْيَا وَلَا حِسَابٍ فِي الْعُقْبَى.
«٥٥» أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْبُثِ الطَّعَامُ وَلَمْ يَخْنَزِ [٥] اللَّحْمُ، وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدهر».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥٨ الى ٦٠]
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٥٩) وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٦٠)
قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ، سُمِّيَتِ الْقَرْيَةُ قَرْيَةً لِأَنَّهَا تَجْمَعُ أَهْلَهَا، وَمِنْهُ الْمِقْرَاةُ لِلْحَوْضِ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ الْمَاءَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: هي أريحا وَهِيَ قَرْيَةُ الْجَبَّارِينَ كَانَ فِيهَا قوم
وهو في «شرح السنة» (٢٣٢٨) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ١٤٧٠ ح ٦٣ من طريق أحمد بن يوسف به.
- وأخرجه البخاري ٣٣٩٩ وأحمد ٢/ ٣١٥ وابن حبان ٤١٦٩ من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٣٣٣٠ من طريق عبد الله عن معمر به، ومسلم ١٤٧٠ من طريق أبي يونس مولى أبي هريرة عن أبي هريرة به.
وأخرجه أحمد ٢/ ٣٠٤ من طريق خلاس بن عمرو الهجري عن أبي هريرة به.
(١) لفظ «يقع» في المطبوع هاهنا.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) زيد في المطبوع هاهنا «وقال المؤرج: السلوى والعسل».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) خنز اللحم: إذا أنتن وتغير ريحه. [.....]
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِيلِيَا، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: الشَّامُ، فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً: مُوَسَّعًا عَلَيْكُمْ، وَادْخُلُوا الْبابَ، يَعْنِي: بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْقَرْيَةِ، وَكَانَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ سُجَّداً، أَيْ: رُكَّعًا خُضَّعًا مُنْحَنِينَ.
وَقَالَ وَهْبٌ: فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَاسْجُدُوا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَقُولُوا حِطَّةٌ، قَالَ قَتَادَةُ: حُطَّ عَنَّا خَطَايَانَا، أُمِرُوا بِالِاسْتِغْفَارِ، وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، لِأَنَّهَا تَحُطُّ الذُّنُوبَ، وَرَفَعَهَا عَلَى تَقْدِيرِ:
قُولُوا مَسْأَلَتُنَا حِطَّةٌ، نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ: مِنَ الْغَفْرِ وَهُوَ السَّتْرُ [١]، فَالْمَغْفِرَةُ: تَسْتُرُ الذُّنُوبَ، وقرأ نَافِعٌ بِالْيَاءِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَقَرَأَهَا ابْنُ عَامِرٍ بِالتَّاءِ وَضَمِّهَا [وفتح الفاء] [٢]، وفي الأعراف [٣] قرأا جَمِيعًا وَيَعْقُوبُ بِالتَّاءِ وَضَمِّهَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ فِيهِمَا: بِنَصْبِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ، وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ: ثَوَابًا مِنْ فَضْلِنَا [٤]. فَبَدَّلَ: فَغَيَّرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا: أَنْفُسَهُمْ، وَقَالُوا: قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ بَدَّلُوا قَوْلَ الْحِطَّةِ بِالْحِنْطَةِ فَقَالُوا بِلِسَانِهِمْ: حِطَانَا [٥] سِمْقَاثَا، أَيْ: حِنْطَةٌ حَمْرَاءُ اسْتِخْفَافًا بِأَمْرِ [٦] اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ مجاهد: طوطئ لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم فَأَبَوْا أَنْ يَدْخَلُوهَا سُجَّدًا فَدَخَلُوا يزحفون عَلَى أَسْتَاهِهِمْ مُخَالَفَةً فِي الْفِعْلِ، كَمَا بَدَّلُوا الْقَوْلَ وَقَالُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ.
«٥٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ، فبدّلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم [٧] وَقَالُوا حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ»، فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ، قِيلَ:
أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَاعُونًا فَهَلَكَ مِنْهُمْ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، بِما كانُوا يَفْسُقُونَ: يَعْصُونَ وَيَخْرُجُونَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى: طَلَبَ السُّقْيَا لِقَوْمِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَطِشُوا فِي التِّيهِ فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ فَفَعَلَ، فَأَوْحَى [الله] [٨] إِلَيْهِ كَمَا قَالَ: فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ وَكَانَتْ مِنْ آسِ الْجَنَّةِ طولها
هو في «صحيح البخاري» (٤٦٤١) عن إسحاق بن نصر بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٣٤٠٣ و٤٤٧٩ ومسلم ٣٠١٥ والترمذي ٢٩٥٦ وهمام بن منبه ١١٦ وأحمد ٢/ ٣١٨ والطبري ١٠١٩ وابن حبان ٦٢٥١ من حديث أبي هريرة.
(١) في المخطوط «والمغفرة».
(٢) زيد في نسخ المطبوع.
(٣) في المطبوع «قرأ» وهو خطأ.
(٤) في المخطوط «عندنا».
(٥) في المخطوط «هطا».
(٦) في المخطوط «غير ما أمر» بدل «استخفافا بأمر».
(٧) الاست: الورك.
(٨) زيد لفظ الجلالة من المخطوط ونسخة- ط- ولفظ «إليه» ليس في المخطوط، وهو مثبت في نسخ المطبوع.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي وَضَعَ مُوسَى ثَوْبَهُ عَلَيْهِ لِيَغْتَسِلَ فَفَرَّ بِثَوْبِهِ وَمَرَّ بِهِ عَلَى مَلَأٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ رَمَوْهُ بِالْأُدْرَةِ [٧]، فَلَمَّا وقف [الحجر] أتاه جبريل فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ [لك] ارْفَعْ هَذَا الْحَجَرَ فَلِي فِيهِ قُدْرَةٌ وَلَكَ فِيهِ مُعْجِزَةٌ فَرَفَعَهُ وَوَضَعُهُ فِي مِخْلَاتِهِ [٨].
قَالَ عَطَاءٌ: كَانَ يَضْرِبُهُ مُوسَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ضَرْبَةً فَيَظْهَرُ عَلَى مَوْضِعِ كُلِّ ضَرْبَةٍ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ فَيَعْرَقُ [ثم] [٩] تفجر [١٠] الْأَنْهَارُ ثُمَّ تَسِيلُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ يَقُولُونَ: انْبَجَسَتْ وَانْفَجَرَتْ وَاحِدٌ، وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: انبجست عرقت، وانفجرت سَالَتْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَانْفَجَرَتْ، أَيْ: فَضَرَبَ فَانْفَجَرَتْ أَيْ سَالَتْ، مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً: عَلَى عَدَدِ الْأَسْبَاطِ، قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ:
مَوْضِعَ شُرْبِهِمْ، لَا يُدْخِلُ سِبْطٌ عَلَى غَيْرِهِ فِي شُرْبِهِ [١١]، كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ، أَيْ: وَقُلْنَا لَهُمْ:
كُلُوا مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى وَاشْرَبُوا مِنَ الْمَاءِ فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ رِزْقِ الله [الذي] يَأْتِيكُمْ بِلَا مَشَقَّةٍ، وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ، والعثي: أَشَدُّ الْفَسَادِ، يُقَالُ: عَثَى يَعْثِي عثيا، وَعَثَا يَعْثُو عَثْوًا، وَعَاثَ يَعِيثُ عيثا.
(٢) كذا في نسخ المطبوع. وفي المخطوط «بنعته».
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) في المطبوع «خاما».
(٥) كذا في الأصل. وفي «القاموس» الكديون: دقاق التراب عليه درديّ الزيت تجلى به الدروع اه- وقيل: هو الحجر الرخو كأنه مدر، وربما كان نخرا. [.....]
(٦) سقط من المطبوع.
(٧) الآدر: من يصيبه فتق في إحدى خصيتيه- وقيل: الأدرة: انتفاخ الخصية.
(٨) في «القاموس» : الخلي: الرطب من النبات واحدته خلاة- والمخلاة: ما وضع فيه.
(٩) سقط من المطبوع.
(١٠) كذا في المطبوع، وفي- ط- «يتفجر» وفي المخطوط «تنفجر».
(١١) في المخطوط «مشربه».
[سورة البقرة (٢) : آية ٦١]
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٦١)قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا وَسَئِمُوا مِنْ أَكْلِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، وَإِنَّمَا قَالَ: عَلى طَعامٍ واحِدٍ وَهُمَا اثْنَانِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تُعَبِّرُ عَنِ الِاثْنَيْنِ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ كَمَا تُعَبِّرُ عَنِ الْوَاحِدِ بِلَفْظِ الِاثْنَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ [الرَّحْمَنِ: ٢٢]، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَالِحِ دُونَ الْعَذْبِ، وَقِيلَ: كَانُوا يَأْكُلُونَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ فَكَانَا كَطَعَامٍ وَاحِدٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: كَانُوا يَعْجِنُونَ الْمَنَّ بِالسَّلْوَى فَيَصِيرَانِ وَاحِدًا، فَادْعُ لَنا:
فَاسْأَلْ [١] لِأَجْلِنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها، قال ابن عباس: الفوم الْخُبْزُ، وَقَالَ عَطَاءٌ: الْحِنْطَةُ، وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْحُبُوبُ الَّتِي تُؤْكَلُ كُلُّهَا، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الثوم، وَعَدَسِها وَبَصَلِها، قالَ، لَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى: أخسّ وأردأ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ: أَشْرَفُ وَأَفْضَلُ؟ وَجَعَلَ الْحِنْطَةَ أَدْنَى فِي الْقِيمَةِ وإن كانت هِيَ [٢] خَيْرًا مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، أَوْ أَرَادَ أَنَّهَا أَسْهَلُ وُجُودًا عَلَى الْعَادَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَيْرُ رَاجِعًا إِلَى اخْتِيَارِ اللَّهِ لَهُمْ وَاخْتِيَارِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ، اهْبِطُوا مِصْراً، يَعْنِي: فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا ذَلِكَ فَانْزِلُوا مِصْرًا مِنَ الْأَمْصَارِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ مِصْرُ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَهُ لَمْ يَصْرِفْهُ [٣]، فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ:
من نَبَاتُ الْأَرْضِ، وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ: جُعِلَتْ عَلَيْهِمْ، وَأُلْزِمُوا الذِّلَّةُ: الذُّلُّ وَالْهَوَانُ، قيل:
الجزية [٤]، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ: هُوَ الْكُسْتِيجُ [٥] وَالزُّنَّارُ وَزِيُّ الْيَهُودِيَّةِ، وَالْمَسْكَنَةُ: الْفَقْرُ، سُمِّيَ الْفَقِيرُ مِسْكِينًا لِأَنَّ الْفَقْرَ أَسْكَنَهُ وَأَقْعَدَهُ عَنِ الْحَرَكَةِ، فَتَرَى الْيَهُودَ وَإِنْ كَانُوا مَيَاسِيرَ كأنهم فقراء، وقيل:
الذلّة فَقْرُ الْقَلْبِ فَلَا تَرَى فِي أَهْلِ الْمِلَلِ أَذَلَّ وَأَحْرَصَ عَلَى المال من اليهود، وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ:
رَجَعُوا، وَلَا يقال: باء إلّا بالشر، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: احْتَمَلُوا وَأَقَرُّوا به.
ومنه الدعاء: ع «٥٧» «أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي».
أَيْ: أُقِرُّ.
ذلِكَ، أَيِ: الْغَضَبُ، بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ: بِصِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآيَةِ الرَّجْمِ فِي التَّوْرَاةِ، وَيَكْفُرُونَ [٦] بِالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ، تَفَرَّدَ نَافِعٌ بِهَمْزِ النَّبِيِّ وَبَابِهِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ:
الْمُخْبِرُ، مِنْ أنبأ ينبئ [ونبأ يُنْبِئُ]، وَالْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ تَرْكُ الْهَمْزَةِ، وَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا هُوَ أَيْضًا مِنَ الْإِنْبَاءِ تُرِكَتِ الْهَمْزَةُ فِيهِ تَخْفِيفًا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَالثَّانِي: هُوَ بِمَعْنَى الرَّفِيعِ مَأْخُوذٌ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَهِيَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ (النَّبِيِّينَ) عَلَى الْأَصْلِ، بِغَيْرِ الْحَقِّ، أَيْ: بِلَا جُرْمٍ، فَإِنْ قيل: فلم قال
(١) في المطبوع «فسل».
(٢) في المخطوط وط- «كان هو».
(٣) كذا في المطبوع والمخطوط، وفي- ط- «يعرفه» وهو خطأ.
(٤) في نسخ المطبوع «بالجزية».
(٥) الكستيج: هو خيط غليظ يشدّه الذميّ فوق ثيابه دون الزنار. كذا في «القاموس».
(٦) في المطبوع «ويكفر» والمثبت عن- ط- وهو ساقط من المخطوط.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٦٢ الى ٦٣]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا، يَعْنِي: الْيَهُودَ سُمُّوا بِهِ لِقَوْلِهِمْ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ، أَيْ: مِلْنَا إِلَيْكَ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ هَادُوا، أَيْ: تَابُوا عَنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ مَالُوا عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَعَنْ دِينِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: لِأَنَّهُمْ يَتَهَوَّدُونَ، أَيْ: يَتَحَرَّكُونَ عِنْدَ قراءة التوراة، ويقولون: إن السموات وَالْأَرْضَ تَحَرَّكَتْ حِينَ آتَى اللَّهُ موسى التوراة، وَالنَّصارى، سمّوا بذلك [٢] لِقَوْلِ الْحَوَارِيِّينَ: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لِأَنَّهُمْ نَزَلُوا قَرْيَةً يُقَالُ لَهَا: نَاصِرَةُ، وَقِيلَ لِاعْتِزَائِهِمْ [٣] إِلَى نَصِرَةَ وَهِيَ قَرْيَةٌ كَانَ يَنْزِلُهَا [٤] عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالصَّابِئِينَ قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالصَّابِينَ وَالصَّابُونَ بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ، وَالْبَاقُونَ بِالْهَمْزَةِ، وَأَصْلُهُ الْخُرُوجُ، يُقَالُ: صَبَأَ فُلَانٌ أَيْ خَرَجَ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ آخَرَ، وَصَبَأَتِ النُّجُومُ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ مَطَالِعِهَا، وَصَبَأَ نَابُ الْبَعِيرِ إِذَا خَرَجَ، فَهَؤُلَاءِ سُمُّوا بِهِ لِخُرُوجِهِمْ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ.
قال عمر بن الخطاب وَابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ قَوْمٌ مِنْ أهل الكتاب، قال عمر: [تحل] [٥] ذبائحهم [مثل] [٦] ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَلَا مناكحتهم، قال مُجَاهِدٌ: هُمْ قَبِيلَةٌ نَحْوَ الشَّامِ بين اليهود والمجوس، قال الْكَلْبِيُّ: هُمْ قَوْمٌ [بَيْنَ] [٧] الْيَهُودِ والنصارى يحلقون أوساط رؤوسهم ويجبّون [٨] مذاكيرهم، وقال قتادة: هم قوم يقرون بالله ويقرؤون الزَّبُورَ وَيَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَيُصَلُّونَ إِلَى الكعبة أَخَذُوا مِنْ كُلِّ دِينٍ شَيْئًا، قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى: انْقَرَضُوا. مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي ابْتِدَاءِ الْآيَةِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا قِيلَ: اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْآيَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى التَّحْقِيقِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا قَبْلَ الْمَبْعَثِ وَهُمْ طُلَّابُ الدِّينِ، مِثْلَ حَبِيبٍ النَّجَّارِ وَقُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ وَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَوَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ وَالْبَرَاءِ السِّنِّيِّ [٩] وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ
(٢) في المطبوع «به».
(٣) في المخطوط «لاغترابهم».
(٤) في المخطوط «نزل بها».
٥ زيد في المطبوع وحده.
٦ زيد في المطبوع وحده.
(٧) سقط من المطبوع.
(٨) جبّ: قطع.
(٩) في المطبوع «الشني، وفي المخطوط البستي».
قَالُوا: وَهَذَانِ الِاسْمَانِ لَزِمَاهُمْ زَمَنَ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ حَيْثُ كَانُوا عَلَى الْحَقِّ كَالْإِسْلَامِ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالصَّابِئِينَ زَمَنَ اسْتِقَامَةِ أَمْرِهِمْ مَنْ آمَنَ، أي: مَاتَ مِنْهُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ لِأَنَّ حقيقة الإيمان الموافاة، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَاوُ مُضْمَرًا، أَيْ: وَمَنْ آمَنَ بَعْدَكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمَذْكُورِينَ بِالْإِيمَانِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ دُونَ الْحَقِيقَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الَّذِينَ آمَنُوا بِالْأَنْبِيَاءِ الْمَاضِينَ وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِكَ.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِمُ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ آمَنُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَالْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ اعْتَقَدُوا الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ بَعْدَ التَّبْدِيلِ، وَالصَّابِئُونَ بَعْضُ أَصْنَافِ الْكُفَّارِ، مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر من هَذِهِ الْأَصْنَافُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، إنما ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِأَنَّ مَنْ يَصْلُحُ [١] لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُذَكِّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ: فِي الدُّنْيَا [٢] وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ: فِي الآخرة.
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ: عَهْدَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ، وهو الْجَبَلَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَقِيلَ: مَا مِنْ لُغَةٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا فِي الْقُرْآنِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ لُغَةٌ غَيْرُ لُغَةِ الْعَرَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُرْآناً عَرَبِيًّا [يوسف: ٢]، وإنما هذا وأشباهه وفاق وقع [٣] بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جَبَلًا مِنْ جِبَالِ فِلَسْطِينَ فَانْقَلَعَ مِنْ أَصْلِهِ حتى قام على رؤوسهم، وذلك أن اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَمَرَ مُوسَى قَوْمَهُ أَنْ يَقْبَلُوهَا وَيَعْمَلُوا بِأَحْكَامِهَا، فَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوهَا لِلْآصَارِ [٤] وَالْأَثْقَالِ الَّتِي هِيَ فِيهَا، وَكَانَتْ شَرِيعَةً ثَقِيلَةً، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَلَعَ جَبَلًا عَلَى قَدْرِ عَسْكَرِهِمْ وَكَانَ فَرْسَخًا فِي فرسخ فرفعه فوق رؤوسهم مثل قَامَةِ الرَّجُلِ كَالظُّلَّةِ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنْ لَمْ تَقْبَلُوا التَّوْرَاةَ أَرْسَلْتُ هَذَا الْجَبَلَ عَلَيْكُمْ، وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: رَفَعَ اللَّهُ فَوْقَ رؤوسهم الطُّورَ وَبَعَثَ نَارًا مِنْ قِبَلِ وجوههم وأتاهم البحر الملح مِنْ خَلْفِهِمْ، خُذُوا، أَيْ: قُلْنَا لَهُمْ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ: أَعْطَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ: بِجِدٍّ وَاجْتِهَادٍ وَمُوَاظَبَةٍ، وَاذْكُرُوا: وادرسوا ما فِيهِ، وقيل: احفظوا وَاعْمَلُوا بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ لِكَيْ تَنْجَوْا مِنَ الْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابِ فِي الْعُقْبَى، فَإِنَّ قَبِلْتُمْ وَإِلَّا رَضَخْتُكُمْ بِهَذَا الْجَبَلِ وَأَغْرَقْتُكُمْ فِي هَذَا الْبَحْرِ وَأَحْرَقْتُكُمْ بِهَذِهِ النَّارِ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنْ لَا مهرب لهم منها قَبِلُوا وَسَجَدُوا، وَجَعَلُوا يُلَاحِظُونَ الْجَبَلَ وهم سجود فصار سنة
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) لفظ «وقع» ليس في المخطوط.
(٤) الآصار: جمع إصر، وهنا بمعنى: العهد والميثاق.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٦٤ الى ٦٧]
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٤) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧)
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ: أَعْرَضْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ: مِنْ بَعْدِ مَا قَبِلْتُمُ التوراة، فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ، يَعْنِي: بِالْإِمْهَالِ وَالْإِدْرَاجِ وَتَأْخِيرِ الْعَذَابِ عَنْكُمْ، لَكُنْتُمْ لَصِرْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ: مِنَ الْمَغْبُونِينَ بِالْعُقُوبَةِ وَذَهَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقِيلَ: مِنَ الْمُعَذَّبِينَ فِي الْحَالِ كأنه رحمهم بالإمهال.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ، أَيْ: جَاوَزُوا الْحَدَّ، وَأَصْلُ السَّبْتِ الْقَطْعُ، قِيلَ: سُمِّيَ يَوْمُ السَّبْتِ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَطَعَ فِيهِ الْخَلْقَ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْيَهُودَ أُمِرُوا فِيهِ بِقَطْعِ الْأَعْمَالِ.
وَالْقِصَّةُ فِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا زَمَنَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا أَيْلَةُ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ صَيْدَ السَّمَكِ يَوْمَ السَّبْتِ، فَكَانَ إِذَا دَخَلَ السَّبْتُ لَمْ يَبْقَ حُوتٌ فِي الْبَحْرِ إِلَّا اجْتَمَعَ هُنَاكَ حَتَّى يُخْرِجْنَ خَرَاطِيمَهُنَّ مِنَ الْمَاءِ لِأَمْنِهَا [٢]، حتى لا يرى الماء [٣] لكثرتها، فإذا مضى [٤] السبت تفرّقن ولزمن قعر الْبَحْرِ فَلَا يُرَى شَيْءٌ مِنْهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ [الْأَعْرَافِ:
١٦٣].
ثُمَّ إِنَّ الشَّيْطَانَ وَسْوَسَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ إِنَّمَا نُهِيتُمْ عَنْ أَخْذِهَا يَوْمَ السَّبْتِ، فَعَمَدَ رِجَالٌ فَحَفَرُوا الْحِيَاضَ حَوْلَ الْبَحْرِ، وَشَرَّعُوا مِنْهُ إِلَيْهَا الْأَنْهَارَ، فَإِذَا كَانَتْ عَشِيَّةُ الْجُمْعَةِ فَتَحُوا تِلْكَ الْأَنْهَارَ فَأَقْبَلَ الْمَوْجُ بِالْحِيتَانِ إِلَى الْحِيَاضِ فَلَا يَقْدِرْنَ [٥] عَلَى الْخُرُوجِ لِبُعْدِ عُمْقِهَا وَقِلَّةِ مَائِهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ أَخَذُوهَا، وَقِيلَ: كَانُوا يَسُوقُونَ الْحِيتَانَ إِلَى الْحِيَاضِ يَوْمَ السَّبْتِ [وَلَا يَأْخُذُونَهَا] [٦]، ثُمَّ يَأْخُذُونَهَا يَوْمَ الْأَحَدِ، وَقِيلَ: كَانُوا يَنْصِبُونَ الْحَبَائِلَ وَالشُّخُوصَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، وَيُخْرِجُونَهَا يَوْمَ الْأَحَدِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ زَمَانًا وَلَمْ تنزل عليهم عقوبة، فتجرؤوا عَلَى الذَّنْبِ وَقَالُوا: مَا نَرَى [٧] السَّبْتَ إِلَّا قَدْ أُحِلُّ لَنَا، فَأَخَذُوا وَأَكَلُوا وَمَلَّحُوا وَبَاعُوا وَاشْتَرَوْا وَكَثُرَ مَالُهُمْ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ صَارَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَكَانُوا نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا، ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ أَمْسَكَ وَنَهَى، وَصِنْفٌ أَمْسَكَ وَلَمْ يَنْهَ، وَصِنْفٌ انْتَهَكَ الْحُرْمَةَ، وَكَانَ النَّاهُونَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، فَلَمَّا أَبَى الْمُجْرِمُونَ قَبُولَ نُصْحِهِمْ [٨] قَالُوا: وَاللَّهِ لَا نُسَاكِنُكُمْ فِي قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَسَّمُوا الْقَرْيَةَ بِجِدَارٍ [وداموا على ذلك سنين] [٩] ولعنهم دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لِإِصْرَارِهِمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، فَخَرَجَ النَّاهُونَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ بَابِهِمْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمُجْرِمِينَ أَحَدٌ ولم يفتحوا بابهم، فلما أبطؤوا تَسَوَّرُوا عَلَيْهِمُ الْحَائِطَ فَإِذَا هُمْ
(٢) في المطبوع «لا منها» والمثبت عن- ط- وسقط من المخطوط. [.....]
(٣) في- ط- «من» بدل «ل».
(٤) في المخطوط «انقضى».
(٥) في المخطوط «فلا يقدرون».
(٦) زيد في نسخ المطبوع.
(٧) في المطبوع «ما ندري».
(٨) في المخطوط «نصيحتهم».
(٩) في المطبوع «غيروا بذلك سنتين» وفي نسخة- ط- «وعبروا بذلك سنتين».
قَالَ قَتَادَةُ: صَارَ الشُّبَّانُ قِرَدَةً وَالشُّيُوخُ خَنَازِيرَ، فَمَكَثُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ هَلَكُوا، وَلَمْ يَمْكُثْ مَسْخٌ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ يَتَوَالَدُوا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً: أَمْرُ تَحْوِيلٍ وَتَكْوِينٍ، خاسِئِينَ:
مبعدين مطرودين، قِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ كُونُوا خَاسِئِينَ قِرَدَةً، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ خَاسِئَاتٍ، وَالْخَسْأُ:
الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، وَهُوَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ، يُقَالُ: خَسَأْتُهُ خَسْأً فَخَسَأَ خُسُوءًا، مِثْلَ رَجَعْتُهُ رَجْعًا فَرَجَعَ رُجُوعًا.
فَجَعَلْناها، أَيْ: جَعْلِنَا عُقُوبَتَهُمْ بِالْمَسْخِ نَكالًا، أَيْ: عُقُوبَةً وَعِبْرَةً، وَالنَّكَالُ: اسْمٌ لِكُلِّ عُقُوبَةٍ يُنَكَّلُ النَّاظِرُ مِنْ فِعْلِ مَا جُعِلَتِ الْعُقُوبَةُ جَزَاءً عَلَيْهِ، وَمِنْهُ النُّكُولُ عَنِ الْيَمِينِ: وَهُوَ الِامْتِنَاعُ، وَأَصْلُهُ مِنَ النِّكْلِ وَهُوَ القيد، وجمعه يكون أَنْكَالًا، لِما بَيْنَ يَدَيْها.
قَالَ قَتَادَةُ: أَرَادَ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا، يَعْنِي: مَا سَبَقَتْ [٢] مِنَ الذُّنُوبِ، أَيْ: جَعَلْنَا تِلْكَ الْعُقُوبَةَ جَزَاءً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ قَبْلَ [٣] نَهْيِهِمْ عَنْ أَخْذِ الصَّيْدِ، وَما خَلْفَها: مَا حَضَرَ [٤] مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي أُخِذُوا بِهَا، وَهِيَ الْعِصْيَانُ بِأَخْذِ الْحِيتَانِ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ: عُقُوبَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَعِبْرَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يستنّوا بسنّتهم، وما الثَّانِيَةُ بِمَعْنَى: مَنْ، وَقِيلَ: جَعَلْنَاهَا أَيْ: جَعَلْنَا قَرْيَةَ أَصْحَابِ السَّبْتِ عِبْرَةً لِما بَيْنَ يَدَيْها، أَيِ: الْقُرَى الَّتِي كَانَتْ مَبْنِيَّةً فِي الحال، وَما خَلْفَها ما يحدث من القرى بُعْدٍ لِيَتَّعِظُوا، وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ: فَجَعَلْنَاهَا وَمَا خَلْفَهَا، أَيْ: مَا أُعِدَّ لَهُمْ مِنَ العذاب في الآخرة [نكالا] [٥] وَجَزَاءً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا، أَيْ: لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ بِاعْتِدَائِهِمْ فِي السَّبْتِ، وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ:
لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَفْعَلُونَ مِثْلَ فعلهم.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً: الْبَقَرَةُ هِيَ الْأُنْثَى مِنَ الْبَقَرِ، يُقَالُ: هِيَ مأخوذة من البقر وهي الشق، سمّيت به لأنها تبقر الأرض، أي: تشقّها لِلْحِرَاثَةِ، وَالْقِصَّةُ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ غَنِيٌّ وَلَهُ ابْنُ عَمٍّ فَقِيرٌ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ مَوْتُهُ قَتَلَهُ لِيَرِثَهُ وَحَمَلَهُ إلى قرية أخرى وألقاه بفنائها [٦]، ثُمَّ أَصْبَحَ يَطْلُبُ ثَأْرَهُ وَجَاءَ بِنَاسٍ إِلَى مُوسَى يَدَّعِي عَلَيْهِمُ القتل، فسألهم موسى فجحدوا فاشتبه أَمْرُ الْقَتِيلِ عَلَى مُوسَى.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْقَسَامَةِ [٧] فِي التَّوْرَاةِ، فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ بِدُعَائِهِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِذَبْحِ بَقَرَةٍ، فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً، قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً، أَيْ:
تَسْتَهْزِئُ بِنَا نَحْنُ نَسْأَلُكَ عَنْ أَمْرِ الْقَتِيلِ وَتَأْمُرُنَا بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ، وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِبُعْدِ مَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي الظَّاهِرِ وَلَمْ يَدْرُوا مَا الْحِكْمَةُ فيه.
قرأ حمزة «هزءا وكف ءا» بالتخفيف [٨]، وقرأ الآخرون بالتثقيل، ويترك الْهَمْزَةِ حَفْصٌ. قالَ مُوسَى: أَعُوذُ بِاللَّهِ: أَمْتَنِعُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ، أَيْ: مِنَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بالمؤمنين، وقيل: من
(٢) في المطبوع وحده «سبق».
(٣) في المخطوط «مثل».
(٤) في المخطوط «حضرت».
(٥) زيادة عن المخطوط وط-.
(٦) في المطبوع «بفنائهم».
(٧) في المطبوع وحده «قسامة». [.....]
(٨) أي بسكون الزاي والهمز، والتثقيل يكون بضم الزاي.
جاء في «البدور الزاهرة» (ص ٣٢) : قرأ حفص بالواو بدلا من الهمز وصلا ووقفا مع ضم الزاي. وقرأ خلف بإسكان الزاي مع الهمز وصلا ووقفا، وقرأ حمزة بإسكان الزاي مع الهمز وصلا اهـ. باختصار.
وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ صَالِحٌ لَهُ ابْنٌ طِفْلٌ وَلَهُ عِجْلَةٌ أَتَى بِهَا إِلَى غَيْضَةٍ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ [٢] هذه العجلة لا بني حتى يكبر [٣]، وَمَاتَ الرَّجُلُ فَصَارَتِ الْعِجْلَةُ فِي الْغَيْضَةِ عَوَانًا، وَكَانَتْ تَهْرُبُ مِنْ كُلِّ مَنْ رَآهَا فَلَمَّا كَبُرَ الابن كان بَارًّا بِوَالِدَتِهِ، وَكَانَ يُقَسِّمُ اللَّيْلَ ثَلَاثَةَ أَثْلَاثٍ يُصَلِّي ثُلْثًا وَيَنَامُ ثُلْثًا وَيَجْلِسُ عِنْدَ رَأْسِ أُمِّهِ ثُلْثًا، فَإِذَا أَصْبَحَ انْطَلَقَ فَاحْتَطَبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَأْتِي بِهِ إِلَى [٤] السُّوقِ، فَيَبِيعُهُ بِمَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِثُلْثِهِ وَيَأْكُلُ ثُلْثَهُ وَيُعْطِي وَالِدَتَهُ ثُلْثَهُ، فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ يَوْمًا: إِنَّ أَبَاكَ وَرَّثَكَ عِجْلَةً اسْتَوْدَعَهَا اللَّهَ فِي غَيْضَةِ كذا انطلق وَادْعُ إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْكَ، وَعَلَامَتُهَا أَنَّكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا يُخَيَّلُ [٥] إِلَيْكَ أَنَّ شُعَاعَ الشَّمْسِ يَخْرُجُ مِنْ جلدها، وكانت تلك البقرة تُسَمَّى الْمُذَهَّبَةَ لِحُسْنِهَا وَصُفْرَتِهَا، فَأَتَى الْفَتَى الْغَيْضَةَ فَرَآهَا تَرْعَى فَصَاحَ بها، وقال: أعزم عليك بِإِلَهِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَبَضَ عَلَى عُنُقِهَا يَقُودُهَا، فَتَكَلَّمَتِ الْبَقَرَةُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَتْ: أَيُّهَا الْفَتَى الْبَارُّ بِوَالِدَتِكَ ارْكَبْنِي، فَإِنَّ ذَلِكَ أَهْوَنُ عَلَيْكَ، فَقَالَ الْفَتَى: إِنَّ أُمِّي لَمْ تَأْمُرْنِي بِذَلِكَ، وَلَكِنْ قَالَتْ: خُذْ بِعُنُقِهَا، فَقَالَتِ الْبَقَرَةُ: بِإِلَهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَوْ رَكِبْتَنِي مَا كُنْتَ تقدر عليّ أبدا انطلق [٦]، فَإِنَّكَ لَوْ أَمَرْتَ الْجَبَلَ أَنْ يَنْقَلِعَ مِنْ أَصْلِهِ وَيَنْطَلِقَ مَعَكَ لَفَعَلَ، لِبِرِّكَ بِأُمِّكَ فَسَارَ الْفَتَى بِهَا إِلَى أُمِّهِ، فَقَالَتْ لَهُ [أمه] : إِنَّكَ فَقِيرٌ لَا مَالَ لَكَ فَيَشُقُّ عَلَيْكَ الِاحْتِطَابُ بِالنَّهَارِ وَالْقِيَامُ بِاللَّيْلِ، فَانْطَلِقْ فَبِعْ [هَذِهِ] الْبَقَرَةَ، فقال: بِكَمْ أَبِيعُهَا؟ قَالَتْ: بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ، وَلَا تَبِعْ بِغَيْرِ مَشُورَتِي، وَكَانَ ثمن البقرة ثلاثة دنانير، فانطلق بها [الفتى]]
إلى السوق.
وبعث اللَّهُ مَلَكًا لِيُرِيَ خَلْقَهُ قُدْرَتَهُ، وليختبر الفتى كيف برّه بأمه وَكَانَ اللَّهُ بِهِ خَبِيرًا فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ:
بِكَمْ تَبِيعُ هَذِهِ الْبَقَرَةَ؟ قَالَ: بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ وَأَشْتَرِطُ عليك رضا وَالِدَتِي، فَقَالَ الْمَلَكُ: لَكَ سِتَّةُ دَنَانِيرَ وَلَا تَسْتَأْمِرْ وَالِدَتَكَ، فَقَالَ الْفَتَى: لَوْ أَعْطَيْتَنِي وَزْنَهَا ذَهَبًا لم آخذه إلا برضا أمي، فردّها إلى أمه وأخبرها بِالثَّمَنِ، فَقَالَتِ: ارْجِعْ فَبِعْهَا بِسِتَّةِ [٨] دَنَانِيرَ عَلَى رِضًى مِنِّي، فَانْطَلَقَ بِهَا إِلَى السُّوقِ، وَأَتَى الْمَلَكَ فَقَالَ:
اسْتَأْمَرْتَ أُمَّكَ؟ فَقَالَ الْفَتَى: إِنَّهَا أَمَرَتْنِي أَنْ لَا أَنْقُصَهَا عن ستة [٩] دنانير عَلَى أَنْ أَسْتَأْمِرَهَا، فَقَالَ الْمَلَكُ:
فَإِنِّي أُعْطِيكَ اثْنَيْ عَشَرَ عَلَى أَنْ لَا تَسْتَأْمِرَهَا، فَأَبَى الْفَتَى ورجع إلى أمه فأخبرها بذلك، فَقَالَتْ: إِنَّ الَّذِي يَأْتِيكَ مَلَكٌ [١٠] فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ [لِيَخْتَبِرَكَ] [١١] فَإِذَا أَتَاكَ فَقُلْ لَهُ: أَتَأْمُرُنَا أَنَّ نَبِيعَ هَذِهِ الْبَقَرَةَ أَمْ لَا؟ فَفَعَلَ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ وَقُلْ لَهَا: أَمْسِكِي هَذِهِ الْبَقَرَةَ فَإِنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَشْتَرِيهَا مِنْكِ لِقَتِيلٍ يُقْتَلُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فلا تبعها إلا بملء مسكها دنانير فأمسكها، وَقَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ذَبْحَ تِلْكَ الْبَقَرَةِ بِعَيْنِهَا فَمَا زَالُوا [يَسْتَوْصِفُونَ مُوسَى] حَتَّى وصف [١٢] لهم تلك البقرة [بعينها] [١٣]
(٢) في المطبوع «استودعتك».
(٣) في المطبوع «تكبر».
(٤) زيد في نسخ المطبوع.
(٥) في المخطوط «خيل».
(٦) في المطبوع «فانطلق».
(٧) زيد في المطبوع.
٨ في المخطوط «عشرة» بدل «ستة».
٩ في المخطوط «عشرة» بدل «ستة».
(١٠) في المطبوع «ذلك» بدل «ملك».
(١١) سقط من المطبوع.
(١٢) في المطبوع «يستوصفونها حتى وصفت».
(١٣) زيد في المطبوع وحده. [.....]
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٦٨ الى ٧١]
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لَا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (٦٨) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ، أَيُ: مَا سنّها قالَ مُوسَى إِنَّهُ يَقُولُ، يَعْنِي: فَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى فَقَالَ إِنَّهُ يَعْنِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ لَا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ، أَيْ: لَا كَبِيرَةٌ وَلَا صَغِيرَةٌ، وَالْفَارِضُ: الْمُسِنَّةُ الَّتِي لَا تَلِدُ، يُقَالُ: مِنْهُ فَرَضَتْ تَفْرِضُ فروضا، والبكر: الفتية الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ قَطُّ، وَحُذِفَتِ الْهَاءُ [٢] مِنْهُمَا لِلِاخْتِصَاصِ بِالْإِنَاثِ كَالْحَائِضِ، عَوانٌ: وَسَطٌ نِصْفٌ بَيْنَ ذلِكَ، أَيْ: بَيْنِ السِّنِينَ، يُقَالُ: عَوَّنَتِ الْمَرْأَةُ تَعْوِينًا إِذَا زَادَتْ عَلَى الثَّلَاثِينَ، قَالَ الْأَخْفَشُ: [الْعَوَانُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ قَطُّ وَقِيلَ] [٣] : الْعَوَانُ الَّتِي نَتَجَتْ مِرَارًا، وَجَمْعُهَا عون، فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ: من ذَبْحُ الْبَقَرَةِ وَلَا تُكْثِرُوا السُّؤَالَ.
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَدِيدَةُ الصُّفْرَةِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: صَافٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ: الصَّفْرَاءُ السَّوْدَاءُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ أَسْوَدُ فَاقِعٌ، إِنَّمَا يُقَالُ أَصْفَرُ فَاقِعٌ، وَأَسْوَدُ حالك وأحمر قانىء وأخضر ناضر وأبيض بقق لِلْمُبَالَغَةِ، تَسُرُّ النَّاظِرِينَ: إِلَيْهَا يُعْجِبُهُمْ حُسْنُهَا وَصَفَاءُ لَوْنِهَا.
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ: أَسَائِمَةٌ أَمْ عَامِلَةٌ؟ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا، وَلَمْ يَقُلْ تَشَابَهَتْ لِتَذْكِيرِ لَفْظِ الْبَقَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [الْقَمَرِ: ٢٠]، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ جِنْسُ الْبَقَرِ تَشَابَهَ، أَيِ: الْتَبَسَ وَاشْتَبَهَ أَمْرُهُ عَلَيْنَا فَلَا نَهْتَدِي إِلَيْهِ، وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ: إِلَى وصفها.
ع «٥٨» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: «وايم الله لَوْ لَمْ يَسْتَثْنُوا لَمَا بُيِّنَتْ لَهُمْ إِلَى آخِرِ الْأَبَدِ».
قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ: مُذَلَّلَةٌ بِالْعَمَلِ، يُقَالُ: رَجُلٌ ذلول بيّن الذل ودابة ذلولة بَيِّنَةُ الذُّلِّ، تُثِيرُ الْأَرْضَ: تَقْلِبُهَا لِلزِّرَاعَةِ، وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ، أَيْ: ليست بسانية، مُسَلَّمَةٌ: بَرِيئَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ، لَا شِيَةَ فِيها: لَا لَوْنَ لَهَا سِوَى لَوْنِ جَمِيعِ جِلْدِهَا، قَالَ عطاء: لا عيب فيها، قال مُجَاهِدٌ:
لَا بَيَاضَ فِيهَا وَلَا سَوَادَ، قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ، أَيْ: بِالْبَيَانِ التَّامِّ الشَّافِي الَّذِي لا إشكال فيه،
(٢) في المخطوط «التاء».
(٣) سقط من المطبوع وحده.
٥٨- ع ضعيف. هو طرف حديث أخرجه الطبري ١٢٤٦ عن ابن جريج مرسلا و١٢٤٨ عن قتادة مرسلا وصدره «إنما أمروا بأدنى بقرة... » وقال ابن كثير في «تفسيره» ١/ ١٤١. هذا حديث غريب من هذا الوجه، وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة. وانظر تفسير ابن كثير عند هذه الآية بتخريجي، وكذا «تفسير الشوكاني» (١٨٢) و «تفسير الكشاف» (٣٩)، والثلاثة بتخريجي. وقد قال الحافظ ابن كثير: أحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٧٢ الى ٧٤]
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً: هَذَا أَوَّلُ الْقِصَّةِ، وَإِنْ كان [٢] مؤخّرا فِي التِّلَاوَةِ، وَاسْمُ الْقَتِيلِ عَامِيلُ، فَادَّارَأْتُمْ فِيها، أَصْلُهُ تَدَارَأْتُمْ، فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ وَأُدْخِلَتِ الْأَلْفُ مثل قوله: اثَّاقَلْتُمْ [التوبة: ٣٨]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ فَاخْتَلَفْتُمْ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: تَدَافَعْتُمْ، أَيْ: يُحِيلُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، مِنَ الدَّرْءِ: وَهُوَ الدَّفْعُ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ مُخْرِجٌ، أَيْ: مُظْهِرٌ: مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ، فَإِنَّ الْقَاتِلَ كان يكتم القتل.
قوله عز وجل: فَقُلْنا اضْرِبُوهُ
، يَعْنِي: الْقَتِيلَ، بِبَعْضِها
، أَيْ: بِبَعْضِ الْبَقَرَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي ذلك البعض، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: ضَرَبُوهُ بِالْعَظْمِ الَّذِي يَلِي الْغُضْرُوفَ وَهُوَ الْمَقْتَلُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: بِعَجْبِ الذَّنَبِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يُخْلَقُ وَآخِرُ مَا يَبْلَى، وَيُرَكَّبُ عليه الخلق [ثانيا وهو البعث] [٣]، وقال الضحاك: بلسانها، قَالَ [٤] الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: [هَذَا أَدُلُّ بِهَا] [٥] لِأَنَّهُ آلَةُ الْكَلَامِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ: بِفَخْذِهَا الْأَيْمَنِ، وَقِيلَ: بِعُضْوٍ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَقَامَ الْقَتِيلُ [٦] حَيًّا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوْدَاجُهُ- أَيْ: عُرُوقُ الْعُنُقِ- تَشْخُبُ دَمًا، وَقَالَ: قَتَلَنِي فُلَانٌ ثُمَّ سَقَطَ وَمَاتَ مَكَانَهُ فَحُرِمَ قَاتِلُهُ الْمِيرَاثَ، وَفِي الْخَبَرِ: «مَا وَرِثَ قَاتِلٌ بَعْدَ صَاحِبِ الْبَقَرَةِ» [٧]، وَفِيهِ إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ فضرب فحيي [٨]، كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى
: كَمَّا أَحْيَا عَامِيلَ، وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
، قِيلَ: تَمْنَعُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْمَعَاصِي، أَمَّا حكم هذه المسألة إذا وجد في [الإسلام] قَتِيلٌ فِي مَوْضِعٍ وَلَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ لَوْثٌ عَلَى إِنْسَانٍ، وَاللَّوْثُ: أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الْقَلْبِ صِدْقُ الْمُدَّعِي بِأَنِ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ فِي بَيْتٍ أَوْ صَحْرَاءَ فَتَفَرَّقُوا عَنْ قَتِيلٍ يَغْلِبُ عَلَى الْقَلْبِ أَنَّ الْقَاتِلَ فِيهِمْ [٩]، أَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ قَرْيَةٍ كُلُّهُمْ أَعْدَاءٌ لِلْقَتِيلِ [١٠] لَا يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ فَيَغْلِبُ عَلَى الْقَلْبِ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ، فَادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى بَعْضِهِمْ، يَحْلِفُ الْمُدَّعِي خَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى مَنْ يَدَّعِي عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلِيَاءُ جَمَاعَةً تُوَزَّعُ الأيمان عليهم، ثم بعد ما حلفوا أخذوا
(٢) في المخطوط «كانت مؤخرة».
(٣) زيد في المطبوع وحده.
(٤) في المخطوط «فقال».
(٥) زيد في نسخ المطبوع.
(٦) في المخطوط «المقتول».
(٧) لا أصل له في المرفوع.
(٨) في المطبوع «فضربت فحيي».
(٩) في المخطوط «منهم».
(١٠) في المخطوط «القتيل». [.....]
«٥٩» أخبرنا به عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ:
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ: خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا لِحَاجَتِهِمَا، فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، فَانْطَلَقَ هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو الْمَقْتُولِ وَحُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ أَوْ قَاتِلِكُمْ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَحْضُرْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله فكيف نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَعَزَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْلَهُ مِنْ عِنْدِهِ. [وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: فَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْلَهُ مِنْ عِنْدِهِ] [٥]. قَالَ بَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ: قَالَ سَهْلٌ: لَقَدْ رَكَضَتْنِي فَرِيضَةٌ [٦] مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ فِي مِرْبَدٍ [٧] لَنَا وَفِي رِوَايَةٍ: لَقَدْ رَكَضَتْنِي نَاقَةٌ حَمْرَاءُ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ فِي مِرْبَدٍ لَنَا [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَثْنَى عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ] [٨].
وَجْهُ الدَّلِيلِ مِنَ الْخَبَرِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِأَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ ليقوى [٩] جَانِبَهُمْ بِاللَّوْثِ، وَهُوَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وُجِدَ قَتِيلًا فِي خَيْبَرَ، وَكَانَتِ الْعَدَاوَةُ ظَاهِرَةً بين الأنصار وأهل خيبر، فكان يغلب على
وهو في «شرح السنة» (٢٥٣٩) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (٢/ ١١٣- ١١٤) عن عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٢٧٠٢ و٣١٧٣ و٦١٤٢ و٦١٤٣ ومسلم ١٦٦٩ وأبو داود ٤٥٢٠ و٤٢٣ والترمذي ١٤٢٢ والنسائي ٨/ ٨- ١٢ وعبد الرزاق ٨٢٥٩ والحميدي ٤٠٣ وابن أبي شيبة ٩/ ٣٨٣ وأحمد ٤/ ٢ و١٤٢ والدارقطني ٣/ ١٠٨- ١١٠ والطحاوي ٣/ ١٩٨ والطبراني ٥٦٢٥ و٥٦٢٩ وابن حبان ٦٠٠٩ والبيهقي ٨/ ١١٨- ١٢٠ من طرق عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ به.
(١) زيد عن المطبوع وحده.
(٢) في- ط- «ولا يزيد».
(٣) في المخطوط «المقتول».
(٤) في المخطوط «البداة».
(٥) زيد في المطبوع.
(٦) الفريضة: ما فرض في السائمة من الصدقة وقيل: الناقة الهرمة.
(٧) المربد: هو الموضع التي تحبس فيه الإبل، وهو مثل الحظيرة للغنم.
(٨) زيد عن المخطوط وط-.
(٩) في المطبوع «لتقوى».
قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ، أي: يبست وجفت، [و] [٤] جَفَافُ الْقَلْبِ: خُرُوجُ الرَّحْمَةِ وَاللِّينُ عَنْهُ [٥]، وَقِيلَ: غَلُظَتْ، وَقِيلَ: اسْوَدَّتْ، مِنْ بَعْدِ ذلِكَ: مِنْ بَعْدِ ظُهُورِ الدَّلَالَاتِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ نَحْنُ لَمْ نَقْتُلْهُ، فَلَمْ يَكُونُوا قَطُّ أَعْمَى قَلْبًا وَلَا أَشَدَّ تَكْذِيبًا لِنَبِيِّهِمْ مِنْهُمْ عند ذلك، فَهِيَ: فِي الْغِلْظَةِ وَالشِّدَّةِ: كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً، قِيلَ: أَوْ بِمَعْنَى الواو كقوله: مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصَّافَّاتِ: ١٤٧]، أَيْ: بَلْ يَزِيدُونَ [أَوْ وَيَزِيدُونَ] [٦]، وَإِنَّمَا لَمْ يُشَبِّهْهَا بِالْحَدِيدِ مَعَ أَنَّهُ أَصْلَبُ مِنَ الْحِجَارَةِ لِأَنَّ الْحَدِيدَ قَابِلٌ لِلِّينِ، فَإِنَّهُ يَلِينُ بِالنَّارِ، وَقَدْ لَانَ لِدَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْحِجَارَةُ لَا تَلِينَ قَطُّ، ثُمَّ فَضَّلَ الْحِجَارَةَ عَلَى الْقَلْبِ الْقَاسِي فَقَالَ: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ، قِيلَ: أَرَادَ بِهِ جَمِيعَ الْحِجَارَةِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْحَجَرَ الَّذِي كَانَ يضرب [٧] مُوسَى لِلْأَسْبَاطِ، وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ: أَرَادَ بِهِ عُيُونًا دُونَ [٨] الْأَنْهَارِ، وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ: يَنْزِلُ مِنْ أَعْلَى الْجَبَلِ إِلَى أَسْفَلِهِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ:
وَقُلُوبُكُمْ لَا تَلِينُ وَلَا تَخْشَعُ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، فَإِنْ قِيلَ: الْحَجَرُ جَمَادٌ لَا يَفْهَمُ فَكَيْفَ يَخْشَى؟ قِيلَ: اللَّهُ يُفْهِمُهُ وَيُلْهِمُهُ فَيَخْشَى بِإِلْهَامِهِ، وَمَذْهَبُ أهل السنة والجماعة [أن الله تعالى علّم فِي الْجَمَادَاتِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، سِوَى العقلاء علما لَا يَقِفُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ] [٩]، فَلَهَا صَلَاةٌ وَتَسْبِيحٌ وَخَشْيَةٌ كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الْإِسْرَاءِ: ٤٤]، وَقَالَ: وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ [النُّورِ: ٤١]، وَقَالَ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [الْحَجِّ: ١٨] الْآيَةَ، فيجب على المرء الْإِيمَانُ بِهِ وَيَكِلُ عِلْمَهُ إِلَى الله سبحانه وتعالى.
ع «٦٠» وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى ثَبِيرٍ [١٠]، والكفار يطلبونه فقال [له] [١١] الْجَبَلُ: انْزِلْ عَنِّي فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تُؤْخَذَ عَلَيَّ فَيُعَاقِبُنِي اللَّهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ جَبَلُ حِرَاءٍ: إليّ [إِلَيَّ] [١٢] يَا رَسُولَ اللَّهِ.
«٦١» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، ثَنَا السَّيِّدُ [١٣] أَبُو الحسين محمد بن الحسين [١٤]
٦١- إسناده على شرط مسلم، تفرد مسلم بالرواية عن سماك بن حرب، وباقي الإسناد على شرطهما. وإبراهيم بن طهمان، توبع.
وهو في «شرح السنة» (٣٦٠٣) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ٢٢٧٧ والترمذي ٣٦٢٤ والطيالسي ١٩٠٧ وابن أبي شيبة ١١/ ٤٦٤ والدارمي ١/ ٢١ وابن حبان ٦٤٨٢ والطبراني في «الكبير» (١٩٠٧ و١٩٦١ و٢٠٢٨) وفي «الأوسط» (٢٠٣٣) وفي «الصغير» (١٦٧) والبغوي ٣٧٠٩ والبيهقي في «الدلائل» (٢/ ١٥٣) من طرق عن سماك بن حرب به.
(١) في المطبوع «القلب».
(٢) في المطبوع «تقوى». [.....]
(٣) في المطبوع «وكان».
(٤) زيد عن المخطوط.
(٥) في المخطوط «ضده».
(٦) سقط من المطبوع.
(٧) في نسخ المطبوع «يضرب عليه».
(٨) في المخطوط «غير».
(٩) العبارة في المطبوع «أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عِلْمًا فِي الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء، لا يقف عليه غير الله».
وفي نسخة- ط-: «أن الله خلق عِلْمًا فِي الْجَمَادَاتِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ سِوَى الْعَقْلِ، لَا يَقِفُ عَلَيْهِ غيره».
(١٠) ثبير: اسم جبل معروف عند مكة.
(١١) زيادة عن المخطوط.
(١٢) زيادة عن المخطوط.
(١٣) وقع في الأصل «السدي» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة».
(١٤) وقع في الأصل «حسن» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط».
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لِأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، وَإِنِّي لِأَعْرِفُهُ الْآنَ»، هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يحيى بن أبي بكير [٢].
وصح عن أنس:
ع «٦٢» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: طلع له أُحُدٍ، فَقَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا ونحبّه».
ع «٦٣» وَرَوِيِّ [عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ [٣] : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ وَقَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ عَيِيَ فَرَكِبَهَا فَضَرَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِحِرَاثَةِ الْأَرْضِ، فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تَتَكَلَّمُ؟» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» وَمَا هُمَا ثَمَّ، وَقَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمٍ لَهُ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ مِنْهَا فَأَدْرَكَهَا صَاحِبُهَا فَاسْتَنْقَذَهَا، فَقَالَ الذِّئْبَ: فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبْعِ، أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي؟ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ!» فقال: «أو من بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» وما هما ثم] [٤].
ع «٦٤» وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم على حراء هو وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اهْدَأْ- أَيِ: اسْكُنْ- فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صَدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ»، صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
«٦٥» أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ يَحْيَى بْنُ أحمد بن علي الصائغ [٥]، أنا أبو الحسن
٢ وقع في الأصل «بكر» والتصويب من كتب التراجم. [.....]
(٣) كذا في نسخ المطبوع، وهو ليس في المخطوط، ولعل الصواب «قال».
(٤) ما بين المعقوفتين مثبت في نسخ المطبوع، وهو ساقط من المخطوط.
(٥) في الأصل «الصانع» والتصويب عن «شرح السنة» (٣٦٠٤) و «الأنوار» (٣٥).
٦٢- ع صحيح. أخرجه البخاري ١٤٨١ و٤٤٢٢ ومسلم ١٣٩٢ وأبو داود ٣٠٧٩ وابن أبي شيبة ١٤/ ٥٣٩- ٥٤٠ وأحمد ٥/ ٤٢٤- ٤٢٥ وابن خزيمة ٢٣١٤ وابن حبان ٤٥٠٣ و٦٥٠١ والبيهقي في «السنن» (٤/ ١٢٢) و «دلائل النبوة» ٥٠/ ٢٣٨- ٢٣٩) من حديث أبي حميد الساعدي، وله قصة وفيه «فلمّا رأى أحدا» بدل «طلع له أحد».
٦٣- ع صحيح. أخرجه البخاري ٢٣٢٤ و٣٤٧١ و٣٦٦٣ ومسلم ٢٣٨٨ والترمذي ٣٦٧٧ و٣٦٩٥ والطيالسي ٢٣٥٤ والحميدي ١٠٥٤ وأحمد ٢/ ٢٤٥- ٢٤٦ وابن حبان ٦٤٨٥ من طرق من حديث أبي هريرة.
٦٤- ع صحيح. أخرجه مسلم ٢٤١٧ والترمذي ٣٦٩٦ وأبو داود ٤٦٥١ والترمذي ٣٦٩٧ والنسائي في «الكبرى» - وفي الباب من حديث أنس عند البخاري ٣٦٧٥ و٣٦٩٩ وأبو داود ٤٦٥١ والترمذي ٣٦٩٧ والنسائي في «الكبرى» (٨١٣٥) وأحمد ٣/ ١١٢ وأبو يعلى ٢٩١٠ وابن حبان ٣٨٦٥ والبغوي ٣٩٠١ ولفظ البخاري وغيره «اثبت أحد، فإن عليك نبي وصدّيق وشهيدان».
٦٥- ضعيف جدا. الوليد هو ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ ضعفه أحمد وابن معين وأبو حاتم وصالح جزرة وغيرهم. وقال أبو زرعة: منكر الحديث. وقال مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نمير: كذاب. فهذه علة، وله علة ثانية: عباد بن أبي يزيد مجهول، وفيه إسماعيل بن أبي كريمة السدي الكبير، وهو صدوق عنده مناكير. لكن لا يحتمل مثل هذا.
«كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة فمررنا [٥] فِي نَوَاحِيهَا خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ بَيْنَ الْجِبَالِ وَالشَّجَرِ فَلَمْ يَمُرَّ [٦] بِشَجَرَةٍ وَلَا جَبَلٍ إِلَّا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ».
«٦٦» أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
«كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ اسْتَنَدَ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ اضْطَرَبَتْ تِلْكَ السَّارِيَةُ، وَحَنَتْ [٧] كَحَنِينِ النَّاقَةِ حَتَّى سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ حَتَّى نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَنَقَهَا فَسَكَنَتْ».
وهو في «شرح السنة» (٣٦٠٤) بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي ٣٦٢٦ والدارمي ١/ ١٢ والحاكم ٢/ ٦٢٠ وأبو نعيم في «دلائل النبوة» (٢٨٩) من طرق عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم... ! ووافقه الذهبي... !؟ مع أن الذهبي ذكر الوليد في «الميزان» ونقل عن الأئمة توهينه، وذكر أيضا عباد بن أبي زيد مع هذا الحديث في «الميزان» (٢/ ٣٧٨/ ٤١٤٨) وقال: لا يدرى من هو تفرد عنه إسماعيل السدي بحديث... فذكره.
قلت: ولو صح هذا لورد من طرق صحاح وعن جماعة من الصحابة، ولكن كل ذلك لم يكن، وهو حديث منكر جدا.
وقد ضعفه الترمذي بقوله: غريب.
(٢) في المطبوع «وهو بجلي».
(٣) في الأصل «الصاح» والتصويب عن «شرح السنة» و «الأنوار» وعن النسخة «ط».
(٤) في الأصل «عبادة» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج.
(٥) في المطبوع «فخرجنا» وفي «شرح السنة» «فرحنا».
(٦) كذا في المطبوع وشرح السنة، وفي المخطوط «فما نمر».
(٧) في المطبوع «وهن» وفي المخطوط «ولها حنين» والمثبت عن- ط- وهذه الألفاظ جميعا ليست في «شرح السنة». [.....]
٦٦- حديث صحيح مشهور. إسناده صحيح. أبو العباس هو محمد بن يعقوب والربيع هو ابن سليمان المرادي- وهو غير الجيزي، وكلاهما من أصحاب الشافعي، وعبد المجيد من رجال مسلم، وفيه ضعف لكن توبع، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز، وأبو الزبير، هو محمد بن مسلم المكي.
وهو في «شرح السنة» (٣٦١٨) بهذا الإسناد.
رواه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (١/ ١٤٢- ١٤٣) عن عبد المجيد بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٩١٨ و٣٥٨٤ و٣٥٨٥ والنسائي ٣/ ١٠٢ وابن ماجه ١٤١٧ وعبد الرزاق ٥٢٥٤ وابن أبي شيبة ١١/ ٤٨٥- ٤٨٦ وأحمد ٣/ ٢٠٦ و٢٩٣ و٣٩٥ و٣٠٠ وابن حبان ٦٥٠٨ وأبو نعيم في «دلائل النبوة» (٣٠٣) والبيهقي ٣/ ١٩٥ وفي «الدلائل» (٢/ ٥٥٦ و٥٦٠) من طرق من حديث جابر.
- وفي الباب من حديث أنس أخرجه الترمذي ٣٦٣١ وابن ماجه ١٤١٥ وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (٣٣٤١) وأحمد ٣/ ٢٢٦ وأبو يعلى ٣٣٨٤ والدارمي ١/ ١٩ وابن خزيمة ١٧٧٦ وابن حبان ٦٥٠٧ والبيهقي في «الدلائل» (٢/ ٥٥٩).
- ومن حديث ابن عمر عند البخاري ٣٥٨٣ والترمذي ٥٠٥ والدارمي ١/ ١٥ والبيهقي ٣/ ١٩٦، وفي الباب أحاديث تبلغ به حد الشهرة. والله أعلم.
لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) [الْحَشْرِ: ٢١].
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ: بِسَاهٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ: وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ، وَقِيلَ: بِتَارِكِ عُقُوبَةِ مَا تَعْمَلُونَ، بَلْ يُجَازِيكُمْ بِهِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ يعملون بالياء والآخرون بالتاء.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٧٥ الى ٧٦]
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٧٦)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَفَتَطْمَعُونَ: أَفَتَرْجُونَ؟ يُرِيدُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ: يصدقكم الْيَهُودُ بِمَا تُخْبِرُونَهُمْ بِهِ؟ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ، يَعْنِي: التَّوْرَاةَ، ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ: يُغَيِّرُونَ مَا فِيهَا مِنَ الْأَحْكَامِ، مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ: عَلِمُوهُ [كَمَا] [٣] غَيَّرُوا صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَآيَةِ الرَّجْمِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ: أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ، هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ وَالسُّدِّيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ:
نَزَلَتْ فِي السَّبْعِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مُوسَى لِمِيقَاتِ رَبِّهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لما رجعوا بعد ما سَمِعُوا كَلَامَ اللَّهِ إِلَى قَوْمِهِمْ رَجَعَ النَّاسُ إِلَى قَوْلِهِمْ، وَأَمَّا الصَّادِقُونَ مِنْهُمْ فَأَدَّوْا كَمَا سَمِعُوا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: سَمِعْنَا اللَّهَ يَقُولُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَفْعَلُوا [فَافْعَلُوا وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَا تَفْعَلُوا] [٤]، فَهَذَا تَحْرِيفُهُمْ وهم يعلمون أنه الحق.
قوله عزّ وجلّ: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي: مُنَافِقِي الْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ إِذَا لَقُوا الْمُؤْمِنِينَ الْمُخْلِصِينَ، قالُوا آمَنَّا: كَإِيمَانِكُمْ، وَإِذا خَلا: رَجَعَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ، كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ وَوَهْبُ بن يهودا، أو غيرهم مِنْ رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ، لِأَمْرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ: بِمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِكُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا حَقٌّ وَقَوْلَهُ صِدْقٌ، وَالْفَتَّاحُ: الْقَاضِي [٥].
وقال الكسائي: بما بيّنه لكم من العلم بِصِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْتِهِ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ [٦] : بِمَا أنزل الله عليكم وأعطاكم، وَنَظِيرُهُ لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف: ٩٦]، أي: أنزلنا، وقال أبو
(٢) في المطبوع «الأسفل».
(٣) سقط من المطبوع وحده.
(٤) سقط من المطبوع وحده.
(٥) وقع في المطبوع «القاض» وفي «ط». «القاضي»، وفي «القاموس» : الفتح: الحكم بين خصمين، وفاتح: قاضي.
والفتاح: الحاكم اه ملخصا من مادة- ف ت ح- وهذا يرجح ما في «ط» وأن المراد «القاضي» وانظر القرطبي عند هذه الآية، والله أعلم.
(٦) هو محمد بن عمر الواقدي صاحب المغازي، متروك الحديث لا يحتج بما ينفرد به.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٧٧ الى ٧٩]
أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٧) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٧٨) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩)
قوله عزّ وجلّ: أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ: يُخْفُونَ، وَما يُعْلِنُونَ: يُبْدُونَ، يَعْنِي الْيَهُودَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ، أَيْ: مِنَ الْيَهُودِ أُمِّيُّونَ لَا يُحْسِنُونَ الْقِرَاءَةَ وَالْكِتَابَةَ، جَمْعُ: أُمِّيٍّ، مَنْسُوبٌ إِلَى الْأُمِّ كَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَا انْفَصَلَ مِنَ الْأُمِّ لَمْ يَتَعَلَّمْ [٦] كِتَابَةً ولا قراءة.
ع «٦٧» [وروي عن الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ».
أَيْ: لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، وَقِيلَ: هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى أُمِّ الْقُرَى وَهِيَ مَكَّةُ] [٧]. لَا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: «أَمَانِيَ»، بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ، كُلَّ الْقُرْآنِ، حَذَفَ إِحْدَى الْيَاءَيْنِ تَخْفِيفًا، وقراءة العامّة بالتشديد، وهو جمع: أمنية وهي التلاوة، وقال اللَّهُ تَعَالَى: إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [الْحَجِّ: ٥٢]، أَيْ: فِي قِرَاءَتِهِ، قَالَ أَبُو عبيدة: إلا تلاوة وقراءة عن ظهر القلب لا يقرؤونه مِنْ كِتَابٍ، وَقِيلَ: يَعْلَمُونَهُ حِفْظًا وقراءة، لا يعرفون معناه، قال ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي غَيْرَ عَارِفِينَ بِمَعَانِي الْكِتَابِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ [٨] : إِلَّا كَذِبًا وَبَاطِلًا، قَالَ الْفَرَّاءُ: الْأَمَانِيُّ [٩] : الْأَحَادِيثُ الْمُفْتَعَلَةُ، قَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
مَا تَمَنَّيْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، أَيْ: مَا كَذَبْتُ وَأَرَادَ بِهَا الْأَشْيَاءَ الَّتِي كَتَبَهَا عُلَمَاؤُهُمْ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ [١٠] أضافوها إلى الله مِنْ تَغْيِيرِ نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: هِيَ مِنَ التمنّي وهي أمانيهم
(٢) زيد في المطبوع «ليحاجوكم به، يعني».
(٣) زيادة عن المخطوط وط-.
(٤) أخرجه الطبري ١٣٥٠ وهذا مرسل، فهو ضعيف. والمرفوع ورد من قول علي، وهو أصح.
(٥) زيد في المطبوع.
(٦) في المطبوع وحده «يعلم».
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط. [.....]
(٨) زيد في المطبوع.
(٩) في المطبوع «أماني».
(١٠) في المخطوط «مما».
٦٧- ع صحيح. أخرجه البخاري ١٩١٣ ومسلم ١٠٨٠ ح ١٣ وأبو داود ٢٣١٩ والنسائي ٤/ ٣٩- ٤٠ وفي «الكبرى» (٢٤٥٠) وأحمد ٢/ ٤٣ من حديث ابن عمر بأتم منه.
١١١]، وَقَوْلِهِمْ: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [الْبَقَرَةِ: ٨٠]، وَقَوْلِهِمْ: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [الْمَائِدَةِ: ١٨]، فعلى هذا (لا) يكون بِمَعْنَى (لَكِنْ)، أَيْ: لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ لَكِنْ يَتَمَنَّوْنَ أَشْيَاءَ لَا تَحْصُلُ لَهُمْ، وَإِنْ هُمْ، وَمَا هم إِلَّا يَظُنُّونَ، يعني: وَمَا [هُمْ إِلَّا] [١] يَظُنُّونَ ظَنًّا وَتَوَهُّمًا لَا يَقِينًا، قَالَهُ قَتَادَةُ والربيع، وقال مجاهد: يكذبون.
قوله عزّ وجلّ: فَوَيْلٌ، قَالَ الزَّجَّاجُ: «وَيْلٌ» كَلِمَةٌ تقولها العرب: لكل وَاقِعٍ فِي هَلَكَةٍ، وَقِيلَ:
هُوَ دُعَاءُ الْكُفَّارِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شِدَّةُ الْعَذَابِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ:
وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ لَوْ سُيِّرَتْ فِيهِ جِبَالُ الدُّنْيَا لَانْمَاعَتْ [٢] ولذابت مِنْ شِدَّةِ حَرِّهِ [٣].
«٦٨» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ] [٤] الْخَلَّالُ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ رِشْدِينِ [٥] بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ أَبِي السَّمْحِ [٦] عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْوَيْلُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ يَهْوِي فِيهِ الْكَافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ، وَالصُّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يَتَصَعَّدُ فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ثُمَّ يَهْوِي فَهُوَ كذلك»، يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا، وَذَلِكَ أَنَّ أحبار اليهود خَافُوا ذَهَابَ مَأْكَلِهِمْ وَزَوَالَ رِيَاسَتِهِمْ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَاحْتَالُوا فِي تَعْوِيقِ الْيَهُودِ عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ فَعَمَدُوا إِلَى صِفَتِهِ فِي التَّوْرَاةِ، وَكَانَتْ صِفَتُهُ فِيهَا: حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الشعر أكحل العينين ربعة [القامة] [٧]، فَغَيَّرُوهَا وَكَتَبُوا مَكَانَهَا طِوَالٌ أَزْرَقُ
(٢) في المخطوط «لماعت» وليس فيه «ولذابت».
(٣) في المطبوع «حرّها».
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «ط» ومن «شرح السنة» (٤٣٠٥).
(٥) في الأصل «راشيد» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٦) في الأصل «السمع» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٧) زيد في المطبوع.
٦٨- ضعيف. إسناده ضعيف لضعف رشدين بن سعد وأبي السمح في روايته عن أبي الهيثم، وأبو السمح اسمه درّاج بن سمعان وأبو الهيثم هو سليمان بن عمرو العتواري.
وهو في «شرح السنة» (٤٣٠٥) بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي ٣١٦٤ وأحمد ٣/ ٧٥ وأبو يعلى ١٣٨٣ وابن حبان ٧٤٦٧ والحاكم ٤/ ٢٩٦ و٥٠٧ والطبري ١٣٨٧ والبيهقي في «البعث» (٥١٣) كلهم من طريق دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ به، وبعضهم اقتصر على ذكر واد الويل فقط، ولم يذكر جبل الصعود.
والحديث صححه الحاكم! ووافقه الذهبي! مع أنه من رواية درّاج عن أبي الهيثم، وهي واهية، قال الذهبي في مواضع أخر في تلخيص المستدرك: دراج ذو مناكير.
وقال في «الميزان» (٢/ ٢٤) : قال أحمد: درّاج أحاديثه مناكير. وقال عثمان بن سعيد عن ابن معين: ثقة، قال فضلك الرازي: ما هو ثقة ولا كرامة.
النسائي: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف.
وقال الحافظ في «التقريب» في دراج: في روايته عن أبي الهيثم ضعف.
- وضعفه الترمذي بقوله: غريب. وكذا ضعفه ابن كثير في «تفسيره» (١/ ١٢١) بقوله: هذا منكر.
بِأَنْفُسِهِمُ اخْتِرَاعًا من تغيير نعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ: من المآكل، ويقال: من المعاصي.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨٠ الى ٨١]
وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨٠) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨١)
وَقالُوا، يَعْنِي: الْيَهُودَ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ: لَنْ تُصِيبَنَا النَّارُ، إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً: قَدْرًا مُقَدَّرًا ثُمَّ يَزُولُ عَنَّا الْعَذَابُ [وَيَعْقُبُهُ النَّعِيمُ] [٣]، واختلفوا في هذه الأيام، فقال ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: كَانَتِ الْيَهُودُ يقولون مدة [٤] الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ وَإِنَّمَا نُعَذَّبُ بِكُلِّ أَلْفِ سَنَةٍ يَوْمًا وَاحِدًا ثُمَّ يَنْقَطِعُ الْعَذَابُ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ: يَعْنُونَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا الَّتِي عَبَدَ فِيهَا آبَاؤُهُمُ الْعِجْلَ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنْ رَبَّنَا عَتَبَ عَلَيْنَا فِي أَمْرِنَا فأقسم الله لَيُعَذِّبُنَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَلَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَحِلَّةَ الْقِسْمِ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَكْذِيبًا لَهُمْ، قُلْ: يَا مُحَمَّدُ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ، أَلِفُ اسْتِفْهَامٍ دخلت على ألف الوصل، عَهْداً مُوَثَّقًا أَنْ لَا يُعَذِّبَكُمْ إِلَّا هَذِهِ الْمُدَّةَ، فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ، وعده، وقال ابْنُ مَسْعُودٍ: عَهْدًا بِالتَّوْحِيدِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً [مَرْيَمَ:
٨٧]، يعني: قَوْلُ [٥] لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ؟ ثُمَّ قَالَ:
بَلى، وبلى وبل: حَرْفَا اسْتِدْرَاكٍ، وَمَعْنَاهُمَا نَفْيُ الْخَبَرِ الْمَاضِي وَإِثْبَاتُ الْخَبَرِ الْمُسْتَقْبَلِ. مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً، يَعْنِي: الشِّرْكَ وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ «خَطِيئَاتُهُ» بِالْجَمْعِ، وَالْإِحَاطَةُ: الْإِحْدَاقُ بِالشَّيْءِ مِنْ جَمِيعِ نَوَاحِيهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالضَّحَّاكُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ والربيع وجماعة: هو [٦] الشِّرْكُ يَمُوتُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: السَّيِّئَةُ الْكَبِيرَةُ وَالْإِحَاطَةُ بِهِ أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهَا فَيَمُوتُ غَيْرَ تَائِبٍ، قَالَهُ عكرمة والربيع بن خيثم.
[قال الواحدي رحمه الله في تفسيره «الوسيط» : المؤمنون لا يدخلون في حكم هذه الآية لأن الله تعالى أوعد بالخلود في النار من أحاطت به خطيئته، وتقدمت منه سيّئة وهي الشرك، والمؤمن وإن عمل الكبائر لم يوجد منه الشرك] [٧]. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الذُّنُوبُ تُحِيطُ بالقلب كلما عمل ذَنْبًا ارْتَفَعَتْ حَتَّى تَغْشَى [٨] الْقَلْبَ، وهي الرين، قال الكلبي: أو بقته ذُنُوبُهُ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ [يُوسُفَ:
٦٦]، أَيْ: تَهْلِكُوا، فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨٢ الى ٨٤]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤)
(٢) في المطبوع «كتبوه» دون- ما-. [.....]
(٣) زيادة عن المخطوط، وط.
(٤) في المخطوط وط- «هذه» بدل «مدة» والمثبت عن المطبوع والطبري (١٤١٢ و١٤١٣).
(٥) في المطبوع «قوله».
(٦) في المطبوع «هي».
(٧) ما بين المعقوفتين ليس في المخطوط، وط-.
(٨) في المخطوط «يقسى» وفي نسخة «يقسو» والمثبت عن المطبوع و «الدر المنثور» (١/ ١٦٤).
«لا تعبدوا»، على النهي، وَبِالْوالِدَيْنِ، أَيْ: وَوَصَّيْنَاهُمْ بِالْوَالِدَيْنِ، إِحْساناً بِرًّا بِهِمَا وَعَطْفًا عَلَيْهِمَا وَنُزُولًا عِنْدَ أَمْرِهِمَا فِيمَا لَا يُخَالِفُ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَذِي الْقُرْبى، أَيْ: وَبِذِي الْقَرَابَةِ، وَالْقُرْبَى مَصْدَرٌ كَالْحُسْنَى، وَالْيَتامى، جَمْعُ يَتِيمٍ وَهُوَ الطِّفْلُ الَّذِي لَا أَبَ لَهُ، وَالْمَساكِينِ، يَعْنِي: الْفُقَرَاءَ، وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً: صِدْقًا وَحَقًّا فِي شَأْنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ سَأَلَكُمْ عَنْهُ فَاصْدُقُوهُ وَبَيِّنُوا صِفَتَهُ لا تَكْتُمُوا أَمْرَهُ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَمُقَاتِلٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مُرُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَقِيلَ: هُوَ اللِّينُ فِي الْقَوْلِ وَالْمُعَاشَرَةُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ:
«حَسَنًا» بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالسِّينِ، أَيْ: قَوْلًا حَسَنًا، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ، أَعْرَضْتُمْ عَنِ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا مِنْهُمْ آمَنُوا، وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ، كَإِعْرَاضِ آبائكم.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ، أَيْ: لَا تُرِيقُونَ، دِماءَكُمْ، أَيْ: لَا يَسْفِكُ بَعْضُكُمْ دَمَ بَعْضٍ، وَقِيلَ: لَا تَسْفِكُوا دِمَاءَ غَيْرِكُمْ فيسفك دِمَاءَكُمْ فَكَأَنَّكُمْ سَفَكْتُمْ دِمَاءَ أَنْفُسِكُمْ، وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ، [أَيْ] [٢] : لَا يُخْرِجُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ دَارِهِ، وَقِيلَ: لَا تُسِيئُوا جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكُمْ فَتُلْجِئُوهُمْ إِلَى الْخُرُوجِ بِسُوءِ جِوَارِكُمْ، ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ: بِهَذَا الْعَهْدِ أَنَّهُ حَقٌّ وَقَبِلْتُمْ، وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ: الْيَوْمَ عَلَى ذَلِكَ يا معشر اليهود وتعترفون بالقبول.
[سورة البقرة (٢) : آية ٨٥]
ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ، يَعْنِي: يَا هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ لِلتَّنْبِيهِ، تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ، أَيْ: يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ، بِتَشْدِيدِ الظَّاءِ، أَيْ:
تَتَظَاهَرُونَ، أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الظَّاءِ، وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِتَخْفِيفِ الظَّاءِ فَحَذَفُوا تَاءَ التَّفَاعُلِ وَأَبْقَوْا تَاءَ الْخِطَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَعاوَنُوا [المائدة: ٢]، مَعْنَاهُمَا جَمِيعًا تَتَعَاوَنُونَ، وَالظَّهِيرُ: الْعَوْنُ، بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ: بالمعصية والظلم، وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى، [و] قرأ حَمْزَةُ أَسْرَى، وَهُمَا جَمْعُ:
أَسِيرٍ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، «تَفْدُوهُمْ» : بِالْمَالِ وَتُنْقِذُوهُمْ، [و] قرأ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَعَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ
(٢) زيادة عن المخطوط.
قَالُوا: إِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَفْدِيَهُمْ، فَيَقُولُونَ: فَلِمَ تقاتلوهم؟ قالوا: إنا نستحي أن نستذل [٢] حلفاءنا، فعيّرهم الله تعالى، فَقَالَ: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَفِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَنَظْمُهَا: وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ، وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ، فَكَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَذَ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةَ عُهُودٍ: تَرْكَ الْقِتَالِ وَتَرْكَ الْإِخْرَاجِ وَتَرْكَ الْمُظَاهَرَةِ عَلَيْهِمْ مَعَ أَعْدَائِهِمْ وَفِدَاءَ أَسْرَاهُمْ [٣]، فَأَعْرَضُوا عَنِ الْكُلِّ إِلَّا الْفِدَاءَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: إِنْ وَجَدْتَهُ فِي يَدِ غَيْرِكَ فَدَيْتَهُ وَأَنْتَ تَقْتُلُهُ بِيَدِكَ، فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، إِلَّا خِزْيٌ: عَذَابٌ وَهَوَانٌ، فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، فَكَانَ خِزْيُ قُرَيْظَةَ الْقَتْلَ وَالسَّبْيَ، وَخِزْيُ النَّضِيرِ الْجَلَاءَ وَالنَّفْيَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ إِلَى أَذَرِعَاتٍ وأريحا مِنَ الشَّامِ، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ، وهو عَذَابِ النَّارِ، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ بِالْيَاءِ، وَالْبَاقُونَ بالتاء.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨٦ الى ٨٨]
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٨٦) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا: اسْتَبْدَلُوا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ، يُهَوَّنُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ، لَا يُمْنَعُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَلَقَدْ آتَيْنا: أَعْطَيْنَا مُوسَى الْكِتابَ: التَّوْرَاةَ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَقَفَّيْنا: وَأَتْبَعْنَا، مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ: رَسُولًا بَعْدَ رَسُولٍ، وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ: الدَّلَالَاتِ الْوَاضِحَاتِ، وَهِيَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَالْمَائِدَةِ، وَقِيلَ: أَرَادَ الْإِنْجِيلَ، وَأَيَّدْناهُ: قَوَّيْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ «الْقُدْسِ» بِسُكُونِ الدَّالِ، وَالْآخَرُونَ بِضَمِّهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلَ: الرُّعُبِ وَالرُّعْبِ، وَاخْتَلَفُوا فِي رُوحِ الْقُدُسِ، قَالَ الرَّبِيعُ وَغَيْرُهُ: أَرَادَ بالروح [الروح] [٤] الذي لا نفخ فيه، [و] القدس هُوَ اللَّهُ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ تَكْرِيمًا وَتَخْصِيصًا [٥]، نَحْوَ: بَيْتِ اللَّهِ، وَنَاقَةِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ: فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا [التَّحْرِيمِ:
١٢]، وَرُوحٌ مِنْهُ [النِّسَاءِ: ١٧١]، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْقُدُسِ: الطِّهَارَةَ، يَعْنِي: الرُّوحَ الطَّاهِرَةَ، سَمَّى روحه
(٢) في المطبوع «تذل».
(٣) في المطبوع «أسرائهم» وفي المخطوط «أساراهم» والمثبت عن- ط-.
(٤) زيادة عن نسخة- ط- وفي المخطوط «الروع».
(٥) زيد في المطبوع وحده هاهنا «أي: التي نفخ فيه».
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [النَّحْلِ: ١٠٢]، وَتَأْيِيدُ عِيسَى بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَسِيرَ مَعَهُ حَيْثُ سَارَ حَتَّى صعد به إِلَى السَّمَاءِ، وَقِيلَ: سُمِّيَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رُوحًا لِلَطَافَتِهِ وَلِمَكَانَتِهِ مِنَ الْوَحْيِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ حَيَاةِ الْقُلُوبِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: رُوحُ الْقُدُسِ هُوَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى الْأَعْظَمُ الذي كان يحيي به الْمَوْتَى، وَيُرِي النَّاسَ [بِهِ] [١] الْعَجَائِبَ، وقيل: هو الإنجيل جعل [الله] [٢] لَهُ رُوحًا كَمَا جَعْلَ الْقُرْآنَ رُوحًا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِحَيَاةِ الْقُلُوبِ، وقال الله تَعَالَى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى: ٥٢]، فلما سمعت الْيَهُودُ ذِكْرَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، قالوا: يَا مُحَمَّدُ لَا مِثْلَ عِيسَى كَمَا تَزْعُمُ عَمِلْتَ، وَلَا كَمَا يقصّ عَلَيْنَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَعَلْتَ، فَأْتِنَا بِمَا أَتَى بِهِ عِيسَى إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ: تَكَبَّرْتُمْ وَتَعَظَّمْتُمْ عَنِ الْإِيمَانِ، فَفَرِيقاً: طَائِفَةً كَذَّبْتُمْ: مِثْلَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ، أَيْ: قَتَلْتُمْ مِثْلَ زَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَشَعْيَا، وَسَائِرِ مَنْ قتلوا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
وَقالُوا، يَعْنِي: الْيَهُودَ، قُلُوبُنا غُلْفٌ، جَمْعُ أغلف وهو الذي عليه غشاوة، معناه: عليها غشاوة فلا تسمع ولا تفقه ما يقول، قَالَهُ [٣] مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ
[فُصِّلَتْ: ٥]، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «غُلُفٌ» بِضَمِّ اللَّامِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْأَعْرَجِ، وهي جَمْعُ غِلَافٍ، أَيْ: قُلُوبُنَا أَوْعِيَةٌ لِكُلِّ عِلْمٍ فَلَا [تَحْتَاجُ إِلَى عِلْمِكَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَعْنَاهُ أَوْعِيَةٌ لِكُلِّ علم فهي لا] [٤] تسمع حديثا إلا وعته إِلَّا حَدِيثَكَ لَا تَعْقِلُهُ وَلَا تَعِيهِ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ لَوَعَتْهُ وَفَهِمَتْهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ: طَرَدَهُمُ اللَّهُ وَأَبْعَدَهُمْ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ، بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ، قَالَ قتادة:
معناه لا [٥] يُؤْمِنَ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ، لِأَنَّ مَنْ آمَنَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَكْثَرُ مِمَّنْ آمَنَ مِنَ الْيَهُودِ، أَيْ: فَقَلِيلًا يُؤْمِنُونَ، وَنَصْبُ (قَلِيلًا) عَلَى الْحَالِ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: لَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا بِقَلِيلٍ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ وَيَكْفُرُونَ بِأَكْثَرِهِ، أَيْ: فَقَلِيلٌ يُؤْمِنُونَ [وَنَصْبُ (قَلِيلًا) بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَ (مَا) صِلَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَقَالَ الواقدي: معناه لا يؤمنون] [٦] لا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِلْآخَرِ: مَا أَقَلَّ مَا تَفْعَلُ كَذَا، أَيْ: لَا تَفْعَلُهُ أَصْلًا.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨٩ الى ٩٠]
وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠)
وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ مُصَدِّقٌ: مُوَافِقٌ لِما مَعَهُمْ، يَعْنِي:
التَّوْرَاةَ، وَكانُوا، يعني: اليهود، مِنْ قَبْلُ، [أَيْ] : مِنْ قَبْلِ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْتَفْتِحُونَ:
يَسْتَنْصِرُونَ، عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا: عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أنهم كانوا يقولون إذا أحزنهم أمر أو
٢ زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «قال».
(٤) سقط من المخطوط.
(٥) في المخطوط «لن» والمثبت عن المطبوع والطبري (١٥١٨ و١٥١٩).
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.
فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا، يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعَرَفُوا نَعْتَهُ وَصِفَتَهُ، كَفَرُوا بِهِ: بَغْيًا وَحَسَدًا، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ.
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، بِئْسَ وَنِعْمَ فِعْلَانِ مَاضِيَانِ وُضِعَا لِلْمَدْحِ وَالذَّمِّ، لَا يَتَصَرَّفَانِ تَصَرُّفَ الْأَفْعَالِ، مَعْنَاهُ: بِئْسَ الَّذِي اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ حِينَ اسْتَبْدَلُوا الْبَاطِلَ بِالْحَقِّ، وَقِيلَ: الِاشْتِرَاءُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْبَيْعِ، وَالْمَعْنَى: بِئْسَ مَا بَاعُوا بِهِ حَظَّ أَنْفُسِهِمْ، أَيْ [حِينَ] [٣] اخْتَارُوا الْكفْرَ وَبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ لِلنَّارِ، أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، بَغْياً، أَيْ: حَسَدًا، وَأَصْلُ الْبَغْيِ: الفساد، يقال:
بَغَى الْجُرْحُ إِذَا فَسَدَ، وَالْبَغْيُ: الظُّلْمُ، وَأَصْلُهُ الطَّلَبُ، وَالْبَاغِي طَالِبُ الظُّلْمِ وَالْحَاسِدُ يَظْلِمُ الْمَحْسُودَ [جَهْدَهُ طَلَبًا لِإِزَالَةِ] [٤] نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ، أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، أَيِ: النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ، عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ: مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَرَأَ أهل مكة والبصرة «ينزل» وبابه [٥] بالتخفيف، إلا في «سبحان» فِي مَوْضِعَيْنِ: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ [الإسراء: ٨٢] وحَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ [الْإِسْرَاءِ: ٩٣] فَإِنَّ [٦] ابْنَ كَثِيرٍ يُشَدِّدُهُمَا، وَشَدَّدَ الْبَصْرِيُّونَ فِي الْأَنْعَامِ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً [الْأَنْعَامِ: ٣٧]، زَادَ يَعْقُوبُ تَشْدِيدَ بِما يُنَزِّلُ فِي النحل، وافق حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيَّ فِي تَخْفِيفِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ [لقمان: ٣٤] في سورة لقمان وحمعسق، وَالْآخَرُونَ يُشَدِّدُونَ الْكُلَّ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي تَشْدِيدِ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ [الحجر: ٢١] في الحجر، فَباؤُ: رجعوا بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ، أي: مع غَضَبٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: الْغَضَبُ الْأَوَّلُ بِتَضْيِيعِهِمُ التَّوْرَاةَ وَتَبْدِيلِهِمْ [لها] [٧]، وَالثَّانِي: بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الأول بكفرهم بعيسى والإنجيل، وَالثَّانِي بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْأَوَّلُ بِعِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَالثَّانِي بِالْكُفْرِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِلْكافِرِينَ: الْجَاحِدِينَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، عَذابٌ مُهِينٌ:
مُخْزٍ يُهَانُونَ فيه.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٩١ الى ٩٣]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١) وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٩٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣)
قَوْلُهُ عَزَّ وجلّ: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا،
(٢) في المطبوع وحده «أطل».
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) ما بين المعقوفتين في المخطوط «لأنه طالب إزالة».
(٥) في المخطوط «ويائه» وهو خطأ.
(٦) في المطبوع وحده «قال».
(٧) سقط من المطبوع.
فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٧]، أَيْ: سِوَاهُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: بما بعده، وَهُوَ الْحَقُّ، يَعْنِي:
الْقُرْآنَ، مُصَدِّقاً، نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ، لِما مَعَهُمْ: من التوراة، قُلْ: لهم يَا مُحَمَّدُ فَلِمَ تَقْتُلُونَ، أَيْ: قَتَلْتُمْ، أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ، و (لم) أَصْلُهُ لِمَا، فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ فَرْقًا بين الخبر وَالِاسْتِفْهَامِ، كَقَوْلِهِمْ فِيمَ وَبِمَ، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: بِالتَّوْرَاةِ، وَقَدْ نُهِيتُمْ فِيهَا عَنْ قَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السّلام.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ بِالدَّلَالَاتِ الْوَاضِحَةِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَةِ، ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ. ، [أي: من بعد انطلاقه إلى الجبل] [١]، وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا، أَيِ: اسْتَجِيبُوا وَأَطِيعُوا، سُمِّيَتِ الطَّاعَةُ وَالْإِجَابَةُ: سمعا على المجاز، لأنها [٢] سَبَبٌ لِلطَّاعَةِ وَالْإِجَابَةِ، قالُوا سَمِعْنا: قولك، وَعَصَيْنا: أمرك، وقيل: سمعنا بالآذان [٣]، وَعَصَيْنَا بِالْقُلُوبِ، قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: إِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا هَذَا بِأَلْسِنَتِهِمْ ولكن لما سمعوا وتلقوه بالعصيان نسب ذَلِكَ إِلَى الْقَوْلِ اتِّسَاعًا.
وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ، أَيْ: حب العجل، مَعْنَاهُ: أُدْخِلَ فِي قُلُوبِهِمْ حُبُّ الْعَجَلِ وَخَالَطَهَا، كَإِشْرَابِ اللَّوْنِ لِشِدَّةِ الْمُلَازَمَةِ، يُقَالُ: فُلَانٌ مُشْرَبُ [٤] اللَّوْنِ إِذَا اخْتَلَطَ بَيَاضُهُ بِالْحُمْرَةِ، وَفِي الْقِصَصِ: أَنَّ مُوسَى أُمِرَ أَنْ يُبْرَدَ الْعِجْلُ بِالْمِبْرَدِ، ثُمَّ يَذُرَّهُ فِي النَّهْرِ وَأَمَرَهُمْ بِالشُّرْبِ مِنْهُ، فَمَنْ بَقِيَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنْ حُبِّ الْعِجْلِ ظَهَرَتْ سُحَالَةُ الذَّهَبِ عَلَى شَارِبِهِ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوا الْعِجْلَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَيْ: بِئْسَ إِيمَانٌ يأمر بِعِبَادَةِ الْعِجْلِ، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: بِزَعْمِكُمْ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا، فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ عزّ وجلّ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٩٤ الى ٩٦]
قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٩٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ ادَّعَوْا دَعَاوَى بَاطِلَةً مِثْلَ قَوْلِهِمْ: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [الْبَقَرَةِ: ٨٠]، لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى [الْبَقَرَةِ: ١١١]، وَقَوْلِهِمْ: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [الْمَائِدَةِ: ١٨]، فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَلْزَمَهُمُ الْحُجَّةَ فَقَالَ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ، يَعْنِي: الْجَنَّةَ، خالِصَةً، أَيْ: خَاصَّةً [٥] مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ، أَيْ: فَأَرِيدُوهُ أو اسألوه، لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ الْجَنَّةَ مَأْوَاهُ حَنَّ إِلَيْهَا، وَلَا سَبِيلَ إِلَى دُخُولِهَا إِلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَاسْتَعْجَلُوهُ بِالتَّمَنِّي، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ: فِي قَوْلِكُمْ، وَقِيلَ: فَتُمَنُّوا الْمَوْتَ، أَيِ: ادْعُوَا بِالْمَوْتِ عَلَى الْفِرْقَةِ الكاذبة.
(٢) في المطبوع «لأنه». [.....]
(٣) في المطبوع «بالأذن».
(٤) في المطبوع «أشرب».
(٥) في المطبوع وحده «خالصة».
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ تَمَنَّوُا الْمَوْتَ لَغُصَّ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ بِرِيقِهِ وَمَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يَهُودِيٌّ إلا مات».
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ، لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ كَاذِبُونَ، وَأَرَادَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ بما قدّموه من الأعمال، وأضاف [١] العمل إِلَى الْيَدِ [دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ] [٢] لِأَنَّ أَكْثَرَ جِنَايَاتِ الْإِنْسَانِ تَكُونُ بِالْيَدِ، فَأُضِيفَ إِلَى الْيَدِ أَعْمَالُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْيَدِ فِيهَا عَمَلٌ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ.
وَلَتَجِدَنَّهُمْ، اللَّامُ لَامُ الْقَسَمِ، وَالنُّونُ تَأْكِيدٌ لِلْقِسْمِ، تَقْدِيرُهُ: وَاللَّهِ لَتَجِدَنَّهُمْ يَا مُحَمَّدُ، يَعْنِي:
الْيَهُودَ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، قيل: هو متصل بالأول، أي: وَأَحْرَصَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، وَقِيلَ: تَمَّ الْكَلَامُ بِقَوْلِهِ: عَلى حَياةٍ، ثم ابتدأ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، وَأَرَادَ بِالَّذِينِ أَشْرَكُوا الْمَجُوسَ، قَالَهُ [٣] أَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ، سُمُّوا مُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ. يَوَدُّ: يُرِيدُ وَيَتَمَنَّى، أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ، يَعْنِي: تَعْمِيرَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَهِي تَحِيَّةُ الْمَجُوسِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، يَقُولُونَ:
عِشْ أَلْفَ سَنَةٍ وَكُلُّ أَلْفٍ نَيْرُوزٌ ومهرجان، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: الْيَهُودُ أَحْرَصُ على الحياة من المجوس الذين يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ: بمباعده، مِنَ الْعَذابِ، [أي] : من النَّارِ أَنْ يُعَمَّرَ، أَيْ: طُولُ عمره لا ينقذه [٤] من العذاب، و (زحزح) لازم ومتعدّ، يقال: زحزحته، فتزحزح، وزحزحته: فزحزح، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ، [قرأ يعقوب بالتاء والباقون بالياء] [٥].
[سورة البقرة (٢) : آية ٩٧]
قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ.
ع «٧٠» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ حِبْرًا مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بن صوريا قال
وأخرجه الطبري ١٥٧٠ عن الأعمش عن ابن عباس موقوفا، وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه بين الأعمش وابن عباس، وكرره الطبري ١٥٧٣ بنحوه عن ابن عباس موقوفا، وفيه محمد بن أبي محمد شيخ ابن إسحاق، وهو مجهول.
- وورد من وجه آخر عن ابن عباس موقوفا أخرجه النسائي في «التفسير» (٨١) وأحمد ١/ ٢٤٨ ورجال النسائي ثقات والإسناد متصل.
وانظر ما قاله الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ١٦٧) و «الفتح» (٨/ ٧٢٤) وخلاصة القول أنه لم يصح مرفوعا، وإنما هو من كلام ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. والله أعلم، وانظر «تفسير الكشاف» (٤٤) بتخريجي، والله الموفق.
٧٠- ع لم أجده مسندا بهذا التمام. ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٤١) عن ابن عباس بدون إسناد، وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ١٦٩) بعد أن زاد نسبته للثعلبي: ولم أقف له على سند، ولعله من تفسير الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابن عباس اهـ.
وهذه إشارة إلى وهن الخبر فإن الكلبي متهم كما تقدم. ولبعضه شاهد عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ ابن عباس، أخرجه الطبري ١٦٠٨ وإسناده لين، وكرره ١٦٠٩ عن شهر بن حوشب مرسلا، وهو أرجح من الموصول.
(١) في المخطوط «أضافها» بدل و «أضاف العمل».
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «قال».
(٤) في المطبوع «يبعده».
(٥) زيد في المطبوع دون المخطوط وط-.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: قَالَتِ الْيَهُودُ إِنَّ جِبْرِيلَ عدوّنا لأنه أمر أن يجعل النُّبُوَّةِ فِينَا فَجَعَلَهَا فِي غَيْرِنَا.
ع «٧١» وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ: كَانَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْضٌ بِأَعْلَى الْمَدِينَةِ، وَمَمَرُّهَا على مدراس الْيَهُودِ، فَكَانَ إِذَا أَتَى أَرْضَهُ يأتيهم ويسمع منهم، فَقَالُوا لَهُ: مَا فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْكَ، إِنَّهُمْ يمرّون بنا [١] فَيُؤْذُونَنَا وَأَنْتَ لَا تُؤْذِينَا وَإِنَّا لِنَطْمَعُ فِيكَ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا آتِيكُمْ لِحُبِّكُمْ وَلَا أَسْأَلُكُمْ لِأَنِّي شَاكٌّ فِي دِينِي وَإِنَّمَا أَدْخُلُ عَلَيْكُمْ لِأَزْدَادَ بَصِيرَةً فِي أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرَى آثَارَهُ فِي كِتَابِكُمْ [وَأَنْتُمْ تَكْتُمُونَهَا] [٢]، فَقَالُوا: مَنْ صَاحِبُ مُحَمَّدٍ الَّذِي يَأْتِيهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ؟ قال: جبريل، فقالوا: ذاك عدوّنا يطلع محمدا على سرّنا، وَهُوَ صَاحِبُ كُلِّ عَذَابٍ وَخَسْفٍ وَسَنَةٍ وَشِدَّةٍ، وَإِنَّ مِيكَائِيلَ إِذَا جاء، جاء بالخصب والسلم، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: تَعْرِفُونَ جِبْرِيلَ وَتُنْكِرُونَ مُحَمَّدًا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَأَخْبِرُونِي عَنْ مَنْزِلَةِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالُوا: جِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ يساره، وميكائيل عدو لجبريل، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَهُوَ عَدُوٌّ لِمِيكَائِيلَ، وَمَنْ كَانَ عَدُوًّا لِمِيكَائِيلَ فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لِجِبْرِيلَ، وَمَنْ كَانَ عَدُوًّا لَهُمَا كَانَ اللَّهُ عَدُوًّا لَهُ، ثُمَّ رَجَعَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ جِبْرِيلَ قَدْ سَبَقَهُ بِالْوَحْيِ فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيات، فَقَالَ: «لَقَدْ وَافَقَكَ رَبُّكَ يَا عُمَرُ»، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي بَعْدَ ذَلِكَ فِي دِينِ اللَّهِ أَصْلَبَ مِنَ الْحَجَرِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ، فَإِنَّهُ، يَعْنِي: جِبْرِيلَ، نَزَّلَهُ، يَعْنِي:
الْقُرْآنَ، كِنَايَةً عَنْ [٣] غَيْرِ مَذْكُورٍ، عَلى قَلْبِكَ: يَا مُحَمَّدُ بِإِذْنِ اللَّهِ: بِأَمْرِ اللَّهِ مُصَدِّقاً: مُوَافِقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ: لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ، وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ، قوله عزّ وجلّ:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٩٨ الى ١٠٠]
مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (٩٨) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (٩٩) أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠٠)
- وأخرجه الواحدي في «الأسباب» (٤٠) والطبري ١٦١١ و١٦١٢ عن الشعبي عن عمر، وهذا منقطع الشعبي لم يلق عمر.
وهذه المراسيل لعلها تتأيد بمجموعها، اللهم إن لم يكن أخذ بعضهم عن بعض، فعند ذلك لا تتقوى لاتحاد مخارجها.
وأرجح شيء في هذا الباب ما أخرجه الطبري ١٦٠٨ و١٦٠٩ وهو أمثل شيء في الباب، فانظره، والله أعلم.
(١) في المطبوع «بها» وفي المخطوط «علينا» والمثبت عن الطبري.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المخطوط «من». [.....]
٦٨]، خَصَّ النَّخْلَ وَالرُّمَّانَ بِالذِّكْرِ مَعَ دُخُولِهِمَا فِي ذِكْرِ الفاكهة، [للتفضيل] [١]، وَالْوَاوُ فِيهِمَا بِمَعْنَى «أَوْ»، يَعْنِي: مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِأَحَدِ هَؤُلَاءِ [فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لِلْكُلِّ] [٢]، لِأَنَّ الْكَافِرَ بِالْوَاحِدِ كَافِرٌ بِالْكُلِّ، فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ، قَالَ عِكْرِمَةُ: جِبْرُ وميك [٣] وإسراف هنّ [٤] العبد بالسريانية، قال [٥] وَإِيلُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَعْنَاهُمَا: عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ «جَبْرِيلَ» بِفَتْحِ الْجِيمِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ، بِوَزْنِ فَعْلِيلَ، قَالَ حَسَّانٌ:
وَجَبْرِيلٌ رَسُولُ اللَّهِ فِينَا | وَرُوحُ الْقُدْسِ [٦] لَيْسَ لَهُ كَفَاءُ |
عَبَدُوا الصَّلِيبَ وَكَذَّبُوا بمحمد | وبجبرائيل وَكَذَّبُوا مِيكَالَا |
وَيَوْمَ بَدْرٍ لَقِينَاكُمْ لَنَا مَدَدٌ | فِيهِ مع نصر جبريل وميكال |
وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ: وواضحات مُفَصَّلَاتٍ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ، وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ: الْخَارِجُونَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وجلّ.
أَوَكُلَّما، وَاوُ الْعَطْفِ دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ، عاهَدُوا عَهْداً، يَعْنِي: الْيَهُودَ عَاهَدُوا: لَئِنْ خَرَجَ مُحَمَّدٌ صلّى الله عليه وسلّم ليؤمنن [١١] به، فلما خرج [إليهم مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [١٢] كَفَرُوا بِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمَّا ذَكَّرَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [مِنَ الْمِيثَاقِ] [١٣] وَعُهِدَ إِلَيْهِمْ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ، قَالَ مَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ: وَاللَّهِ مَا عُهِدَ إلينا عهدا في محمد، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ أَبِي رَجَاءٍ العطاردي «أو كلما عوهدوا» فَجَعَلَهُمْ مَفْعُولَيْنِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: هِيَ الْعُهُودُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْيَهُودِ: أَنْ لَا يُعَاوِنُوا الْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِهِ، فَنَقَضُوهَا كَفِعْلِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ [الْأَنْفَالِ: ٥٦]، نَبَذَهُ: طَرَحَهُ ونقضه فَرِيقٌ: طوائف مِنْهُمْ، من الْيَهُودُ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ.
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) في المطبوع «جبير وميت».
(٤) في المطبوع «هي».
(٥) في المطبوع «وآل».
(٦) في المطبوع «القديس».
(٧) وقع في الأصل «بالهمة» والتصويب من النسخة «م».
(٨) سقط في المخطوط.
(٩) في المطبوع «ميكاعل» وفي- ط- «ميفاعل».
(١٠) زيادة عن المخطوط.
(١١) في المطبوع «لتؤمنن».
(١٢) زيد في المطبوع وحده.
(١٣) سقط من المخطوط.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٠١ الى ١٠٢]
وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١) وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢)وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يَعْنِي: مُحَمَّدًا مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ، يَعْنِي: التَّوْرَاةَ، وَقِيلَ: الْقُرْآنَ، كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، قَالَ الشعبي: كانوا يقرؤون التَّوْرَاةَ وَلَا يَعْمَلُونَ بِهَا، وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: أَدْرَجُوهَا فِي الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَحَلَّوْهَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهَا، فَذَلِكَ نَبْذُهُمْ.
وَاتَّبَعُوا، يعني اليهود ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ، أَيْ: مَا تَلَتْ، وَالْعَرَبُ تَضَعُ الْمُسْتَقْبَلَ مَوْضِعَ الْمَاضِي، وَالْمَاضِي موضع المستقبل، وقيل: ما كانت تَتْلُو، أَيْ: تَقْرَأُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَتَّبِعُ وَتَعْمَلُ بِهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: تَحَدَّثُ وتتكلم بِهِ، عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ، أَيْ: فِي مُلْكِهِ وَعَهْدِهِ، وَقِصَّةُ الْآيَةِ:
أَنَّ الشَّيَاطِينَ كَتَبُوا السِّحْرَ وَالنِّيرَنْجِيَّاتِ عَلَى لِسَانِ آصَفَ بْنِ بَرْخِيَا: هَذَا مَا عَلَّمَ آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا سُلَيْمَانَ الْمَلِكَ، ثُمَّ دَفَنُوهَا تَحْتَ مُصَلَّاهُ حَتَّى نَزَعَ اللَّهُ الْمُلْكَ عَنْهُ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِذَلِكَ سُلَيْمَانُ، فَلَمَّا مَاتَ اسْتَخْرَجُوهَا وَقَالُوا للناس: إنما ملككم [١] سليمان بها [٢] فتعلّموها، فَأَمَّا عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَصُلَحَاؤُهُمْ فَقَالُوا:
مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ هذا من علم سليمان، وَأَمَّا السَّفِلَةُ فَقَالُوا: هَذَا عِلْمُ سُلَيْمَانَ وَأَقْبَلُوا عَلَى تَعَلُّمِهِ، وَرَفَضُوا كُتُبَ أَنْبِيَائِهِمْ وَفَشَتِ الْمَلَامَةُ [عَلَى] سُلَيْمَانَ [٣]، فَلَمْ يَزَلْ هَذَا حَالُهُمْ [وَفِعْلُهُمْ] [٤] حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ بَرَاءَةَ سُلَيْمَانَ، هَذَا قَوْلُ الْكَلْبِيِّ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَتِ الشَّيَاطِينُ تصعد إلى السماء، فيستمعون [٥] كَلَامَ الْمَلَائِكَةِ فِيمَا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ مِنْ مَوْتٍ وَغَيْرِهِ، فَيَأْتُونَ الكهنة ويخلطون بما سمعوا فِي كُلِّ كَلِمَةٍ سَبْعِينَ كِذْبَةً ويخبرونهم بها، فاكتتب الناس ذَلِكَ وَفَشَا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أن الجنّ تعلم الْغَيْبَ، فَبَعَثَ سُلَيْمَانُ فِي النَّاسِ، وَجَمَعَ تِلْكَ الْكُتُبَ وَجَعَلَهَا فِي صُنْدُوقٍ وَدَفَنَهُ تَحْتَ كُرْسِيِّهِ، وَقَالَ: لَا أَسْمَعُ أَحَدًا يَقُولُ، إِنَّ الشياطين تعلم [٦] الْغَيْبَ إِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ وَذَهَبَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَمْرَ سُلَيْمَانَ وَدَفَنَةُ الْكُتُبِ، وَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ تَمَثَّلَ الشَّيْطَانُ عَلَى صُورَةِ إِنْسَانٍ فَأَتَى نَفَرًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزٍ لَا تَأْكُلُونَهُ أَبَدًا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قال: فاحفروا تحت الكرسي وذهب معهم فأراهم المكان، وقام ناحية فقالوا: ادن، قال: لا ولكني [٧] هاهنا، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوهُ فَاقْتُلُونِي وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ يَدْنُو مِنَ الْكُرْسِيِّ إِلَّا احترق، فحفروا وأخرجوا تلك
(٢) في المطبوع «بهذا».
(٣) في المطبوع وحده «لسليمان».
(٤) زيادة عن المخطوط، وط-.
(٥) في المخطوط «فيسمعون» والمثبت عن المطبوع والطبري ١٦٤٩.
(٦) في المطبوع «الشيطان يعلم» والمثبت عن المخطوط والطبري.
(٧) في المطبوع «ولكن».
الْعِلْمُ وَالْحِذْقُ بِالشَّيْءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ [الزُّخْرُفِ: ٤٩]، أَيِ: الْعَالِمُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ السِّحْرَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّمْوِيهِ وَالتَّخْيِيلِ، وَالسِّحْرُ وُجُودُهُ حَقِيقَةً عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأُمَمِ، وَلَكِنَّ الْعَمَلَ بِهِ كُفْرٌ، حُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: السِّحْرُ يُخَيِّلُ وَيُمْرِضُ وَقَدْ يَقْتُلُ، حَتَّى أَوْجَبَ الْقِصَاصَ عَلَى مَنْ قَتَلَ بِهِ، فَهُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ يَتَلَقَّاهُ السَّاحِرُ مِنْهُ بِتَعْلِيمِهِ إِيَّاهُ، فَإِذَا تَلَقَّاهُ منه بتعليمه إياه اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي قَلْبِ الْأَعْيَانِ فَيَجْعَلُ الْآدَمِيَّ عَلَى صُورَةِ الْحِمَارِ، وَيَجْعَلُ الْحِمَارَ عَلَى صُورَةِ الْكَلْبِ [٢]، وَالْأَصَحُّ أَنَّ ذَلِكَ تَخْيِيلٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى [طه: ٦٦]، ولكنه يُؤَثِّرُ فِي الْأَبْدَانِ بِالْأَمْرَاضِ وَالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ، وَلِلْكَلَامِ تَأْثِيرٌ فِي الطِّبَاعِ وَالنُّفُوسِ، وَقَدْ يَسْمَعُ الْإِنْسَانُ مَا يَكْرَهُ فَيَحْمَى وَيَغْضَبُ، وَرُبَّمَا يُحَمُّ مِنْهُ، وَقَدْ مَاتَ قَوْمٌ بِكَلَامٍ سَمِعُوهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَوَارِضِ وَالْعِلَلِ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِي الْأَبْدَانِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ، أَيْ: وَيُعَلِّمُونَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ، أَيْ:
إِلْهَامًا وَعِلْمًا، فَالْإِنْزَالُ: بِمَعْنَى الْإِلْهَامِ وَالتَّعْلِيمِ وَقِيلَ: وَاتَّبَعُوا مَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ: «الْمَلِكَيْنِ» بِكَسْرِ اللَّامِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمَا رَجُلَانِ سَاحِرَانِ كَانَا بِبَابِلَ، وَقَالَ الْحَسَنُ:
عِلْجَانِ [٣]، لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يُعَلِّمُونَ السِّحْرَ، وَبَابِلُ هِيَ بَابِلُ الْعِرَاقِ، سُمِّيَتْ بَابِلَ لِتَبَلْبُلِ الْأَلْسِنَةِ بِهَا عِنْدَ سُقُوطِ صَرْحِ نُمْرُودَ، أَيْ: تَفَرُّقِهَا، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: بَابِلُ أَرْضِ الْكُوفَةِ، وَقِيلَ: جَبَلُ دَمَاوَنْدَ [٤]، وَالْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ: عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِالْفَتْحِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ تَعْلِيمُ السِّحْرِ مِنَ الملكين [٥] ؟ قِيلَ: لَهُ تَأْوِيلَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا لَا يَتَعَمَّدَانِ التَّعْلِيمَ لَكِنْ يَصِفَانِ السِّحْرَ، وَيَذْكُرَانِ بُطْلَانَهُ وَيَأْمُرَانِ بِاجْتِنَابِهِ، وَالتَّعْلِيمُ: بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ، فَالشَّقِيُّ يَتْرُكُ نَصِيحَتَهُمَا وَيَتَعَلَّمُ السِّحْرَ مِنْ صَنْعَتِهِمَا، وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَحَنَ النَّاسَ بِالْمَلَكَيْنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَمَنْ شَقِيَ يَتَعَلَّمُ السِّحْرَ مِنْهُمَا [وَيَأْخُذُهُ عَنْهُمَا وَيَعْمَلُ بِهِ] [٦] فَيَكْفُرُ بِهِ، وَمِنْ سَعِدَ يَتْرُكُهُ، فَيَبْقَى عَلَى الْإِيمَانِ، وَيَزْدَادُ الْمُعَلِّمَانِ بِالتَّعْلِيمِ عَذَابًا فَفِيهِ ابْتِلَاءٌ لِلْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ، وَلِلَّهِ أَنْ يَمْتَحِنَ عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ فَلَهُ الْأَمْرُ وَالْحُكْمُ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: هارُوتَ وَمارُوتَ: هما اسْمَانِ سُرْيَانِيَّانِ وَهُمَا فِي مَحَلِّ الْخَفْضِ عَلَى تَفْسِيرِ الْمَلَكَيْنِ إِلَّا أنهما نصبا لعجمتهما
(٢) هذا قول باطل ليس بشيء. والصواب كما قال المصنف: هو تخييل.
(٣) العلج: الرجل من كفّار العجم- ومعنى الكافر: الزارع كما في «القاموس».
(٤) في المخطوط «دبناوند».
(٥) في المطبوع «الملئكة».
(٦) سقط من المطبوع وحده.
ع «٧٢» ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْمُفَسِّرُونَ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ رَأَوْا مَا يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ الخبيثة في
عزاه المصنف لابن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ.
- وورد مرفوعا من وجوه متعددة منها حديث ابن عمر أخرجه الطبري ١٦٩١ وابن الجوزي في «الموضوعات» (١/ ٨٦) والذهبي في «الميزان» (٣٥٦٧) من طريق سنيد بن داود عن فرج بن فضالة، عن معاوية بن صالح عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا، وهذا إسناد ساقط. قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، والفرج بن فضالة قد ضعفه يحيى، وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد، ويلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة، وأما سنيد، فقد ضعفه أبو داود، وقال النسائي:
ليس بثقة اهـ. وقد استغربه ابن كثير في «تفسيره» (١/ ١٤٣) جدا.
- وورد من وجه آخر أخرجه أحمد ٢/ ١٣٤ والبزاز (٢٩٣٨) «كشف» وابن حبان ٦١٨٦ والبيهقي ١/ ٤- ٥ كلهم من طريق يحيى بن أبي بكير عن زهير بن محمد عن موسى بن جبير، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا بنحوه وأتم، وهذا إسناد ساقط، زهير بن محمد مختلف فيه، وقد ضعفه غير واحد، واتفقوا على أنه روى مناكير، والظاهر أن هذا منها، فقد خالفه موسى بن عقبة، وهو أوثق منه وأحفظ، فجعله عن ابن عمر عن كعب الأحبار. كذا أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» (٩٧) وعنه الطبري ١٦٨٧ كلاهما عن الثوري، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر، عن كعب الأحبار، وهذا إسناد كالشمس، لا غبار عليه البتة.
وكرره الطبريّ ١٦٨٨ عن عبد العزيز بن مختار، عن موسى به، وقد قدح في رفع الحديث البزار والبيهقي وغيرهما.
قال البزار عقب الحديث: رواه بعضهم عن نافع، عن ابن عمر موقوفا، وإنما أتى رفع هذا عندي من زهير لأن لم يكن بالحافظ.
وكذا ذكر البيهقي، وهو الذي اختاره ابن كثير في «تفسيره» (١/ ١٤٣) والعجب أن البيهقي أخرجه في «الشعب» (١٦٣) عن موسى بن جبير، عن موسى بن عقبة به مرفوعا، لكن فيه محمد بن يونس الكديمي، وهو متروك كذاب، والحمل عليه في هذا الحديث.
ثم كرره البيهقي ١٦٤ عن ابن عمر، عن كعب الأحبار، وصوّبه.
- وورد حديث ابن عمر من وجه آخر. أخرجه ابن مردويه كما في «تفسير ابن كثير» (١/ ١٤٣) وإسناده ساقط فيه موسى بن سرجس، وهو مجهول، وفيه هشام بن علي بن هشام، وثقه ابن حبان وحده على قاعدته في توثيق المجاهيل، وسعيد بن سلمة، وإن روى له مسلم فقد ضعفه النسائي، وجهله ابن معين.
- ولحديث ابن عمر شاهد من حديث علي أخرجه ابن الجوزي في «الموضوعات» (١/ ١٨٥- ١٨٦) وقال: موضوع والمتهم به مغيث. قال الأزدي خبيث كذاب.
- وبهذا الإسناد أخرجه ابن مردويه كما في «تفسير ابن كثير» (١/ ١٤٣) وكرره ابن مردويه من وجه آخر، وفيه جابر الجعفي، وهو متروك، وقد كذبه أبو حنيفة رحمه الله.
قال الحافظ ابن كثير: لا يصح، وهو منكر جدا.
- وقد جاء موقوفا ومقطوعا، فقد أخرجه الطبري ١٦٨٤ عن ابن عباس، وفيه أبو شعبة العدوي، وهو مجهول، وكرره الطبري ١٦٨٥ عن ابن مسعود وابن عباس، وفيه علي بن زيد ضعيف روى مناكير.
- وكرره برقم ١٦٨٦ عن علي، وقد استغربه ابن كثير ١/ ١٤٣ جدا، وأعله ابن حزم في «الملل» بعمير بن سعيد واتهمه بهذا الحديث، وأنه كذب.
- وكرره الطبري ١٦٨٧ عن ابن عمر، عن كعب الأحبار، بإسناد كالشمس وقد تقدم.
وكرره ١٦٨٩ عن السدي قوله و١٦٩٠ عن الربيع قوله و١٦٩٢ عن مجاهد قوله، وهو الراجح.
فهو باطل مرفوعا، وإنما هو عن كعب الأحبار، وعنه أخذه مجاهد وغيره، ولا أصل له في المرفوع، ولهذا لم يروه البغوي مرفوعا، وقد قدح بصحته ابن العربي في «أحكام القرآن» حيث قال: إنما سقنا هذا الخبر لأن العلماء رووه ودونوه، وتحقيق القول أنه لم يصح سنده.
أورده القرطبي أيضا في «تفسيره» (٢/ ٥٢) حيث قال: هذا كله ضعيف، وبعيد عن ابن عمر وغيره لا يصح منه شيء اهـ. باختصار.
وانظر «أحكام القرآن» لابن العربي بتخريجي رقم (٣١) و «تفسير الشوكاني» (٢٠٠) بتخريجي، والله الموفق.
الخلاصة: هو حديث باطل لا أصل له، والظاهر أنه من أساطير الإسرائيليين وافتراءاتهم، ومصدره كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وغيرهما ممن يروي الإسرائيليات.
جَاءَتْهُمَا امْرَأَةٌ من أحسن الناس [وجها] [٦] تخاصم زوجا لها، فَقَالَ أَحَدُهَمَا لِلْآخَرِ: هَلْ سَقَطَ فِي نَفْسِكَ مِثْلُ الَّذِي سَقَطَ فِي نَفْسِي [مِنْ حُبِّ هَذِهِ] [٧] ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: وَهَلْ لَكَ أَنْ تَقْضِيَ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا؟ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: أَمَا تَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعَذَابِ؟ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: أَمَا تَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا فَقَالَتْ: لا إلا أن تقضيا لي على زوجي، فقضيا لها ثُمَّ سَأَلَاهَا نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: لَا إِلَّا أَنْ تَقْتُلَاهُ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَمَا تَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعَذَابِ؟ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: أَمَا تَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، فَقَتَلَاهُ ثُمَّ سَأَلَاهَا [٨] نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: لَا إلّا إِنَّ لِي [٩] صَنَمًا أَعْبُدُهُ [١٠] إِنْ أنتما صلّيتما معي له [١١]
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «عزرائيل».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «استقبل».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) في المطبوع «سألاهم».
(٩) في المطبوع «لنا».
(١٠) في المطبوع «تعبده».
(١١) في المطبوع «عنده».
وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ عَذَابِهِمَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: هُمَا مُعَلَّقَانِ بِشُعُورِهِمَا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ.
وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: رؤوسهما منصوبة تَحْتَ أَجْنِحَتِهِمَا، وَقَالَ قَتَادَةُ: كُبِّلَا مِنْ أَقْدَامِهِمَا إِلَى أُصُولِ أَفْخَاذِهِمَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: جُعِلَا فِي جُبٍّ ملئ نارا.
قال عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ: مَنْكُوسَانِ يُضْرَبَانِ بسياط الْحَدِيدِ.
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَصَدَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ لِتَعَلُّمِ السِّحْرِ فَوَجَدَهُمَا مُعَلَّقَيْنِ بِأَرْجُلِهِمَا مُزْرَقَّةً أَعْيُنُهُمَا مُسْوَدَّةً جُلُودُهُمَا، لَيْسَ بَيْنَ أَلْسِنَتِهِمَا وَبَيْنَ الْمَاءِ إِلَّا أَرْبَعُ أَصَابِعَ، وَهُمَا يُعَذَّبَانِ بِالْعَطَشِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ هَالَهُ مَكَانُهُمَا، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَلَمَّا سُمِعَا كَلَامَهُ قَالَا لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ، قَالَا:
مِنْ أَيِّ أُمَّةٍ [أَنْتَ] ؟ قَالَ: مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، قالا: أو قد بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَا: الْحَمْدُ لله وأظهرا الاستبشار، فقال الرجل: وبم استبشاركما؟ قال: إِنَّهُ نَبِيُّ السَّاعَةِ وَقَدْ دَنَا انقضاء عذابنا. وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ، أَيْ: أحدا ومِنْ صلة حَتَّى: ينصحاه أولا، يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ: ابْتِلَاءٌ ومحنة، فَلا تَكْفُرْ، أي: فلا تَتَعَلَّمِ السِّحْرَ فَتَعْمَلَ بِهِ فَتَكْفُرَ، وَأَصْلُ الْفِتْنَةِ: الِاخْتِبَارُ وَالِامْتِحَانُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: فَتَنْتُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، إِذَا أَذَبْتُهُمَا بِالنَّارِ لِيَتَمَيَّزَ الْجَيِّدُ مِنَ الرَّدِيءِ، وَإِنَّمَا وَحَّدَ الْفِتْنَةَ وَهُمَا اثْنَانِ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ مَصْدَرٌ، وَالْمَصَادِرُ لَا تُثَنَّى وَلَا تُجْمَعُ، وَقِيلَ: إِنَّهُمَا يَقُولَانِ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، قَالَ عَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ: فَإِنْ أَبَى إِلَّا التَّعَلُّمَ قَالَا لَهُ: ائْتِ هَذَا الرماد فبل عَلَيْهِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ نُورٌ سَاطِعٌ فِي [٩] السَّمَاءِ، فَذَلِكَ نُورُ الْمَعْرِفَةِ، وَيَنْزِلُ شَيْءٌ أَسْوَدُ شِبْهُ الدُّخَانِ حَتَّى يَدْخُلَ مَسَامِعَهُ، وَذَلِكَ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنْ هَارُوتَ وَمَارُوتَ لَا يَصِلُ إِلَيْهِمَا أَحَدٌ وَيَخْتَلِفُ [فِيمَا] [١٠] بَيْنَهُمَا شَيْطَانٌ في كل مسألة
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «الأكبر».
(٤) سقط من المطبوع. [.....]
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في المطبوع «العبادات».
(٨) في المطبوع «فاستشفع».
(٩) في المخطوط «إلى».
(١٠) زيد في نسخ المطبوع.
الشَّيَاطِينُ، بِضارِّينَ بِهِ، أَيْ: بِالسِّحْرِ مِنْ أَحَدٍ، أَيْ: أَحَدًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، أَيْ: بِعِلْمِهِ وَتَكْوِينِهِ، فَالسَّاحِرُ يَسْحَرُ وَاللَّهُ يُكَوِّنُ، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَعْنَاهُ إِلَّا بِقَضَائِهِ وقدره وَمَشِيئَتِهِ، وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ، يَعْنِي: السِّحْرَ يَضُرُّهُمْ، وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا، يَعْنِي: الْيَهُودَ، لَمَنِ اشْتَراهُ، أَيِ: اخْتَارَ السِّحْرَ، مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، أي: في الجنة، مِنْ خَلاقٍ مِنْ نَصِيبٍ، وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ: بَاعُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، حَظَّ أنفسهم حيث اختاروا السحر وَالْكُفْرَ عَلَى الدِّينِ وَالْحَقِّ، لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ بعد ما أَخْبَرَ أَنَّهُمْ عَلِمُوا؟ قِيلَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَلَقَدْ عَلِمُوا، يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ، وَقَوْلُهُ:
لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ، يَعْنِي: الْيَهُودَ، وَقِيلَ: كِلَاهُمَا فِي الْيَهُودِ لَكِنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَعْلَمُوا بِمَا علموا، فكأنهم لم يعلموا.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٤]
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤)
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَاتَّقَوْا: الْيَهُودِيَّةَ وَالسِّحْرَ، لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ: لَكَانَ ثَوَابُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ خَيْرًا لَهُمْ، لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا راعِنا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: رَاعِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنَ الْمُرَاعَاةِ، أَيْ: أَرْعِنَا سَمْعَكَ، أَيْ: فَرِّغْ سمعك لكل منّا، يقال: أرعى إلى [٢] الشيء وأرعاه، أَيْ: أَصْغَى إِلَيْهِ وَاسْتَمَعَهُ، وَكَانَتْ هذه اللفظة سبا قَبِيحًا بِلُغَةِ الْيَهُودِ، وَقِيلَ: كَانَ مَعْنَاهَا عِنْدَهُمُ: اسْمَعْ لَا سَمِعْتَ، وقيل: هي من الرعونة، كانوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُحَمِّقُوا إِنْسَانًا قالوا [له] : راعنا، يعني [٣] : يَا أَحْمَقُ فَلَمَّا سَمِعَ الْيَهُودُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: كُنَّا نَسُبُّ مُحَمَّدًا سِرًّا فَأَعْلِنُوا بِهِ الْآنَ، فَكَانُوا يَأْتُونَهُ وَيَقُولُونَ: رَاعِنَا يَا مُحَمَّدُ وَيَضْحَكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَسَمِعَهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَفَطِنَ لَهَا وَكَانَ يَعْرِفُ لُغَتَهُمْ، فَقَالَ لِلْيَهُودِ: لَئِنْ سمعتها من أحد منكم يقولها لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأضربنّ عنقه، فقالوا:
أو لستم تَقُولُونَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا تَقُولُوا راعِنا لكيلا يَجِدَ الْيَهُودُ بِذَلِكَ سَبِيلًا إِلَى شَتْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُولُوا انْظُرْنا، أَيِ: انْظُرْ إِلَيْنَا، وَقِيلَ: انْتَظِرْنَا وَتَأَنَّ بِنَا، يُقَالُ نَظَرْتُ فُلَانًا وَانْتَظَرْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الْحَدِيدِ: ١٣]، قَالَ مُجَاهِدٌ: معناها [٤] فهمنا، وَاسْمَعُوا: مَا تُؤْمَرُونَ بِهِ وَأَطِيعُوا، وَلِلْكافِرِينَ، يَعْنِي: الْيَهُودَ، عَذابٌ أَلِيمٌ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٠٥ الى ١٠٦]
مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥) مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا إِذَا قَالُوا لِحُلَفَائِهِمْ
(٢) في المطبوع وحده «الله».
(٣) في المطبوع «بمعنى».
(٤) في المطبوع وحده «معناه».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا إِنَّ مُحَمَّدًا يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِأَمْرٍ ثُمَّ يَنْهَاهُمْ عنه، ويأمر بخلاف ما يقوله، [فما يَقُولُهُ] [٦] [إِلَّا] مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، يَقُولُ الْيَوْمَ قَوْلًا وَيَرْجِعُ عَنْهُ غَدًا، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ [النحل: ١٠١]، قالوا إنما أنت مفتر، فأنزل مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها، فبيّن وجه الحكمة في النَّسْخِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَالنَّسْخُ فِي اللُّغَةِ شَيْئَانِ، أَحَدُهُمَا: بِمَعْنَى التَّحْوِيلِ وَالنَّقْلِ، وَمِنْهُ نَسْخُ الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّ يُحَوَّلَ مِنْ كِتَابٍ إِلَى كِتَابٍ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ كُلُّ الْقُرْآنِ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ نُسِخَ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَالثَّانِي: يَكُونُ بِمَعْنَى الرَّفْعِ، يُقَالُ: نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ، أَيْ: ذَهَبَتْ بِهِ وَأَبْطَلَتْهُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ بَعْضُ الْقُرْآنِ نَاسِخًا وَبَعْضُهُ مَنْسُوخًا، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ، وَهَذَا عَلَى وُجُوهٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يَثْبُتَ الْخَطُّ وَيُنْسَخَ الْحُكْمُ، مِثْلَ آيَةِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ، وَآيَةِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِالْحَوْلِ، وَآيَةِ التَّخْفِيفِ فِي الْقِتَالِ، وَآيَةِ الْمُمْتَحِنَةِ، وَنَحْوِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ: مَا نُثْبِتُ خَطَّهَا وَنُبَدِّلُ حُكْمَهَا وَمِنْهَا: أَنْ يرفع تِلَاوَتُهَا وَيَبْقَى حُكْمُهَا، مِثْلَ آيَةِ الرجم، ومنها أن يرفع أَصْلًا عَنِ الْمُصْحَفِ وَعَنِ الْقُلُوبِ، كما:
ع «٧٣» رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قاموا ليلة ليقرؤوا سُورَةً فَلَمْ يَذْكُرُوا مِنْهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَغَدَوْا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تِلْكَ سورة رفعت بتلاوتها وَأَحْكَامُهَا»، وَقِيلَ: كَانَتْ سُورَةُ الْأَحْزَابِ مِثْلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَرُفِعَ أَكْثَرُهَا تِلَاوَةً وَحُكْمًا، ثُمَّ مِنْ نَسْخِ الْحُكْمِ مَا يُرْفَعُ وَيُقَامُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، كَمَا أَنَّ الْقِبْلَةَ نُسِخَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْأَقَارِبِ نُسِخَتْ بِالْمِيرَاثِ، وَعِدَّةُ الوفاء نُسِخَتْ مِنَ الْحَوْلِ إِلَى أَرْبَعَةِ أشهر وعشر،
وفي إسناده عبد الله بن صالح روى مناكير كثيرة بسبب جار له كان يدس في كتبه، وله علة ثانية: أبو أمامة هذا له رؤية، ولم يسمع مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم كما في «التقريب».
(١) زيد في المطبوع وحده.
(٢) في المطبوع «ما يجب» وهو تصحيف ظاهر.
(٣) زيد في المخطوط وط- هاهنا «فنزلت الآية» والصواب أنه في آخر القول. [.....]
(٤) في المطبوع وحده بتفضيحهم.
(٥) في المخطوط تقدم مكان العبارة.
(٦) سقط من نسخ المطبوع.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٠٧ الى ١٠٨]
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٠٧) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٠٨)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ: يَا مَعْشَرَ الْكُفَّارِ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ، مِنْ دُونِ اللَّهِ: مِمَّا سِوَى اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ: قَرِيبٍ وَصَدِيقٍ، وَقِيلَ: [مِنْ] [٨] وَالٍ، وَهُوَ الْقَيِّمُ بِالْأُمُورِ، وَلا نَصِيرٍ: نَاصِرٍ يَمْنَعُكُمْ مِنَ الْعَذَابِ.
قَوْلُهُ: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ، نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ حِينَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ ائْتِنَا بِكِتَابٍ من السماء جملة [واحدة] [٩] كَمَا أَتَى مُوسَى بِالتَّوْرَاةِ، فَقَالَ تَعَالَى: أَمْ تُرِيدُونَ، يَعْنِي: أَتُرِيدُونَ، فَالْمِيمُ صِلَةٌ، وَقِيلَ: بَلْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ، سَأَلَهُ قَوْمُهُ [فقالوا] [١٠] أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء: ١٥٣]، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا، كَمَا أَنَّ مُوسَى سَأَلَهُ قَوْمُهُ فَقَالُوا: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً، فَفِيهِ مَنْعُهُمْ عَنِ السؤالات المقترحة بَعْدَ ظُهُورِ الدَّلَائِلِ وَالْبَرَاهِينِ. وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ: يَسْتَبْدِلُ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ: أَخَطْأَ وَسَطَ الطَّرِيقِ، وَقِيلَ: قَصْدَ السبيل.
(٢) في المطبوع «يعترض».
(٣) في المطبوع «ترفعا».
(٤) في المطبوع «عاصم».
(٥) في المطبوع «في المنسوخ».
(٦) في المخطوط «نثبتها على».
(٧) في نسخ المطبوع «الأول».
(٨) سقط من المطبوع وحده.
(٩) زيادة عن المخطوط.
(١٠) زيادة عن المخطوط.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٠٩ الى ١١٠]
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٠)قَوْلُهُ تَعَالَى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، الآية.
ع «٧٤» نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ، قَالُوا لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ: لَوْ كُنْتُمْ عَلَى الْحَقِّ مَا هُزِمْتُمْ فَارْجِعَا إِلَى دِينِنَا فَنَحْنُ أَهْدَى سَبِيلًا مِنْكُمْ، فَقَالَ لَهُمْ عَمَّارٌ: كَيْفَ نَقْضُ الْعَهْدِ فِيكُمْ؟ قالوا:
شديدا، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ عَاهَدْتُ أَنْ لَا أَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عِشْتُ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: أَمَّا هَذَا فَقَدَ صَبَأَ، وَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَمَّا أَنَا فَقَدَ رضيت بالله تعالى رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِالْمُؤْمِنِينَ إِخْوَانًا، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَصَبْتُمَا الْخَيْرَ وَأَفْلَحْتُمَا»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، أَيْ: تَمَنَّى وَأَرَادَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ: لَوْ يَرُدُّونَكُمْ، يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً، نَصْبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: يَحْسُدُونَكُمْ حَسَدًا، مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، أَيْ: مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَأْمُرْهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ، مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ، فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِدْقٌ وَدِينُهُ حَقٌّ، فَاعْفُوا: فَاتْرُكُوا وَاصْفَحُوا، وَتَجَاوَزُوا، فَالْعَفْوُ: الْمَحْوُ، وَالصَّفْحُ: الْإِعْرَاضُ، وَكَانَ هَذَا قَبْلَ آيَةِ الْقِتَالِ، حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، بِعَذَابِهِ الْقَتْلُ وَالسَّبْيُ لِبَنِي قُرَيْظَةَ وَالْجَلَاءُ وَالنَّفْيُ لِبَنِي النَّضِيرِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ أَمْرُهُ بِقِتَالِهِمْ فِي قَوْلِهِ: قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ إِلَى قَوْلِهِ: وَهُمْ صاغِرُونَ [التَّوْبَةِ: ٢٩]، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: بِعِلْمِهِ وَحُكْمِهِ فِيهِمْ، حَكَمَ لِبَعْضِهِمْ بِالْإِسْلَامِ وَلِبَعْضِهِمْ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَالْجِزْيَةِ، إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا: تُسْلِفُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ: طَاعَةٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ [تجدوا ثوابه عِنْدَ اللَّهِ] [١]، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْخَيْرِ الْمَالَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ تَرَكَ خَيْراً [الْبَقَرَةِ: ١٨٠]، وَأَرَادَ: مِنْ زَكَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ حَتَّى الثَّمَرَةَ وَاللُّقْمَةَ مِثْلَ أُحُدٍ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١١١ الى ١١٣]
وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢) وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣)
وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً، أَيْ: يَهُودِيًّا، قَالَ الْفَرَّاءُ: حَذَفَ الْيَاءَ الزائدة ورجع إلى
(١) سقط من نسخ المطبوع.
بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ، أَيْ: لَيْسَ كَمَا قَالُوا بَلْ الْحُكْمُ لِلْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ، [أَيْ: أَخْلَصَ دِينَهُ لِلَّهِ، وَقِيلَ: أَخْلَصَ عِبَادَتَهُ لِلَّهِ، وَقِيلَ: خَضَعَ وَتَوَاضَعَ لِلَّهِ] [٤]، وَأَصْلُ الْإِسْلَامِ الِاسْتِسْلَامُ وَالْخُضُوعُ، وَخَصَّ الْوَجْهَ لِأَنَّهُ إِذَا جَادَ بِوَجْهِهِ فِي السُّجُودِ لَمْ يَبْخَلْ بِسَائِرِ جَوَارِحِهِ، وَهُوَ مُحْسِنٌ: فِي عَمَلِهِ، وَقِيلَ: مُؤْمِنٌ، وَقِيلَ: مُخْلِصٌ، فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
قَوْلُهُ: وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ، نَزَلَتْ فِي يَهُودِ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى أَهْلِ نَجْرَانَ، وَذَلِكَ أَنَّ وَفْدَ نَجْرَانَ لِمَا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُمْ أَحْبَارُ الْيَهُودِ فَتَنَاظَرُوا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَقَالَتْ لَهُمُ الْيَهُودُ: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ، وَكَفَرُوا بِعِيسَى وَالْإِنْجِيلِ، وَقَالَتْ لَهُمُ النَّصَارَى: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ، وَكَفَرُوا بِمُوسَى وَالتَّوْرَاةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ، وَكِلَا الفريقين يقرؤون الكتاب، وقيل: مَعْنَاهُ لَيْسَ فِي كُتُبِهِمْ [٥] هَذَا الِاخْتِلَافُ، فَدَلَّ تِلَاوَتُهُمُ الْكِتَابَ وَمُخَالَفَتُهُمْ مَا فِيهِ عَلَى كَوْنِهِمْ عَلَى الْبَاطِلِ، كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، يَعْنِي: آبَاءَهُمُ الَّذِينَ مَضَوْا، مِثْلَ قَوْلِهِمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي عَوَامُّ النَّصَارَى، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ، كَذَلِكَ قَالُوا فِي نَبِيِّهِمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: أُمَمٌ كَانَتْ قَبْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، مِثْلَ قَوْمِ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَلُوطٍ وَشُعَيْبٍ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَيْءٍ، فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ: يَقْضِي بَيْنَ الْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ [٦]، فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ: مِنَ الدِّينِ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١١٤ الى ١١٥]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١٤) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥)
قَوْلُهُ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ، الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي طَيْطُوسَ بْنِ إِسْبِيسَبَانُوسَ الرُّومِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ غَزَوْا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَتَلُوا مُقَاتَلِتَهُمْ وَسَبَوْا ذَرَّارِيهِمْ وَحَرَّقُوا التَّوْرَاةَ وَخَرَّبُوا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَقَذَفُوا فِيهِ الْجِيَفَ وَذَبَحُوا فِيهِ الْخَنَازِيرَ، فَكَانَ خَرَابًا إِلَى أَنْ بَنَاهُ الْمُسْلِمُونَ فِي أَيَّامِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: هُوَ بُخْتُنَصَّرُ وَأَصْحَابُهُ غَزَوُا الْيَهُودَ وَخَرَّبُوا بيت المقدس،
٢ زيادة في نسخ المطبوع.
٣ زيادة في نسخ المطبوع.
(٤) زيد في نسخ المطبوع.
(٥) في المخطوط «كتابهم».
(٦) زيد في المخطوط «يوم القيامة».
أَجْهَضُوهُمْ بِالْجِهَادِ حَتَّى لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا خَائِفًا مِنَ الْقَتْلِ أو السبي، أَيْ: مَا يَنْبَغِي، لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ: عَذَابٌ وَهَوَانٌ، قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الْقَتْلُ لِلْحَرْبِيِّ وَالْجِزْيَةُ للذمي، قال مقاتل والكلبي:
يفتح [٥] مدائنهم الثلاث [٦] قُسْطَنْطِينِيَّةُ وَرُومِيَّةُ وَعَمُّورِيَةُ، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ، وهو النَّارُ، وَقَالَ عَطَاءٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ، وَأَرَادَ بِالْمَسَاجِدِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مَنَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ مِنْ حَجِّهِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، [وَإِذَا منعوا من يعمره بذكره فَقَدْ سَعَوْا فِي خَرَابِهِ] [٧]، أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ، يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ، يَقُولُ أَفْتَحُهَا عَلَيْكُمْ حَتَّى تَدْخُلُوهَا وَتَكُونُوا أَوْلَى بِهَا مِنْهُمْ، فَفَتَحَهَا عليهم.
ع «٧٥» وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي: «أَلَا لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مُشْرِكٌ»، فَهَذَا خَوْفُهُمْ، وَثَبَتَ فِي الشَّرْعِ أَنْ لَا يُمَكَّنَ مُشْرِكٌ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ، لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ الذُّلُّ وَالْهَوَانُ وَالْقَتْلُ وَالسَّبْيُ والنفي.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ع ٧»
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: خَرَجَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ قَبْلَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَصَابَهُمُ الضَّبَابُ وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَتَحَرَّوُا الْقِبْلَةَ وَصَلَّوْا، فَلَمَّا ذَهَبَ الضَّبَابُ اسْتَبَانَ لَهُمْ
٧٦- ع أخرجه ابن مردويه من حديث الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابن عباس بنحوه كما في «تفسير ابن كثير» (١/ ١٦٤).
وإسناده ساقط لأجل الكلبي وورد بنحوه أخرجه الترمذي ٣٤٥ وابن ماجه ١٠٢٠ والطيالسي ١١٤٥ والدارقطني (١/ ٢٧٢) وأبو نعيم (١/ ١٧٩) والطبري (١٨٤٣) و (١٨٤٥) والبيهقي (٢/ ١١) من حديث عامر بن ربيعة وفيه أشعث بن سعيد، وبه أعلّه الترمذي، وتوبع عند الطيالسي، وإنما علته عاصم بن عبيد الله، وهو واه.
- وورد من حديث جابر أخرجه الدارقطني (١/ ٧٢) والحاكم (١/ ٢٠٦) والبيهقي (٢/ ١٠ و١٢) وإسناده ضعيف لضعف أبي سهل.
- وورد من طرق ضعيفة تبلغ بالحديث درجة الحسن كما قال الحافظ ابن كثير (١/ ١٦٣) وانظر مزيد الكلام عليه في تفسير ابن كثير وتفسير الشوكاني ٢١١ وكلاهما بتخريجي، والله الموفق.
(١) في المطبوع «ططوس».
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «مستنكرا».
(٤) في المطبوع وحده «سيدى» وفي المخطوط «سدي» وكلاهما خطأ.
(٥) في المطبوع «تفتح». [.....]
(٦) في المطبوع «الثلاثة».
(٧) ما بين المعقوفتين في المطبوع «وإذا مَنَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم من أن يعمره يذكر الله فقد سعوا في خرابهم».
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَزَلَتْ فِي الْمُسَافِرِ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ.
«٧٧» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ [أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ السَّرَخْسِيُّ] [٢]، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ بِهِ.
وقال عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: [لِمَا] [٣] صُرِفَتِ القبلة إلى الكعبة وعيّرت الْيَهُودُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالُوا: لَيْسَتْ لَهُمْ قِبْلَةٌ [مَعْلُومَةٌ] [٤] فَتَارَةً يَسْتَقْبِلُونَ هَكَذَا وَتَارَةً هَكَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ: لِمَا نَزَلَتْ: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غَافِرٍ: ٦٠]، قَالُوا: أَيْنَ نَدْعُوهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [البقرة: ١١٥]، مُلْكًا وَخَلْقًا فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ، يَعْنِي: أَيْنَمَا تُحَوِّلُوا وجوهكم فَثَمَّ، أي: هناك وجه اللَّهِ [٥]، قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَثَمَّ اللَّهُ يعلم ويرى وَجْهُ صِلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [الْقَصَصِ: ٨٨]، أَيْ: إِلَّا هُوَ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: فَثَمَّ قِبْلَةُ اللَّهِ، وَالْوَجْهُ وَالْوُجْهَةُ وَالْجِهَةُ: الْقِبْلَةُ، وَقِيلَ: رِضَا اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ، أَيْ: غَنِيٌّ يُعْطِي مِنَ السِّعَةِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: [الْوَاسِعُ] [٦] : الْجَوَادُ الَّذِي يَسَعُ عَطَاؤُهُ كُلَّ شَيْءٍ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَاسِعُ المغفرة، عَلِيمٌ بنيّاتهم حيث ما صلوا ودعوا.
[سورة البقرة (٢) : آية ١١٦]
وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (١١٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً، قرأ ابن عامر «قالوا» بلا واو، وقرأ الباقون [٧] : وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً نَزَلَتْ فِي يَهُودِ الْمَدِينَةِ حَيْثُ قَالُوا عزيز ابْنُ اللَّهِ، وَفِي نَصَارَى نَجْرَانَ حَيْثُ قَالُوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَفِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ حَيْثُ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، سُبْحانَهُ، نَزَّهَ وعظّم نفسه.
ع «٧٨» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا محمد بن إسماعيل
خرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (١/ ١٥١) عن ابن دينار بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (١٠٩٦) ومسلم (٧٠٠) والنسائي (١/ ٢٤٤ و٢/ ٦١) والشافعي (١/ ٦٦- ٦٧) وأبو عوانة (٢/ ٣٤٣) وأحمد (٢/ ٤٦ و٦٦) وابن حبان (٢٥١٧) والبيهقي (٢/ ٤) من طرق عن ابن دينار به.
- وورد بنحوه من وجه آخر عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر.
أخرجه مسلم (٧٠٠) ح (٣٩) وأبو داود ١٢٢٤ والنسائي (١/ ٢٤٣ و٢٤٤) و (٢/ ٦١) وابن خزيمة (١٠٩٠) وابن الجارود (٢٧٠) وابن حبان (٢٤٢١) والبيهقي (٢/ ٤٩١).
٧٨- إسناده على شرط البخاري، شعيب هو ابن أبي حمزة، وأبو اليمان هو الحكم بن نافع.
أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٤٤٨٢) عن أبي اليمان بهذا الإسناد.
- وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري (٣١٩٣ و٤٩٧٤) و (٤٩٧٥) والنسائي في «الكبرى» (٧٦٦ و٧٦٦٧) وأحمد (٢/ ٣٩٣ و٣٩٤ و٣٥٠) وابن حبان (٢٦٧) وابن أبي عاصم في «السنة» (٦٩٣) و «البغوي» ٤١.
- وله شاهد آخر من حديث أنس عند ابن خزيمة في «التوحيد» (ص ٣٨٣- ٣٨٤).
(١) سقط من المطبوع.
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) سقط من المطبوع وحده.
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) في المخطوط «رحمة».
(٦) زيد في نسخ المطبوع.
(٧) في المطبوع «الآخرون».
ع «٧٩» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ».
وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْآيَةِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ خَاصٌّ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ رَاجِعٌ إِلَى عُزَيْرٍ وَالْمَسِيحِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: هُوَ رَاجِعٌ إِلَى أَهْلِ طَاعَتِهِ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْخَلْقِ، لأن لفظ كل يقتضي الْإِحَاطَةَ بِالشَّيْءِ بِحَيْثُ لَا يَشِذُّ مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ سَلَكُوا فِي الْكُفَّارِ طَرِيقَيْنِ، فَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَسْجُدُ ظِلَالُهُمْ لِلَّهِ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ [الرَّعْدِ: ١٥]، وَقَالَ السُّدِّيُّ: هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، دَلِيلُهُ: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ [طه: ١١١]، وَقِيلَ: قانِتُونَ: مُذَلَّلُونَ مُسَخَّرُونَ لِمَا خُلِقُوا لَهُ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١١٧ الى ١١٩]
بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (١١٧) وَقالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (١١٨) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (١١٩)
قوله عزّ وجلّ: بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، أي: مبدعهما ومنشئهما [٤] مِنْ غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ، وَإِذا قَضى أَمْراً، أَيْ: قَدَّرَهُ، وَقِيلَ: أحكمه وَأَتْقَنَهُ، وَأَصْلُ الْقَضَاءِ: الْفَرَاغُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِمَنْ مَاتَ: قُضِيَ عَلَيْهِ لِفَرَاغِهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَمِنْهُ قَضَاءُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ، لِأَنَّهُ فَرَغَ مِنْهُ تقديرا أو تدبيرا، فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ «كُنْ فَيَكُونَ» بِنَصْبِ النُّونِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ إِلَّا فِي آلِ عِمْرَانَ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ [آل عمران: ٥٩. ٦٠]، وَفِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ [الأنعام: ٧٣]، وإنما نصبها لأن
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «ط».
(٣) في المخطوط «عبدا أو ملكا». [.....]
(٤) في المطبوع «مبدعها ومنشئها».
٧٩- ع صحيح. أخرجه مسلم ٧٥٦ والترمذي ٣٨٧ وابن ماجه ١٤٢١ والطيالسي ١٧٧٧ وأحمد (٣/ ٣٠٢ و٣١٤) والحميدي ١٢٧٦ وابن حبان ١٧٥٨ والبغوي ٦٥٩ والبيهقي ٣/ ٨ من طرق من حديث جابر.
- وله شاهد عند أبي داود ١٣٢٥ و١٤٤٩ والنسائي (٥/ ٥٨) وأحمد (٣/ ٤١١ و٤١٢) والدارمي (١/ ٣٣١) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حبشي.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْيَهُودُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
النَّصَارَى، وَقَالَ قَتَادَةُ: مُشْرِكُو العرب، لَوْلا: هَلَّا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ: عِيَانًا بِأَنَّكَ رَسُولُهُ، وَكُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ لَوْلا فَهُوَ بِمَعْنَى هَلَّا إِلَّا وَاحِدًا وهو قوله: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) [الصَّافَّاتِ: ١٤٣، مَعْنَاهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ، أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ: دَلَالَةٌ وَعَلَامَةٌ عَلَى صِدْقِكَ [فِي ادِّعَائِكَ النُّبُوَّةَ] [١]، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، أَيْ: كُفَّارُ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ، أَيْ: أَشْبَهَ بَعْضُهَا [٢] بَعْضًا فِي الكفر والقسوة [والعماوة] [٣] وَطَلَبِ الْمُحَالِ، قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.
إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ، أَيْ: بِالصِّدْقِ كَقَوْلِهِ: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ [يُونُسَ:
٥٣]، أَيْ: صِدْقٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: بِالْقُرْآنِ دَلِيلُهُ: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ [ق:
٥]، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: بِالْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ، دَلِيلُهُ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ [الْإِسْرَاءِ: ٨١]، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: مَعْنَاهُ لَمْ نُرْسِلْكَ عَبَثًا إِنَّمَا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ، كَمَا قَالَ: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ [الْحِجْرِ: ٨٥]، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: بَشِيراً، أَيْ: مُبَشِّرًا لِأَوْلِيَائِي وَأَهْلِ طَاعَتِي بِالثَّوَابِ الْكَرِيمِ، وَنَذِيراً، أَيْ: مُنْذِرًا مُخَوِّفًا لِأَعْدَائِي وَأَهْلِ مَعْصِيَتِي بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، قَرَأَ نَافِعٌ وَيَعْقُوبُ: «وَلَا تُسْأَلْ» :
على النهي.
ع «٨٠» وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: «لَيْتَ شِعْرِي ما فعل بأبواي»، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَقِيلَ: هُوَ على معنى قولهم: لا تَسْأَلْ عَنْ [شَرِّ] [٤] فُلَانٍ فَإِنَّهُ فَوْقَ مَا تَحْسَبُ، وَلَيْسَ عَلَى النهي، وقرأ الآخرون وَلا تُسْئَلُ بِالرَّفْعِ، عَلَى النَّفْيِ بِمَعْنَى: وَلَسْتَ بمسؤول عَنْهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ [الرعد: ٤٠]، عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ، وَالْجَحِيمُ مُعْظَمُ النار.
- وأخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» ١٢٦ والطبري ١٨٧٧ و١٨٧٨ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعَّبٍ الْقُرَظِيِّ مرسلا. وهو مرسل ضعيف.
- وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٢٠٩) وزاد نسبته إلى وكيع وعبد بن حميد وابن المنذر.
وفي إسناده موسى بن عبيدة الربذي ضعيف كما في التقريب، وقال السيوطي في «دره» : هذا مرسل ضعيف الإسناد.
- وورد عن داود بن أبي عاصم مرسلا أخرجه الطبري ١٨٧٩ وذكره السيوطي في «الدر» وقال: والآخر معضل الإسناد ضعيف لا يقوم به حجة، ولا بالذي قبله حجة اه.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع وحده «بعضهم».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيد في المطبوع.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٢٠ الى ١٢١]
وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٢٠) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٢١)قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ [كَانُوا] [١] يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم الهدنة ويطمّعونه أَنَّهُ إِنْ أَمْهَلَهُمُ اتَّبَعُوهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، مَعْنَاهُ أنك وإن هَادَنْتَهُمْ فَلَا يَرْضَوْنَ [٢] بِهَا، وَإِنَّمَا يَطْلُبُونَ ذَلِكَ تَعَلُّلًا وَلَا يَرْضَوْنَ مِنْكَ إِلَّا بِاتِّبَاعِ مِلَّتِهِمْ، وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هَذَا فِي الْقِبْلَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ يَهُودَ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ كَانُوا يَرْجُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَانَ يُصَلِّي إِلَى قِبْلَتِهِمْ، فَلَمَّا صَرَفَ اللَّهُ الْقِبْلَةَ إلى الكعبة أيسوا منه أَنْ يُوَافِقَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ، إِلَّا بِالْيَهُودِيَّةِ، وَلَا النَّصَارَى إِلَّا بِالنَّصْرَانِيَّةِ، وَالْمِلَّةُ الطَّرِيقَةُ، وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ، قِيلَ الْخِطَابُ مَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْأُمَّةُ كَقَوْلِهِ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزُّمَرِ: ٦٥]، بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ: الْبَيَانِ بِأَنَّ دِينَ اللَّهِ هُوَ الْإِسْلَامُ وَالْقِبْلَةَ قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهِيَ الْكَعْبَةُ، مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ.
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَزَلَتْ في أهل السفينة قَدِمُوا مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ مِنَ الْحَبَشَةِ وَثَمَانِيَةٌ مِنْ رُهْبَانِ الشَّامِ مِنْهُمْ بَحِيرَا، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُمْ ممّن آمَنَ مِنَ الْيَهُودِ عَبْدُ اللَّهِ بن سلام وشعبة بْنُ عَمْرٍو وَتَمَّامُ بْنُ يَهُودَا وَأَسَدٌ وَأُسَيْدٌ ابْنَا كَعْبٍ وَابْنُ يَامِينَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَا، وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ: هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ عَامَّةً، يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَصِفُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ حَقَّ صِفَتِهِ لِمَنْ سَأَلَهُمْ مِنَ النَّاسِ، وَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: هِيَ عَائِدَةٌ إِلَى الْكِتَابِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه: يقرؤونه كَمَا أُنْزِلَ وَلَا يُحَرِّفُونَهُ، وَيُحِلُّونَ حَلَالَهُ وَيُحَرِّمُونَ حَرَامَهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْمَلُونَ بِمُحْكَمِهِ وَيُؤْمِنُونَ بِمُتَشَابِهِهِ وَيَكِلُونَ علم ما أشكل عليه إِلَى عَالَمِهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ، قَوْلُهُ: أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٢٢ الى ١٢٤]
يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣) وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)
وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ: «إِبْرَاهَامَ» بالألف في بعض المواضع، [وهو ثلاثة وثلاثون موضعا، جملته تسعة وتسعون موضعا] [٣]، وَهُوَ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ وَلِذَلِكَ لَا يجري عليه الصرف، وهو إبراهيم بن تارخ [هو آزر] [٤] بْنِ نَاخُورَ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ بِالسُّوسِ مِنْ أَرْضِ الْأَهْوَازِ، وَقِيلَ:
بَابِلَ، وقيل: كوثي، وقيل: كسكر، وقيل: حران، ولكن أباه نقله إلى أرض بابل بأرض نُمْرُودَ بْنِ كَنْعَانَ، وَمَعْنَى الِابْتِلَاءِ: الِاخْتِبَارُ وَالِامْتِحَانُ وَالْأَمْرُ، وَابْتِلَاءُ اللَّهِ الْعِبَادَ لَيْسَ لِيَعْلَمَ أَحْوَالَهُمْ بِالِابْتِلَاءِ لأنه
(٢) في المطبوع وحده «يرجون».
(٣) زيد في المطبوع وحده.
(٤) زيد في المطبوع وحده.
ع «٨١» وَفِي الْخَبَرِ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلُ مَنْ قَصَّ الشَّارِبَ، وَأَوَّلُ مَنِ اخْتَتَنَ، وَأَوَّلُ مَنْ قَلَّمَ الْأَظَافِرَ، وَأَوَّلُ مَنْ رَأَى الشَّيْبَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: يَا ربّ ما هذا؟ قال: الْوَقَارِ، قَالَ: يَا رَبِّ زِدْنِي وَقَارًا.
قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الْآيَاتُ الَّتِي بَعْدَهَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ، وَقَالَ الرَّبِيعُ وَقَتَادَةُ: مَنَاسِكُ الْحَجِّ، وَقَالَ الْحَسَنُ: ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِسَبْعَةِ أَشْيَاءَ: بِالْكَوَاكِبِ وَالْقَمَرِ وَالشَّمْسِ فَأَحْسَنَ فِيهَا النَّظَرَ، وَعَلِمَ أَنَّ رَبَّهُ دَائِمٌ لَا يَزُولُ، وَبِالنَّارِ فَصَبَرَ عَلَيْهَا، وَبِالْهِجْرَةِ وَبِذَبْحِ ابْنِهِ وَبِالْخِتَانِ فَصَبَرَ عَلَيْهَا، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ إِذْ يَرْفَعَانِ الْبَيْتَ: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا [الْبَقَرَةِ: ١٢٧] الآية، فرفعاه بسبحان اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وقال يَمَانُ بْنُ رَبَابٍ: هُنَّ مُحَاجَّةُ قَوْمِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَحاجَّهُ قَوْمُهُ [الأنعام: ٨٠] إلى قوله: وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ [الْأَنْعَامِ: ٨٣]، وَقِيلَ: هِيَ قَوْلُهُ: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) ٧٨ [الشُّعَرَاءِ: ٧٨]، إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ، فَأَتَمَّهُنَّ، قَالَ قَتَادَةُ أَدَّاهُنَّ وقال الضحاك: قام بهنّ، وقال يمان: عَمِلَ بِهِنَّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً:
يُقْتَدَى بِكَ، [فِي الْخَيْرِ] قالَ إِبْرَاهِيمُ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي. أَيْ: وَمِنْ أولادي أيضا فاجعل أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ [فِي الْخَيْرِ] [٢]، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَنالُ: لَا يُصِيبُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَحَفْصٌ بِإِسْكَانِ الْيَاءِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، أَيْ: مَنْ كَانَ مِنْهُمْ ظَالِمًا لَا يُصِيبُهُ، قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: عَهْدِي رَحْمَتِي، وَقَالَ السُّدِّيُّ: نُبُوَّتِي، وَقِيلَ: الْإِمَامَةُ، قَالَ مُجَاهِدٌ: لَيْسَ لِظَالِمٍ أَنْ يُطَاعَ فِي ظُلْمِهِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَا يَنَالُ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْإِمَامَةِ مَنْ كَانَ ظَالِمًا مِنْ وَلَدِكَ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْعَهْدِ الْأَمَانَ مِنَ النَّارِ، وَبِالظَّالِمِ الْمُشْرِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ [الأنعام: ٨٢].
[سورة البقرة (٢) : آية ١٢٥]
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ، يَعْنِي: الْكَعْبَةَ، مَثابَةً لِلنَّاسِ: مَرْجِعًا لَهُمْ، قَالَ مجاهد
(١) سقط من المطبوع.
(٢) سقط من المطبوع وحده. [.....]
«٨٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طاوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حرّمه الله يوم خلق السموات وَالْأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يَنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ»، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لَقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إلا الإذخر».
وَاتَّخِذُوا، قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ بِفَتْحِ الْخَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِ الْخَاءِ عَلَى الْأَمْرِ، مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى، قَالَ يَمَانٍ: الْمَسْجِدُ كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: الْحَرَمُ كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعَ مُشَاهِدِ الْحَجِّ مِثْلَ عرفة والمزدلفة وَسَائِرِ الْمَشَاهِدِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي فِي الْمَسْجِدِ يُصَلِّي إِلَيْهِ الْأَئِمَّةُ، وَذَلِكَ الْحَجَرُ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ عِنْدَ بِنَاءِ الْبَيْتِ، وَقِيلَ: كَانَ أَثَرُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ بَيِّنًا فِيهِ فَانْدَرَسَ مِنْ كَثْرَةِ الْمَسْحِ بِالْأَيْدِي، قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ: أُمِرُوا بِالصَّلَاةِ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِمَسْحِهِ وَتَقْبِيلِهِ.
«٨٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عن [٢] حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
قَالَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَافَقْتُ اللَّهَ فِي ثَلَاثٍ، أَوْ وَافَقَنِي رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: قلت يا
وهو في «شرح السنة» ١٩٩٦ بهذا الإسناد.
رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» ١٥٨٧ عن علي بن عبد لله بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ١٨٣٤ و٢٧٨٣ و٣٨٢٥ و٣١٨٩ ومسلم ١٣٥٣ وأبو داود ٢٠١٨ و٢٤٨٠ والترمذي ١٥٩٠ والنسائي (٥/ ٢٠٣- ٢٠٤) و (٧/ ١٤٦) وأحمد (١/ ٣١٥ و٣٥٩) وابن الجارود ٥٠٩ والطبراني في «الكبير» (١٠٩٤٣ و١٠٩٤٤) وابن حبان ٣٧٢٠ والبيهقي (٥/ ١٩٥ و٩/ ١٦) من طرق من حديث ابن عباس، بعضهم رواه مطولا، وبعضهم مختصرا.
٨٣- إسناده على شرط البخاري، تفرد البخاري بالرواية عن مسدد وهو ابن مسرهد، يحيى هو ابن سعيد القطان، وحميد هو ابن أبي حميد الطويل.
أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» ٤٤٨٣ عن مسدد بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٤٠٢ والطحاوي في «المشكل» (٤/ ٨٢٥) وأحمد (١/ ٢٤ و٣٦) وابن حبان ٦٨٩٦ والبغوي ٣٨٨٧ من حديث أنس.
وورد مختصرا من حديث أنس أيضا عند البخاري ٤٧٩٠ و٤٩١٦ والترمذي ٢٩٥٩ و٢٩٦٠ وابن ماجه ١٠٠٩ والدرامي (٢/ ٤٤).
(١) وقع في الأصل «بن» والمثبت هو الصواب.
(٢) في المخطوط وط- «يأتون» والمثبت عن المطبوع والطبري (١٩٧١ و١٩٧٦).
ع «٨٤» وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَيْضًا عن عمرو بن عون أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَنَزَلَتْ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى.
وأما بدء قصة المقام:
ع «٨٥» فَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لِمَا أَتَى إِبْرَاهِيمُ بإسماعيل وهاجر وضعهما بِمَكَّةَ، وَأَتَتْ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةٌ وَنَزَلَهَا الْجُرْهُمِيُّونَ وَتَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ مِنْهُمُ امرأة و [قد] [١] ماتت هَاجَرُ، وَاسْتَأْذَنَ إِبْرَاهِيمُ سَارَةَ أَنْ يَأْتِيَ هَاجَرَ فَأَذِنَتْ لَهُ وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْزِلَ، فَقَدِمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ وَقَدْ مَاتَتْ هَاجَرُ فَذَهَبَ إِلَى بَيْتِ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ قَالَتْ: ذَهَبَ لِلصَّيْدِ [٢]، وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ فَيَصِيدُ، فَقَالَ لَهَا إِبْرَاهِيمُ: هَلْ عِنْدَكِ ضِيَافَةٌ؟ قالت: ليس عندي شيء [٣] وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: إِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فأقرئيه [مني] [٤] السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ: فَلْيُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ فَجَاءَ إِسْمَاعِيلُ فَوَجَدَ رِيحَ أَبِيهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هل جاءك أحد؟ فقالت:
جَاءَنِي شَيْخٌ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا، كَالْمُسْتَخِفَّةِ بِشَأْنِهِ، قَالَ: فَمَا قَالَ لَكِ؟ قَالَتْ: قَالَ أَقْرِئِي زَوْجَكِ [مني] [٥] السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ فَلْيُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ، قَالَ: ذَلِكَ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ فطلّقها، وتزوّج منهم بأخرى فَلَبِثَ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ سَارَةَ أَنْ يَزُورَ إِسْمَاعِيلَ، فَأَذِنَتْ لَهُ وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْزِلَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَابِ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ قَالَتْ: ذَهَبَ يَتَصَيَّدُ وَهُوَ يَجِيءُ الْآنَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَانْزِلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، قَالَ: هَلْ عِنْدَكَ ضِيَافَةٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَجَاءَتْ بِاللَّبَنِ وَاللَّحْمِ، وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ فَدَعَا لَهُمَا بِالْبَرَكَةِ، وَلَوْ جَاءَتْ يَوْمَئِذٍ بِخُبْزِ بُرٍّ أَوْ شعير أو تمر لَكَانَتْ أَكْثَرَ أَرْضِ اللَّهِ بُرًّا أَوْ شَعِيرًا أَوْ تَمْرًا، فَقَالَتْ لَهُ: انْزِلْ حَتَّى أَغْسِلَ رَأْسَكَ فَلَمْ يَنْزِلْ، فَجَاءَتْهُ بِالْمَقَامِ فَوَضَعَتْهُ عَنْ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَوَضَعَ قَدَمَهُ عَلَيْهِ فَغَسَلَتْ شِقَّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنَ ثم حولته إِلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَغَسَلَتْ شَقَّ رَأْسِهِ الْأَيْسَرِ، فَبَقِيَ أَثَرُ قَدَمَيْهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: إِذَا جَاءَ زوجك فأقرئيه [مني] [٦] السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ: قَدِ اسْتَقَامَتْ عَتَبَةُ بَابِكَ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ وَجَدَ رِيحَ أَبِيهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ جَاءَكِ أَحَدٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ شيخ [كبير] [٧] أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا وَأَطْيَبُهُمْ رِيحًا، وَقَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، وَقُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا، وَغَسَلْتُ رَأْسَهُ وَهَذَا مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ [النَّبِيُّ أَبِي] [٨]، وَأَنْتَ الْعَتَبَةُ أمرني أن أمسكك.
٨٥- ع ذكره المصنف موقوفا على ابن عباس، وأخرج البخاري في «صحيحه» ٣٣٦٤ و٣٣٦٥ عن ابن عباس نحوه مطولا فجعل بعضه موقوفا، وبعضه الآخر مرفوعا، راجع صحيح البخاري.
١ سقط من المطبوع.
(٢) في المطبوع «يتصيد».
(٣) في المطبوع «ضيافة».
٤ سقط من المطبوع.
٥ ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
٦ ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
(٧) زيد في نسخ المطبوع.
٨ سقط من المطبوع. [.....]
ع «٨٧» وَفِي الْخَبَرِ: «الرُّكْنُ وَالْمَقَامُ يَاقُوتَتَانِ من يواقيت الجنة، ولولا مَسَّتْهُ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ لَأَضَاءَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ، أَيْ: أَمَرْنَاهُمَا وَأَوْحَيْنَا [١] إِلَيْهِمَا، قِيلَ: سُمِّيَ إِسْمَاعِيلُ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يدعو الله أن يرزقه ولد، وَيَقُولَ: اسْمَعْ يَا إِيلُ، وَإِيلُ هو الله، فلما رزق الولد سمّاه بِهِ. أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ، يَعْنِي: الْكَعْبَةَ، أَضَافَهُ إِلَيْهِ تَخْصِيصًا وَتَفْضِيلًا، أَيِ: ابْنِيَاهُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالتَّوْحِيدِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ: طَهِّرَاهُ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالرِّيَبِ وَقَوْلِ الزور، وقيل: بخّراه وخلّقاه، قاله يمان بن رباب. قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَحَفْصٌ بَيْتِيَ بِفَتْحِ الْيَاءِ هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ الحج [٢٦]، وزاد
٨٧- ع الراجح وقفه. أخرجه البيهقي (٥/ ٧٥) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو وفيه «... ولولا ما مسهما من خطايا بني آدم» بدل «ولو لامسته أيدي المشركين» من طريق أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس عن الزهري عن مسافع عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مرفوعا، ورجاله ثقات، وهو أمثل إسناد في هذا الباب.
- وأخرجه الترمذي ٨٧٨ وأحمد (٢/ ٢١٣- ٢١٤) وابن خزيمة ٢٧٣٢ وابن حبان ٣٧١٠ والحاكم من طريق رجاء بن صبيح عن مسافع عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مرفوعا.
وفيه: «ولولا أن طمس الله على نورهما» بدل «ولو لامسته أيدي المشركين».
وفي إسناده رجاء بن صبيح، وقد ضعفه ابن معين وغيره، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. وذكره ابن حبان في الثقات.
- وأخرجه ابن خزيمة ٢٧٣١ والحاكم (١/ ٤٥٦) والبيهقي (٥/ ٧٥) عن أيوب بن سويد عن يونس عن الزهري عن مسافع عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو به.
قال الحاكم: هذا حديث تفرد به أيوب بن سويد عن يونس وأيوب ممن لم يحتجا به، إلا أنه من أجلة مشايخ الشام.
وتعقبه الذهبي بقوله: ضعفه أحمد اهـ. وقال في «الميزان» (١/ ٢٨٧) : ضعفه أحمد وغيره، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: يتكلمون فيه. وله طريق آخر أخرجه البيهقي (٥/ ٧٥) من طريق مسدد عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ عبد الله بن عمرو مرفوعا، ورجاله رجال البخاري لكن فيه عنعنة ابن جريج.
- وفي الباب من حديث أنس عند الحاكم ١٦٧٨ وفي إسناده داود بن الزبرقان. قال الذهبي في «التلخيص» : داود، قال أبو داود: متروك اهـ.
- ومن حديث ابن عباس عند الترمذي ٨٧٧ وابن خزيمة ٢٧٣٣ وإسناده ضعيف، فيه عطاء بن السائب، اختلط بأخرة.
وتابعه سعيد بن جبير عند ابن خزيمة ٢٧٣٤ لكن في الطريق أبو الجنيد الحسين بن خالد، وهو ضعيف.
الخلاصة: كل طرقه وشواهده لا تخلو من ضعف، وأمثلها الطريق الأولى عند البيهقي، ولكن الحديث بمجموع هذه الشواهد والطرق يرقى إلى درجة الحسن. وقد صححه الشيخ شعيب في «الإحسان» (٩/ ٢٤) لطرقه وكذا صححه الألباني في «صحيح الترمذي» (٦٩٥ و٦٩٦)، ومع ذلك رفعه غريب والأشبه الوقف، وقد أخرجه عبد الرزاق ٨٩٢١ عن ابن عمرو موقوفا وأخرجه ٨٩١٥ عن ابن عمرو وكعب الأحبار موقوفا، وهو الراجح. والله أعلم.
(١) في المطبوع «وأوصينا».
هم الغرباء ووَ الْعاكِفِينَ أَهْلُ مَكَّةَ، قَالَ عَطَاءٌ ومجاهد عكرمة: الطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَلُ، وَالصَّلَاةُ لِأَهْلِ مكة أفضل.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٢٦]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦)
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا، يَعْنِي: مَكَّةَ، وَقِيلَ: الْحَرَمَ، بَلَداً آمِناً، أَيْ: ذَا أَمْنٍ يَأْمَنُ فِيهِ أَهْلُهُ، وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ، إِنَّمَا دَعَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، وَفِي الْقَصَصِ: أَنَّ الطَّائِفَ كانت من بلاد الشَّامِ بِأُرْدُنَّ، فَلَمَّا دَعَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا الدُّعَاءَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى قَلَعَهَا مِنْ أَصْلِهَا وَأَدَارَهَا حَوْلَ الْبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ وَضَعَهَا مَوْضِعَهَا الَّذِي هِيَ الْآنَ فِيهِ فَمِنْهَا أَكْثَرُ ثَمَرَاتِ مَكَّةَ، مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ: دَعَا لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، قالَ اللَّهُ تعالى: وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ فَأُمَتِّعُهُ خَفِيفًا بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَالْبَاقُونَ مُشَدَّدًا، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، قَلِيلًا، أَيْ: سَأَرْزُقُ الْكَافِرَ أَيْضًا قَلِيلًا إِلَى مُنْتَهَى أَجَلِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ الرِّزْقَ لِلْخَلْقِ كَافَّةً مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْقِلَّةِ لِأَنَّ مَتَاعَ الدُّنْيَا قَلِيلٌ، ثُمَّ أَضْطَرُّهُ، أَيْ: أُلْجِئُهُ فِي الْآخِرَةِ: إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ، أَيِ: الْمَرْجِعُ يَصِيرُ إِلَيْهِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: وُجِدَ عِنْدَ الْمَقَامِ كِتَابٌ فِيهِ: أَنَا اللَّهُ ذُو بَكَّةَ صَنَعْتُهَا يَوْمَ خَلَقْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَحَرَّمْتُهَا يَوْمَ خلقت السموات وَالْأَرْضَ، وَحَفَفْتُهَا بِسَبْعَةِ أَمْلَاكٍ [٢] حُنَفَاءَ، يَأْتِيهَا رِزْقُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ سُبُلٍ، مُبَارَكٌ لَهَا فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٢٧]
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ، قَالَ الرُّوَاةُ [٣] : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَوْضِعَ الْبَيْتِ قَبْلَ الْأَرْضِ بِأَلْفَيْ عَامٍ وَكَانَتْ زُبْدَةً بَيْضَاءَ عَلَى الْمَاءِ فَدُحِيَتِ الْأَرْضُ مِنْ تَحْتِهَا، فلما أهبط الله آدم إِلَى الْأَرْضِ اسْتَوْحَشَ، فَشَكَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ مِنْ يَاقُوتَةٍ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ لَهُ بَابَانِ مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ بَابٌ شَرْقِيٌّ وَبَابٌ غَرْبِيٌّ، فَوَضَعَهُ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ، وَقَالَ: يَا آدَمُ إِنِّي أَهْبَطْتُ لَكَ بَيْتًا تَطُوفُ بِهِ كَمَا يُطَافُ حول عرشي وتصلّي عِنْدَهُ كَمَا يُصَلَّى عِنْدَ عَرْشِي، وَأَنْزَلَ الْحَجَرَ وَكَانَ أَبْيَضَ فَاسْوَدَّ مِنْ لَمْسِ الْحُيَّضِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَتَوَجَّهَ آدَمُ مِنْ أَرْضِ الْهِنْدِ إِلَى مَكَّةَ مَاشِيًا، وَقَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَلَكًا يَدُلُّهُ عَلَى الْبَيْتِ، فَحَجَّ الْبَيْتَ وَأَقَامَ الْمَنَاسِكَ، فَلَمَّا فَرَغَ تَلَقَّتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَقَالُوا [٤] : بَرَّ حَجُّكَ يَا آدَمُ، لَقَدْ حَجَجْنَا هَذَا الْبَيْتَ قَبْلَكَ بِأَلْفَيْ عَامٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه [٥] : حَجَّ آدَمُ أَرْبَعِينَ حَجَّةً مِنَ الهند إلى
(٢) في المطبوع «أفلاك».
٣ لا يصح من هذه الأقوال شيء عن الصادق المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا مصدرها كتب الأقدمين لا حجة فيها، وقال الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (١/ ١٦٣- ١٦٥) ما ملخصه: لم يرد في خبر صحيح عن المعصوم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ البيت كان مبنيا قبل إبراهيم الخليل عليه السلام اهـ. قلت: بل هو معارض بحديث أبي ذر في «الصحيحين، بأنه أول مسجد وضع، ثم المسجد الأقصى»، وأن ما بينهما أربعين عاما، وسيأتي.
(٤) في المخطوط «وقالت».
٥ لا يصح من هذه الأقوال شيء عن الصادق المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا مصدرها كتب الأقدمين لا حجة فيها، وقال الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (١/ ١٦٣- ١٦٥) ما ملخصه: لم يرد في خبر صحيح عن المعصوم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ البيت كان مبنيا قبل إبراهيم الخليل عليه السلام اهـ. قلت: بل هو معارض بحديث أبي ذر في «الصحيحين، بأنه أول مسجد وضع، ثم المسجد الأقصى»، وأن ما بينهما أربعين عاما، وسيأتي.
قَاعِدَةٌ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: جُدُرُ الْبَيْتِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا بُنِيَ الْبَيْتُ مِنْ خمسة أجبل طور سينا وَطُورِ زَيْتَا وَلُبْنَانَ وَهُوَ جَبَلٌ بِالشَّامِ وَالْجُودِيِّ وَهُوَ جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ، وَبَنَيَا قَوَاعِدَهُ مِنْ حِرَاءَ وَهُوَ جَبَلٌ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَوْضِعِ الْحَجَرِ، الْأَسْوَدِ، قَالَ لِإِسْمَاعِيلَ: ائْتِنِي بِحَجَرٍ حَسَنٍ يَكُونُ لِلنَّاسِ عَلَمًا فَأَتَاهُ بِحَجَرٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا، فَمَضَى إِسْمَاعِيلُ يَطْلُبُهُ فَصَاحَ أَبُو قُبَيْسٍ: يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّ لَكَ عِنْدِي وَدِيعَةً فَخُذْهَا فَأَخَذَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فوضعه مكانه [الآن] [٥]، وَقِيلَ [٦] : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَنَى فِي السَّمَاءِ بَيْتًا وَهُوَ الْبَيْتُ المعمور، ويسمّى ضراح، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَبْنُوا الْكَعْبَةَ فِي الْأَرْضِ بِحِيَالِهِ عَلَى قَدْرِهِ وَمِثَالِهِ، وَقِيلَ [٧] : أَوَّلُ مَنْ بَنَى الْكَعْبَةَ آدَمُ، وَانْدَرَسَ زَمَنَ الطُّوفَانِ، ثُمَّ أَظْهَرَهُ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ حَتَّى بناه، رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا، فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ: وَيَقُولَانِ: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا بِنَاءَنَا، إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ، لِدُعَائِنَا الْعَلِيمُ: بنياتنا.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٢٨ الى ١٢٩]
رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩)
رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ: مُوَحِّدَيْنِ مُطِيعَيْنِ مُخْلِصَيْنِ خَاضِعَيْنِ لَكَ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا، أَيْ: أَوْلَادِنَا أُمَّةً: جَمَاعَةً، وَالْأُمَّةُ: أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ، مُسْلِمَةً لَكَ: خَاضِعَةً لَكَ، وَأَرِنا عَلِّمْنَا وَعَرِّفْنَا، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ سَاكِنَةَ الرَّاءِ، وَأَبُو عَمْرٍو بِالِاخْتِلَاسِ، وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَوَافَقَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْإِسْكَانِ فِي حم السَّجْدَةِ، وَأَصْلُهُ: أَرْئِنَا، فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ طَلَبًا للخفة، ونقلت حركته إِلَى الرَّاءِ، وَمَنْ سَكَّنَهَا قَالَ:
ذَهَبَتِ الْهَمْزَةُ فَذَهَبَتْ حَرَكَتُهَا، مَناسِكَنا: شَرَائِعَ دِينِنَا وَأَعْلَامَ حَجِّنَا، وَقِيلَ: مَوَاضِعَ حَجِّنَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَذَابِحَنَا، وَالنُّسُكُ: الذَّبِيحَةُ، وَقِيلَ: مُتَعَبَّدَاتِنَا، وَأَصْلُ النُّسُكِ: الْعِبَادَةُ، وَالنَّاسِكُ: الْعَابِدُ، فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَهُمَا فَبَعَثَ جِبْرِيلَ فَأَرَاهُمَا الْمَنَاسِكَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، فَلَمَّا بَلَغَ عَرَفَاتٍ قَالَ: عَرَفْتَ يَا إِبْرَاهِيمُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَسَمَّى الْوَقْتَ عَرَفَةَ وَالْمَوْضِعَ عَرَفَاتٍ. وَتُبْ عَلَيْنا، تَجَاوَزْ عَنَّا، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
٢ انظر الهامش السابق.
٣ زيادة عن المخطوط.
٤ زيادة عن المخطوط.
٥ زيادة عن المخطوط.
٦ انظر الهامش السابق. [.....]
٧ انظر الهامش السابق.
«٨٨» حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْمُوسَوِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّاسٍ الْبَلْخِيُّ، أَنَا الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ حَمَدُ [١] بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَطَّابِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ أَنَا عمي أنا معاوية بن [٢] صَالِحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ [٣] هِلَالٍ السُّلَمِيِّ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ:
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ بِأَوَّلِ أَمْرِي: أَنَا دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْنِي وَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهَا مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ».
وَأَرَادَ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ هَذَا فَإِنَّهُ دَعَا أَنْ يَبْعَثَ فِي بَنِي إِسْمَاعِيلَ رَسُولًا مِنْهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا عَشَرَةً: نُوحٌ وَهُودٌ وَصَالِحٌ وَشُعَيْبٌ وَلُوطٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ صلوات الله عليهم أجمعين. يَتْلُوا: يَقْرَأُ عَلَيْهِمْ آياتِكَ، كِتَابَكَ يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَالْآيَةُ مِنَ الْقُرْآنِ كَلَامٌ مُتَّصِلٌ إِلَى انْقِطَاعِهِ، وَقِيلَ هِيَ جَمَاعَةُ حُرُوفٍ، يُقَالُ خَرَجَ الْقَوْمُ بِآيَتِهِمْ، أَيْ:
بِجَمَاعَتِهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَالْحِكْمَةَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: فَهْمَ الْقُرْآنِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ:
مَوَاعِظَ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ. [و] [٤] قَالَ [ابْنُ] [٥] قُتَيْبَةَ: هِيَ الْعِلْمُ والعمل [به]، وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ حَكِيمًا حَتَّى يَجْمَعَهُمَا، وَقِيلَ: هِيَ السُّنَّةُ [٦]، وَقِيلَ: هي [الأحكام و] [٧] القضاء، وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ الْفِقْهُ، قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ: كُلُّ كَلِمَةٍ وَعَظَتْكَ أَوْ دَعَتْكَ إِلَى مَكْرُمَةٍ أَوْ نَهَتْكَ عَنْ قَبِيحٍ فَهِيَ حِكْمَةٌ، وَيُزَكِّيهِمْ، أَيْ: يُطَهِّرُهُمْ مِنَ الشِّرْكِ وَالذُّنُوبِ، وَقِيلَ: يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْ [٨] أَمْوَالِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ:
وهو في «شرح السنة» ٣٥٢٠ بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (٤/ ١٢٧- ١٢٨) والبخاري في «التاريخ الكبير» (٦/ ٦٨) وابن حبان ٦٤٠٤ وابن أبي عاصم في «السنة» ٤٠٩ والبيهقي في «الدلائل» (١/ ٨٠ و٢/ ٣٠) من طرق عن سعيد بن سويد به، وقد صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في «المجمع» (٨/ ٢٢٣) : رواه أحمد بأسانيد، وأحد أسانيده رجاله رجال الصحيح، غير سعيد بن سويد، وقد وثقه ابن حبان.
- وله شاهد من حديث أبي أمامة أخرجه الطيالسي ١١٤٠ وأحمد (٥/ ٢٦٢) وابن سعد (١/ ١٠٢) والطبراني ٧٧٢٩ والبيهقي في «الدلائل» (١/ ٨٤) وإسناده ضعيف لضعف فرج بن فضالة، والسياق لأحمد، وقال الهيثمي في «المجمع» (٨/ ٢٢٢) : إسناد أحمد حسن.
- وورد عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ نفر من الصحابة مرفوعا أخرجه الحاكم (٢/ ٦٠٠) والطبري ٢٠٧٥ والبيهقي في «الدلائل» (١/ ٨٣) وإسناده قوي كما قال الحافظ ابن كثير في «البداية» (٢/ ٢٧٥) وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وهو حديث حسن في أقل تقدير بل هو صحيح، والله أعلم، وانظر «الكشاف» ٥٥ للزمخشري بتخريجي.
(١) في الأصل «أحمد» والتصويب عن «شرح السنة» و «ط» و «كتب التراجم».
(٢) وقع في الأصل «عن» والمثبت هو الصواب.
(٣) وقع في الأصل «عن» والمثبت هو الصواب.
٤ ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
٥ ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
(٦) زيد في المطبوع وحده عقب السنة «والأحكام».
(٧) زيادة عن المخطوط وط.
(٨) العبارة في المخطوط «يأخذ زكاة أموالهم».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٣٠ الى ١٣١]
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٣١)
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ، وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ دَعَا ابْنَيْ أَخِيهِ سَلَمَةَ وَمُهَاجِرًا إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ لَهُمَا: قَدْ عَلِمْتُمَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فِي التَّوْرَاةِ: إِنِّي بَاعِثٌ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ نَبِيًّا اسْمُهُ أَحْمَدُ فَمَنْ آمَنَ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَى وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ فَهُوَ مَلْعُونٌ، فَأَسْلَمَ سَلَمَةُ وَأَبَى مُهَاجِرٌ أَنْ يُسْلِمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ، أَيْ: يَتْرُكُ دِينَهُ وَشَرِيعَتَهُ، يُقَالُ: رَغِبَ فِي الشَّيْءِ إِذَا أَرَادَهُ، وَرَغِبَ عَنْهُ إِذَا تَرَكَهُ، وَقَوْلُهُ وَمَنْ: لفظة استفهام ومعناه التَّقْرِيعُ وَالتَّوْبِيخُ، يَعْنِي: مَا يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَسِرَ نَفْسَهُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: ضَلَّ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَهْلَكَ نَفْسَهُ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ وَالزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ جَهَّلَ [١] نَفْسَهُ، وَالسَّفَاهَةُ: الْجَهْلُ وَضَعْفُ الرَّأْيِ، وَكُلُّ سَفِيهٍ جَاهِلٌ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ عَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ فَقَدْ جَهَّلَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهَا، وَقَدْ جَاءَ: مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ [٢]، وَفِي الْأَخْبَارِ [٣] : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى دَاوُدَ: اعْرِفْ نَفْسَكَ وَاعْرِفْنِي، فَقَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعْرِفُ نَفْسِي وَكَيْفَ أَعْرِفُكَ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: اعْرِفْ نَفْسَكَ بِالضَّعْفِ وَالْعَجْزِ وَالْفَنَاءِ، وَاعْرِفْنِي بِالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْبَقَاءِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: مَعْنَاهُ سَفِهَ في نفسه، ونَفْسَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: نَصْبٌ بِنَزْعِ حَرْفِ الصِّفَةِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: نَصْبٌ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَكَانَ الْأَصْلُ سَفِهَتْ نَفْسُهُ، فَلَمَّا أَضَافَ الْفِعْلَ إِلَى صاحبها خرجت النفس مفسّرة لِيَعْلَمَ مَوْضِعَ السَّفَهِ، كَمَا يُقَالُ: ضقت به ذرعا أو ضَاقَ ذَرْعِي بِهِ، وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا: اخْتَرْنَاهُ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ، يَعْنِي: مَعَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْجَنَّةِ، وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّالِحِينَ.
إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، أَيِ: اسْتَقِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَاثْبُتْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
قَالَ لَهُ ذلك حِينَ خَرَجَ مِنَ السَّرَبِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَخْلِصْ دِينَكَ وَعِبَادَتَكَ لِلَّهِ، وقال عطاء: أسلم نفسك إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفَوِّضْ أُمُورَكَ إِلَيْهِ، قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ، أَيْ: فَوَّضْتُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَقَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَسْتَعِنْ بِأَحَدٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ حين ألقي في النار.
(٢) هو خبر إسرائيلي. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: موضوع. انظر «كشف الخفاء» (٢/ ٢٦٢/ ٢٥٣٢).
(٣) في المخطوط- أ- «الخبر».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٣٢ الى ١٣٣]
وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢) أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣)وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ: و «أوصى» بِالْأَلِفِ، وَكَذَلِكَ [هُوَ] [١] فِي مَصَاحِفِهِمْ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ وَوَصَّى مُشَدَّدًا، وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلَ أَنْزَلَ وَنَزَّلَ مَعْنَاهُ: ووصى إِبْرَاهِيمُ [بَنِيهِ] [٢] وَوَصَّى يَعْقُوبُ بَنِيهِ، قال الكلبي ومقاتل: يعني كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنْ شِئْتَ رَدَدْتَ الْكِنَايَةَ إِلَى الْمِلَّةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ، وَإِنْ شِئْتَ رَدَدْتَهَا إِلَى الْوَصِيَّةِ، أَيْ: وَصَّى إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ الثَّمَانِيَةَ: إِسْمَاعِيلَ وَأُمُّهُ هَاجَرُ الْقِبْطِيَّةُ وَإِسْحَاقَ وَأُمُّهُ سارة، وستة أمهم قنطورا بِنْتُ يَقْطَنَ الْكَنْعَانِيَّةُ، تَزَوُّجَهَا إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ وَفَاةِ سَارَةَ، وَيَعْقُوبُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ وَالْعِيصُ كَانَا تَوْأَمَيْنِ فَتَقَدَّمَ عِيصُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ، وَخَرَجَ يَعْقُوبُ عَلَى أثره آخذه بِعَقِبِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ: سُمِّيَ يَعْقُوبُ لِكَثْرَةِ عَقِبِهِ، يَعْنِي وَوَصَّى أَيْضًا يَعْقُوبُ بَنِيهِ الِاثْنَيْ عَشَرَ يَا بَنِيَّ، مَعْنَاهُ أَنْ يَا بَنِيَّ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى: اخْتَارَ لَكُمُ الدِّينَ، أَيْ: دِينَ الْإِسْلَامِ، فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، مُؤْمِنُونَ، وَقِيلَ: مُخْلِصُونَ، وَقِيلَ:
مُفَوِّضُونَ، وَالنَّهْيُ فِي ظَاهِرِ الْكَلَامِ وَقَعَ عَلَى الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا نُهُوا فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ تَرْكِ الْإِسْلَامِ [٣]، مَعْنَاهُ:
دَاوِمُوا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى لَا يُصَادِفَكُمُ الْمَوْتُ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَعَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ قَالَ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، أَيْ: مُحْسِنُونَ بِرَبِّكُمُ الظَّنَّ.
«٨٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ [٤] بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، يَقُولُ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عزّ وجلّ».
قوله تعالى: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ، يَعْنِي: [أَكُنْتُمْ شُهَدَاءَ يُرِيدُ] [٥] مَا كُنْتُمْ شُهَدَاءَ حُضُورًا إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ، أَيْ: حِينَ قَرُبَ يَعْقُوبُ مِنَ الْمَوْتِ، قِيلَ [٦] : نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ حِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم:
وأخرجه مسلم ٢٨٧٧ وأبو داود ٣١١٣ وابن ماجه ٤١٦٧ والطيالسي ١٧٧٩ وأحمد (٣/ ٢٩٣) و٣٣٠ وأبو نعيم في «الحلية» (٥/ ٨٧) و (٨/ ٢٢١) وابن حبان (٦٣٦ و٦٣٨) والبيهقي (٣/ ٣٧٨) من طرق عن جابر به. [.....]
(١) سقط من المطبوع.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) العبارة في المخطوط «وإنما هو في الحقيقة على ترك الإسلام».
(٤) في المخطوط «قبل أن يقبض» والمثبت في نسخ المطبوع وشرح السنة.
(٥) زيد في نسخ المطبوع.
(٦) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٦٩ بدون إسناد، فلا حجة فيه البتة.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لِمَا دَخَلَ يَعْقُوبُ مِصْرَ رَآهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ وَالنِّيرَانَ، فَجَمَعَ وَلَدَهُ وَخَافَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: إِذْ قالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي؟ قَالَ عَطَاءٌ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقْبِضْ نَبِيًّا حَتَّى يُخَيِّرَهُ [١] بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، فَلَمَّا خَيَّرَ يعقوب قال: يا ربّ أَنْظِرْنِي حَتَّى أَسْأَلَ وَلَدِي وَأُوصِيَهُمْ، فَفَعَلَ [اللَّهُ] [٢] ذَلِكَ بِهِ، فَجَمَعَ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ حَضَرَ أَجَلِي فَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي؟ قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ، وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ عَمًّا لَهُمْ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْعَمَّ أَبًا كَمَا تُسَمِّي الخالة أما.
ع «٩٠» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ».
ع «٩١» وَقَالَ فِي عَمِّهِ الْعَبَّاسِ: «رُدُّوا عَلَيَّ أَبِي فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ تَفْعَلَ بِهِ قُرَيْشٌ مَا فَعَلَتْ ثَقِيفٌ بِعُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ»، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ. إِلهاً واحِداً نَصْبٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ: إِلهَكَ، وقيل: نعبد [٣] إِلَهًا وَاحِدًا، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٣٤ الى ١٣٥]
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٤) وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٣٥)
تِلْكَ أُمَّةٌ: جَمَاعَةٌ، قَدْ خَلَتْ: مَضَتْ، لَها مَا كَسَبَتْ: مِنَ العمل، وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ [من القول والعمل]]
وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ، يَعْنِي: يُسْأَلُ كُلٌّ عَنْ عَمَلِهِ لَا عَنْ عَمَلِ غَيْرِهِ.
وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي رُؤَسَاءِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ: كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَمَالِكِ بْنِ الصَّيْفِ وَوَهْبِ بْنِ يَهُودَا وَأَبِي يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ، وَفِي نصارى نَجْرَانَ السَّيِّدِ وَالْعَاقِبِ وَأَصْحَابِهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ خَاصَمُوا الْمُسْلِمِينَ فِي الدِّينِ كُلُّ فِرْقَةٍ تَزْعُمُ أَنَّهَا أَحَقُّ بِدِينِ اللَّهِ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ:
نَبِيُّنَا مُوسَى أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ وَكِتَابُنَا التَّوْرَاةُ أَفْضَلُ الْكُتُبِ، وَدِينُنَا أَفْضَلُ الْأَدْيَانِ، وَكَفَرَتْ بِعِيسَى وَالْإِنْجِيلِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَتِ النصارى نبيّنا [عيسى] [٥] أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ وَكِتَابُنَا الْإِنْجِيلُ أَفْضَلُ الْكُتُبِ، وَدِينُنَا أَفْضَلُ الْأَدْيَانِ وَكَفَرَتْ [بموسى والتوراة و] [٦] بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لِلْمُؤْمِنِينَ كُونُوا عَلَى دِينِنَا فَلَا دِينَ إِلَّا ذَلِكَ، فَقَالَ تَعَالَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ، بَلْ نَتَّبِعُ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ نَصْبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: اتَّبَعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ بَلْ نكون
٩١- ع مرسل. أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (٨/ ٤٠/ ٣٤) ح ٤ عن عكرمة مرسلا، ورجال الإسناد ثقات، وتمامه «دعاهم إلى الله فقتلوه، أما والله لئن ركبوها لأضر منّها عليهم» فهذا مرسل، والمرسل من قسم الضعيف عند أهل الحديث.
(١) في المطبوع «خيره».
(٢) زيد في نسخ المطبوع.
(٣) في المطبوع «نعرفه».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) سقط من نسخ المطبوع. [.....]
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٣٦ الى ١٣٧]
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣٧)
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا، يَعْنِي الْقُرْآنَ، وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ، وَهُوَ عَشْرُ صُحُفٍ، وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ، يَعْنِي: أَوْلَادَ يَعْقُوبَ، وَهُمُ اثْنَا عَشَرَ سِبْطًا: وَاحِدُهُمْ: سِبْطٌ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ وُلِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ، وَسِبْطُ الرَّجُلِ: حَافِدُهُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: سِبْطَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْأَسْبَاطُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَالْقَبَائِلِ مِنَ الْعَرَبِ، مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَالشُّعُوبِ مِنَ الْعَجَمِ، وَكَانَ فِي الْأَسْبَاطِ أَنْبِيَاءٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ: وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ [آل عمران:
١٩٩]، وَقِيلَ: هُمْ بَنُو يَعْقُوبَ مِنْ صُلْبِهِ صَارُوا كُلُّهُمْ أَنْبِيَاءَ. وَما أُوتِيَ مُوسى، يَعْنِي: التَّوْرَاةَ، وَعِيسى، يَعْنِي: الْإِنْجِيلَ، وَما أُوتِيَ: أُعْطِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، أَيْ:
نُؤْمِنُ بِالْكُلِّ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَنُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ كَمَا فَعَلَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.
«٩٢» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا محمد بن
وهو في «شرح السنة» ١٢٥ بهذا الإسناد.
خرّجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» ٤٤٨٥ عن محمد بن بشار بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٤٤٨٥ و٧٣٦٢ و٧٥٤٢ والنسائي في «الكبرى» ١١٣٨٧ والبيهقي في «الشعب» ٥٢٠٧ من حديث أبي هريرة.
- وفي الباب من حديث أبي نملة عند أبي داود ٣٦٤٤ وعبد الرزاق ٢٠٠٥٩ وأحمد (٤/ ١٣٦) وابن حبان ٦٢٥٧ والطبراني في «الكبير» (٢٢/ ٨٧٤- ٨٧٩) والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (١/ ٣٨٠) وابن الأثير في «أسد الغابة» (٦/ ٣١٥) والمزي في «تهذيب الكمال» في ترجمة أبي نملة.
(١) في المخطوط «عنه».
(٢) زيد في نسخ المطبوع.
(٣) في المخطوط «المختتن».
كان أهل الكتاب يقرؤون التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ» الْآيَةَ.
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ، أَيْ: بِمَا آمَنْتُمْ بِهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ يقرؤها ابن عباس، و (المثل) صِلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١]، أَيْ: لَيْسَ هُوَ كَشَيْءٍ [١]، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَإِنْ آمَنُوا بِجَمِيعِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ، أَيْ: أَتَوْا بِإِيمَانٍ كَإِيمَانِكُمْ وَتَوْحِيدٍ كَتَوْحِيدِكُمْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَإِنْ آمَنُوا مِثْلَ مَا أَمِنْتُمْ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مَرْيَمَ: ٢٥]، وَقَالَ أَبُو مُعَاذٍ النَّحْوِيُّ: مَعْنَاهُ فَإِنْ آمَنُوا بِكِتَابِكُمْ كَمَا آمَنْتُمْ بِكِتَابِهِمْ: فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ، أَيْ: فِي خِلَافٍ وَمُنَازَعَةٍ، قَالَهُ [٢] ابْنُ عَبَّاسٍ وعطاء، يقال: شَاقَّ مُشَاقَّةً إِذَا خَالَفَ، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ آخِذٌ فِي شِقٍّ غَيْرِ شِقِّ صَاحِبِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي [هُودٍ: ٨٩]، أَيْ: خِلَافِي، وَقِيلَ: فِي عَدَاوَةٍ، دليله قوله تعالى:
ِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ
[الْأَنْفَالِ: ١٣]، أَيْ عَادُوا اللَّهَ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ: يَا مُحَمَّدُ، أَيْ يَكْفِيكَ شَرَّ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَقَدْ كُفِيَ بِإِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَتْلِ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهُوَ السَّمِيعُ: لأقوالهم، الْعَلِيمُ بأحوالهم [٣].
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٣٨ الى ١٤٠]
صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (١٣٨) قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٠)
صِبْغَةَ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ: دِينَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ صِبْغَةً لِأَنَّهُ يَظْهَرُ أَثَرُ الدِّينِ عَلَى الْمُتَدَيِّنِ، كَمَا يَظْهَرُ أَثَرُ الصَّبْغِ عَلَى الثَّوْبِ [٤]، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمُتَدَيِّنَ يَلْزَمُهُ وَلَا يُفَارِقُهُ كَالصَّبْغِ يَلْزَمُ الثَّوْبَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِطْرَةَ اللَّهِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: سُنَّةَ اللَّهِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْخِتَانَ لِأَنَّهُ يَصْبُغُ صَاحِبَهُ بِالدَّمِ، وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ أَنَّ النَّصَارَى إِذَا وُلِدَ لِأَحَدِهِمْ وَلَدٌ فَأَتَى [٥] عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ غَمَسُوهُ فِي مَاءٍ لَهُمْ أَصْفَرُ، يُقَالُ لَهُ: المعمودية، وَصَبَغُوهُ بِهِ لِيُطَهِّرُوهُ بِذَلِكَ الْمَاءِ مَكَانَ الْخِتَانِ، فَإِذَا فَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ قَالُوا: الْآنَ صَارَ نَصْرَانِيًّا حَقًّا، فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ دِينَهُ الْإِسْلَامُ لَا مَا يَفْعَلُهُ النَّصَارَى، وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ، يَعْنِي: الْزَمُوا دِينَ اللَّهِ، قَالَ الْأَخْفَشُ: هِيَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً: دِينًا، وَقِيلَ: تَطْهِيرًا، وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ: مُطِيعُونَ.
قُلْ: يَا مُحَمَّدُ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ، أَيْ: فِي دِينِ اللَّهِ، والمحاجة:
المجادلة [٦] لِإِظْهَارِ الْحُجَّةِ، وَذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانُوا مِنَّا وَعَلَى ديننا، وديننا أقدم فَنَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ، فَقَالَ الله: قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ، وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ، أَيْ: نَحْنُ وَأَنْتُمْ سَوَاءٌ فِي اللَّهِ فَإِنَّهُ رَبُّنَا
(٢) في المطبوع «قال» :.
(٣) في المخطوط «لأقوالكم- بأحوالكم».
(٤) في المطبوع وحده «أثر الثوب على الصبغ».
(٥) في المطبوع «وفاتت».
(٦) زيد في نسخ المطبوع «في الله».
قال الله تَعَالَى: أَمْ تَقُولُونَ، يَعْنِي: أَتَقُولُونَ [صيغته] [٢] صِيغَةُ اسْتِفْهَامٍ، وَمَعْنَاهُ التَّوْبِيخُ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ بِالتَّاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ، وَقَالَ بَعْدَهُ: قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ، يَعْنِي: يَقُولُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى: إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ: يَا مُحَمَّدُ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِدِينِهِمْ أَمِ اللَّهُ؟ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا. وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ: أَخْفَى شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ تعالى، وَهِيَ عِلْمُهُمْ بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَبَنِيهِ كَانُوا مُسْلِمِينَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ وَرَسُولٌ أَشْهَدَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي كُتُبِهِمْ، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٤١ الى ١٤٣]
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤١) سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٤٣)
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤١)، كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ: الْجُهَّالُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ، أي شيء صَرَفَهُمْ وَحَوَّلَهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها، يَعْنِي: بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَالْقِبْلَةُ فِعْلَةٌ مِنَ الْمُقَابَلَةِ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَمُشْرِكِي مَكَّةَ، طَعَنُوا فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى مَكَّةَ فَقَالُوا لِمُشْرِكِي مَكَّةَ: قَدْ تَرَدَّدَ عَلَى مُحَمَّدٍ أَمْرُهُ فَاشْتَاقَ إِلَى مَوْلِدِهِ وَقَدْ تَوَجَّهَ نَحْوَ بَلَدِكُمْ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى دِينِكُمْ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ: ملكا وَالْخَلْقُ عَبِيدُهُ، يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً، نَزَلَتْ فِي رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ، قَالُوا لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: مَا تَرَكَ مُحَمَّدٌ قِبْلَتَنَا إِلَّا حَسَدًا وَإِنَّ قِبْلَتَنَا قِبْلَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَقَدْ عَلِمَ مُحَمَّدٌ أَنَّا عَدْلٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ مُعَاذٌ: إِنَّا عَلَى حَقٍّ وَعَدْلٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً أَيْ [٣] : وَهَكَذَا، وَقِيلَ: الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ، وهي مَرْدُودَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا [البقرة: ١٣٠]، أَيْ: كَمَا اخْتَرْنَا إِبْرَاهِيمَ وَذُرِّيَّتَهُ واصطفيناهم، كذلك جعلناكم أمة، وَسَطاً، أَيْ: عَدْلًا خِيَارًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قالَ أَوْسَطُهُمْ [الْقَلَمِ: ٢٨]، أَيْ: خَيْرُهُمْ وَأَعْدَلُهُمْ، وَخَيْرُ الْأَشْيَاءِ أَوْسَطُهَا، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي أَهْلَ دِينٍ وَسَطٍ بَيْنِ الْغُلُوِّ وَالتَّقْصِيرِ لِأَنَّهُمَا
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) العبارة في المخطوط، وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً أَيْ: وَهَكَذَا. وَقِيلَ: الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ، أَيْ كَمَا اخْتَرْنَا إِبْرَاهِيمَ وَذُرِّيَّتَهُ واصطفيناهم كذلك جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا، مَرْدُودَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا [وسطا] أي عدلا وخيارا».
«٩٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَعْشَرٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْوَرَّاقُ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى، أَنَا أَبُو الصَّلْتِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ الْعَصْرِ، فَمَا تَرَكَ شَيْئًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كانت الشمس على رؤوس النخل وأطراف الحيطان [١]، قال: «إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا، أَلَا وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُوُفِّي سَبْعِينَ أُمَّةً هِيَ آخِرُهَا وَأَخْيَرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى»، قَوْلُهُ تَعَالَى: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغَتْهُمْ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:
قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ؟ قَالَ: أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُهَدَاءُ عَلَى مَنْ يَتْرُكُ الْحَقَّ مِنَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ: مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ شَهِيداً: مُعَدِّلًا مُزَكِّيًا لَكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْمَعُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ لِكُفَّارِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ: ألم يأتكم نذير؟
فَيُنْكِرُونَ وَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ، فَيَسْأَلُ اللَّهُ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ عَنْ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ:
كَذَبُوا قَدْ بَلَّغْنَاهُمْ، فَيَسْأَلُهُمُ [٢] الْبَيِّنَةَ- وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ إِقَامَةً لِلْحُجَّةٍ- فَيُؤْتَى بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْهَدُونَ لَهُمْ أنهم بَلَّغُوا فَتَقُولُ الْأُمَمُ الْمَاضِيَةُ مِنْ أين علموا [ذلك و] [٣] إنما أَتَوْا بَعْدَنَا؟ فَيَسْأَلُ هَذِهِ الْأُمَّةَ فَيَقُولُونَ:
أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا وَأَنْزَلْتَ عليه كتابا أخبرتنا فيه بتبليغ الرُّسُلِ وَأَنْتَ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرْتَ، ثُمَّ يُؤْتَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسْأَلُ عَنْ حَالِ أُمَّتِهِ فَيُزَكِّيهِمْ وَيَشْهَدُ بِصِدْقِهِمْ.
«٩٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أخبرنا محمد بن إسماعيل [البخاري]، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا أبو أسامة حدثنا الْأَعْمَشُ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، فَيَسْأَلُ أُمَّتَهُ هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيُقَالُ: مَنْ شُهُودُكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ»، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا
٩٤- إسناده صحيح، محمد بن إسماعيل هو البخاري إمام فن علم الحديث. أبو أسامة اسمه حماد بن أسامة، مشهور بكنيته، الأعمش هو سليمان بن مهران، أبو صالح اسمه ذكوان.
خرّجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» ٧٣٤٩ عن إسحاق بن منصور بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٣٣٣٩ و٤٤٨٧ و٧٣٤٩ والترمذي بإثر ٢٩٦١ وابن ماجه ٤٢٨٤ وأحمد (٣/ ٥٨) وابن حبان ٧٢١٦ والطبري ٢١٦٥ و٢١٦٦ مختصرا ومطوّلا كلهم من حديث أبي سعيد الخدري.
(١) الحائط: البستان.
(٢) في المطبوع وحده «فيسأل».
(٣) ما بين المعقوفتين في المطبوع «أو».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها، أي: تحويلها، يعني عن بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِلْجَعْلِ مَحْذُوفًا عَلَى تَقْدِيرِ: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا مَنْسُوخَةً، وَقِيلَ مَعْنَاهُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا وَهِيَ الْكَعْبَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [آل عمران: ١١٠]، أَيْ: أَنْتُمْ، إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ، فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ إِلَّا لِنَعْلَمَ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْأَشْيَاءِ كُلِّهَا قَبْلَ كَوْنِهَا؟ قِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْعِلْمَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا هُوَ عَالِمٌ بِهِ فِي الْغَيْبِ، إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بما يوجد معناه لنعلم الْعِلْمَ [١] الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ عَلَيْهِ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ، وَقِيلَ: إِلَّا لِنَعْلَمَ، أَيْ: لِنَرَى وَنُمَيِّزَ مَنْ يَتَّبِعُ الرسول في القبلة [التي أردناها في أزلنا] [٢]، مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ، فَيَرْتَدُّ، وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ الْقِبْلَةَ لَمَّا حُوِّلَتِ ارْتَدَّ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إلى [دين] [٣] الْيَهُودِيَّةِ، وَقَالُوا:
رَجَعَ مُحَمَّدٌ إِلَى دِينِ آبَائِهِ» [٤]، وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: مَعْنَاهُ إِلَّا لِعِلْمِنَا مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ، كَأَنَّهُ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّ تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ سَبَبٌ لِهِدَايَةِ قَوْمٍ وَضَلَالَةِ قَوْمٍ، وَقَدْ يَأْتِي لَفْظُ الِاسْتِقْبَالِ بِمَعْنَى الْمَاضِي، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ [الْبَقَرَةِ: ٩١]، أَيْ: فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ [٥] ؟ وَإِنْ كانَتْ، أي: وقد كانت، أي [٦] تولية القبلة، وَقِيلَ: الْكِتَابَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَقِيلَ: إِلَى الْكَعْبَةِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: وَإِنْ كَانَتِ التَّحْوِيلَةُ لَكَبِيرَةً: ثَقِيلَةً شَدِيدَةً، إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ، أَيْ: هَدَاهُمُ اللَّهُ، قَالَ سيبويه: وَإِنْ تأكيد شبيه باليمين، وَلِذَلِكَ دَخَلَتِ اللَّامُ فِي جَوَابِهَا، وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ.
ع «٩٥» وَذَلِكَ أَنَّ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ وَأَصْحَابَهُ مِنَ الْيَهُودِ، قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: أَخْبِرُونَا عَنْ صَلَاتِكُمْ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِنْ كَانَتْ هُدًى، فَقَدْ تَحَوَّلْتُمْ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ ضَلَالَةً فَقَدْ دِنْتُمُ اللَّهَ بِهَا؟ وَمَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَيْهَا فَقَدْ مَاتَ عَلَى الضَّلَالَةِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِنَّمَا الْهُدَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَالضَّلَالَةُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، قَالُوا: فَمَا شَهَادَتُكُمْ عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَى قِبْلَتِنَا، وَكَانَ قَدْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ إلى الكعبة مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، مِنْ بَنِي النَّجَّارِ وَالْبَرَاءُ بْنُ معرور من بني سلمة، وكانا مِنَ النُّقَبَاءِ، وَرِجَالٌ آخَرُونَ، فَانْطَلَقَ عشائرهم إلى
٢ سقط من نسخ المطبوع.
٣ سقط من نسخ المطبوع.
(٤) لا أصل له بهذا اللفظ، ولم يلتحق باليهودية من المسلمين أحد، بل ولم يرتد أحد من المسلمين بسبب تحول القبلة، وقد أخرج الطبري ٢٢١٠ عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ؟ فقال عطاء: يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره. قال ابن جريج: بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا: مرة هاهنا ومرة هاهنا اهـ.
ومرسل ابن جريج هذا ليس بشيء، قال أحمد: بعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج، أحاديث موضوعة، كان لا يبالي من أين يأخذها. راجع «الميزان» (٢/ ٦٥٩).
(٥) في المخطوط «قتلتم» دون «فلم».
(٦) في المطبوع وحده «أو».
٩٥- ع لم أره مسندا بهذا السياق. وبنحوه أخرج أبو داود ٤٦٨٠ والترمذي ٢٩٦٤ والطيالسي ٢٦٧٣ وأحمد (١/ ٢٩٥ و٣٠٤) والدارمي (١/ ٢٨١) والطبري ٢٢٢٤ والحاكم (٢/ ٢٦٩) والطبراني ١١٧٢٩ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا توجه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله، فكيف الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ وإسناده حسن لأجل سماك بن حرب، وقد توبع.
فقد ورد من حديث البراء بن عازب وفيه: «مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ، وَقُتِلُوا، فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ» أخرجه البخاري ٤٠ و٤٤٨٦ ومسلم ٥٢٥ والترمذي ٣٤٠ وابن ماجه ١٠١٠ وأحمد (٤/ ٢٨٣) وابن حبان ١٧١٦، وفي الباب أحاديث.
يَعْنِي: صَلَاتَكُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.
قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَابْنُ عامر وحفص «لرؤوف» مشبعا عَلَى وَزْنِ فَعُولٍ، لِأَنَّ أَكْثَرَ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى فَعُولٍ وَفَعِيلٍ، كَالْغَفُورِ وَالشَّكُورِ [وَالرَّحِيمِ وَالْكَرِيمِ] [٢] وَغَيْرِهَا، وَأَبُو جَعْفَرٍ يُلِينُ الْهَمْزَةَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالِاخْتِلَاسِ عَلَى وَزْنِ فَعُلٍ، قَالَ جَرِيرٌ:
[تَرَى] [٣] لِلْمُسْلِمِينَ عليك حقا... كفعل الوالد [٤] الرؤوف الرحيم
والرأفة: أشد الرحمة.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٤٤]
قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤)
قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ، هَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً فِي التِّلَاوَةِ فَهِيَ مُتَقَدِّمَةٌ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّهَا رَأْسُ الْقِصَّةِ، وَأَمْرُ الْقِبْلَةِ أَوَّلُ مَا نُسِخَ مِنْ أُمُورِ الشَّرْعِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُصَلُّونَ بِمَكَّةَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى المدينة أمره أَنْ يُصَلِّيَ نَحْوَ صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، لِيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى تَصْدِيقِ الْيَهُودِ إِيَّاهُ إِذَا صَلَّى إِلَى قِبْلَتِهِمْ مَعَ مَا يَجِدُونَ مِنْ نَعْتِهِ فِي التَّوْرَاةِ، فَصَلَّى بَعْدَ الْهِجْرَةِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وكان يجب أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ قِبْلَةَ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلام، ع «٩٦» وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ يُحِبُّ ذَلِكَ من أجل الْيَهُودِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: يُخَالِفُنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دِينِنَا وَيَتَّبِعُ قِبْلَتَنَا، فَقَالَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَدِدْتُ لَوْ حَوَّلَنِي اللَّهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَإِنَّهَا قِبْلَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ»، فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِثْلُكَ وَأَنْتَ كَرِيمٌ عَلَى رَبِّكَ فَسَلْ أَنْتَ رَبَّكَ فَإِنَّكَ عِنْدَ الله عزّ وجلّ بمكان، فعرج جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدِيمُ النَّظَرَ إِلَى السَّمَاءِ رَجَاءَ أَنْ يَنْزِلَ جِبْرِيلُ بِمَا يُحِبُّ مِنْ أَمْرِ الْقِبْلَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ.
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً، فَلْنُحَوِّلُنَّكَ إِلَى قِبْلَةٍ تَرْضاها، أَيْ: تُحِبُّهَا وَتَهْوَاهَا، فَوَلِّ، أَيْ: حَوِّلْ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، أَيْ: نَحْوَهُ، وَأَرَادَ بِهِ الْكَعْبَةَ، وَالْحَرَامُ: الْمُحَرَّمُ، وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ، مِنْ بَرٍّ [أَوْ بَحْرٍ] [٥] شَرْقٍ أَوْ غَرْبٍ: فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، عند الصلاة.
- وفي الباب من حديث البراء بن عازب عند ابن ماجه ١٠١٠.
قال البوصيري في «الزوائد» : حديث البراء صحيح رجاله ثقات اهـ.
وله علة وهي أن الجماعة رووه بغير هذا السياق، وليس فيه جبريل، ولا مخاطبة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم له، ولعل الوهن فيه بسبب عنعنة أبي إسحاق السبيعي، فإنه مدلس، وقد عنعن. وشيخ ابن ماجه وهو علقمة بن عمرو صدوق يغرب.
(١) سقط من المطبوع وحده.
(٢) سقط من المخطوط. [.....]
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) في المطبوع «الواحد» والمثبت عن «الوسيط» (١/ ٢٢٨) وديوان جرير ٦٠٨.
(٥) العبارة في المطبوع «أو نحو».
سمعت ابن عباس قَالَ:.
لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي قِبَلِ الْكَعْبَةِ وَقَالَ: «هَذِهِ الْقِبْلَةُ».
«٩٨» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ على أهل مسجد وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إذا كان يصلّي قبل بيت المقدس، وأهل الْكِتَابِ، فِلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَقَالَ الْبَرَاءُ فِي حَدِيثِهِ هَذَا: أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ وَقُتِلُوا فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [البقرة: ١٤٣].
وَكَانَ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ فِي رَجَبٍ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ قَبْلَ قِتَالِ بدر بشهرين.
ع «٩٩» قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ بَنِي سلمة، وقد صلّى بأصحابه
وهو في «شرح السنة» ٤٤٩ بهذا الإسناد.
خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» ٣٩٨ عن إسحاق بن نصر بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٣٣٠ من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج به.
- وفي الباب من حديث أسامة بن زيد عند مسلم ١٣٣٠ والنسائي (٥/ ٢٢٠- ٢٢١) وعبد الرزاق ٩٠٥٦ وابن حبان ٣٢٠٨ والطبري ٢٢٥٧ و٢٢٦٠ والبيهقي (٢/ ٣٢٨).
٩٨- إسناده صحيح على شرط البخاري. زهير هو ابن معاوية، وأبو إسحاق هو السبيعي، اسمه عمرو بن عبد الله الهمداني.
أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» ٤٠ عن عمرو بن خالد بهذا الإسناد وأخرجه البخاري ٣٩٩ و٤٤٨٦ و٤٤٩٢ و٧٢٥٢ ومسلم ٥٢٥ والترمذي ٣٤٠ و٢٩٦٢ والنسائي (٢/ ٦٠) وابن ماجه ١٠١٠ والطيالسي ٧١٩ وابن أبي شيبة (١/ ٣٣٤) وأحمد ٤/ ٢٨٣ وأبو عوانة ١/ ٣٩٣ و٣٩٤ وابن حبان ١٧١٦ والدارقطني (١/ ٢٧٣) والبغوي في «شرح السنة» ٤٤٥ والبيهقي (٢/ ٢) من طرق عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ به.
٩٩- ع ضعيف بهذا اللفظ.
عزاه المصنف لمجاهد وغيره، وإسناده إلى مجاهد في مقدمة الكتاب، وفيه مسلم بن خالد الزنجي، وهو ضعيف، ومع ذلك هو مرسل. وذكره ابن سعد في «الطبقات» (١/ ١٨٦) بقوله: «ويقال:
صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم ركعتين | » فذكره بدون إسناده. |
- وقال الحافظ في تخريج الكشاف (١/ ٢٠٢) : أخرجه الواقدي في المغازي، ونقله عنه ابن سعد ثم أبو الفتح اليعمري اهـ. والواقدي متروك الحديث، وهذا المتن بهذا اللفظ منكر ضعيف. والصحيح ما بعده.
وَقِيلَ: كَانَ التَّحْوِيلُ خَارِجَ الصَّلَاةِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَأَهْلُ قُبَاءٍ وَصَلَ إِلَيْهِمُ الْخَبَرُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ.
«١٠٠» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ السَّامِرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكٍ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ:
بَيْنَا النَّاسُ بقباء في صلاة الصبح إذا جَاءَهُمْ آتٍ وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ.
فَلَمَّا تَحَوَّلَتِ الْقِبْلَةُ قَالَتِ الْيَهُودُ: يَا مُحَمَّدُ مَا هُوَ إِلَّا شَيْءٌ تَبْتَدِعُهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِكَ فَتَارَةً تُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَتَارَةً إِلَى الْكَعْبَةِ، وَلَوْ ثَبَتَّ عَلَى قِبْلَتِنَا لَكُنَّا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ صَاحِبَنَا الَّذِي نَنْتَظِرُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى:
وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ، يَعْنِي: أَمْرَ الْكَعْبَةِ، الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، ثُمَّ هَدَّدَهُمْ فَقَالَ: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالتَّاءِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ أَنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ تَطْلُبُونَ مَرْضَاتِي وَمَا أَنَا بِغَافِلٍ عَنْ ثَوَابِكُمْ [٢] وَجَزَائِكُمْ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ، يَعْنِي: مَا أَنَا بِغَافِلٍ عَمَّا يَفْعَلُ الْيَهُودُ فَأُجَازِيهِمْ في الدنيا وفي الآخرة.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٤٥]
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٤٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، يَعْنِي: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، قَالُوا: ائْتِنَا بِآيَةٍ على ما تقول، قال اللَّهُ تَعَالَى: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ: مُعْجِزَةٍ، مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ، يَعْنِي:
الْكَعْبَةَ، وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ، لِأَنَّ الْيَهُودَ تَسْتَقْبِلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَهُوَ الْمَغْرِبُ، وَالنَّصَارَى تَسْتَقْبِلُ الْمَشْرِقَ، وَقِبْلَةُ الْمُسْلِمِينَ الْكَعْبَةُ.
«١٠١» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ محمد الجراحي [٣]،
(٢) في المخطوط «توليتكم».
(٣) في المطبوع «بن الجراح» بدل «الجراحي» والمثبت عن «شرح السنة» ووقع في المخطوط «الخزاعي».
١٠٠- إسناده صحيح. أبو مصعب أحد الأئمة الذين رووا الموطأ عن مالك وهو من فوقه رجال البخاري ومسلم، وهو إسناد كالشمس.
وهو في «شرح السنة» ٤٤٦ بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (١/ ١٩٥) عن ابن دينار به.
وأخرجه البخاري ٤٠٣ و٤٤٨٨ و٤٤٩٠ و٤٤٩١ و٤٤٩٤ و٧٢٥١ ومسلم ٥٢٦ والنسائي (٢/ ٦١) والشافعي (١/ ٦٤) وابن أبي شيبة (١/ ٣٣٥) وأحمد (٢/ ١٦ و٢٦ و١٠٥) والدارمي ٢٨١ وأبو عوانة (١/ ٣٩٤) وابن حبان ١٧١٥ والبيهقي (٢/ ٢ و١١) من طرق من حديث ابن عمر.
١٠١- حديث حسن بشواهده وطرقه. إسناده لا بأس به لأجل عبد الله بن جعفر المخرمي. وباقي رجال الإسناد ثقات.
وهو في «شرح السنة» ٤٤٧ بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق الترمذي، وهو في «سننه» ٣٤٤ عن الحسن بن بكر بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي ٣٤٢ و٣٤٣ وابن ماجه ١٠١١ من وجه آخر عن أبي معشر نجيح عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعا بلفظ: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» وعلّقه النسائي (٤/ ١٧٢) وقال: أبو معشر ضعيف، مع ضعفه اختلط وعنده مناكير.
وقال الترمذي عقب الروآية الأولى والثانية: أبو معشر اسمه نجيح قال البخاري: لا أروي عنه شيئا. ثم قال الترمذي: قال البخاري. وحديث الأخنسي أقوى من حديث أبي معشر وأصح اهـ.
- وحديث الأخنسي في الروآية الثالثة للترمذي.
- وله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه الدارقطني (١/ ٢٧٠) والبيهقي (٢/ ٩) وصححه الحاكم (١/ ٢٠٥) وقال: على شرطهما! وسكت الذهبي! مع أن فيه شعيب بن أيوب تفرد عنه أبو داود، وهو ثقة، لكنه مدلس ثم ساقه الحاكم من وجه آخر عن ابن عمر وقال: هذا حديث صحيح وقد أوفقه جماعة على ابن عمر، ووافقه الذهبي سكوتا.
- وفي «نصب الرآية» (١/ ٣٠٣) قال الزيلعي: هذا الحديث تكلم فيه أحمد وقوّاه البخاري. وقال ابن أبي حاتم في «العلل» ٥٢٨: قال أبو زرعة: هذا حديث فيه وهم. بل هو موقوف على ابن عمر اهـ. قلت: قد ورد من حديث أبي هريرة، من طريقين، أحدهما يقرب من الحسن بمفرده.
- لذا صححه الألباني في الإرواء (٢/ ١٠٢) لهذه الطرق، ومع ذلك لا يبلغ درجة الصحة فهو معلول. بعضهم أعله بالإرسال وبعضهم أعله بالوقف، وحسبه أن يكون حسنا، وقد ورد عن عمر قوله، أخرجه مالك (١/ ٢٠١).
وَأَرَادَ بِهِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَرَادَ بِالْمُشْرِقِ: مَشْرِقَ الشِّتَاءِ في أقصر يوم من السَّنَةِ، وَبِالْمَغْرِبِ:
مَغْرِبَ الصَّيْفِ فِي أَطْوَلِ يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ، فَمَنْ جَعَلَ مَغْرِبَ الصَّيْفِ فِي هَذَا الوقت عن [٣] يمينه ومشرق الشتاء عن يَسَارِهِ كَانَ وَجْهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ. وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ: مُرَادَهُمُ، الْخِطَابُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْأُمَّةُ، مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ، من الْحَقِّ فِي الْقِبْلَةِ، إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٤٦ الى ١٤٨]
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ، يَعْنِي: مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَأَصْحَابَهُ، يَعْرِفُونَهُ، يَعْنِي: يَعْرِفُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ: مِنْ بَيْنِ الصِّبْيَانِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ فَكَيْفَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةُ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَا عُمَرُ لَقَدْ عَرَفْتُهُ حِينَ رأيته كما أعرف [٤] ابْنِي، وَمَعْرِفَتِي بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدُّ مِنْ مَعْرِفَتِي بابني، فقال عمر: وكيف ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ حَقٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ نَعَتَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِنَا، وَلَا أَدْرِي مَا تَصْنَعُ النِّسَاءُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَفَّقَكَ اللَّهُ يَا ابْنَ سَلَامٍ فَقَدْ صَدَقْتَ [٥]، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ
و «شرح السنة».
(٢) لفظ «قبلة» في نسخ المطبوع في أول الأثر، والمثبت عن المخطوط وكتب الحديث وشرح السنة.
(٣) في المطبوع «على». [.....]
(٤) في المطبوع «عرفت».
(٥) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١/ ٢٧١) ونسبه للثعلبي من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن ابن عباس، وإسناده ساقط، لكن ورد من وجوه أخر واهية.
ثُمَّ قَالَ: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، أَيْ: هَذَا الْحَقُّ، خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ، وَقِيلَ: رفع بإضمار فعل، أي:
جاء الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ: الشَّاكِّينَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ
، أَيْ: لِأَهْلِ كُلِّ مِلَّةٍ قِبْلَةٌ، وَالْوِجْهَةُ: اسْمٌ لِلْمُتَوَجَّهِ إِلَيْهِ، وَمُوَلِّيها
، أي: مستقبلها، ومقبل عليها، يُقَالُ: وَلَّيْتُهُ، وَوَلَّيْتُ إِلَيْهِ إِذَا أقبلت عليه، وَوَلَّيْتُ عَنْهُ إِذَا أَدْبَرْتُ عَنْهُ، قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ مُوَلِّيهَا وَجْهَهُ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَعْنِي [اللَّهُ تعالى] [١] :
مُوَلِّي الْأُمَمِ إِلَى قِبْلَتِهِمْ، وَقَرَأَ ابن عامر: «هو مُوَلَّاهَا»، أَيِ: الْمُسْتَقْبِلُ مَصْرُوفٌ إِلَيْهَا، اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ
، أَيْ: إِلَى الْخَيِّرَاتِ، يُرِيدُ بَادَرُوا بِالطَّاعَاتِ، وَالْمُرَادُ: الْمُبَادَرَةُ إِلَى القبول، يْنَ ما تَكُونُوا
: أنتم وأهل الكتاب، أْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً
: يَوْمَ الْقِيَامَةِ فيجزيكم بأعمالكم [إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فشر] [٢]، نَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٤٩ الى ١٥٠]
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩)، قَرَأَ أبو عمرو بالياء، و [قرأ] [٣] الباقون بِالتَّاءِ.
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، وَإِنَّمَا كَرَّرَ لِتَأْكِيدِ [٤] النَّسْخِ، لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا، اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَوَجْهِ قَوْلِهِ: إِلَّا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِذَا تَوَجَّهْتُمْ إِلَى غَيْرِهَا، فَيَقُولُونَ: لَيْسَتْ لَكُمْ قِبْلَةٌ، إِلَّا الذين ظلموا [منهم] [٥] وهم قُرَيْشٌ وَالْيَهُودُ، فَأَمَّا قُرَيْشٌ فَتَقُولُ:
رَجَعَ مُحَمَّدٌ إِلَى الْكَعْبَةِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا الْحَقُّ وَأَنَّهَا قِبْلَةُ آبَائِهِ، فَكَذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى دِينِنَا [وما نحن عليه] [٦]، وَأَمَّا الْيَهُودُ، فَتَقُولُ: لَمْ يَنْصَرِفْ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَعَ عِلْمِهِ أنه حَقٌّ إِلَّا أَنَّهُ يَعْمَلُ بِرَأْيِهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ، يَعْنِي: الْيَهُودَ، وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْمُخَاصَمَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي صَلَاتِهِمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: مَا دَرَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ أَيْنَ قَبِلَتُهُمْ حَتَّى هَدَيْنَاهُمْ نَحْنُ، وَقَوْلُهُ:
إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا، وهم مُشْرِكُو مَكَّةَ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لِمَا صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ [٧] إِلَى الْكَعْبَةِ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ تَحَيَّرَ فِي دِينِهِ وَسَيَعُودُ إِلَى مِلَّتِنَا كَمَا عَادَ إِلَى قِبْلَتِنَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ، وَعَلَى هَذَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحًا، وَقَوْلُهُ: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا، يَعْنِي: لَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ عَلَيْكُمْ إِلَّا
(٢) سقط من نسخ المطبوع.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «لتأييد».
(٥) سقط من المخطوط.
(٦) سقط من نسخ المطبوع.
(٧) في المطبوع «قبلتهم».
حُجَّةً كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الشُّورَى: ١٦]، وَمَوْضِعُ الَّذِينَ خَفْضٌ كَأَنَّهُ قَالَ: [سوى] [١] إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ، وَقَالَ الفراء: نصب [على] الاستثناء، قَوْلُهُ تَعَالَى:
مِنْهُمْ، يَعْنِي: مِنَ النَّاسِ، وَقِيلَ: هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ عَنِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ وَلَكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا يُجَادِلُونَكُمْ بِالْبَاطِلِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ [النِّسَاءِ: ١٥٧]، يَعْنِي: لَكِنْ يَتَّبِعُونَ الظَّنَّ، فَهُوَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ: مَا لَكَ عِنْدِي حَقٌّ إِلَّا أَنْ تظلمني، قَالَ أَبُو رَوْقٍ: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ، يَعْنِي: الْيَهُودَ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّ الْكَعْبَةَ [قبلة] [٢] لإبراهيم، وَوَجَدُوا فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ مُحَمَّدًا سَيُحَوَّلُ إِلَيْهَا، فَحَوَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى إليها لئلا يكون لهم حجة فيقولوا: إِنَّ النَّبِيَّ الَّذِي نَجِدُهُ فِي كِتَابِنَا سَيُحَوَّلُ إِلَيْهَا وَلَمْ تُحَوَّلْ أَنْتَ، فَلَمَّا حُوِّلَ إِلَيْهَا ذَهَبَتْ حُجَّتُهُمْ، إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا، يَعْنِي: إِلَّا أَنْ يَظْلِمُوا فَيَكْتُمُوا مَا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: قَوْلُهُ [٣] إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ، وَلَكِنْ إِلَّا فِي مَوْضِعِ وَاوِ الْعَطْفِ، يَعْنِي: وَالَّذِينَ ظَلَمُوا أَيْضًا لَا يَكُونُ لَهُمْ حُجَّةٌ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ | لَعَمْرِ أَبِيكَ إِلَّا الْفَرْقَدَانِ |
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٥١ الى ١٥٢]
كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (١٥٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ، هذه الكاف للتشبيه، تحتاج إلى شيء ترجع إليه، فقال بعضهم: يرجع إِلَى مَا قَبِلَهَا، مَعْنَاهُ: وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِيَ عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رسولا منكم، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: دَعَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِدَعْوَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا، قَالَ: رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [الْبَقَرَةِ: ١٢٨]، وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [الْبَقَرَةِ: ١٢٩]، فَبَعَثَ اللَّهُ الرَّسُولَ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَعَدَ إِجَابَةَ الدعوة الثانية أن يجعل من [٦] ذُرِّيَّتِهِ أُمَّةً مُسْلِمَةً، يَعْنِي: كَمَا أجبت [٧] دعوته ببعث الرسول، كذلك أَجَبْتُ [٨] دَعْوَتَهُ بِأَنْ أَهْدِيَكُمْ لِدِينِهِ وَأَجْعَلَكُمْ مُسْلِمِينَ، وَأُتِمَّ نِعْمَتِيَ عَلَيْكُمْ بِبَيَانِ شَرَائِعِ الْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالْكَلْبِيُّ: هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا بَعْدَهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ، معناه:
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «قبله».
(٤) زيد في نسخ المطبوع.
(٥) في المطبوع «نعمة». [.....]
(٦) في المطبوع وحده «في».
٧ في المطبوع «أجيبت».
٨ في المطبوع «أجيبت».
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اذْكُرُونِي بِطَاعَتِي أذكركم بمعونتي، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:
[اذْكُرُونِي بطاعتي أذكركم بمغفرتي، وقيل] [١] : اذْكُرُونِي فِي النِّعْمَةِ وَالرَّخَاءِ أَذْكُرْكُمْ في الشدّة والبلاء، بيانه: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) [الصَّافَّاتِ: ١٤٤].
«١٠٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ منه، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنَّ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعَا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً».
«١٠٣» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاضِي، وَثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الدِّمَشْقِيُّ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا مُنْذِرُ بْنُ زياد عن صخر بن
- وهو في «شرح السنة» ١٢٤٤ بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» ٧٤٠٥ عن عمر بن حفص بهذا الإسناد. وأخرجه البخاري ٧٥٠٥ و٧٥٣٧ مختصرا ومسلم ٢٦٧٥ والترمذي ٣٦٠٣ وابن ماجه ٣٨٢٢ وأحمد (٢/ ٢٥١ و٤١٣ و٥١٦ و٥٣٤) وابن خزيمة في «التوحيد» (ص ٧) وابن حبان ٨١١ والبيهقي في «الشعب» ٥٥٠ وفي «الأسماء والصفات» من طريق أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به.
١٠٣- أصل المتن محفوظ.
إسناده ضعيف جدا. فيه منذر بن زياد الطائي، وهو متروك الحديث، وكذبه الفلاس. وقد ساق هذا الحديث بسياق غريب.
وورد بنحوه أخرجه عَبْدِ الرَّزَّاقِ (٢٠٥٧٥) عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قتادة عن أنس مرفوعا ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد (٣/ ١٣٨) والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٦٢٥ والبغوي في «شرح السنة» ١٢٤٣ وصححه.
- وأخرجه البخاري (٧٥٣٦) والطيالسي (٢٠١٢) وأحمد (٣/ ١٢٤) و (١٢٧ و٢٣٠) و (٢٧٢) وأبو يعلى (٣١٨٠) من طريق شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ به مختصرا، وكذا أخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» (٩٦٠) ولفظ البخاري «إذا تقرب إليّ العبد شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ باعا، وإذا أتاني مشيا أتيته هرولة» هذا لفظ البخاري بحروفه.
(١) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع وحده، ومع ذلك هو الصواب كما يدل عليه سياق الطبري ٢٣١٨ والوسيط للواحدي (١/ ٢٣٤).
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ إِنْ ذَكَرَتْنِي فِي نَفْسِكَ ذَكَرْتُكَ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَتْنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُكَ فِي مَلَأٍ خير منه [٢]، وَإِنْ دَنَوْتَ مِنِّي شِبْرًا دَنَوْتُ مِنْكَ ذِرَاعًا وَإِنْ دَنَوْتَ مِنِّي ذِرَاعًا دَنَوْتُ مِنْكَ بَاعًا وَإِنْ مَشَيْتَ إِلَيَّ هَرْوَلْتُ إِلَيْكَ، وَإِنْ هَرْوَلْتَ إِلَيَّ سَعَيْتُ إِلَيْكَ، وَإِنْ سَأَلْتَنِي أَعْطَيْتُكَ، وَإِنْ لَمْ تَسْأَلْنِي غَضِبْتُ عَلَيْكَ».
«١٠٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بن عبيد اللَّهِ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بن عبيد الله [٣]، عَنْ أُمِّ [٤] الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ».
«١٠٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا عبد الرحمن أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ البغوي أخبرنا علي بن
أم الدرداء هي الصغرى اسمها هجيمة، ثقة في عداد التابعين.
هو في «شرح السنة» (١٢٣٥) بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (٣٧٩٢) وأحمد (٢/ ٥٤٠) والحاكم (١/ ٤٩٦) من طريقين عن الأوزاعي بهذا الإسناد، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص ٨٧) من طريق ابن جابر والأوزاعي قالا: حدثنا إسماعيل بن عبيد الله عن كريمة عن أبي هريرة به.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٥١٠ من طريق ابن جابر يقول: حدثني إسماعيل بن عبيد الله عن كريمة بنت الحسحاس المزنية أنها قالت: حدثنا أبو هريرة ونحن في بيت هذه- يعني أم الدرداء.
- قال:.... فذكره. وأخرجه البيهقي ٥٠٩ من وجه آخر عن إسماعيل بن عبيد الله بالإسناد المتقدم.
الخلاصة: روي من عدة طرق عن الأوزاعي، والأوزاعي فمن فوقه رجال البخاري ومسلم، فهو حديث حسن أو صحيح. والله أعلم.
١٠٥- حديث صحيح. إسناده حسن، إسماعيل بن عياش حسن الحديث في روايته عن أهل بلده، وهذا منها. فإن شيخه شامي، ولم ينفرد به بل تابعه غير واحد.
وهو في «شرح السنة» ١٢٣٨ بهذا الإسناد.
أخرجه الترمذي ٣٣٧٥ وابن ماجه ٣٧٩٣ وأحمد (٤/ ١٩٠) وابن حبان ٨١٤ والحاكم (١/ ٤٩٥) من طريق معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس به. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، واستغربه الترمذي ومعاوية بن قيس، صدوق له أوهام وقد خرج له مسلم، وشيخه ثقة.
وأخرجه أحمد (٤/ ١٨٨) من طريق علي بن عياش عن حسان بن نوح عن عمرو بن قيس به.
- وله شاهد من حديث معاذ بن جبل عن ابن السني في «اليوم والليلة» ٢ وابن حبان ٨١٨ والطبراني في «الكبير» (٢٠/ ٩٣ و١٠٧ و١٠٨) من طرق.
وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، صدوق يخطئ، وقال الهيثمي في «المجمع» (١٠/ ٧٤) : رواه الطبراني بأسانيد، وفي هذه الطريق خالد بن يزيد عبد الرحمن بن أبي مالك، ضعفه جماعة، ووثقه أبو زرعة وغيره، وبقية رجاله ثقات. ورواه البزار من غير طريقه، وإسناده حسن اهـ.
الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده، وقد صححه الشيخ شعيب في «الإحسان» والله الموفق.
(١) سقط من المطبوع.
(٢) في المطبوع «منهم».
(٣) وقع في الأصل «عبد» والتصويب من كتب الحديث وكتب التراجم.
(٤) وقع في الأصل «أبي» والمثبت من «ط» ومن «شرح السنة».
جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْ تُفَارِقَ الدُّنْيَا وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ، يَعْنِي: وَاشْكُرُوا لِي بِالطَّاعَةِ وَلَا تَكْفُرُونِي بِالْمَعْصِيَةِ، فَإِنَّ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ، فَقَدْ شَكَرَهُ وَمَنْ عَصَاهُ فَقَدْ كَفَرَهُ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٥٣ الى ١٥٤]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (١٥٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣) : بِالْعَوْنِ وَالنُّصْرَةِ.
وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ، نَزَلَتْ فِي قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، سِتَّةً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَثَمَانِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، كَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: مَاتَ فَلَانٌ وَذَهَبَ عَنْهُ نَعِيمُ الدُّنْيَا وَلَذَّتُهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ [أي هم أَمْوَاتٌ] [٣]، بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لَا تَشْعُرُونَ كَمَا قَالَ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) [آلِ عِمْرَانَ: ١٦٩]، قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى تُعْرَضُ أَرْزَاقُهُمْ عَلَى أَرْوَاحِهِمْ فَيَصِلُ إِلَيْهِمُ الرَّوْحُ وَالْفَرَحُ، كَمَا تُعْرَضُ النَّارُ عَلَى أَرْوَاحِ آلِ فِرْعَوْنَ غُدْوَةً وعشية، فيصل إليهم الوجع.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٥٥ الى ١٥٦]
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ، أَيْ: وَلَنَخْتَبِرَنَّكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّامُ: لِجَوَابِ القسم [المحذوف] [٤]، تَقْدِيرُهُ: وَاللَّهِ لِنَبْلُوَنَّكُمْ، وَالِابْتِلَاءُ [مِنَ اللَّهِ] [٥] لِإِظْهَارِ الْمُطِيعِ مِنَ الْعَاصِي، لَا لِيَعْلَمَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عالما به، بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي خَوْفَ الْعَدُوِّ، وَالْجُوعِ، يَعْنِي: الْقَحْطَ، وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ: بِالْخُسْرَانِ وَالْهَلَاكِ، وَالْأَنْفُسِ، يَعْنِي: بِالْقَتْلِ وَالْمَوْتِ، وَقِيلَ: بِالْمَرَضِ وَالشَّيْبِ [٦]، وَالثَّمَراتِ، يَعْنِي: بالجوائح فِي الثِّمَارِ، وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْخَوْفُ خَوْفُ اللَّهِ تعالى، والجوع
(٢) وقع في الأصل «بشير» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة». [.....]
(٣) سقط من نسخ المطبوع.
(٤) زيد في نسخ المطبوع.
٥ في المخطوط «والتشتيت».
٦ في المخطوط «والتشتيت».
«١٠٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ قَالَ: دَفَنْتُ ابْنِي سِنَانًا وَأَبُو طَلْحَةَ الْخَوْلَانِيُّ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ الْخُرُوجَ أَخَذَ بِيَدِي فَأَخْرَجَنِي فَقَالَ: أَلَا أبشرك؟ حدثني الضحاك [بن عبد الرحمن بن عَرْزَبٍ] [١] عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَاتَ ولد العبد قال الله لِمَلَائِكَتِهِ: أَقَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:
أَقَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَمَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ قَالُوا: اسْتَرْجَعَ وَحَمِدَكَ، قَالَ: ابْنُوا لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ».
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ: عَلَى الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا، ثُمَّ وَصَفَهُمْ فَقَالَ:
الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ: عَبِيدًا وَمِلْكًا، وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ: فِي الْآخِرَةِ.
«١٠٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ [أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أَخْبَرَنَا مُحَاضِرُ بْنُ المورّع [٢] أخبرنا [سعد بن] [٣] سعيد عن
وهو في «شرح السنة» ١٥٤٣ بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي ١٠٢١ والطيالسي ٥٠٨ وأحمد (٤/ ٤١٥) ونعيم بن حماد في «زوائد الزهد» ١٠٨ وابن حبان ٢٩٤٨ من طريق حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سنان به.
(١) وقع في الأصل «عن عروة» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التخريج.
١٠٧- إسناده صحيح على شرط مسلم، مولى أم سلمة هو ابن سفينة، كذا سماه مسلم وغيره. وقال الحافظ في التقريب:
جزم ابن منده بأنه عمر اهـ. أي عمر بن سفينة.
- وهو في «شرح السنة» ١٤٥٦ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٩١٨ وأحمد (٦/ ٣٠٩) والبيهقي في «الشعب» ٩٦٩٧ من طريق سعد بن سعيد عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أفلح عن ابن سفينة مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سلمة به.
- والحديث ورد من طرق كثيرة. فقد أخرجه أبو داود ٣١١٩ والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ١٠٧٢ وابن سعد في «الطبقات» (٨/ ٨٩- ٩٠) وأحمد (٦/ ٣١٣) والطبراني (١٣/ ٥٠٦ و٥٠٧) من طريق حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ البناني عن ابن عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أبيه عن أم سلمة به.
وابن عمر بن أبي سلمة وثقه ابن حبان وقال الحافظ في «التقريب» : مقبول.
- وأخرجه أحمد (٤/ ٢٧- ٢٨) من طريق يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن عمر بن أبي عمرو عن المطلب عن أم سلمة عن أبي سلمة به.
وهذا إسناد قوي رجاله ثقات.
(٢) وقع في الأصل «الموزع» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» و «التقريب».
(٣) ما بين المعقوفتين مستدرك من «صحيح مسلم» ومن «ط» ومن «شرح السنة».
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ عَبْدًا فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أَجِرنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخَلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا آجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا منها»، قالت [٣] : فلما تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ عَزَمَ اللَّهُ لِي فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخَلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، [قالت] [٤] :
فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ فِي الْمُصِيبَةِ مَا أُعْطِيَ هَذِهِ الْأُمَّةُ، يَعْنِي: الِاسْتِرْجَاعَ، وَلَوْ أُعْطِيَهَا أَحَدٌ لَأُعْطِيَهَا يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السلام، ألا تسمع إلى قوله تَعَالَى فِي قِصَّةِ [٥] يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
يَا أَسَفى عَلى يُوسُفَ [يوسف: ٨٤].
[سورة البقرة (٢) : آية ١٥٧]
أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)
أُولئِكَ: أَهْلُ هَذِهِ الصِّفَةِ: عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ، صَلَوَاتٌ: أَيْ: رَحْمَةٌ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مِنَ الله رحمة [٦]، و «رحمة» ذكرها الله تأكيدا، وجمع [٧] الصَّلَوَاتِ، أَيْ رَحْمَةٌ [بَعْدَ رَحْمَةٍ] [٨]، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ: إِلَى الِاسْتِرْجَاعِ، وَقِيلَ: إِلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، وَقِيلَ: إِلَى الْجَنَّةِ وَالثَّوَابِ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: نِعْمَ الْعَدْلَانِ وَنِعْمَتِ الْعِلَاوَةُ فَالْعَدْلَانِ: الصَّلَاةُ وَالرَّحْمَةُ، وَالْعِلَاوَةُ الْهِدَايَةُ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ فِي ثَوَابِ أَهْلِ الْبَلَاءِ وَأَجْرِ الصَّابِرِينَ، مِنْهَا مَا:
«١٠٨» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ [٩] سَعِيدَ [١٠] بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خيرا يصب منه».
«١٠٩» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا [أَحْمَدُ] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
وهو في «شرح السنة» ١٤١٤ بهذا الإسناد.
خرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (٢/ ٩٤١) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بهذا الإسناد.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٥٦٤٥ والنسائي في «الكبرى» ٧٤٧٨ وأحمد (٢/ ٢٣٧) وابن حبان ٢٩٠٧ والقضاعي في «الشهاب» ٣٤٤.
١٠٩- إسناده صحيح على شرط البخاري.
(١) وقع في الأصل «عمرو» والتصويب من كتب التخريج.
(٢) وقع في الأصل «أنا أفلح» والتصويب من «صحيح مسلم» وكتب التراجم.
(٣) في المطبوع «أم سلمة». [.....]
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) زيد في المطبوع وحده «فقد».
(٦) في المطبوع «الرحمة والرحمة».
(٧) في المطبوع وط «وجميع» والمثبت عن المخطوط والوسيط.
(٨) سقط من المطبوع.
(٩) وقع في الأصل «الحبال» والتصويب من كتب التراجم وكتب التخريج.
(١٠) في الأصل «سعد» والتصويب من «ط» ومن «شرح السنة» ومصادر التخريج.
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ [٢] وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ».
«١١٠» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبِيدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِهَا لَمَمٌ [٣] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يَشْفِيَنِي، قَالَ: «إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَكِ وَإِنْ شِئْتِ فَاصْبِرِي وَلَا حِسَابَ عَلَيْكِ»، قَالَتْ: بَلْ أَصْبِرُ وَلَا حِسَابَ عَلَيَّ.
«١١١» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ خَلَفُ بن عبد الرحمن [بن
- وهو في «صحيح البخاري» (٥٦٤١ و٥٦٤٢) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (٢/ ٣٠٣) و (٣/ ١٨ و٤٨) وابن حبان ٢٩٠٥ من طريق زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بن عمرو بن حلحلة به.
وقد توبع مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، فقد أخرجه مسلم ٢٥٧٣ والبيهقي (٣/ ٣٧٣) من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن عطاء بن يسار به.
وأخرجه الترمذي ٩٦٦ وأحمد (٣/ ٤) و (٦١ و٨١) من حديث أبي سعيد الخدري. فقط ليس فيه ذكر أبي هريرة، وفي الباب من حديث عائشة أخرجه البخاري ٥٦٤٠ ومسلم ٢٥٧٢.
(١) وقع في الأصل «عمر» والتصويب من كتب التراجم.
(٢) الوصب: المرض وقيل: المرض اللازم- والنصب: التعب.
(٣) اللمم: طرف من الجنون يلم بالإنسان أي: يقرب منه ويعتريه.
١١٠- إسناده حسن، رجاله ثقات معروفون، سوى محمد بن عمرو وهو حسن الحديث كما قال الذهبي رحمه الله في «الميزان» (٣/ ٦٧٣) خرج له البخاري ومسلم متابعة، أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف، قيل اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، روى له الشيخان.
هو في «شرح السنة» ١٤١٨ بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (٢/ ٤٤١) وابن حبان ٢٩٠٩ من طريق محمد بن عبيد عن محمد بن عمرو.
وأخرجه البزار ٧٧٢ من طريق عمرو بن خليفة عن محمد بن عمرو به.
وأخرجه الحاكم (٤/ ٢١٨) من طريق عبد العزيز بن مسلم عن محمد بن عمرو به وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
وقال الهيثمي في «المجمع» (٢/ ٣٠٧) : رواه البزار وإسناده حسن اهـ. قلت: ومداره على محمد بن عمرو بن علقمة الليثي، وهو صدوق له أوهام كما في «التقريب» وهو حسن الحديث كما قال الذهبي آنفا والله أعلم.
١١١- حديث حسن. إسناده ضعيف، لأجل يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو متهم بسرقة الحديث. ما روى له أحد من الأئمة الستة، حيث لم يذكره الذهبي في «الكاشف»، وذكره في «الميزان» و «المغني» و «ديوان الضعفاء»، ولم يذكر له راو من الأئمة الستة، وإنما ذكره مسلم في صحيحه (٢/ ١٥٥)، ولم يخرج له، فوقع في «التقريب» [رم-، ولم ينفرد به، حيث تابعه غير واحد.
وهو في شرح السنة ١٤٢٨ بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي ٢٣٩٨ وابن ماجه ٤٠٢٣ وأحمد (١/ ١٨٥) وابن حبان ٢٩٠١ والحاكم (١/ ٤١) من طرق عن حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة به. وعاصم حسن الحديث.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح اهـ.
وأخرجه أحمد (١/ ١٧٢ و١٧٣ و١٨٠) والدارمي (٢/ ٣٢٠) والحاكم (١/ ٤١) والبيهقي (٣/ ٣٧٢) عن عاصم به ولصدره شواهد كثيرة، وكذا لعجزه شواهد، وأما أثناؤه فهو حسن إن شاء الله تعالى، والله أعلم. وانظر الحديث ١١٤.
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، يَبْتَلِي اللَّهُ الرَّجُلَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صُلْبًا ابْتُلِيَ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ هُوِّنَ عَلَيْهِ، فَمَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى الْأَرْضِ وما له ذَنْبٍ».
«١١٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عن سعد [٢] بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ عظم الجزاء [٣] مع عظم البلاء، وإنّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِي فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ».
«١١٣» أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ [٤] بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ [٥] أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هريرة قال:
(٢) في الأصل «سعيد» والتصويب عن «شرح السنة» ومصادر التخريج.
(٣) زيد في المطبوع «عند الله» والصواب ما في المخطوط وشرح السنة.
(٤) وقع في الأصل «زيد» والتصويب من كتب التراجم والتخريج.
(٥) في الأصل «وعن» والتصويب من كتب التخريج.
١١٢- إسناده ضعيف لأجل سعد بن سنان، ويقال: سنان بن سعد. ضعفه الدارقطني، وقال النسائي: منكر الحديث. وقال الجوزجاني أحاديثه واهية. ونقل ابن القطان أن أحمد يوثقه.
- وهو في «شرح السنة» ١٤٢٩ بهذا الإسناد، وأخرجه الترمذي ٢٣٩٦ وابن ماجه ٤٠٣١ والقضاعي ١١٢١ من طريق الليث بن سعد عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه اهـ.
ولفظ «فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابتلاهم» له شواهد كثيرة منها ما أخرجه أبو يعلى ٤٢٢٢ من طريق مجاهد بن موسى الختّليّ عن السهمي عن سليمان الحضرمي به مختصرا، والحضرمي لا يعرف وله شواهد أخرى، وأما صدره وعجزه، فلم أجده عند غيره، والله أعلم.
١١٣- حديث جيد. إسناده حسن لأجل محمد بن عمرو، وباقي الإسناد ثقات.
- وهو في «شرح السنة» ١٤٣٠ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٢٣٩٩ وأحمد (٢/ ٢٨٧) و٤٥٠ وابن حبان ٢٩١٣ و٢٩٢٤ والحاكم (١/ ٣٤٦) والبغوي ١٤٣٦ من طرق عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح اهـ.
وأخرجه مالك (١/ ٢٣٦) بلاغا عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن أبي هريرة مرفوعا به، وهذا وإن كان منقطعا، إلا أنه يشهد لما قبله، لاختلاف مخرجه، فالحديث يرقى إلى الجودة، والله أعلم.
«١١٤» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو [عَلِيٍّ] [١] إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ لَا تَزَالُ الرِّيحُ تُفِيئُهُ [٢]، وَلَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلَاءُ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الأرز لَا تَهْتَزُّ [٣] حَتَّى تُسْتَحْصَدَ».
«١١٥» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْعِيزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ عُمَرَ [٤] بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: «عجبا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ حَمِدَ اللَّهَ وَشَكَرَ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ حَمِدَ اللَّهَ وَصَبَرَ، فَالْمُؤْمِنُ يُؤْجَرُ فِي كُلِّ أَمْرِهِ حَتَّى يُؤْجَرَ فِي اللُّقْمَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى فِي امرأته».
[سورة البقرة (٢) : آية ١٥٨]
إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨)
- وهو في «شرح السنة» ١٤٣١ بهذا الإسناد.
و «مصنف عبد الرزاق» ٢٠٣٠٧ عن معمر بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ٢٨٠٩ والترمذي ٢٨٦٦ وأحمد (٢/ ٢٨٣- ٢٨٤) وابن حبان ٢٩١٥ والبغوي ١٤٣٧ من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٥٦٤٤ و٧٤٦٦ وأحمد (٢/ ٥٢٣) من طريق آخر عن أبي هريرة بنحوه.
- وله شاهد من حديث كعب بن مالك أخرجه البخاري ٥٦٤٣ ومسلم ٢٨١٠ والدارمي (٢/ ٣١٠) والرامهرمزي في «الأمثال» ٣٧.
(١) ما بين المعقوفتين مستدرك من «ط» ومن «شرح السنة».
(٢) تفيئه: تميله.
(٣) في المطبوع وحده «تهتم».
(٤) في الأصل «عمرو» والتصويب عن «شرح السنة» ومصادر التخريج.
١١٥- إسناده صحيح. العيزار بن حريث، من رجال مسلم، وباقي الإسناد على شرطهما، أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السّبيعي.
- هو في «شرح السنة» ١٥٣٤ بهذا الإسناد.
- وهو في «مصنف عبد الرزاق» ٢٠٣١٠ عن معمر بهذا الإسناد.
وأخرجه الطيالسي ٢١١ وعبد الرزاق في «المصنف» ٢٠٣١٠ وأحمد (١/ ١٧٣) و (١٧٧ و١٨٢) والطبراني في «الأوسط» ٦١١٩ والبيهقي (٣/ ٣٧٥) و (٣٧٦) من طريق عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وقاص عن أبيه.
- وقال الهيثمي في «المجمع» (٧/ ٢٠٩) : رواه أحمد بأسانيد، ورجالها رجال الصحيح- وقال في موضع آخر (١٠/ ٩٥) : رواه أحمد بأسانيد والطبراني في «الأوسط» والبزار وأسانيد أحمد رجالها رجال الصحيح، وكذلك بعض أسانيد البزار اهـ.
«١١٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الخلال، أخبرنا أبو
- وهو في «شرح السنة» ١٩١٤ بهذا الإسناد.
- وفي «مسند الشافعي» (١/ ٣٥١- ٣٥٢) عن عبد الله بن المؤمل بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (٦/ ٤٢١) والدارقطني (٢/ ٢٥٦) والحاكم (٤/ ٧٠) والطبراني (٢٤/ ٢٢٥- ٢٢٧) والبيهقي (٥/ ٩٨) من حديث حبيبة بنت أبي تجراة، وإسناده ضعيف، لضعف عبد الله بن مؤمل سكت عليه الحاكم. وقال الذهبي: لم يصح.
وضعّف إسناده ابن حجر في «تخريج الكشاف» (١/ ٢٠٩) وقال الزيلعي في «نصب الراية» (٣/ ٥٥) : ورواه إسحاق وابن عدي، وأعله ابن عدي بابن مؤمل، ونقل عن أحمد وابن معين والنسائي تضعيفه. وقال ابن القطان: قد اضطرب فيه ابن المؤمل اضطرابا كثيرا، وذلك دليل على سوء حفظه، وقلة ضبطه اهـ. ملخصا.
- وله شاهد من حديث صفية بنت شيبة أخرجه الطبراني في «الكبير» (٢٤/ ٣٢٣) وإسناده ضعيف فيه المثنى بن الصباح ضعيف وفيه إرسال أيضا.
- وورد عن صفية بنت شيبة عن امرأة أخبرتها... أخرجه أحمد (٦/ ٤٣٧)، وإسناده ضعيف لضعف موسى بن عبيدة الربذي، وبه أعله الهيثمي في «المجمع» (٣/ ٢٤٨/ ٥٥٢٣) وجهالة الصحابي لا تضر.
(١) في المطبوع «لقربات». [.....]
(٢) في المطبوع «والنحر».
(٣) سقط لفظ الجلالة من المخطوط. وهو في- ط- «الله».
(٤) في المطبوع «بالمشاعر».
(٥) في المخطوط والوسيط «يمسحونهما».
أَخْبَرَتْنِي بِنْتُ أَبِي تِجْرَاةَ اسْمُهَا حَبِيبَةُ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. قَالَتْ:
دَخَلْتُ مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ دَارَ آلِ أَبِي حُسَيْنٍ نَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَرَأَيْتُهُ يَسْعَى وَإِنَّ مِئْزَرَهُ لَيَدُورُ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ، حَتَّى لَأَقُولُ: إِنِّي لِأَرَى رُكْبَتَيْهِ [٣]، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ».
«١١٧» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ [٤] مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ:
قُلْتُ لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما، فَمَا أَرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَلَّا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: كَلَّا لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ، كَانَتْ: فَلَا جَنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ [٥]، وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ [٦] أَنْ يَطَّوَّفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا جَاءَ
- وللحديث شاهد آخر من حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في «الأوسط» ٥٠٢٨ وإسناده ضعيف جدا، فيه المفضل بن صدقة قال الهيثمي في «المجمع» ٥٥٢٧: متروك.
- لكن الحديث بطرقه وشواهده يصير حسنا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا سيما وقد قال الحافظ في «الفتح» عقب حديث ١٦٤٣:
له طرق أخرى في صحيح ابن خزيمة، وعند الطبراني عن ابن عباس وإذا انضمت إلى الأولى قويت، والعمدة في الوجوب «خذوا عني مناسككم» اهـ.
(١) وقع في الأصل «نوفل» والتصويب من «ط» ومن «شرح السنة» وكتب التخريج والتراجم.
(٢) وقع في الأصل «محيص» والتصويب من كتب التراجم.
(٣) في المطبوع «ركبته».
(٤) تحرف في المطبوع إلى «الحسين».
(٥) القديد: موضع بين مكة والمدينة كما في «اللسان».
(٦) في المطبوع «يتحرون».
١١٧- إسناده صحيح على شرطهما، عروة هو ابن الزبير.
وهو في «شرح السنة» ١٩١٣ بهذا الإسناد.
وفي «الموطأ» (١/ ٣٧٣) عن هشام بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ١٩٧٠ ومسلم ١٢٧٧ وأبو داود ١٩٠١ وابن ماجه ٢٩٨٦ وابن خزيمة ٢٧٦٩ وابن حبان ٣٨٣٩ من طريق هشام بن عروة عن عروة عن عائشة.
- وأخرجه البخاري ١٦٤٣ ومسلم ١٢٧٧ والترمذي ٢٩٦٥ والنسائي (٥/ ٢٣٧- ٢٣٨) والحميدي ٢١٩ وأحمد (٦/ ١٤٤) وابن حبان ٣٨٤٠ من طريق الزهري عن عروة عن عائشة.
وقال عَاصِمٌ [١] : قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ شَعَائِرِ الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ.
«١١٨» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّفَا يَقُولُ: «نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ»، فَبَدَأَ بِالصَّفَا، وَقَالَ: كَانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى الصَّفَا يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ [٢] وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، يَصْنَعُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَدْعُو وَيَصْنَعُ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: كَانَ إِذَا نَزَلَ مِنَ الصَّفَا مَشَى حَتَّى إذا نصبت قدماه في بطن الوادي سعى [٣] حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ.
قَالَ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَجَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ وَعَلَيْهِ عباءتان قطوانيتان فطاف بالبيت، ثُمَّ صَعِدَ الصَّفَا وَدَعَا ثُمَّ هبط إلى المسعى [٤] وَهُوَ يُلَبِّي فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لبّيك، قال الله تعالى: لبيك عبدي، أنا معك وسامع لك وناظر إليك، فَخَرَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَاجِدًا. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَجَزْمِ الْعَيْنِ، [وَكَذَلِكَ الثَّانِيَةُ: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا [الْبَقَرَةِ: ١٨٤]، بِمَعْنَى: يتطوع، ووافق يعقوب في الأول وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ] [٥]، وَفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ ومن [٦] تطوّع بالطوف بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ فَمَنْ تَطَوَّعَ، أَيْ: زَادَ فِي الطَّوَافِ بَعْدَ الْوَاجِبِ، وَقِيلَ: مَنْ تَطَوَّعَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بَعْدَ أَدَاءِ الْحَجَّةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ: أَرَادَ سَائِرَ الْأَعْمَالِ، يَعْنِي: فِعْلَ غَيْرِ الْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِ مِنْ زَكَاةٍ وَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَغَيْرِهَا [٧] مِنْ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ، فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ، مُجَازٍ لِعَبْدِهِ بِعَمَلِهِ، عَلِيمٌ: بِنِيَّتِهِ، وَالشُّكْرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُعْطِيَ لِعَبْدِهِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّ، يشكر اليسير ويعطي الكثير.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٥٩ الى ١٦٣]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (١٥٩) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١) خالِدِينَ فِيها لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢) وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)
- وهو في «شرح السنة» ١٩١٢ بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (١/ ٣٧٢) من طريق جعفر بن محمد بهذا الإسناد. وأخرجه مسلم ١٢١٨ وأبو داود ١٩٠٥ وابن ماجه ٣٠٧٤ والدارمي ١٧٩٣ من طريق حاتم بن إسماعيل عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أبيه به مطوّلا في أثناء حديث صفة حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» ٣٩٦٧ من طريق الليث عن ابن الهادي عن جعفر بن محمد بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٢٩٦٧ من طريق سفيان عن جعفر بن محمد بهذا الإسناد مختصرا.
(١) عاصم هو ابن سليمان الأحول أحد الأئمة الثقات.
وزيد في المخطوط «أبو» قبل «عاصم» وهو خطأ. [.....]
(٢) زيد في المطبوع «يحيي ويميت» دون المخطوط وشرح السنة.
(٣) في المطبوع «يسعى».
(٤) في المطبوع «السعي».
(٥) ما بين المعقوفتين زيد في نسخ المطبوع.
(٦) في المطبوع «فإن».
(٧) في المطبوع «وغيره».
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا: مِنَ الكفر، وَأَصْلَحُوا: أسلموا أو أصلحوا الْأَعْمَالَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ، وَبَيَّنُوا: مَا كَتَمُوا، فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ: أتجاوز عنهم [جميع سيئاتهم] [٥] وَأَقْبَلُ تَوْبَتَهُمْ، وَأَنَا التَّوَّابُ: الرَّجَّاعُ بِقُلُوبِ عِبَادِي الْمُنْصَرِفَةِ عَنِّي إِلَيَّ، الرَّحِيمُ: بِهِمْ بَعْدَ إِقْبَالِهِمْ عَلَيَّ.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ، أَيْ: لَعْنَةُ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: هَذَا يوم القيامة يوقف الكافر فليعنه اللَّهُ ثُمَّ تَلْعَنُهُ الْمَلَائِكَةُ ثُمَّ يَلْعَنُهُ النَّاسُ، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وَالْمَلْعُونُ هُوَ [٦] مِنْ جُمْلَةِ النَّاسِ، فَكَيْفَ يَلْعَنُ نَفْسَهُ؟ قِيلَ: يَلْعَنُ نَفْسَهُ فِي الْقِيَامَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الْعَنْكَبُوتِ: ٢٥]، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ يَلْعَنُونَ الظَّالِمِينَ وَالْكَافِرِينَ، وَمَنْ يَلْعَنُ الظَّالِمِينَ وَالْكَافِرِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ فَقَدْ لَعَنَ نَفْسَهُ.
خالِدِينَ فِيها مُقِيمِينَ فِي اللَّعْنَةِ وَقِيلَ فِي النَّارِ، لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ لَا يُمْهَلُونَ وَلَا يُؤَجَّلُونَ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: لَا يُنْظَرُونَ فَيَعْتَذِرُوا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) [الْمُرْسَلَاتِ: ٣٦].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)، سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ صِفْ لَنَا رَبَّكَ وَانْسُبْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَسُورَةَ الْإِخْلَاصِ، وَالْوَاحِدُ:
الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا شَرِيكَ لَهُ.
«١١٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أبو جعفر
١ زيادة عن المخطوط.
٢ زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «عن».
(٤) في المخطوط «وقال».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المخطوط «نفسه» بدل «هو».
سَمِعْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ اسم الله الأعظم: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)، واللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ» [البقرة: ٢٥٥].
[سورة البقرة (٢) : آية ١٦٤]
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤)
قَالَ أَبُو الضُّحَى: لِمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ: إِنَّ إِلَهَكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، ذَكَرَ السَّمَاوَاتِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَالْأَرْضَ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ كُلَّ سماء مِنْ جِنْسٍ آخَرَ، وَالْأَرْضُونَ كُلُّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التُّرَابُ، فَالْآيَةُ فِي السَّمَاوَاتِ: سُمْكُهَا وَارْتِفَاعُهَا مِنْ غَيْرِ عَمَدٍ وَلَا عِلَاقَةٍ، وما يرى فِيهَا مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ، وَالْآيَةُ فِي الْأَرْضِ: مَدُّهَا وَبَسْطُهَا وسعتها وما يرى فِيهَا مِنَ الْأَشْجَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَالْجِبَالِ وَالْبِحَارِ وَالْجَوَاهِرِ وَالنَّبَاتِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ، أَيْ: تَعَاقُبُهُمَا فِي الذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ يَخْلُفُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، إِذَا ذَهَبَ أَحَدُهُمَا جَاءَ الْآخَرُ [خَلْفَهُ] [٤]، أَيْ: بَعْدَهُ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً [الْفُرْقَانِ: ٦٢]، قَالَ عَطَاءٌ:
أَرَادَ اخْتِلَافَهُمَا فِي النُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَاللَّيْلُ جَمْعُ لَيْلَةٍ، وَاللَّيَالِي جَمْعُ الْجَمْعِ، وَالنَّهَارُ جمع نُهُرٌ، وَقَدَّمَ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ فِي الذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَقْدَمُ مِنْهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [يس: ٣٧]، وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ، يَعْنِي: السُّفُنَ وَاحِدُهُ وَجَمْعُهُ سَوَاءٌ، فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْجَمْعُ يُؤَنَّثُ، وَفِي الْوَاحِدِ يُذَكَّرُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْوَاحِدِ وَالتَّذْكِيرِ: إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠)
[الصَّافَّاتِ: ١٤٠]، وَقَالَ فِي الْجَمْعِ وَالتَّأْنِيثِ: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ [يُونُسَ: ٢٢]، وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ الْآيَةُ في الفلك: تسخيرها وجريها عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، وَهِي مُوقَرَةٌ لَا تَرْسُبُ تَحْتَ الْمَاءِ، بِما يَنْفَعُ النَّاسَ، يَعْنِي: رُكُوبَهَا وَالْحَمْلَ عَلَيْهَا فِي التِّجَارَاتِ وَالْمَكَاسِبِ وَأَنْوَاعِ الْمُطَالِبِ، وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ، يَعْنِي: الْمَطَرَ، قِيلَ: أَرَادَ بِالسَّمَاءِ السَّحَابَ، يَخْلُقُ اللَّهُ الْمَاءَ فِي السَّحَابِ ثُمَّ من السحاب
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٢٣٨٣ من طريق مكي بن إبراهيم وأبي عاصم بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود ١٤٩٦ والترمذي ٣٤٧٨ وابن ماجه ٣٨٥٥ وأحمد (٦/ ٤٦١) والدارمي (٢/ ٤٥٠) من طريق عبيد اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ شهر بن حوشب به وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح اهـ. وحسّن إسناده الأرناؤوط في «جامع الأصول» (٤/ ١٧٢) والألباني في «صحيح أبي داود» ١٣٢٧. [.....]
(١) وقع في الأصل «الزياتي» والتصويب عن «شرح السنة» وكتاب «الأنساب» للسمعاني.
(٢) وقع في الأصل «بكر» والتصويب عن «شرح السنة» و «شعب الإيمان».
(٣) وقع في الأصل «عبد» والتصويب من كتب التراجم وكتب التخريج.
(٤) زيادة عن المخطوط.
وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ، أَيِ: الْغَيْمِ الْمُذَلَّلِ، سُمِّيَ سَحَابًا لِأَنَّهُ يَنْسَحِبُ، أَيْ: يَسِيرُ فِي سُرْعَةٍ كَأَنَّهُ يَسْحَبُ أَيْ يَجُرُّ، بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، فَيَعْلَمُونَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ خَالِقًا وَصَانِعًا، قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: ثَلَاثَةٌ لَا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ تَجِيءُ: الرَّعْدُ وَالْبَرْقُ والسحاب.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٦٥]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (١٦٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ، يعني: المشركين، مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً، أَيْ: أَصْنَامًا يَعْبُدُونَهَا. يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ، أَيْ يُحِبُّونَ آلِهَتَهُمْ كَحُبِّ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يُحِبُّونَ الْأَصْنَامَ كَمَا يُحِبُّونَ اللَّهَ لِأَنَّهُمْ أَشْرَكُوهَا مَعَ اللَّهِ، فَسَوَّوْا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَوْثَانِهِمْ فِي الْمَحَبَّةِ، وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ، أَيْ: أَثْبَتُ وَأَدُومُ عَلَى حبّه من المشركين، لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَارُونَ عَلَى اللَّهِ مَا سِوَاهُ، وَالْمُشْرِكُونَ إِذَا اتَّخَذُوا صَنَمًا ثُمَّ رَأَوْا أَحْسَنَ مِنْهُ، طَرَحُوا الْأَوَّلَ وَاخْتَارُوا الثَّانِيَ، قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ الْكَافِرَ يُعْرِضُ عَنْ مَعْبُودِهِ فِي وَقْتِ الْبَلَاءِ وَيُقْبِلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ فَقَالَ: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [الْعَنْكَبُوتِ: ٦٥]، وَالْمُؤْمِنُ لَا يُعْرِضُ عَنِ اللَّهِ [كما أخبر الله عنهم] [٣] فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ أَحْرَقَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى رُؤْيَةِ الْأَصْنَامِ أَنْ يَدْخُلُوا جَهَنَّمَ مَعَ أَصْنَامِهِمْ، فَلَا يدخلون [فيها ويمتنعون منها] [٤] لِعِلْمِهِمْ أَنَّ عَذَابَ جَهَنَّمَ عَلَى الدَّوَامِ، ثُمَّ يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ بَيْنَ أَيْدِيَ الْكُفَّارِ: إِنْ كُنْتُمْ أَحِبَّائِي فَادْخُلُوا جَهَنَّمَ، فَيَقْتَحِمُونَ فِيهَا فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَبَّهُمْ أَوَّلًا ثُمَّ أَحَبُّوهُ، وَمَنْ شَهِدَ لَهُ الْمَعْبُودُ بِالْمَحَبَّةِ كَانَتْ مَحَبَّتُهُ أَتَمُّ، قَالَ اللَّهُ تعالى:
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ [الرعد: ٣١] الآية، يَعْنِي: لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ، فَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ مَعْنَاهُ: وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [١] فِي شِدَّةِ الْعَذَابِ، لَرَأَيْتَ أَمْرًا عَظِيمًا، قِيلَ: مَعْنَاهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: أَيُّهَا الظَّالِمُ لَوْ تَرَى الذين ظلموا، أي: أشركوا فِي شِدَّةِ الْعَذَابِ [٢]، لَرَأَيْتَ أَمْرًا عظيما [٣]، وَمَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ مَعْنَاهُ: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ عِنْدَ رؤية العذاب، أي: ولو رَأَوْا شِدَّةَ عَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ، لَعَرَفُوا مَضَرَّةَ الْكُفْرِ، وَأَنَّ مَا اتَّخَذُوا مِنَ الْأَصْنَامِ لَا يَنْفَعُهُمْ، قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ يَرَوْنَ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِضَمِّ الْيَاءِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ، أَيْ: بِأَنَّ القوّة لله جميعا معناه: [أن العذاب لمّا رآه المشركون، أي لما عاينوه ولم تنفعهم آلهتهم وتنقذهم منه] [٤]، رأوا وَأَيْقَنُوا أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ أَنَّ الْقُوَّةَ وأَنَّ اللَّهَ بِكَسْرِ الْأَلِفِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَالْكَلَامُ تَامٌّ عِنْدَ قَوْلِهِ: إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ، مَعَ إضمار الجواب.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٦٦ الى ١٦٧]
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (١٦٧)
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ، هَذَا فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ حِينَ يَجْمَعُ اللَّهُ الْقَادَةَ وَالْأَتْبَاعَ، فَيَتَبَرَّأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: هم الشياطين يتبرؤون مِنَ الْإِنْسِ، وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ، أَيْ: عنهم الْأَسْبابُ، أي: الوصلات [٥] الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، من القرابات والصداقات، وصارت مخالطتهم [٦] عَدَاوَةً، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْأَرْحَامُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ [الْمُؤْمِنُونَ: ١٠١]، وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي الْأَعْمَالَ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣) [الْفُرْقَانِ: ٢٣]، وَأَصْلُ السَّبَبِ مَا يُوصَلُ بِهِ إِلَى الشَّيْءِ مِنْ ذَرِيعَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ مَوَدَّةٍ وَمِنْهُ، يُقَالُ لِلْحَبْلِ: سَبَبٌ، وَلِلطَّرِيقِ: سَبَبٌ.
وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا، يَعْنِي: الْأَتْبَاعَ لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً، أَيْ: رَجْعَةً إِلَى الدُّنْيَا، فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ، أَيْ: مِنَ الْمَتْبُوعِينَ، كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا: الْيَوْمَ، كَذلِكَ، أَيْ: كَمَا أَرَاهُمُ الْعَذَابَ، كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ، وقيل: كتبرّئ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، يُرِيهِمُ اللَّهُ: أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ: نَدَامَاتٍ عَلَيْهِمْ، جَمْعُ حَسْرَةٍ، قِيلَ: يُرِيهِمُ [اللَّهُ] [٧] مَا ارْتَكَبُوا مِنَ السَّيِّئَاتِ فَيَتَحَسَّرُونَ لِمَ تحملوها [٨]، وَقِيلَ: يُرِيهِمْ مَا تَرَكُوا مِنَ الْحَسَنَاتِ، فَيَنْدَمُونَ عَلَى تَضْيِيعِهَا، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: إِنَّهُمْ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ [وعبدوا] [٩] الْأَوْثَانَ رَجَاءَ أَنْ تُقَرِّبَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا عُذِّبُوا عَلَى مَا كَانُوا يَرْجُونَ ثَوَابَهُ تَحَسَّرُوا وَنَدِمُوا، قَالَ السُّدِّيُّ: تُرْفَعُ لَهُمُ الْجَنَّةُ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهَا وَإِلَى بيوتهم [وقصورهم] [١٠] فِيهَا لَوْ أَطَاعُوا اللَّهَ فَيُقَالُ لهم: تلك مساكنكم لو
(٢) في المطبوع وحده «العقاب».
(٣) في المطبوع وحده «فظيعا».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «الصلات».
(٦) كذا في المطبوع والمخطوط. وفي- ط- «مخالّتهم». [.....]
(٧) زيادة من المخطوط وط.
(٨) في نسخ المطبوع «عملوا».
(٩) سقط من المطبوع.
(١٠) زيادة عن المخطوط.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٦٨ الى ١٧٠]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (١٦٩) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٧٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً، نَزَلَتْ فِي ثَقِيفٍ وَخُزَاعَةَ وَعَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَبَنِي مُدْلِجٍ فِيمَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ، وَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ والحام، والحلال مَا أَحَلَّهُ الشَّرْعُ طَيِّبًا، قِيلَ: مَا يُسْتَطَابُ وَيُسْتَلَذُّ، وَالْمُسْلِمُ يَسْتَطِيبُ الْحَلَالَ وَيَعَافُ [٢] الْحَرَامَ، وَقِيلَ: الطَّيِّبُ [الطَّاهِرُ] [٣]، وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ وَيَعْقُوبُ بِضَمِّ الطَّاءِ، والباقون بسكونها، خُطُواتِ الشَّيْطانِ آثَارُهُ وَزَلَّاتُهُ، وَقِيلَ: هِيَ النذور فِي الْمَعَاصِي، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ الْمُحَقَّرَاتُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: طُرُقُهُ، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ:
بَيِّنُ الْعَدَاوَةِ [وَقِيلَ: مُظْهِرُ الْعَدَاوَةِ] [٤] وَقَدْ أَظْهَرَ عَدَاوَتَهُ بِإِبَائِهِ السجود لآدم وغروره إيّاه، حين [٥] أخرجه من الجنّة، و (أبان) [٦] يَكُونُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا، ثُمَّ ذَكَرَ عَدَاوَتَهُ فَقَالَ:
إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ، أَيْ: بِالْإِثْمِ، وَأَصْلُ السُّوءِ مَا يَسُوءُ صَاحِبَهُ، وَهُوَ مَصْدَرُ سَاءَ يسوء سوءا وَمَسَاءَةً، أَيْ: أَحْزَنَهُ، وَسَوَّأْتُهُ فَسَاءَ أَيْ: حَزَّنْتُهُ فَحَزِنَ، وَالْفَحْشاءِ: الْمَعَاصِي وَمَا قَبُحَ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ كَالسَّرَّاءِ]
وَالضَّرَّاءِ، رَوَى بَاذَانُ [٨] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْفَحْشَاءُ مِنَ الْمَعَاصِي مَا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ، وَالسُّوءُ مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَا حَدَّ فِيهِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: هِيَ الزِّنَا، وَقِيلَ: هِيَ الْبُخْلُ، وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ، من تحريم الحرث والأنعام.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، قِيلَ: هَذِهِ قِصَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي لَهُمُ كِنَايَةٌ عَنْ غَيْرِ مذكور.
ع «١٢٠» وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَارِجَةَ وَمَالِكُ بن عوف: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا.
أَيْ: مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آباءنا فهم كانوا أفضل وَأَعْلَمَ مِنَّا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَقِيلَ: الْآيَةُ مُتَّصِلَةٌ بِمَا قَبْلَهَا وَهِيَ نَازِلَةٌ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَكُفَّارِ قُرَيْشٍ، وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ عَائِدَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً [الْبَقَرَةِ: ١٦٥]، قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا، أَيْ: مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آباءَنا مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ في تحليل ما حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْحَرْثِ
(٢) في المطبوع وحده «ويخاف».
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) في نسخ المطبوع «حتى».
(٦) في المخطوط «أبي».
(٧) في المخطوط «كالبأساء».
(٨) وقع في الأصل «روي بإذن» والمثبت هو الصواب.
١٢٠- ع ضعيف. أخرجه الطبري ٢٤٥٤ من طريق مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بن أبي محمد عن عكرمة، أو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابن عباس به، وإسناده ضعيف لجهالة محمد بن أبي محمد.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧١ الى ١٧٢]
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لَا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٧١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢)
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لَا يَسْمَعُ، وَالنَّعِيقُ وَالنَّعْقُ: صَوْتُ الرَّاعِي بِالْغَنَمِ، مَعْنَاهُ:
مَثَلُكَ يَا مُحَمَّدُ وَمَثَلُ الْكُفَّارِ فِي وَعْظِهِمْ وَدُعَائِهِمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ [كَمَثَلِ الرَّاعِي الَّذِي يَنْعِقُ بِالْغَنَمِ] [٥]، وَقِيلَ: مَثَلُ وَاعِظِ الكفار وداعيهم كَمَثَلِ الرَّاعِي يَنْعِقُ بِالْغَنَمِ وَهِيَ لَا تَسْمَعُ، إِلَّا دُعاءً صَوْتًا وَنِداءً، فَأَضَافَ الْمَثَلَ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ كَمَا في قوله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يُوسُفَ: ٨٢]، مَعْنَاهُ: كَمَا أَنَّ الْبَهَائِمَ تَسْمَعُ صَوْتَ الرَّاعِي وَلَا تَفْهَمُ وَلَا تَعْقِلُ مَا يُقَالُ لَهَا، كَذَلِكَ الْكَافِرُ لَا يَنْتَفِعُ بِوَعْظِكَ إِنَّمَا يَسْمَعُ صَوْتَكَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قِلَّةِ عَقْلِهِمْ وَفَهْمِهِمْ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ، كَمَثَلِ الْمَنْعُوقِ بِهِ مِنَ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَفْقَهُ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ إِلَّا الصَّوْتَ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى لِلْمَنْعُوقِ بِهِ وَالْكَلَامُ خَارِجٌ عَنِ النَّاعِقِ، وَهُوَ فَاشٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ [و] يقلبون الكلام لا تضاح [٦] الْمَعْنَى عِنْدَهُمْ، يَقُولُونَ: فُلَانٌ يَخَافُكَ خوف [٧] الأسد، أي: كخوفه الْأَسَدِ، وَقَالَ تَعَالَى: مَا إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ [الْقَصَصِ: ٧٦]، وَإِنَّمَا الْعُصْبَةُ تَنُوءُ [٨] بِالْمَفَاتِيحِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَاءِ الْأَصْنَامِ الَّتِي لَا تَفْقَهُ وَلَا تَعْقِلُ كَمَثَلِ النَّاعِقِ بِالْغَنَمِ، فَلَا يُنْتَفَعُ مِنْ نَعِيقِهِ بِشَيْءٍ، غَيْرَ أَنَّهُ فِي غِنَاءٍ مِنَ الدُّعَاءِ وَالنِّدَاءِ، كَذَلِكَ الْكَافِرُ لَيْسَ لَهُ مِنْ دُعَاءِ الْآلِهَةِ وَعِبَادَتِهَا إِلَّا الْعَنَاءُ وَالْبَلَاءُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ [فَاطِرٍ: ١٤]، وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَاءِ الْأَوْثَانِ، كَمَثَلِ الَّذِي يَصِيحُ فِي جَوْفِ الْجِبَالِ، فَيَسْمَعُ صَوْتًا يُقَالُ لَهُ الصَّدَى [٩] لَا يَفْهَمُ مِنْهُ شَيْئًا، فَمَعْنَى الْآيَةِ: كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ مِنْهُ النَّاعِقُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً. صُمٌّ، تَقُولُ الْعَرَبُ لِمَنْ [يَسْمَعُ، وَلَا يَعْقِلُ] [١٠] : كَأَنَّهُ أَصَمُّ، بُكْمٌ، عَنِ الْخَيْرِ لَا يَقُولُونَهُ، عُمْيٌ، عَنِ الْهُدَى لَا يُبْصِرُونَهُ، فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ.
(٢) ليس في المخطوط.
(٣) في المخطوط «أمر».
(٤) سقط من نسخ المطبوع.
(٥) سقط من المخطوط.
(٦) في نسخ المطبوع «الإيضاح».
(٧) في المطبوع «كخوف».
(٨) في المطبوع «لتنوء».
(٩) في المطبوع «الصداء».
(١٠) العبارة في المطبوع [لا يسمع ولا يعمل].
«١٢١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ [١] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الله طيب [و] [٢] لَا يَقْبَلُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً [الْمُؤْمِنُونَ: ٥١]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ [٣] السَّفَرَ [أشعث أغبر] [٤] يمدّ يديه [٥] إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ».
وَاشْكُرُوا لِلَّهِ: عَلَى نِعَمِهِ، إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ، ثم بيّن المحرّمات فقال:
[سورة البقرة (٢) : آية ١٧٣]
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٧٣)
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ، قَرَأَ أبو جعفر الْمَيْتَةَ كُلِّ الْقُرْآنِ بِالتَّشْدِيدِ، وَالْبَاقُونَ يُشَدِّدُونَ الْبَعْضَ، وَالْمَيْتَةُ: كُلُّ مَا لَمْ تُدْرَكْ ذَكَاتُهُ مِمَّا يُذْبَحُ، وَالدَّمَ، أراد به الدم الجاري، يدل عليه قوله تعالى:
أَوْ دَماً مَسْفُوحاً، وَاسْتَثْنَى الشَّرْعُ مِنَ الْمَيْتَةِ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ، وَمِنَ الدَّمِ الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ فَأَحَلَّهَا.
«١٢٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو العباس
٢ ما بين المعقوفتين من المخطوط و «شرح السنة» عقب لفظ «يا رب» والمثبت عن المطبوع وصحيح مسلم وباقي كتب الحديث.
٣ ما بين المعقوفتين من المخطوط و «شرح السنة» عقب لفظ «يا رب» والمثبت عن المطبوع وصحيح مسلم وباقي كتب الحديث.
٤ ما بين المعقوفتين من المخطوط و «شرح السنة» عقب لفظ «يا رب» والمثبت عن المطبوع وصحيح مسلم وباقي كتب الحديث.
(٥) في المطبوع و «شرح السنة» «يده» والمثبت عن المخطوط وكتب الحديث. [.....]
١٢١- إسناده صحيح، علي بن الجعد روى له البخاري، وفضيل بن مرزوق روى له مسلم، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم. أبو حازم اسمه سلمة بن دينار.
- وهو في «شرح السنة» ٢٠٢١ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٠١٥ والترمذي ٢٩٨٩ وأحمد (٢/ ٣٢٨) و (٤٠٠) من طريق فضيل بن مرزوق بهذا الإسناد.
١٢٢- اللفظ المرفوع ضعيف والصواب موقوف، لكن له حكم الرفع. إسناده ضعيف لضعف عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أسلم، فإنه ليس بشيء، لكن لم ينفرد به، فقد تابعه غير واحد.
وهو في «شرح السنة» ٢٨٩٧ بهذا الإسناد.
وأخرجه الشافعي في «مسنده» (٢/ ١٧٣) وعبد بن حميد في «المنتخب» (٢٨٠) وأحمد (٢/ ٩٧) وابن ماجه ٣٣١٤ وابن حبان في «المجروحين» (٢/ ٥٨) وابن عدي (٤/ ٢٧١) والبيهقي (٩/ ٢٥٧) كلهم عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابن عمر مرفوعا، وإسناده ضعيف، لضعف عبد الرحمن، وبه أعله ابن عدي وابن حبان وغيرهما، ولم ينفرد به، فقد تابعه أخوه عبد الله بن زيد...
- أخرجه الدارقطني (٤/ ٣٧١- ٣٧٢) وعبد الله أحسن حالا من أخيه وهو صدوق، وفيه لين كما في «التقريب» وقد ضعفه قوم، ووثقه آخرون، وتابعهما أسامة بن زيد عند ابن عدي (١/ ٣٩٧) وأسامة ضعيف، وتابعهم سليمان بن بلال عند ابن عدي (٤/ ١٨٦) وقال ابن أبي حاتم في «العلل» :(٢/ ١٧/ ١٥٢٤) : سئل أبو زرعة عن حديث رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «أحلت.....» ورواه عبد الله بن نافع الصباح عن أسامة بن زيد عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، ورواه القعنبي عن أسامة وعبد الله ابني زيد عن أبيهما عن ابن عمر
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، الْمَيْتَتَانِ: الْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَالدَّمَانِ: أَحْسَبُهُ قَالَ:
الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ».
وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ، أَرَادَ بِهِ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ، فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِاللَّحْمِ لِأَنَّهُ مُعْظَمُهُ، وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، أَيْ: مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ وَالطَّوَاغِيتِ، وَأَصْلُ الْإِهْلَالِ رَفْعُ الصَّوْتِ [لأن المشركين] [١] كانوا إذا ذبحوا لآلهتهم [شيئا] [٢] يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِذِكْرِهَا، فَجَرَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ حَتَّى قِيلَ لِكُلِّ ذَابِحٍ وَإِنْ لَمْ يَجْهَرْ بِالتَّسْمِيَةِ: مُهِلٌّ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ: وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، قَالَ: مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ غَيْرِ اللَّهِ، فَمَنِ اضْطُرَّ، بكسر النون وأخواته، عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ، وَوَافَقَ أَبُو عَمْرٍو إِلَّا فِي اللَّامِ وَالْوَاوِ مِثْلُ: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الْإِسْرَاءِ: ١١٠]، وَيَعْقُوبُ إِلَّا فِي الْوَاوِ، وَوَافَقَ ابْنُ عَامِرٍ فِي التَّنْوِينِ، وَالْبَاقُونَ كُلُّهُمْ بِالضَّمِّ، فَمَنْ كَسَرَ قَالَ لِأَنَّ الْجَزْمَ يُحَرَّكُ إِلَى الْكَسْرِ، وَمَنْ ضَمَّ فَلِضَمَّةِ أَوَّلِ الْفِعْلِ، نَقَلَ حَرَكَتَهَا إِلَى مَا قَبْلَهَا، وَأَبُو جَعْفَرٍ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَمَعْنَاهُ فَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى أكل الميتة، أَيْ: أُحْوِجَ وَأُلْجِئَ إِلَيْهِ، غَيْرَ، نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَقِيلَ: عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِذَا رَأَيْتَ (غَيْرَ) يَصْلُحُ فِي مَوْضِعِهَا «لَا» [٣] فَهِيَ حَالٌ، وَإِذَا صَلَحَ فِي مَوْضِعِهَا «إِلَّا» فَهِيَ اسْتِثْنَاءٌ، باغٍ وَلا عادٍ، أَصْلُ الْبَغْيِ: قَصْدُ الْفَسَادِ، يُقَالُ:
بَغَى الْجُرْحُ يَبْغِي بَغْيًا إِذَا تَرَامَى إِلَى الْفَسَادِ، وَأَصْلُ الْعُدْوَانِ: الظُّلْمُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، يُقَالُ: عَدَا عَلَيْهِ عَدْوًا [٤] وَعُدْوَانًا إِذَا ظَلَمَ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: غَيْرَ باغٍ، أي: غير خَارِجٍ عَلَى السُّلْطَانِ، وَلا عادٍ، [أي: ولا] [٥] متعد عَاصٍ بِسَفَرِهِ، بِأَنْ خَرَجَ لِقَطْعِ الطريق أو الفساد فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ لِلْعَاصِي بِسَفَرِهِ أن
وأشار إلى ذلك ابن عدي فقال (٤/ ٨٦) عقب الرواية: وأما ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بلال عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «أحلت....» وقال: وهذا إسناد صحيح، وهو في معنى المسند. وقد رفعه أولاد زيد عن أبيهم، ثم كرره عن أولاد زيد عن زيد عن ابن عمر مرفوعا. وقال: أولاد زيد كلهم ضعفاء، جرحهم يحيى بن معين. وكان علي المديني وأحمد بن حنبل يوثقان عبد الله بن زيد. وذكر نحو هذا ابن عدي (١/ ٣٩٧) لكن وقع عنده عمر بدل ابن عمر، سواء الموقوف أو المرفوع، ولعل هناك سقطا، فالصواب كونه عن ابن عمر سواء المرفوع أو الموقوف، وبكل حال قد صح موقوفا، وله حكم الرفع لأنه مثل: «أمرنا ونهينا وحرّم علينا وأحل لنا» وأشباه ذلك فله حكم الرفع عند جمهور أهل العلم، كما هو مقرر في كتب هذا الفن، فالحديث حسن إن شاء الله.
- ورأيت له شاهدا من حديث أبي سعيد لكنه ضعيف أخرجه الخطيب في «تاريخه» (١٣/ ٢٤٥) وأعله بمسور بن الصلت، ونقل عن النسائي قوله: متروك.
وقال: قال الدارقطني: ضعيف.
وانظر «تفسير الشوكاني» ٢٥٤ و «الكشاف» ٧٦ والقرطبي ٧٩٦.
ونقل الزيلعي في «نصب الراية» (٤/ ٢٠٢) عن ابن عبد الهادي قوله: هو موقوف في حكم الرفع، وقال مثل ذلك الحافظ ابن حجر في «تلخيص الحبير» (١/ ٢٦). والله أعلم.
(١) سقط من المطبوع.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) تحرف «لا» في المطبوع إلى «إلا».
(٤) في المخطوط «عداوة».
(٥) سقط من المطبوع.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧٤ الى ١٧٥]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٤) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ، نَزَلَتْ فِي رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ وَعُلَمَائِهِمْ، كَانُوا يُصِيبُونَ مِنْ سَفَلَتِهِمُ الْهَدَايَا وَالْمَآكِلَ وَكَانُوا يَرْجُونَ أَنْ يَكُونَ النبيّ المبعوث منهم، ولما بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِهِمْ، خَافُوا ذَهَابَ مَأْكَلِهِمْ وَزَوَالَ رِيَاسَتِهِمْ، فَعَمَدُوا إِلَى صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَيَّرُوهَا، ثُمَّ أَخْرَجُوهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا نَظَرَتِ السَّفَلَةُ إِلَى النَّعْتِ الْمُغَيَّرِ وَجَدُوهُ مُخَالِفًا لِصِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَتَّبِعُوهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ، يَعْنِي: صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُبُوَّتَهُ، وَيَشْتَرُونَ بِهِ، أَيْ: بِالْمَكْتُومِ ثَمَناً قَلِيلًا، أَيْ: عِوَضًا يَسِيرًا، يَعْنِي: الْمَآكِلَ الَّتِي يُصِيبُونَهَا مِنْ سَفَلَتِهِمْ، أُولئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ، يَعْنِي: إِلَّا مَا يُؤَدِّيهِمْ إِلَى النَّارِ وَهُوَ الرِّشْوَةُ وَالْحَرَامُ وَثَمَنُ الدِّينِ، فَلَمَّا كَانَ يُفْضِي ذَلِكَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ فَكَأَنَّهُمْ أَكَلُوا النَّارَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَصِيرُ نَارًا فِي بُطُونِهِمْ، وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ، أَيْ: لَا يُكَلِّمُهُمْ بِالرَّحْمَةِ وَبِمَا يَسُرُّهُمْ، إِنَّمَا يُكَلِّمُهُمْ بِالتَّوْبِيخِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ [٦] يَكُونُ عَلَيْهِمْ غَضْبَانَ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا إِذَا كَانَ عَلَيْهِ غَضْبَانَ، وَلا يُزَكِّيهِمْ، أَيْ: لَا يُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ [والخطايا] [٧]، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥)، قَالَ عطاء
(٢) المطبوع «إباحة الميتة» وفي- ط- «إباحته».
(٣) في المطبوع «يأكله» ليس فيه «لا».
(٤) في المطبوع «فيأكل».
(٥) في المطبوع «يمسك».
(٦) في المطبوع «أن» والمثبت عن- ط- وهو غير موجود في المخطوط. [.....]
(٧) سقط من المطبوع.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧٦ الى ١٧٧]
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦) لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧)
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ، يَعْنِي: ذَلِكَ الْعَذَابَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَأَنْكَرُوهُ وَكَفَرُوا بِهِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ ذلِكَ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَحَلُّهُ نَصْبٌ، مَعْنَاهُ: فِعْلُنَا ذَلِكَ بِهِمْ، بِأَنَّ اللَّهَ، أَيْ: لِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ ذَلِكَ أَيْ فعلهم الذين يَفْعَلُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالِاخْتِلَافِ وَالِاجْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [الْبَقَرَةِ: ٦. ٧]، وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ: فَآمَنُوا بِبَعْضٍ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ، لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ، أَيْ: فِي خِلَافٍ وَضَلَالٍ بَعِيدٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَحَفْصٌ: لَيْسَ الْبِرَّ بِنَصْبِ الرَّاءِ، وَالْبَاقُونَ بِرَفْعِهَا، فَمَنْ رَفَعَهَا جَعَلَ الْبِرَّ اسْمَ لَيْسَ وخبره في قَوْلُهُ: أَنْ تُوَلُّوا، تَقْدِيرُهُ:
لَيْسَ البرّ توليتكم وجوهكم، ومن نصب جعل أَنْ تُوَلُّوا في موضع الرفع على [أنه] [٣] اسم ليس تقديره: توليتكم وجوهكم البرّ كله كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا [الْجَاثِيَةِ: ٢٥]، وَالْبِرُّ:
كُلُّ عَمَلِ خَيْرٍ يُفْضِي بِصَاحِبِهِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ [٤] : عَنَى بِهَا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ تُصَلِّي قِبَلَ الْمَغْرِبِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالنَّصَارَى قِبَلَ الْمَشْرِقِ، وَزَعَمَ كُلُّ فَرِيقٍ منهم أن البرّ في [تلك الجهة] [٥]، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْبِرَّ غَيْرُ دِينِهِمْ وَعَمَلِهِمْ، وَلَكِنَّهُ مَا بَيَّنَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: الْمُرَادُ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ إِذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ وَصَلَّى الصَّلَاةَ إِلَى أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَتْ له الجنّة، فَلَمَّا [٦] هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَتِ الْفَرَائِضُ، وحدّت [٧] الْحُدُودُ وَصُرِفَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ، أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ: لَيْسَ الْبِرَّ، أي: [كل البر] [٨] أَنْ تُصَلُّوا قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَا تَعْمَلُوا [عَلَى] [٩] غَيْرِ ذَلِكَ، وَلكِنَّ الْبِرَّ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالضَّحَّاكُ، وَلكِنَّ الْبِرَّ، قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَلكِنَّ، خَفِيفَةَ النُّونِ الْبِرَّ، رُفِعَ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَنَصْبِ الْبِرِّ، قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، جَعَلَ مَنْ وَهِيَ اسم خبر للبرّ هو فعل، ولا
(٢) سقط من المطبوع وحده.
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) في المخطوط «بعضهم».
(٥) في المطبوع «ذلك».
(٦) في المطبوع «ولما».
(٧) في المطبوع «وحددت».
(٨) في المطبوع «كله».
(٩) ليس في المخطوط.
لَعَمْرُكَ مَا الْفِتْيَانُ أَنْ تَنْبُتَ اللِّحَى | وَلَكِنَّمَا الْفِتْيَانُ كُلُّ فَتًى نَدِيِّ |
«١٢٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا [مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ] [٤] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، ثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ أَنَا أَبُو زُرْعَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلَا تُمْهِلْ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ».
وَقِيلَ: هي عائدة إلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَيْ: عَلَى حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى، ذَوِي الْقُرْبى: أَهْلَ الْقَرَابَةِ.
«١٢٤» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ محمد الجراحي،
وهو في «شرح السنة» ١٦٦٥ بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» ١٤١٩ عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٧٤٨ ومسلم ١٠٣٢ وأبو داود ٢٨٦٥ والنسائي (٥/ ٦٨) وابن ماجه ٢٧٠٦ وأحمد (٢/ ٢٥) و٢٣١ و٤١٥ و٤٤٧ وابن خزيمة ٢٤٥٤ وابن حبان ٣٣١٢ والبيهقي (٤/ ١٨٩- ١٩٠) من طرق عن عمارة بن القعقاع بهذا الإسناد.
١٢٤- حديث صحيح. إسناده لين لأجل الرّباب وهي بنت صليح، حيث وثقها ابن حبان وحده، وقال الحافظ: مقبولة. أي إن توبعت، وقد تابعها ابن سيرين على المتن، وللحديث شواهد. قتيبة هو ابن سعيد، عاصم هو ابن النضر.
- وهو في «شرح السنة» ١٦٧٨ بهذا الإسناد.
- وهو في «جامع الترمذي» ٦٥٨ عن قتيبة بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (٥/ ٩٢) وابن ماجه ١٨٤٤ وأحمد (٤/ ١٧ و١٨ و٢١٤) والحميدي ٨٢٣ والدارمي (١/ ٣٩٧) وابن خزيمة ٢٣٨٥ وابن حبان ٣٣٤٤ والطبراني (٦٢٠٦- ٦٢١١). والبيهقي (٤/ ١٧٤) من طرق عن حفصة بنت سيرين بهذا الإسناد.
(١) في المطبوع «موقع».
(٢) في المطبوع «معناه». [.....]
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) سقط من المخطوط.
«الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، و [هي] [٢] على ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الْمُسَافِرَ الْمُنْقَطِعَ عَنْ أَهْلِهِ يَمُرُّ عَلَيْكَ، وَيُقَالُ لِلْمُسَافِرِ: ابْنُ السَّبِيلِ لِمُلَازَمَتِهِ الطَّرِيقَ، وَقِيلَ: هُوَ الضَّيْفُ يَنْزِلُ بالرجل.
ع «١٢٥» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ».
وَالسَّائِلِينَ، يَعْنِي: الطَّالِبِينَ.
«١٢٦» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زيد بن أسلم عن ابن بُجَيْدٍ [٣] الْأَنْصَارِيِّ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بُجَيْدٍ، عَنْ جَدَّتِهِ وَهِيَ أم بجيد:
- وأخرجه الطبراني ٦٢٠٤ و٦٢٠٥ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ سلمان عامر به.
- ويشهد له حديث زينب زوجة عبد الله بن مسعود وفيه «لها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة».
أخرجه البخاري ١٤٦٦ ومسلم ١٠٠٠٠ ح ٤٥.
- وفي الباب من حديث أبي أمامة عند الطبراني في «الكبير» ٧٨٣٤ «إن الصدقة على ذي قرابة يضعف أجرها مرتين».
قال الهيثمي في «المجمع» (٣/ ١١٧) : فيه عبد الله بن زحر، وهو ضعيف اهـ.
- وحديث أبي طلحة الأنصاري «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذي الرحم صدقة وصلة».
أخرجه الطبراني ٤٧٢٣ وقال الهيثمي (٣/ ١١٦) : وفيه من لم أعرفه.
١٢٥- ع صحيح. أخرجه البخاري (٦٠١٨ و٦١٣٦) ومسلم ٤٧ وابن أبي شيبة (٨/ ٥٤٦) وأحمد (٢/ ٤٣٣ و٤٦٣) وابن مندة في «الإيمان» ٢٩٩ و٣٠٠ وابن حبان ٥٠٦ وابن أبي الدنيا في «مكارم الأخلاق» ٣٢٣ من طرق من حديث أبي هريرة.
١٢٦- إسناده صحيح، رجاله ثقات، عبد الرحمن بن بجيد، ثقة، له رؤية، وذكره بعضهم في الصحابة. وجدته أم بجيد، صحابية.
وهو في «شرح السنة» ١٦٦٧ بهذا الإسناد.
- ورواه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (٢/ ٩٢٣) عن زيد بن أسلم بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد (٦/ ٤٣٥) والبخاري في «التاريخ الكبير» (٥/ ٢٦٢) والنسائي (٥/ ٨١) وابن حبان (٣٣٧٤) والطبراني في «الكبير» (٢٤/ ٥٥٥) والبيهقي (٤/ ١٧٧) والبغوي ١٦٧٣ من طريق مالك عن زيد بن أسلم بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود ١٦٦٧ والترمذي ٦٦٥ والنسائي (٥/ ٨٦) والطيالسي ١٦٥٩ وأحمد (٣/ ٣٨٢ و٣٨٢) والبخاري في «التاريخ الكبير» (٥/ ٢٦٢) وابن خزيمة ٢٤٧٣ وابن حبان ٣٣٧٣ والحاكم (١/ ٤١٧) والبيهقي (٤/ ١٧٧) من طرق عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن بجيد بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن صحيح اهـ.
- وأخرجه أحمد (٦/ ٤٣٥) والبخاري في «تاريخه» (٥/ ٢٦٣) والطبراني (٢٤/ ٥٥٧ و٥٥٨) من طريق زيد بن أسلم عن عمرو بن معاذ عن جدته.
(١) وقع في الأصل «سليمان» والتصويب من كتب التخريج وكتب والتراجم.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) وقع في الأصل «أبي نجيد» والتصويب من كتب التراجم وكتب التخريج.
«إِنْ لَمْ تَجِدِي شَيْئًا إِلَّا ظِلْفًا مُحْرَقًا فَادْفَعِيهِ إِلَيْهِ» [١].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفِي الرِّقابِ، يَعْنِي: الْمُكَاتِبِينَ، قَالَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَقِيلَ: عِتْقُ النَّسَمَةِ وَفَكُّ الرَّقَبَةِ، وَقِيلَ: فِدَاءُ الْأُسَارَى، وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ: وَأَعْطَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ:
فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ، إِذا عاهَدُوا، يَعْنِي: إِذَا وَعَدُوا أَنْجَزُوا، وَإِذَا حَلَفُوا وَنَذَرُوا أَوْفَوْا، [وَإِذَا عَاهَدُوا أَوْفَوْا] [٢]، وَإِذَا قَالُوا صَدَقُوا وَإِذَا ائْتُمِنُوا أَدَّوْا، وَاخْتَلَفُوا فِي رَفْعِ قَوْلِهِ: وَالْمُوفُونَ، قِيلَ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى خبر، ومعناه: وَلَكِنَّ ذَا الْبِرِّ: الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُوفُونَ بعهدهم، وقيل: تقديره: [٣] هم والموفون [بعهدهم] [٤] كَأَنَّهُ عَدَّ أَصْنَافًا، ثُمَّ قَالَ: هُمْ وَالْمُوفُونَ كَذَا، وَقِيلَ: رَفْعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ، يَعْنِي: وَهُمُ الْمُوفُونَ، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّابِرِينَ، وَفِي نَصْبِهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: نَصْبُهَا عَلَى تَطَاوُلِ الْكَلَامِ، وَمِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ أَنْ تُغَيِّرَ الْإِعْرَابِ إِذَا طَالَ الْكَلَامُ وَالنَّسَقُ، وَمِثْلُهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ [النساء: ١٦٢]، وفي سورة المائدة: وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى [المائدة: ٦٩]، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَعْنِي الصَّابِرِينَ، وَقِيلَ: نَصْبُهُ نَسَقًا عَلَى قَوْلِهِ ذَوِي الْقُرْبى، أَيْ: وَآتَى الصَّابِرِينَ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: نُصِبَ عَلَى الْمَدْحِ، وَالْعَرَبُ تَنْصِبُ الْكَلَامَ عَلَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ كَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ إِفْرَادَ الْمَمْدُوحِ وَالْمَذْمُومِ، فَلَا يُتْبِعُونَهُ أَوَّلَ الْكَلَامِ وَيَنْصِبُونَهُ، فَالْمَدْحُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ [النِّسَاءِ: ١٦٢]، وَالذَّمُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا [الْأَحْزَابِ: ٦١]، قَوْلُهُ تَعَالَى: فِي الْبَأْساءِ، أَيِ: الشِّدَّةِ وَالْفَقْرِ، وَالضَّرَّاءِ: الْمَرَضِ وَالزَّمَانَةِ، وَحِينَ الْبَأْسِ، أَيِ: الْقِتَالِ وَالْحَرْبِ.
«١٢٧» أَخْبَرَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ [٥]، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَكُونُ أَحَدٌ أَقْرَبَ إلى العدوّ منه،
(٢) زيد في نسخ المطبوع.
(٣) في المطبوع وحده «تقديرهم».
(٤) زيادة من المخطوط.
(٥) وقع في الأصل «حبان» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التراجم.
١٢٧- صحيح. إسناده ضعيف، سماع زهير من أبي إسحق بعد الاختلاط، لكن توبع. حارثة بن مضرّب ثقة، ومن دونه رجال الصحيح، أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله، وزهير هو ابن معاوية بن خديج أبو خيثمة. وقد توبع.
- وهو في «شرح السنة» ٣٥٩١ بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو الشيخ في «أخلاق النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (ص ٥٧) من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ عن علي بن الجعد بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو يعلى ٣٠٢ من طريق هشام بن عبد الملك عن زهير بن معاوية بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد (١/ ٨٦) وأبو الشيخ (ص ٥٧) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق بهذا الإسناد، وقد صحح الشيخان رواية إسرائيل عن جده.
وله شاهد من حديث البراء «كنا والله إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ، وإن الشجاع منا الذي يُحَاذِي بِهِ- يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلّم» أخرجه مسلم ١٧٧٦. [.....]
أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا: فِي إِيمَانِهِمْ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ: محارم الله.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٧٨]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ، قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْكَلْبِيُّ وَقَتَادَةُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي حَيَّيْنِ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ اقْتَتَلُوا في الجاهلية قبيل الْإِسْلَامِ بِقَلِيلٍ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا قَتْلَى وَجِرَاحَاتٍ لَمْ يَأْخُذْهَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ، قَالَ قتادة ومقاتل بْنُ حَيَّانَ: كَانَتْ بَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، قالوا جميعا [١] : وكان لِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ طُولٌ فِي الْكَثْرَةِ وَالشَّرَفِ، وَكَانُوا يَنْكِحُونَ نِسَاءَهُمْ بِغَيْرِ مُهُورٍ، فَأَقْسَمُوا لَنَقْتُلَنَّ بِالْعَبْدِ مِنَّا الْحُرَّ مِنْهُمْ، وَبِالْمَرْأَةِ مِنَّا الرَّجُلَ مِنْهُمْ، وَبِالرَّجُلِ مِنَّا الرجلين منهم، وبالرجلين منّا أربعة رجال مِنْهُمْ، وَجَعَلُوا جِرَاحَاتِهِمْ ضِعْفَيْ جِرَاحَاتِ أُولَئِكَ، فَرَفَعُوا أَمْرَهُمْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَمَرَ بالمساواة [بينهم]، فَرَضُوا وَأَسْلَمُوا، قَوْلُهُ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ، أَيْ: فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ، فِي الْقَتْلى، وَالْقِصَاصُ: الْمُسَاوَاةُ وَالْمُمَاثَلَةُ فِي الْجِرَاحَاتِ وَالدِّيَاتِ، وَأَصْلُهُ مِنْ قَصَّ الْأَثَرَ إِذَا اتَّبَعَهُ، فَالْمَفْعُولُ بِهِ يَتْبَعُ مَا فُعِلَ بِهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَهُ، ثُمَّ بَيَّنَ الْمُمَاثَلَةَ فَقَالَ: الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى، وَجُمْلَةُ الْحُكْمِ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا تَكَافَأَ الدَّمَانِ مِنَ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ، أَوِ الْعَبِيدِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوِ الْأَحْرَارِ مِنَ الْمُعَاهِدِينَ أَوِ الْعَبِيدِ مِنْهُمْ، قُتِلَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمُ الذَّكَرُ إِذَا قتل بالذكر والأنثى، وَتُقْتَلُ الْأُنْثَى إِذَا قَتَلَتْ بِالْأُنْثَى وَبِالذَّكَرِ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ، وَلَا وَالِدٌ بِوَلَدٍ وَلَا مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ، وَيُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْلِمِ وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ العلم من الصحابة [والتابعين] [٢] وَمَنْ بَعْدَهُمْ.
«١٢٨» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: «سَأَلْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عنه هل عندكم مِنَ [٣] النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ سِوَى الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: لا والذي فلق الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِلَّا أَنْ يُؤْتِيَ اللَّهُ عَبَدًا فَهْمًا فِي القرآن، وما في الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة؟ قال:
[العقل] [٤] فكاك الْأَسِيرِ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ».
وهو في «شرح السنة» ٢٥٢٤ بهذا الإسناد.
وهو في «مسند الشافعي» (٢/ ٣٤٦- ٣٤٧) عن ابن عيينة بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ١١١ و٣٠٤٧ و٦٩١٥ والترمذي ١٤١٢ والنسائي (٨/ ٢٣ و٢٤) وابن ماجه ٢٦٥٨ وعبد الرزاق (١٠/ ١٨٥٠٨) والطحاوي في «المشكل» (٣/ ١٩٢) وابن الجارود ٧٩٤ والبيهقي (٨/ ٢٨) من طريق الشعبي عن أبي جحيفة به.
(١) في المطبوع «جمعا».
(٢) زيادة من المخطوط.
(٣) العبارة في المطبوع «هل عندك عن».
(٤) زيادة عن المخطوط.
وَذَهَبَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ إلى أن المسلم يقتل بالكافر الذمي، وَإِلَى أَنَّ الْحُرَّ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ لَمْ يُوجِبِ الْقِصَاصَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِقَتْلِ الذِّمِّيِّ، وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ، رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] قَتَلَ سَبْعَةً أَوْ خَمْسَةً بِرَجُلٍ قَتَلُوهُ غِيلَةً، وَقَالَ:
لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ جَمِيعًا [٢]، وَيَجْرِي الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ كَمَا يَجْرِي فِي النُّفُوسِ، إِلَّا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الصحيح السّويّ يقتل بالمريض والزّمن، وَفِي الْأَطْرَافِ لَوْ قَطَعَ يَدًا شلاء أو ناقصة
وإسناده ضعيف، لضعف إسماعيل بن مسلم، وبه أعله الترمذي، ونقل الزيلعي في «نصب الراية» (٤/ ٣٤٠) عن ابن القطان، قوله: إسماعيل بن مسلم ضعيف. قال الزيلعي: تابعه قتادة وسعيد بن بشير وعبيد الله بن الحسن العنبري، فحديث قتادة أخرجه البزار في «مسنده» عنه عن عمرو بن دينار به.
- قلت: ومتابعة سعيد بن بشير عند الحاكم (٤/ ٣٦٩).
وسكت عليه الحاكم، وكذا الذهبي، وسعيد ضعيف، ومتابعة عبيد الله بن الحسن العنبري عند الدارقطني (٣/ ١٤٢) والبيهقي (٨/ ٣٩) وهو معلول، فيه أبو حفص التمار، وهو ضعيف جدا.
فحديث ابن عباس بطرقه يبقى ضعيفا لشدة وهن هذه الطرق.
- وله شاهد من حديث عمر أخرجه الترمذي ١٤٠٠ وابن ماجه ٢٦٦٢ وأحمد (١/ ٤٩) والدارقطني (٣/ ١٤٠) وابن أبي عاصم في «الديات» (ص ٩٧) وابن الجوزي في «التحقيق» ١٧٦٣ وإسناده ضعيف فيه الحجاج مدلس، وقد عنعن، ولم ينفرد به فقد تابعه ابن لهيعة على عمرو عند أحمد (١/ ٢٢) لكن في سماع ابن لهيعة من عمرو بن شعيب ريب، ونفاه أبو حاتم في «المراسيل» ١١٤ وتابعهما محمد بن عجلان، عند ابن الجارود ٧٨٨ والدارقطني (٣/ ١٤٠- ١٤١) والبيهقي (٨/ ٣٨- ٣٩) وفي «المعرفة» ٤٨٣٠ كلهم عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب به، وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وقال البيهقي في «المعرفة» : هذا إسناد صحيح ووافقه الحافظ في «تلخيص الحبير» (٤/ ١٦).
- وله طريق آخر فقد أخرجه الجصاص في «أحكام القرآن» (١/ ١٧٨) من طريق عبد الله بن سنان عن إبراهيم بن رستم عن حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب عن عمر به مرفوعا، وفيه إبراهيم بن رستم وهو صدوق حسن الحديث، وفيه إرسال بين ابن المسيب وعمر.
- وورد من وجه آخر أخرجه البيهقي في «السنن» (٨/ ٣٩) وعلقه في «المعرفة» (٦/ ١٦١) عن الحكم بن عتيبة عن رجل يقال له عرفجة عن عمر مرفوعا، وإسناده ضعيف لجهالة عرفجة هذا، لكن هذه الطرق تتقوى بمجموعها.
- وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه ابن الجوزي في «التحقيق» ١٧٦٢ من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وإسناده ضعيف لأجل ابن لهيعة، وضعفه ابن الجوزي به، وتابعه يحيى بن أبي أنيسة عند الدارقطني (٣/ ١٤١) لكن يحيى هذا متروك الحديث.. وانظر مزيد الكلام عليه في «أحكام القرآن» ٧١ لابن العربي بتخريجي.
(١) موقوف صحيح. أخرجه مالك (٢/ ٨٧١) والدارقطني (٢/ ٢٠٢) والبيهقي (٨/ ٤١) عن سعيد بن المسيب «أن عمر قتل خمسة، أو سبعة... » فذكره وسنده صحيح. وهو في موطأ محمد برقم ٦٧١.
- ورواه البخاري ٦٨٩٦ «أن غلاما قتل غيلة فقال عمر: لو اشترك... » الأثر.
ثم علقه بقوله، وقال مغيرة بن حكيم عن أبيه: «إن أربعة قتلوا صبيا فقال عمر:... » مثله.
(٢) في المطبوع «بالولد الوالد».
«١٣٠» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ [٣] أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَكْرٍ السَّهْمِيَّ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ [بْنِ مَالِكٍ] [٤] [بْنِ النَّضْرِ] :
أَنَّ الرُّبَيِّعَ عَمَّتَهُ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ فَطَلَبُوا إِلَيْهَا الْعَفْوَ فَأَبَوْا فَعَرَضُوا الْأَرْشَ فَأَبَوْا فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَوْا إِلَّا الْقِصَاصَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ، لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ»، فَرَضِيَ الْقَوْمُ فَعَفَوْا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ، أَيْ: تُرِكَ لَهُ وَصُفِحَ عَنْهُ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقِصَاصُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، وَرَضِيَ بِالدِّيَةِ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، قَالُوا: الْعَفْوُ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ أَخِيهِ، أَيْ: مِنْ دَمِ أَخِيهِ، وَأَرَادَ بِالْأَخِ: الْمَقْتُولَ، وَالْكِنَايَتَانِ [٥] فِي قَوْلِهِ: لَهُ وفي:
أَخِيهِ، تَرْجِعَانِ إِلَى مِنْ وَهُوَ القاتل، و [في] [٦] قوله شَيْءٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْأَوْلِيَاءِ إِذَا عَفَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ لِأَنَّ شَيْئًا مِنَ الدَّمِ قَدْ بَطَلَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ، أَيْ: عَلَى الطَّالِبِ لِلدِّيَةِ أَنْ يَتَّبِعَ بِالْمَعْرُوفِ فَلَا يُطَالِبُ بِأَكْثَرِ مِنْ حَقِّهِ، وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ، أَيْ: عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْهُ أَدَاءُ الدِّيَةِ بِالْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ مُمَاطَلَةٍ، أَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْإِحْسَانِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ، وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ:
أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ إِذَا عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ عَلَى الدِّيَةِ، فَلَهُ أَخْذُ الدِّيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْقَاتِلُ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا دِيَةَ له إلا برضى الْقَاتِلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَحُجَّةُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ مَا:
«١٣١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَخْبَرَنَا أَبُو العباس
- وهو في «شرح السنة» ٢٥٢٣ بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» ٤٥٠٠ عن عبد الله بن منير بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٢٧٠٣ و٤٤٩٩ و٦٨٩٤ ومسلم ١٦٧٥ وأبو داود ٤٥٩٥ والنسائي (٨/ ٢٦ و٢٧ و٢٨) وابن ماجه ٢٦٤٩ وأحمد (٣/ ١٢٨ و١٦٧) من حديث أنس بن مالك بن النضر.
١٣١- حديث صحيح. إسناده صحيح، الشافعي هو محمد بن إدريس ومن دونه ثقات، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
ابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن.
- هو في «شرح السنة» ١٩٩٧ بهذا الإسناد.
- وهو في «مسند الشافعي» (١/ ٢٩٥) عن مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فديك بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود ٤٥٠٤ و٤٤٩٦ والترمذي ١٤٠٦ وابن ماجه ٢٦٢٣ والدارمي ٢٢٦٢ وأحمد (٦/ ٣٨٥) والدارقطني
(١) في المطبوع «بالإصبع».
(٢) في المطبوع «عن».
(٣) وقع في الأصل «منيرة» والتصويب من كتب التخريج وكتب التراجم.
(٤) زيادة يقتضيها السياق. [.....]
(٥) في المخطوط «والكناية».
(٦) زيادة عن المخطوط.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثُمَّ أَنْتُمْ يَا خُزَاعَةُ قَدْ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ، وَأَنَا وَاللَّهِ عَاقِلُهُ فَمَنْ قَتَلَ بَعْدَهُ قَتِيلًا فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ، أَيْ: ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ مِنَ الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحِ كَانَ حَتْمًا فِي التَّوْرَاةِ عَلَى الْيَهُودِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَخْذُ الدِّيَةِ، وَكَانَ فِي شَرْعِ النَّصَارَى الدِّيَةُ وَلَمْ يكن لهم [فيها] [١] القصاص، فخيّر الله هَذِهِ الْأُمَّةَ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَبَيْنَ الْعَفْوِ عَنِ الدِّيَةِ تَخْفِيفًا مِنْهُ وَرَحْمَةٌ، فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ، فَقَتَلَ الْجَانِيَ بَعْدَ الْعَفْوِ وَقَبُولِ الدية، فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ، وهو أَنْ يُقْتَلَ قِصَاصًا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ حَتَّى لَا يَقْبَلَ [٢] الْعَفْوَ، وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَصِيرُ كَافِرًا بِالْقَتْلِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَهُ بَعْدَ الْقَتْلِ بِخِطَابِ الْإِيمَانِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ، وَقَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ، وَأَرَادَ بِهِ أُخُوَّةَ الْإِيمَانِ، فَلَمْ يَقْطَعِ الْأُخُوَّةَ بينهما بالقتل.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧٩ الى ١٨٠]
وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يَا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩) كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ، أَيْ: بَقَاءٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاصِدَ لِلْقَتْلِ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا قَتَلَ يُقْتَلُ، يَمْتَنِعُ عَنِ الْقَتْلِ، فَيَكُونُ فِيهِ بَقَاؤُهُ وَبَقَاءُ مَنْ هَمَّ بِقَتْلِهِ، [وَقِيلَ فِي الْمَثَلِ: الْقَتْلُ أَنْفَى لِلْقَتْلِ] [٣]، وَقِيلَ مَعْنَى الْحَيَاةِ: سَلَامَتُهُ مِنْ قِصَاصِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا اقْتُصَّ مِنْهُ في الدنيا حيي فِي الْآخِرَةِ، وَإِذَا لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا اقْتُصَّ مِنْهُ فِي الْآخِرَةِ، يَا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، أَيْ: تَنْتَهُونَ عَنِ القتل مخافة القود.
قَوْلُهُ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ، أَيْ: فُرِضَ عَلَيْكُمْ، إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ، أي: جاء أَسْبَابُ الْمَوْتِ وَآثَارُهُ مِنَ الْعِلَلِ وَالْأَمْرَاضِ، إِنْ تَرَكَ خَيْراً، أَيْ: مَالًا، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ [البقرة: ٢٧٢ و٢٧٣]، الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، كَانَتِ الْوَصِيَّةُ فريضة في ابتداء الإسلام
- وورد بألفاظ متقاربة، ذكرها الزيلعي، راجع «نصب الراية» إن شئت.
- وله شاهد أخرجه البخاري ١١٢ و٢٤٣٤ و٦٨٨٠ ومسلم ١٣٥٥ وأبو داود ٥٤٠٥ والترمذي ١٤٠٥ و٢٦٦٧ وأبو عوانة (٤/ ٤٣- ٤٤) والنسائي في «الكبرى» ٥٨٥٥ والطحاوي في «المعاني (٣/ ١٧٤) وفي «المشكل» (٤٩٠١) و (٤٩٠٢) وابن حبان ٣٧١٥ والدارقطني (٣/ ٩٦- ٩٧) والبيهقي (٨/ ٥٣) من طرق كلهم من حديث أبي هريرة. وصدره «إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الفيل...... فمن قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النظرين، إما أن يعقل، وإما أن يقاد أهل القتيل... »
الحديث.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيد في المطبوع «بعد».
(٣) ليس في المخطوط.
«١٣٢» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ، أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ [٢] عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ قَالَ:
كُنْتُ آخِذًا بِزِمَامِ نَاقَةِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كلّ ذي حقّ حقّه، فلا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ».
فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ وُجُوبَهَا صَارَ مَنْسُوخًا فِي حَقِّ الْأَقَارِبِ الَّذِينَ يَرِثُونَ، وَبَقِيَ وجوبها في حق [الأقارب] [٣] الَّذِينَ [لَا] [٤] يَرِثُونَ مِنَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقَارِبِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ، قَالَ طَاوُسٌ: مَنْ أَوْصَى لِقَوْمٍ سَمَّاهُمْ وَتَرَكَ ذَوِي قَرَابَتِهِ مُحْتَاجِينَ، انْتُزِعَتْ مِنْهُمْ وَرُدَّتْ إِلَى ذَوِي قَرَابَتِهِ، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ الْوُجُوبَ صَارَ مَنْسُوخًا فِي حَقِّ الْكَافَّةِ، وَهِيَ مستحبة فِي حَقِّ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ.
«١٣٣» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ [٥] أَخْبَرَنَا زَاهِرُ [٦] بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا [أَبُو] [٧] إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ». قَوْلُهُ تَعَالَى: بِالْمَعْرُوفِ، يُرِيدُ: يُوصِي بالمعروف فلا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَا يُوصِي للغني
- وهو في «شرح السنة» ١٤٥٤ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٢١٢١ والنسائي (٦/ ٢٤٧) وابن ماجه ٢٧١٢ والطيالسي ١٢١٧ وسعيد بن منصور ٤٢٨ وأحمد (٤/ ٤/ ١٨٦- ١٨٧ و٢٣٨) والدارمي ٣١٤٢ وأبو يعلى ١٥٠٨ من طريق شهر بن حوشب بهذا الإسناد. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح اهـ.
- وله شاهد من حديث أبي أمامة أخرجه أبو داود ٣٥٦٥ والترمذي ٢١٢٠ وابن ماجه ٢٧١٣ وسعيد بن منصور ٤٢٧ والطيالسي ١١٢٧ وأحمد (٥/ ٢٦٧) والبيهقي (٦/ ٢٦٤)، وله شواهد أخرى راجع «نصب الراية» (٤/ ٤٠٣- ٤٠٤).
١٣٣- إسناده صحيح على شرطهما. نافع هو أبو عبد الله مولى ابن عمر.
- وهو في «شرح السنة» ١٤٥١ بهذا الإسناد.
- وفي «الموطأ» (٢/ ٧٦١) عن نافع به.
وأخرجه البخاري ٢٧٣٨ ومسلم ١٦٢٧ وأبو داود ٢٨٦٢ والترمذي ٩٧٤ والنسائي/ ٦/ ٢٣٨) وابن ماجه ٢٦٩٩ والطيالسي ١٨٤١ وأحمد (٢/ ١٠ و٥٧) والدارمي (٢/ ٤٠٢) وابن الجارود ٩٤٦ وابن حبان ٦٠٢٤ والدارقطني (٤/ ١٥٠- ١٥١) والجصاص في «أحكامه» (١/ ٣/ ٢٠- ٢١) والبغوي ١٤٥٧ والبيهقي (٦/ ٢٧١- ٢٧٢) من طرق عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مرفوعا به.
- وأخرجه مسلم ٢٦٢٧ وعبد الرزاق ١٦٣٢٦ والنسائي (٨/ ٢٣٩) وأحمد (٢/ ٤) وابن حبان ٦٠٢٥ والبيهقي (٦/ ٢٧٢) من طرق عن الزهري عن سالم عن ابن عمر به.
(١) في المطبوع «الميراث».
(٢) في المخطوط «غنيم» وهو تصحيف.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) في المطبوع «السرخسي» والمثبت عن «شرح السنة».
(٦) في المطبوع «طاهر» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة». [.....]
(٧) زيادة عن «شرح السنة».
«١٣٤» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ [١] الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ [٢] الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ [٣] أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ [٤] اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سَعْدِ [٥] [بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عامر بن سعد] [٦] عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ [٧] قَالَ:
جَاءَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ، قَالَ: «لَا» قُلْتُ: فَالشَّطْرِ، قَالَ:
«لَا» قُلْتُ: فَالثُّلُثِ، قَالَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عالة يتكفّفون الناس بأيديهم».
[فقوله: «يتكفّفون الناس»، أي: يسألون الناس الصدقة بأكفّهم] [٨].
وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوصِيَ، قَالَتْ: كَمْ مَالُكَ؟
قَالَ: ثَلَاثَةُ آلَافٍ، قَالَتْ: كَمْ عِيَالُكَ؟ قَالَ: أَرْبَعَةٌ، قَالَتْ: إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ: إِنْ تَرَكَ خَيْراً، وَإِنَّ هَذَا شيء يسير فاتركه لِعِيَالِكَ. وَقَالَ عَلَيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَأَنْ أُوصِيَ بِالْخُمْسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالرُّبْعِ، وَلَأَنْ أُوصِيَ بِالرُّبْعِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالثُّلُثِ، فَمَنْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ فَلَمْ يَتْرُكْ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يُوصِي بِالسُّدْسِ أَوِ الْخُمْسِ أَوِ الرُّبْعِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنَّمَا كَانُوا يُوصُونَ بِالْخُمْسِ أَوِ الرُّبْعِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: حَقًّا نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَقِيلَ: عَلَى الْمَفْعُولِ، أَيْ: جَعَلَ الْوَصِيَّةَ حَقًّا، عَلَى الْمُتَّقِينَ: الْمُؤْمِنِينَ.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٨١]
فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ بَدَّلَهُ، أَيْ: غيّر الوصية عن الْأَوْصِيَاءِ أَوِ الْأَوْلِيَاءِ أَوِ الشُّهُودِ، بَعْدَ ما سَمِعَهُ، أي: بعد ما سَمِعَ قَوْلَ الْمُوصِي، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الْكِنَايَةَ مَعَ كَوْنِ الْوَصِيَّةِ مُؤَنَّثَةً، قيل: الكناية راجعة إلى
- وهو في «شرح السنة» ١٤٥٢ بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٢٧٤٢ و٥٣٥٤ ومسلم ١٦٢٨ والنسائي (٦/ ٢٤٢) وعبد الرزاق ١٦٣٥٨ وأحمد (١/ ١٧٢ و١٧٣) من طريق سفيان الثوري بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٦٧٣٣ ومسلم ١٦٢٨ والترمذي ٢١١٦ والنسائي (٦/ ٢٤١- ٢٤٢) وابن ماجه ٢٧٠٨ وأحمد (١/ ١٧٩) والحميدي ٦٦ وأبو يعلى ٧٤٧ وابن حبان ٤٢٤٩ والطحاوي في «المعاني» (٤/ ٣٧٩) وابن الجارود ٩٤٧ والبيهقي (٦/ ٢٦٨) و٢٦٩ من طريق سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عن عامر بن سعد به.
(١) في الأصل «الحسين الخيري» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة».
(٢) في الأصل «رحيم» والتصويب من «شرح السنة» و «سير أعلام النبلاء» (١٦/ ٣٦- ٣٧).
(٣) وقع في الأصل «عروة» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٤) في الأصل «عبد» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٥) وقع في الأصل «سعيد» وهو تصحيف والتصويب من كتب التراجم.
(٦) وقع في الأصل «سعيد» وهو تصحيف.
(٧) هو سعد بن أبي وقاص.
(٨) ما بين المعقوفتين ليس في المخطوط.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٨٢ الى ١٨٣]
فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ خافَ، أَيْ: عَلِمَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ [الْبَقَرَةِ: ٢٢٩]، أَيْ: عَلِمْتُمْ، مِنْ مُوصٍ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَيَعْقُوبُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً [الشُّورَى: ١٣] وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ [الْعَنْكَبُوتِ: ٨]، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِسُكُونِ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ الصَّادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ [النِّسَاءِ: ١١]، جَنَفاً، أَيْ: جَوْرًا وَعُدُولًا عَنِ الْحَقِّ، وَالْجَنَفُ: الْمَيْلُ، أَوْ إِثْماً، أَيْ: ظُلْمًا، وقال السُّدِّيُّ وَعِكْرِمَةُ وَالرَّبِيعُ: الْجَنَفُ: الْخَطَأُ، وَالْإِثْمُ: الْعَمْدُ، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ، فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا حَضَرَ مَرِيضًا وَهُوَ يُوصِي فَرَآهُ يَمِيلُ إِمَّا بِتَقْصِيرٍ أَوْ إِسْرَافٍ أَوْ وَضْعِ الْوَصِيَّةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، فَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْعَدْلِ وَيَنْهَاهُ عَنِ الْجَنَفِ، فَيَنْظُرُ [للموصى له] [١] والورثة، وقال الآخرون: إِنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ إِذَا أَخْطَأَ الْمَيِّتُ فِي وَصِيَّتِهِ أَوْ جَارَ مُتَعَمِّدًا [٢] فَلَا حَرَجَ عَلَى وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ أَوْ وَالِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُصْلِحَ بَعْدَ مَوْتِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ، وَيَرُدَّ الْوَصِيَّةَ إِلَى الْعَدْلِ وَالْحَقِّ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، أَيْ: لا حَرَجَ عَلَيْهِ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَقَالَ طَاوُسٌ:
جَنَفَةٌ تَوْلِيجَةٌ [٣]، وَهُوَ أَنْ يُوصِيَ لِبَنِي بَنِيهِ، يريد ابنه أو لولد [٤] ابْنَتِهِ وَلِزَوْجِ ابْنَتِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ ابْنَتَهُ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ الْأَوْلِيَاءُ وَالْأَوْصِيَاءُ يُمْضُونَ وَصِيَّةَ الْمَيِّتِ بَعْدَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ [البقرة: ١٨١] الْآيَةَ، وَإِنِ اسْتَغْرَقَ الْمَالَ كُلَّهُ، وَلَمْ يَبْقَ لِلْوَرَثَةِ شَيْءٌ، ثُمَّ نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: فَعَجَزَ الْمُوصِي أَنْ يُوصِيَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ كَمَا أَمَرَ الله تعالى، وعجز الوصي أَنْ يُصْلِحَ، فَانْتَزَعَ اللَّهُ تَعَالَى ذلك منهم، ففرض الفرائض.
ع «١٣٥» رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لِيَعْمَلُ أَوِ الْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً، ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ»، قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ إلى قوله: غَيْرَ مُضَارٍّ [النساء: ١١، ١٢].
وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.
وانظر مزيد الكلام عليه في تفسير ابن كثير بتخريجي عند سورة النساء آية ١٣.
(١) في المخطوط، وط- «للموصي».
(٢) في المطبوع «معتمدا».
(٣) في المطبوع «توجيهه». [.....]
(٤) في المطبوع «ولد».
بِالصَّوْمِ، لِأَنَّ الصَّوْمَ وَصْلَةٌ إِلَى التَّقْوَى، لِمَا فِيهِ مِنْ قَهْرِ النَّفْسِ وَكَسْرِ [ها وترك] [٥] الشهوات، وقيل:
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ تَحْذَرُونَ [عَنِ الشَّهَوَاتِ مِنَ الْأَكْلِ والشرب والجماع] [٦].
[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٤]
أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤)
أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ، قِيلَ: كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَاجِبًا، وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَصَامُوا كَذَلِكَ مِنَ الرَّبِيعِ إِلَى شَهْرِ رَمَضَانَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ نُسِخَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوَّلُ مَا نُسِخَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَمْرُ الْقِبْلَةِ وَالصَّوْمِ، وَيُقَالُ: نَزَلَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرٍ وَأَيَّامٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الهجرة.
«١٣٦» حدثنا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الهاشمي أخبرنا أبو
- وهو في «شرح السنة» ١٦٩٦ بهذا الإسناد.
(١) زيادة من المخطوط.
(٢) في المخطوط وط «ملكتهم».
(٣) انظر «التاريخ الكبير» للبخاري ٢/ ١/ ٢٥٤ و «مجمع الزوائد» ٣/ ١٣٩ حديث دغفل بن حنظلة.
(٤) العبارة في المطبوع وحده «قبله يوما وبعده يوما».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) ما بين المعقوفتين في المخطوط عقب لفظ «الشهوات».
كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قريش في الجاهلية، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم يصومه فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ هُوَ الْفَرِيضَةَ، وَتُرِكَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ: شَهْرُ رَمَضَانَ، وَهِيَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَنَصَبَ أَيَّاماً عَلَى الظَّرْفِ، أَيْ: فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ، وَقِيلَ: عَلَى التَّفْسِيرِ، وَقِيلَ: عَلَى هُوَ خَبَرُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ، أَيْ: فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، أَيْ: فعليه عدّة [من أيام أخر] [١]، وَالْعَدَدُ وَالْعِدَّةُ وَاحِدٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، أَيْ: غَيْرِ أَيَّامِ مَرَضِهِ وَسَفَرِهِ، وأُخَرَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ، لَكِنَّهَا لَا تَنْصَرِفُ، فَلِذَلِكَ نُصِبَتْ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ، اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ وَحُكْمِهَا، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَغَيْرِهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ مُخَيَّرِينَ بَيْنَ أَنْ يصوموا وبين أن يفطروا ثمّ [٢] يفتدوا، خَيَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَمْ يَتَعَوَّدُوا الصَّوْمَ، ثُمَّ نَسَخَ التَّخْيِيرَ وَنَزَلَتِ العزيمة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: ١٨٥]، وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ خَاصَّةٌ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي يُطِيقُ الصَّوْمَ، وَلَكِنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ، رُخِّصَ لَهُ فِي أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ، ثُمَّ نُسِخَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هَذَا فِي الْمَرِيضِ الَّذِي بِهِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَرَضِ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ لِلصَّوْمِ، خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يصوم وبين أن يفطر أو يفدي، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وَثَبَتَتِ الرُّخْصَةُ لِلَّذِينِ [لَا]]
يُطِيقُونَ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَمَعْنَاهُ: وَعَلَى الَّذِينَ كَانُوا يُطِيقُونَهُ فِي حَالِ الشَّبَابِ فعجزوا عنه في حال الْكِبَرِ فَعَلَيْهِمُ الْفِدْيَةُ بَدَلَ الصَّوْمِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِهَا، أَيْ: يُكَلَّفُونَ الصَّوْمَ، وَتَأْوِيلُهُ: عَلَى الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يَسْتَطِيعَانِ الصَّوْمَ، وَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُ مَرَضِهِ، فَهُمْ يُكَلَّفُونَ الصَّوْمَ وَلَا يُطِيقُونَهُ، فَلَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا وَيُطْعِمُوا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَجَعَلَ الْآيَةَ مُحْكَمَةً. قَوْلُهُ تَعَالَى: فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ مُضَافًا، وَكَذَلِكَ فِي المائدة: كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ [المائدة: ٩٥]، أَضَافَ الْفِدْيَةَ إِلَى الطَّعَامِ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَحَبَّ الْحَصِيدِ [ق: ٩]، وَقَوْلِهِمْ: المسجد الْجَامِعِ، وَرَبِيعُ الْأَوَّلِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: فِدْيَةٌ، وكَفَّارَةٌ منوّنة، وطَعامُ، رفع، وقرأ مِسْكِينٍ بِالْجَمْعِ هُنَا، أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ، وَالْآخَرُونَ عَلَى التَّوْحِيدِ، فَمَنْ جَمَعَ نَصَبَ النُّونَ، وَمَنْ وَحَّدَ خَفَضَ النُّونَ وَنَوَّنَهَا، وَالْفِدْيَةُ: الْجَزَاءُ، وَيَجِبُ أَنْ يُطْعِمَ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مسكينا مدّا من الطعام
وأخرجه البخاري ٣٨٣١ و٥٤٠٤ ومسلم ١١٢٥ وأبو داود ٢٤٤٢ والترمذي ٧٥٣ وعبد الرزاق ٧٨٤٤ و٧٨٤٥ وابن أبي شيبة (٣/ ٥٥) وأحمد (٦/ ١٦٢) وابن خزيمة ٣٠٨٠ والدارمي (٢/ ٢٣) وابن حبان ٣٦٢١ والبغوي في «شرح السنة» ١٧٠٢ والبيهقي (٤/ ٢٨٨) من طرق عن هشام بن عروة به.
- وأخرجه البخاري ١٥٩٢ و١٨٩٣ و٢٠٠١ و٤٥٠٢ ومسلم ١١٢٥ ح ١١٤- ١١٦ وعبد الرزاق ٧٨٤٢ والشافعي (١/ ٢٦٢- ٢٦٣) وأحمد (٦/ ٢٤٤) والطحاوي (٢/ ٧٤) والبيهقي (٤/ ٢٨٨ و٢٩٠) من طرق عن عروة عن عائشة.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «أو».
(٣) زيادة عن المخطوط.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٥]
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥)
شَهْرُ رَمَضانَ، رَفْعُهُ عَلَى مَعْنَى: هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: كُتِبَ عَلَيْكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَسُمِّيَ الشَّهْرُ شَهْرًا لِشُهْرَتِهِ، وَأَمَّا رَمَضَانُ [فقد] [٢] قال مجاهد: هو مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، يُقَالُ: شَهْرُ رَمَضَانَ كَمَا يُقَالُ شَهْرُ اللَّهِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ اسْمٌ لِلشَّهْرِ سُمِّيَ بِهِ مِنَ الرَّمْضَاءِ، وَهِيَ الحجارة المحماة، لأنهم [٣] كَانُوا يَصُومُونَهُ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ، وكانت ترمض [٤] فيه الحجارة من الْحَرَارَةِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، سُمِّيَ الْقُرْآنُ قُرْآنًا لِأَنَّهُ يَجْمَعُ السُّوَرَ وَالْآيَ وَالْحُرُوفَ، وَجُمِعَ فِيهِ الْقَصَصُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ، وَأَصْلُ الْقَرْءِ: الْجَمْعُ، وقد تحذف الهمزة فَيُقَالُ: قَرَيْتَ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ إِذَا جَمَعْتَهُ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ «الْقُرَانَ» بِفَتْحِ الرَّاءِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَأُ الشَّافِعِيُّ، وَيَقُولُ: لَيْسَ هُوَ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَلَكِنَّهُ اسْمٌ لِهَذَا الْكِتَابِ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، روي عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، وَقَوْلِهِ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) [الْقَدْرِ: ١]، وَقَوْلِهِ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ [الدُّخَانِ: ٣]، وَقَدْ نَزَلَ فِي سَائِرِ الشُّهُورِ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ [الْإِسْرَاءِ: ١٠٦] ؟ فَقَالَ: أُنْزِلُ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فِي لَيْلَةِ القدر من شهر رمضان
(٢) ليس في المخطوط. [.....]
(٣) في المطبوع «وهم».
(٤) في «القاموس» : رمض يومنا: اشتد حرّه- وأرمضه: أحرقه وأوجعه.
ع «١٣٧» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أنزلت [٢] صحف إبراهيم فِي ثَلَاثِ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ [شهر] [٣] رَمَضَانَ»، وَيُرْوَى «فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ»، «وَأُنْزِلَتْ تَوْرَاةُ مُوسَى فِي سِتِّ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ [شهر] [٤] رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى فِي ثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ من رمضان، وأنزل الزبور على داود في ثمان عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِسِتٍّ بَقِينَ بَعْدَهَا».
قَوْلُهُ تَعَالَى: هُدىً لِلنَّاسِ: مِنَ الضَّلَالَةِ، وهُدىً فِي محل النصب عَلَى الْقَطْعِ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ مَعْرِفَةٌ و «هدىّ» نَكِرَةٌ، وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى، أَيْ: دَلَالَاتٍ وَاضِحَاتٍ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، والحدود والأحكام، وَالْفُرْقانِ، أي: المفرق [٥] بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، أَيْ فَمَنْ كَانَ مُقِيمًا فِي الحضر فأدركه الشهر [فليصمه] [٦]، اختلف أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ أَدْرَكَهُ الشَّهْرُ وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: [لَا] [٧] يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَبِهِ قَالَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، أَيِ: الشَّهْرَ كُلَّهُ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَنْشَأَ السَّفَرَ فِي شهر رمضان جاز له الفطر [٨]، وَمَعْنَى الْآيَةِ: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ كُلَّهُ فَلْيَصُمْهُ، أَيِ: الشَّهْرَ كُلَّهُ، وَمَنْ لَمْ [٩] يَشْهَدْ مِنْكُمُ الشَّهْرَ كُلَّهُ فَلْيَصُمْ مَا شَهِدَ مِنْهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ: مَا:
«١٣٨» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ [١٠] عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبَيْدِ اللَّهِ [بْنِ عَبْدِ اللَّهِ] [١١] بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابن عباس: أن
وإنما أخرجه أحمد (٤/ ١٠٧) والطبراني في «الكبير» (٢٢/ ١٨٥) و «الأوسط» ٣٧٥٢ والطبري ٢٨٢١ من حديث واثلة بن الأسقع وفيه عمران بن داور القطان مختلف فيه، وهو إلى الضعف أقرب، والأشبه فيه الوقف والله أعلم.
قال الهيثمي في «المجمع» (١/ ١٩٧) : وفيه عمران بن داور القطان ضعفه يحيى، ووثقه ابن حبّان، وقال أحمد: أرجو أن يكون صالح الحديث، وبقية رجاله ثقات اهـ.
وورد عن جابر من قوله أخرجه أبو يعلى كما في «المجمع» (١/ ١٩٧) ح ٩٦٠، وأعله بضعف سفيان بن وكيع. ولا يصح هذا الخبر مرفوعا، والراجح وقفه.
١٣٨- إسناده على شرطهما. ابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
- وهو في «شرح السنة» ١٧٦٠ بهذا الإسناد.
(١) في المخطوط «السنة».
(٢) وقع في الأصل «أنزل» والتصويب من معجم الطبراني وغيره.
٣ زيادة عن المخطوط.
٤ زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «الفارق».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) سقط من المخطوط.
(٨) في المطبوع «أن يفطر».
(٩) في عبارة المخطوط هاهنا تخليط، وعبارة المطبوع وط- المثبتة هي الصواب.
(١٠) وقع في الأصل «منصور» والتصويب من «ط» ومن «شرح السنة». [.....]
(١١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من كتب التخريج.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، أَبَاحَ الْفِطْرَ لعذر المرض والسفر، [و] أعاد هَذَا الْكَلَامَ لِيُعْلَمَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ فِي النَّاسِخِ ثُبُوتَهُ فِي الْمَنْسُوخِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرَضِ الَّذِي يُبِيحُ الْفِطْرَ، فَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى أَنَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَرَضِ يُبِيحُ الْفِطْرَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ طَرِيفُ بْنُ تَمَّامٍ الْعُطَارِدِيُّ: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يَأْكُلُ فَقَالَ: إِنَّهُ وُجِعَتْ [٢] أُصْبُعِي هَذِهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: هُوَ الْمَرَضُ الَّذِي يجوز به [٣] الصَّلَاةُ قَاعِدًا، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ مَرَضٌ يُخَافُ مَعَهُ مِنَ الصَّوْمِ زِيَادَةُ عِلَّةٍ غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ، وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّهُ إِذَا أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ أَفْطَرَ، وَإِنْ لَمْ يُجْهِدْهُ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، وَأَمَّا السَّفَرُ فَالْفِطْرُ فِيهِ مُبَاحٌ، وَالصَّوْمُ جَائِزٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَجُوزُ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ، وَمَنْ صام فعليه القضاء.
ع «١٣٩» وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ».
وَذَلِكَ عِنْدَ الْآخَرِينَ فِي حَقِّ مَنْ يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ، فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، والدليل مَا:
«١٤٠» أَخْبَرَنَا بِهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا آدَمُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ:
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ [٤] بْنِ علي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قال:
وأخرجه البخاري ١٩٤٤ والشافعي (١/ ٢٧١) والدارمي (٢/ ٩) وابن حبان ٣٥٦٣ والطحاوي في «المعاني» (٢/ ٦٤) والبيهقي ٤/ ٢٤٠ من طريق مالك بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٩٥٤ و٤٢٧٥ و٤٢٧٦ ومسلم ١١١٣ والنسائي (٤/ ١٨٩) وعبد الرزاق ٧٧٦٢ والطيالسي ٢٧١٦ والحميدي ٥١٤ وابن أبي شيبة (٣/ ١٥) وأحمد (١/ ٢١٩ و٣٣٤) وابن خزيمة ٢٠٣٥ وابن حبان ٣٥٥٥ و٣٥٦٣- ٣٥٦٦ والطحاوي (٢/ ٦٤) والبيهقي (٤/ ٢٤٠) و٢٤٦ من طرق عن الزهري به.
١٣٩- ع انظر الحديث الآتي.
١٤٠- إسناده على شرط البخاري، آدم هو ابن أبي إياس العسقلاني روى له البخاري، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، شعبة هو ابن الحجاج بن الورد.
- هو في «شرح السنة» ١٧٥٨ بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» ١٩٤٦ عن آدم بهذا الإسناد.
- وأخرجه ومسلم ١١١٥ وأبو داود ٢٤٠٧ والنسائي (٤/ ١٧٧) والطيالسي ١٧٢١ وأحمد (٣/ ٢٩٩) و (٣١٩) و (٣٩٩
(١) الكديد: عين ماء جارية على اثنين وأربعين ميلا من مكة.
(٢) في المخطوط «توجعت» والمثبت هو الصواب كما في القرطبي (٢/ ٢٧٦).
(٣) في المخطوط «تجوز معه».
(٤) في الأصل «الحسين» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» ومصادر التخريج.
وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الصَّوْمِ مَا:
«١٤١» حَدَّثَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الإسفرايني، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو أمية أخبرنا عبيد [٢] اللَّهِ الْقَوَارِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَخْبَرَنَا الْجَرِيرِيُّ [٣]، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:
كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَلَا يَعِيبُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَفْضَلِ الْأَمْرَيْنِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْفِطْرُ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّوْمِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَنَسٍ، وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَفْضَلُ الْأَمْرَيْنِ أَيْسَرُهُمَا عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَمَنْ أَصْبَحَ مُقِيمًا صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، وَهُوَ [قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، أَمَّا الْمُسَافِرُ إِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ] [٤] بِالِاتِّفَاقِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا:
«١٤٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
- وأخرجه النسائي (٤/ ١٧٦) والطحاوي (٢/ ٦٢- ٦٣) وابن حبان ٣٥٥ من طريق مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثوبان عن جابر به.
- وأخرجه ابن ماجه ١٦٦٥ وابن حبان ٣٥٤٨ والطحاوي (٢/ ٦٣) والطبراني ١٣٣٨٧ و١٣٤٠٣ من حديث ابن عمر وقال البوصيري في الزوائد: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات اهـ.
١٤١- صحيح. أبو أمية صدوق، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، محمد بن إبراهيم، عبيد الله القواريري هو ابن عمر. الجريري هو سعيد بن إياس، أبو نضرة هو المنذر بن مالك بن قطعة.
وهو في «شرح السنة» ١٧٥٦ بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ١١١٦ ح ٩٦ والنسائي (٤/ ١٨٨) وأحمد (٣/ ١٢) وابن خزيمة ٢٠٣٠ والبيهقي (٤/ ٢٤٥) من طرق عن الجريري بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١١١٦ ح ٦٥ والترمذي ٧١٢ والنسائي (٤/ ١٨٨) و (١٨٩) وأحمد (٣/ ٥٠) وابن أبي شيبة (٣/ ١٧) وابن خزيمة ٣٠٢٩ والبيهقي (٤/ ٢٤٤) من طرق عن أبي نضرة به.
- وأخرجه مسلم ١١١٦ والطيالسي ٢١٥٧ وابن أبي شيبة (٣/ ١٧) وأحمد (٣/ ٤٥ و٧٤) وابن حبان ٣٥٦٢ والطحاوي (٢/ ٦٨) من طرق عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ به.
١٤٢- إسناده صحيح، رجاله ثقات. محمد هو ابن علي بن الحسين رضي الله عنهم.
(١) في المطبوع وحده «هذا صائم».
(٢) وقع في الأصل «عبد» والمثبت هو الصواب.
(٣) وقع في الأصل «الحريري» والتصويب من كتب التخريج والتراجم. [.....]
(٤) سقط من المخطوط.
وَاخْتَلَفُوا فِي السَّفَرِ الَّذِي يُبِيحُ الْفِطْرَ، فَقَالَ قَوْمٌ: مَسِيرَةُ يَوْمٍ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ، بِإِبَاحَةِ الْفِطْرِ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ، وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ «الْعُسْرَ وَالْيُسْرَ» وَنَحْوَهُمَا بِضَمِّ السِّينِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالسُّكُونِ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا خُيِّرَ رَجُلٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ فَاخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا إِلَّا كَانَ ذَلِكَ أَحَبَّهُمَا [٤] إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ، وَهُوَ الِاخْتِيَارُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [الْمَائِدَةِ:
٣]، وَالْوَاوُ فِي قوله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا وَاوُ النَّسَقِ وَاللَّامُ لَامُ كَيْ، تَقْدِيرُهُ: وَيُرِيدُ لِكَيْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، أي: لتكملوا عدد [٥] أَيَّامِ الشَّهْرِ بِقَضَاءِ مَا أَفْطَرْتُمْ فِي مَرَضِكُمْ وَسَفَرِكُمْ، وَقَالَ [عَطَاءٌ] [٦] : وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، أَيْ: عَدَدَ أَيَّامِ الشَّهْرِ.
«١٤٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عمر:
أن رسول الله قَالَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين».
رواه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (١/ ٢٦٨ و٢٦٩- ٢٧٠) عن عبد العزيز بن محمد بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ١١١٤ ح ٩١ والترمذي ٧١٠ والنسائي (٤/ ١٧٧) والبيهقي (٤/ ٢٤١- ٢٤٦) من طريق عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١١١٤ والطيالسي ١٦٦٧ والشافعي (١/ ٢٧٠) والنسائي (٤/ ١٧٧) والحميدي ١٢٨٩ وابن خزيمة ٢٠١٩ و٢٥٣٧ وابن حبان ٢٧٠٦ و٣٥٤٩ والطحاوي (٢/ ٦٥) والبيهقي (٥/ ٢٥٦) من طرق من حديث جابر.
١٤٣- صحيح. الشافعي ثقة إمام، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
وأخرجه البخاري ١٩٠٧ ومالك (١/ ٢٨٦) والشافعي (١/ ٢٧٢) والبيهقي (٤/ ٢٠٥) من طريق مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دينار به.
- وأخرجه البخاري ١٩٠٠ و١٩٠٦ ومسلم ١٠٨٠ وأبو داود ٢٣٢٠ والنسائي (٤/ ١٣٤) وابن ماجه ١٦٥٤ ومالك (١/ ٢٨٦) وعبد الرزاق ٧٣٠٧ والشافعي (١/ ٢٧٤) وأحمد (٢/ ١٣) و٦٣ و١٤٥ وابن حبان ٣٥٩٣ و٣٥٩٧ والدارقطني (٢/ ١٦١) والبغوي في «شرح السنة» ١٧٠٨ والبيهقي (٤/ ٢٠٤) من طرق من حديث ابن عمر.
(١) وقع في الأصل «بن» والتصويب من كتب التخريج.
(٢) تحرف في المخطوط إلى «الغنم».
(٣) في المطبوع «بعضهم».
(٤) في المخطوط «أحب».
(٥) في المطبوع «عدة».
(٦) سقط من المطبوع.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ، صُومُوا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن أغمي [٢] عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا».
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ: وَلِتُعَظِّمُوا اللَّهَ، عَلى مَا هَداكُمْ: أَرْشَدَكُمْ إِلَى مَا رَضِيَ [٣] بِهِ مِنْ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَخَصَّكُمْ بِهِ دُونَ سَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ تَكْبِيرَاتُ لَيْلَةِ الْفِطْرِ، وَرُوِيَ الشافعي عن ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُكَبِّرُونَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ، وَشَبَّهَ لَيْلَةَ النَّحْرِ بِهَا إِلَّا مَنْ كَانَ حَاجًّا فَذِكْرُهُ التَّلْبِيَةُ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ: اللَّهَ على نعمه [التي خصكم بها] [٤]، وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ فِي فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَثَوَابِ الصَّائِمِينَ.
«١٤٥» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عن أبي سُهَيْلٍ [٥] نَافِعُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أبيه عن أبي هريرة:
- وهو في «شرح السنة» ١٧١٣ بهذا الإسناد لكن فيه «عبد الرحيم بن منيب» بدل «محمد بن يحيى».
- وأخرجه الترمذي ٦٨٤ والشافعي (١/ ٢٧٥) وأحمد (٢/ ٤٣٨) و (٤٩٧) والطحاوي (٢/ ٨٤) والبيهقي (٤/ ٢٠٧) من طريق محمد بن عمرو بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ١٩١٤ ومسلم ١٠٨٢ وأبو داود ٢٣٣٥ والترمذي ٦٨٥ والنسائي (٤/ ١٤٩ و١٥٤) وابن ماجه ١٦٥٠ والشافعي (١/ ٢٧٥) والطيالسي ٢٣٦١ وعبد الرزاق ٧٣١٥ وابن أبي شيبة (٣/ ٢٣) وأحمد (٢/ ٢٣٤) و (٣٤٧) و (٤٠٨) و (٤٧٧) و (٥١٣) والدارمي (٢/ ٤) وابن حبان ٣٥٨٦ و٣٥٩٢ والطحاوي (٢/ ٨٤) وابن الجارود ٣٧٨ والبيهقي (٤/ ٢٠٧) من طرق عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عن أبي سلمة به.
١٤٥- إسناده صحيح، أبو عبيد فمن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
وهو في «شرح السنة» ١٦٩٨.
وأخرجه البخاري ١٨٩٨ ومسلم ١٠٧٩ والنسائي (٤/ ١٢٦) و (١٢٧) وأحمد (٢/ ٣٥٧) والدارمي (٢/ ٦٢) وابن خزيمة ١٨٨٢ والبغوي في «شرح السنة» ١٧٠٣. والبيهقي (٤/ ٢٠٢) من طرق عن إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل نافع بن مالك بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ١٨٩٩ و٣٢٧٧ ومسلم ١٠٧٩ ح ٢ وأحمد (٢/ ٤٠١) وابن أبي شيبة (٣/ ١- ٢) وابن حبان ٣٤٣٤ من طرق من حديث أبي هريرة.
- وانظر الحديث الآتي.
(١) وقع في الأصل «الحسين» والتصويب عن «شرح السنة» و «سير أعلام النبلاء» (١٧/ ٣٥٦).
(٢) في المطبوع «غم».
(٣) في المطبوع «أرضى». [.....]
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) وقع في الأصل.. أبي سهيل عن نافع، وهو تصحيف والتصويب من كتب التخريج وكتب التراجم.
«١٤٦» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ [٢]، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ [٣] مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ [٤] أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ».
«١٤٧» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَوْفَانِيُّ الْهَرَوِيُّ بِهَا، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ التُّجِيبِيُّ [٥] الْمِصْرِيُّ بِهَا الْمَعْرُوفُ بأبي النَّحَّاسِ [٦] قِيلَ لَهُ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْعَنَزِيُّ [٧] الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْأَعْرَابِيِّ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرحمن عن أبي هريرة:
وهو في «شرح السنة» ١٦٩٩ بهذا الإسناد.
وهو في «سنن الترمذي» ٦٨٢ عن محمد بن العلاء بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن ماجه ١٦٤٢ وابن خزيمة ١٨٨٣ وابن حبان ٣٤٣٥ والحاكم (١/ ٤٢١) من طريق أبي كريب بهذا الإسناد، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
ويشهد له ما أخرجه النسائي (٤/ ١٣٠) وابن أبي شيبة (٣/ ١) وأحمد (٤/ ٣١١) و (٣١٢) و (٥/ ٤١١) من طريق عرفجة عن رجل من الصحابة. وإسناده حسن. فإنه من رواية الثوري وشعبة عن عطاء بن السائب، وقد سمعا منه قبل الاختلاط، وجهالة الصحابي لا تضر، فالحديث حسن، ويرقى بالأول إلى درجة الصحيح، والله أعلم.
١٤٧- إسناده صحيح، رجاله ثقات، محمد بن الصّباح الزعفراني فمن دونه توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
الزهري هو محمد بن مسلم.
- وهو في «شرح السنة» ١٧٠٠ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٠١٤ وأبو داود ١٣٧٢ والنسائي (٤/ ١٥٦- ١٥٧) (٢٢٠١) - (٢٢٠٣) من طرق عن سفيان بن عيينة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٠٠٨ و٢٠٠٩ و٢٠١٤ ومسلم ٧٥٩ وأبو داود ١٣٧١ و١٣٧٢ والترمذي ٨٠٨ والنسائي (٣/ ٢٠١- ٢٠٢) و (١٥٦) وابن ماجه ١٣٢٦ ومالك (١/ ١١٣) وأحمد (٢/ ٢٨١) و٢٨٩ و٤٠٨ و٤٢٣ وعبد الرزاق ٧٧١٩ والدارمي (٢/ ٢٦) وابن خزيمة ٢٢٠٢ وابن حبان ٢٥٤٦ والبيهقي (٢/ ٤٩١ و٤٩٢) من طرق عن أبي سلمة به.
وبعضهم اقتصر على ذكر «الصيام» والبعض الآخر اقتصر على ذكر «القيام».
(١) صفّدت: شدّت وأوثقت بالأغلال- والصفد: القيد.
(٢) في المطبوع «بن الجراح».
(٣) في المطبوع «عباس».
(٤) وقع في الأصل «المحوبي» والتصويب من «شرح السنة» و «ط».
(٥) وقع في الأصل «النجيبي» والتصويب من «ط» ومن «شرح السنة».
(٦) وقع في الأصل «النجاش» والتصويب من «ط» ومن «شرح السنة».
(٧) وقع في الأصل «المقبري» والتصويب من «شرح السنة» ومن «ط».
«١٤٨» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ خَلَفُ بْنُ عَبْدٍ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نِزَارٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسَدٍ الصَّفَّارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الْعَنَزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرِ بْنِ إِيَاسٍ السَّعْدِيُّ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ زِيَادٍ [عَنْ همام بن يحيى] [٢] عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ:
خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فقال: «أيّها الناس إنه أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ». [وَفِي رِوَايَةٍ: «قَدْ أَطَلَّكُمْ»، بِالطَّاءِ: أَطَلَّ: أَشْرَفَ] [٣]، شَهَرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، شهر جعل الله صيامه [وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا، مَنْ تَقَرَّبَ فيه بخصلة من الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فريضة كان كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ] [٤]، وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ، وَشَهْرُ الْمُوَاسَاةِ [أَيِ الْمُسَاهَمَةِ] [٥] وَشَهْرٌ يُزَادُ فِيهِ الرِّزْقُ، من فَطَّرَ فِيهِ صَائِمًا كَانَ لَهُ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ [٦] مِنَ النَّارِ، وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله ليس كلنا يجد ما يفطّر بِهِ الصَّائِمَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُعْطِي اللَّهُ هَذَا الثَّوَابَ لِمَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى مَذْقَةِ لَبَنٍ أَوْ تَمْرَةٍ أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ، وَمَنْ أَشْبَعَ صَائِمًا سَقَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لَا يَظْمَأُ بَعْدَهَا حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ. [وَمَنْ خَفَّفَ عَنْ مَمْلُوكِهِ فِيهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَأَعْتَقَهُ مِنَ النَّارِ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ] [٧]، وَهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ، فَاسْتَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: خَصْلَتَيْنِ تُرْضُونَ بِهِمَا رَبَّكُمْ، وَخَصْلَتَيْنِ لا غنى لكم عَنْهُمَا، أَمَّا الْخَصْلَتَانِ اللَّتَانِ تُرْضُونَ بِهِمَا رَبَّكُمْ فَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَتَسْتَغْفِرُونَهُ، وَأَمَّا اللتان لا غنى لكم عَنْهُمَا فَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَتَعُوذُونَ بِهِ مِنَ النَّارِ».
«١٤٩» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ [مُحَمَّدُ بن] محمد بن محمش
وأخرجه ابن خزيمة ١٨٨٧ عن علي بن حجر بهذا الإسناد، ومن طريقه:
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٣٦٠٨ وكذا أخرجه البيهقي ٣٦٠٨ من طريق إياس بن عبد الغفار عن علي بن زيد به.
وأخرجه الأصبهاني في «الترغيب» ١٧٥٣ و١٧٦٣ من وجه آخر بنحوه عن علي بن زيد بهذا الإسناد.
١٤٩- إسناده صحيح. إبراهيم بن عبد الله فمن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، وكيع هو ابن الجراح، والأعمش سليمان بن مهران، وأبو صالح اسمه ذكوان، مشهور بكنيته وهو في «شرح السنة» ١٧٠٤ بهذا
(١) زيد في نسخ المطبوع هاهنا «وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذنبه».
- وليست في المخطوط ولا في شرح السنة وصحيح البخاري ومسلم لذا حذفتها، فهي مقحمة. والله أعلم. [.....]
(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من «شعب الإيمان» وكتب التراجم.
(٣) زيد في نسخ المطبوع دون المخطوط وكتب الحديث الأخرى.
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع وحده.
(٥) زيد في نسخ المطبوع.
(٦) في المطبوع «رقبة».
(٧) زيد في نسخ المطبوع، وليس هو في المخطوط ولا في «الشعب» ٣٦٠٨ للبيهقي.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ عَمَلِ ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، قال الله [سبحانه و] تَعَالَى: إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وأنا أجزي به، يدع طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، وللصائم فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيْهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ المسك، الصَّوْمُ جُنَّةٌ» [١].
«١٥٠» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، مِنْهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ».
«١٥١» أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن الحارث، أخبرنا
وأخرجه مسلم ١١٥١ وابن ماجه ١٦٣٨ وابن أبي شيبة (٣/ ٥) وأحمد (٢/ ٤٤٣ و٤٧٧) والبيهقي (٤/ ٣٠٤) عن وكيع عن الأعمش بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ١٨٩٤ و١٩٠٤ و٥٩٢٧ و٧٥٣٨ ومسلم ١١٥١ والنسائي (٤/ ١٦٤ و٣٠٤) ومالك (١/ ٣١٠) والطيالسي ٢٤٨٥ وعبد الرزاق ٧٨٩١ و٧٨٩٣ وابن أبي شيبة (٣/ ٥) وأحمد (٢/ ٢٨١) وابن خزيمة ١٨٩٧ و١٩٠٠ وابن حبان ٣٤١٦ و٣٤٢٢ و٣٤٢٣ و٣٤٢٤ والبغوي ١٧٠٥ والبيهقي (٤/ ٣٠٤) من طرق من حديث أبي هريرة.
١٥٠- إسناده صحيح، محمد بن إسماعيل هو البخاري إمام فن علم الحديث، سعيد فمن فوقه رجال البخاري ومسلم. أبو مريم اسمه الحكم بن محمد، وأبو حازم اسمه سلمة بن دينار، ويعرف ب- الأعرج-.
- وهو في «شرح السنة» ١٧٠٢ بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» ٣٢٥٧ عن سعيد بن أبي مريم بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي (٤/ ٣٠٥) من طريق سعيد بن أبي مريم بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ١٨٩٦ ومسلم ١١٥٢ والترمذي ٧٦٥ والنسائي (٤/ ١٦٨) وابن ماجه ١٦٤٠ وابن أبي شيبة (٣/ ٥- ٦) وابن خزيمة ١٩٠٢ وابن حبان ٣٤٢٠ و٣٤٢١ والبغوي ١٧٠٣ من طرق عن أبي حازم بهذا الإسناد بألفاظ متقاربة.
١٥١- غير قوي. إسناده ضعيف له علتان: رشدين بن سعد ضعيف ليس بشيء، لكن لم ينفرد به تابعه ابن لهيعة وابن وهب كما سيأتي. والعلة الثانية: حييّ بن عبد الله المصري غير قوي. قال البخاري: فيه نظر، وقال ابن معين: ليس به بأس، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أحمد: أحاديثه مناكير. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به إذا روى عنه ثقة. ثم ساق له أحاديثه مناكير، وقال: لا يتابع عليها. راجع «الميزان» (١/ ٦٢٣).
- وأخرجه نعيم بن حماد في «زيادات الزهد لابن المبارك» (٣٨٤) من طريق رشدين بن سعد بهذا الإسناد، ورشدين ضعيف، وتابعه ابن لهيعة عند أحمد (٢/ ١٧٤) (٦٥٨٩) وتابعهما عبد الله بن وهب عند الحاكم (١/ ٥٥٤) (٢٠٣٦) وصححه على شرط مسلم! ووافقه الذهبي! وليس كذلك، حييّ بن عبد الله ما رويا له شيئا، وهو إلى الضعف أقرب.
- وقال المنذري في «ترغيبه» ١٤٣٦: رواه أحمد. والطبراني في «الكبير» ورجاله محتج بهم في الصحيح! ورواه ابن أبي الدنيا في «كتاب الجوع» وغيره بإسناد حسن، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. تقدم أنه ليس على شرط مسلم!
(١) زيد في المطبوع وحده «وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق، فإن سابّه أحد أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم».
- وهذه الزيادة مقحمة ليست من هذا الحديث، وإنما هي من حديث آخر مستقل، وليست في المخطوط ولا هي في شرح السنة وصحيح مسلم وكتب الحديث.
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم [أنه] قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فيه فيشفعان».
[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٦]
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، رَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [٤] قَالَ: قَالَ يَهُودُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ يَسْمَعُ رَبُّنَا دُعَاءَنَا وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ السَّمَاءِ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَإِنَّ غِلَظَ كُلِّ سَمَاءٍ مِثْلُ ذَلِكَ؟ فَنَزَلَتْ هذه الآية.
ع «١٥٢» وَقَالَ الضَّحَّاكُ: سَأَلَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَقَرِيبٌ رَبُّنَا فَنُنَاجِيهِ أَمْ بِعِيدٌ فَنُنَادِيهِ؟
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَعَالَى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ.
وَفِيهِ إِضْمَارٌ، كَأَنَّهُ قال: فقل لهم [يا محمد] [٥] إِنِّي قَرِيبٌ مِنْهُمْ بِالْعِلْمِ لَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ، كَمَا قَالَ: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: ١٦].
«١٥٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [٦] الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا محمد بن
والحديث في «صحيح الترغيب» ٩٧٣.
(١) وقع في الأصل «راشد» والتصويب من كتب التراجم وكتب التخريج.
(٢) وقع في الأصل «يحيى» وهو تصحيف والتصويب من كتب التخريج.
(٣) وقع في الأصل «عمر» بدل «عمرو» والتصويب من كتب التخريج. [.....]
(٤) لا أصل له من كلام ابن عباس، وإنما هو من صنع الكلبي أو شيخه أبي صالح واسمه باذام، فقد أقر الكلبي للثوري بقوله: كل ما حدثتك عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس فهو كذب، راجع «الميزان».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
١٥٢- ع هذا مرسل، والإسناد إلى الضحاك ذكره المصنف في أول الكتاب.
- وأخرج ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» (١/ ٢٢٤) والطبري (٢٩١٢) من طريق عبدة السختياني عن الصلت بن حكيم بن معاوية بن حيدة عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم أَقَرِيبٌ رَبُّنَا فَنُنَاجِيهِ أَمْ بِعِيدٌ فنناديه؟
فسكت النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزل الله: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي إذا أمرتهم أن يدعوني فدعوني استجبت» وإسناده ضعيف لجهالة الصلت بن حكيم، ذكره ابن أبي حاتم من غير جرح أو تعديل، فلعل هذا الموصول يتأيد بالمرسل المتقدم.
١٥٣- إسناده صحيح على شرطهما، عبد الواحد هو ابن زياد العبدي، وعاصم هو ابن سليمان الأحول، وأبو عثمان هو النّهدي اسمه عبد الرحمن بن ملّ.
- وهو في «شرح السنة» ١٢٧٦ بهذا الإسناد.
لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، أَوْ قَالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ، أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ غير قالون وأبي عَمْرٍو بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِيهِمَا فِي الوصل، والباقون يحذفونها وَصْلًا وَوَقْفًا، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي إِثْبَاتِ الْيَاءَاتِ الْمَحْذُوفَةِ مِنَ الخط وحذفها في التلاوة، وأثبت يَعْقُوبُ جَمِيعَهَا وَصْلًا وَوَقْفًا، وَاتَّفَقُوا عَلَى إِثْبَاتِ مَا هُوَ مُثْبَتٌ فِي الْخَطِّ وَصْلًا وَوَقْفًا، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي، قِيلَ: الِاسْتِجَابَةُ بِمَعْنَى الْإِجَابَةِ، أَيْ: فليجيبوا إليّ بِالطَّاعَةِ، وَالْإِجَابَةُ فِي اللُّغَةِ: الطَّاعَةُ وَإِعْطَاءُ مَا سُئِلَ، فَالْإِجَابَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى: الْعَطَاءُ، وَمِنَ الْعَبْدِ: الطاعة، وقيل: فليستجيبوا إليّ، أَيْ: لِيَسْتَدْعُوا مِنِّي الْإِجَابَةَ، وَحَقِيقَتُهُ فَلْيُطِيعُونِي، وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ، لِكَيْ يَهْتَدُوا، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ، وقوله: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: ٦٠]، وقد ندعوا كَثِيرًا فَلَا يُجِيبُ؟ قُلْنَا: اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَتَيْنِ، قِيلَ: مَعْنَى الدُّعَاءِ هَاهُنَا: الطَّاعَةُ، وَمَعْنَى الْإِجَابَةِ؟ الثَّوَابُ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَتَيْنِ خَاصٌّ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُمَا عَامًّا، تَقْدِيرُهُمَا: أجيب دعوة الداعي إِنْ شِئْتُ كَمَا قَالَ: فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ [الأنعام: ٤١]، وأجيب دَعْوَةَ الدَّاعِي إِنْ وَافَقَ الْقَضَاءَ، أَوْ أُجِيبُهُ إِنْ كَانَتِ الْإِجَابَةُ خَيْرًا لَهُ، أَوْ أُجِيبُهُ إِنْ لَمْ يَسْأَلْ مُحَالًا.
«١٥٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ [مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ] السمعاني أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ [٢]، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ أَنَّ رَبِيعَةَ بن يزيد حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ أبي هريرة:
وأخرجه البخاري ٢٩٩٢ ومسلم ٢٧٠٤ وأبو داود ١٥٢٨ وابن ماجه ٣٨٢٤ وأحمد (٤/ ٤٠٣) و٤١٧ و٤١٨ وابن السني في «عمل اليوم والليلة» ٥١٨ من طريق عاصم الأحول بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٦٣٨٤ و٦٤٠٩ و٦٦١٠ ومسلم ٢٧٠٤ وأبو داود ١٥٢٦ و١٥٢٧ والترمذي ٣٣٧١ و٣٤٥٧ والنسائي في «الكبرى» ١٠٣٧٢ وابن ماجه ٣٨٢٤ وأحمد (٤/ ٣٩٩) و (٤٠٢) و (٤١٨) و (٤١٩) وأبو يعلى ٧٢٥٢ وابن السني ٥٢١ من طرق من حديث أبي موسى الأشعري.
(١) ما بين المعقوفتين زيادة من «شرح السنة» و «صحيح البخاري».
١٥٤- حديث صحيح. إسناده ضعيف لأجل عبد الله بن صالح كاتب الليث، فإنه روى مناكير. لكن تابعه ابن وهب، ومعاوية من رجال مسلم ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، أبو إدريس هو الخولاني اسمه عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
وهو في «شرح السنة» ١٣٨٤ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٧٣٥ والبخاري في «الأدب المفرد» ٦٥٥ وابن حبان ٨٨١ و٩٧٦ والبيهقي (٣/ ٣٥٣) من طريق ابن وهب عن معاوية بن صالح بهذا الإسناد.
- وورد من طريق آخر عن أبي هريرة مرفوعا ومختصرا دون ذكر الإثم وقطيعة الرحم أخرجه البخاري ٦٣٤٠ وفي «الأدب المفرد» ٦٥٤ ومسلم ٢٧٣٠ وأبو داود ١٤٨٤ والترمذي ٣٣٧٨ وابن ماجه ٣٨٥٣ ومالك (١/ ٢١٣) وأحمد (٢/ ٤٨٧) و٣٩٦ وابن حبان ٩٧٥ والطحاوي في «المشكل» (١/ ٣٧٤).
(٢) وقع في الأصل «الزياتي» والتصويب من «شرح السنة» ومن «تهذيب الكمال».
وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أُجِيبُ، أَيْ: أَسْمَعُ، وَيُقَالُ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ أَكْثَرُ مِنْ إِجَابَةِ [٢] الدَّعْوَةِ، فَأَمَّا إِعْطَاءُ الْمُنْيَةِ فَلَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِيهَا، وَقَدْ يُجِيبُ السَّيِّدُ عَبْدَهُ وَالْوَالِدُ وَلَدَهُ ثُمَّ لَا يُعْطِيهِ سُؤْلَهُ، فَالْإِجَابَةُ كَائِنَةٌ لَا مَحَالَةَ عِنْدَ حُصُولِ الدَّعْوَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ لَا يُخَيِّبُ [٣] دُعَاءَهُ فَإِنْ قَدَّرَ لَهُ مَا سَأَلَ أعطاه، وإن لم يقدّر لَهُ ادَّخَرَ لَهُ الثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ أَوْ كَفَّ عَنْهُ بِهِ سوءا [في الدنيا] [٤]، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا:
«١٥٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ [٥] أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ وَهُوَ [٦] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ حَدَّثَهُمْ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا عَلَى الْأَرْضِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ».
وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُجِيبُ دُعَاءَ الْمُؤْمِنِ فِي الْوَقْتِ، وَيُؤَخِّرُ إِعْطَاءَ [من يحبّ] [٧] مُرَادِهِ لِيَدْعُوَهُ فَيَسْمَعَ صَوْتَهُ، وَيُعَجِّلُ إِعْطَاءَ مَنْ لَا يُحِبُّهُ لِأَنَّهُ يَبْغَضُ صَوْتَهُ، وَقِيلَ: إِنَّ لِلدُّعَاءِ آدَابًا وَشَرَائِطَ وَهِيَ أَسْبَابُ الْإِجَابَةِ، فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِجَابَةِ، وَمَنْ أَخَلَّ بِهَا فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاعْتِدَاءِ فِي الدُّعَاءِ، فلا يستحقّ الإجابة [٨].
- وهو في «شرح السنة» ١٣٨١ بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد (٥/ ٣٢٩) (٢٢٢٧٩) والترمذي (٣٥٧٣) والبيهقي في «الشعب» ١١٣١ من طريق الفريابي محمد بن يوسف بهذا الإسناد.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه اهـ.
- وأخرجه الطبراني في «الأوسط» ١٤٧ من هشام بن الغاز عن مكحول بهذا الإسناد.
وقال الهيثمي في «المجمع» (١٠/ ١٤٧) (١٧٢٠١). وفيه مسلمة بن علي، وهو ضعيف اهـ. قلت: مسلمة هو الخشني متروك ليس بشيء.
- وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري. أخرجه أحمد (٣/ ١٨) والبخاري في «الأدب المفرد» (٧١٠) وأبو يعلى ١٠١٩ والحاكم (١/ ٤٩٣) والبزار (٣١٤٣) و (٣١٤٤) والبيهقي في «الشعب» ١١٢٩. صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في «المجمع» ١٠/ ١٤٨- ١٤٩: رواه أبو يعلى بنحوه والبزار والطبراني في الأوسط، ورجال أحمد وأبي يعلى وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح غير علي بن علي الرفاعي، وهو ثقة اهـ.
(١) حسر واستحسر: إذا أعيا وانقطع عن الشيء.
(٢) في المطبوع «استجابة».
(٣) في المطبوع «يجيب» وفي المخطوط «لا يجيب» والمثبت عن- ط-.
(٤) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٥) وقع في الأصل «الزياتي» وهو تصحيف.
(٦) زيد في الأصل بعد لفظ وهو: «محمد بن» وهو خطأ من النساخ. والتصويب عن كتب التراجم وشرح السنة.
(٧) زيد في المطبوع وحده. وتحرف لفظ «يحب» إلى «يجيب». والمثبت يقتضيه سياق الكلام الآتي.
(٨) في المخطوط «الجواب».
[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٧]
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧)قَوْلُهُ تَعَالَى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ، فَالرَّفَثُ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ، قَالَ ابْنُ عباس: إن الله حيي كريم يكني، كلما ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالْإِفْضَاءِ وَالدُّخُولِ وَالرَّفَثُ، فَإِنَّمَا عَنَى بِهِ الْجِمَاعَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الرَّفَثُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَا يُرِيدُهُ الرِّجَالُ مِنَ النِّسَاءِ، قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ إِذَا أَفْطَرَ الرَّجُلُ حَلَّ لَهُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالْجِمَاعُ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، أَوْ يَرْقُدَ قَبْلَهَا، فَإِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ أَوْ رَقَدَ قَبْلَهَا حَرُمَ عَلَيْهِ الطعام والشراب وَالنِّسَاءُ إِلَى اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ، ثُمَّ:
ع «١٥٦» إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عنه واقع أهله بعد ما صَلَّى الْعِشَاءَ فَلَمَّا اغْتَسَلَ أَخَذَ يَبْكِي وَيَلُومُ نَفْسَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكَ مِنْ نَفْسِي هَذِهِ الْخَاطِئَةِ [١]، إِنِّي رَجَعْتُ إِلَى أهلي بعد ما صَلَّيْتُ الْعِشَاءَ فَوَجَدْتُ رَائِحَةً طَيِّبَةً فَسَوَّلَتْ لِي نَفْسِي فَجَامَعْتُ أَهْلِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا كُنْتَ جَدِيرًا بِذَلِكَ يا عمر»، فقام رجال فاعترفوا بِمِثْلِهِ، فَنَزَلَ فِي عُمْرَ وَأَصْحَابِهِ: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ.
أَيْ: أُبِيحُ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ، أَيْ: سَكَنٌ لَكُمْ، وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ، أَيْ: سَكَنٌ لَهُنَّ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها [الْأَعْرَافِ: ١٨٩]، وَقِيلَ:
لا يسكن شيء إلى شَيْءٌ كَسُكُونِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إِلَى الْآخَرِ، وَقِيلَ: سُمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ لِبَاسًا لِتَجَرُّدِهِمَا عِنْدَ النَّوْمِ وَاجْتِمَاعِهِمَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، حَتَّى يَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ كَالثَّوْبِ الَّذِي يَلْبَسُهُ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: هُنَّ فِرَاشٌ [٢] لكم، وأنتم لحاف لهن، وقال أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ: يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ هِيَ لِبَاسُكَ وَفِرَاشُكَ وَإِزَارُكَ، وَقِيلَ: اللِّبَاسُ اسْمٌ لِمَا يُوَارِي الشَّيْءَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِتْرًا لِصَاحِبِهِ عَمَّا لَا يَحِلُّ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
ع «١٥٧» «مَنْ تَزَوَّجَ فَقَدْ أَحْرَزَ [٣] ثُلُثَيْ دينه».
وله شاهد من حديث كعب بن مالك أخرجه الطبري ٢٩٤٩ وفي إسناده ابن لهيعة لكن ابن المبارك سمع منه قبل الاختلاط.
١٥٧- ضعيف. أخرجه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» ١٠٠٥ من طريق خالد الحذاء عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسِ بن مالك مرفوعا بلفظ: «من تزوج فقد أحرز نصف دينه، فليتق الله في النصف الباقي».
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، وإنما يذكر عنه، وفيه آفات منها يزيد الرقاشي قال أحمد: لا يكتب عنه شيء كان منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث... اهـ.
- وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (٧٦٤٣) و (٨٧٨٩) والخطيب البغدادي في «الموضح» (٢/ ٨٤) من طرق عن يزيد
(١) في المطبوع «الخطيئة».
(٢) زيد في نسخ المطبوع «واجتماعهما».
(٣) وقع في الأصل «فقد حرز».
ع «١٥٨» وَذَلِكَ أَنَّهُ ظَلَّ نَهَارَهُ يَعْمَلُ فِي أَرْضٍ لَهُ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَمَّا أَمْسَى رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ بِتَمْرٍ، وَقَالَ لِأَهْلِهِ قَدِّمِي الطَّعَامَ، فَأَرَادَتِ الْمَرْأَةُ أَنْ تُطْعِمَهُ شَيْئًا سخنا [٢] فَأَخَذَتْ تَعْمَلُ لَهُ سَخِينَةً، وَكَانَ في [ابتداء الأمر] [٣] مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَنَامَ حَرُمَ عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ، فَلَمَّا فَرَغَتْ من طعامه إذا هِيَ بِهِ قَدْ نَامَ، وَكَانَ قد أعيا وكلّ [من العمل] [٤]، فَأَيْقَظَتْهُ فَكَرِهَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ ورسوله وأبى أَنْ يَأْكُلَ فَأَصْبَحَ صَائِمًا مَجْهُودًا، فَلَمْ يَنْتَصِفِ النَّهَارُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا أبا قيس ما لك أصبحت [٥] طليحا [٦] »، فذكر له حاله فَاغْتَمَّ لِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا، يَعْنِي فِي لَيَالِي الصَّوْمِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ.
يَعْنِي: بَيَاضَ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ: سُمِّيَا خَيْطَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَبْدُو فِي الِابْتِدَاءِ مُمْتَدًّا كَالْخَيْطِ.
«١٥٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أخبرنا محمد بن يوسف
- وأخرجه الحاكم (٢/ ١٦١) (٢٦٨١) من طريق زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الرحمن بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم قال:
«من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني». صححه الحاكم، ووافقه الذهبي مع أن في إسناده زهير بن محمد ضعيف في رواية الشاميين عنه وهذا منها ثم إن عمرو بن أبي سلمة التنيسي ضعيف أيضا.
ولفظ الحاكم ذكره ابن حجر في «التلخيص» (٣/ ١١٧) وضعّف إسناده.
١٥٨- ع خبر قيس بن صرمة، أخرجه البخاري ١٩١٥ وأبو داود ٢٣١٤ والترمذي ٢٩٦٨ والنسائي (٤/ ١٤٧- ١٤٨) وأحمد (٤/ ٢٩٥) والدارمي (٢/ ٥) وابن حبان (٣٤٦٠) و (٣٤٦١) والطبري ٢٩٣٩ والبيهقي (٤/ ٢٠١) من حديث البراء بغير هذا السياق.
١٥٩- إسناده صحيح. محمد بن إسماعيل هو البخاري، ومن دونه ثقات، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، أبو حازم هو
(١) زيادة عن كتب التخريج.
(٢) في المطبوع «سخينا». [.....]
(٣) في المطبوع «الابتداء».
(٤) زيادة من المخطوط.
(٥) في المخطوط وط «أمسيت» لكن سياق الحديث يدل على أنه كان في النهار. وقد وردت روايات تذكر أنه كان في الليل.
(٦) الطلح: المهزول- والراعي المعيني.
أُنْزِلَتْ: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، وَلَمْ يَنْزِلْ قَوْلُهُ: مِنَ الْفَجْرِ، فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ، وَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ ويشرب حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَهُ: مِنَ الْفَجْرِ، فَعَلِمُوا إِنَّمَا يَعْنِي بِهِمَا: اللَّيْلَ والنهار.
«١٦٠» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [١] الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أخبرنا حجاج بْنُ مِنْهَالٍ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ:
لَمَّا نَزَلَتْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وسادتي فجعلت أنظر إليهما في [٢] اللَّيْلِ فَلَا يَسْتَبِينُ لِي، فَغَدَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ».
«١٦١» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ [٣]، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ»، قال: وكان ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أصبحت أصبحت.
هو في «صحيح البخاري» (١٩١٧) و (٤٥١١) عن ابن أبي مريم بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ١٠٩١ والنسائي في «التفسير» ٤٢ والطبري ٢٩٩٨ والطبراني في «الكبير» ٥٧٩١ والبيهقي (٤/ ٢١٥) والواحدي في «الأسباب» ٩٤ من طريق سعيد بن أبي مريم بهذا الإسناد.
١٦٠- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، هشيم هو ابن بشير السلمي، والشعبي هو عامر بن شراحيل.
وأخرجه البخاري ١٩١٦ من طريق حجاج بن منهال بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٤٥٠٩ ومسلم ١٠٩٠ وأبو داود ٢٣٤٩ والترمذي ٢٩٧٠ و٢٩٧١ والنسائي في «التفسير» ٤١ وأحمد (٤/ ٣٧٧) والطبري ٢٩٩٦ و٢٩٩٧ وابن خزيمة ١٩٢٥ و١٩٢٦ والدارمي (٢/ ٥- ٦) والحميدي ٩١٦ وابن أبي شيبة (٣/ ٢٨) والطبراني في «الكبير» (١٧/ ١٧٦) والبيهقي (٤/ ٢١٥) من طرق عن عامر الشعبي به.
١٦١- إسناده صحيح على شرطهما. أبو إسحق ومن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم. ابن شهاب هو محمد بن مسلم. وهو في «شرح السنة» ٤٣٤ بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٦١٧ وابن حبان ٣٤٦٩ والطحاوي (١/ ١٣٧) والبيهقي (١/ ٣٨٠) و٤٢٦- ٤٢٧ من طريق مالك بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ١٩١٨ و٢٦٥٦ ومسلم ١٠٩٢ والترمذي ٢٠٣ والنسائي (٢/ ١٠) والشافعي (٢/ ٢٧٥) والطيالسي ١٨١٩ وابن أبي شيبة (٣/ ٩) وأحمد (٢/ ٩) و (٥٧) و (٦٢) والدارمي (١/ ٢٧٠) وابن خزيمة ٤٠١ و١٩٣١ وابن حبان ٣٤٧٠ والطحاوي (١/ ١٣٧) و (١٣٨) والبيهقي (١/ ٣٨٠) و (٣٨٢) و (٤/ ٢١٨) من طرق من حديث ابن عمر.
(١) زيادة من المخطوط.
(٢) في المطبوع «وإلى».
(٣) وقع في الأصل «الشهاب» وهو تصحيف.
«١٦٢» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، أَخْبَرَنَا هَنَّادٌ وَيُوسُفُ [٣] بْنُ عِيسَى، قَالَا: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي هِلَالٍ عَنْ سَوَادَةَ [٤] بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَكِنِ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ [٥] فِي الْأُفُقِ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ، فَالصَّائِمُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَيَمْتَدُّ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَإِذَا غَرَبَتْ حَصَلَ الْفِطْرُ.
«١٦٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا الْحُمَيْدِيُّ أخبرنا سفيان الثوري أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ: سَمِعَتْ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ، العكوف هو الإقامة على الشيء،
- وأخرجه الترمذي ٧٠٦ من طريق هناد ويوسف بن عيسى بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٠٩٤ وأبو داود ٢٣٤٦ وابن أبي شيبة (٢/ ١٥٤) وأحمد (٥/ ١٣- ١٤) وابن خزيمة ١٩٢٩ والطحاوي (١/ ٨٣) والطيالسي ٨٩٧ و٧٩٨ والدارقطني (٢/ ١٦٦) والبيهقي (٤/ ٢١٥) من طرق عن سوادة بن حنظلة القشيري عن سمرة بن جندب به.
(١) السّرحان: الذئب والأسد.
(٢) في المخطوط «منشرا».
(٣) وقع في الأصل «بن» بدل «و» وهو خطأ والتصويب من كتب التراجم وكتب التخريج. [.....]
(٤) وقع في الأصل «سواد» وهو تصحيف والتصويب من «شرح السنة» و «سنن الترمذي».
(٥) استطار ضوء الفجر: إذا انبسط في الأفق وانتشر.
١٦٣- إسناده صحيح على شرط البخاري الحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي. سفيان هو ابن سعيد.
وهو في «شرح السنة» ١٧٢٩ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ١٩٥٤ من طريق الحميدي بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١١٠٠ وأبو داود ٢٣٥١ والترمذي ٦٩٨ وابن أبي شيبة (٢/ ١٤٨) وأحمد (١/ ٢٨ و٣٥ و٤٨) والدارمي (٢/ ٧) وابن الجارود ٣٩٣ والبيهقي (٤/ ٢١٦) من طريق هشام بن عروة بهذا الإسناد.
«١٦٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ.
وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَعْتَكِفُونَ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِذَا عَرَضَتْ لِلرَّجُلِ مِنْهُمُ الْحَاجَةُ إِلَى أَهْلِهِ خَرَجَ إِلَيْهَا فَجَامَعَهَا ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَرَجَعَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنُهُوا عن ذلك ليلا أو نهارا حَتَّى يَفْرَغُوا مِنَ اعْتِكَافِهِمْ، فَالْجِمَاعُ حَرَامٌ فِي حَالِ الِاعْتِكَافِ، وَيَفْسُدُ بِهِ الِاعْتِكَافُ، أَمَّا مَا دُونَ الْجِمَاعِ مِنَ الْمُبَاشَرَاتِ كَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ بِالشَّهْوَةِ فَمَكْرُوهٌ، وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الِاعْتِكَافُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، كَمَا لَا يَبْطُلُ بِهِ الْحَجُّ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَبْطُلُ بِهَا اعْتِكَافُهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقِيلَ: إِنْ أَنْزَلَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَلَا، كَالصَّوْمِ. وَأَمَّا اللَّمْسُ الَّذِي لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّلَذُّذُ فَلَا يَفْسُدُ بِهِ الِاعْتِكَافُ، لِمَا:
«١٦٥» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَكَفَ أَدْنَى إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ: يعني: تلك الأحكام التي ذكرت [١] في الصيام والاعتكاف حدود،
- وهو في «شرح السنة» ١٨٢٦ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٠٢٦ من طريق عبد الله بن يوسف بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١١٧٢ وأبو داود ٢٤٦٢ وأحمد (٦/ ٩٢) والبيهقي (٤/ ٣١٥ و٣٢٠) من طريق الليث عن عقيل بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١١٧٢ والترمذي ٧٩٠ وعبد الرزاق ٧٦٨٢ وأحمد (٦/ ١٦٨) و (١٦٩) و (٢٨١) والدارقطني (٢/ ٢٠١) وابن خزيمة (٢٢٢٣) وابن حبان ٣٦٦٥ والبيهقي (٤/ ٣١٤) من طرق من حديث عائشة.
١٦٥- إسناده على شرطهما. أبو مصعب فمن فوقه رجال البخاري ومسلم، ومن دونه ثقات، وقد توبعوا.
- وهو في «شرح السنة» ١٨٣٠ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مالك (١/ ٣١٢) من طريق الزهري بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه مسلم (٢٩٧ ح/ ٦) وأبو داود ٢٤٦٧ والترمذي ٨٠٤ وأحمد (٦/ ١٠٤) و (٢٦٢) و (٢٨١) وابن خزيمة ٢٢٣١ وابن حبان ٣٦٧٢ والبيهقي (٤/ ٣١٥).
- وأخرجه البخاري ٢٩٦ و (٢٠٢٨) و (٢٠٢٩) و (٢٠٤٦) ومسلم ٢٩٧ وأبو داود ٢٤٦٨ و٢٤٦٩ والنسائي (١/ ١٩٣) وابن ماجه ٦٣٣ و١٧٧٨ وأحمد (٦/ ٣٢ و٥٠) و (٨١ و١٠٠ و٢٣٤) وابن خزيمة (٢٢٣٠ و٢٢٣٢) وابن حبان ٣٦٦٩ و٣٦٧٠ والبيهقي (٤/ ٣١٦) والبغوي ٣١٧ من طرق من حديث عائشة.
(١) في نسخ المطبوع «ذكرها».
[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٨]
وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ، قِيلَ:
ع «١٦٦» نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي امْرِئِ [٢] القيس بن عابس الْكِنْدِيِّ ادَّعَى عَلَيْهِ رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدَانَ الْحَضْرَمِيُّ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَلَكَ يَمِينُهُ»، فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [أَمَا إِنْ حلف على مالك] [٣] لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ.
أَيْ: لَا يَأْكُلُ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ، أَيْ: مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ وَأَصْلُ الْبَاطِلِ:
الشَّيْءُ الذَّاهِبُ، وَالْأَكْلُ بِالْبَاطِلِ أَنْوَاعٌ: قَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ وَالنَّهْبِ، وَقَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ اللَّهْوِ كَالْقِمَارِ وَأُجْرَةِ الْمُغَنِّي وَنَحْوِهِمَا [٤]، وَقَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الرِّشْوَةِ وَالْخِيَانَةِ، وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ،
وكذا ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٩٥ عن مقاتل بن حيان بدون إسناد. وذكر سبب النزول ضعيف، ولا يصح، وأما المرفوع منه فصحيح، وهو الثاني: أخرجه مسلم ١٣٩ وأبو داود ٣٢٤٥ و٣٦٢٣ والترمذي ١٣٤٠ والنسائي في «الكبرى» ٥٩٨٩ والطحاوي في «المعاني» (٤/ ١٤٨) و «المشكل» (٤/ ٢٤٨) والبيهقي (١٠/ ١٤٤) و٢٥٤ والبيهقي (١٠/ ١٧٩) من طرق عن أبي الأحوص عن سماك عن علقة بن وائل عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ من حضر موت وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي كَانَتْ لِأَبِي. فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هي أرضي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم للحضرمي: ألك عليه بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَكَ يَمِينُهُ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي على ما حلف عليه، وليس يتورّع من شيء. فقال: لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ. فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أدبر: أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا، لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ، وَهُوَ عنه معرض».
- وفي صحيح البخاري ٢٤١٦ و٢٤٧ وسنن أبي داود ٣٢٤٣ والترمذي ١٢٦٩ وابن ماجه ٢٣٢٣ والبيهقي (١٠/ ١٧٩- ١٨٠) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: من حلف على يمين، وهو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله، وهو عليه غضبان. قال: فقال الأشعث: فيّ والله كان ذلك. كان بيني وبين رجل من اليهود أرض، فجحدني، فقدّمته إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ألك بينة؟ قلت: لا. قال لليهودي: احلف. قال: قلت: يا رسول الله إذا يحلف، ويذهب بمالي، فأنزل الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا إلى آخر الآية.
(١) في المخطوط «النار».
(٢) في الأصل «امرؤ» والمثبت هو الصواب.
(٣) العبارة في المطبوع [إما أن يحلف على ماله].
(٤) في المطبوع «وغيرهما» وفي المخطوط «ونحوهما» والمثبت عن- ط.
وَتُدْلُوا فِي مَحَلِّ الْجَزْمِ بِتَكْرِيرِ حَرْفِ النَّهْيِ مَعْنَاهُ وَلَا تُدْلُوا بِهَا إلى الحكام، وقيل: معناه لا تَأْكُلُوا بِالْبَاطِلِ وَتَنْسِبُونَهُ إِلَى الْحُكَّامِ، قَالَ قَتَادَةُ: لَا تُدْلِ بِمَالِ أَخِيكَ إِلَى الْحَاكِمِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أنك ظالم [وهو محق] [٤]، فَإِنَّ قَضَاءَهُ لَا يُحِلُّ حَرَامًا، وَكَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي يَقُولُ: إِنِّي لَأَقْضِي لَكَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ ظَالِمًا، وَلَكِنْ [لَا يَسَعُنِي إِلَّا أَنْ أَقْضِيَ] [٥] بِمَا يَحْضُرُنِي مِنَ الْبَيِّنَةِ، وَإِنَّ قَضَائِي لَا يُحِلُّ لَكَ حَرَامًا.
«١٦٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذَنَّهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً: طَائِفَةً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ: بِالظُّلْمِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ يَقْطَعُ [٦] بِهَا مَالَ أَخِيهِ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ: أنكم مبطلون.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٩]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٨٩)
قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ، «١٦٨» نَزَلَتْ فِي مُعَاذِ بن جبل وثعلبة بن غنمة [٧] الْأَنْصَارِيَّيْنِ قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ما بال الهلال يبدو
- وهو في «شرح السنة» ٢٥٠٠ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مالك (٢/ ٧١٩) من طريق هشام بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه الشافعي (٢/ ١٧٨) والبخاري ٢٦٨٠ و٧١٦٩ والطحاوي (٤/ ١٥٤) وابن حبان ٥٠٧٠ والبيهقي (١٠/ ١٤٣) و (١٤٩).
- وأخرجه البخاري ٢٤٥٨ و٧١٨١ و٧١٨٥ ومسلم ١٧١٣ والترمذي ١٣٣٩ والنسائي (٨/ ٢٣٣) وابن ماجه ٢٣١٧ وأحمد (٦/ ٢٠٣) و٢٩٠ و٣٠٧ و٣٠٨ والطحاوي (٤/ ١٥٤) والدارقطني (٤/ ٢٣٩) وابن الجارود ٩٩٩ والبيهقي (١٠/ ٤٣) و (١٤٩) من طرق عن عروة به.
١٦٨- ع ضعيف جدا. أخرجه أبو نعيم وابن عساكر كما في «أسباب النزول» للسيوطي ٩٧ من طريق مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ السُّدِّيُّ عَنْ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابن عباس، وهذا إسناد ساقط، السدي متروك، والكلبي متهم، وعزاه الواحدي في
(١) سقط من المخطوط. [.....]
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) لفظ «وهو» سقط من المخطوط.
(٤) زيادة من المخطوط.
(٥) العبارة في المخطوط [لا يمنعني أن أقضي].
(٦) في المطبوع «يقتطع».
(٧) في الأصل «غنم» والمثبت عن «الإصابة» (١/ ٢٠٩) و «أسباب النزول» وغيرهما.
ع «١٦٩» وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ نَاسٌ مَنَ الْأَنْصَارِ إِذَا أَهَّلُوا بِالْعُمْرَةِ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ شَيْءٌ، فكان الرَّجُلُ يَخْرُجُ مُهِلًّا بِالْعُمْرَةِ فَتَبْدُو له الحاجة بعد ما يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ، فَيَرْجِعُ وَلَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْحُجْرَةِ مِنْ أجل سقف الباب [٧] أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ، فَيَفْتَحُ الْجِدَارَ مِنْ وَرَائِهِ ثُمَّ يقوم [٨] فِي حُجْرَتِهِ فَيَأْمُرُ بِحَاجَتِهِ، حَتَّى
١٦٨- ع م ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ١٠١ نقلا عن المفسرين بهذا اللفظ.
- وأخرجه عبد بن حميد كما في «أسباب النزول» ١٠١ للسيوطي عن قيس بن جبير النهشلي مختصرا.
- وورد بمعناه من حديث ابن عباس أخرجه الطبري ٣٠٩٢ وفي إسناده عطية بن سعد العوفي، وهو ضعيف، ومن دونه مجاهيل.
- وله شاهد من حديث جابر أخرجه الحاكم (١/ ٤٨٣) وابن أبي حاتم كما في «الأسباب» ٩٩ للسيوطي. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الحافظ في «الفتح» (٣/ ٢٢٧) إسناده على شرط مسلم. وهو قوي. وله شاهد مرسل، وهو الآتي.
١٦٩- ع أخرجه الطبري ٣٠٨٩ عن الزهري مرسلا بهذا السياق، وهو مرسل يصلح شاهدا لما تقدم.
(١) المدر: المدن والحضر.
(٢) النقب: الثقب- ونقب الخف: تخرّق.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) الوبر: صوف الإبل والأرانب- ووبّر الرجل: تشرّد. أهل الوبر هنا: الذين يعيشون في الخيم.
(٥) زيد في المطبوع وهو مثبت في «أسباب النزول» للواحدي ١٠١. [.....]
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في المطبوع «البيت».
(٨) في المطبوع «يقول».
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ والكسائي وأبو بكر «البيوت، والغيوب، وَالْجُيُوبَ، وَالْعُيُونَ، وَشُيُوخًا» بِكَسْرِ أَوَائِلِهِنَّ، لِمَكَانِ الْيَاءِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ عَلَى الْأَصْلِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «جِيُوبِهِنَّ» بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ «الْغِيُوبَ» بكسر الغين، وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى، أَيِ: الْبِرُّ بِرُّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها، [أي] : فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٩٠]
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَيْ: فِي طَاعَةِ اللَّهِ، الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ، كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَفِّ عَنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَمَرَهُ بِقِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُ مِنْهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: [هَذِهِ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً، قَاتَلُوا أَوْ لَمْ يقاتلوا بقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة: ٥]، فَصَارَتْ] [٣] هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً بِهَا [حكما] [٤]، وَقِيلَ:
نُسِخَ بِقَوْلِهِ: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ آيَةً. وَقَوْلُهُ: وَلا تَعْتَدُوا، أي: ولا تَبْدَءُوهُمْ بِالْقِتَالِ، وَقِيلَ: هَذِهِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِ الْمُقَاتِلِينَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَلا تَعْتَدُوا، أَيْ: لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَالشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَالرُّهْبَانَ، وَلَا مَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ [٥]، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ.
«١٧٠» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ محمد بْنُ سَهْلٍ الْقُهُسْتَانِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي تُرَابٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الطَّرَسُوسِيُّ [٦]، أَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ
- وهو في «شرح السنة» ٣٦٦٣ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٧٣١ وأبو داود ٢٦١٢ و٢٦١٣ والترمذي ١٤٠٨ و١٦١٧ والنسائي في «الكبرى» ٨٥٨٦ و٨٦٨٠ وابن ماجه ٢٨٥٨ والشافعي (٢/ ٣٨٤) وعبد الرزاق ٩٤٢٨ وأحمد (٥/ ٣٥٢) و (٣٥٨) والدارمي (٢/ ١٣٦) وأبو يعلى ١٤١٣ والطبراني في «الصغير» (١/ ١٢٣) والطحاوي في «المعاني» (٣/ ٢٠٦) و٢٢١ وابن الجارود ١٠٤٢ وابن حبان ٤٧٣٩ والبيهقي (٩/ ٤٩) و٦٩ و١٨٤ من طرق عن علقمة بن مرثد بهذا الإسناد.
مطولا، وليس عند مسلم وغيره «ولا شيخا كبيرا».
- أما لفظ المصنف بتمامه فهو عند البزار (٢/ ٦٧٤) والطبراني في «الصغير» (١/ ١٨٧) والخطيب في «تاريخه» (٤/ ٢٩٦- ٢٩٧) من طريق أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي عن عثمان بن سعيد المري عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عن أبي بردة وعن أبي موسى مرفوعا بهذا اللفظ.
وأبو إسحاق مدلس وقد عنعنه لكن للحديث شواهد يقوى بها منها حديث أنس عند أبي داود ٢٦١٤ لكن فيه خالد بن الفرز، وهو لين الحديث.
١ في المطبوع «أحمسي».
٢ في المطبوع «أحمسي».
(٣) زيد في نسخ المطبوع.
(٤) زيادة من المخطوط.
(٥) في المخطوط «السلم».
(٦) وقع في الأصل «الطوسي» والتصويب من «شرح السنة» و «ط» و «الأنساب» (٤/ ٦٢).
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ جَيْشًا قَالَ: «اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بالله، لا تغلوا، ولا تغدروا [٢]، وَلَا تَقْتُلُوا امْرَأَةً وَلَا وَلِيدًا ولا شيخا كبيرا».
ع «١٧١» قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مَعَ أَصْحَابِهِ لِلْعُمْرَةِ، وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا الْحُدَيْبِيَةَ فَصَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، فَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَامَهُ ذَلِكَ، عَلَى أَنْ يُخَلُّوا لَهُ مَكَّةَ عَامَ قَابِلٍ [٣] ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَيَطُوفَ بِالْبَيْتِ، فلما كان العام المقبل [٤] تَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَخَافُوا أَنْ لَا تَفِيَ قُرَيْشٌ بِمَا قَالُوا، وَأَنْ يَصُدُّوهُمْ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَكَرِهَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِتَالَهُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَفِي الْحَرَمِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَعْنِي مُحْرِمِينَ، الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ، يَعْنِي: قُرَيْشًا وَلا تَعْتَدُوا، فتبدؤوا بالقتال في الحرم [وأنتم] [٥] مُحْرِمِينَ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٩١ الى ١٩٣]
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (١٩١) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٢) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣)
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ، قِيلَ: نُسِخَتِ الْآيَةُ الْأُولَى بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَأَصْلُ الثقافة: الحذق والبصر بالأمر، وَمَعْنَاهُ: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ بَصُرْتُمْ [٦] مُقَاتَلَتَهُمْ وَتَمَكَّنْتُمْ مِنْ قَتْلِهِمْ، وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَكَّةَ، فَقَالَ: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ كَمَا أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ، وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ، يَعْنِي: شِرْكُهُمْ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَشَدُّ وَأَعْظَمُ مِنْ قَتْلِكُمْ إِيَّاهُمْ في الحرم والإحرام، تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: «وَلَا تَقْتُلُوهُمْ حَتَّى يَقْتُلُوكُمْ فَإِنْ قَتَلُوكُمْ»، بِغَيْرِ أَلِفٍ فِيهِنَّ مِنَ الْقَتْلِ عَلَى مَعْنَى وَلَا تَقْتُلُوا بَعْضَهُمْ، تَقُولُ الْعَرَبُ: قَتَلْنَا بَنِي فُلَانٍ وَإِنَّمَا قَتَلُوا بَعْضَهُمْ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْأَلِفِ مِنَ الْقِتَالِ وَكَانَ هَذَا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، كَانَ لَا يَحِلُّ بِدَايَتُهُمْ بِالْقِتَالِ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ صَارَ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ [البقرة: ١٩٣]، هَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: قَوْلُهُ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ، أَيْ: حَيْثُ أَدْرَكْتُمُوهُمْ فِي الحلّ والحرم، وصارت هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، ثُمَّ نَسَخَتْهَا آيَةُ السَّيْفِ فِي «بَرَاءَةٌ»، فَهِيَ نَاسِخَةٌ مَنْسُوخَةٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَجَمَاعَةٌ: هَذِهِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ وَلَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِالْقِتَالِ فِي الحرم، كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ.
(١) وقع في الأصل «يزيد» والتصويب من كتب الحديث وكتب التراجم.
(٢) في المطبوع «تعتدوا».
(٣) في المطبوع «العام القابل». [.....]
(٤) في المطبوع «القابل».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «أبصرتم» والمخطوط «تبصرتم».
وَقاتِلُوهُمْ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ، حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، أَيْ: شِرْكٌ، يَعْنِي قَاتِلُوهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا فَلَا يُقْبَلُ مِنَ الْوَثَنِيِّ إِلَّا الْإِسْلَامُ فَإِنْ أبى قتل، وَيَكُونَ الدِّينُ، أي: الطاعة والعبادة لِلَّهِ وحده، فلا يعبد شيء دونه، قَالَ نَافِعٌ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ؟ قَالَ:
يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي، قَالَ: أَلَا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وجلّ [في قوله] [١] : وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [الحجرات: ٩]، فقال: يَا ابْنَ أَخِي لَأَنْ أُعَيَّرَ [٢] بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَا أُقَاتِلَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعَيَّرَ [٣] بِالْآيَةِ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً [النِّسَاءِ: ٩٣]... قَالَ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ؟ قَالَ: [قَدْ] [٤] فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَلِيلًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ إِمَّا يَقْتُلُونَهُ أَوْ يُعَذِّبُونَهُ، حَتَّى كَثُرَ الْإِسْلَامُ فَلَمْ تَكُنْ [٥] فِتْنَةٌ، وكان الدين لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عُمَرَ: كَيْفَ تَرَى فِي قِتَالِ الْفِتْنَةِ؟ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ؟ كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ الدخول عليهم فتنة، وليس [لكم غنيّ عن الْمُلْكِ] [٦]، فَإِنِ انْتَهَوْا: عَنِ الْكُفْرِ وَأَسْلَمُوا، فَلا عُدْوانَ، فَلَا سَبِيلَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ [القصص: ٢٨]، أي: فلا سبيل عليّ، وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: الْعُدْوَانُ: الظُّلْمُ، أَيْ: فَإِنْ أَسْلَمُوا فَلَا نَهْبَ وَلَا أَسْرَ وَلَا قَتْلَ، إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ بَقُوا عَلَى الشِّرْكِ، [وَمَا يُفْعَلُ بِأَهْلِ الشِّرْكِ] [٧] مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يَكُونُ ظُلْمًا، وَسَمَّاهُ عُدْوَانًا عَلَى طَرِيقِ المجازات وَالْمُقَابَلَةِ، كَمَا قَالَ: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ [البقرة: ١٩٤]، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشُّورَى: ٤٠]، وَسُمِّيَ الْكَافِرُ ظَالِمًا لِأَنَّهُ يَضَعُ الْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ موضعها.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٩٤]
الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤)
الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ:
ع «١٧٢» نزلت هذه الآية فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا فِي ذِي الْقِعْدَةِ فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ بِالْحُدَيْبِيَةِ، فَصَالَحَ أَهْلَ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَنْصَرِفَ عَامَهُ ذَلِكَ وَيَرْجِعَ الْعَامَ المقبل فَيَقْضِيَ [٨] عُمْرَتَهُ، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَهُ ذَلِكَ، وَرَجَعَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، وَقَضَى عُمْرَتَهُ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ.
فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: الشَّهْرُ الْحَرامُ، يَعْنِي ذَا الْقِعْدَةِ الَّذِي دَخَلْتُمْ فيه مكة، وقضيتم فيه
١ زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «أعتبر» والمثبت عن- ط-.
٣ زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «تكون».
(٦) العبارة في المطبوع [قتالكم كقتالهم على الملك] وهي في- ط-[وليس بقتالكم على الملك].
(٧) سقط من المخطوط.
(٨) في المطبوع «فيقضين».
[سورة البقرة (٢) : آية ١٩٥]
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَرَادَ بِهِ الْجِهَادَ وَكُلَّ خَيْرٍ هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَكِنَّ إِطْلَاقَهُ يَنْصَرِفُ إِلَى الْجِهَادِ، وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، قِيلَ: الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بِأَيْدِيكُمْ زَائِدَةٌ، يُرِيدُ: وَلَا تُلْقُوا أَيْدِيَكُمْ، أَيْ: أَنْفُسَكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ عَبَّرَ بالأيدي عن الأنفس [٢]، كقوله تعالى: فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشُّورَى: ٣٠]، أَيْ: بِمَا كَسَبْتُمْ، وَقِيلَ: الْبَاءُ فِي مَوْضِعِهَا، وفيه حذف، أي: ولا تُلْقُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، أَيِ الْهَلَاكِ، وَقِيلَ: التَّهْلُكَةُ كُلُّ شَيْءٍ يَصِيرُ عَاقِبَتُهُ إِلَى الْهَلَاكِ، أَيْ: وَلَا تَأْخُذُوا فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: التَّهْلُكَةُ مَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَالْهَلَاكُ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَالْعَرَبُ لَا تَقُولُ لِلْإِنْسَانِ:
أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَّا فِي الشر، وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا فِي الْبُخْلِ في]
ترك الْإِنْفَاقِ، يَقُولُ: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ بِتَرْكِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُوَ قَوْلُ حُذَيْفَةَ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، أَنْفِقْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلَّا سَهْمٌ أَوْ مِشْقَصٌ [٤] وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: إِنِّي لَا أَجِدُ شَيْئًا، وَقَالَ السدي فيها: أَنْفِقْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَوْ عِقَالًا وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَلَا تَقُلْ: لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: لَمَّا أَمَرَ الله تعالى بالإنفاق قال رجال: أُمِرْنَا بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [تعالى]، وَلَوْ أَنْفَقْنَا أَمْوَالَنَا بَقِينَا فُقَرَاءَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ مجاهد فيها: لا يمنعكم مِنْ نَفَقَةٍ فِي حَقٍّ خِيفَةُ الْعَيْلَةِ:
«١٧٣» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو غَسَّانَ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الله
- وأخرجه أحمد (١/ ١٩٥ و١٩٦) وأبو يعلى ٨٧٨ من طريق واصل مولى أبي عيينة بهذا الإسناد.
وأخرجه الحاكم (٣/ ٢٦٥) من طريق بشار بن أبي سيف بهذا الإسناد وسكت عنه وكذا الذهبي.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» (٢/ ٣٠٠) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وفيه بشار بن أبي سيف، ولم أر من وثقه، ولا جرحه، وبقية رجاله ثقات! وتقدم أنه ذكره ابن حبان في الثقات.
- ولصدره شاهد من حديث خريم بن فاتك أخرجه الترمذي ١٦٢٥ والنسائي في «الكبرى» ٤٣٩٥ و١١٠٢٧ وأحمد (٤/ ٣٢٢) و٣٤٥ و٣٤٦ والطبراني ٤١٥٥ والحاكم (٢/ ٨٧) وابن حبان ٤٦٤٧، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح اهـ. فهذا شاهد للحديث، وفي الباب أحاديث تشهد لمعناه.
(١) زيادة من المخطوط. [.....]
(٢) العبارة في المطبوع [عبر عن الأنفس بالأيدي].
(٣) في المطبوع «و» بدل «في».
(٤) تحرف في المخطوط إلى «شقص» والمشقص: النصل.
«مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فَاضِلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَبِسَبْعِمِائَةٍ، وَمَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً عَلَى أَهْلِهِ فَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا».
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: كَانَ رِجَالٌ يَخْرُجُونَ فِي الْبُعُوثِ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ، فَإِمَّا أَنْ يَقْطَعَ بِهِمْ وإما أن يكونوا عِيَالًا، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِنْفَاقِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ يُنْفِقُهُ، فَلَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ وَلَا قُوتٍ فَيُلْقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَالتَّهْلُكَةُ: أَنْ يَهْلِكَ مِنَ الجوع والعطش أو من المشي، وقيل:
نزلت الآية في ترك الجهاد.
ع «١٧٤» قَالَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ: نَزَلَتْ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَعَزَّ [دِينَهُ] [٣] وَنَصَرَ رَسُولَهُ، قُلْنَا فِيمَا بَيْنَنَا: إِنَّا قَدْ تَرَكْنَا أَهْلَنَا وَأَمْوَالَنَا حَتَّى فَشَا الْإِسْلَامُ وَنَصَرَ اللَّهُ نبيّه فلو رجعنا إلى أهلنا وَأَمْوَالِنَا فَأَقَمْنَا فِيهَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ.
والتهلكة الْإِقَامَةُ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَتَرْكُ الْجِهَادِ، فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى كَانَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا بِقُسْطَنْطِينِيَّةَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، فَتُوُفِّيَ هُنَاكَ وَدُفِنَ فِي أَصْلِ سُورِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وهم يستسقون به.
ع «١٧٥» وَرَوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ».
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: الْإِلْقَاءُ [٤] إِلَى التَّهْلُكَةِ هُوَ الْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: هُوَ الرَّجُلُ يُصِيبُ الذَّنْبَ فَيَقُولُ قَدْ هَلَكْتُ لَيْسَ لِي تَوْبَةٌ، فَيَيْأَسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَيَنْهَمِكُ فِي الْمَعَاصِي، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ [يوسف: ٨٧]، وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.
(٢) يقال: غضيف، و: غطيف،. ويقال: «غطيف بن عياض».
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) في المخطوط «إلا إلقاء».
١٧٤- ع صحيح. أخرجه أبو داود ٢٥١٢ والترمذي ٢٩٧٢ والطبري ٣١٧٩ والطيالسي ٥٩٩ والطبراني ٤٠٦٠ وابن حبان ٤٧١١ والحاكم (٢/ ٢٧٥) وابن عبد الحكم في «فتوح مصر» (ص ٢٦٩- ٢٧٠) والبيهقي (٩/ ٩٩) من طرق عن حيوة بن شريح قال: سمعت يزيد بن أبي حبيب يقول: «حدثني أسلم أبو عمران مولى لكندة قال: كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم، وخرج إليهم مثله أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، فحمل رجل من المسلمين على صفّ الروم حتى دخل فيهم، فصاح به الناس، وقالوا: سبحان الله تلقي بيدك إلى التهلكة؟ فقام أبو أيوب الأنصاري فقال:....».
وإسناده صحيح، صححه الحاكم على شرطهما! ووافقه الذهبي! مع أن مداره على أسلم بن يزيد التّجيبي، ولم يرويا له شيئا، وإنما هو من رجال كتب السنن، وهو ثقة بكل حال. والله أعلم.
١٧٥- ع صحيح. أخرجه مسلم ١٩١٠ والبخاري في «التاريخ الكبير» (٣/ ١٩٢) وأبو داود ٢٥٠٢ والنسائي (٦/ ٨) وأحمد (٢/ ٣٧٤) والحاكم (٢/ ٧٩) وابن الجارود ١٠٣٦ والخطيب البغدادي في «الموضح» (٢/ ٤٤٣) وابن أبي عاصم في «الجهاد» ٤٣ وأبو نعيم في «الحلية» (٨/ ١٦٠) والبيهقي (٩/ ٤٨) من طريق أبي صالح من حديث أبي هريرة.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٩٦]
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٩٦)قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، قَرَأَ عَلْقَمَةُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: «وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ»، واختلفوا في إتمامها فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ يُتِمَّهُمَا بِمَنَاسِكِهِمَا وَحُدُودِهِمَا وَسُنَنِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلْقَمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَمُجَاهِدٍ، وأَرْكَانُ الْحَجِّ خَمْسَةٌ: الْإِحْرَامُ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ [١]، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَحَلْقُ الرَّأْسِ أَوِ التَّقْصِيرُ، وَلِلْحَجِّ تَحَلُّلَانِ، وَأَسْبَابُ التَّحَلُّلِ ثَلَاثَةٌ: رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَالْحَلْقُ، فَإِذَا وُجِدَ شَيْئَانِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ، وَبِالثَّلَاثِ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الثَّانِي، وَبَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ يَسْتَبِيحُ جَمِيعَ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ إِلَّا النِّسَاءَ، وَبَعْدَ الثَّانِي يَسْتَبِيحُ الْكُلَّ، وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ أَرْبَعَةٌ: الْإِحْرَامُ، وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصفا والمروة، والحلق. قال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٌ: تَمَامُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا [مُفْرَدَيْنِ مُسْتَأْنَفَيْنِ] [٢] مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ، [وَسُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، قَالَ:
أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ] [٣]، وَمِثْلُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: تمام العمرة أن تعمر فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنْ كَانَتْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى حَجَّ فَهِيَ مُتْعَةٌ [٤]، وعليه فيه الْهَدْيُ إِنْ وَجَدَهُ أَوِ الصِّيَامُ [إِنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ] [٥]، وَتَمَامُ الْحَجِّ أَنْ يُؤْتَى بِمَنَاسِكِهِ كُلِّهَا حتى لا يلزمه عمّا ترك دَمٌ بِسَبَبِ قِرَانٍ وَلَا مُتْعَةٍ، وقال الضحّاك: إتمامهما أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ حَلَالًا وَيَنْتَهِيَ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ سفيان الثوري:
[إتمامهما] [٦] أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ لَهُمَا، وَلَا تَخْرُجَ لِتِجَارَةٍ وَلَا لِحَاجَةٍ أخرى، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الْوَفْدُ كَثِيرٌ وَالْحَاجُّ قَلِيلٌ. وَاتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ [عَلَى] [٧] مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى وُجُوبِهَا وَهُوَ قَوْلُ عُمْرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ، وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ الْعُمْرَةَ لَقَرِينَةُ الْحَجِّ فِي كِتَابِ اللَّهِ، [قَالَ اللَّهُ تَعَالَى] [٨] : وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ ومجاهد والحسن وَقَتَادَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ جَابِرٍ وَبِهِ قال الشعبي، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، عَلَى مَعْنَى أَتِمُّوهُمَا إذا دخلتم فيها، أَمَّا ابْتِدَاءُ الشُّرُوعِ فِيهَا فَتَطَوُّعٌ، واحتجّ من لم يوجبها بما:
ع «١٧٦» رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْعُمْرَةِ أواجبة
(١) في المخطوط «الطواف».
٢ ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط، وهو مثبت في المطبوع وكتب الحديث والأثر.
٣ ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط، وهو مثبت في المطبوع وكتب الحديث والأثر.
(٤) في المطبوع وحده «تمتعه». [.....]
٥ ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط، وهو مثبت في المطبوع وكتب الحديث والأثر.
(٦) ليس في المخطوط.
(٧) زيد في المطبوع.
(٨) زيادة عن المخطوط.
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، أَيِ: ابْتَدِئُوهُمَا فَإِذَا دَخَلْتُمْ فيهما فأتّموهما فهو أمر بالإبداء وَالْإِتْمَامِ، أَيْ: أَقِيمُوهُمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [الْبَقَرَةِ: ١٨٧]، أَيِ: ابْتَدِئُوهُ وَأَتِمُّوهُ.
«١٧٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ [١]، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ والذهب والفضة، وليس للحجّة [٢] المبرورة جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ».
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَحَدٌ إِلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَاجِبَتَانِ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِكَ سبيلا
- وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
- قال النووي في «المجموع» (٧/ ٦) : ينبغي ألّا يغتر بكلام الترمذي في «تصحيحه» فقد اتفق الحفاظ على تضعيفه اهـ.
- وقال البيهقي: المحفوظ عن جابر موقوف غير مرفوع، وروي عن جابر مرفوعا بخلاف ذلك، وكلاهما ضعيف اهـ.
وقال الحافظ: والحجاج ضعيف. وانظر كلام ابن حجر في «الفتح» (٣/ ٥٩٧) وذكره في «التلخيص» (٢/ ٢٢٦) باستيفاء وذكر له شواهد ونقل عن الشافعي قوله: ليس في العمرة شيء ثابت بأنها تطوع. وخلاصته كلام ابن حجر أنه حديث ضعيف، ولا يصح من وجه من الوجوه، وانظر تفسير الشوكاني ٣٠٢.
١٧٧- حديث صحيح. إسناده حسن لأجل عاصم وهو ابن أبي النجود، وباقي الإسناد ثقات، أبو خالد الأحمر اسمه سليمان بن حيان. ابن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد، وشقيق هو ابن سلمة أبو وائل. وعبد الله هو ابن مسعود وللحديث شواهد تقويه.
- وهو في «شرح السنة» ١٨٣٦ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٨١٠ والنسائي (٥/ ١١٥- ١١٦) وأبو يعلى ٤٩٧٦ وابن أبي شيبة (ج ٤/ ك ١٢/ ح ١) وأحمد (١/ ٣٨٧) وابن خزيمة ٢٥١٢ وابن حبان ٣٦٩٣ والطبري ٣٩٥٦ والطبراني ١٠٤٠٦. وأبو نعيم في «الحلية» (٤/ ١١٠) من طرق عن أبي خالد الأحمر به.
وللحديث شواهد.
- منها ما أخرجه أحمد (١/ ٢٥) والحميدي ١٧ وأبو يعلى ١٩٨ وابن ماجه ٢٨٨٧ والطبري ٣٩٥٨ والبيهقي في «الشعب» ٤٠٩٥ من حديث عمر.
- وما أخرجه البزار ١١٤٧ من حديث جابر، قال الهيثمي في «المجمع» ورجاله رجال الصحيح خلا بشر بن المنذر، ففي حديثه وهم قاله العقيلي، ووثقه ابن حبان اهـ.
- ومنها ما أخرجه النسائي (٥/ ١١٥) والطبراني (١١١٩٦ و١١٤٢٨) من حديث ابن عباس بإسناد صحيح.
- وما أخرجه عبد الرزاق ٨٧٩٦ وأحمد (٣/ ٤٤٦) و (٤٤٧) من حديث عامر بن ربيعة وفي إسناده عاصم بن عبيد الله، وهو ضعيف.
الخلاصة: هذه الشواهد ترقى بحديث الباب من درجة الحسن إلى درجة الصحيح، والله أعلم.
(١) في الأصل «الزياتي» والتصويب من «ط» ومن «شرح السنة» و «الأنساب».
(٢) في المطبوع «للحج المبرور» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».
«١٧٨» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المؤمنين أَنَّهَا قَالَتْ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بالحج [٢]، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فَحَلَّ وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الحج والعمرة، فلم [٣] يحلّ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ.
«١٧٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عن جابر وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ، وَلَا نَعْرِفُ غَيْرَهُ ولا نعرف العمرة.
- وهو في «شرح السنة» ١٨٦٧ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مالك (١/ ٣٣٥) من طريق أبي الأسود بهذا الإسناد ومن طريق مالك.
أخرجه البخاري ١٥٦٢ ومسلم (١٢١١/ ح ١١٨). وأبو داود ١٧٧٩ ١٧٨٠ والطحاوي (٢/ ١٤٠) و (١٩٦).
(١) في المخطوط «أقسام».
(٢) في المطبوع «بحج».
(٣) وقع في الأصل «فلن» والتصويب من «شرح السنة» وكتب الحديث.
١٧٩- ضعيف بهذا التمام. إسناده ضعيف لضعف مسلم وهو ابن خالد الزنجي، وباقي رجال الإسناد ثقات، ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز، محمد هو ابن علي بن الحسين.
وهو في «شرح السنة» ١٨٦٩ بهذا الإسناد دون قوله «ولا نعرف العمرة».
وهو في مسند الشافعي (١/ ٣٧٠) عن مسلم بن خالد الزنجي بهذا الإسناد، بأتم من هذا السياق وهو بهذا اللفظ ضعيف، بل زيادة «ولا نعرف العمرة» منكر. وقد صح الحديث.
- بدون لفظ «ولا نعرف العمرة» أخرجه البخاري ٢٥٠٥ و٢٥٠٦ من طريق ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ جابر، وعن طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم صبح رابعة من ذي الحجة مهلّين بالحج لا يخلطهم شيء، فلما قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة....».
وأخرجه مسلم ١٢١٦ من طريق يحيى بن سعيد عن ابن جريج به بلفظ: «أهللنا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم بالحج خالصا وحده....».
وأخرجه أبو داود ١٧٨٧ من طريق الأوزاعي عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «أهللنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم بالحج خالصا لا يخالطه شيء....».
الخلاصة: الوهن فقط في لفظ: «ولا نعرف العمرة». والله أعلم.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَاحْتَجُّوا بِمَا:
«١٨١» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مُلَاسٍ النُّمَيْرِيُّ أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ [١] أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ [قَالَ:] قال أنس بن مالك:
أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَبَّيْكَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ»، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، واحتجّوا بما:
«١٨٢» و «١٨٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله أن [٢] ابن عمر قَالَ:
تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الوداع بالعمرة إلى الحج، [وأهدى] [٣] فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، [فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ] [٤]، فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حُرِمَ مِنْهُ، حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لم يكن منكم
قال بكر: فحدّثت بذلك ابن عمر. فقال: لبى بالحج وحده.
فلقيت أنسا فقال: ما تعدوننا إلا صبيانا! سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم يقول: «لبيك عمرة وحجا».
وفي رواية: «أفرد رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم الحج» بدل «لبى بالحج وحده». [.....]
١٨١- إسناده صحيح، مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مُلَاسٍ الدمشقي. قال أبو حاتم في «الجرح والتعديل» (٨/ ١١٦) صدوق. ووثقه ابن حبان (٩/ ١٢٣) ومن فوقه ثقات رجال البخاري ومسلم حميد هو ابن أبي حميد الطويل، مختلف في اسم أبيه.
- وهو في «شرح السنة» ١٨٧٥.
- وأخرجه مسلم ١٢٥١ وأبو داود ١٧٩٥ والترمذي ٨٢١ والنسائي (٥/ ١٥٠) وابن ماجه ٢٩٦٩ وأحمد (٣/ ١١١ و١٨٢ و١٨٧ و٢٨٢) والحاكم (١/ ٤٧٢) وابن الجارود ٤٣٠ والبيهقي (٥/ ٩ و٤٠) والبغوي ١٨٧٤ من طرق عن أنس.
- وأخرجه مسلم ١٢٥١ والنسائي (٥/ ١٥٠) وابن ماجه ٢٩٦٨ وأحمد (٣/ ٢٨٢) وابن حبان ٣٩٣٠ والبيهقي (٥/ ٩) من طرق عن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس به.
١٨٢، ١٨٣- إسناده صحيح على شرطهما، محمد بن إسماعيل هو البخاري. ومن دونه ثقات، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، الليث هو ابن سعد، وعقيل- بضم العين- هو ابن خالد الأموي، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
وهو في «شرح السنة» ١٨٧٠ بهذا الإسناد.
وفي «صحيح البخاري» ١٦٩١ و١٦٩٢ عن يحيى بن بكير بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ١٢٢٧ وأبو داود ١٨٠٥ والنسائي في «الكبرى» ٣٧١٢ وأحمد (٢/ ١٤٠) والبيهقي (٥/ ٢٣/ ١٧٠) من طريق الليث بهذا الإسناد.
(١) وقع في الأصل «الفراري» والتصويب عن «شرح السنة» و «ط».
(٢) في المطبوع «عن».
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) سقط من المخطوط.
وَعَنْ عُرْوَةَ [٤] عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال [الشيخ] [٥] رضي الله عنه: قد اختلف الرواة فِي إِحْرَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، كما ذكرناه وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ «اخْتِلَافِ الحديث» [٦] كَلَامًا مُوجَزًا أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْهُمُ الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ وَالْمُتَمَتِّعُ، وكلّ كان يأخذ منه [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] أَمَرَ نُسُكِهِ وَيَصْدُرُ عَنْ تَعْلِيمِهِ، فَأُضِيفَ الْكُلُّ إِلَيْهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا وَأَذِنَ فِيهَا، وَيَجُوزُ في لغة العرب إضافة الفعل [٧] إِلَى الْآمِرِ بِهِ، كَمَا يَجُوزُ إِضَافَتُهُ إِلَى الْفَاعِلِ لَهُ، كَمَا يُقَالُ: بَنَى فُلَانٌ دَارًا وَأُرِيدَ أنه أمر ببنائها، وكما:
ع «١٨٤» رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مَاعِزًا.
وَإِنَّمَا أَمَرَ بِرَجْمِهِ، وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ الْإِفْرَادَ، لِرِوَايَةِ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَقَدَّمَهَا عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِمْ لِتَقَدُّمِ صحبة جابر لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [٨]، وَحَسَّنَ سِيَاقَهُ لِابْتِدَاءِ قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَآخِرِهَا، وَلِفَضْلِ حِفْظِ عَائِشَةَ، وَقُرْبِ ابْنِ عُمَرَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَالَ الشافعي في «اختلاف الحديث» [٩] إِلَى التَّمَتُّعِ، وَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الِاخْتِلَافِ أَيْسَرَ مِنْ هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ فِيهِ قَبِيحًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ، لِأَنَّ الْكِتَابَ ثُمَّ السُّنَّةَ ثُمَّ مَا لا أعلم فيه خلافا يدلّ عَلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَإِفْرَادَ الْحَجِّ وَالْقِرَانَ وَاسِعٌ كله، [أي التمتع والإفراد والقران] [١٠]، وَقَالَ: مَنْ قَالَ إِنَّهُ أَفْرَدَ الْحَجَّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ عَلَى مَا [لَا] [١١] يَعْرِفُ مِنْ أهل العلم الذين أدركوا دور رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَكُونُ مُقِيمًا عَلَى الْحَجِّ إِلَّا وَقَدِ ابْتَدَأَ إِحْرَامَهُ بِالْحَجِّ، قَالَ الشَّيْخُ [١٢] :
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنِ ابْنِ عمر وعائشة متعارضة، وقد:
ع «١٨٥» رُوِّينَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إلى الحج، فتمتع
١٨٥- ع تقدم برقم ١٨٣.
(١) في المطبوع «وليتحلل».
٢ في المطبوع «أشواط».
٣ في المطبوع «أشواط».
(٤) الراوي عن عروة هو الزهري، وعروة هو ابن الزبير. أكثر الرواية عن خالته عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
(٥) فِي نسخ المطبوع «شيخنا الإمام».
٦- في المطبوع «الأحاديث». [.....]
(٧) في المخطوط «إضافته». وفي نسخة ط «إضافة الشيء».
(٨) في المطبوع «النبي».
٩- في المطبوع «الأحاديث».
(١٠) زيد في المطبوع وحده.
(١١) سقط من المطبوع وحده.
(١٢) في المطبوع «شيخنا الإمام».
ع «١٨٦» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هذه عمرة استمتعنا بها».
ع «١٨٧» وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ [فِي الْمُتْعَةِ] [١] : صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ.
قَالَ الشَّيْخُ [٢] الْإِمَامُ: وَمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا لَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ [٣]، لَا يُنَافِي التَّمَتُّعَ، لِأَنَّ خُرُوجَهُمْ كَانَ لِقَصْدِ الْحَجِّ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ الْعُمْرَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ إِلَى أَنْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَهُ مُتْعَةً. قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ، اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الإحْصَارِ الَّذِي يُبِيحُ لِلْمُحْرِمِ التَّحَلُّلَ مِنْ إِحْرَامِهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَانِعٍ يَمْنَعُهُ عَنِ الوصول إلى البيت الحرام والمضي فِي إِحْرَامِهِ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ ذَهَابِ نفقة أو إضلال رَاحِلَةٍ يُبِيحُ لَهُ التَّحَلُّلَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، وقالوا: إن [٤] الْإِحْصَارَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ: حَبْسُ الْعِلَّةِ أَوِ الْمَرَضِ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: مَا كَانَ مِنْ مَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ، يُقَالُ مِنْهُ: أُحْصِرَ فَهُوَ مُحْصَرٌ، وَمَا كَانَ مِنْ حَبْسِ عَدُوٍّ أو سجن يقال: حصر فهو محصور [و] إنما جَعَلَ هَاهُنَا حَبْسَ الْعَدُوِّ إِحْصَارًا قِيَاسًا عَلَى الْمَرَضِ إِذْ كَانَ في معناه، واحتجّوا بما:
ع «١٨٨» رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فقد حلّ [و] عليه الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ»، قَالَ عِكْرِمَةُ: فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَا: صِدْقٌ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّحَلُّلُ إِلَّا بِحَبْسِ الْعَدُوِّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: لَا حَصْرَ إِلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ، وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالُوا: الْحَصْرُ وَالْإِحْصَارُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: تَقُولُ الْعَرَبُ حَصَرْتُ الرَّجُلَ عَنْ حَاجَتِهِ، فَهُوَ مَحْصُورٌ، وَأَحْصَرَهُ الْعَدُوُّ إِذَا مَنَعَهُ عَنِ السَّيْرِ فَهُوَ [٥] مُحْصَرٌ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ نُزُولَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي قِصَّةِ الحديبية [و] كان ذَلِكَ حَبْسًا مِنْ جِهَةِ الْعَدُوِّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سِيَاقِ الْآيَةِ: فَإِذا أَمِنْتُمْ، وَالْأَمْنُ يَكُونُ مِنَ الْخَوْفِ، وَضَعَّفُوا حَدِيثَ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو بِمَا ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا حَصْرَ إِلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ، وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَحِلُّ بِالْكَسْرِ وَالْعَرَجِ إِذَا كَانَ قَدْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الإحرام، كما:
١٨٧- ع صحيح. أخرجه مسلم ١٢٢٥ والترمذي ٨٢٣ والنسائي (٥/ ١٥٢) ومالك (١/ ٣٤٤) والشافعي (١/ ٣٧٢- ٣٧٣) وأبو يعلى ٨٠٥ وابن حبان ٣٩٣٩ والبيهقي (٥/ ١٧) من طريق الزهري به.
١٨٨- ع صحيح. أخرجه أبو داود ١٨٦٢ و١٨٦٣ والترمذي ٩٤٠ والنسائي (٥/ ٩٩) وفي «الكبرى» ٣٨٤٤ وابن ماجه ٣٠٧٧ وأحمد (٣/ ٤٥٠) والحاكم (١/ ٤٧٠) و (٤٨٣) من حديث عِكْرِمَةَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الأنصاري، صححه الحاكم على شرط البخاري، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن صحيح. وأشار البخاري لصحته فيما نقله عنه الترمذي.
وهو كما قالوا رجاله كلهم ثقات.
(١) سقط من المخطوط.
(٢) في المطبوع «شيخنا».
(٣) تقدم برقم ١٧٩.
(٤) في المخطوط «لأن».
(٥) في المطبوع «هو». [.....]
ثُمَّ الْمُحْصَرُ يَتَحَلَّلُ بِذَبْحِ الهدي وحلق الرأس، والهدي بشاة وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَمَحِلُّ ذَبْحِهِ حَيْثُ أُحْصِرَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبَحَ الْهَدْيَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بِهَا، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمُحْصَرَ يُقِيمُ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَيَبْعَثُ بِهَدْيِهِ إِلَى الْحَرَمِ وَيُوَاعِدُ مَنْ يَذْبَحُهُ هُنَاكَ ثُمَّ يَحِلُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَاخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي الْمُحْصَرِ إِذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَفِي قَوْلٍ: لَا بَدَلَ لَهُ فَيَتَحَلَّلُ وَالْهَدْيُ في ذمّته إلى أن يجده، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَهُ بَدَلٌ، فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِيهِ، فَفِي قَوْلٍ: عَلَيْهِ صَوْمُ التَّمَتُّعِ، وَفِي قَوْلٍ: تُقَوَّمُ الشَّاةُ بِدَرَاهِمَ وَيَجْعَلُ الدَّرَاهِمَ طَعَامًا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْإِطْعَامِ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنَ الطَّعَامِ يَوْمًا كَمَا فِي فِدْيَةِ الطِّيبِ وَاللُّبْسِ، فَإِنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا احْتَاجَ إِلَى سَتْرِ رَأْسِهِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ إِلَى لُبْسِ قَمِيصٍ أَوْ مَرَضٍ فَاحْتَاجَ إِلَى مُدَاوَاتِهِ بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ، فَعَلَ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَفِدْيَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّعْدِيلِ فَعَلَيْهِ ذَبْحُ شَاةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ يُقَوِّمُ الشَّاةَ بِدَرَاهِمَ، وَالدَّرَاهِمُ يَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ [من الطعام] [١] يَوْمًا، ثُمَّ الْمُحْصَرُ إِنْ كَانَ إحرامه بفرض قد استقرّ عليه فذلك الفرض فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ فَهَلْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، أَيْ: فَعَلَيْهِ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَمَحَلُّهُ رَفْعٌ، وَقِيلَ: مَا فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، أَيْ: فاهد مَا اسْتَيْسَرَ، وَالْهَدْيُ جَمْعُ هَدِيَّةٍ وَهِيَ [٢] اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُهْدَى إِلَى بَيْتِ اللَّهِ تَقَرُّبًا إِلَيْهِ، وَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ شَاةٌ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْيُسْرِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ:
أَعْلَاهُ بَدَنَةٌ وَأَوْسَطُهُ بَقَرَةٌ وَأَدْنَاهُ شَاةٌ، قوله تعالى: وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، اخْتَلَفُوا فِي الْمَحِلِّ الَّذِي يَحِلُّ الْمُحْصَرُ بِبُلُوغِ هَدْيِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هو ذبحه في الموضع [٣] الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ، وَمَعْنَى مَحِلَّهُ حَيْثُ يَحِلُّ ذَبْحُهُ [وأكله] [٤] فيه.
«١٩٠» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ فِي قِصَّةِ الحديبية، قال:
١٩٠- إسناده صحيح. عبد الله بن محمد هو الجعفي أبو جعفر البخاري، من رجال البخاري، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم. عبد الرزاق هو ابن همام صاحب المصنف، معمر هو ابن راشد والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب.
وأخرجه البخاري (٢٧٣١) و (٢٧٣٢) وعبد الرزاق ٩٧٢٠ وأحمد (٤/ ٣٢٨- ٣٣١) وابن حبان ٤٨٧٢ والطبراني في «الكبير» (٢٠/ ١٣ و١٤ و٨٤٢) والبيهقي (٥/ ٢١٥) و (٧/ ١٧١) و (١٠/ ١٠٩) من طريق معمر بهذا الإسناد، وقرنوا مع المسور مروان بن الحكم.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط «وهو».
(٣) في المطبوع «بالموضع».
(٤) سقط من المطبوع وحده.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَحِلُّ هَدْيِ الْمُحْصَرِ: الْحَرَمُ، فَإِنْ كَانَ حَاجًّا فَمَحِلُّهُ يَوْمُ النَّحْرِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَمَحِلُّهُ يَوْمَ يَبْلُغُ هَدْيُهُ الْحَرَمَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ، معناه: لا تحلقوا رؤوسكم فِي حَالِ الْإِحْرَامِ إِلَّا أَنْ تَضْطَرُّوا إِلَى حَلْقِهِ لِمَرَضٍ أَوْ لِأَذًى فِي الرَّأْسِ مِنْ هَوَامٍّ أَوْ صُدَاعٍ فَفِدْيَةٌ، فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ: فَحَلَقَ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ، نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ.
«١٩١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ.
وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يُحِلُّونَ بِهَا، وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَأَنْزِلَ اللَّهُ الْفِدْيَةَ، فَأَمَرَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ ستة مساكين، أو يهدي شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ، أَيْ: ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَيْ: ثَلَاثَةِ آصُعٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ، أَوْ نُسُكٍ، وَاحِدَتُهَا نَسِيكَةٌ، أَيْ: ذَبِيحَةٌ أَعْلَاهَا بَدَنَةٌ وَأَوْسَطُهَا بَقَرَةٌ وَأَدْنَاهَا شَاةٌ، أَيَّتَهَا شَاءَ ذَبْحَ، فَهَذِهِ الْفِدْيَةُ عَلَى التَّخْيِيرِ وَالتَّقْدِيرِ، وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ أَوْ يَصُومَ أَوْ يَتَصَدَّقَ، وَكُلُّ هَدْيٍ أَوْ طَعَامٍ يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ يَكُونُ بِمَكَّةَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، إِلَّا هَدْيًا يَلْزَمُ الْمُحْصَرَ فإنه يذبحه حيث أحصر، أما الصَّوْمُ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ حَيْثُ شَاءَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذا أَمِنْتُمْ، أي: من خوفكم وبرأتم مِنْ مَرَضِكُمْ، فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمُتْعَةِ فَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ إلى أن معناه: فمن
وأخرجه البخاري (١٨١٧ و١٨١٨) و (٤١٩١ و٥٦٦٥) ومسلم ١٢٠١ والترمذي ٩٥٣ والطيالسي ١٠٦٥ والحميدي ٧١٠ وأحمد (٤/ ٢٤٢ و٢٤٣) والطبري ٣٣٤٦ وابن خزيمة (٢٦٧٧ و٢٦٧٨) والدارقطني (٢/ ٢٩٨) والطبراني (١٩/ ٢٢٤) و (٢٢٥ و٢٢٦ و٢٢٧) والبيهقي (٥/ ٥٥) والواحدي في «أسباب النزول» ١١٢ من طرق عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نجيح بهذا الإسناد.
- وأخرجه مالك في «الموطأ» (١/ ٤١٧) عن حميد بن قيس عن مجاهد به، ومن طريقه.
أخرجه البغوي في «شرح السنة» ١٩٨٧.
(١) سقط من المطبوع.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) زيد في المطبوع وحده.
كَامِلَةٌ فِيمَا أُرِيدَ بِهِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّوْمِ بَدَلَ الْهَدْيِ، وَقِيلَ: كَامِلَةٌ بِشُرُوطِهَا وَحُدُودِهَا، وَقِيلَ: لَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ أَمْرٌ، أَيْ: فَأَكْمِلُوهَا وَلَا تَنْقُصُوهَا، ذلِكَ، أَيْ: هَذَا الْحُكْمُ، لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقِيلَ:
هُمْ أَهْلُ الحرم، وبه قال طاوس، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَهْلُ عَرَفَةَ وَالرَّجِيعِ وَضَجْنَانَ [وَنَخْلَتَانِ] [٦]، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَنْ كَانَ وَطَنُهُ [٧] مِنْ مَكَّةَ عَلَى أَقَلِّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَهُوَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُمْ مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ، وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ الْمِيقَاتِ فَمَا دُونَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَدَمُ الْقِرَانِ كَدَمِ التَّمَتُّعِ، وَالْمَكِّيُّ إِذَا قَرَنَ أَوْ تمتع فلا هدي عليه.
(٢) في المطبوع «إحرام».
(٣) في المطبوع «عمرتكم».
(٤) في المطبوع «هدي». [.....]
(٥) في المخطوط «فمن وجدت فيه».
(٦) سقط من المطبوع.
(٧) في المطبوع «وطئه».
أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَهْلَلْنَا فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: «اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إِلَّا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ»، فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ بالصفا وَالْمَرْوَةِ وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَإِذَا فَرَغْنَا فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَلَيْنَا الْهَدْيُ.
فَجَمَعُوا بين نُسُكَيْنِ فِي عَامٍ، بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَأَبَاحَهُ لِلنَّاسِ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَفَوَاتُهُ يَكُونُ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ قَابَلٍ، وَالْفِدْيَةُ وَهِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ كَفِدْيَةِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ.
«١٩٣» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يسار أن هبّار [١] بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعَدَدَ كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَالَ لَهُ عُمْرُ: اذْهَبْ إِلَى مَكَّةَ فَطُفْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ بِالْبَيْتِ، وَاسْعَوْا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَانْحَرُوا هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ، ثُمَّ احْلِقُوا وقصروا، ثم ارجعوا فإذا كان العام القابل فَحُجُّوا وَاهْدُوا، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وسبعة إذا رجع.
وَاتَّقُوا اللَّهَ: فِي أَدَاءِ الْأَوَامِرِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ، على ارتكاب المناهي.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٩٧]
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبابِ (١٩٧)
قَوْلُهُ تَعَالَى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ، أَيْ: وَقْتُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ، وَهِيَ: شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَتِسْعٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ: شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ اللَّفْظَيْنِ صَحِيحٌ غير مختلف فيه، فَمَنْ قَالَ: عَشْرٌ عَبَّرَ بِهِ عَنِ اللَّيَالِي، وَمَنْ قَالَ تِسْعٌ عَبَّرَ بِهِ عَنِ الْأَيَّامِ، فَإِنَّ آخِرَ أَيَّامِهَا يَوْمُ عَرَفَةَ وَهُوَ اليوم التَّاسِعِ، وَإِنَّمَا قَالَ: أَشْهُرٌ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَهِيَ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ لِأَنَّهَا وَقْتٌ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْوَقْتَ تاما بقليله وكثيره، فتقول [٢] : أتيتك يوم
قال الحافظ في «الفتح» (٣/ ٤٣٤) : وصله الإسماعيلي قال: حدثنا القاسم المطرز، حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا أبو كامل- فذكره بطوله- لكنه قال: «عثمان بن سعد» بدل «عثمان بن غياث» وكلاهما بصري، وله رواية عن عكرمة، لكن عثمان بن غياث ثقة، وعثمان بن سعد ضعيف، وقد أشار الإسماعيلي إلى أن شيخه القاسم وهم في قوله: «عثمان بن سعد» ويؤيده أن أبا مسعود الدمشقي ذكر في الأطراف أنه وجده من رواية مسلم بن الحجاج عن أبي كامل، كما ساقه البخاري قال: فأظن البخاري أخذه عن مسلم، لأنني لم أجده إلا من رواية مسلم.
- وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم ١٢٤٧ وأحمد (٣/ ٥) و (٧١ و٧٥) وابن حبان ٣٧٩٣ والبيهقي (٥/ ٣١ و٤٠).
١٩٣- مرسل صحيح. سليمان بن يسار تابعي ثقة ثبت، لكنه لم يدرك عمر بن الخطاب، فالخبر مرسل.
هو في «شرح السنة» ١٩٩٥ بهذا الإسناد رواه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (١/ ٣٨٣) عن نافع به.
(١) وقع في الأصل «هناد» والتصويب عن كتب التخريج.
(٢) في المطبوع «فيقول» وزيد في المخطوط عقب «فتقول» «العرب».
وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا | إِنْ تَصْدُقِ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسَا |
(٢) في المطبوع «كمالا» وفي- ط- «كمّلا».
(٣) زيد في المطبوع وحده عقب «قال» لفظ «سعيد».
(٤) في المطبوع «العرض» وهو تصحيف ظاهر. وفي المخطوط «بالحج».
(٥) سقط من المخطوط.
(٦) سقط من المخطوط.
(٧) هذا خبر منكر، لا يصح عن ابن عباس. أخرجه الطبري ٣٥٧٧ عن قتادة عن رجل عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عباس، والرجل هو حصين بن قيس الرياحي، أبهمه قتادة لجهالته، وكرره الطبري ٣٥٧٦ من وجه آخر عن حصين به، ومن وجه ثالث برقم ٣٥٨٣ أيضا عن حصين به، وحصين هذا مجهول، تفرد عنه ابنه زياد بن حصين، وسماه في روايته، وأبهمه غيره لجهالته. راجع «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٣/ ١٩٥)، فمثل هذا الخبر لا يفرح به، وبخاصة في مثل هذه المواضع. [.....]
ع «١٩٤» بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ».
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ التَّنَابُزُ بِالْأَلْقَابِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ [الْحُجُرَاتِ: ١١].
«١٩٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا آدم أخبرنا شعبة أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ: الْجِدَالُ أَنْ يُمَارِيَ صَاحِبَهُ وَيُخَاصِمَهُ حَتَّى يُغْضِبَهُ، وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ، وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: هُوَ أَنْ يَقُولَ بَعْضُهُمُ: الْحَجُّ الْيَوْمَ وَيَقُولَ بَعْضُهُمُ: الْحَجُّ غَدًا، وَقَالَ الْقُرَظِيُّ [٢] : كَانَتْ قُرَيْشٌ إِذَا اجْتَمَعَتْ بِمِنًى قَالَ هَؤُلَاءِ: حَجُّنَا أَتَمُّ مِنْ حَجِّكُمْ، وَقَالَ هَؤُلَاءِ: حَجُّنَا أَتَمُّ مِنْ حَجِّكُمْ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَدْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ: «اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إِلَّا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ»، قالوا: كيف نجعلها [٣] عُمْرَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؟ فَهَذَا جِدَالُهُمْ [٤].
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانُوا يَقِفُونَ مَوَاقِفَ مُخْتَلِفَةً: كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أن موقفه موقف إبراهيم، فكانوا يَتَجَادَلُونَ [٥] فِيهِ. وَقِيلَ: هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ بَعْضُهُمْ يَقِفُ بِعَرَفَةَ وَبَعْضُهُمْ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَحُجُّ فِي ذِي القعدة وبعضهم يَحُجُّ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَكُلٌّ يقول: ما فعلته هو [٦] الصواب، فقال جلّ
١٩٥- إسناده صحيح. آدم هو ابن أبي إياس العسقلاني، تفرد عنه البخاري، ومن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم. شعبة هو ابن الحجاج، وسيار بن وردان العنزي. أبو حازم هو سلمة بن دينار.
وهو في «شرح السنة» ١٨٣٤ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ١٥٢١ و١٨١٩ و١٨٢٠ ومسلم ١٣٥٠ والترمذي ٨١١ والنسائي (٥/ ١١٤) وابن ماجه ١٨٨٩ وأحمد (٢/ ٤٨٤) والحميدي ١٠٠٤ وعبد الرزاق ٨٨٠٠ والطيالسي ٢٥١٩ والدارمي (٢/ ٣١) وابن خزيمة ٢٥١٤ وابن حبان ٣٦٩٤ والطبري ٣٧٢١ و٣٧٢٢ والدارقطني (٢/ ٢٨٤) والبيهقي (٥/ ٢٦٢) وعلي بن الجعد في «مسنده» ٩٢٦ والبغوي ١٨٣٤ من طرق عن أبي حازم به.
(١) في نسخ المطبوع «أشبههما».
(٢) تحرف في المخطوط إلى «القرطبي».
(٣) في المطبوع «نجعله».
(٤) المرفوع منه صحيح. ورد في أثناء حديث مطول، وتقدم ١٨٢، وأما تفسير الآية فهو من كلام مقاتل وهو ذو مناكير.
(٥) في المطبوع «يجادلون».
(٦) في المطبوع «فهو».
ع «١٩٦» وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خلق الله السموات وَالْأَرْضَ».
قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ وَلَا شَكَّ فِي الْحَجِّ أَنَّهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَأُبْطِلُ النَّسِيءُ. قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: ظَاهِرُ الْآيَةِ نَفْيٌ، وَمَعْنَاهَا: نَهْيٌ، أَيْ: لَا تَرْفُثُوا وَلَا تَفْسُقُوا وَلَا تُجَادِلُوا كَقَوْلِهِ تعالى: لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:
٢]، أَيْ: لَا تَرْتَابُوا، وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ، أَيْ: لَا يَخْفَى عَلَيْهِ فَيُجَازِيكُمْ بِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى، نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ كَانُوا يَخْرُجُونَ إِلَى الْحَجِّ بِغَيْرِ زَادٍ وَيَقُولُونَ: نَحْنُ مُتَوَكِّلُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ نَحُجُّ بَيْتَ اللَّهِ فَلَا يُطْعِمُنَا؟ فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، وَرُبَّمَا يُفْضِي بِهِمُ الْحَالُ إِلَى النَّهْبِ والغضب، فقال الله جلّ ذكره: وَتَزَوَّدُوا [١]، أَيْ: مَا تَتَبَلَّغُونَ بِهِ وَتَكْفُونَ بِهِ وُجُوهَكُمْ، قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: الْكَعْكُ وَالزَّبِيبُ [٢] وَالسَّوِيقُ وَالتَّمْرُ وَنَحْوُهَا، فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى مِنَ السُّؤَالِ وَالنَّهْبِ، وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبابِ: يَا ذَوِي الْعُقُولِ.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٩٨]
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ، «١٩٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنه قَالَ:
كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ تَأَثَّمُوا مِنَ التِّجَارَةِ فِيهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ، قرأ ابن عباس كذا.
ع «١٩٨» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ التَّيْمِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّا قَوْمٌ نَكْرِي فِي هَذَا الْوَجْهِ، يعني: إلى
(١) صحيح. أخرجه البخاري ١٥٢٣ وأبو داود ١٧٣٠ والواحدي ١١٣ من حديث ابن عباس.
(٢) في المخطوط «الزيت».
١٩٧- إسناده على شرط البخاري، علي بن عبد الله هو المديني. سفيان هو ابن عيينة.
- وهو في «شرح السنة» ٢٠١٧ بهذا الإسناد.
- وفي «صحيح البخاري» ٢٠٩٨ عن علي بن عبد الله بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ١٧٧٠ و٢٠٥٠ و٤٥١٩ والواحدي ١١٦ والطبري (٣٧٨٢ و٣٧٩٤) عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابن عباس به.
١٩٨- ع أخرجه أبو داود ١٧٣٣ وأحمد (٢/ ١٥٥) والحاكم (١/ ٤٤٩) والطبري ٣٧٦٨ والواحدي ١١٥ من طرق عن أبي
قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: أَنْتَ حَاجٌّ، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنِ الَّذِي سَأَلْتَنِي عَنْهُ فَلَمْ يُجِبْهُ [١] بِشَيْءٍ حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ.
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ، أَيْ: حَرَجٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا [رِزْقًا] [٢] مِنْ رَبِّكُمْ، يَعْنِي:
بِالتِّجَارَةِ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ، فَإِذا أَفَضْتُمْ: دَفَعْتُمْ، وَالْإِفَاضَةُ: دَفْعٌ بِكَثْرَةٍ، وَأَصْلُهُ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ:
أَفَاضَ الرَّجُلُ ماءه، أَيْ: صَبَّهُ، مِنْ عَرَفاتٍ، هِيَ جَمْعُ عَرَفَةَ، جَمْعٌ [٣] بِمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَتْ بُقْعَةً وَاحِدَةً، كَقَوْلِهِمْ: ثَوْبُ أَخْلَاقٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَأَجْلِهِ سُمِّيَ الْمَوْقِفُ عَرَفَاتٍ، وَالْيَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَالَ عَطَاءٌ: كَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُرِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام المناسك ويقول: أعرفت؟ فَيَقُولُ: عَرَفْتُ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَكَانُ عَرَفَاتٍ، وَالْيَوْمُ عَرَفَةَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أهبط [من الجنة] [٤] إِلَى الْأَرْضِ وَقَعَ بِالْهِنْدِ وَحَوَّاءُ بِجَدَّةَ، فَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَطْلُبُ صَاحِبَهُ، فَاجْتَمَعَا بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عرفة وتعارفا، فسمّي اليوم عَرَفَةَ وَالْمَوْضِعُ عَرَفَاتٍ [٥]، وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا أَذَّنَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّاسِ بالحج وأجابوا بِالتَّلْبِيَةِ، وَأَتَاهُ مَنْ أَتَاهُ أَمَرَهُ الله [تعالى] أَنْ يَخْرُجَ إِلَى عَرَفَاتٍ وَنَعَتَهَا لَهُ، فَخَرَجَ فَلَّمَا بَلَغَ الْجَمْرَةَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ اسْتَقْبَلَهُ الشَّيْطَانُ لِيَرُدَّهُ، فرماه بسبع حصيات فكبّر مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ فَطَارَ، فَوَقَعَ عَلَى الْجَمْرَةِ الثَّانِيَةِ، فَرَمَاهُ وَكَبَّرَ فَطَارَ، فَوَقَعَ عَلَى الْجَمْرَةِ الثَّالِثَةِ، فَرَمَاهُ وَكَبَّرَ فَلَمَّا رَأَى الشَّيْطَانُ أنه لا يطيقه [٦] ذَهَبَ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى أَتَى ذَا الْمَجَازِ فَلَّمَا نَظَرَ إِلَيْهِ لَمْ يَعْرِفْهُ فَجَازَ، فَسُمِّيَ ذَا الْمَجَازِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فَعَرَفَهَا بِالنَّعْتِ، فَسُمِّيَ الْوَقْتُ عَرَفَةَ وَالْمَوْضِعُ عَرَفَاتٍ، حَتَّى إِذَا أمسى ازدلف، [أَيْ: قَرُبَ] [٧] إِلَى جَمْعٍ، فَسُمِّيَ الْمُزْدَلِفَةَ [٨]. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِذَبْحِ ابْنِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَوَّى يَوْمَهُ أَجْمَعَ، أَيْ: فَكَّرَ أَمِنَ اللَّهِ تَعَالَى هَذِهِ الرُّؤْيَا؟ أَمْ مِنَ الشَّيْطَانِ؟ فَسُمِّيَ الْيَوْمُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ رَأَى ذَلِكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ ثَانِيًا فَلَمَّا أَصْبَحَ عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَسُمِّيَ الْيَوْمُ يَوْمَ عَرَفَةَ [٩]. وَقِيلَ:
سُمِّيَ بذلك لعلوّ الناس فيه على جباله، والعرب تسمّي ما علا عرفة، ومنه سمّي عرف الديك لعلوه، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يَعْتَرِفُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِذُنُوبِهِمْ، وَقِيلَ [١٠] : سُمِّيَ بِذَلِكَ مِنَ الْعَرْفِ، وَهُوَ الطِّيبُ، وَسُمِّيَ مِنًى لِأَنَّهُ يُمَنَّى فِيهِ الدَّمُ، أَيْ: يُصَبُّ فيه فيكون فيه الفروث والدماء فلا يَكُونُ الْمَوْضِعُ طَيِّبًا، وَعَرَفَاتٌ طَاهِرَةٌ عَنْهَا فَتَكُونُ طَيِّبَةً، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ: بِالدُّعَاءِ وَالتَّلْبِيَةِ، عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ، وهو مَا بَيْنَ جَبَلَيِ الْمُزْدَلِفَةِ مِنْ مَأْزِمَيْ [١١] عَرَفَةَ إِلَى الْمَحْسَرِ، وَلَيْسَ المأزمان ولا
صححه الحاكم! ووافقه الذهبي! ومداره على أبي أمامة، وهو شبه مجهول، وثقه ابن حبان وحده. [.....]
(١) كذا في المطبوع، وفي المخطوط «يجب» وفي «الوسيط» (١/ ٣٠٣) «فلم يدر» وكذا في الطبري ٣٧٦٨.
(٢) سقط من المطبوع وحده.
(٣) في المطبوع «جمعت عرفة».
(٤) زيادة من المخطوط.
٥ هذه الأقوال جميعا مصدرها كتب الأقدمين، لا يصح عن الصادق المصدوق في هذا الباب شيء.
(٦) كذا في المخطوط والطبري ٣٧٩٥ وفي نسخ المطبوع «يطيعه».
(٧) زيد في المطبوع.
٨ هذه الأقوال جميعا مصدرها كتب الأقدمين، لا يصح عن الصادق المصدوق في هذا الباب شيء.
٩ هذه الأقوال جميعا مصدرها كتب الأقدمين، لا يصح عن الصادق المصدوق في هذا الباب شيء.
١٠ هذه الأقوال جميعا مصدرها كتب الأقدمين، لا يصح عن الصادق المصدوق في هذا الباب شيء.
(١١) في المطبوع «مرمى» وفي المخطوط «وما رمي» والمثبت عن- ط-.
«١٩٩» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ:
دَفَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ، نَزَلَ فَبَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ، فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَقَالَ: «الصَّلَاةُ أَمَامَكَ»، فَرَكِبَ فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ، نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا وَلَمْ يُصَلِّ بينهما شيئا.
ع «٢٠٠» وَقَالَ جَابِرٌ: دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنِ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وإقامة، ثم ركب [ناقته] [٤] الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فاستقبل القبلة ودعاه وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ واقفا حتى أسفر جدا، ودفع قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
«٢٠١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا محمد بن يوسف أخبرنا
- وهو في «شرح السنة» ١٩٣٠ بهذا الإسناد.
- وفي «الموطأ» (١/ ٤٠٠- ٤٠١) من طريق موسى بن عقبة بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه البخاري ١٣٩ و١٦٧٢ و١٢٨٠ وأبو داود ١٩٢٥ وأحمد (٥/ ٢٠٨) والطحاوي في «المعاني» (٢/ ٢١٤) وابن حبان ١٥٩٤ والبيهقي (٥/ ١٢٢).
- وأخرجه البخاري ١٨١ و١٦٦٧ ومسلم ١٢٨٠ وأبو داود (١٩٢١ و١٩٢٤) والنسائي (٥/ ٢٥٩) وابن ماجه ٣٠١٩ وأحمد (٥/ ١٩٩/ ٢٠٠ و٢٠٢ و٢١٠) والدارمي (٢/ ٥٧ و٥٨) وابن خزيمة ٩٧٣ والطبراني في «الكبير» ٣٨٦ والبيهقي (٥/ ١١٩ و١٢٠) من طرق من حديث أسامة بن زيد.
٢٠٠- ع هو بعض حديث جابر في صفة حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وهو في «شرح السنة» ١٩٢٨. وهو عند مسلم ١٢١٨ وأبي داود ١٩٠٥ وابن ماجه ١٠٢٢.
٢٠١- م إسناده صحيح على شرطهما، زهير بن حرب هو أبو خيثمة النسائي، جرير هو ابن حازم، يونس هو ابن يزيد والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب.
- وهو عند البخاري (١٦٨٦ و١٦٨٧) عن زهير بن حرب بهذا الإسناد وأخرجه البخاري (١٥٤٣ و١٥٤٤) أيضا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ عن وهب بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم (١٢٨٠ و١٢٨١) من طريق كريب عن أسامة بن زيد وابن عباس. وأخرجه البغوي في «شرح السنة» ١٩٤٣ من طريق الشافعي عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابن عباس قال: أخبرني الفضل.... فذكره. [.....]
(١) في المطبوع «المجسر».
(٢) زيد من المخطوط.
(٣) في المطبوع «صلاة».
(٤) زيادة عن المخطوط.
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابن عباس أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ كَانَ ردف رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، قال: فكلاهما قالا: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ، أَيْ: وَاذْكُرُوهُ بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّعْظِيمِ، كَمَا ذَكَرَكُمْ بِالْهِدَايَةِ، فَهَدَاكُمْ لِدِينِهِ وَمَنَاسِكِ حَجِّهِ، وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ، أَيْ: وقد كنتم [قبل] [٢]، [أي] [٣] : وَمَا كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ إِلَّا مِنَ الضَّالِّينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ [الشُّعَرَاءِ: ١٨٦]، أَيْ: وَمَا نَظُنُّكَ إِلَّا مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: مِنْ قَبْلِهِ رَاجِعَةٌ إِلَى الْهُدَى، وَقِيلَ: إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِنَايَةٌ عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٩٩]
ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩)
. قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ، قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كَانَتْ قُرَيْشٌ وَحُلَفَاؤُهَا وَمَنْ دَانَ بِدِينِهَا وَهُمُ الْحُمْسُ، يَقِفُونَ [٤] بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيَقُولُونَ: نَحْنُ أَهْلُ اللَّهِ وَقُطَّانُ حَرَمِهِ، فَلَا نُخَلِّفُ الْحَرَمَ وَلَا نَخْرُجُ مِنْهُ، وَيَتَعَظَّمُونَ أَنْ يَقِفُوا مَعَ [سَائِرِ الْعَرَبِ] [٥] بِعَرَفَاتٍ، [وَسَائِرُ النَّاسِ كَانُوا يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ] [٦]، فَإِذَا أَفَاضَ النَّاسُ مَنْ عَرَفَاتٍ أَفَاضَ الْحُمْسُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَقِفُوا بِعَرَفَاتٍ وَيُفِيضُوا مِنْهَا إِلَى جَمْعٍ مَعَ سَائِرِ النَّاسِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ سُنَّةُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَاطَبَ بِهِ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ تعالى: قال مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ مِنْ جَمْعٍ، أَيْ: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى، وَقَالُوا: لِأَنَّ الْإِفَاضَةَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ مِنْ جَمْعٍ، فَكَيْفَ يُسَوِّغُ أَنْ يَقُولَ:
فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فاذكروا الله ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ؟ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، وَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ، ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ، فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَقِيلَ: ثُمَّ بِمَعْنَى الْوَاوِ، أَيْ:
وَأَفِيضُوا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [الْبَلَدِ: ١٧]، وَأَمَّا النَّاسُ فَهُمُ الْعَرَبُ كُلُّهُمْ غَيْرُ الْحُمْسِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ وَرَبِيعَةُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: النَّاسُ هَاهُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحْدَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ [النِّسَاءِ: ٥٤]، وَأَرَادَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ، وَيُقَالُ هَذَا الَّذِي يُقْتَدَى بِهِ وَيَكُونُ لِسَانَ قَوْمِهِ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: النَّاسُ هَاهُنَا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحْدَهُ، دَلِيلُهُ قِرَاءَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ، بالياء، وقال: هُوَ آدَمُ نَسِيَ عَهْدَ اللَّهِ حِينَ أَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ.
«٢٠١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا محمد بن يوسف أخبرنا
- هو في «شرح السنة» ١٩٢٦ بهذا الإسناد.
- وهو عند البخاري ١٦٦٦ عن عبد الله بن يوسف بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري (٢٩٩٩ و٤٤١٣) ومسلم ١٢٨٦ وأبو داود ١٩٢٣ والنسائي (٥/ ٢٥٨) و (٢٥٩) وابن ماجه ٣٠١٧ وأحمد (٥/ ٢٠٥) و (٢٠٢ و٢١٠) والدارمي ١٨٢١ والبغوي ١٩٢٦ من طرق عن هشام بن عروة به.
(١) وقع في الأصل «عبد» والتصويب من صحيح البخاري.
٢ زيادة عن المخطوط.
٣ زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «يقعون».
٥ زيد في المطبوع.
٦ زيد في المطبوع.
قَالَ هِشَامٌ: وَالنَّصُّ [٢] فَوْقَ الْعَنَقِ.
«٢٠٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوِيدٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو مولى المطلب قال: أخبرنا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى وَالِبَةَ [٣] الْكُوفِيِّ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا لِلْإِبِلِ، فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ»، وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٠٠]
فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (٢٠٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ، أَيْ: فَرَغْتُمْ مِنْ حَجِّكُمْ وَذَبَحْتُمْ نَسَائِكَكُمْ، أَيْ:
ذَبَائِحَكُمْ، يُقَالُ: نَسَكَ الرَّجُلُ يَنْسُكُ نُسُكًا إِذَا ذَبَحَ نَسِيكَتَهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالِاسْتِقْرَارِ بِمِنًى، فَاذْكُرُوا اللَّهَ: بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ إِذَا فَرَغَتْ مِنَ الْحَجِّ وَقَفَتْ عِنْدَ الْبَيْتِ فَذَكَرَتْ مَفَاخِرَ آبَائِهَا، فأمرهم الله بذكره، وقال: فَاذْكُرُونِي [البقرة: ١٥٢]، فإني الَّذِي فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكُمْ وَبِآبَائِكُمْ وَأَحْسَنْتُ إِلَيْكُمْ وَإِلَيْهِمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ: مَعْنَاهُ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِ الصِّبْيَانِ الصِّغَارِ الْآبَاءَ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّبِيَّ أَوَّلُ مَا يَتَكَلَّمُ يلهج بذكر أبيه لا يذكر غَيْرِهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: فَاذْكُرُوا اللَّهَ لَا غَيْرَ، كَذِكْرِ الصَّبِيِّ أَبَاهُ، أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً، وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ:
فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ، فَقِيلَ: قَدْ يَأْتِي عَلَى الرَّجُلِ الْيَوْمُ لا يَذْكُرُ فِيهِ أَبَاهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ أَنْ تَغْضَبَ لِلَّهِ إِذَا عُصِيَ أَشَدَّ مِنْ غَضَبِكَ لِوَالِدَيْكَ إِذَا شُتِمَا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً، يعني: بل أشدّ، أي: أكثر [٤] ذِكْرًا، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا، أَرَادَ بِهِ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يَسْأَلُونَ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْحَجِّ إِلَّا الدُّنْيَا، يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ أَعْطِنَا غَنَمًا وَإِبِلًا وَبَقَرًا وَعَبِيدًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يقوم فيقول: اللهمّ إِنَّ أَبِي كَانَ عَظِيمَ الْقُبَّةِ كَبِيرَ الْجَفْنَةِ كَثِيرَ الْمَالِ، فَأَعْطِنِي مثل ما أعطيته،
وهو في «شرح السنة» ١٩٢٧ بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ١٦٧١ عن سعيد بن أبي مريم بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود ١٩٢٠ من طريق مقسم عن ابن عباس به.
- وأخرجه النسائي (٥/ ٢٥٧) عن ابن عباس: أن أسامة بن زيد قال: أفاض رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم من عرفة...
فذكره.
(١) لفظ «يسير» في المطبوع قبل لفظ «رسول».
(٢) نص ناقته: استخرج أقصى ما عندها من السير. [.....]
(٣) وقع في الأصل «واثلة» والتصويب من صحيح البخاري وكتب التراجم.
(٤) في المطبوع «أكبر».
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٠١]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١)، يَعْنِي:
الْمُؤْمِنِينَ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْحَسَنَتَيْنِ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ، وَفِي الْآخِرَةِ حسنة الجنة والحور العين.
«٢٠٣» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ [٢] أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطُّوسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلَّادٍ أَنَا الْحَارِثُ بْنُ [أَبِي] أُسَامَةَ أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِي، أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ [٣] وَابْنُ لَهِيعَةَ قَالَا: أَخْبَرَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ شَرِيكٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ [٤] يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ:
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدُّنْيَا كُلُّهَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ».
وَقَالَ الْحَسَنُ: فِي الدُّنْيا حَسَنَةً الْعِلْمُ وَالْعِبَادَةُ وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً الْجَنَّةُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَابْنُ حيان: «فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً» رِزْقًا حَلَالًا وَعَمَلًا صَالِحًا، «وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً» الْمَغْفِرَةُ وَالثَّوَابُ.
«٢٠٤» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الحارث
(٢) وقع في الأصل «الحنفي» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» و «الأنوار».
(٣) وقع في الأصل «حياة» والتصويب من كتب التخريج وكتب التراجم.
(٤) وقع في الأصل «الجبلي» والتصويب من «شرح السنة» و «ط».
٢٠٣- إسناده صحيح على شرط مسلم، حيوة هو ابن شريح المصري روى له الشيخان، ابن لهيعة هو عبد الله، روى له مسلم متابعة. المقري هو عبد الله بن يزيد.
- وهو في «شرح السنة» ٢٢٣٤ بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (٢/ ١٦٨) من طريق أبي عبد الرحمن المقري بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٤٦٧ والبيهقي (٧/ ٨٠) من طريق حيوة دون ذكر ابن لهيعة بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي (٦/ ٦٩) وابن حبان ٤٠٣١ من طريق المقري عن حيوة وذكر آخر معه عن شرحبيل بهذا الإسناد.
٢٠٤- حديث ضعيف. إسناده ضعيف جدا، عبيد الله بن زحر ضعفه غير واحد، وشيخه علي بن يزيد الألهاني متروك، والقاسم روى مناكير كثيرة. وهو في «شرح السنة» ٣٩٣٩ بهذا الإسناد. وهو في «الزهد» لابن المبارك ١٩٦ «زيادات نعيم بن حَمَّادٌ» عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زحر بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي ٢٣٤٧ من طريق ابن المبارك بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (٢١٦٦٣) (٥/ ٢٥٢) والبيهقي في الشعب ١٠٣٥٢ من طريق عبيد الله بن زحر بهذا الإسناد.
- قال الترمذي: وعلي بن يزيد ضعيف الحديث.
- وأخرجه ابن ماجه ٤١١٧ من طريق آخر، قال البوصيري في «الزوائد» وإسناده ضعيف، لضعف أيوب بن سليمان.
قال فيه أبو حاتم: مجهول. وتبعه على ذلك الذهبي في الطبقات وغيرها. وصدقة بن عبد الله متفق على تضعيفه اهـ.
وقال العراقي في «الإحياء» (٣/ ٢٧٧) : أخرجه الترمذي وابن ماجه بإسنادين ضعيفين اهـ.
- وأخرجه ابن عدي في «الكامل» (٥/ ٢٥٢) والبيهقي في «الشعب» ١٠٣٥١ من طريق العلاء بن هلال بن عمر الباهلي عن أبي عن أبيه عن أبي غالب أبي أمامة به. وأعله ابن عدي بالعلاء بن هلال: وهو منكر الحديث، قال أبو حاتم: عنده
عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَغْبَطُ أَوْلِيَائِي عِنْدِي مُؤْمِنٌ خَفِيفُ الْحَاذِ ذُو حَظٍّ مِنَ الصلاة، أحسن عبادة ربه وأطاعه فِي السِّرِّ وَكَانَ غَامِضًا فِي النَّاسِ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافًا فَصَبَرَ عَلَى ذلك- ثم نفر بيده [٣]- فقال: هكذا عُجِّلَتْ مَنِيَّتُهُ [٤]، قَلَّتْ بَوَاكِيهِ، قَلَّ تُرَاثُهُ».
وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي الدُّنْيَا عَافِيَةً وَفِي الْآخِرَةِ عَافِيَةً، وَقَالَ عَوْفٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: مَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَالْقُرْآنَ وَأَهْلًا وما لا فَقَدْ أُوتِيَ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً.
«٢٠٥» أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ علي الكرماني الطُّوسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُوسُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ السِّمْسَارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيُّ الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك قَالَ:
رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا قَدْ صَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ: «هَلْ كُنْتَ تَدْعُو اللَّهَ بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كنت معاقبي [٥] بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ [٦] لِي فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ:
«سُبْحَانَ اللَّهِ لا تستطيعه ولا تطيقه، هلّا قلت: اللهم آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».
«٢٠٦» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إسحاق
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» ١٠٣٥٧ من طريق الحسن بن أبي جعفر عن ليث عن عبيد الله عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ به.
وفيه الحسن بن أبي جعفر، ضعيف الحديث مع عبادته وفضله كما في «التقريب» والقاسم هو ابن عبد الرحمن قال أحمد بن حنبل: روى عنه علي بن يزيد أعاجيب، ولا أراها إلا من قبل القاسم.
الخلاصة: هو حديث ضعيف، طرقه شديدة الضعف لذا لا ترقى عن درجة الضعف، والمتن غريب بل منكر، والله أعلم.
(١) وقع في الأصل «زجر» وهو تصحيف والتصويب من كتب التراجم وكتب التخريج.
(٢) وقع في الأصل «بن» والتصويب من «شرح السنة» و «ط» ومن مصادر التخريج.
(٣) في «ط» :«نفض» وفي «شرح السنة» :«نقد» وقال البغوي: نقد بيده أي ضرب.
(٤) وقع في الأصل «منية» والتصويب من سنن الترمذي وغيره.
(٥) في المطبوع «معاقبني». [.....]
(٦) في المطبوع «فحوّله».
٢٠٥- إسناده صحيح على شرطهما، حميد هو ابن أبي حميد، اختلف في اسم أبيه على عشرة أقوال. وثابت هو ابن أسلم هو في «شرح السنة» ١٣٧٧.
وأخرجه مسلم ٢٦٨٨ والبخاري في «الأدب المفرد» ٧٢٧ و٧٢٨ والترمذي ٣٤٨٧ والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ١٠٥٣ وابن أبي شيبة (١٠/ ٢٦١) وأحمد (٣/ ١٠٧) وابن حبان ٩٣٦ و٩٤١ من طرق عن حميد الطويل بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم (٢٦٨٨/ ح ٢٤) وأحمد (٣/ ٢٨٨) من طريق عفان عن حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ به.
- وفي الباب من حديث سعد بن أبي وقاص عند أحمد (١/ ١٧٣) ورجاله رجال الصحيح.
٢٠٦- إسناده صحيح. أبو داود هو سليمان بن داود الطيالسي صاحب المسند، شعبة هو ابن الحجاج، ثابت هو ابن أسلم.
«٢٠٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبِيْدٍ مَوْلَى السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ [عَنْ] [٣] عَبْدِ اللَّهِ بن السائب أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِيمَا بَيْنَ رُكْنِ بَنِيَ جُمَحَ وَالرُّكْنِ الْأَسْوَدِ: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٠٢ الى ٢٠٣]
أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٢٠٢) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٠٣)
قَوْلُهُ تَعَالَى: أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ: حَظٌّ مِمَّا كَسَبُوا: مِنَ الْخَيْرِ والدعاء بالثواب وَالْجَزَاءِ، وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ، يَعْنِي: إذا حاسب عبده فَحِسَابُهُ سَرِيعٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى عَقْدِ يَدٍ وَلَا وَعْيِ صَدْرٍ [٤] ولا
هو عند الطيالسي ٢٠٣٦ من طريق شعبة بهذا الإسناد.
- ومن طريق الطيالسي أخرجه النسائي في «اليوم والليلة» ١٠٥٤ وأحمد (٣/ ٢٠٩ و٢٧٧) وابن حبان ٩٣٧ والبغوي في «شرح السنة» ١٣٨٢.
- وأخرجه مسلم (٢٦٩٠/ ح ٢٧) والبخاري في «الأدب المفرد» ٦٧٧ وأحمد (٣/ ٢٠٨) من طريق عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة به.
(١) في الأصل «الداغولي» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط».
(٢) في الأصل «مكان» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة».
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» و «ط» و «مسند الشافعي».
(٤) في المطبوع «صدور».
٢٠٧- جيد. في إسناده عبيد مولى السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ الْمَخْزُومِيِّ، قال عنه الحافظ في «التقريب» مقبول، وقال في «التهذيب» : ذكره ابن حبان في الثقات.
قلت: ذكره ابن قانع وابن مندة وأبو نعيم في الصحابة، وسموا أباه رحيبا اهـ. باختصار. فإن ثبتت صحبته فالحديث صحيح، لأن الصحابة كلهم عدول، وإلا فالإسناد لين، حيث قال عنه الحافظ: مقبول. وباقي الإسناد ثقات.
وهو في «شرح السنة» ١٩٠٨ بهذا الإسناد.
وفي «مسند الشافعي» (١/ ٣٤٧) وفي «الأم» (٢/ ١٧٢- ١٧٣) من طريق سعيد بن سالم القداح بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود ١٨٩٢ والنسائي في «الكبرى» ٣٩٣٤ وعبد الرزاق ٨٩٦٣ وأحمد (٣/ ٤١١) وابن خزيمة ٢٧٢١ وابن حبان ٣٨٢٦ والحاكم (١/ ٤٥٥) والبيهقي (٥/ ٨٤) والأزرقي في «تاريخ مكة» (١/ ٣٤٠) من طرق عن ابن جريج بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم على شرط مسلم! ووافقه الذهبي! مع أن مداره على عبيد مولى السائب بن أبي السائب، ولم يرو له مسلم شيئا، وأخرجه الأزرقي (١/ ٣٤٠) بسند فيه من يحتاج إلى الكشف عن حاله عن ابن المسيب مرسلا، ولا يصح عن ابن المسيب، فلو صح لرواه عنه غير الأزرقي، وله شاهد موقوف عن عمر أخرجه عبد الرزاق ٨٩٦٦ وآخر عن ابن عمر برقم (٨٩٦٤ و٨٩٦٥). وله شاهد من حديث أبي هريرة عند ابن ماجه ٢٩٥٧ وفي سنده ضعف.
الخلاصة: هو حديث حسن صحيح بطرقه وشواهده.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ، يَعْنِي: التَّكْبِيرَاتِ أَدْبَارَ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ، يُكَبَّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَوْقَاتِ، فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَهِيَ أَيَّامُ مِنًى وَرَمْيِ الْجِمَارِ، سُمِّيَتْ مَعْدُودَاتٍ لِقِلَّتِهِنَّ كَقَوْلِهِ: دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ [يُوسُفَ: ٢٠]، وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ: عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ آخِرُهُنَّ يَوْمُ النَّحْرِ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْمَعْلُومَاتُ يَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ وَالْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَعَنْ عَلَيٍّ قَالَ: الْمَعْلُومَاتُ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ، وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْمَعْلُومَاتُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وهي أيام التشريق.
ع «٢٠٨» وَرُوِيَ عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ».
وَمِنَ الذِّكْرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ التَّكْبِيرُ، واختلفوا فيه فروي عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يُكَبِّرَانِ بِمِنًى تِلْكَ الْأَيَّامَ خَلْفَ الصَّلَاةِ وفي المجالس [٣] وَعَلَى الْفِرَاشِ وَالْفُسْطَاطِ وَفِي الطَّرِيقِ، ويكبّر الناس بتكبيرهما، ويتلوان هذه الآية، والتكبير أدبار الصلوات [٤] مَشْرُوعٌ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فِي حَقِّ الْحَاجِّ وَغَيْرِ الْحَاجِّ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ فذهب قوم إلى أنه يبتدىء التكبير عقب صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ويختم بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ آخَرِ أَيَّامِ التشريق، يروى ذلك عن عمر وعن عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ رضي الله عنه [وهو المرجح عند الشَّافِعِيِّ] [٥]، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يبتدىء التَّكْبِيرُ عَقِيبَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ يوم عرفة، ويختم بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ الله عنه، وقال قوم: يبتدئ التكبير عَقِيبَ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النحر ويختم بعد [صلاة] [٦] الصُّبْحِ مِنْ آخَرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وبه قال مالك والشافعي في أحد قوليه، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لِأَنَّ النَّاسَ فِيهِ تَبَعٌ لِلْحَاجِّ، وَذِكْرُ الْحَاجِّ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ التَّلْبِيَةُ، وَيَأْخُذُونَ فِي التكبير يوم النحر من بعد صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَفْظُ التَّكْبِيرِ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ يَقُولَانِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا نَسَقًا، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ: وَمَا زَادَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ حَسَنٌ، وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ يُكَبِّرُ اثنين، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قال تَعَالَى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، أراد من نفر الْحَاجِّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وذلك أنه على الحاج أن يبيت
- وفي الباب من حديث كعب بن مالك عند مسلم ١١٤٢.
- وعن بشر بن سحيم عند النسائي (٨/ ١٠٤) وابن ماجه ١٧٢٠ والطيالسي ١٢٩٩ وابن أبي شيبة (٤/ ٢٠- ٢١) والدارمي (٢/ ٢٣- ٢٤) والطحاوي (٢/ ٢٤٥) والطبري ٣٩١٤ والبيهقي (٤/ ٢٩٨).
(١) في المطبوع «رؤية».
(٢) في المطبوع «آت».
(٣) في المطبوع «المجلس».
(٤) في المطبوع «الصلاة». [.....]
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
رَجَعَ مَغْفُورًا لَهُ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ تعجل أو تأخر.
ع م «١٩٥» كَمَا رَوَيْنَا: «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ [٥] كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».
وَهَذَا قَوْلُ عَلَيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: لِمَنِ اتَّقى، أَيْ: لِمَنِ اتَّقَى أَنْ يُصِيبَ فِي حَجِّهِ شَيْئًا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ [٦]، كَمَا قَالَ: «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ» [٧]، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّمَا جُعِلَتْ مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ تَعَالَى فِي حَجِّهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ: لِمَنِ اتَّقَى الصَّيْدَ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ صَيْدًا حَتَّى تَخْلُوَ [٨] أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَقَالَ أَبُو العالية: ذهب إثمه إِنِ اتَّقَى فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ، [وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ: تُجْمَعُونَ فِي الْآخِرَةِ يجزيكم بأعمالكم] [٩].
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٠٤]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (٢٠٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، «٢٠٩» قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَعَطَاءٌ: نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ الثَّقَفِيِّ حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ، وَاسْمُهُ أُبَيٌّ، وسمّي الأخنس لأنه [كان] [١٠] خَنَسَ يَوْمَ بَدْرٍ بِثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ عَنْ قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رَجُلًا حُلْوَ الْكَلَامِ حُلْوَ الْمَنْظَرِ، وَكَانَ يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيجالسه ويظهر الإسلام [عنده]، ويقول [له] [١١] :
إِنِّي لَأُحِبُّكَ وَيَحْلِفُ بِاللَّهِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ مُنَافِقًا فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْنِي مَجْلِسَهُ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، أَيْ: تَسْتَحْسِنُهُ وَيَعْظُمُ فِي قَلْبِكَ.
وَيُقَالُ فِي الِاسْتِحْسَانِ أَعْجَبَنِي كَذَا، وَفِي الْكَرَاهِيَةِ وَالْإِنْكَارِ: عَجِبْتُ مِنْ كَذَا، وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما
٢٠٩- ضعيف. ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١/ ٤٢٧- ٤٢٨) باختصار شديد عن الكلبي ونسبه لعبد بن حميد وابن المنذر. وهذا ليس بشيء، الكلبي متروك متهم.
وأخرجه الطبري ٣٩٦٤ عن السدي مرسلا، وهذا واه، والخبر غير صحيح.
(١) في المطبوع «بسبع».
(٢) في المطبوع «يرمي».
(٣) في المطبوع «فيدع».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيد في المطبوع وحده عقب لفظ «رجع» :«أي: خرج من ذنوبه».
(٦) في المطبوع «عنها».
(٧) هو المتقدم.
(٨) في المطبوع وحده «تنقضي» والمثبت عن المخطوطتين ونسخة- ط-.
(٩) سقط من المخطوط.
١٠ ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط. [.....]
١١ ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
شَدِيدُ الْخُصُومَةِ، يُقَالُ: لَدَدْتَ يا هذا وأنت تلدّ لددا وَلَدَادَةً، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنَّهُ غَلَبَ عَلَى خَصْمِهِ قُلْتَ: لَدَّهُ يَلِدُّهُ لَدًّا، يُقَالُ: رَجُلٌ أَلَدُّ وَامْرَأَةٌ لَدَّاءُ وَقَوْمٌ لُدٌّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا [مَرْيَمَ: ٩٧]، قَالَ الزَّجَّاجُ: اشْتِقَاقُهُ مِنْ لدّ يدي العنق وهما صفحتان، وَتَأْوِيلُهُ: أَنَّهُ فِي أَيِّ وَجْهٍ أَخَذَ مِنْ يَمِينٍ أَوْ شِمَالٍ، فِي أَبْوَابِ الْخُصُومَةِ غَلَبَ، وَالْخِصَامُ: مَصْدَرُ خَاصَمَهُ خِصَامًا وَمُخَاصَمَةً، قَالَهُ أبو عبيدة، وقال الزجاج:
وهو جَمْعُ خَصْمٍ، يُقَالُ: خَصْمٌ وَخِصَامٌ وَخُصُومٌ، مِثْلُ: بَحْرٍ وَبِحَارٍ وَبُحُورٍ، قَالَ الْحَسَنُ: أَلَدُّ الْخِصامِ، أَيْ: كَاذِبُ الْقَوْلِ، قَالَ قَتَادَةُ: شَدِيدُ الْقَسْوَةِ فِي الْمَعْصِيَةِ، جَدِلٌ بِالْبَاطِلِ يَتَكَلَّمُ بِالْحِكْمَةِ، وَيَعْمَلُ بِالْخَطِيئَةِ.
«٢١٠» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى الله تعالى الألدّ الخصم».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٠٥ الى ٢٠٧]
وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (٢٠٦) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٢٠٧)
وَإِذا تَوَلَّى، أَيْ: أَدْبَرَ وَأَعْرَضَ عَنْكَ، سَعى فِي الْأَرْضِ، أَيْ: عَمِلِ فِيهَا، وَقِيلَ: سَارَ فِيهَا وَمَشَى، لِيُفْسِدَ فِيها، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَطَعَ الرَّحِمَ وَسَفَكَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَخْنَسَ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَقِيفٍ خُصُومَةٌ فَبَيَّتَهُمْ لَيْلَةً فَأَحْرَقَ زُرُوعَهُمْ وَأَهْلَكَ مَوَاشِيَهُمْ، قَالَ مُقَاتِلٌ: خَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ مُقْتَضِيًا مَالَا لَهُ عَلَى غَرِيمٍ فَأَحْرَقَ لَهُ كُدْسًا [١] وَعَقَرَ لَهُ أَتَانًا [٢]، وَالنَّسْلُ: نَسْلُ كُلِّ دَابَّةٍ، وَالنَّاسُ مِنْهُمْ: وَقَالَ الضَّحَّاكُ: وَإِذا تَوَلَّى، أَيْ: مَلَكَ الْأَمْرَ وَصَارَ وَالِيًا سَعَى فِي الْأَرْضِ، قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ قَالَ: إِذَا ولي يعمل بالعدوان والظلم، فأمسك اللَّهُ الْمَطَرَ [٣] وَأَهْلَكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ [٤]، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ، أَيْ: لا يرضى
هو في «شرح السنة» ٢٤٩٣ بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٢٤٥٧ عن أبي عاصم بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري (٤٥٢٣ و٧١٨٨) ومسلم ٢٦٦٨ والترمذي ٢٩٧٦ والنسائي (٨/ ٢٤٧- ٢٤٨) وأحمد (٦/ ٥٥ و٦٣ و٢٠٥) وابن حبان ٥٦٩٧ والبيهقي (١٠/ ١٠٨) من طرق عن ابن جريج به.
(١) الكدس: الحب المحصود المجموع.
(٢) الأتان: الحمارة.
(٣) تحرف في المطبوع إلى «المدر».
(٤) الأثر عند الطبري ٣٩٨٨ قال مجاهد: إذا تولى سعى في الأرض بالعدوان والظلم، فيحبس الله بذلك القطر، فيهلك الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الفساد.
- هذا سياق الأثر ذكرته لأن في سياق المصنف غموض، والله الموفق.
قَوْلُهُ: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ، أَيْ: خِفِ اللَّهَ، أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ، أي: حملته العزة، حمية الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى الْفِعْلِ بِالْإِثْمِ، أَيْ: بالظلم والعزة والتكبّر وَالْمَنَعَةُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ لِلْإِثْمِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ، فَأَقَامَ الْبَاءَ مَقَامَ اللَّامِ، قَوْلُهُ: فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ، أَيْ: كَافِيهِ، وَلَبِئْسَ الْمِهادُ، أَيِ: الْفِرَاشُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يُقَالَ لِلْعَبْدِ: اتَّقِ اللَّهَ فَيَقُولُ: عَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، وَرُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: اتَّقِ اللَّهَ فَوَضَعَ خَدَّهُ عَلَى الْأَرْضِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ، أَيْ: لِطَلَبِ رِضَا اللَّهِ تعالى، وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ.
ع «٢١١» رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي سَرِيَّةِ الرَّجِيعِ، وَذَلِكَ أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ إِنَّا قَدْ أَسْلَمْنَا، فَابْعَثْ إِلَيْنَا نَفَرًا مِنْ عُلَمَاءِ أَصْحَابِكَ يُعَلِّمُونَنَا دِينَكَ، وَكَانَ ذَلِكَ مَكْرًا مِنْهُمْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ وَمَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَخَالِدَ بْنَ بُكَيْرٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ الْبَلَوِيَّ وَزَيْدَ بْنَ الدَّثِنَةِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ بن أبي الأفلح الأنصاري.
ع «٢١٢» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ فَسَارُوا فَنَزَلُوا بِبَطْنِ الرَّجِيعِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ومعهم تمر عجوة فأكلوا [وطرحوا النوى] [١] فَمَرَّتْ عَجُوزٌ فَأَبْصَرَتِ النَّوَى فَرَجَعَتْ إِلَى قَوْمِهَا بِمَكَّةَ وَقَالَتْ: قَدْ سَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ أَهْلُ يَثْرِبَ، مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَكِبَ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ مَعَهُمُ الرِّمَاحُ حَتَّى أَحَاطُوا بهم، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه ذكروا [ذلك لِحَيٍّ] مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو لَحْيَانَ [فَنَفَرُوا لَهُمْ] [٢] بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ، فَاقْتَفَوْا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمُ التَّمْرَ فِي مَنْزِلٍ نَزَلُوهُ فَقَالُوا: تَمْرُ يثرب فاتبعوا آثارهم [فلحقوهم] [٣] فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لجؤوا إِلَى فَدْفَدٍ [٤] فَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ فَقَتَلُوا مَرْثَدًا وَخَالِدًا وَعَبْدَ اللَّهُ بن طارق فنثر عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ كِنَانَتَهُ وَفِيهَا سَبْعَةُ أَسْهُمٍ فَقَتَلَ بِكُلِّ سَهْمٍ رَجُلًا مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ قال: اللهمّ إني قد حَمَيْتُ دِينَكَ صَدْرَ النَّهَارِ فَاحِمِ لَحْمِي آخِرَ النَّهَارِ، ثُمَّ أَحَاطَ [بِهِ] [٥] الْمُشْرِكُونَ فَقَتَلُوهُ فَلَمَّا قَتَلُوهُ أَرَادُوا حَزَّ رَأْسِهِ لِيَبِيعُوهُ مِنْ سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شُهَيْدٍ، وكانت قد نذرت [على نفسها] [٦] حِينَ أَصَابَ ابْنَهَا يَوْمَ أُحُدٍ لَئِنْ قَدَرَتْ عَلَى رَأْسِ عَاصِمٍ لتشربن في
٢١٢- ع لم أره بهذا السياق. وأصل الحديث محفوظ دون ذكر نزول الآيات، ودون بعض ألفاظه وقد أخرجه البخاري (٣٠٤٥ و٣٩٨٩) و (٤٠٨٦ و٧٤٠٢) وأبو داود (٢٦٦٠ و٢٦٦١) والطيالسي ٢٥٩٧ وأحمد (٢/ ٢٩٤) و (٢٩٥ و٣١٠- ٣١١) وعبد الرزاق ٩٧٣٠ وابن حبان ٧٠٤٩ والبيهقي في «الدلائل» (٣/ ٣٢٣- ٣٢٤) من طرق من حديث أبي هريرة بنحوه دون ذكر عجزه وهو خبر الزبير والمقداد بن عمرو.
وانظر هذا الخبر في «السيرة النبوية» لابن هشام (٣/ ١٣٤- ١٤٦).
(١) زيادة من المخطوط.
(٢) في المطبوع «فتبعوهم».
(٣) زيادة من المخطوط.
(٤) الفدفد: الفلاة والمكان الصلب الغليظ، والمرتفع، والأرض المستوية.
(٥) في المخطوط «بهم».
(٦) زيادة من المخطوط. [.....]
فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا | عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ فِي اللَّهِ مَصْرَعِي [٢] |
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ | يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ [٣] مُمَزَّعِ |
أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا زَيْدُ أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا عِنْدَنَا الْآنَ بِمَكَانِكَ نضرب عنقه، وأنت فِي أَهْلِكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآنَ فِي مَكَانِهِ الذي هو فيه تصيبه شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ وَأَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا يُحِبُّ أَحَدًا كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، ثم قتله نسطاس، فَلَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْخَبَرُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «أَيُّكُمْ يُنْزِلُ خُبَيْبًا عَنْ خَشَبَتِهِ وَلَهُ الْجَنَّةُ»، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَصَاحِبِي الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، فَخَرَجَا يَمْشِيَانِ بِاللَّيْلِ وَيَكْمُنَانِ بِالنَّهَارِ، حَتَّى أَتَيَا التَّنْعِيمَ لَيْلًا وَإِذَا حَوْلَ الْخَشَبَةِ أربعون رجلا من المشركين نيام نَشَاوَى، فَأَنْزَلَاهُ فَإِذَا هُوَ رَطْبٌ يَنْثَنِي لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ شَيْءٌ بعد أربعين يوما
(٢) في المخطوط «مضجعي».
(٣) الشلو: العضو، والجسد من كل شيء، وكل مسلوخ أكل منه شيء وبقيت منه بقية.
(٤) في المطبوع «سرعة» وفي المخطوط «مشروعة» والمثبت عن- ط-.
(٥) زيادة من المخطوط.
ع «٢١٣» وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: نَزَلَتْ فِي صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ الرُّومِيِّ، حِينَ أَخَذَهُ الْمُشْرِكُونَ فِي رَهْطٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَعَذَّبُوهُمْ فَقَالَ لَهُمْ صُهَيْبٌ: إِنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَضُرُّكُمْ أَمِنْكُمْ كُنْتُ أَمْ مَنْ غَيْرِكُمْ، فَهَلْ لَكَمَ أَنْ تَأْخُذُوا مَالِي وَتَذَرُونِي وَدِينِي فَفَعَلُوا، وَكَانَ شَرَطَ عَلَيْهِمْ رَاحِلَةً وَنَفَقَةً فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَتَلَقَّاهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمْرُ فِي رِجَالٍ، فَقَالَ لَهُ أبو بكر: ربح بيعك أَبَا يَحْيَى، فَقَالَ لَهُ صُهَيْبٌ: وبيعك فلا تخسر [٢]، قَالَ صُهَيْبٌ: مَا ذَاكَ؟ فَقَالَ: أنزل الله فيك، وقرأ هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءٌ: أَقْبَلَ صُهَيْبٌ مُهَاجِرًا نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاتَّبَعَهُ نَفَرٌ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ وَنَثَلَ ما فِي كِنَانَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَقَدْ عَلِمْتُمْ إِنِّي لَمِنْ أَرْمَاكُمْ رَجُلًا، وَاللَّهِ لَا أَضَعُ سَهْمًا مِمَّا فِي كِنَانَتِي إِلَّا فِي قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ، وَايْمُ اللَّهِ لَا تَصِلُونَ إِلَيَّ حتى أرمي بكل سهم من كنانتي [رجلا منكم] [٣] ثُمَّ أَضْرِبَ بِسَيْفِي مَا بَقِيَ فِي يَدِي، ثُمَّ افْعَلُوا مَا شئتم [بي]، وَإِنْ شِئْتُمْ دَلَلْتُكُمْ عَلَى مَالِي بِمَكَّةَ وَخَلَّيْتُمْ سَبِيلِي، قَالُوا: نَعَمْ، ففعل ذلك، فأنزل الله [فيه] هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: أَتَدْرُونَ فيم [٤] نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؟ نَزَلَتْ فِي الْمُسْلِمِ يَلْقَى الْكَافِرَ، فَيَقُولُ لَهُ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَأْبَى أَنْ يَقُولَهَا، فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَاللَّهِ لَأَشْرِيَنَّ نَفْسِي لِلَّهِ، فَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ وَحْدَهُ حَتَّى قُتِلَ.
وَقِيلَ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَى مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابتغاء مرضات اللَّهِ يَقُومُ فَيَأْمُرُ هَذَا بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ وَأَخَذَتْهُ العزة بالإثم، قال: [هذا] [٥] وأنا أشري نفسي فَقَاتَلَهُ فَاقْتَتَلَ الرَّجُلَانِ لِذَلِكَ، وَكَانَ عَلِيٌّ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ يقول: اقتتلا وربّ الكعبة، وقال أبو الخليل: سمع عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنْسَانًا يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ، فَقَالَ عُمْرُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، قَامَ رَجُلٌ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فقتل.
- وفي الباب من حديث أنس أخرجه الحاكم (٣/ ٣٩٨) وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وفيه «قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم: ربح البيع أبا يحيى».
- وورد عن ابن المسيب عن صهيب أخرجه الحاكم (٣/ ٤٠٠) وصححه وسكت عليه الذهبي، وفيه من لم يسم، ومع ذلك ورد من وجوه أخرى يتأيد بها ويعلم أن له أصلا. وانظر «تفسير الشوكاني» ٣٢٣ و «الكشاف» ١١٤ للزمخشري بتخريجي.
(١) في المطبوع «يدافعان عن شبليهما».
(٢) في المطبوع «فلا تتحسر».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «فيمن».
(٥) زيادة عن المخطوط والطبري (٤٠٠٢).
أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ مَنْ قَالَ كَلِمَةَ حق عند سلطان جائر».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٠٨ الى ٢٠٩]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً، قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْكِسَائِيُّ السِّلْمِ هَاهُنَا بِفَتْحِ السِّينِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَفِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ] [٢] بِالْكَسْرِ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ، وَفِي سُورَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَسْرِ، حَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ.
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ، عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ النَّضِيرِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَ السَّبْتَ ويكرهون لحمات [٣] الإبل وألبانها بعد ما أَسْلَمُوا وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ التَّوْرَاةَ كِتَابُ اللَّهِ فَدَعْنَا فَلْنَقُمْ بِهَا فِي صَلَاتِنَا بِاللَّيْلِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً، أَيْ: فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَعْمَالِهِمْ كَافَّةً أَيْ جَمِيعًا، وَقِيلَ:
ادْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ إِلَى مُنْتَهَى شَرَائِعِهِ كَافِّينَ عَنِ الْمُجَاوَزَةِ إِلَى غَيْرِهِ، وَأَصْلُ السِّلْمِ [٤] مِنَ الِاسْتِسْلَامِ [٥] وَالِانْقِيَادِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلصُّلْحِ: سِلْمٌ.
قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: الْإِسْلَامُ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ، فَعَدَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْحَجَّ
وهو في «شرح السنة» ٢٤٦٧ بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه ٤٠١٢ وأحمد (٥/ ٢٥١- ٢٥٦) والطبراني في «الكبير» (٨٠٨٠ و٨٠٨١) وابن عدي في «الكامل» (٢/ ٤٥٥) والبيهقي في «الشعب» ٧٥٨١ والقضاعي في «مسند الشهاب» ١٢٨٨ من طرق عن حماد بن سلمة به.
- وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري أخرجه أبو داود ٤٣٤٤ والترمذي ٢٢٦٥ وابن ماجه ٤٠١١ وفيه عطية العوفي ضعيف، قد حسنه الترمذي واستغربه.
- وقد توبع العوفي فقد أخرجه الحميدي ٧٥٢ وأحمد (٣/ ١٩- ٦١) والحاكم (٤/ ٥٠٥- ٥٠٦) من طريق عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي نضرة عن أبي سعيد.
وعلي هذا غير قوي، لكن يقوي ما قبله، ولذا سكت الحاكم عليه، فقال الذهبي: قلت: علي بن زيد صالح الحديث اهـ.
- وله شاهد آخر من حديث جابر أخرجه الحاكم (٢/ ١٢٠) وفيه: «سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه، فقتله» وقال الحاكم: صحيح. وتعقبه الذهبي بقوله: الصفار لا يدري من هو اهـ. ومع ذلك فهو يشهد لما قبله وللحديث شواهد أخرى. انظر «مجمع الزوائد» (٧/ ٢٧٢).
- وله شاهد آخر من مرسل طارق بن شهاب أخرجه البيهقي ٧٥٨٢ وقال: وهذا شاهد مرسل جيد اهـ. فالحديث بهذه الشواهد يرقى إلى درجة الحسن الصحيح.
(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(٢) زيادة عن نسخة- ط. [.....]
(٣) في المطبوع وحده «لحوم».
(٤) في المخطوط «الإسلام».
(٥) في المطبوع وحده «الإسلام».
أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ [٢] عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَتَاهُ عُمْرُ فَقَالَ: إِنَّا نَسْمَعُ أَحَادِيثَ مِنْ يهود تعجبنا أَفَتَرَى أَنْ نَكْتُبَ بَعْضَهَا؟
فَقَالَ: «أَمُتَهَوِّكُونَ أَنْتُمْ كَمَا تَهَوَّكَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، وَلَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي».
فَإِنْ زَلَلْتُمْ: ضَلَلْتُمْ، وَقِيلَ: مِلْتُمْ، يُقَالُ: زَلَّتْ قَدَمُهُ تَزِلُّ زَلَّا وَزَلَلًا إِذَا دَحَضَتْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الشِّرْكَ، قَالَ قَتَادَةُ: قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ سَيَزِلُّ زَالُّونَ مِنَ النَّاسِ، فَتَقَدَّمَ [٣] فِي ذَلِكَ وَأَوْعَدَ فِيهِ لِيَكُونَ [لَهُ بِهِ] [٤] الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ، مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ، أَيِ: الدَّلَالَاتُ الْوَاضِحَاتُ، فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ: فِي نِقْمَتِهِ، حَكِيمٌ: فِي أَمْرِهِ، فَالْعَزِيزُ: هُوَ الْغَالِبُ الَّذِي لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ، وَالْحَكِيمُ: ذُو الْإِصَابَةِ فِي الْأَمْرِ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢١٠ الى ٢١١]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠) سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢١١)
هشيم هو ابن بشير والشعبي هو عامر بن شراحيل.
- وهو في «شرح السنة» ١٢٦ بهذا الإسناد غير أنه قد تحرف فيه «هشيم» إلى «هشام».
- وأخرجه أحمد (٣/ ٣٨٧) والدارمي (١/ ١١٥) ج ٤٤١ وابن أبي عاصم في «السنة» ٥٠ وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (٢/ ٤٢) والبزار ١٢٤ «كشف» من طرق عن مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ به، ومداره على مجالد بن سعيد، وهو غير قوي وهو إلى الضعف أقرب.
وقال الحافظ في «الفتح» (١٣/ ٢٨٤) : رجاله موثقون إلا أن في مجالد ضعفا اهـ.
- وقد توبع على أصل الحديث.
- فقد ورد بمعناه مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثابت أخرجه أحمد (٤/ ٢٦٥) وابن الضريس في «فضائل القرآن» ٩٠ والطبراني كما في «المجمع» (١/ ١٧٣) ح ٨٠٦ والبيهقي في «الشعب» ٥٢٠١ ومداره على جابر بن يزيد الجعفي، وهو ضعيف، واتهمه أبو حنيفة.
- وورد من حديث عمر أخرجه أبو يعلى كما في «المجمع» (١/ ١٧٣) ح ٨٠٥ والبيهقي في «الشعب» ٥٢٠٣ من حديث عمر وأعله الهيثمي بعبد الرحمن بن إسحاق، وأنه ضعيف، وتابعه يوسف بن خالد السمتي عند البيهقي لكنه متروك متهم، واكتفى البيهقي بقوله: غيره أوثق منه.
- وورد عن الزهري مرسلا عند البيهقي ٥٢٠٥ ومراسيل الزهري واهية، لأنه حافظ ثبت لا يرسل إلا لعلة.
- وورد عن الحسن مرسلا أخرجه ابن الضريس ٨٩ والمرسل من قسم الضعيف- ومن مرسل أبي قلابة أخرجه البيهقي ٥٢٠٢ فالحديث بهذه الشواهد يرقى إلى درجة الحسن.
وانظر «تفسير الشوكاني» (١٨٩١ و١٨٩٢) و (١٨٩٣ و١٨٩٤) و «أحكام القرآن» لابن العربي ٢٦ بتخريجي والله الموفق.
(١) وقع في الأصل «هاشم» والتصويب من «الأنوار» ١٢٣٥ وكتب التراجم و «ط».
(٢) وقع في الأصل «مخلد» والتصويب من «ط» و «شرح السنة».
(٣) كذا في نسخ المطبوع، وفي المخطوط «وقدم».
(٤) في المطبوع «لديه» وفي المخطوط «به» والمثبت عن- ط.
هَذَا من [العلم] [٥] المكتوم الذي لا يفسر [والله أعلم بمراده منه] [٦]، وَكَانَ مَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، يَقُولُونَ فيه وفي أمثاله: أَمِرُّوهَا [٧] كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفٍ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كُلُّ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ فَتَفْسِيرُهُ: قِرَاءَتُهُ وَالسُّكُوتُ عنه [٨]، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَسِّرَهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ [٩]، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُضِيَ الْأَمْرُ، أَيْ:
وَجَبَ الْعَذَابُ وَفُرِغَ مِنَ الْحِسَابِ، وَذَلِكَ فَصْلُ اللَّهِ الْقَضَاءُ بِالْحَقِّ بَيْنَ الْخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ التَّاءِ وفتح الجيم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ، أَيْ: سَلْ يَا مُحَمَّدُ يَهُودَ الْمَدِينَةِ: كَمْ آتَيْناهُمْ: أَعْطَيْنَا آبَاءَهُمْ وأسلافهم، مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ، [قرأ أهل الحجاز وقتيبة بتشديد الياء والباء، والباقون بتشديد الياء] [١٠]، دَلَالَةٍ وَاضِحَةٍ عَلَى نُبُوَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِثْلَ الْعَصَا وَالْيَدِ الْبَيْضَاءِ وَفَلْقِ الْبَحْرِ وَغَيْرِهَا، وَقِيلَ: معناه الدلالات التي آتاهم الله فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ يُبَدِّلْ، يعني: يُغَيِّرْ نِعْمَةَ اللَّهِ: كِتَابَ اللَّهِ، وَقِيلَ: عَهْدُ اللَّهُ، وَقِيلَ: مَنْ يُنْكِرُ الدَّلَالَةَ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢١٢]
زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢١٢)
(٢) زيد في نسخة- ط «بذكر الله أو».
(٣) في نسخ المطبوع «إليهم».
(٤) في المطبوع «الحدث».
٥ زيادة من المخطوط.
٦ زيادة من المخطوط. [.....]
(٧) في المطبوع «أمرها».
(٨) في المطبوع «عليه».
(٩) هذا هو مذهب سلف الأمة رضي الله عنهم، وهو الحق الذي لا مرية فيه، فعليك به، وإياك والأهواء والإحداث في الدين، نسأل الله عز وجل أن يهدينا سنن خير المرسلين.
(١٠) زيد في المطبوع وحده.
أَنَّهُ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ الْحَسَنَةَ وَالْمَنَاظِرَ الْعَجِيبَةَ، فَنَظَرَ الْخَلْقُ [إليها] [١] بأكثر من قدرها فأعجبهم حسنها فَفُتِنُوا بِهَا، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ، قِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ، كَانُوا يَتَنَعَّمُونَ بِمَا بَسَطَ اللَّهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمَالِ وَيُكَذِّبُونَ بِالْمَعَادِ، وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا، أَيْ:
يَسْتَهْزِئُونَ بِالْفُقَرَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ بِالَّذِينِ آمَنُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَصُهَيْبًا وَبِلَالًا وَخَبَّابًا وَأَمْثَالَهُمْ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ كَانُوا يَتَنَعَّمُونَ فِي الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، وَيَقُولُونَ: انْظُرُوا إِلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ [٢] يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يَغْلِبُ بِهِمْ، وَقَالَ عَطَاءٌ: نَزَلَتْ فِي رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَبَنِي قَيْنُقَاعَ، سَخِرُوا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ أَمْوَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ بِغَيْرِ قِتَالٍ، وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا لِفَقْرِهِمْ، وَالَّذِينَ اتَّقَوْا، يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءَ، فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، لِأَنَّهُمْ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ وَهُمْ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ.
«٢١٦» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ [٣] أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ [٤] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَقَفْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْمَسَاكِينَ، وَوَقَفْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ، وَإِذَا أَهْلُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَقَدْ أُمِرَ بِهِ إِلَى النَّارِ».
«٢١٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا إبراهيم [٥] بن حمزة، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا» ؟
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ: هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شفع أن يشفع، [وإن قال يسمع
- وهو في «شرح السنة» ٣٩٥٩ بهذا الإسناد.
- وهو في «مصنف عبد الرزاق» ٢٠٦١١ عن معمر بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٥١٩٦ و٦٥٤٧ ومسلم ٢٧٣٦ والنسائي في «الكبرى» ٩٢٦٥ وأحمد (٥/ ٢٠٥ و٢٠٩ و٢١٠) والطبراني في (الكبير) ٤٢١ والخطيب في «تاريخه» ٥/ ١٤٩ من طرق عن أبي عثمان النهدي به.
٢١٧- إسناده صحيح على شرط البخاري لتفرده عن إبراهيم، أبو حازم اسمه سلمة بن دينار.
هو في «شرح السنة» ٣٩٦٣ بهذا الإسناد لكن سقط عنده شيخ البخاري إبراهيم بن حمزة.
وأخرجه البخاري (٥٠٩١ و٦٤٤٧) وابن ماجه ٤١٢٠ والطبراني ٥٨٨٣ والبيهقي في «الشعب» ١٠٤٨١ من طرق عن ابن أبي حازم به.
(١) زيادة من المخطوط.
(٢) في المطبوع وحده «الذي».
(٣) وقع في الأصل «البزار» والتصويب عن «ط» و «شرح السنة».
(٤) وقع في الأصل «الديري» والتصويب عن «شرح السنة» و «ط».
(٥) وقع في المطبوع «إسحاق» وهو سبق قلم، والمثبت عن صحيح البخاري ٥٠٩١.
فَقَالَ: يا رسول الله هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا».
وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ، [قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ] [٣] : يَعْنِي كَثِيرًا بِغَيْرِ مِقْدَارٍ، لِأَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْحِسَابُ فَهُوَ قَلِيلٌ، يُرِيدُ يُوَسِّعُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَيَبْسُطُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي مِنْ غَيْرِ تَبِعَةٍ يَرْزُقُهُ فِي الدُّنْيَا وَلَا يُحَاسِبُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: هَذَا يَرْجِعُ إِلَى الله، مَعْنَاهُ: يُقَتِّرُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَيَبْسُطُ لِمَنْ يَشَاءُ، وَلَا يُعْطِي كُلَّ [٤] أَحَدٍ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ بَلْ يعطي الكثير لمن [٥] لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَلَا يُعْطِي الْقَلِيلَ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ وَلَا يُحَاسَبُ فِيمَا يَرْزُقُ، وَلَا يُقَالُ: لِمَ أَعْطَيْتَ هَذَا وَحَرَمْتَ هَذَا، وَلِمَ أَعْطَيْتَ هَذَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَيْتَ ذَاكَ، [لا يسأل عما يفعل] [٦]، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يَخَافُ نَفَادِ خَزَائِنِهِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى حِسَابِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِأَنَّ الْحِسَابَ مِنَ المعطي إنما يكون لما [٧] يخاف من نفاد خزائنه، [والله تعالى خزائنه لا تنقص بكثرة الإنفاق] [٨].
[سورة البقرة (٢) : آية ٢١٣]
كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣)
قَوْلُهُ تَعَالَى: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً: عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: أَرَادَ آدَمَ وَحْدَهُ كَانَ أُمَّةً وَاحِدَةً، [قَالَ] [٩] : سُمِّيَ الْوَاحِدُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، لِأَنَّهُ أَصْلُ النَّسْلِ وَأَبُو الْبَشَرِ، ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى منه حَوَّاءَ وَنَشَرَ مِنْهُمَا النَّاسَ فَانْتَشَرُوا، وَكَانُوا مُسْلِمِينَ إِلَى أَنْ قَتَلَ [قَابِيلُ] [١٠] هَابِيلَ فَاخْتَلَفُوا، فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ، قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ: كَانَ النَّاسُ مِنْ وَقْتِ وَفَاةِ آدَمَ إِلَى مَبْعَثِ نُوحٍ أُمَّةً وَاحِدَةً عَلَى مِلَّةِ الْكُفْرِ أَمْثَالَ الْبَهَائِمِ فَبَعَثَ اللَّهُ نُوحًا وَغَيْرَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ: كَانَ النَّاسُ مِنْ وَقْتِ آدَمَ إِلَى مَبْعَثِ نُوحٍ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ قُرُونٍ، كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحَقِّ وَالْهُدَى، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي زَمَنِ نُوحٍ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ نُوحًا فَكَانَ أَوَّلَ نَبِيٍّ بُعِثَ، ثُمَّ بَعَثَ بَعْدَهُ النَّبِيِّينَ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمْ أَهْلُ سَفِينَةِ نُوحٍ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ وَفَاةِ نُوحٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمَّةً وَاحِدَةً كُفَّارًا كُلُّهُمْ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ، وَقِيلَ: كَانَ الْعَرَبُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ إِلَى أَنْ غَيَّرَهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ حِينَ عُرِضُوا عَلَى آدَمَ وَأُخْرِجُوا مِنْ ظَهْرِهِ، وأقرّوا بالعبودية لله تعالى أُمَّةً وَاحِدَةً مُسْلِمِينَ كُلُّهُمْ، وَلَمْ يَكُونُوا أُمَّةً وَاحِدَةً قَطُّ غَيْرَ [١١] ذَلِكَ الْيَوْمِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ آدَمَ، نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ يُونُسَ: وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا [١٢] [يونس: ١٩]،
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) زيادة عن المخطوط ونسخة- ط. [.....]
(٤) في المطبوع وحده «لكل».
(٥) في المطبوع «من».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في المطبوع «بما» وفي نسخة- ط «لمن».
(٨) زيادة عن المخطوط.
(٩) زيد في نسخ المطبوع، ولعله ليس من كلام مجاهد.
(١٠) زيادة من المخطوط وط.
(١١) في المخطوط «من».
(١٢) زيد في المخطوط وسائر النسخ في الآية «فبعث الله النبيّين» وهو سبق قلم من المصنف رحمه الله!.
وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ [النِّسَاءِ: ١٥٠]، وَالْآخَرُ: تَحْرِيفُهُمْ كِتَابَ اللَّهِ، قَالَ الله: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ [النِّسَاءِ: ٤٦]، وَقِيلَ: الْآيَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِتَابُهُ، اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ، صِفَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُتُبِهِمْ، بَغْياً ظُلْمًا وَحَسَدًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، أي: إلى ما اخْتَلَفُوا فِيهِ، مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ، بِعِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ فِيهِمْ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: اخْتَلَفُوا فِي الْقِبْلَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي إِلَى الْمَشْرِقِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي إِلَى الْمَغْرِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَهَدَانَا اللَّهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الصِّيَامِ [فمنهم من كان يصوم ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، ومنهم من يصوم يوم عاشوراء] [٢]، فَهَدَانَا اللَّهُ لِشَهْرِ رَمَضَانَ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَيَّامِ، فَأَخَذَتِ الْيَهُودُ السَّبْتَ، وَالنَّصَارَى الْأَحَدَ، فَهَدَانَا اللَّهُ لِلْجُمُعَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: كَانَ يَهُودِيًّا، وَقَالَتِ النَّصَارَى: كَانَ نَصْرَانِيًّا، فَهَدَانَا اللَّهُ لِلْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ، وَاخْتَلَفُوا فِي عِيسَى فَجَعَلَتْهُ الْيَهُودُ لِفِرْيَةٍ [٣]، وَجَعَلَتْهُ النصارى إلها، فهدانا اللَّهُ لِلْحَقِّ فِيهِ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢١٤]
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ حِينَ أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْجَهْدِ وَشِدَّةِ الْخَوْفِ وَالْبَرْدِ وَضِيقِ الْعَيْشِ وَأَنْوَاعِ الْأَذَى كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ [الْأَحْزَابِ: ١٠]، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي حَرْبِ أُحُدٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ الْمَدِينَةَ، اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الضُّرُّ لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا بِلَا مَالٍ وَتَرَكُوا دِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَيْدِي الْمُشْرِكِينَ، وَآثَرُوا رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَظْهَرَتِ الْيَهُودُ الْعَدَاوَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَسَرَّ قَوْمٌ النِّفَاقَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ أَمْ حَسِبْتُمْ، معناه: أَحَسِبْتُمْ وَالْمِيمُ صِلَةٌ قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: بَلْ حَسِبْتُمْ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَظَنَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تدخلوا الجنّة، وَلَمَّا يَأْتِكُمْ، أي: ولم يَأْتِكُمْ وَمَا صِلَةٌ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا، شَبَّهَ الَّذِينَ مَضَوْا، مِنْ قَبْلِكُمْ: من النَّبِيِّينَ [٤] وَالْمُؤْمِنِينَ، مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ:
الْفَقْرُ وَالشِّدَّةُ وَالْبَلَاءُ، وَالضَّرَّاءُ: الْمَرَضُ وَالزَّمَانَةُ، وَزُلْزِلُوا، أَيْ: حُرِّكُوا بِأَنْوَاعِ الْبَلَايَا والرزايا
(٢) زيادة عن المخطوط، ويدل عليها سياق الطبري ٤٠٦٤ و «الدر المنثور» (١/ ٤٣٦).
(٣) تصحف في المطبوع إلى «الفرية».
(٤) زيد في نسخ المطبوع.
الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ، فَالنَّصْبُ عَلَى ظَاهِرِ الْكَلَامِ لِأَنَّ حَتَّى تَنْصِبُ الْفِعْلَ المستقبل، والرفع مَعْنَاهُ الْمَاضِي، وحَتَّى لَا تَعْمَلُ في الماضي.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢١٥ الى ٢١٦]
يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢١٥) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢١٦)
قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ، ع «٢١٨» نَزَلَتْ فِي عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا ذَا مَالٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِمَاذَا [٣] نَتَصَدَّقُ وَعَلَى مَنْ نُنْفِقُ؟ فَأَنْزَلَ الله تعالى: يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ.
وَفِي قَوْلِهِ مَاذَا وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يكون محله نصبا لقوله: يُنْفِقُونَ، تَقْدِيرُهُ: أَيَّ شَيْءٍ يُنْفِقُونَ، والآخر: أن يكون رفعا ب ما وَمَعْنَاهُ: مَا الَّذِي يُنْفِقُونَ؟ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ، أَيْ: مِنْ مَالٍ، فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ، يُجَازِيكُمْ بِهِ، قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كَانَ هَذَا قَبْلَ فَرْضِ الزَّكَاةِ فَنُسِخَتْ بِالزَّكَاةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ، أَيْ: فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْجِهَادُ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ عَطَاءٌ: الْجِهَادُ تَطَوُّعٌ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ، وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى [النِّسَاءِ: ٩٥]، وَلَوْ كَانَ الْقَاعِدُ تاركا فرضا لم يكن بعده الْحُسْنَى، وَجَرَى بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ، وَقَالَ: الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ.
«٢١٩» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ الْخُوَارَزْمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
وذكره الواحدي في «أسبابه» ١٢٨ من رواية أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ معلقا، وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس. وعنه الكلبي وهو متروك متهم، والخبر لا يصح. [.....]
٢١٩- حديث صحيح. عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ من رجال مسلم، ومن دونه توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هشام، أبو صالح اسمه ذكوان، مشهور بكنيته، والحديث أورده المصنف في «شرح السنة» (٥/ ٥٢٣) تعليقا وأخرجه مسلم ١٩١٠ وأبو داود ٢٥٠٢ والنسائي (٦/ ٨)، وأحمد (٢/ ٣٧٤) والبخاري في «التاريخ الكبير» (٣/ ٢/ ١٩٢) وأبو عوانة في «صحيحه» (٥/ ٨٤) والحاكم (٢/ ٧٩) وابن أبي عاصم في «الجهاد» ٤٣ وأبو نعيم في «الحلية» (٨/ ٦٠) والخطيب البغدادي في «الموضح» (٢/ ٤٤٣) والبيهقي في
(١) زيادة من المخطوط.
(٢) في نسخ المطبوع «الوجهان».
(٣) في المخطوط «لماذا» وفي «الوسيط» (١/ ٣١٨) «ماذا».
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ».
وَقَالَ قَوْمٌ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: إِنَّ الْجِهَادَ فُرِضَ عَلَى الْكِفَايَةِ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، مِثْلُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَرَدِّ السَّلَامِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: كَتَبَ اللَّهُ الْجِهَادَ عَلَى النَّاسِ غَزْوًا أو قعدوا، فَمَنْ غَزَا فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ قَعَدَ فَهُوَ عُدَّةٌ إِنِ اسْتُعِينَ بِهِ أَعَانَ وَإِنِ اسْتُنْفِرَ نَفَرَ، وَإِنِ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ قَعَدَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ، أَيْ: شَاقٌّ عَلَيْكُمْ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي: هَذَا الْكُرْهُ مِنْ حَيْثُ نُفُورُ الطَّبْعِ عَنْهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ مُؤْنَةِ الْمَالِ وَمَشَقَّةِ النَّفْسِ وَخَطَرِ الرُّوحِ، لَا أَنَّهُمْ كَرِهُوا أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ عِكْرِمَةُ:
نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: سَمِعْنا وَأَطَعْنا، يَعْنِي: أَنَّهُمْ كَرِهُوهُ ثُمَّ أَحَبُّوهُ، فَقَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، لِأَنَّ فِي الْغَزْوِ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إِمَّا الظَّفَرُ وَالْغَنِيمَةُ وَإِمَّا الشَّهَادَةُ وَالْجَنَّةُ، وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً، يَعْنِي: الْقُعُودَ عَنِ الْغَزْوِ، وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ: لِمَا فِيهِ مِنْ فَوَاتِ الْغَنِيمَةِ وَالْأَجْرِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ،
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢١٧ الى ٢١٨]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢١٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨)
قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ؟
سبب نزول هذه الآية:
ع «٢٢٠» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ وَهُوَ ابْنُ عَمَّةِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْتِ أَبِيهِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، قَبْلَ قِتَالِ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَبَعَثَ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيَّ وَعُكَاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيَّ وَعُتَبَةَ بْنَ غَزَوَانَ السُّلَمِيَّ وَأَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عتبة بن ربيعة وسهيل ابن بَيْضَاءَ وَعَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ وَوَاقِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَخَالِدَ بْنَ بُكَيْرٍ، وَكَتَبَ لِأَمِيرِهِمْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ كِتَابًا وَقَالَ لَهُ: «سِرْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ، وَلَا تَنْظُرْ فِي الْكِتَابِ حَتَّى تَسِيرَ يَوْمَيْنِ، فَإِذَا نَزَلْتَ فَافْتَحِ الْكِتَابَ، وَاقْرَأْهُ عَلَى أَصْحَابِكَ، ثُمَّ امْضِ لِمَا أَمَرْتُكَ وَلَا تَسْتَكْرِهَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ عَلَى السَّيْرِ مَعَكَ»، فَسَارَ عَبْدُ اللَّهِ يَوْمَيْنِ ثُمَّ نَزَلَ وَفَتَحَ الْكِتَابَ فَإِذَا فِيهِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ، فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ بمن تبعك مِنْ أَصْحَابِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بَطْنَ [نَخْلَةَ] [٤] فَتَرْصُدَ بِهَا عِيرَ قُرَيْشٍ لعلك تأتينا منه بخبر»، فَلَمَّا نَظَرَ فِي الْكِتَابِ قَالَ: سَمْعًا وَطَاعَةً، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ ذَلِكَ، وَقَالَ إِنَّهُ نَهَانِي أَنْ أَسْتَكْرِهَ أَحَدًا مِنْكُمْ فَمَنْ كَانَ يُرِيدُ الشَّهَادَةَ فَلْيَنْطَلِقْ [٥]، وَمِنْ كَرِهَ فَلْيَرْجِعْ، ثُمَّ مَضَى وَمَضَى مَعَهُ أَصْحَابُهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أحد حتى كان
(١) وقع في الأصل «القرالي» والتصويب من «ط» و «الأنساب» (٤/ ٣٥٣).
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من بعض النسخ.
(٣) وقع في الأصل «عمرو» والتصويب من «ط» ومن مصادر التخريج.
(٤) في المطبوع «مكة».
(٥) وقع في الأصل «فلينطق» وهو تصحيف والتصويب من سيرة ابن هشام.
٢٢٠- ع هو في سيرة ابن هشام (٢/ ١٨٤) بدون إسناد.
وكذا ذكره الواحدي في أسباب النزول ١٣١ نقلا عن المفسرين وانظر «تفسير الطبري» ٤٠٨٧ و «سنن البيهقي» (٩/ ١١- ١٢).
[لَئِنْ] [٤] تَرَكْتُمُوهُمُ اللَّيْلَةَ ليدخلن الحرم فليمتنعن مِنْكُمْ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ فِي مُوَاقَعَةِ [٥] الْقَوْمِ فَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّهْمِيُّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَقَتَلَهُ، فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ أَوَّلُ قَتِيلٍ فِي الْهِجْرَةِ، وَأَدَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةَ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى وَرَثَتِهِ مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: لِأَنَّهُ كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ عَهْدٌ، وَادَعَ أَهْلَ مَكَّةَ سَنَتَيْنِ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُمْ وَلَا يُقَاتِلُوهُ وَاسْتَأْسَرَ الْحَكَمَ وَعُثْمَانَ فَكَانَا أَوَّلَ أَسِيرَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ وَأَفْلَتَ نَوْفَلٌ فَأَعْجَزَهُمْ وَاسْتَاقَ الْمُؤْمِنُونَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: قَدِ اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ الشَّهْرَ الْحَرَامَ فسفك فيه الدماء وأخذ [فيه] [٦] الْحَرَائِبَ، وَعَيَّرَ بِذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ من كان بها مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الصُّبَاةِ اسْتَحْلَلْتُمُ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَقَاتَلْتُمْ فيه وبلغ [ذَلِكَ] [٧] رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِابْنِ جَحْشٍ وَأَصْحَابِهِ: «مَا أَمَرْتُكُمْ بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ»، وَوَقَفَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ، وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ السرية وظنوا أن قَدْ هَلَكُوا وَسُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَتَلْنَا ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ ثُمَّ أَمْسَيْنَا فَنَظَرْنَا إِلَى هِلَالِ رَجَبٍ فَلَا نَدْرِي أَفِي رَجَبٍ أَصَبْنَاهُ أَمْ فِي جُمَادَى، وَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيرَ فَعَزَلَ مِنْهَا الْخُمْسَ فَكَانَ أَوَّلَ خُمْسٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَقَسَّمَ الْبَاقِيَ بَيْنَ أصحاب السرية فكان أَوَّلَ غَنِيمَةٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَبَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسِيرَيْهِمْ، فقال: بل نقفهما [٨] حتى يقدم سعد وعتبة [٩] وَإِنْ لَمْ يَقْدَمَا قَتَلْنَاهُمَا بِهِمَا، فَلَمَّا قَدِمَا فَادَاهُمَا، فَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ وَأَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا، وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا، وَأَمَّا نَوْفَلٌ فَضَرَبَ بَطْنَ فَرَسِهِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ لِيَدْخُلَ الْخَنْدَقَ فَوَقَعَ فِي الْخَنْدَقِ مَعَ فَرَسِهِ فَتَحَطَّمَا جَمِيعًا، فَقَتَلَهُ الله [تعالى] فَطَلَبَ الْمُشْرِكُونَ جِيفَتَهُ بِالثَّمَنِ، فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوهُ فَإِنَّهُ خَبِيثُ الْجِيفَةِ خَبِيثُ الدِّيَةِ»، فَهَذَا سَبَبُ نُزُولِ هذه الآية.
(٢) الأديم: الطعام المأدوم، والجلد، أو أحمره أو مدبوغه- وأدم الخبز: خلطه بالأدم.
(٣) في المطبوع وحده. «أشرفوا». [.....]
(٤) في المطبوع «إن».
(٥) في المطبوع «موافقة».
(٦) زيادة من «أسباب النزول» للواحدي ١٣١ وهو شيخ البغوي، وعنه أخذ البغوي الكثير.
(٧) زيادة من المخطوط و «أسباب النزول» ١٣١.
(٨) في المطبوع «نبقيهما» وفي- ط «نقفهم» والمثبت عن «أسباب النزول» ١٣١ (ص ٧٢).
(٩) تصحف في المطبوع إلى «عقبة».
مُشْرِكِي مَكَّةَ، وَهُوَ فِعْلٌ لَا مَصْدَرَ لَهُ مِثْلُ عَسَى، يُقاتِلُونَكُمْ، يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى يَرُدُّوكُمْ:
يَصْرِفُوكُمْ، عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ، جَزْمٌ بِالنَّسَقِ، وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ: بَطَلَتْ أَعْمالُهُمْ: حَسَنَاتُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ، قَالَ أَصْحَابُ السَّرِيَّةِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نُؤْجَرُ عَلَى وَجْهِنَا هَذَا وَهَلْ نَطْمَعُ أَنْ يَكُونَ سَفَرُنَا هَذَا غَزْوًا؟
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا، فَارَقُوا عَشَائِرَهُمْ وَمَنَازِلَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَجاهَدُوا، الْمُشْرِكِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، [في] [١] طاعة الله فَجَعَلَهَا جِهَادًا، أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ، أَخْبَرَ أَنَّهُمْ عَلَى رَجَاءِ الرحمة، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢١٩]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢١٩)
قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، الآية ع «٢٢١» نَزَلَتْ فِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ومعاذ بن جبل وَنَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فَإِنَّهُمَا مَذْهَبَةٌ لِلْعَقْلِ مَسْلَبَةٌ لِلْمَالِ، فَأَنْزَلَ الله هذه الآية.
ع «٢٢٢» وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ عَلَى مَا قَالَ [٢] الْمُفَسِّرُونَ: أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعَ آيات نزلت
٢٢٢- ع هو منتزع من عدة أحاديث.
الأول: أخرجه الطبري ٤١٤٩ عن الشعبي قال: نزلت في الخمر أربع آيات: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ فتركوها، ثم نزلت: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً [النحل: ٦٧- فشربوها ثم نزلت الآيتان في المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ إِلَى قَوْلِهِ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «قاله».
٩١]، وَذَلِكَ بَعْدَ غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ بِأَيَّامٍ، فَقَالَ عُمْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: انْتَهَيْنَا يَا رَبِّ.
قَالَ أَنَسٌ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ لِلْعَرَبِ عَيْشٌ أَعْجَبَ مِنْهَا، وَمَا حرم عليهم شيء أَشَدَّ مِنَ الْخَمْرِ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لمّا نزلت الآية التي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ فخرجنا بالحباب [٢] إلى الطريق فمنّا من كسر حبّه، وَمِنَّا مَنْ غَسَلَهُ بِالْمَاءِ وَالطِّينِ، وَلَقَدْ غُودِرَتْ أَزِقَّةُ الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذلك حينا، كلما [٣] مُطِرَتِ اسْتَبَانَ فِيهَا لَوْنُ الْخَمْرِ وفاحت منها ريحها.
وعن أنس رضي الله عنه: سمّيت الخمر خَمْرًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدَعُونَهَا فِي الدِّنَانِ [٤] حَتَّى تَخْتَمِرَ وَتَتَغَيَّرَ، وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ: لِأَنَّهَا تُرِكَتْ حَتَّى صفا صفوها [٥] ورسب كدرها.
٢٢»
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف
وورد من وجوه أخر يأتي في سورة [النساء: ٤٣- و [المائدة: ٩٠-.
٢٢٣- إسناده على شرطهما، ابن عليّة، هو إسماعيل بن إبراهيم، وهو في صحيح البخاري ٤٦١٧ عن يعقوب بن إبراهيم بهذا الإسناد.
(١) كذا في نسخ المطبوع، وفي المخطوط «يقدم».
(٢) الحب: الخابية- فارسي معرب. [.....]
(٣) في نسخ المطبوع «فلما».
(٤) في المطبوع «الدندان».
(٥) في المطبوع وحده «لونها».
قَالَ لِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ:
مَا كَانَ لَنَا خمر غير [هذا الذي تسمونه الفضيخ] [٢]، وَإِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَفُلَانًا وَفُلَانًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فقال: [وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال:] [٣] حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، فَقَالُوا: أَهْرِقْ هَذِهِ الْقِلَالَ يَا أَنَسُ، قَالَ: فَمَا سَأَلُوا [٤] عَنْهَا وَلَا رَاجَعُوهَا بَعْدَ خبر الرجل.
واختلف العلماء فِي مَاهِيَّةِ الْخَمْرِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ عَصِيرُ الْعِنَبِ أَوِ الرُّطَبِ الَّذِي اشْتَدَّ وَغَلًا مِنْ غَيْرِ عَمَلِ النَّارِ فِيهِ، وَاتَّفَقَتِ الْأَئِمَّةُ على أن هذه الخمر نجس يحدّ شاربها وَيَفْسُقُ، وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا، وَذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَتَعَدَّى هَذَا، وَلَا يَحْرُمُ مَا يُتَّخَذُ مِنْ غيرها كَالْمُتَّخَذِ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ والعسل والفانيذ، إِلَّا أَنْ يُسْكَرَ مِنْهُ فَيَحْرُمُ، وَقَالُوا: إِذَا طُبِخَ عَصِيرُ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ حَتَّى ذَهَبَ نِصْفُهُ فَهُوَ حلال، لكنه يُكْرَهُ، وَإِنْ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ قَالُوا: هُوَ حَلَالٌ مُبَاحٌ شُرْبُهُ، إِلَّا أَنَّ السُّكْرَ مِنْهُ حرام، ويحتجّون بما رُوِيَ عَنْ [٥] عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ [أنه] [٦] كتب إلى بعض عماله [و] أَنِ ارْزُقِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الطِّلَاءِ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، وَرَأَى أَبُو عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٌ شُرْبَ الطِّلَاءِ عَلَى الثُّلُثِ، وَقَالَ قَوْمٌ: إِذَا طُبِخَ الْعَصِيرُ أَدْنَى طَبْخٍ صَارَ حَلَالًا وَهُوَ قَوْلُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ كُلَّ شَرَابٍ أسكر كثيره فهو خمر وقليله حَرَامٌ يُحَدُّ شَارِبُهُ، وَاحْتَجُّوا بِمَا:
«٢٢٤» أخبرنا أبو الحسن السرخسي [حدثنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ] [٧] أَخْبَرَنَا أَبُو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو
- وأخرجه البخاري (٥٥٨٠ و٥٥٨٣ و٥٥٨٤) ومسلم (١٩٨٠) وأبو داود ١٦٧٣ والنسائي (٨/ ٢٨٧) والحميدي ١٢١٠ وأحمد (٣/ ٢١٧ و٢٢٧) وعبد الرزاق ١٦٩٧٠ والطحاوي في «المعاني» (٤/ ٢١٤). وأبو يعلى (٣٠٠٨) والبيهقي (٨/ ٢٨٦) و٢٩٠ من طرق من حديث أنس.
(١) وقع في الأصل «سهيب» والتصويب من كتب التراجم وكتب التخريج.
(٢) ما بين المعقوفتين زيادة عن صحيح البخاري ومسلم.
- والفضيخ: شراب يتخذ من البسر.
(٣) ما بين المعقوفتين زيادة عن صحيح البخاري ومسلم.
(٤) وقع في الأصل «سألوها» والتصويب عن صحيح البخاري.
(٥) في المطبوع «أن».
(٦) سقط من المطبوع.
(٧) سقط من المطبوع.
٢٢٤- إسناده صحيح رجاله رجال البخاري ومسلم، ابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هو ابن عوف.
وهو في «شرح السنة» ٢٩٠٢ بهذا الإسناد.
وفي «الموطأ» (٢/ ٨٤٥) عن ابن شهاب بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٥٥٨٥ ومسلم (٢٠٠١) ح ٦٧ وأبو داود ٣٦٨٢ والترمذي ١٨٦٣ والنسائي (٨/ ٢٩٨) وأحمد (٦/ ١٩٠) والدارمي (٢/ ١١٣) وابن حبان ٥٣٤٥ والدارقطني (٤/ ٢٥١) والطحاوي (٤/ ٢١٦) والبيهقي (٨/ ٢٩١).
- وأخرجه البخاري (٢٤٢ و٥٥٨٦) ومسلم (٢٠٠١) ح ٦٩ وأبو داود ٣٦٨٢ والنسائي (٨/ ٢٩٧) وابن ماجه ٣٣٨٦ والطيالسي ١٤٧٨ وعبد الرزاق ١٧٠٠٢ والشافعي (٢/ ٩٢) وأحمد (٦/ ٣٦ و٩٦ و٢٢٥) وابن أبي شيبة (٨/ ١٠٠-
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِتْعِ [١]، فَقَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ».
«٢٢٥» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ [٢] مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ بَكْرِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ».
«٢٢٦» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ القاهر [٣] الجرجاني أبا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ [٤]، أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ [خمر وكل خمر] [٥] حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدنيا فمات وهو يدمنها [و] لم يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ».
«٢٢٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف أنا
٢٢٥- حديث صحيح. إسناده حسن لأجل داود بن أبي الفرات، ولم ينفرد به، وباقي الإسناد رجاله ثقات.
وهو في «شرح السنة» ٢٩٠٤ بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود ٣٦٨١ والترمذي ١٨٦٥ وابن ماجه ٣٣٩٣ وأحمد (٣/ ٣٤٣) وابن الجارود ٨٦٠ والطحاوي (٤/ ٢١٧) والبيهقي (٨/ ٢٩٦) من طرق عن داود بن بكر بهذا الإسناد وتابعه موسى بن عقبة عند ابن حبان ٥٣٨٢، ورجاله ثقات إلى موسى، وموسى من رجال الشيخين، وللحديث شواهد. [.....]
(١) البتع: نبيذ العسل، وكان أهل اليمن يشربونه.
(٢) زيد في الأصل «بن» بين «عبد الله» و «محمد» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٣) وقع في الأصل «عبد القادر» والتصويب عن «شرح السنة» وبعض النسخ.
(٤) زيد في الأصل «أبي» بين «بن» و «سفيان» والتصويب من «ط» و «شرح السنة».
(٥) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
٢٢٦- إسناده على شرطهما، مسلم هو صاحب الصحيح، ومن دونه توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، أبو الربيع هو سليمان بن داود العتكي الزّهراني. أيوب هو ابن أبي تميمة السختياني.
وهو في «شرح السنة» ٢٩٠٧ بهذا الإسناد وصدره «كل مسكر حرام | » وعند مسلم ٢٠٠٣ بهذا الإسناد. |
٢٢٧- إسناده صحيح على شرطهما، أبو رجاء اسمه عبد الله بن يونس، يحيى هو ابن سعيد بن فروخ القطان، وأبو حيان هو يحيى بن سعيد بن حيان التيمي، الشعبي هو عامر بن شراحيل.
وهو في «شرح السنة» ٢٩٠٥ بهذا الإسناد.
وهو عند البخاري ٥٥٨٨ عن أحمد بن أبي رجاء بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٥٥٨١ و٥٥٨٩ و٧٣٣٧) ومسلم ٣٠٣٢ وأبو داود ٣٦٦٩ والترمذي ١٨٧٤ والنسائي (٨/ ٢٩٥) وعبد الرزاق ١٧٠٤٩ وابن أبي شيبة (٨/ ١٠٦) وأحمد في «الأشربة» ١٨٥ وابن الجارود ٨٥٢ والطحاوي (٤/ ٢١٣
خَطَبَ عُمَرُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وهي من خمسة أشياء: الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ، والخمر: ما خامر العقل.
ع «٢٢٨» وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ الْعِنَبِ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ التَّمْرِ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ الْعَسَلِ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ الْبُرِّ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ الشَّعِيرِ خَمْرًا».
فَثَبَتَ أَنَّ الْخَمْرَ لَا يَخْتَصُّ بِمَا يُتَّخَذُ مِنَ الْعِنَبِ أَوِ الرُّطَبِ.
«٢٢٩» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ:
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ من فلان ريح خمر أو شَرَابٍ، وَزَعَمَ أَنَّهُ شَرِبَ الطِّلَاءَ [١]، وَأَنَا سَائِلٌ عَمَّا شَرِبَ! فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ، فَجَلَدَهُ عُمْرُ الْحَدَّ تَامًّا.
وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٍ فِي الطِّلَاءِ فَهُوَ فِيمَا طُبِخَ حَتَّى خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُسْكِرًا، سئل ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْبَاذِقِ، فَقَالَ: سَبَقَ مُحَمَّدٌ الْبَاذَقَ، فَمَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمَيْسِرِ، يَعْنِي: الْقِمَارَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُخَاطِرُ الرَّجُلَ عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَأَيُّهُمَا قَمَرَ صَاحِبَهُ ذَهَبَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ [٢]. وَالْمَيْسِرُ: مَفْعِلٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: يَسَرَ لِي الشَّيْءُ إِذَا وَجَبَ يَيْسِرُ يَسْرًا وَمَيْسِرًا، ثُمَّ قِيلَ لِلْقِمَارِ: مَيْسِرٌ، وَلِلْمُقَامِرِ: يَاسِرٌ وَيَسِرٌ، وَكَانَ أَصْلُ الْمَيْسِرِ فِي الْجَزُورِ، وَذَلِكَ
٢٢٨- ع صحيح. أخرجه أبو داود ٣٦٧٦ والترمذي ١٨٧٢ وابن ماجه ٣٣٧٩ وابن أبي شيبة (٨/ ١١٣) وأحمد (٤/ ٢٦٧) و (٢٧٣) وفي «الأشربة» ٧٢ والطحاوي (٤/ ٢١٣) والحاكم (٤/ ١٤٨) والدارقطني (٤/ ٢٥٣) والبيهقي (٨/ ٢٨٩) من طرق عن عامر الشعبي به. وهو حديث صحيح لمجيئه عن الشعبي من طرق، والشعبي ثقة ثبت روى له الشيخان، واسمه عامر بن شراحيل.
- وأخرجه أبو داود ٣٦٧٧ وابن حبان ٥٣٩٨ والدارقطني (٤/ ٢٥٢- ٢٥٣) والبيهقي (٨/ ٢٨٩) من حديث النعمان بنحوه.
(١) الطلاء: الخمر- وهو الشراب المطبوخ من عصير العنب حتى يغلظ.
٢٢٩- إسناده صحيح على شرطهما، أبو إسحق فمن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، ابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، السائب بن يزيد صحابي صغير.
وأخرجه مالك (٢/ ٨٤٢) من طريق ابن شهاب بهذا الإسناد. وصحح إسناده ابن حجر في «الفتح» (١٠/ ٦٥). وعلقه البخاري في «صحيحه» كتاب الأشربة (٧٤) باب (١٠) فقال: «وقال عمر: وجدت من عبيد الله ريح شراب، وأنا سائل عنه فإن كان يسكر جلدته».
- وذكره المصنف في «شرح السنة» (٦/ ١١٦) عن السائب بن يزيد بدون إسناد.
(٢) موقوف صحيح. أخرجه البخاري ٥٥٩٨ عن ابن عباس به.
وقال الحافظ في «الفتح» (١٠/ ٦٥- ٦٦) : قال المهلب: أي سبق محمد بتحريم الخمر تسميتهم لها الباذق، قال ابن بطال:
يعني بقوله «كل مسكر حرام» والباذق شراب العسل، ويحتمل أن يكون المعنى سبق حكم محمد بتحريم الخمر تسميتهم لها بغير اسمها، وليس تغيير للاسم بمحلل له إذا كان يسكر. قال: وكأن ابن عباس فهم من السائل أنه يرى أن الباذق حلال، فحسم مادته، وقطع رجاءه وباعد منه أصله، وأخبره أن المسكر حرام ولا عبر بالتسمية.
قال ابن التين: يعني أن الباذق لم يكن في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اهـ.
وَيَذُمُّونَ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَيُسَمُّونَهُ الْبَرَمَ، وَهُوَ أَصْلُ الْقِمَارِ الَّذِي كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْعَرَبُ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أنواع القمار كلّها، قال طاوس وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ: كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ قِمَارٌ فَهُوَ مِنَ الْمَيْسِرِ، حَتَّى لَعِبِ الصِّبْيَانِ بِالْجَوْزِ وَالْكِعَابِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي النَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ أَنَّهُمَا مِنَ الميسر، قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ:
وِزْرٌ عَظِيمٌ مِنَ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَقَوْلِ الْفُحْشِ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ إِثْمٌ كَبِيرٌ، بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْبَاءِ، فَالْإِثْمُ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) ؟ [الْمَائِدَةِ: ٩١]، وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ، فَمَنْفَعَةُ الْخَمْرِ اللَّذَّةُ عِنْدَ شُرْبِهَا وَالْفَرَحُ وَاسْتِمْرَاءُ الطَّعَامِ، وَمَا يُصِيبُونَ مِنَ الرِّبْحِ بِالتِّجَارَةِ فِيهَا، وَمَنْفَعَةُ الْمَيْسِرِ إِصَابَةُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ كَدٍّ وَلَا تَعَبٍ، وَارْتِفَاقُ الْفُقَرَاءِ بِهِ، وَالْإِثْمُ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا ذَهَبَ مَالُهُ مِنْ [٣] غَيْرِ عِوَضٍ سَاءَهُ ذَلِكَ فَعَادَى صَاحِبَهُ فَقَصَدَهُ بِالسُّوءِ، وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما، قَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ: إِثْمُهُمَا بَعْدَ التَّحْرِيمِ أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ، [وَقِيلَ: إِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا قَبْلَ التحريم] [٤]، هو ما يحصل به مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ؟ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَثَّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالُوا: مَاذَا نُنْفِقُ؟ فَقَالَ: قُلِ الْعَفْوَ، قَرَأَ أبو عمرو [والحسن وقتادة وابن أبي إسحاق الْعَفْوَ] [٥] بِالرَّفْعِ، مَعْنَاهُ: الَّذِي يُنْفِقُونَ هُوَ الْعَفْوُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى، قُلْ: أَنْفِقُوا الْعَفْوَ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْعَفْوِ، فَقَالَ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ: هُوَ مَا فَضَلَ عَنِ الْحَاجَةِ، وَكَانَتِ الصَّحَابَةُ يَكْتَسِبُونَ الْمَالَ وَيُمْسِكُونَ قَدْرَ النَّفَقَةِ وَيَتَصَدَّقُونَ بِالْفَضْلِ بِحُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ الزَّكَاةِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ التَّصَدُّقُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى حَتَّى لَا يَبْقَى كَلًّا عَلَى النَّاسِ.
«٢٣٠» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ محمد بن محمش
وهو في «شرح السنة» ١٦٦٨ بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٥٣٥٥ وأحمد (٢/ ٤٧٦ و٥٢٤) والبيهقي (٧/ ٤٦٦ و٤٧١) من طرق عن الأعمش بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ١٤٢٦ و٥٣٥٦ والنسائي (٥/ ٦٩) وأحمد (٢/ ٢٧٨ و٤٠٢) وابن حبان (٣٣٦٣ و٤٢٤٢) والبيهقي (٤/ ١٨٠ و٤٧٠) من طرق من حديث أبي هريرة.
(١) كذا في المطبوع، وفي- ط «الرّبابة» وفي المخطوط «الريانة». [.....]
(٢) في المطبوع «بذاك».
(٣) في المطبوع «عن».
(٤) زيادة عن المخطوط، ونسخة- ط.
(٥) سقط من المخطوط وط.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: الْوَسَطُ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا إِقْتَارٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا [الفرقان: ٦٧]، وقال طاوس: مَا يَسُرَ، وَالْعَفْوُ الْيُسْرُ [١] مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: خُذِ الْعَفْوَ [الْأَعْرَافِ: ١٩٩]، أَيِ: الْمَيْسُورَ [٢] مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ.
«٢٣١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ [بْنُ] [٣] أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ [٤] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ»، قَالَ:
عِنْدِي آخَرُ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ»، قَالَ: عِنْدِي آخر، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ»، قَالَ: عِنْدِي آخر، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ»، قَالَ: عِنْدِي آخر، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ أَعْلَمُ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّمَا قَالَ كَذَلِكَ عَلَى الْوَاحِدِ وَهُوَ يُخَاطِبُ جَمَاعَةً، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مَعْنَاهَا الْقَبِيلُ، كَأَنَّهُ قَالَ: كَذَلِكَ أَيُّهَا الْقَبِيلُ، وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ خِطَابَهُ [٥] يَشْتَمِلُ عَلَى خِطَابِ الْأُمَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ [الطَّلَاقِ: ١]، قَوْلُهُ تَعَالَى: لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٠]
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٠)
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، قِيلَ: مَعْنَاهُ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ فِي أَمْرِ النَّفَقَةِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدنيا والآخرة [٦]، فتحسبون مِنْ أَمْوَالِكُمْ مَا يُصْلِحُكُمْ فِي مَعَاشِ الدُّنْيَا، وَتُنْفِقُونَ الْبَاقِيَ فِيمَا يَنْفَعُكُمْ فِي الْعُقْبَى، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ مَعْنَاهَا: هَكَذَا يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا والآخرة لعلكم تتفكرون
هو في «شرح السنة» ١٦٧٩ بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود ١٦٩١ والشافعي (٢/ ٦٣- ٦٤) وابن حبان ٤٢٣٣ والحاكم (١/ ٤١٥) والبيهقي (٧/ ٤٦٦) من طرق عن سفيان بهذا الإسناد. وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه النسائي (٥/ ٦٢) وأحمد (٢/ ٢٥١ و٤٧١) وابن حبان ٣٣٣٧ والطبري ٤١٧٠ والبغوي ١٦٨٠ من طرق عن ابن عجلان به.
(١) في المخطوط «اليسير».
(٢) في المخطوط «اليسر».
(٣) زيادة عن «شرح السنة»، وكتب التراجم.
(٤) وقع في الأصل «سعد» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٥) في المطبوع وحده «فإنه خطابه».
(٦) تكرر في المطبوع هاهنا جملة ذكرت في أول تفسير «في الدنيا والآخرة».
[الْأَنْعَامِ: ١٥٢]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً [النساء: ١٠] الآية، تَحَرَّجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ [١] أَمْوَالِ الْيَتَامَى تَحَرُّجًا شَدِيدًا حَتَّى عَزَلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى عَنْ أَمْوَالِهِمْ، حَتَّى كَانَ يُصْنَعُ لِلْيَتِيمِ طَعَامٌ [فَيَفْضَلُ] [٢] مِنْهُ شَيْءٌ فَيَتْرُكُونَهُ وَلَا يَأْكُلُونَهُ حَتَّى يَفْسُدَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَسَأَلُوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ، أَيِ: الْإِصْلَاحُ لِأَمْوَالِهِمْ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ وَلَا أَخْذِ عَوِضٍ خَيْرٌ وَأَعْظَمُ أَجْرًا [لِمَا لَكُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ، وَخَيْرٌ لَهُمْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَوَفُّرِ أَمْوَالِهِمْ عَلَيْهِمْ] [٣]، قَالَ مُجَاهِدٌ: يُوَسِّعُ عليه مِنْ طَعَامِ نَفْسِهِ وَلَا يُوَسِّعُ مِنْ طَعَامِ الْيَتِيمِ. وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ، هذه إباحة المخالطة، أي: إن تُشَارِكُوهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَتَخْلِطُوهَا بِأَمْوَالِكُمْ فِي [٤] نَفَقَاتِكُمْ وَمَسَاكِنِكُمْ [٥] وَخَدَمِكُمْ وَدَوَابِّكُمْ، فَتُصِيبُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ عِوَضًا عَنْ [٦] قيامكم بأمورهم أو تكافئوهم عَلَى مَا تُصِيبُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَإِخْوانُكُمْ، أَيْ: فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَالْإِخْوَانُ يُعِينُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُصِيبُ بَعْضُهُمْ من مال [٧] بَعْضٍ عَلَى وَجْهِ الْإِصْلَاحِ [٨] وَالرِّضَا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ: لِأَمْوَالِهِمْ مِنَ الْمُصْلِحِ: لَهَا، يَعْنِي: الَّذِي يَقْصِدُ بِالْمُخَالَطَةِ الْخِيَانَةَ وَإِفْسَادَ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنَ الَّذِي يَقْصِدُ الْإِصْلَاحَ، وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ، أَيْ: لَضَيَّقَ عَلَيْكُمْ وَمَا أَبَاحَ لَكُمْ مُخَالَطَتَهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَ مَا أَصَبْتُمْ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى مَوْبِقًا لَكُمْ، وَأَصْلُ الْعَنَتِ: الشِّدَّةُ وَالْمَشَقَّةُ، وَمَعْنَاهُ: كَلَّفَكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَا يَشُقُّ عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ، [أي: عزيز في سلطانه وقدرته على الإعنات، وقيل] [٩] :
العزيز الَّذِي يَأْمُرُ بِعِزَّةٍ، سَهَّلَ عَلَى الْعِبَادِ أَوْ شَقَّ عَلَيْهِمْ، حَكِيمٌ فِيمَا صَنَعَ مِنْ تَدْبِيرِهِ وَتَرْكِ الإعنات.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢١]
وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٢١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ، سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ:
ع «٢٣٢» أن أبا مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ- وقال مقاتل: هو أبو مرثد الغنوي، وقال عطاء: أبو مرثد كناز بن الحصين، وكان شجاعا- بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ لِيُخْرِجَ مِنْهَا نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ سِرًّا، فَلَمَّا قَدِمَهَا سَمِعَتْ بِهِ امْرَأَةٌ مُشْرِكَةٌ يُقَالُ لَهَا عِنَاقُ، وَكَانَتْ خَلِيلَتَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَتَتْهُ وَقَالَتْ: يَا أَبَا مَرْثَدٍ أَلَا تَخْلُو، فقال
- وأخرجه الواحدي ١٣٥ وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في «الدر» (١/ ٤٥٨ عن مقاتل بن حيان مختصرا.
(١) المخطوط «عن».
(٢) زيادة من المخطوط وط. [.....]
(٣) سقط من المخطوط.
(٤) في المخطوط «و» بدل «في».
(٥) في المخطوط «ومساكنتكم».
(٦) في المخطوط وط «من».
(٧) في نسخ المطبوع «أموال».
(٨) في المخطوط «الصلاح».
(٩) سقط من المخطوط ونسخة- ط.
وَقِيلَ: الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ فِي حق الكتابيات لقوله تَعَالَى: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة: ٥]، [وبخبر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وبإجماع الأمة.
ع «٢٣٣» روى الحسن عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا» ] [٢].
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَطْلَقْتُمُ اسْمَ الشرك على من لم يُنْكِرُ إِلَّا نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ فَارِسٍ:
لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ الْقُرْآنُ كَلَامُ غَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَرَادَ بِالْمُشْرِكَاتِ الْوَثَنِيَّاتِ، فَإِنَّ عُثْمَانَ تَزَوَّجَ نَائِلَةَ بِنْتَ فُرَافِصَةَ [٣] وَكَانَتْ نَصْرَانِيَّةً فَأَسْلَمَتْ تَحْتَهُ، وَتَزَوَّجَ طَلْحَةُ بن عبيد اللَّهِ نَصْرَانِيَّةً، وَتَزَوَّجَ حُذَيْفَةُ يَهُودِيَّةً. [فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خَلِّ سَبِيلَهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
أَتَزْعُمُ أَنَّهَا حَرَامٌ؟ فَقَالَ: لَا أَزْعُمُ أَنَّهَا حَرَامٌ وَلَكِنِّي أَخَافُ أن تتعاطوا المومسات [٤] منهن] [٥]، وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ: بِجِمَالِهَا وَمَالِهَا، نَزَلَتْ فِي خَنْسَاءَ وَلِيدَةٍ سَوْدَاءَ كَانَتْ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قَالَ حُذَيْفَةُ: يَا خَنْسَاءُ قَدْ ذُكِرْتِ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى عَلَى سَوَادِكِ وَدَمَامَتِكِ فأعتقها وتزوّجها.
ع «٢٣٤» [و] قال السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ سَوْدَاءَ فَغَضِبَ عَلَيْهَا وَلَطَمَهَا، ثُمَّ فَزِعَ [٦] فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم فأخبره بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا هِيَ يَا عبد الله» ؟ فقال: هِيَ تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَتُصَلِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: «هَذِهِ مُؤْمِنَةٌ»، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَأُعْتِقَنَّهَا ولأتزوجنّها، ففعل فَطَعَنَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالُوا: أَتَنْكِحُ أَمَةً؟
وَعَرَضُوا عَلَيْهِ حُرَّةً مُشْرِكَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هذه الآية: وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا، هَذَا إِجْمَاعٌ: لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تَنْكِحَ الْمُشْرِكَ، وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ، أَيْ: إِلَى الْأَعْمَالِ الْمُوجِبَةِ للنار، وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ، أَيْ:
بقضائه وقدره وَإِرَادَتِهِ، وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ، أَيْ: أَوَامِرَهُ وَنَوَاهِيهِ، لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، يَتَّعِظُونَ.
٢٣٤- ع هذا مرسل، وإسناد المصنف إلى السدي تقدم في أول الكتاب.
وأخرجه الطبري ٤٢٢٨ عن السدي به، وهو ضعيف لإرساله، وورد موصولا عن ابن عباس. وأخرجه الواحدي في «أسباب النزول» ١٣٦ وفيه أبو مالك، واسمه غزوان، وهو ثقة، وعنه السدي، وهو صدوق يهم، وضعّفه بعضهم.
وفيه أسباط بن نصر، وهو صدوق إلا أنه كثير الخطأ.
(١) في المطبوع وحده «استعانت».
(٢) ما بين المعقوفتين ليس في المخطوط وط.
(٣) تحرّف في المطبوع إلى «فراقصة».
(٤) تصحف في المطبوع إلى «المؤمنات».
(٥) سقط من المخطوط. [.....]
(٦) في النسخ «خرج» وفي المخطوط «فرغ» والمثبت عن «أسباب النزول» ١٣٦ والطبري ٤٢٢٨.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٢]
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢)قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ، «٢٣٥» أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَاشَانِيُّ أَنَا أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن عمر اللُّؤْلُؤِيُّ [١] أَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ، أَنَا مُوسَى بن إسماعيل أنا حماد هو ابن سَلَمَةَ أَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ [٢] إِذَا حَاضَتْ مِنْهُمُ الْمَرْأَةُ أَخْرَجُوهَا مِنَ الْبَيْتِ، وَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُشَارِبُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبَيْتِ، فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ الْآيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ وَاصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ»، فقالت اليهود: وما يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلَ أَنْ يَدَعَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِنَا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ، فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بشير إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، أَفَلَا نَنْكِحُهُنَّ فِي الْمَحِيضِ فَتَمَعَّرَ [٣] وَجْهُ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا فَخَرَجَا فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [٤]، فَبَعَثَ في آثارهما فسقاهما فعرفنا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا.
قَوْلُهُ تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ، أَيْ: عَنِ الْحَيْضِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ حَيْضًا وَمَحِيضًا، كَالسَّيْرِ وَالْمَسِيرِ، وَأَصْلُ الْحَيْضِ الِانْفِجَارُ وَالسَّيَلَانُ، وَقَوْلُهُ: قُلْ هُوَ أَذىً، أَيْ: قَذَرٌ، وَالْأَذَى كُلُّ مَا يُكْرَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ، أراد بالاعتزال ترك الوطء [لهن]، وَلا تَقْرَبُوهُنَّ، أَيْ: لَا تُجَامِعُوهُنَّ، أما الملامسة والمضاجعة معها فجائز.
«٢٣٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف أنا
- وهو في «شرح السنة» بإثر ٣١٥ بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود (٢٥٨ و٢١٦٥) عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٣٠٢ والترمذي ٢٩٧٧ والنسائي (١/ ١٥٢ و١٨٧) وابن ماجه ٦٤٤ والطيالسي ٢٠٥٢ وأحمد (٣/ ٣١ و٢٤٦) والدارمي (١/ ٢٤٥) وأبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٣١١) وابن حبان ١٣٦٢ والبيهقي (١/ ٣١٣) من طرق عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد.
٢٣٦- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، قبيصة هو ابن عقبة السّوائي الكوفي، وسفيان هو ابن سعيد الثوري، ومنصور هو ابن المعتمر، وإبراهيم هو ابن يزيد بن قيس أبو عمران النخعي، والأسود هو ابن يزيد النخعي، وهذا إسناد كوفي جليل.
هو في «شرح السنة» ٣١٨ بهذا الإسناد.
وهو عند البخاري (٢٩٩- ٣٠١) عن قبيصة بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٩٣ وأبو داود ٢٦٨ والترمذي ١٣٢ والنسائي (١/ ١٨٩) وابن ماجه ٦٣٦ وعبد الرزاق ١٢٣٧
(١) وقع في الأصل «اللولوي».
(٢) في المطبوع وحده «كانوا».
(٣) في المطبوع «فتغير».
(٤) سقط من المخطوط.
كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، كلانا جنب، وكان يأمرني فأتّزر [١] فَيُبَاشِرَنِي وَأَنَا حَائِضٌ، وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إِلَيَّ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ.
«٢٣٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، أَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أبي سلمة حدثته: أن أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: حِضْتُ وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمِيلَةِ [٢] فَانْسَلَلْتُ فخرجت منها [٣] فأخذت ثياب حيضتي فَلَبِسْتُهَا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَفِسْتِ» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَدَعَانِي فَأَدْخَلَنِي مَعَهُ الخميلة.
«٢٣٨» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ [٤] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ [٥] أَنَا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ أنا [أبو] [٦]
- وأخرجه البخاري ٣٠٢ ومسلم ٢٩٣ والنسائي (١/ ١٥١ و١٨٩) وابن ماجه ٦٣٥ وابن أبي شيبة (٤/ ٢٥٤) وأحمد (٦/ ١٧٠ و١٧٤ و٢٠٦) والدارمي (١/ ٤٢٢) والحاكم (١/ ١٧٢) والبيهقي (١/ ٣١٠) من طرق من حديث عائشة بعضهم اقتصر على ذكر المباشرة وبعضهم اقتصر على ذكر الاغتسال.
٢٣٧- إسناده صحيح على شرط البخاري، شيبان هو ابن عبد الرحمن التميمي النحوي، ويحيى هو ابن أبي كثير الطائي، واسم أبيه: صالح بن المتوكل، وقيل: يسار، وقيل: نشيط، وقيل: دينار وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
هو في «شرح السنة» ٣١٧٠ بهذا الإسناد.
- وهو عند البخاري ٣٢٢ عن سعد بن حفص بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٩٨ و٣٢٣ و١٩٢٩ ومسلم ٢٩٦ والنسائي (١/ ١٤٩- ١٨٨) وأحمد (٦/ ٣٠٠) والدارمي (١/ ٢٤٣) وأبو عوانة (١/ ٣١٠) وابن حبان ١٣٦٣ والبيهقي (١/ ٣١١) والبغوي في «شرح السنة» ٣١٦ من طرق عن أبي سلمة بهذا الإسناد.
- وأخرجه عبد الرزاق ١٢٣٥ وأحمد (٦/ ٢٩٤) والدارمي (١/ ٢٤٣) وابن ماجه ٦٣٧ عن أبي سلمة عن أم سلمة به.
٢٣٨- إسناده صحيح، صدقة هو ابن الفضل المروزي روى له البخاري، وكيع هو ابن الجراح، ومسعر هو ابن كدام، وسفيان هو ابن سعيد الثوري، وشريح هو ابن هانئ.
- هو في «شرح السنة» ٣٢٢ بهذا الإسناد، وتصحف فيه «المقدام» وإلى «المقداد».
- وأخرجه مسلم ٣٠٠ والنسائي (١/ ١٤٩) وأحمد (٦/ ١٩٢ و٢١٠) وابن خزيمة ١١٠ وابن حبان ١٢٩٣ من طرق عن وكيع بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو عوانة (١/ ٣١١) وابن خزيمة ١١٠ وابن حبان ١٣٦٠ من طرق عن مسعر بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود ٢٥٩ والنسائي (١/ ١٩٠) وابن ماجه ٦٤٣ وعبد الرزاق (٣٨٨ و١٢٥٣) والطيالسي ١٥١٤ وأحمد (٦/ ٦٢ و٢١٤) والدارمي (١/ ٢٤٦) من طرق عن المقدام به.
(١) في المطبوع «أن أتزر».
(٢) الخميلة: ثوب من صوف له خمل.
(٣) في المطبوع «منه».
(٤) زيد في الأصل «بن» بين «القاسم» و «عبد الله» والتصويب من «ط» و «شرح السنة». [.....]
(٥) وقع في الأصل «الحنفي» والتصويب من «ط» و «شرح السنة».
(٦) ما بين المعقوفتين زيادة من «ط» و «شرح السنة».
فَوَطْءُ الْحَائِضِ حَرَامٌ وَمَنْ فَعَلَهُ يَعْصِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُعَزِّرُهُ [٤] الْإِمَامُ إِنْ عَلِمَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ، مِنْهُمْ قَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، لِمَا:
«٢٣٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ أَنَا
(٢) وقع في الأصل «حكيم» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب» (٤/ ١٩٨).
(٣) العرق: العظم الذي أخذ منه معظم اللحم، وبقي منه قليل يقال: عرقت العظم واعترقته وتعرقته: إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك.
(٤) وقع في الأصل «يعززه» وهو تصحيف.
٢٣٩- غير قوي. إسناده ضعيف لضعف عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ، وفيه أيضا أبو جعفر الرازي واسمه عيسى بن أبي عيسى، وأبو عيسى اسمه ماهان. قال ابن معين: ثقة، وقال أحمد والنسائي: ليس بالقوي وقال الفلاس: سيّئ الحفظ، وكلاهما قد توبع، لكن من تابعهما لا يحتج به.
- وهو عند المصنف في «شرح السنة» ٣١٦ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الدارمي (١/ ٢٥٥) وأبو يعلى ٣٤٣٢ والدارقطني (٣/ ٢٨٧) والبيهقي (١/ ٣١٧) من طرق عن أبي جعفر الرازي به.
- وأخرجه أحمد (١/ ٣٦٧) والبيهقي (١/ ٣١٦) والدارقطني (٣/ ٣٨٧) وابن ماجه ٦٥٠ من طرق عن عبد الكريم به.
- وأخرجه أبو داود (٢٦٤ و٢١٦٨) والنسائي (١/ ١٥٣) وابن ماجه ٦٤٠ والدارمي (١/ ٢٥٤) والحاكم (١/ ١٧١- ١٧٢) وأحمد (١/ ٢٢٩- ٢٣٠) من طرق عن عبد الحميد عن مقسم به.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه أبو داود ٢٦٦ والترمذي ١٣٦ وأحمد (١/ ٢٧٢) والدارمي (١/ ٢٥٤) والبيهقي (١/ ٣١٦) من طرق عن مقسم به.
- وأخرجه الدارمي (١/ ٢٥٤ و٢٥٥) والبيهقي (١/ ٣١٥) و (٣١٦) عن ابن عباس موقوفا.
قال الحافظ في «التخليص» (١/ ١٦٥) بعد أن ذكر طرقه: وله طرق في السنن غير هذه، لكن شك شعبة في رفعه عن الحكم عن عبد الحميد.
وأما الروايات المتقدمة كلها فمدارها على عبد الكريم بن أبي أمية، وهو مجمع على تركه، إلا أنه توبع في بعضها من جهة خصيف، ومن جهة علي بن بذيمة، وفيهما مقال، وأعلت الطرق كلها بالاضطراب وقد صححه الحاكم وابن القطان وابن دقيق العيد.
وأما تضعيف ابن حزم لمقسم، فقد نوزع فيه، قال فيه أبو حاتم: صالح الحديث، وقال ابن أبي حاتم في «العلل» : سألت أبي عنه فقال: اختلف الرواة فيه فمنهم من يوقفه ومنهم من يسنده وقال الشافعي في «أحكام القرآن» لو كان هذا الحديث ثابتا لأخذنا به. انتهى. والاضطراب في إسناد هذا الحديث ومتنه كثير جدا وقد أمعن ابن القطان القول في تصحيح هذا الحديث، والجواب عن طرف الطعن فيه بما يراجع منه. وأقرّ ابن دقيق العيد تصحيح ابن القطان.
وقوّاه في «الإمام» وهو الصواب. فكم من حديث احتجوا به فيه من الاختلاف أكثر مما في هذا كحديث بئر بضاعة، وحديث القلتين ونحوهما، وفي ذلك ما يرد على النووي في دعواه في «شرح المهذب» و «التنقيح» و «الخلاصة» أن الأئمة كلهم خالفوا الحاكم في تصحيحه وأن الحق أنه ضعيف باتفاقهم، وتبع النوويّ في بعض ذلك ابن الصلاح، والله أعلم اهـ. باختصار.
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ فِي رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ: «إِنْ كَانَ الدَّمُ عَبِيطًا فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ صُفْرَةً فَنِصْفُ دِينَارٍ»، وَيُرْوَى هَذَا موقوفا على ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَوُجُوبَهَا، وَيَمْنَعُ جَوَازَ الصَّوْمِ وَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ، حَتَّى إِذَا طَهُرَتْ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ ولا يجب [عليها] [١] قَضَاءُ الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ النُّفَسَاءُ.
«٢٤٠» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ [بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ أَنَا أَبُو] [٢] مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، أَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدَةَ بن معتّب الضبي أبو عبد الكريم [٣] عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّا نَحِيضُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَطْهُرُ فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصِّيَامِ وَلَا يَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ.
وَلَا يَجُوزُ لِلْحَائِضِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَلَا الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا مَسُّ الْمُصْحَفِ وَلَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَلَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ غِشْيَانُهَا.
«٢٤١» أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُؤِيُّ [٤]، أَنَا أَبُو داود أنا مسدد
٢٤٠- إسناده صحيح، إبراهيم هو ابن يزيد النخعي، والأسود هو ابن يزيد النخعي.
- وهو في «شرح السنة» ٣٢٤ بهذا الإسناد.
- وفي «سنن الترمذي» ٧٨٧ عن علي بن حجر بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم (٣٣٥/ ح ٦٩) وعبد الرزاق ١٢٧٧ وأبو عوانة (١/ ٣٢٤) والبيهقي (١/ ٣٠٨) من طريق معمر عن عاصم الأحول عن معاذة قالت: سألت عائشة....
- وأخرجه البخاري ٣٢١ ومسلم ٣٣٥ وأبو داود ٢٦٢ و٢٦٣ والترمذي ١٣٠ والنسائي (١/ ١٩١) وابن ماجه ٦٣١ وعبد الرزاق ١٢٧٨ وابن أبي شيبة (٢/ ٣٣٩) و (٣٤٠) والطيالسي ١٥٧٠ وأحمد (٦/ ٩٤) و١٢٠ و١٤٣ وأبو عوانة ١/ ١/ ٣٢٤ و٣٢٥ وابن حبان ١٣٤٩ والدارمي ١/ ٢٢٣ و٢٢٤ والبيهقي (١/ ٣٠٨) من طرق عن معاذة عن عائشة به.
(١) زيادة من المخطوط.
(٢) وقع في الأصل «سعيد عن عبيدة بن أبي محمد» والتصويب من «ط» و «ف» و «شرح السنة».
(٣) وقع في الأصل «مسهر بن إسماعيل الضبي، أن معقب الضبي عن عبد الكريم» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» و «سنن الترمذي» وكتب التراجم.
(٤) في الأصل «اللولوي».
٢٤١- يشبه الحسن، إسناده لين لأجل جسرة بن دجاجة، فإنها مقبولة، كما في التقريب، وأفلت بن خليفة، ويقال: فليت.
بدل «أفلت». وهو صدوق، وقد توبع هو ومن دونه.
وهو في سنن أبي داود ٢٣٢ عن مسدد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري في «تاريخه» (٢/ ٧٦) والبيهقي في «السنن» (٢/ ٤٤٢) و (٤٤٣).
- وورد من حديث أم سلمة أخرجه ابن ماجه ٦٤٥ وابن أبي حاتم في «العلل» ٢٦٩ كلاهما عن محدوج الذهلي عن جسرة عن أم سلمة، وإسناده واه فيه محدوج الذهلي لم يوثق، وأبو الخطاب مجهول كما في زوائد البوصيري.
- ومداره على جسرة أيضا. قال الحافظ في «التقريب» جسرة بنت دجاجة مقبولة، ويقال: لها إدراكا. أي صحبة.
- وقال ابن حجر في «تلخيص الحبير» (١/ ١٤٠) ما ملخصه: رواه أبو داود عن جسرة عن عائشة وابن ماجه عن جسرة عن أم سلمة، وقال أبو زرعة: الصحيح عن جسرة عن عائشة. قال ابن حجر: وقد ضعف بعضهم هذا الحديث بأن [.....]
جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: «وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنِ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى يَطْهُرْنَ، قَرَأَ عَاصِمٌ بِرِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ بتشديد الطاء والهاء، يعني [١] : يَغْتَسِلْنَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِسُكُونِ الطَّاءِ وضم الهاء مخففا، وَمَعْنَاهُ: حَتَّى يَطْهُرْنَ مِنَ الْحَيْضِ ولينقطع دَمُهُنَّ، فَإِذا تَطَهَّرْنَ، يَعْنِي: اغْتَسَلْنَ، فَأْتُوهُنَّ، أَيْ: فَجَامِعُوهُنَّ، مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ، أَيْ: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ مِنْهُ وَهُوَ الْفَرْجُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَئُوهُنَّ فِي الْفَرْجِ وَلَا تَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ، أَيِ: اتَّقُوا الْأَدْبَارَ، وَقِيلَ: مِنْ حيث بمعنى فِي حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى وهو الفرج كقوله عزّ وجلّ: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الْجُمُعَةِ: ٩]، أَيْ: فِي يَوْمِ الجمعة، وقيل: فأتوهن من الْوَجْهَ الَّذِي أَمَرَكُمُ اللَّهُ أَنْ تأتوهن [فيه] وَهُوَ الطُّهْرُ، وَقَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ:
مِنْ قِبَلِ الْحَلَالِ دُونَ الْفُجُورِ، وَقِيلَ: لَا تَأْتُوهُنَّ صَائِمَاتٍ وَلَا مُعْتَكِفَاتٍ وَلَا مُحْرِمَاتٍ، وَأْتُوهُنَّ وَغِشْيَانُهُنَّ لَكُمْ [٢] حَلَالٌ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ تَحْرِيمُ شَيْءٍ مِمَّا مَنَعَهُ الْحَيْضُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ أَوْ تَتَيَمَّمْ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ إِلَّا تَحْرِيمُ الصَّوْمِ، فَإِنَّ الْحَائِضَ إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا بِاللَّيْلِ وَنَوَتِ الصَّوْمَ فَوَقْعَ غُسْلُهَا بِالنَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهَا، وَالطَّلَاقُ فِي حَالِ الْحَيْضِ يَكُونُ بِدْعِيًّا وَإِذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ قَبْلَ الْغُسْلِ لَا يَكُونُ بِدْعِيًّا، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرِ الحيض وهي عنده عَشَرَةِ أَيَّامٍ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ غِشْيَانُهَا قبل الغسل، وقال مجاهد [٣] وطاوس: إذا غسلت فرجها يَجُوزُ لِلزَّوْجِ غِشْيَانُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ. وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى التَّحْرِيمِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ أَوْ تَتَيَمَّمْ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ جَوَازَ وَطْئِهَا بِشَرْطَيْنِ:
بانقطاع الدم والغسل، حَتَّى يَطْهُرْنَ، يَعْنِي: مِنَ الْحَيْضِ، فَإِذا تَطَهَّرْنَ، يَعْنِي: اغْتَسَلْنَ فَأْتُوهُنَّ، وَمَنْ قَرَأَ يَطَّهَّرْنَ بِالتَّشْدِيدِ فَالْمُرَادُ مِنْ [ذَلِكَ] الْغُسْلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [الْمَائِدَةِ:
٦]، أي: اغتسلوا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَبْلَ الْغُسْلِ لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ، قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، قَالَ عَطَاءٌ وَمُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَالْكَلْبِيُّ: يُحِبُّ التَّوَّابِينَ مِنَ الذُّنُوبِ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ بِالْمَاءِ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالنَّجَاسَاتِ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: يُحِبُّ التَّوَّابِينَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمُتَطَهِّرِينَ مِنَ الشِّرْكِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: التَّوَّابِينَ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمُتَطَهِّرِينَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: التَّوَّابِينَ مِنَ الذُّنُوبِ لَا يَعُودُونَ فِيهَا وَالْمُتَطَهِّرِينَ مِنْهَا لَمْ يُصِيبُوهَا، وَالتَّوَّابُ الَّذِي كُلَّمَا أَذْنَبَ تَابَ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً [الإسراء: ٢٥].
قلت: وكذا حسنه الزيلعي في «نصب الراية» (١/ ١٩٤) وابن القطان وذكر الزيلعي كلاما طويلا لابن القطان وحاصله أن أفلت قال أبو حاتم عنه: شيخ. وقال أحمد: ما أرى به بأسا اهـ.
وانظر «فتح القدير» لابن الهمام (١/ ١٦٧).
(١) في المطبوع «حتى».
(٢) في المخطوط «وغشيانكم لهن».
(٣) زيد في المطبوع «وعطاء».
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٣]
نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٢٢٣)قَوْلُهُ تَعَالَى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ، «٢٤٢» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بن الْمُنَادِي أَنَا يُونُسُ، أَنَا يَعْقُوبُ القمّي عن جعفر بن [أبي] [١] الْمُغِيرَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عن ابن عباس:
جَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ، قَالَ: «وَمَا الَّذِي أَهْلَكَكَ» ؟ قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِي الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شيئا، فأوحى اللَّهُ إِلَيْهِ [٢] : نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ، يَقُولُ:
«أَدْبِرْ وَأَقْبِلْ وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ».
«٢٤٣» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ [٣] بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:
كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا إِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ أَحْوَلَ، فَنَزَلَتْ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ.
ع «٢٤٤» وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَأْتُوا النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى حَرْفٍ، وَذَلِكَ أَسْتَرُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ، وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَانَ هَذَا الحي
وأخرجه أبو يعلى ٢٧٣٦ وابن حبان ٤٢٠٢ والواحدي ١٤٥ من طرق عن يونس بن محمد عن يعقوب القمي بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٢٩٨٠ والنسائي في «الكبرى» ٨٩٧٧ وأحمد (١/ ٢٩٧) والطبري ٤٣٤٧ والطبراني ١٢٣١٧ والبيهقي (٧/ ١٩٨) من طرق عن يعقوب القمّي به، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
وصححه الحافظ في «الفتح» (٨/ ١٩١) وانظر «فتح القدير» للشوكاني ٣٣٥ بتخريجي.
٢٤٣- حديث صحيح. عبد الرحيم بن منيب مجهول، لم يرو عنه سوى حاجب بن أحمد، ولم يوثقه أحد، وذكره السمعاني في «الأنساب» على أنه ممن روى عنه حاجب بن أحمد. وبكل حال فقد توبع هو ومن دونه، ابن عيينة هو سفيان.
- وأخرجه البخاري (٤٥٢٨) ومسلم (١٤٣٥) وأبو داود ٢١٦٣ والترمذي ٢٩٨٢ وابن ماجه ١٩٢٥ وأبو يعلى ٢٥٨ والطحاوي (٣/ ٤٠) والبيهقي في السنن ١٩٤٧ من طرق عن سفيان بن عيينة به.
- وأخرجه مسلم ١٤٣٥ والطحاوي (٣/ ٤٠) والواحدي ١٤٣ و١٤٤ والدارمي (١/ ٢٥٨) و (٢/ ١٤٥- ١٤٦) والبيهقي (٧/ ١٩٤ و١٩٥) من طرق عن محمد بن المنكدر به.
(١) زيادة عن كتب التخريج والتراجم.
(٢) في المخطوط «فأنزل الله إليه».
(٣) وقع في الأصل «صاحب» والتصويب عن «أسباب النزول» للواحدي وكتب التراجم.
٢٤٤- ع حسن. أخرجه أبو داود ٤١٦٤ والحاكم (٢/ ٢٧٩) والطبري ٤٣٤٠ والواحدي ١٤٢ والبيهقي (٧/ ١٩٥) من طرق ابن إسحاق عن أبان بن صالح عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وإسناده حسن، ابن إسحاق صرح بالسماع من أبان عند الحاكم والبيهقي، ولأصله شواهد تعضده، والله أعلم.
وأَنَّى حَرْفُ اسْتِفْهَامٍ يَكُونُ سُؤَالًا عَنِ الْحَالِ وَالْمَحَلِّ، مَعْنَاهُ: كَيْفَ شِئْتُمْ وَحَيْثُ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ أَنَّى شِئْتُمْ: إِنَّمَا هُوَ الْفَرْجُ، وَمِثْلُهُ [عَنِ الْحَسَنِ، وَقِيلَ: حَرْثٌ] [١] لَكُمْ، أَيْ: مَزْرَعٌ لَكُمْ وَمَنْبَتٌ لِلْوَلَدِ [٢] بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ الَّتِي تُزْرَعُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَدْبَارِ، لِأَنَّ مَحَلَّ الْحَرْثِ وَالزَّرْعِ هُوَ الْقُبُلُ لَا الدُّبُرُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: هَذَا فِي الْعَزْلِ، يَعْنِي: إِنْ شِئْتُمْ، فَاعْزِلُوا وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَا تَعْزِلُوا، وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْعَزْلِ فَقَالَ: حَرْثُكَ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِشْ وَإِنْ شِئْتَ فَارْوِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: تُسْتَأْمَرُ [الْحُرَّةُ فِي الْعَزْلِ وَلَا تُسْتَأْمَرُ] [٣] الْجَارِيَةُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ الْعَزْلَ، وَقَالُوا [٤] :
هُوَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ.
وَرَوَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْسِكُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ الْمُصْحَفَ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ، فَقَالَ: أَتَدْرِي فِيمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَيُحْكَى عَنْ مَالِكٍ إِبَاحَةُ ذَلِكَ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَقِيَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عمر ما حدثت بحديث نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بَأْسًا بِإِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ؟ فَقَالَ: كَذَبَ الْعَبْدُ وَأَخْطَأَ إِنَّمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يُؤْتَوْنَ فِي فُرُوجِهِنَّ مِنْ أَدْبَارِهِنَّ. وَالدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَدْبَارِ مَا:
«٢٤٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَطِيبِ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أبو العباس
وهو عند الشافعي (٢/ ٢٩) في «المسند» بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» ٨٩٩٢ والطحاوي (٣/ ٤٣) والطبراني ٣٧٤٤ والبيهقي (٧/ ١٩٦) والخطابي في «غريب الحديث» (١/ ٣٧٦) من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ بهذا الإسناد.
- قال الشافعي بإثره: عَمِّي- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شافع- ثقة. وعبد الله بن علي ثقة.
- وورد من طرق أخرى مختصرا بذكر عجزه فقط.
فقد أخرجه النسائي في «الكبرى» ٨٩٨٨ وابن ماجه ١٩٢٤ وأحمد (٥/ ٢١٣) والطبراني ٣٧٣٤ و٣٧٣٥ والبيهقي (٥/ ٢١٣) و (٧/ ١٩٧ و١٩٨) من طريق عمرو بن شعيب عن هرمي بن عبد الله عن خزيمة بن ثابت به.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» ٨٩٨٢ وأحمد (٥/ ٢١٣) وابن الجارود ٧٢٨ والطحاوي (٣/ ٤٣) والطبراني ٣٧١٦ والبيهقي (٧/ ١٩٧) من طرق عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يزيد بن عبد الهاد عن عمارة بن خزيمة عن أبيه.
وعمارة ثقة روى له أصحاب السنن وباقي رجال السند رجال الصحيح.
(١) زيادة من المخطوط وط.
(٢) في المطبوع وحده «الولد».
(٣) زيادة من المخطوط وط. [.....]
(٤) في المطبوع «قال».
أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي أَيِّ الْخُرْمَتَيْنِ، أَوْ فِي أَيِّ الْخَرَزَتَيْنِ أَوْ فِي الْخُصْفَتَيْنِ أَمِنَ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا فنعم، أم مِنْ دُبُرِهَا فِي دُبُرِهَا فَلَا، فإن الله لا يستحيي مِنَ الْحَقِّ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ».
«٢٤٦» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ أَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ النَّهَاوَنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ أَنَا عَبْدِ اللَّهِ [بْنِ عُمَرَ] [٣] بْنِ أَبَانَ أَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امرأة فِي دُبُرِهَا».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ، قَالَ عَطَاءٌ: التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْجِمَاعِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ يَعْنِي: إِذَا أَتَى أَهْلَهُ فَلْيَدْعُ.
«٢٤٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ [أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف] [٤] أنا
وانظر «فتح القدير» للشوكاني ٣٣٧ بتخريجي، و «الإحسان» (٩/ ٥١٣- ٥١٧).
(١) وقع في الأصل «عمر» وهو تصحيف والتصويب من مسند الشافعي.
(٢) وقع في الأصل «الحلاج» وهو تصحيف.
٢٤٦- حديث حسن بشواهده وطرقه، إسناده ضعيف لضعف مسلم بن خالد، وهو الزنجي، وبه أعله ابن عدي، لكن لم ينفرد بهذا المتن، فقد توبع، وللحديث شواهد يحسن بها إن شاء الله.
وأخرجه ابن عدي في «الكامل» (٦/ ٣١١) من طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أبان وحدثنا علي بن الحسين القاضي حدثنا عبدان الوكيل قال: حدثنا يحيى بن زكريا.... بهذا الإسناد.
- وأخرجه الطبراني في «الأوسط» ٤٧٥١ من طريق يحيى بن زكريا به قال الحافظ في «التلخيص» (٣/ ١٨١) : ومسلم فيه ضعف اهـ.
- وورد من طرق عن الحارث بن مخلّد عن أبي هريرة مرفوعا عند أبي داود ٢١٦٢ والنسائي في «الكبرى» ٩٠١٥ وابن ماجه ١٩٢٣ وأحمد (٢/ ٤٤٤) والحارث مجهول كما في «التقريب» وللحديث شواهد.
- منها ما أخرجه الترمذي ١١٦٥ والنسائي في «الكبرى» ٩٠٠١ و٩٠٠٢ وأبو يعلى ٢٣٧٨ وابن أبي شيبة (٤/ ٢٥١) و (٢٥٢) وابن حبان (٤٤١٨) و (٤٢٠٣) وابن عدي (٣/ ٢٦٠) عن حديث ابن عباس مرفوعا وإسناده صحيح.
فائدة: قال الطحاوي في «معاني الآثار» (٣/ ٤٦) : فلما تواترت هذه الآثار عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بالنهي عن وطء المرأة في الدبر، ثم جاء عن أصحابه وتابعيهم ما يوافق ذلك وجب القول به، وترك ما يخالفه اهـ.
وانظر تفسير ابن كثير عند هذه الآية بتخريجي، والله أعلم.
(٣) زيادة عن الكامل وكتب التراجم.
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة».
٢٤٧- إسناده صحيح على شرط الشيخين، أبو شيبة والد عثمان اسمه محمد، جرير هو ابن عبد الحميد، منصور هو ابن المعتمر، وسالم هو ابن أبي الجعد، وكريب هو ابن أبي مسلم مولى ابن عباس.
وَقِيلَ: قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ، يَعْنِي: طَلَبَ الْوَلَدِ.
«٢٤٨» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ [١]، أَنَا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ [حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنِ جَعْفَرٍ] [٢] عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ [٣] : صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ».
وَقِيلَ: هُوَ التَّزَوُّجُ بِالْعَفَافِ لِيَكُونَ الْوَلَدُ صالحا.
«٢٤٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [٤] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ [أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ] [٥] أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ [٦] حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أبي هريرة
وفي «صحيح البخاري» ٦٣٨٨ من طريق عثمان بن أبي شيبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ١٤١ و٣٢٧١ و٣٢٨٣ و٥١٦٥ و٧٣٩٦ ومسلم ١٤٣٤ والترمذي ١٠٩٢ وأبو داود ٢١٦١ والنسائي في «الكبرى» ٩٠٣٠ وابن ماجه ١٩١٩ وابن أبي شيبة (١٠/ ٣٩٤) وأحمد (١/ ٢١٧) و (٢٢٠) و (٢٤٣) و (٢٨٣) و (٢٨٦) وابن حبان ٩٨٣ والطبراني في «الكبير» ١٢١٩٥ من طرق عن منصور به.
٢٤٨- إسناده صحيح على شرط مسلم. عبد الرحمن والد العلاء هو ابن يعقوب مولى الحرقة، علي بن حجر- بضم الحاء- روى له الشيخان.
وهو عند المصنف في «شرح السنة» ١٣٩ بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ١٦٣١ والترمذي ١٣٧٦ والنسائي (٦/ ٢٥١) وابن حبان ٣٠١٦ من طرق عن علي بن حجر بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» ٣٨ ومسلم ١٦٣١ وأحمد (٢/ ٣٧٢) والطحاوي في «المشكل» ٢٤٦ والبيهقي (٦/ ٢٧٨) من طرق عن إسماعيل بن جعفر به.
- وأخرجه أبو داود ٣٨٨٠ والطحاوي ١٢٤٧ والبيهقي (٦/ ٢٧٨) من طرق عن العلاء به.
٢٤٩- إسناده صحيح، مسدد هو ابن مسرهد، روى له البخاري، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، يحيى هو ابن سعيد القطان، وسعيد هو المقبري وأبو سعيد اسمه كيسان. وعبيد الله هو ابن عمر.
- وهو عند المصنف في «شرح السنة» ٢٢٣٣ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٥٠٩٠ ومسلم ٤٦٦ وأبو داود ٢٠٤٧ والنسائي (٦/ ٦٨) وابن ماجه ١٨٥٨ وأحمد (٢/ ٤٢٨) والدارمي (٢/ ١٣٣) ١٣٤ وابن حبان ٤٠٣٦ والبيهقي (٧/ ٧٩- ٨٠) من طرق عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد.
(١) وقع في الأصل «الكشمهيني» والتصويب من «الأنساب» و «شرح السنة».
(٢) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
(٣) كذا في المطبوع و «شرح السنة» وفي المخطوط «ثلاث». [.....]
(٤) زيادة من المخطوط.
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» و «ط» وكتب التخريج.
(٦) وقع في الأصل «عبد الله» وهو تصحيف.
وَقِيلَ: لمعنى الْآيَةِ تَقْدِيمُ الْأَفْرَاطِ.
«٢٥٠» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» [١].
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ، يَعْنِي: الْخَيْرَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْآيَةِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ: صَائِرُونَ إِلَيْهِ فيجزيكم بأعمالكم، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٤]
وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤)
. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ، نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَتَنِهِ [٢] على أخيه بَشِيرِ بْنِ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيِّ شَيْءٌ، فَحَلَفَ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلِّمَهُ وَلَا يُصْلِحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ فِيهِ، قَالَ: قَدْ حَلَفْتُ بِاللَّهِ أَنْ لَا أَفْعَلَ فَلَا يَحِلُّ لِي إِلَّا أَنْ [أبر في يميني] [٣]، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ [٤]، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ حِينَ حَلَفَ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَى مِسْطَحٍ حِينَ خَاضَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ [٥]، وَالْعُرْضَةُ أَصْلُهَا الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلدَّابَّةِ الَّتِي تُتَّخَذُ لِلسَّفَرِ: عُرْضَةٌ لِقُوَّتِهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ قِيلَ لِكُلِّ مَا يَصْلُحُ لِشَيْءٍ: هُوَ عُرْضَةٌ لَهُ، حَتَّى قَالُوا لِلْمَرْأَةِ: هِيَ عُرْضَةُ النِّكَاحِ إِذَا صَلَحَتْ لَهُ، والعرضة كل ما يعرض [٦] فَيَمْنَعُ عَنِ الشَّيْءِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَا تَجْعَلُوا الْحَلِفَ بِاللَّهِ سَبَبًا مانعا لكم عن [٧] الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، يُدْعَى أَحَدُكُمْ إِلَى صِلَةِ رَحِمٍ أَوْ بِرٍّ، فَيَقُولُ: حَلَفْتُ بِاللَّهِ أَنْ لَا أَفْعَلَهُ فَيَعْتَلُّ بِيَمِينِهِ فِي تَرْكِ الْبِرِّ، أَنْ تَبَرُّوا، مَعْنَاهُ: أَنْ لَا تَبِرُّوا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النِّسَاءِ: ١٧٦]، أَيْ: لِئَلَّا تَضِلُّوا، وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ،
- وفي «الموطأ» (١/ ٢٣٥) عن الزهري بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٦٦٥٦ ومسلم ٢٦٣٢ والترمذي ١٠٦٠ والنسائي (٤/ ٢٥) وابن حبان ٢٩٤٢ والبيهقي (٤/ ٦٧) و (٧/ ٧٨) و (١٠/ ٦٤).
- وأخرجه البخاري ١٢٥١ ومسلم ٢٦٣٢ وابن ماجه ١٦٠٣ وأحمد (٢/ ٢٣٩) والبغوي في «شرح السنة» ١٥٣٧ من طرق عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزهري به.
(١) وهو قوله عز وجل في سورة مريم وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١).
(٢) الختن: الصهر- أو كل من كان من قبل المرأة كالأب والأخ اهـ. قاموس.
(٣) في المطبوع «تبر بيميني».
(٤) باطل لا أصل له. لم ينسبه المصنف لقائل، لأن قائله متروك متهم.
وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ١٤٨ عن الكلبي بدون إسناد. والكلبي متهم، أقر بالكذب على ابن عباس.
(٥) أخرجه الطبري ٤٣٧١ عن ابن جريج به، وهذا معضل، ليس بشيء.
(٦) في المطبوع «يعترض».
(٧) في المطبوع «من».
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٥]
لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ، اللغو كل [ساقط] [٢] مُطْرَحٍ مِنَ الْكَلَامِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ [٣] فِي اللَّغْوِ [فِي] [٤] الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مَا يَسْبِقُ إِلَى [٥] اللِّسَانِ عَلَى عَجَلَةٍ لِصِلَةِ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَقَصْدٍ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ وَكَلَّا وَاللَّهِ.
«٢٥٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا مالك عن هشام عن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَغْوُ الْيَمِينِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ: لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ.
وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّعْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَيُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ أَيْمَانُ اللَّغْوِ: مَا كَانَتْ فِي الْهَزْلِ وَالْمِرَاءِ وَالْخُصُومَةِ، وَالْحَدِيثِ الَّذِي لَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ، وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ أن يحلف على شَيْءٍ يَرَى أَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَمَكْحُولٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وقالوا: لا كفارة
- وهو في «شرح السنة» ٢٤٣٢ بهذا الإسناد.
- وهو عند مالك في «الموطأ» (٢/ ٤٧٨) عن سهيل بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه مسلم ١٦٥٠ والترمذي ١٥٣٠ وأحمد (٢/ ٣٦١) والنسائي في «الكبرى» ٤٧٢٢ وابن حبان ٤٣٤٩ والبيهقي (١٠/ ٥٣).
٢٥٢- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، عروة هو ابن الزبير بن العوّام.
هو في «شرح السنة» ٢٤٢٨ بهذا الإسناد.
هو في «الموطأ» (٢/ ٤٧٧) من طريق هشام بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه الشافعي (٢/ ٧٤) والبيهقي (١٠/ ٤٨).
- وأخرجه البخاري ٦٦٦٣ والبيهقي (١٠/ ٤٨) وابن الجارود ٩٢٥ والطبري ٤٣٧٧ و٤٣٧٨ من طرق عن هشام به.
- وورد مرفوعا من طريق إبراهيم الصائغ قال: سألت عطاء عن اللغو في اليمين، فقال: قالت عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم قال: هو كلام الرَّجُلُ: كَلَّا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ.
أخرجه أبو داود ٣٢٥٤ والطبري ٤٣٨٢ والبيهقي (١٠/ ٤٩) وهو معلول، ولا يصح.
- قال الحافظ في «التلخيص» (٤/ ١٦٧) : قال أبو داود: رواه غير واحد عن عطاء عنها موقوفا، وصحح الدارقطني الوقف ورواه البخاري والشافعي ومالك عَنْ هُشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة موقوفا، ورواه الشافعي من حديث عطاء أيضا موقوفا اهـ.
(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. [.....]
(٢) زيد في المطبوع وحده.
(٣) في المخطوط «العلماء».
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) في المخطوط «إليه».
هُوَ دُعَاءُ الرَّجُلِ عَلَى نفسه، كقول الإنسان: أَعْمَى اللَّهُ بَصَرِي إِنْ [لَمْ] [٣] أفعل كذا، [أَخْرَجَنِي اللَّهُ مِنْ مَالِي إِنْ لم أنك هذا] [٤]، فهذا كله لغو لا يؤاخذ الله به، ولو آخذهم لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعُقُوبَةَ، وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ [يُونُسَ: ١١]، وَقَالَ: وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ [الْإِسْرَاءِ: ١١]، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ، أَيْ: عَزَمْتُمْ وَقَصَدْتُمْ إِلَى الْيَمِينِ، وَكَسَبَ الْقَلْبُ: العقد والنية، وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْعَقِدُ إِلَّا بِاللَّهِ أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، فَالْيَمِينُ بِاللَّهِ أَنْ يَقُولَ:
وَالَّذِي أَعْبُدُهُ وَالَّذِي أُصَلِّي لَهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَالْيَمِينُ بأسمائه كقوله: والله والرحمن [والرحيم]]
ونحوه، واليمين بصفاته كقوله: [وكبرياء الله] [٦] وَعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِ الله وقدرة الله ونحوهما، فَإِذَا حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْهَا عَلَى أمر في المستقبل، فحنث تجب [٧] عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِذَا حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ أَنَّهُ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقَدْ كَانَ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِهِ حَالَةَ مَا حَلَفَ [به] [٨]، فَهُوَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَتَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
ولا يجب عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالُوا: إِنْ كَانَ عَالِمًا فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَلَا كَفَّارَةَ لَهَا كَمَا فِي سَائِرِ الْكَبَائِرِ، وَإِنْ كان جاهلا فهو اليمين [٩] اللَّغْوِ عِنْدَهُمْ، وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الله [تعالى] مثلا، مِثْلَ أَنْ قَالَ: وَالْكَعْبَةِ وَبَيْتِ اللَّهِ وَنَبِيِّ اللَّهِ، أَوْ حَلَفَ بِأَبِيهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ يمينا ولا تجب به الْكَفَّارَةُ إِذَا حَلَفَ [١٠] وَهُوَ يَمِينٌ مَكْرُوهَةٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً.
«٢٥٣» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ [أنا] [١١] أبو إسحاق...
- وهو عند المصنف في «شرح السنة» ٢٤٢٤ بهذا الإسناد.
- وعند مالك في «الموطأ» (٢/ ٤٨٠) من طريق نافع بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٦٦٤٦ والدارمي (٢/ ١٨٥) وابن حبان ٤٣٥٩ و٤٣٦٠ والبيهقي (١٠/ ٢٨).
- وأخرجه البخاري ٢٦٧٩ و٦١٠٨ ومسلم ١٦٤٦ والترمذي ١٥٣٤ والنسائي في «الكبرى» ٤٧٠٦ وأحمد (٢/ ١١
(١) زيادة عن المخطوط وط.
(٢) في المطبوع «كفارته».
(٣) سقط من المطبوع وحده.
(٤) زيادة عن المخطوط وط. والطبري ٤٤٦٢.
تنبيه: وزيد في المخطوط وط أيضا [أو يقول هُوَ كَافِرٌ إِنْ فَعَلَ كَذَا] وهذه زيادة لم أثبتها، لأنها تناقض ما جاء في آخر الأثر حيث قال زيد بن أسلم: فهذا كله لغو لا يؤاخذ الله به. والصواب أن ذكر الكفر ليس من اللغو ويؤاخذ قائله عليه. ثم الزيادة التي لم أذكرها ليست عند الطبري.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في نسخ المطبوع «يجب».
٨ زيادة عن المخطوط.
(٩) في المطبوع «يمين». [.....]
(١٠) في المخطوط «خالف».
١١ زيادة عن المخطوط.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٦]
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، يُؤْلُونَ أَيْ: يَحْلِفُونَ، وَالْأَلْيَةُ: الْيَمِينُ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ الْيَمِينُ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الْمَرْأَةِ، قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْإِيلَاءُ طَلَاقًا لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانَ ذَلِكَ مِنْ ضِرَارِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ لَا يُحِبُّ امْرَأَتَهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا [٢] غَيْرُهُ، فَيَحْلِفُ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا أَبَدًا فَيَتْرُكُهَا لَا أيّما ولا ذات بعل، كانوا عَلَيْهِ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، فَضَرَبَ اللَّهُ لَهُ أَجَلًا فِي الْإِسْلَامِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ إِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَ زَوْجَتَهُ أَبَدًا أَوْ سَمَّى مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يَكُونُ مُولِيًا، فَلَا يتعرض [له] قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَبَعْدَ مُضِيِّهَا يُوقَفُ وَيُؤْمَرُ بِالْفَيْءِ أَوْ بِالطَّلَاقِ [٣] بَعْدَ مُطَالَبَةِ الْمَرْأَةِ، وَالْفَيْءُ: هُوَ الرُّجُوعُ عَمَّا قَالَهُ بِالْوَطْءِ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يقدر فالقول، فإن لم يف وَلَمْ يُطَلِّقْ طَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَاحِدَةً، وَذَهَبَ إِلَى الْوُقُوفِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ: عُمْرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَابْنُ عُمَرَ، قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ: أَدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم كلهم يقولون بِوَقْفِ [٤] الْمُولِي، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَمُجَاهِدٌ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ تَقَعُ عَلَيْهَا [٥] طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالزُّهْرِيُّ: تَقَعُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا بَلْ هُوَ حَالِفٌ، فَإِذَا وَطِئَهَا قَبْلَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْوَقْفِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، [لِأَنَّ بَقَاءَ الْمُدَّةِ شَرْطٌ لِلْوَقْفِ وَثُبُوتِ الْمُطَالَبَةِ بِالْفَيْءِ أَوِ الطَّلَاقِ، وَقَدْ مَضَتِ الْمُدَّةُ، وَعِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْوَقْفِ يَكُونُ مُولِيًا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ] [٦]، وَمُدَّةُ [٧] الْإِيلَاءِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فِي حَقِّ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ جَمِيعًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّهَا ضُرِبَتْ لِمَعْنًى يَرْجِعُ إِلَى الطَّبْعِ، وَهُوَ قِلَّةُ صَبْرِ الْمَرْأَةِ عَنِ الزَّوْجِ، فيستوي فيه الحر والعبد. وَعِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَتَنَصَّفُ [٨] مُدَّةُ الْعُنَّةِ بِالرِّقِّ غَيْرَ أَنَّ [٩] عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَتَنَصَّفُ بِرِقِّ الْمَرْأَةِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ بِرِقِّ الزَّوْجِ، كَمَا قالا في الطلاق.
- وأخرجه مسلم ١٦٤٦ والترمذي ١٥٣٣ والنسائي (٧/ ٤) وأحمد (٢/ ٨) والحميدي ٦٢٤ وابن الجارود ٩٢٢ والبيهقي (١٠/ ٢٨) من طرق عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم سمع عمر.... فذكره.
(١) وقع في الأصل «الشافعي» والتصويب من «ط» و «شرح السنة».
(٢) في المطبوع «يتزوج بها».
(٣) في المطبوع «بالإطلاق».
(٤) في المطبوع «يوقف».
(٥) في المخطوط «يقع عليها».
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.
(٧) وقع في الأصل «دمة».
(٨) في الأصل «تتصف» وهو تصحيف.
(٩) في المخطوط «أنه».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٢٧ الى ٢٢٨]
وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٧) وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨)
وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ، أَيْ: حَقَّقُوهُ بالإيقاع، فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ: لقولهم، عَلِيمٌ: بِنِيَّاتِهِمْ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا زَوْجُهَا، لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ الْعَزْمَ، وَقَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي مَسْمُوعًا، وَالْقَوْلُ هُوَ الَّذِي يُسْمَعُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمُطَلَّقاتُ، أَيِ: الْمُخَلَّيَاتُ [٥] مِنْ حِبَالِ أَزْوَاجِهِنَّ، يَتَرَبَّصْنَ: يَنْتَظِرْنَ، بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ، فَلَا يَتَزَوَّجْنَ، وَالْقُرُوءُ: جَمْعُ قَرْءٍ مِثْلُ فَرْعٍ، وَجَمْعُهُ الْقَلِيلُ: أَقْرُؤٌ، وَالْجَمْعُ الْكَثِيرُ:
أَقْرَاءٌ، وَاخْتَلَفَ أهل العلم في القرء فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا الْحَيْضُ، وَهُوَ قَوْلُ عُمْرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للمستحاضة:
ع «٢٥٤» :«دعي الصلاة أيام أقرائك».
قال الدارقطني: قال يحيى بن سعيد: الثوري أعلم الناس بهذا، زعم أن حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يسمع من عروة بن الزبير شيئا، ونقل الآبادي في «التعليق المغني» عن البيهقي في «المعرفة» قوله: حديث حبيب بن أبي ثابت ضعفه يحيى القطان وعلي المديني وابن معين، وكذا الثوري اهـ. ملخصا.
ولو صح هذا اللفظ لكان فيصلا في هذه المسألة إلا أن عدم ثبوته جعل الناس مختلفين في شأن «القرء» هل المراد الطهر أو الحيض والله تعالى أعلم، وقد صح هذا الخبر موقوفا كما رجح غير واحد.
- وأصل الخبر في «الصحيح» دون لفظ «أقرائك».
أخرجه البخاري ٢٢٨ و٣٠٦ و٣٢٠ و٣٣١ ومسلم ٣٣٣ وأبو داود ٢٨٢ والترمذي ١٢٥ والنسائي (١/ ٨١) و (٨٥ و١٨٦) ومالك (١/ ٦١) والشافعي (١/ ٣٩- ٤٠) وعبد الرزاق ١١٦٥ وابن أبي شيبة (١/ ١٢٥) والدارمي (١/ ١٩٩
(١) في المطبوع «في الفرج» بدل «خرج». [.....]
(٢) في المخطوط «الكفارة».
(٣) في المطبوع «سقوط».
(٤) في المخطوط «ضرتك» وليس فيه «فأنت».
(٥) في المخطوط «الخليات».
ع «٢٥٥» وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ».
فَأَخْبَرَ أَنَّ زَمَانَ الْعِدَّةِ هُوَ الطُّهْرُ. وَمِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ [١] :
فَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ | تَشُدُّ لِأَقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكَا [٢] |
مُوَرِّثَةٍ مَالًا وَفِي الْحَيِّ رِفْعَةً | لِمَا ضَاعَ [٣] فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا |
إِذَا طَعَنَتِ الْمُطَلَّقَةُ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَبَرِئَ مِنْهَا، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْحَيْضُ يَقُولُ لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ [٥] مِنْ حَيْثُ أَنَّ اسْمَ الْقُرْءِ يَقَعُ عَلَى الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ جَمِيعًا، يُقَالُ: أَقْرَأَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا حَاضَتْ، وَأَقْرَأَتْ إِذَا طَهُرَتْ فَهِيَ مَقْرِئٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَصْلِهِ، فَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ الْوَقْتُ لِمَجِيءِ الشَّيْءِ وَذَهَابِهِ، يُقَالُ: رَجَعَ
جاءت فاطمة ابنة أبي حبيش إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: لا إنما ذلك عرق، وليس بالحيضة، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت، فاغسلي عنك الدم ثم صلي. قال: وقال أبي: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت.
وانظر «تلخيص الحبير» (١/ ١٧١).
٢٥٥- ع صحيح. أخرجه البخاري (٤٩٠٨) و (٧١٦٠) ومسلم ١٤٧١ ح/ ٤ والترمذي ١١٧٦ وأحمد (٢/ ٢٦) و (٥٨) و (٦١) و (٨١) و (١٣٠) والدارمي (٢/ ١٦٠) وابن الجارود ٧٣٦ والطحاوي (٣/ ٥٣) والدارقطني (٤/ ٦) والبيهقي (٧/ ٣٢٤) من طرق عن سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر.
- وأخرجه البخاري ٥٢٥١ ومسلم (١٤٧١) ح/ ١ و٢ وأبو داود ٢١٧٩ والنسائي (٦/ ١٣٨) وابن ماجه ٢٠١٩ ومالك (٢/ ٥٧٦) والشافعي (٢/ ٣٢- ٣٣) والطيالسي ١٨٥٣ وأحمد (٢/ ٦٣ و١٠٢) وابن أبي شيبة (٥/ ٢- ٣) وابن حبان ٤٢٦٣ والطحاوي (٣/ ٥٣) وابن الجارود ٧٣٤ والدارقطني (٤/ ٧) والبيهقي (٧/ ٣٢٤) والبغوي في «شرح السنة» ٢٣٥١ من طرق عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
(١) هو الأعشى. يقول لجاره: أينبغي أن تتجشم وتكلف نفسك في كل عام دخول غزوة واقتحام مكارهها، تشد وتوثق عزيمة صبرك وتورثك تلك الغزوة مالا كثيرا بغنائمها، ورفعة لك في الحي لأجل ما ضاع فيها من الأعوام- والأقراء التي تضيع على الزوج هي الأطهار، لأنها التي يوطأن فيها، لا الحيض وضياع ذلك يؤدي إلى انقطاع النسل اهـ. انظر حاشية الكشاف (١/ ٢٧١).
(٢) وقع في الأصل: «عرائكا» وهو تصحيف.
(٣) وقع في الأصل «رضاع» والمثبت هو الصواب.
(٤) في المخطوط «يضيع».
(٥) في المطبوع «الخلاف».
كَرِهْتُ العقر عقر بني سليل | إِذَا هَبَّتْ لِقَارِئِهَا الرِّيَاحُ |
وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ، قَالَ عِكْرِمَةُ: يَعْنِي الْحَيْضَ وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ الرَّجُلَ مراجعتها، فتقول: قد حضت الثلاثة، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي الْحَمْلَ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ كِتْمَانُ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي رَحِمِهَا مِنَ الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ لِتُبْطِلَ حَقَّ الزَّوْجِ مِنَ الرَّجْعَةِ وَالْوَلَدِ. إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، مَعْنَاهُ: أَنَّ هَذَا مِنْ فِعْلِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمُؤْمِنَةُ وَالْكَافِرَةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ سَوَاءً كَمَا تَقُولُ: أَدِّ حَقِّي إِنْ كُنْتَ مُؤْمِنًا، يَعْنِي: أَدَاءَ الْحُقُوقِ مِنْ فِعْلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَبُعُولَتُهُنَّ، يعني:
أزواجهنّ جمع بعل، كالفحول جَمْعُ فَحْلٍ، سُمِّيَ الزَّوْجُ بَعْلًا لقيامه بأمر [٣] زَوْجَتِهِ، وَأَصْلُ الْبَعْلِ السَّيِّدُ وَالْمَالِكُ، أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ: أَوْلَى بِرَجْعَتِهِنَّ إِلَيْهِمْ، فِي ذلِكَ، أي: في حال العدة، إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً، أَيْ: إِنْ أَرَادُوا بِالرَّجْعَةِ الصَّلَاحَ وَحَسُنَ الْعِشْرَةِ لَا الْإِضْرَارَ، كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ [كَانَ] [٤] الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ، فَإِذَا قَرُبَ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا، ثُمَّ تَرَكَهَا مدة ثم طَلَّقَهَا، يَقْصِدُ بِذَلِكَ تَطْوِيلَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا، وَلَهُنَّ، أَيْ: لِلنِّسَاءِ عَلَى الْأَزْوَاجِ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ لِلْأَزْوَاجِ بِالْمَعْرُوفِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي
(٢) في المطبوع «ليال».
(٣) في المطبوع «بأمور». [.....]
(٤) زيادة من المخطوط.
«٢٥٦» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ [١] بْنِ طَرَفَةَ السِّجْزِيُّ [٢]، أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، أَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ أَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا حَمَّادٌ أَنَا أَبُو قَزَعَةَ سُوِيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ [٣] الْبَاهِلِيُّ، عَنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَأَنْ تَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تَضْرِبَ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحَ، وَلَا تَهْجُرَ إِلَّا فِي الْبَيْتِ».
«٢٥٧» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، أَنَا مُسْلِمُ [٤] بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيُّ، حدثنا جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ:
أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم، فسرد [لي] قِصَّةَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِلَى أَنْ ذَكَرَ خُطْبَتَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، قَالَ: «فاتقوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لن تضلوا بعده [إن اعتصمتم به] [٥] كِتَابُ اللَّهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ [٦] قَالُوا: نَشْهَدُ
- وهو في «شرح السنة» ٢٣٢٣ بهذا الإسناد، وفيه «المير بندك شائى» بدل «المروزي».
- وعند أبي داود ٢١٤٢ بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٩١٧١) و (١١١٠٤) وابن ماجه ١٨٥٠ وأحمد (٤/ ٤٤٧) وابن حبان ٤١٧٥ والطبراني (١٩/ ١٠٣٤) و (١٠٣٧) و (١٠٣٨) والحاكم (٢/ ١٨٧- ١٨٨) وابن أبي الدنيا في «العيال» ٤٨٨ والبيهقي (٧/ ٢٩٥ و٣٠٥) من طرق عن أبي قزعة به، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه أبو داود (٢١٤٣ و٢١٤٤) وأحمد (٥/ ٥) والطبراني (١٩/ ٩٩٩) و (١٠٠٠) و (١٠٠١) و (١٠٠٢) وابن أبي الدنيا ٤٨٩ من طرق عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أبيه عن جده.
- وأخرجه أحمد (٥/ ٣) عن عبد الرزاق عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي قزعة وعطاء عن رجل من بني قشير عن أبيه، والرجل هو حكيم بن معاوية القشيري.
٢٥٧- إسناده صحيح على شرط مسلم. أبو بكر هو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أبي شيبة، محمد هو الباقر ابن علي بن الحسين.
- وهو في صحيح مسلم ١٢١٨ بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود ١٩٠٥ وابن ماجه ٣٠٧٤ والدارمي ١٧٩٣ وابن حبان ٣٩٤٤ من طريق حاتم بن إسماعيل به.
(١) كذا في نسخ المطبوع. وفي المخطوط «عمرة» وفي شرح السنة «محمد».
(٢) وقع في الأصل «الشجري» والتصويب من «ط» و «شرح السنة».
(٣) وقع في الأصل «حجر» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٤) وقع في الأصل «محمد» وهو خطأ ظاهر.
(٥) في المطبوع «وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده كتاب الله».
- والمثبت عن المخطوط وصحيح مسلم.
(٦) في المطبوع «قائلين».
«٢٥٨» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أَنَا يَعْلَى بْنُ عَبَيْدٍ [٢] أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَكْمَلَ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِكُمْ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِمَا سَاقَ إِلَيْهَا مِنَ الْمَهْرِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنَ الْمَالِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: بِالْجِهَادِ، وَقِيلَ: بِالْعَقْلِ، وَقِيلَ: بِالشَّهَادَةِ، وَقِيلَ: بِالْمِيرَاثِ، وَقِيلَ: بِالدِّيَةِ، وَقِيلَ:
بِالطَّلَاقِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ الرِّجَالِ، وَقِيلَ: بِالرَّجْعَةِ، وَقَالَ سُفْيَانُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: بِالْإِمَارَةِ، وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ [٣] : وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، مَعْنَاهُ: فَضِيلَةٌ فِي الْحَقِّ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
«٢٥٩» أخبرنا عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بن
حسن الحديث. ووقع في «التقريب» (ع) أي روى له الجماعة، وليس كذلك. محمد بن يحيى هو الذهلي من رجال البخاري، ومن دونه توبعوا.
- وهو عند المصنف في «شرح السنة» (٢٣٣٤) و (٣٣٨٩) بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٩/ ٢٤٨) من طريق يعلى بن عبيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود ٤٦٨٢ والترمذي ١١٦٢ وابن أبي شيبة (٨/ ٥١٥) و (١١/ ٢٧) وفي «الإيمان» (١٧) و (١٨) وأحمد (٢/ ٢٥٠) و (٤٧٢) وأحمد (٢/ ٢٥٠) و (٤٧٢) وابن حبان ٤١٧٦ من طرق عن محمد بن عمرو بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم (١/ ٣) على شرط مسلم، ووافقه الذهبي... ؟! وقال الترمذي: حسن صحيح.
- وورد من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هريرة عند ابن أبي شيبة (٨/ ٥١٦) و (١١/ ٢٧) و (٢٨) وأحمد (٢/ ٥٢٧) والدارمي (٢/ ٣٢٢) وصححه الحاكم (١/ ٣) على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
- وورد عن الحسن مرسلا بإسناد صحيح أخرجه ابن أبي شيبة (١١/ ٤٧).
- وله شاهد من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وألطفهم بأهله».
أخرجه الترمذي ٢٦١٢ وأحمد (٦/ ٤٧) و (٩٩) والحاكم (١/ ٥٣).
قال الترمذي: هذا حديث صحيح، ولا نعرف لأبي قلابة سماعا من عائشة.
الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده.
٢٥٩- المرفوع منه صحيح لطرقه وشواهده. إسناده ضعيف لانقطاعه، أبو ظبيان اسمه حصين بن جندب بن الحارث الجنبي- بفتح الظاء- كذا ضبطه الحافظ في «التقريب» وهو ثقة روى له الشيخان، لكن لم يسمع من معاذ، وورد من طرق أخرى واهية، والمرفوع منه صحيح لشواهده، سفيان هو الثوري، والأعمش هو سليمان بن مهران، أبو حذيفة هو موسى بن مسعود.
- وهو في شرح السنة ٢٣٢٢ بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد (٥/ ٢٢٧- ٢٢٨) (٢١٤٨٠) من طريق وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن معاذ بن جبل «أنه لما رجع من اليمن قال: يا رسول الله رأيت رجالا باليمن يسجد بعضهم لبعضهم، أفلا نسجد لك؟ قال: لو كنت آمرا بشرا يسجد لبشر، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها».
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) وقع في الأصل «عبيدة» والتصويب من كتب التخريج وكتب التراجم.
(٣) تحرف في المخطوط إلى «العسفني». [.....]
أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ خَرَجَ فِي غَزَاةٍ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، ثُمَّ رَجَعَ فَرَأَى رِجَالًا يَسْجُدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا».
- وأخرجه أيضا برقم ٢١٤٨١ من طريق ابن نمير عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ظبيان يحدث عن رجل من الأنصار عن معاذ بن جبل... فذكره.
- وورد من طرق أخرى عن معاذ بن جبل مرفوعا عند الحاكم (٤/ ١٧٢) والبزار ١٤٦١ والطبراني في «الكبير» (٢٠/ ٥٢) وابن أبي الدنيا في «العيال» ٥٣٨ وصححه الحاكم على شرط الشيخين! ووافقه الذهبي! مع أنه من رواية القاسم بن عوف الشيباني، وقد تفرد عنه مسلم، ولم يدرك معاذا.
وقال الهيثمي في «المجمع» (٤/ ٣٠٩) (٧٦٤٩) : ورجال البزار رجال الصحيح، وكذلك طريق من طرق أحمد، وروى الطبراني بعضه أيضا اهـ.
- وأخرجه ابن ماجه ١٨٥٣ وأحمد (٤/ ٣٨١) وابن حبان (٤١٧١) والبيهقي (٧/ ٢٩٢) من أيوب عن القاسم بن عوف الشيباني عن ابن أبي أوفي قال: لما قدم معاذ بن جبل من الشام سجد لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم... فذكره.
وفي إسناده القاسم وثقه ابن حبان، وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه. وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث، ومحله عندي الصدق. وروى له مسلم حديثا واحدا.
- وأخرجه البزار (١٤٧٠) والطبراني ٧٢٩٤ وابن أبي الدنيا في «العيال» ٥٣٩ عن القاسم بن عوف عن ابن أبي ليلى عن أبيه عن صهيب أن معاذا... فذكره.
وقال الهيثمي في «المجمع» (٤/ ٣١٠) : وفيه النهاس بن قهم، وهو ضعيف اهـ.
- وأخرجه البزار (١٤٦٨) و (١٤٦٩) والطبراني في «الكبير» (٥١١٧) وابن أبي الدنيا ٥٤٣ من طريق القاسم عن زيد بن أرقم قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معاذا... فذكره.
وقال الهيثمي: وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح، خلا صدقة بن عبد الله السمين، وثقه أبو حاتم وجماعة، وضعفه البخاري وجماعة اهـ.
- وللحديث شواهد أخرى منها:
حديث أبي هريرة عند الترمذي ١١٥٩ وابن حبان ٤١٦٢ والبيهقي (٧/ ٢٩١) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به. ومحمد بن عمرو حسن الحديث.
وأخرجه الحاكم (٤/ ١٧١- ١٧٢) والبزار ١٤٦٦ من طريق سليمان بن داود من حديث أبي هريرة وصححه الحاكم وقال الذهبي: بل سليمان هو اليمامي ضعفوه.
وكذا ضعفه الهيثمي في «المجمع» (٤/ ٣٠٧).
- وحديث أنس عند النسائي في «الكبرى» ٩١٤٧ وأحمد (٣/ ١٥٨) والبزار ٢٤٥٤ وابن أبي الدنيا ٥٢٩.
وفي إسناده خلف بن خليفة صدوق اختلط في الآخر كما في التقريب.
- وحديث عائشة عند ابن ماجه ١٨٥٢ وأحمد (٦/ ٧٦) وابن أبي شيبة (٤/ ٣٠٦) وابن أبي الدنيا ٥٤١ وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف.
- وحديث ابن عباس عند الطبراني ١٢٠٠٣ والبزار ١٤٦٧ وابن أبي الدنيا ٥٤٢ وفيه الحكم بن طهمان، وهو ضعيف.
الخلاصة: المرفوع منه صحيح بمجموع طرقه وشواهده وسيأتي برقم ٥٨٧.
(١) وقع في الأصل «البرني» والتصويب عن «شرح السنة» و «الأنساب».
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «ط» و «شرح السنة».
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٩]
الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩)قَوْلُهُ تَعَالَى: الطَّلاقُ مَرَّتانِ، رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كان الناس في [ابتداء الإسلام] [١] يُطَلِّقُونَ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ وَلَا عِدَدٍ، وَكَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ، فَإِذَا قَارَبَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ رَاجَعَهَا، يقصد [بذلك] [٢] مُضَارَّتَهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: الطَّلاقُ مَرَّتانِ، يَعْنِي: الطَّلَاقَ الَّذِي يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ عَقِيبَهُ مَرَّتَانِ، فَإِذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا فَلَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجِ آخَرَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ، قِيلَ: أَرَادَ بِالْإِمْسَاكِ الرَّجْعَةَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْإِمْسَاكُ بَعْدَ الرَّجْعَةِ، يَعْنِي:
إِذَا رَاجَعَهَا بَعْدَ الطلقة الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَالْمَعْرُوفُ كُلُّ مَا يُعْرَفُ فِي الشرع من أداء [الحقوق في] [٣] النِّكَاحِ وَحُسْنِ الصُّحْبَةِ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ، هو أَنْ يَتْرُكَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَقِيلَ [٤] : الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ، قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ، وَصَرِيحُ اللَّفْظِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ثَلَاثَةٌ [٥] : الطَّلَاقُ وَالْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: الصَّرِيحُ هُوَ لَفْظُ الطَّلَاقِ فَحَسْبُ، وَجُمْلَةُ الْحُكْمِ فِيهِ: أَنَّ الْحُرَّ إِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا يجوز له أن يراجعها بِغَيْرِ رِضَاهَا مَا دَامَتْ فِي العدّة، فإن لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، أَوْ خَالَعَهَا، فَلَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ بِإِذْنِهَا وَإِذْنِ وَلِيِّهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَا تحلّ له حتى تَنْكِحْ زَوْجًا غَيْرَهُ، [وَأَمَّا الْعَبْدُ إِذَا كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ فَطَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجِ آخَرَ] [٦]، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا إِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رَقِيقًا فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ عَدَدُ الطَّلَاقِ بِالزَّوْجِ، فَالْحُرُّ يَمْلِكُ عَلَى زوجته الأمة ثلاث تطليقات، وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ عَلَى زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ إِلَّا طَلْقَتَيْنِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ، يَعْنِي يُعْتَبَرُ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ في حَالُ [٧] الرَّجُلِ، وَفِي قَدْرِ الْعِدَّةِ حَالُ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمَرْأَةِ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ، فَيَمْلِكُ الْعَبْدُ عَلَى زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ ثَلَاثَ تطليقات، وَلَا يَمْلِكُ الْحُرُّ عَلَى زَوْجَتِهِ الأمة إلا تطليقتين، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً: أعطيتموهنّ شيئا من الْمُهُورَ وَغَيْرَهَا، ثُمَّ اسْتَثْنَى الْخُلْعَ، فَقَالَ: إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ:
ع «٢٦٠» نَزَلَتْ فِي جَمِيلَةَ بِنْتِ عَبْدِ الله بن أبي [٨]، ويقال: في حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ، كَانَتْ تَحْتَ ثابت بن
- وأصله عند أبي داود ٢٢٢٧ والنسائي (٦/ ١٦٩) ومالك (٢/ ٥٦٤) والشافعي (٢/ ٥٠- ٥١) وأحمد (٦/ ٤٣٣- ٤٣٤
(١) كذا في المخطوط. وفي نسخ المطبوع «الابتداء».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «حقوق».
(٤) في المخطوط «وقبل».
(٥) في المخطوط «ثلاث».
(٦) سقط من المخطوط.
(٧) في المخطوط «بالزوج».
(٨) زيد في نسخ المطبوع «أوفى» وهو خطأ. انظر «فتح الباري» (٩/ ٣٩٨- ٣٩٩).
إِنَّهُ يُسِيءُ إِلَيَّ ويضربني، فَقَالَ [لَهَا] : ارْجِعِي إِلَى زَوْجِكِ فَإِنِّي أَكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَزَالَ رَافِعَةً يَدَيْهَا تَشْكُو زَوْجَهَا، قَالَ: فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ الثَّانِيَةَ وَبِهَا أثر الضرب، فقال: ارْجِعِي إِلَى زَوْجِكِ فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ أَبَاهَا لَا يَشْكِيهَا أَتَتْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَتْ إِلَيْهِ زَوْجَهَا وَأَرَتْهُ آثَارًا بِهَا مِنْ ضَرْبِهِ، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَنَا وَلَا هُوَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ثابت بن قيس فَقَالَ: «مَا لَكَ وَلِأَهْلِكَ» ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهَا غَيْرَكَ، فَقَالَ لَهَا: «مَا تَقُولِينَ» ؟ فَكَرِهَتْ [١] أَنْ تَكْذِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلَهَا، فَقَالَتْ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ قَدْ خَشِيتُ أَنْ يُهْلِكَنِي، فَأَخْرِجْنِي مِنْهُ، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كُنْتُ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا يُنْزِلُ اللَّهُ عَلَيْكَ خلافه فهو من أكرم الناس حبا [٢] لِزَوْجَتِهِ، وَلَكِنِّي أَبْغَضُهُ، فَلَا أَنَا ولا هو، قال ثابت: يَا رَسُولَ اللَّهِ [إِنِّي] [٣] قَدْ أعطيتها حديقة فقل لها فَلْتَرُدَّهَا [٤] عَلَيَّ وَأُخَلِّي سَبِيلَهَا، فَقَالَ لَهَا: «تَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ وَتَمْلِكِينَ أَمْرَكِ» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا ثَابِتُ خُذْ مِنْهَا مَا أَعْطَيْتَهَا، وَخَلِّ سَبِيلَهَا»، فَفَعَلَ.
«٢٦١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بن إسماعيل أنا أزهر [٥] بْنُ جَمِيلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ أَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ بَعْدَ [٦] الْإِسْلَامِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً».
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ يَخافا، أي: يعلما (أن لا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ)، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ إِلَّا أَنْ يَخافا بِضَمِّ الْيَاءِ، أَيْ: يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُمَا، يَعْنِي: يَعْلَمُ الْقَاضِي وَالْوَلِيُّ [٧] ذَلِكَ مِنَ الزَّوْجَيْنِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ خِفْتُمْ، فَجَعَلَ الْخَوْفَ لِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ، وَلَمْ يَقُلْ: فَإِنْ خَافَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ يَخافا بِفَتْحِ الْيَاءِ، أَيْ: يَعْلَمُ الزَّوْجَانِ من أنفسهما أن لا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، تَخَافُ الْمَرْأَةُ أَنْ تَعْصِيَ اللَّهَ فِي أَمْرِ زَوْجِهَا، وَيَخَافُ الزَّوْجُ إِذَا لَمْ تُطِعْهُ امْرَأَتُهُ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْهَا فَنَهَى اللَّهُ الرَّجُلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنِ امْرَأَتِهِ شَيْئًا مِمَّا آتَاهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا، فَقَالَتْ: لَا أُطِيعُ لَكَ أَمْرًا وَلَا أَطَأُ لَكَ مَضْجَعًا ونحو ذلك، قال الله
وانظر الحديث الآتي.
٢٦١- إسناده صحيح على شرط البخاري. عبد الوهّاب هو ابن عبد المجيد. خالد هو ابن مهران الحذّاء البصري، وعكرمة هو أبو عبد الله مولى ابن عباس. وهو في «شرح السنة» ٢٦١ وأخرجه البخاري ٥٢٧٣ بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٥٢٧٤ و٥٢٧٥ و٥٢٧٦ والنسائي (٦/ ١٦٩) والبيهقي (٧/ ٣١٣) من طرق عن عكرمة به. [.....]
(١) في المطبوع «فكرهن».
(٢) في المطبوع «محبة».
(٣) زيادة من المخطوط.
(٤) في المطبوع «تردها».
(٥) وقع في الأصل «زاهر» والتصويب من صحيح البخاري.
(٦) في المطبوع «في».
(٧) في المطبوع «الوالي».
«٢٦٢» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ فَنَجْوَيْهِ [٥] الدِّينَوَرِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ [أَبِي] [٦] شَيْبَةَ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُسْتَمْلِي [٧] أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ شَاكِرِ بْنِ أحمد بن جناب [٨]، أَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ أَنَا عبيد اللَّهِ [٩] بْنُ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيُّ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عمر قال:
وأخرجه ابن عدي في «الكامل» (٤/ ٣٢٣) من طريق أحمد بن جناب عن عيسى بن يونس بهذا الإسناد قال ابن عدي:
الوصافي ضعيف جدا، يتبين ضعفه على حديثه.
- وأخرجه ابن ماجه ٢٠١٨ وابن عدي (٤/ ٣٢٣) من طريق محمد بن خالد عن عبيد الله بن الوليد الوصافي ومعرّف بن واصل عن محارب به.
- وأخرجه أبو داود ٢١٧٨ وابن عدي (٦/ ٤٦١) والبيهقي (٧/ ٣٢٢) من طريق محمد بن خالد عن معرف بن واصل عن محارب عن ابن عمر به وفيه محمد بن خالد، وهو مستور، أي عدل الظاهر خفي الباطن.
وقال ابن عدي: لا أعلم رواه عن معرف إلا محمد بن خالد، وهو ممن يكتب حديثه اهـ.
وقال المنذري في «مختصر السنن» (٣/ ٩٢) : والمشهور فيه المرسل.
قلت: المرسل أخرجه أبو داود ٢١٧٧ وابن أبي شيبة (٧/ ١٣٨) عن محارب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم... فذكره وهذا مرسل صحيح.
- وأخرجه الحاكم (٢/ ١٩٦) والبيهقي (٧/ ٣٢٢) من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شيبة.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي بقوله: على شرط مسلم... !
مع أن في إسناده محمد بن عثمان قال عنه الذهبي في «الميزان» : كذبه عبد الله بن أحمد، ووثقه صالح اهـ.
- وفي الباب من حديث معاذ بن جبل عند الدارقطني (٤/ ٣٥) والبيهقي (٧/ ٣٦١) قال الزيلعي في «نصب الراية» (٣/ ٢٣٥) : قال عبد الحق. فيه حمد بن مالك ضعيف، وكذا ضعفه البيهقي، وقال: مكحول لم يسمع من معاذ، وكذا أعله ابن الجوزي في التحقيق وقال ابن عبد الهادي: الحمل فيه على حميد اهـ. وانظر: «إرواء الغليل» ٢٠٤٠ و «المقاصد الحسنة» (١٠).
(١) في المطبوع «به» والمثبت عن- ط، وهو غير موجود في المخطوط أصلا.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المخطوط «من المهر».
(٤) في المطبوع «على».
(٥) وقع في الأصل «زنجويه» والتصويب عن «ط» و «الأنساب» (٢/ ٥٣١).
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من كتب التراجم. [.....]
(٧) تصحف في المخطوط إلى «المستلي».
(٨) في الأصل «خباب» وهو تصحيف.
(٩) تصحف في المخطوط وط- إلى «عبد».
وَقَالَ طَاوُسٌ: الْخُلْعُ يَخْتَصُّ بِحَالَةِ خَوْفِ النُّشُوزِ لِظَاهِرِ الآية، والآية خرجت على وفق العادة في أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي حَالِ خَوْفِ النُّشُوزِ غَالِبًا، وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَتِ الْبَيْنُونَةُ، وَانْتُقِصَ بِهِ الْعَدَدُ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْخُلْعِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ ينتقص [٦] بها عَدَدُ الطَّلَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ فَسْخٌ لَا يُنْتَقَصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ عِكْرِمَةُ وَطَاوُسٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الطَّلَاقَ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ الْخُلْعَ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة: ٢٣٠]، وَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَكَانَ الطلاق أربعا، ومن قال بالقول الأول جَعَلَ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ: أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ، أَيْ: هَذِهِ أَوَامِرُ اللَّهِ ونواهيه، وحدود الله ما
وأخرجه ابن أبي شيبة (٤/ ١٨٢) عن أبي أسامة عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عن أبي أسماء عن ثوبان عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم.
وإسناده صحيح على شرط البخاري.
وأخرجه أبو داود ٢٢٢٦ والطبري ٤٠١٤٨ من طريق حمّاد بن زيد به.
- وأخرجه ابن ماجه ٢٠٥٥ وأحمد (٥/ ٢٨٣) والدارمي (٢/ ١٦٢) والطبري ٤٨٤ وابن حبان ٤١٨٤ وابن الجارود ٧٤٨ والحاكم (٢/ ٢٠٠) والبيهقي (٧/ ٣١٦) من طرق عن أيوب به، وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبي! مع أن أبا أسماء لم يرو له البخاري، وإنما روى له مسلم فقط، فهو على شرط مسلم.
- وأخرجه الترمذي ١١٨٧ وأحمد (٥/ ٢٧٧) والطبري ٤٨٤٧ من طريق أبي قلابة عمن حدثه عن ثوبان وقال الترمذي:
حديث حسن اهـ.
- وأخرجه الطبري ٤٨٤٤ من طريق ليث عن أبي إدريس عن ثوبان به وإسناده منقطع وليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف.
- وأخرجه ابن أبي شيبة (٤/ ١٨٢) عن أبي قلابة مرسلا.
- وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه ابن ماجه ٢٠٥٤ وإسناده ضعيف.
الخلاصة: هو حديث حسن صحيح بمجموع طرقه وشواهده، والله أعلم.
(١) زيد في المطبوع وحده دون- ط والمخطوط وكتب الحديث.
(٢) وقع في الأصل «زنجويه» والتصويب من «ط» و «الأنساب» (٢/ ٥٣١).
(٣) زيد بعد لفظ «شيبة» - أنا- وهو إقحام من النساخ، والمثبت هو الصواب.
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(٥) في الأصل «عن أبي أيوب» والمثبت هو الصواب.
(٦) في المطبوع «ينقص».
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٠]
فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ طَلَّقَها، يَعْنِي: الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ، فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ، أَيْ: مِنْ بَعْدِ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ، أَيْ: غَيْرَ الْمُطَلِّقِ فَيُجَامِعُهَا، وَالنِّكَاحُ يَتَنَاوَلُ الْوَطْءَ وَالْعَقْدَ جَمِيعًا، نَزَلَتْ فِي تَمِيمَةَ، وَقِيلَ: فِي عَائِشَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتِيكٍ الْقُرَظِيِّ، كَانَتْ تَحْتَ ابْنِ عَمِّهَا رِفَاعَةَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَتِيكٍ الْقُرَظِيِّ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا.
«٢٦٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ سَمِعَهَا تَقُولُ:
جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنِّي كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي وَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ:
«أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «لَا، حَتَّى يَذُوقَ عسيلتك وتذوقي عسيلته».
ع «٢٦٥» وَرُوِيَ أَنَّهَا لَبِثَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجِي قَدْ مَسَّنِي، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبْتِ بِقَوْلِكِ الْأَوَّلِ فَلَنْ نُصَدِّقَكِ فِي الْآخَرِ»، فَلَبِثَتْ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَتْ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَتْ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْجِعُ إِلَى زَوْجِي الْأَوَّلِ فَإِنَّ زَوْجِي الْآخَرَ قَدْ مَسَّنِي وَطَلَّقَنِي، فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: قَدْ شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَتَيْتِهِ وَقَالَ لَكِ مَا قَالَ، فَلَا تَرْجِعِي إِلَيْهِ، فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَتْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لا ترجعي إليه لَئِنْ رَجَعْتِ إِلَيْهِ لَأَرْجُمَنَّكِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا، يَعْنِي: فَإِنْ طلّقها الزوج الثاني بعد ما جَامَعَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا، يَعْنِي: عَلَى الْمَرْأَةِ وَعَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ أَنْ يَتَرَاجَعَا، يَعْنِي: بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، إِنْ ظَنَّا،
هو عند المصنف في «شرح السنة» ٢٣٥٤ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الشافعي (٢/ ٣٥) عن سفيان بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري (٢٦٣٩) و (٥٢٦٠) و (٥٧٩٢) و (٦٠٨٤) ومسلم ١٤٣٣ والترمذي ١١١٨ والنسائي (٦/ ٩٣) و١٤٦ و١٤٧ و١٤٨ وابن ماجه ١٩٣٢ وأحمد (٦/ ٣٤) و (٣٧) و (١٩٣) و (٢٢٦) و (٢٢٩) والطيالسي ١٤٣٧ و١٤٧٣ وأبو يعلى ٤٤٢٣ والحميدي ٢٢٦ وعبد الرزاق ١١١٣١ وابن الجارود ٦٨٣ والطبري (٤٨٩٠) و (٤٨٩١) و (٤٨٩٢) و (٤٨٩٣) والبيهقي (٧/ ٣٧٣) و (٤٧٤) من طرق عن الزهري به.
وأخرجه البخاري ٥٢٦٥ و٥٣١٧ ومسلم ١٤٣٣ ح ١١٤ والدارمي ٢/ ١٦٢ والطبري ٤٨٨٩ والبيهقي ٧/ ٣٧٤ من طرق عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيه.
٢٦٥- ع ضعيف. أخرجه ابن المنذر كما في «الدر المنثور» (١/ ٥٠٥) عن مقاتل بن حيان بهذا اللفظ، وهذا ضعيف، فهو معضل، ومقاتل ذو مناكير.
- وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» ١١١٣٣ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ الخراساني عن ابن عباس به، وإسناده ضعيف جدا.
عطاء الخراساني هو ابن عبد الله، لم يسمع ابن عباس، فهذه علة، ثم هو ضعيف عند الجمهور، روى مناكير كثيرة.
يَكُونُ بَيْنَهُمَا الصَّلَاحُ وَحُسْنُ الصُّحْبَةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ إِنْ عَلِمَا أن نكاحهما على غير دلسة، وَأَرَادَ بِالدُّلْسَةِ: التَّحْلِيلَ، وَهُوَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، قَالُوا: إِذَا تَزَوَّجَتِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا زَوْجًا آخَرَ لِيُحَلِّلَهَا [١] لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ، وَذَهَبَ جماعة إلى أنه إذا لم يشترط فِي النِّكَاحِ مَعَ الثَّانِي أَنَّهُ يُفَارِقُهَا، فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ وَيَحْصُلُ بِهِ التَّحْلِيلُ، [وَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا] [٢] غَيْرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ إِذَا كَانَ فِي عَزْمِهَا ذَلِكَ.
«٢٦٦» أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، أَنَا [الْحَسَنُ بْنُ الْفَرَجِ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بن خالد الحراني] [٣]، أنا عُبِيْدُ اللَّهِ [٤] عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ هُوَ الْجَزَرِيُّ [٥]، عَنْ أَبِي وَاصِلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ».
وَقَالَ نَافِعٌ: أَتَى رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَانْطَلَقَ أَخٌ له من غير مؤامرة،
وهو في «شرح السنة» ٢٢٨٦ بهذا الإسناد لكن صدره عنده، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم «أنه لعن... ».
وأخرجه أحمد (١/ ٤٥٠- ٤٥١) وإسحاق في «مسنده» كما في «التلخيص» (٣/ ١٧٠) من طريق زكريا بن عدي عن عبيد الله بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ١١٢٠ والنسائي (٦/ ١٤٩) (٣٤١٦) والدارمي (٢/ ١٥٨) وأحمد (١/ ٤٤٨ و٤٦٢) وابن أبي شيبة (٧/ ٤٤- ٤٥) وابن الجوزي في «التحقيق» ١٦٥٨ والبيهقي (٧/ ٢٠٨) من طريق أبي قيس عن هزيل عن ابن مسعود.
وهذا إسناد صحيح.
ولفظه عند الترمذي «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم المحلل والمحلل له».
وهو عجز حديث عند النسائي وصدره «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم الواشمة والموتشمة... ».
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وقال ابن حجر في «تلخيص الحبير» (٣/ ١٧٠) : وصححه ابن القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري.
وللحديث شواهد كثيرة منها.
- حديث ابن عباس عند ابن ماجه ١٩٣٤ وابن عدي (٣/ ٣٤٠) وفي إسناده زمعة وسلمة وهما ضعيفان.
- وحديث علي بن أبي طالب عند أبي داود ٢٠٧٦ والترمذي ١١١٩ وابن ماجه ١٩٣٥ وأحمد (١/ ٨٣ و٨٧ و٨٨ و٩٣ و١٠٧ و١٢١ و١٣٣ و١٥٠ و١٥٨) وإسناده ضعيف لضعف الحارث الأعور.
- وحديث عقبة بن عامر عند ابن ماجه ١٩٣٦ والحاكم (٢/ ١٩٨) والبيهقي (٧/ ٢٠٨) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وقال البوصيري في «الزوائد» : هذا إسناد مختلف فيه من أجل أبي مصعب اهـ.
- وحديث أبي هريرة عند ابن أبي شيبة (٧/ ٤٥) وابن الجارود ٦٨٤ والبيهقي (٧/ ٢٠٨) وأحمد (٢/ ٣٢٣).
وحسنه البخاري كما في «التلخيص» (٣/ ١٧٠)، فالحديث صحيح بشواهده وطرقه.
(١) في المطبوع وحده «ليحلها». [.....]
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) سقط من المخطوط.
(٤) وقع في الأصل «بن» والتصويب عن «شرح السنة» و «ط» وكتب التراجم.
(٥) وقع في الأصل «الجوزي» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣١]
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٣١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُدْعَى ثَابِتَ بْنَ يَسَارٍ طلق امرأته حتى [إذا قارب] [٢] انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ مُضَارَّتَهَا، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، أَيْ: أَشْرَفْنَ عَلَى أن تبين بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ [٣] إِذَا انْقَضَتْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ إِمْسَاكُهَا، فَالْبُلُوغُ هَاهُنَا بُلُوغُ مُقَارَبَةٍ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة: ٢٣٢]، حقيقة لانقضاء العدة، والبلوغ لا يَتَنَاوَلُ الْمَعْنَيَيْنِ، يُقَالُ: بَلَغَ الْمَدِينَةَ إذا قرب منها [و] إذا دَخَلَهَا، فَأَمْسِكُوهُنَّ، أَيْ: رَاجَعُوهُنَّ، بِمَعْرُوفٍ، قِيلَ: الْمُرَاجَعَةُ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا وَأَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْقَوْلِ لَا بِالْوَطْءِ، أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ، أَيِ: اتْرُكُوهُنَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ فيكن أملك لأنفسهن، وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا، أَيْ: لا تقصدوا بالرجعة المضارة [لهن] [٤] بِتَطْوِيلِ الْحَبْسِ.
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، أَيْ: أَضَرَّ بِنَفْسِهِ بِمُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ [البقرة: ٢٢٩]، وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ أَمْرَ الشَّرْعِ فَهُوَ مُتَّخِذٌ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَقُولُ كُنْتُ لَاعِبًا، وَيُعْتِقُ وَيَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَنْكِحُ وَيَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ.
«٢٦٧» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ [٥] أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بن عمر
وأخرجه أبو داود ٢١٩٤ والترمذي ١١٨٤ وابن ماجه ٢٠٣٩ والدارقطني (٣/ ٢٥٦- ٢٥٧) و (٤/ ١٨- ١٩) وابن الجارود ٧١٢ والطحاوي (٢/ ٥٨) والحاكم (٢/ ١٩٨) وابن الجوزي في «التحقيق» ١٧١١ من طريق عبد الرحمن بن حبيب بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم وقال: وعبد الرحمن بن حبيب من ثقات المدنيين، وتعقبه الذهبي بقوله: فيه لين وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
وقال الحافظ في «التلخيص» (٣/ ٢١٠) : وهو من رواية عبد الرحمن بن حبيب بن أردك، وهو مختلف فيه، قال النسائي:
منكر الحديث، ووثقه غيره، فهو على هذا حسن اهـ.
- وله شواهد منها:
- حديث عبادة بن الصامت عند ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» (١/ ٢٨٩) وأحمد بن منيع كما في «المطالب
(١) زيد في النسخ قبل لفظ «لعن» [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم] وهي زيادة من النساخ، وليست بشيء، فالخبر عن ابن عمر غير مرفوع.
(٢) ما بين المعقوفتين في المطبوع «قاربت».
(٣) في المخطوط «العبرة».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) وقع في الأصل «الحرقي» والتصويب عن «ط» و «شرح السنة».
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: الطَّلَاقُ والنكاح والرجعة».
وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ: بِالْإِيمَانِ، وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَالْحِكْمَةِ، يَعْنِي: السُّنَّةَ، وَقِيلَ: مَوَاعِظُ الْقُرْآنِ، يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٢]
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢٣٢)
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، نَزَلَتْ فِي جَمِيلَةَ بِنْتِ يَسَارٍ أُخْتِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ الْمُزَنِيِّ كَانَتْ تَحْتَ أبي البداح بن عَاصِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَجْلَانَ، فَطَلَّقَهَا.
«٢٦٨» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو [٦] : حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ [٧] عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بن يسار قال:
- وحديث علي عند الدارقطني (٤/ ٢٠) وإسناده ضعيف لضعف إسماعيل بن أبي أمية.
- ومرسل الحسن عند الطبري ٤٩٢٦ وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» (١/ ٢٨٨) ومراسيل الحسن واهية.
- وحديث أبي ذر عند عبد الرزاق في «المصنف» ١٠٢٤٩ وفي إسناده إبراهيم بن محمد وهو متروك كما في «التقريب» وأعله الحافظ في «التلخيص» (٣/ ٢٠٩) بالانقطاع، وانظر تفسير الشوكاني ٣٧٢ وتفسير ابن كثير عند هذه الآية، وكلاهما بتخريجي.
وورد موقوفا عن عمر بن الخطاب عند عبد الرزاق ١٠٢٤٨ وعن علي ١٠٢٤٧ وعن أبي الدرداء (١٠٢٤٥) و (١٠٢٤٦).
(١) في الأصل «الكشمهيني» والتصويب من «الأنساب» و «شرح السنة».
(٢) وقع في الأصل «أبي» وهو تصحيف والتصويب من «مصادر التخريج».
(٣) ما بين المعقوفتين في المخطوط بإثر المتن. [.....]
(٤) ما بين المعقوفتين ليس في «ط».
(٥) وقع في الأصل «أبي» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٦) وقع في «شرح السنة» و «صحيح البخاري»، وكلاهما طبع «الكتب العلمية» «عمر» بدل عمرو وهو تصحيف.
(٧) وقع في الأصل «أبو هاشم» والتصويب من «شرح السنة» و «صحيح البخاري» و «أسباب النزول» للواحدي.
٢٦٨- إسناده صحيح على شرط البخاري، أبو عمرو هو حفص بن عبد الله بن راشد، إبراهيم هو ابن طهمان، يونس هو عبيد، والحسن هو ابن أبي الحسن البصري.
- وهو عند المصنف في «شرح السنة» ٢٢٥٦ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٥١٣٠ من طريق أحمد بن أبي عمر بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٤٥٢٩ وأبو داود ٢٠٧٨ والترمذي ١٩٨١ والنسائي في «التفسير» (٦١) و (٦٢) والطيالسي (٩٣٠) والدارقطني (٣/ ٢٢٢) والطبري (٤٩٣٠) و (٤٩٣١) و (٤٩٣٢) و (٤٩٣٤) والواحدي (١٥٣) و (١٥٤) والبيهقي (٧/ ١٣٨) من طرق عن الحسن به.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، أَيِ: انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ، أَيْ: لَا تَمْنَعُوهُنَّ عَنِ النِّكَاحِ، وَالْعَضْلُ: الْمَنْعُ، وَأَصْلُهُ الضِّيقُ وَالشِّدَّةُ، يُقَالُ: عَضَلَتِ الْمَرْأَةُ: إِذَا نَشِبَ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا فَضَاقَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ، وَالدَّاءُ العضال الذي لا يطاق علاجه، وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ، إِذْ لَوْ كَانَتْ تَمْلِكُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَضْلٌ، وَلَا لِنَهْيِ الْوَلِيِّ عَنِ الْعَضْلِ مَعْنًى، وَقِيلَ: الْآيَةُ خِطَابٌ مَعَ الْأَزْوَاجِ لِمَنْعِهِمْ مِنَ الْإِضْرَارِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْآيَةِ خِطَابٌ مَعَهُمْ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، بِعَقْدٍ حَلَالٍ وَمَهْرٍ جَائِزٍ، ذلِكَ، أَيْ: [ذَلِكَ] [٢] الَّذِي ذَكَرَ مِنَ النَّهْيِ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مُوَحَّدًا وَالْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مُخَاطَبَةِ الْجَمْعِ ذَلِكُمْ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى تَوَهَّمُوا أَنَّ الْكَافَ مِنْ نَفْسِ الْحَرْفِ وَلَيْسَ بِكَافِ خِطَابٍ، فَقَالُوا ذَلِكَ، فَإِذَا قَالُوا هَذَا كَانَتِ الْكَافُ موحدة مستوية فِي الِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ، قِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلِذَلِكَ وَحَّدَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ، أَيْ: خَيْرٌ لَكُمْ، وَأَطْهَرُ: لِقُلُوبِكُمْ مِنَ الريبة وذلك أنه كَانَ فِي نَفْسِ كُلِّ وَاحِدٍ منهما علاقة حيث لَمْ يؤمن أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمَا، وَلَمْ يؤمن مِنَ الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَسْبِقَ إِلَى قُلُوبِهِمْ مِنْهُمَا مَا لَعَلَّهُمَا أَنْ يَكُونَا بَرِيئَيْنِ مِنْ ذَلِكَ فَيَأْثَمُونَ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ، أَيْ: يَعْلَمُ مِنْ حُبِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ أَنْتُمْ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٣]
وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لَا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٣)
قَوْلُهُ تعالى: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ، أي: والمطلقات اللَّاتِي لَهُنَّ أَوْلَادٌ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ يُرْضِعْنَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَهُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ لَا أَمْرُ إِيجَابٍ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ الْإِرْضَاعُ إذا كان يوجد من يرضع الْوَلَدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الطَّلَاقِ: ٦]، فَإِنْ رَغِبَتِ الْأُمُّ فِي الْإِرْضَاعِ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا، حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ، أَيْ: سَنَتَيْنِ، وَذَكَرَ الْكَمَالَ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ [الْبَقَرَةِ: ١٩٦]، وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ كَامِلَيْنِ لِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُسَمِّي بَعْضَ الْحَوَلِ حَوْلًا وَبَعْضَ الشَّهْرِ شَهْرًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ [البقرة: ١٩٧]، وإنّما هي شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ، وَقَالَ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [الْبَقَرَةِ: ٢٠٣]، وَإِنَّمَا يُتَعَجَّلُ فِي يَوْمٍ وَبَعْضِ يَوْمٍ وَيُقَالُ: أَقَامَ فُلَانٌ بِمَوْضِعِ كَذَا حَوْلَيْنِ، وَإِنَّمَا أَقَامَ بِهِ حَوْلًا وَبَعْضَ آخَرَ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمَا حَوْلَانِ كَامِلَانِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْحَدِّ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ حَدٌّ لبعض
(٢) زيادة عن المخطوط وط.
وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ، يَعْنِي: الْأَبَ، رِزْقُهُنَّ: طَعَامُهُنَّ، وَكِسْوَتُهُنَّ: لِبَاسُهُنَّ، بِالْمَعْرُوفِ، أَيْ: عَلَى قَدْرِ الْمَيْسَرَةِ، لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها، أَيْ: طَاقَتَهَا، لَا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ بِرَفْعِ الرَّاءِ، نَسَقًا عَلَى قَوْلِهِ: لَا تُكَلَّفُ وَأَصْلُهُ تُضَارِرْ، فَأُدْغِمَتِ الرَّاءُ فِي الرَّاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ تُضَارَّ، بِنَصْبِ الرَّاءِ، وَقَالُوا: لَمَّا أُدْغِمَتِ الرَّاءُ فِي الرَّاءِ حُرِّكَتْ إِلَى أَخَفِّ الْحَرَكَاتِ وَهُوَ النَّصْبُ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا فَيُنْزَعُ الْوَلَدُ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا بَعْدَ أَنْ رَضِيَتْ بِإِرْضَاعِهِ، وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ، أَيْ: لَا تلقيه المرأة إلى أبيه بعد ما أَلِفَهَا تُضَارُّهُ بِذَلِكَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ فَتُكْرَهُ عَلَى إرضاعه إذا كرهت [هي] [٧] إِرْضَاعَهُ، وَقَبِلَ الصَّبِيُّ مِنْ غَيْرِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ، فَيُحْتَمَلُ أن يعطي الْأُمُّ أَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ لَهَا إذا لم يرضع [٨] الولد مِنْ غَيْرِهَا، فَعَلَى هَذَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَصْلُ الْكَلِمَةِ: لَا تُضَارِرْ، بِفَتْحِ الرَّاءِ الْأُولَى عَلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ، وَالْوَالِدَةُ وَالْمَوْلُودُ [لَهُ] [٩] مَفْعُولَانِ، وَيُحْتَمَلُ أن يكون الفعل لهما يكون [١٠] تُضَارَّ بِمَعْنَى: تُضَارِرْ بِكَسْرِ [الرَّاءِ] الْأُولَى عَلَى تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ، وَالْمَعْنَى: لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ فَتَأْبَى أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهَا لِيَشُقَّ عَلَى أَبِيهِ، وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ، أَيْ: لَا يُضَارَّ الْأَبُ أُمَّ الصَّبِيِّ فَيَنْزِعُهُ مِنْهَا وَيَمْنَعُهَا مِنْ إِرْضَاعِهِ، وَعَلَى هذه الأقوال يرجع الضرار إِلَى الْوَالِدَيْنِ، يُضَارُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِسَبَبِ الْوَلَدِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضِّرَارُ رَاجِعًا إِلَى الصَّبِيِّ، أَيْ: لَا يُضَارَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الصَّبِيَّ، فَلَا تُرْضِعُهُ الْأُمُّ حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ لَا يُنْفِقُ الْأَبُ، أَوْ يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْأُمِّ حَتَّى يُضَرَّ بِالصَّبِيِّ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْبَاءُ زَائِدَةً، وَمَعْنَاهُ: لا تضار والدة ولدها، ولا أب ولده، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ مَرْوِيَّةٌ عَنِ الْمُفَسِّرِينَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ، اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْوَارِثِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ وَارِثُ الصَّبِيِّ، مَعْنَاهُ: وَعَلَى وَارِثِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ وَلَهُ مَالٌ وَرِثَهُ [١١] مِثْلُ الَّذِي كَانَ عَلَى أَبِيهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَيِّ وَارِثٍ هُوَ مِنْ وَرَثَتِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَصَبَةُ الصَّبِيِّ مِنَ الرِّجَالِ، مِثْلُ الْجَدِّ وَالْأَخِ وَابْنِ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ والحسن ومجاهد
٢ زيد في المطبوع وحده دون المخطوط وط- و «الدر المنثور».
٣ ما بين المعقوفتين زيادة من المخطوط.
٤ ما بين المعقوفتين زيادة من المخطوط.
(٥) في المطبوع «الرضاعة».
(٦) في المطبوع «فيها».
(٧) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٨) زيادة من المخطوط.
(٩) زيادة عن المخطوط وط.
(١٠) في المطبوع «وتكون».
(١١) في المطبوع «وزنه».
يُشَاوِرُونَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ حَتَّى يُخْبِرُوا أَنَّ الْفِطَامَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَضُرُّ بِالْوَلَدِ، وَالْمُشَاوَرَةُ اسْتِخْرَاجُ الرَّأْيِ، فَلا جُناحَ عَلَيْهِما، أَيْ: لَا حَرَجَ عَلَيْهِمَا فِي الْفِطَامِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ، أَيْ:
لِأَوْلَادِكُمْ مَرَاضِعَ غَيْرَ أمّهاتهم إذا أبت أمهاتهم إرضاعهم، أو تعذّر لعلة بهنّ أو انْقِطَاعُ لَبَنٍ أَوْ أَرَدْنَ النِّكَاحَ، فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ، إِلَى أُمَّهَاتِهِمْ، مَا آتَيْتُمْ، مَا سَمَّيْتُمْ لَهُنَّ مِنْ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ [أو] بِقَدْرِ مَا أَرْضَعْنَ، وَقِيلَ: إِذَا سَلَّمْتُمْ أُجُورَ الْمَرَاضِعِ إِلَيْهِنَّ، بِالْمَعْرُوفِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ مَا آتَيْتُمْ [وَفِي الرُّومِ: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً [الرُّومِ: ٣٩] بِقَصْرِ الْأَلْفِ، وَمَعْنَاهُ: [مَا فَعَلْتُمْ، يُقَالُ: أَتَيْتُ جَمِيلًا إِذَا فَعَلْتُهُ، فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ يَكُونُ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى] [٤] الطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ لَا بِمَعْنَى تَسْلِيمِ الْأُجْرَةِ، يَعْنِي: إِذَا سَلَّمْتُمْ لِأَمْرِهِ وَانْقَدْتُمْ لِحُكْمِهِ، وَقِيلَ: إِذَا سَلَّمْتُمْ لِلِاسْتِرْضَاعِ [٥] عَنْ تراض وإنفاق دُونَ الضِّرَارِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٤]
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ، أَيْ: يَمُوتُونَ وَتُتَوَفَّى [٦] آجَالُهُمْ، وَتَوَفَّى وَاسْتَوْفَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَمَعْنَى التَّوَفِّي: أَخْذُ الشَّيْءِ وَافِيًا، وَيَذَرُونَ أَزْواجاً: يتركون أزواجا، يَتَرَبَّصْنَ: ينتظرون، بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً، أَيْ: يعتدون بِتَرْكِ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ وَالنُّقْلَةِ [٧] عَلَى فِرَاقِ أَزْوَاجِهِنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ، إِلَّا أَنْ يَكُنَّ حَوَامِلَ فَعِدَّتُهُنَّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَكَانَتْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِي الِابْتِدَاءِ حَوْلًا كَامِلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ [الْبَقَرَةِ: ٢٤٠]، ثُمَّ نُسِخَتْ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: كَانَتْ هَذِهِ الْعِدَّةُ يَعْنِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَاجِبَةً عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ، فَجَعَلَ لَهَا تَمَامَ السَّنَةِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَصِيَّةً إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا وإن شاءت خرجت وهو [معنى] [٨] قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ
(٢) في المطبوع «ما» بدل «الذي».
(٣) في المطبوع «قيل».
(٤) زيد في نسخ المطبوع.
(٥) في المخطوط «الاسترضاع».
(٦) في المطبوع «ويتوفى».
(٧) في المخطوط «التفكه» والمثبت هو الصواب كما في الطبري ٥٠٩٢ والمراد بالنّقلة: الانتقال من البيت إلى آخر.
(٨) زيادة من المخطوط.
ع «٢٦٩» قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ وقد جعلت على وجهي صَبْرًا فَقَالَ: «إِنَّهُ يَشِبُّ [٤] الْوَجْهَ، فَلَا تَجْعَلِيهِ إِلَّا بِاللَّيْلِ وَتَنْزِعِيهِ بِالنَّهَارِ».
وَلَا يَجُوزُ لَهَا الْخِضَابُ وَلَا لُبْسُ الْوَشْيِ وَالدِّيبَاجِ وَالْحُلِيِّ، وَيَجُوزُ لَهَا لُبْسُ الْبِيضِ مِنَ الثِّيَابِ وَلُبْسُ الصُّوفِ وَالْوَبَرِ، وَلَا تَلْبَسُ الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ لِلزِّينَةِ كَالْأَحْمَرِ وَالْأَخْضَرِ النَّاضِرِ وَالْأَصْفَرِ، وَيَجُوزُ مَا صُبِغَ لِغَيْرِ زِينَةٍ كَالسَّوَادِ وَالْكُحْلِيِّ، وَقَالَ سُفْيَانُ: لَا تَلْبَسُ الْمَصْبُوغَ بِحَالٍ.
«٢٧٠» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ [٥]، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أبو إسحق الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ
- ووصله أبو داود ٢٣٠٥ والنسائي (٦/ ٢٠٤) (٣٥٣٩) من طريق المغيرة بن الضحاك عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها أن زوجها توفي... فذكره بأتم منه.
وقال الحافظ في «التلخيص» (٣/ ٢٣٩) : وأعله عبد الحق، والمنذري بجهالة حال المغيرة ومن فوقه. وأعل بما في الصحيحين عن زينب بنت أم سلمة سمعت أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زوجها، وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ قال: لا، مرتين أو ثلاثا اهـ.
٢٧٠- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- هو عند المصنف في «شرح السنة» ٢٣٨٢ بهذا الإسناد.
- وفي «الموطأ» (٢/ ٥٩٦- ٥٩٨) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بكر به.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري (٥٣٣٤) و (٥٣٣٥) و (٥٣٣٦) ومسلم (١٤٨٦) و (١٤٨٧) و (١٤٨٩) وأبو داود (٢٢٩٩) والترمذي (١١٩٥) و (١١٩٦) و (١١٩٧) والنسائي (٦/ ٢٠١- ٢٠٢) والشافعي (٢/ ٦١- ٦٢) وعبد الرزاق (١٢١٣٠) وابن حبان (٤٣٠٤) والبيهقي (٧/ ٤٣٧).
- وورد من طرق عن حميد بن نافع به أخرجه البخاري (١٢٨٠) و (٥٣٣٨) و (٥٣٣٩) و (٥٧٠٦) ومسلم (١٤٨٦) ح/ ٥٩ و٦١ و٦٢ والنسائي (٦/ ١٨٨) وابن ماجه ٢٠٨٤ وأحمد (٦/ ٢٩١) و (٢٩٢) و (٣١١) والطبراني (٢٣/ ٤٢٢) و (٤٢٣- ٤٢٧) و (٨١٣- ٨١٧) وابن الجارود (٧٦٥) و (٧٦٨) والبيهقي (٧/ ٤٣٧) و (٤٣٩) رووه مطولا ومختصرا. [.....]
(١) في المطبوع «كالعدة كما».
(٢) سقط من المطبوع وحده.
(٣) سقط من المخطوط.
(٤) يشب الوجه: يلوّنه ويحسنه.
(٥) في «شرح السنة» ٢٣٨٢: «الشيرزي» بدل «السرخسي».
دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَدَهَنَتْ بِهِ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَّتْ بِهِ بَطْنَهَا ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ [تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ] [٣] أَنْ تَحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا». وَقَالَتْ زَيْنَبُ: ثُمَّ دَخَلْتُ على زينب بنت جحش [زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم] [٤] حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ بِهِ، ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: «لَا يحل لامرأة تؤمن بالله أَنْ تَحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا». قَالَتْ زَيْنَبُ: وَسَمِعَتْ أُمِّي أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدِ اشْتَكَتْ عينها أفنكحلها؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا»، ثُمَّ قَالَ: «إنما هي أربعة أشهر وعشرا، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ»، قَالَ حُمَيْدٌ: فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ: وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ؟ فَقَالَتْ زَيْنَبُ:
كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا [٥] وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا، وَلَمْ تَمَسَّ طيبا ولا شيئا حتى يمرّ بِهَا سَنَةٌ، ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حمارا أو شاة أو طيرا فتفتض به، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلَّا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِي بِهَا، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ.
[وَقَالَ مَالِكٌ: تَفْتَضُّ، أَيْ: تنسلخ جِلْدَهَا] [٦]، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: الْحِكْمَةُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ أَنَّ فِيهَا يُنْفَخُ الرُّوحُ فِي الْوَلَدِ، وَيُقَالُ: إِنَّ الْوَلَدَ يَرْتَكِضُ، أَيْ: يَتَحَرَّكُ فِي الْبَطْنِ لِنِصْفِ مُدَّةِ الحمل أربعة أشهر وعشرا قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَإِنَّمَا قَالَ عَشْراً بِلَفْظِ الْمُؤَنَّثِ لِأَنَّهُ أَرَادَ اللَّيَالِيَ، لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا أَبْهَمَتِ الْعَدَدَ بَيْنَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ غَلَّبَتْ عَلَيْهَا اللَّيَالِيَ، فَيَقُولُونَ: صُمْنَا عَشْرًا، وَالصَّوْمُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالنَّهَارِ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: إِنَّمَا أَنَّثَ الْعَشْرَ لِأَنَّهُ أَرَادَ الْمُدَدَ [٧]، أَيْ: عَشْرَ مُدَدٍ، كُلُّ مُدَّةِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَإِذَا كَانَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوَّجُهَا حَامِلًا فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ من الصحابة فمن بعدهم، روي عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: أَنَّهَا تَنْتَظِرُ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ مِنْ وَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بعد الطّولى، [و] أَرَادَ بِالْقُصْرَى سُورَةُ الطَّلَاقِ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطَّلَاقِ: ٤]، نَزَلَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً، [وبالطولى] [٨] في سورة البقرة فحمل عَلَى النَّسْخِ، وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ خَصُّوا الْآيَةَ بِحَدِيثِ سُبَيْعَةَ وَهُوَ مَا:
(٢) زيادة عن كتب التخريج.
(٣) زيادة عن المخطوط وشرح السنة.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في الأصل «خفشا» وهو تصحيف، والخفش: البيت الرديء.
(٦) سقط من المخطوط.
(٧) في المطبوع «المدة».
(٨) زيادة عن المخطوط.
أَنَّ سُبَيْعَةَ نَفَسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ، فَأَذِنَ لَهَا، فَنَكَحَتْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، أَيِ: انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ، فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ، خِطَابٌ لِلْأَوْلِيَاءِ، فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ، أَيْ: مِنَ اخْتِيَارِ الْأَزْوَاجِ دُونَ الْعَقْدِ [فَإِنَّ الْعَقْدَ] [١] إِلَى الْوَلِيِّ، وَقِيلَ: فِيمَا فَعَلْنَ مِنَ التَّزَيُّنِ لِلرِّجَالِ زِينَةً لَا يُنْكِرُهَا [٢] الشَّرْعُ، بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، وَالْإِحْدَادُ وَاجِبٌ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ، أَمَّا الْمُعْتَدَّةُ عن الطلاق ففيها نظر، فإن كانت رجعية لا إِحْدَادَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ، لِأَنَّ لها أن [تصنع] مَا يُشَوِّقُ قَلْبَ الزَّوْجِ إِلَيْهَا لِيُرَاجِعَهَا، وَفِي الْبَائِنَةِ بِالْخُلْعِ وَالطَّلْقَاتِ الثلاث قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: [عَلَيْهَا] [٣] الْإِحْدَادُ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّانِي: لَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَبِهِ قَالَ مالك.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٥]
وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لَا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ، أَيِ: النِّسَاءِ الْمُعْتَدَّاتِ، وَأَصْلُ التَّعْرِيضِ: هُوَ التَّلْوِيحُ بالشيء، والتعريض في الكلام بما يَفْهَمُ بِهِ السَّامِعُ مُرَادَهُ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ، وَالتَّعْرِيضُ بِالْخِطْبَةِ مُبَاحٌ فِي الْعِدَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: رُبَّ رَاغِبٍ فِيكِ، مَنْ يَجِدُ مِثْلَكِ، إِنَّكِ لَجَمِيلَةٌ، وَإِنَّكِ لَصَالِحَةٌ، وَإِنَّكِ عَلَيَّ لَكَرِيمَةٌ، وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنَّ مِنْ غَرَضِي أَنْ أتزوج بك، وَإِنْ جَمَعَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكِ بِالْحَلَالِ أَعْجَبَنِي [٤]، وَلَئِنْ تَزَوَّجْتُكِ لَأُحْسِنَنَّ إِلَيْكِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ أَنْكِحِينِي، وَالْمَرْأَةُ تُجِيبُهُ بِمِثْلِهِ إِنْ رَغِبَتْ فِيهِ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا بَأْسَ أن يهدي إليها وَيَقُومَ بِشَغْلِهَا فِي الْعِدَّةِ إِذَا كانت [من شأنه] [٥].
ع «٢٧٢» رُوِيَ أَنَّ سُكَيْنَةَ بِنْتَ حَنْظَلَةَ بَانَتْ [٦] مِنْ زَوْجِهَا فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ الباقر في
وهو عند المصنف في «شرح السنة» ٢٣٨ بهذا الإسناد.
- وعند مالك (٢/ ٥٩٠) عن هشام به.
- ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٥٣٢٠ والنسائي (٦/ ١٩٠) والشافعي (٢/ ٥٢- ٥٣) وأحمد (٤/ ٣٢٧) والبيهقي (٧/ ٤٢٨).
- وأخرجه النسائي (٦/ ١٩٠) وابن ماجه ٢٠٢٩ وعبد الرزاق (١١٧٣٤) وابن حبان ٤٢٩٨ والطبراني (٢٠/ ٥ و٦ و٧ و٨ و١١) من طرق عن هشام به. [.....]
٢٧٢- ع ضعيف. أخرجه الدارقطني (٣/ ٢٢٤) عن محمد بن مخلد عن عباس بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصلت عن عبد
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «يشكرها».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «أعجبتني».
(٥) في المطبوع «غير شابة».
(٦) في المخطوط «تأيمت».
أَكْنَنْتُ الشَّيْءَ وَكَنَنْتُهُ لُغَتَانِ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: أَكْنَنْتُ الشَّيْءَ [أَيْ: أَخْفَيْتُهُ فِي نَفْسِي] [٥]، وَكَنَنْتُهُ سترته، قال السُّدِّيُّ: هُوَ أَنْ يَدْخُلَ فَيُسَلِّمَ وَيُهْدِيَ إِنْ شَاءَ وَلَا يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ: بِقُلُوبِكُمْ، وَلكِنْ لَا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا، اخْتَلَفُوا فِي السِّرِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فقال قوم: هو الزنا وكان الرَّجُلُ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ أجل الزنية [٦] وهو يعرض بِالنِّكَاحِ، وَيَقُولُ لَهَا: دَعِينِي فَإِذَا وفيت عِدَّتَكِ أَظْهَرْتُ نِكَاحَكِ، هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَعَطَاءٍ، وَرِوَايَةُ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما، [و] قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: أَيْ لَا يَنْكِحُهَا سِرًّا فَيُمْسِكُهَا فَإِذَا حَلَّتْ أَظْهَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِكِ فَإِنِّي نَاكِحُكِ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ: لَا يَأْخُذُ مِيثَاقَهَا أَنْ لَا تَنْكِحَ غَيْرَهُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَا يَنْكِحُهَا وَلَا يَخْطُبُهَا فِي الْعِدَّةِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: السِّرُّ هُوَ الْجِمَاعُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَيْ لَا تَصِفُوا أَنْفُسَكُمْ لَهُنَّ بِكَثْرَةِ الْجِمَاعِ، فَيَقُولُ: آتِيكِ الْأَرْبَعَةَ وَالْخَمْسَةَ، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، وَيُذْكَرُ السِّرُّ وَيُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
أَلَّا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْقَوْمِ أَنَّنِي | كَبِرْتُ وألّا يحسن السرّ أمثالي |
وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ٢٨٢) : هكذا هو في كتاب «النكاح» لابن المبارك.... اهـ.
(١) زيادة من المخطوط.
(٢) في المطبوع «من».
(٣) سقط من المخطوط.
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) زيد في نسخ المطبوع.
(٦) تحرف في المطبوع إلى «الزينة». [.....]
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٦]
لَا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦)
وقوله تَعَالَى: لَا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً، أَيْ: ولم تمسوهن ولم تفرضوا.
ع «٢٧٣» نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَتِّعْهَا وَلَوْ بِقَلَنْسُوَتِكَ».
قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «مَا لَمْ تَمَاسُّوهُنَّ»، بِالْأَلْفِ هَاهُنَا وَفِي الْأَحْزَابِ عَلَى الْمُفَاعَلَةِ، لِأَنَّ بَدَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُلَاقِي بَدَنَ صَاحِبِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [الْمُجَادَلَةِ: ٤]، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ تَمَسُّوهُنَّ بِلَا أَلِفٍ، لِأَنَّ الْغِشْيَانَ يَكُونُ من فعل الرجال، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ [آل عمران: ٤٧]، أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً، أَيْ: تُوجِبُوا لَهُنَّ صَدَاقًا، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْوَجْهُ فِي نَفْيِ الْجُنَاحِ عَنِ الْمُطَلِّقِ؟ قِيلَ:
الطَّلَاقُ قَطْعُ سبب الوصلة.
«٢٧٤» م وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ».
فَنَفَى الْجُنَاحَ عَنْهُ إِذَا كَانَ الْفِرَاقُ أَرْوَحَ مِنَ الْإِمْسَاكِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا سَبِيلَ لِلنِّسَاءِ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ الْمَسِيسِ، وَالْفَرْضِ بِصَدَاقٍ وَلَا نَفَقَةٍ، وَقِيلَ: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي تَطْلِيقِهِنَّ قَبْلَ الْمَسِيسِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْتُمْ حَائِضًا كَانَتِ الْمَرْأَةُ أَوْ طَاهِرًا لِأَنَّهُ لَا سُنَّةَ وَلَا بِدْعَةَ فِي طَلَاقِهِنَّ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَطْلِيقُهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ، وَمَتِّعُوهُنَّ، أَيْ: أَعْطُوهُنَّ مِنْ مَالِكُمْ مَا يَتَمَتَّعْنَ بِهِ، وَالْمُتْعَةُ وَالْمَتَاعُ: مَا يُتَبَلَّغُ بِهِ مِنَ الزَّادِ، عَلَى الْمُوسِعِ، أَيْ: عَلَى الْغَنِيِّ، قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ، أَيِ: الْفَقِيرِ، قَدَرُهُ، أَيْ: إِمْكَانُهُ وَطَاقَتُهُ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ قَدَرُهُ بِفَتْحِ الدَّالِّ فِيهِمَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِسُكُونِهِمَا، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَقِيلَ: الْقَدْرُ بِسُكُونِ الدَّالِ: الْمَصْدَرُ، وَبِالْفَتْحِ: الِاسْمُ، مَتاعاً نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: مَتِّعُوهُنَّ، مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ، أَيْ: بِمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ [٢]، حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ، وَبَيَانُ حُكْمِ الْآيَةِ: أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا مَهْرًا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل المسيس يجب عليه الْمُتْعَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْفَرْضِ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَا مُتْعَةَ لَهَا، عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ الْمَفْرُوضِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا فَذَهَبَ [٣] جماعة إلى أنها لَا مُتْعَةَ لَهَا، لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْمُتْعَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ
قلت: وذكره القرطبي في تفسيره (٣/ ٢٠٢) وعزاه للثعلبي وهو غير حجة، والظاهر أنه ساقه بدون إسناد وهو يروي الموضوعات، لا يحتج بما ينفرد به. حتى إن الواحدي لم يذكره في «أسباب النزول» وكذا السيوطي وابن كثير.
٢٧٤- م تقدم برقم ٢٦٣.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط «خلل».
(٣) في المطبوع «فذهبت».
روي أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا فَخَاصَمَتْهُ إِلَى شُرَيْحٍ فِي الْمُتْعَةِ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: لَا تَأْبَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ وَلَا تَأْبَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ، وَلَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى ذَلِكَ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الْمُتْعَةِ، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَعْلَاهَا خَادِمٌ، وَأَوْسَطُهَا ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ: دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَإِزَارٌ، وَدُونَ ذَلِكَ وِقَايَةٌ، أَوْ شَيْءٌ مِنَ الْوَرِقِ، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، قال: أَعْلَاهَا عَلَى الْمُوسِعِ: خَادِمٌ، وَأَوْسَطُهَا:
ثَوْبٌ، وَأَقَلُّهَا: [أَقَلُّ] [٣] مَا لَهُ ثَمَنٌ وَحَسُنَ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا، وَطَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ امْرَأَتَهُ وتممها [٤] بجارية سَوْدَاءَ، أَيْ: مَتَّعَهَا، وَمَتَّعَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ امْرَأَةً لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَقَالَتْ:
مَتَاعٌ قَلِيلٌ مِنْ حَبِيبٍ مُفَارِقٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَبْلَغُهَا إِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ قَدْرُ نِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا لَا يُجَاوَزُ. وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَمِنْ حُكْمِ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَالِغَةً بِرِضَاهَا عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ يَصِحُّ النِّكَاحُ، وَلِلْمَرْأَةِ مُطَالَبَتُهُ بِأَنْ يَفْرِضَ لَهَا صَدَاقًا، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الْفَرْضِ فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْفَرْضِ وَالدُّخُولِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قبل الفرض والدخول، فاختلف أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَنَّهَا هَلْ تَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا، وَهُوَ قَوْلُ عَلَيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ [وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ] [٥] وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْفَرْضِ وَالدُّخُولِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ لَهَا الْمَهْرَ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَالدُّخُولِ في تقرير المسمى، فكذلك فِي إِيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ مُسَمًّى، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ واحتجّوا بما:
ع «٢٧٤» رُوِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صداقا ولم
حسن صحيح. وكرره أبو داود ٢١١٤ والنسائي (٦/ ١٢٢) وابن ماجه (١٨٩١) والحاكم (٢/ ١٨٠)، وصححه،
(١) في المطبوع «فلها».
(٢) زيد في المطبوع.
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) في المطبوع «وجمعها» والمثبت عن المخطوطتين.
(٥) زيد في المطبوع.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ ثَبَتَ حَدِيثُ بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ فِي حَدِيثِ بَرْوَعَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُ أَعْرَابِيٍّ مِنْ أَشْجَعَ عَلَى [كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [٢].
[سُورَةَ البقرة (٢) : آية ٢٣٧]
وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٧)
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ، هَذَا فِي الْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ الْفَرْضِ قَبْلَ الْمَسِيسِ، فَلَهَا نِصْفُ الْمَفْرُوضِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ الْمَفْرُوضِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسِّ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ: الْجِمَاعُ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا لَوْ خَلَا الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ [٣] إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهَا إِلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِيسِ نِصْفَ الْمَهْرِ [٤] وَلَمْ يُوجِبِ الْعِدَّةَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ قَوْمٌ: يَجِبُ لَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أُرْخِيَتِ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ، وَمِثْلُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ عُمَرَ عَلَى وُجُوبِ تَسْلِيمِ الصَّدَاقِ إِلَيْهَا إِذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا، لَا عَلَى تَقْدِيرِ [٥] الصَّدَاقِ.
وَقِيلَ: هَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ لِلْآيَةِ الَّتِي في الْأَحْزَابِ: فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ [الْأَحْزَابِ: ٤٩]، فَقَدْ كَانَ لِلْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ مَتَاعٌ فَنُسِخَتْ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَأَوْجَبَ لِلْمُطَلَّقَةِ الْمَفْرُوضَ لَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ نِصْفَ الْمَفْرُوضِ، وَلَا مَتَاعَ لَهَا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً، أَيْ: سَمَّيْتُمْ لَهُنَّ مَهْرًا فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ، أَيْ: لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى، إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ، يَعْنِي: النِّسَاءَ، أَيْ: إِلَّا أَنْ تَتْرُكَ الْمَرْأَةُ نَصِيبَهَا فَيَعُودُ جَمِيعُ الصَّدَاقِ إِلَى الزَّوْجِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ، اخْتَلَفُوا فِيهِ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ: إِلَى أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الْوَلِيُّ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَعْنَاهُ: إِلَّا أَنْ [٦] تَعْفُوَ الْمَرْأَةُ بِتَرْكِ نَصِيبِهَا إِلَى الزَّوْجِ إِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا مِنْ أَهْلِ الْعَفْوِ أَوْ يَعْفُو وَلِيُّهَا، فَيَتْرُكُ نَصِيبَهَا إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِكْرًا، أَوْ غَيْرَ جَائِزَةِ العفو فَيَجُوزُ عَفْوُ وَلِيِّهَا، وَهُوَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَجُوزُ عَفْوُ الْوَلِيِّ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِكْرًا، فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَا يَجُوزُ عَفْوُ وَلِيِّهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ
(١) الوكس: النقص والتنقيص- واشتط في سلعته سقطا: جاوز القدر المحدود وأبعد عن الحق.
(٢) زيادة عن المخطوط وط. [.....]
(٣) في المطبوع «قوم».
(٤) في المطبوع «الصداق».
(٥) في المخطوط «تقرير».
(٦) في المطبوع «أن لا».
إِفْضَالَ بعضهم عَلَى بَعْضٍ بِإِعْطَاءِ الرَّجُلِ تَمَامَ الصَّدَاقِ أَوْ تَرْكِ الْمَرْأَةِ نَصِيبَهَا، حثّهما جميعا على الإحسان، [لأنه من شيم الأخلاق] [٦]، إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٨]
حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (٢٣٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى، أَيْ: وَاظِبُوا وَدَاوِمُوا على الصلوات المكتوبات لمواقيتها [٧] وحدودها، وإتمام [شروطها و] [٨] أركانها، ثم خصّ [الله تعالى] [٩] مِنْ بَيْنِهَا الصَّلَاةَ الْوُسْطَى بِالْمُحَافَظَةِ عليها دلالة على فضلها، وسطى تَأْنِيثُ الْأَوْسَطِ، وَوَسَطُ الشَّيْءِ: خَيْرُهُ وَأَعْدَلُهُ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ صَلَاةُ الْفَجْرِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمْرَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاذٍ وَجَابِرٍ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ، وَإِلَيْهِ ذهب [١٠] مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ، وَالْقُنُوتُ: طُولُ الْقِيَامِ، وَصَلَاةُ الصُّبْحِ مَخْصُوصَةٌ بطول القيام وبالقنوت، ولأن اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهَا فِي آيَةٍ أُخْرَى مِنْ بَيْنِ الصَّلَوَاتِ [١١]، فَقَالَ الله تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الإسراء: ٧٨]، يعني: يشهدها مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي دِيوَانِ اللَّيْلِ وَدِيوَانِ النَّهَارِ، وَلِأَنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْ جَمْعٍ، وَهِيَ لَا تُقْصَرُ وَلَا تُجْمَعُ إِلَى غَيْرِهَا، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، لِأَنَّهَا فِي وَسَطِ النَّهَارِ وَهِيَ أَوْسَطُ صلوات [١٢] النَّهَارِ فِي الطُّولِ.
«٢٧٥» أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو علي اللؤلؤي [١٣] أنا أبو
وهو عند المصنف في «شرح السنة» ٣٩٠ بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود ٤١١ وأحمد (٢/ ١٨٣) والبخاري في «التاريخ الكبير» (٣/ ٤٣٤) والطبري ٥٤٦٢ والبيهقي (١/ ٤٥٨) من طرق عن شعبة بهذا الإسناد.
(١) تحرف في المطبوع إلى «الشريحي».
(٢) في المطبوع «الشيء».
(٣) في المطبوع «الصداق».
(٤) في المطبوع «أن لا».
(٥) زيادة في المطبوع.
(٦) زيادة من المخطوط.
(٧) في المطبوع «بمواقيتها».
٨ زيادة عن المخطوط.
٩ زيادة عن المخطوط. [.....]
(١٠) في المطبوع «مال».
(١١) في المطبوع «الصلاة».
(١٢) في المطبوع «صلاة».
(١٣) في الأصل «اللولوي».
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي صَلَاةً أَشَدَّ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا، فَنَزَلَتْ: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى.
وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ، رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَوْلُ عَلَيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ.
«٢٧٦» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ [٢] أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ:
أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا وَقَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذِنِّي [٣] حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى، فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا فَأَمْلَتْ عَلَيَّ حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى. صَلَاةِ الْعَصْرِ. وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَنْ حَفْصَةَ مِثْلُ ذَلِكَ:
«٢٧٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سمعان، أنا أبو جعفر
٢٧٦- إسناده صحيح، أبو إسحق فمن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال الصحيح. أبو يونس مولى عائشة مشهور بكنيته، وهو والقعقاع من رجال مسلم.
- هو عند المصنف في «شرح السنة» ٣٨٧ بهذا الإسناد.
- وعند مالك (١/ ١٣٨) من طريق زيد به.
ومن طريق مالك أخرجه مسلم ٦٢٩ وأبو داود ٤١٠ والترمذي ٢٩٨٢ والنسائي في «التفسير» ٦٦.
- وأخرجه مالك (١/ ١٣٨- ١٣٩) وأحمد (٦/ ٧٣ و١٧٨) والطحاوي في «المعاني» (١/ ١٧٢) وابن أبي داود في «المصاحف» (ص ٨٤) والبيهقي (١/ ٤٦٢) من طريق زيد بن أسلم به.
- وأخرجه الطبري (٥٤٧٠) من طريق زيد بن أسلم أنه بلغه عن أبي يونس عن عائشة به.
- وورد من حديث حفصة.
أخرجه مالك (١/ ١٣٩) والطحاوي (١/ ١٧٢) وابن أبي داود (ص ٩٦- ٩٧) وابن حبان ٦٣٢٣ والمزي في «تهذيب الكمال» والبيهقي (١/ ٤٦٣) والطبري (٥٤٦٥) و (٥٤٦٦).
(٢) في «شرح السنة» «الشيرزي» بدل «السرخسي».
(٣) في الأصل «فأذنّي» وهو تصحيف.
٢٧٧- حديث صحيح. إسناده حسن لأجل عاصم بن أبي النّجود، واسم أبي النجود، بهدلة، ولم ينفرد به بل توبع، وباقي الإسناد ثقات، أبو نعيم هو الفضل بن دكين، وسفيان هو ابن سعيد الثوري، وعبيدة- بفتح العين مكبر- هو ابن عمرو السلماني.
- وهو عند المصنف في «شرح السنة» ٣٠٨ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الطبري ٥٤٢٦ والبيهقي (١/ ٤٦٠) من طريق سفيان به.
- وأخرجه ابن ماجه ٦٨٤ وعبد الرزاق ٢١٩٢ والطيالسي ١٦٤ وأحمد (١/ ١٥٠) والطبري ٥٤٣١ والطحاوي في «المعاني» (١/ ١٧٣) و (١٧٤) من طرق عن عاصم بن أبي النجود به.
قُلْنَا لِعُبَيْدَةَ: سَلْ عَلِيًّا عَنِ الصلاة الوسطى، فسأله، قال: كُنَّا نَرَى أَنَّهَا صَلَاةَ الْفَجْرِ حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ، مَلَأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وقبورهم نارا».
ولأنها بين صَلَاتَيْ نَهَارٍ وَصَلَاتَيْ لَيْلٍ، وَقَدْ خَصَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّغْلِيظِ [٢] :
٢٧»
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَا هِشَامٌ [أَنَا] [٣] يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ:
كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ، فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلَاةِ الْعَصْرِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ [فَقَدْ] [٤] حَبِطَ عَمَلُهُ».
وَقَالَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ: هِيَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ لِأَنَّهَا وَسَطٌ لَيْسَ بأقلها ولا بأكثرها، [وقال بعضهم: إنها صلاة العشاء] [٥]، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ [أَحَدٍ مِنَ] [٦] السلف فيها شيء، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ لَا تُقْصَرَانِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ إِحْدَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَا بِعَيْنِهَا أَبْهَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى تحريضا للعباد
- وأخرجه مسلم (٦٢٧) ح/ ٢٠٣ والترمذي ٢٩٨٤ والنسائي (١/ ٢٣٦) وأحمد (١/ ١٣٥) و (٣٧) و (١٥٣) و (١٥٤) والطبري (٥٤٢٥) و (٥٤٣٢) من طرق عن أبي حسان عن عبيدة به.
- وأخرجه مسلم (٦٢٧) ح/ ٢٠٥ وعبد الرزاق (٢١٩٤) وأحمد (١/ ٨١ و٨٢ و١١٣ و١٢٦ و١٤٦) والطبري (٥٤٢٧) و (٥٤٢٩) والبيهقي (١/ ٤٦٠) و (٢/ ٢٢٠) من طرق عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى مسلم بن صبيح عن شتير بن شكل عن علي به.
- وورد من حديث ابن مسعود. أخرجه مسلم ٦٢٨ والترمذي (١٨١) و (٢٩٨٥) والطيالسي (٣٦٦) وأحمد (١/ ٣٩٢) و (٤٠٣) و (٤٠٤) و (٤٥٦) والطبري (٥٤٣٣) والطحاوي (١/ ١٧٤) والبيهقي (١/ ٤٦١) من طريق محمد بن طلحة عن زبيد بن الحارث، عن مرة بن شراحيل عن ابن مسعود.
٢٧٨- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، هشام هو ابن سنبر الدّستوائي، أبو قلابة هو عبد الله بن مرثد، أبو المليح هو ابن أسامة بن عمير. قيل: اسمه عامر، وقيل: زيد، وقيل: زياد.
هو عند المصنف في «شرح السنة» ٣٧٠ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٥٥٣ من طريق مسلم بن إبراهيم به.
- وأخرجه البخاري ٥٩٤ وابن ماجه ٦٩٤ والنسائي (١/ ١٥٥) وأحمد (٥/ ٣٤٩) و (٣٥٠) و (٣٦١) وابن حبان (١٤٦٣) و (١٤٧٠) وابن أبي شيبة في «المصنف» (١/ ٣٤٢ و٣٤٣) وفي «الإيمان» ٤٩ وابن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (٩٠٢- ٩٠٥) والبيهقي (١/ ٤٤٤) من طرق عن يحيى بن أبي كثير به.
(١) في الأصل «ذر» وهو تصحيف.
(٢) زيد في المخطوط «بالإيمان في وقتها».
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. [.....]
(٤) زيد في نسخ المطبوع وهو في «صحيح البخاري»، وليس هو في المخطوط و «شرح السنة».
(٥) زيد في نسخ المطبوع.
(٦) زيادة عن المخطوط.
«٢٧٩» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، أَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ [٤] عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ:
كُنَّا نَتَكَلَّمُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ مِنَّا صَاحِبَهُ إِلَى جَنْبِهِ، حَتَّى نَزَلَتْ وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: خَاشِعِينَ، وَقَالَ: مِنَ الْقُنُوتِ طُولُ الرُّكُوعِ، وَغَضُّ البصر، والركود وخفض الجناح وكان العلماء إذا كان أَحَدُهُمْ يُصَلِّي يَهَابُ الرَّحْمَنَ أَنْ يَلْتَفِتَ أَوْ يَقْلِبَ الْحَصَى أَوْ يَعْبَثَ بِشَيْءٍ أَوْ يُحَدِّثَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا إِلَّا نَاسِيًا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ الْقُنُوتِ طُولُ الْقِيَامِ.
«٢٨٠» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَا أبو عيسى الترمذي،
- هو في «شرح السنة» ٧٢٣ بهذا الإسناد.
- وعند الترمذي ٤٠٥ عن أحمد بن منيع به.
- وأخرجه البخاري ٤٥٣٤ ومسلم ٥٣٩ وأبو داود ٩٤٩ والترمذي ٢٩٨٦ و٥٥٢٤ والنسائي (٣/ ١٨) وابن خزيمة ٨٥٦ وابن حبان ٢٢٤٥ و٢٢٤٦ و٢٢٥٠ والطبري ٥٥٢٧ والطبراني ٥٠٦٣ و٥٠٦٤ والبيهقي (٢/ ٢٤٨) من طرق عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ به.
٢٨٠- إسناده صحيح على شرط مسلم، ابن أبي عمر هو محمد بن يحيى، أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس- بفتح التاء-.
- وهو في «شرح السنة» ٦٦٠ بهذا الإسناد.
- وعند الترمذي ٣٨٧ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٧٥٦ وابن ماجه ١٤٢١ والطيالسي ١٧٧٧ والحميدي ١٢٧٦ وأحمد (٣/ ٣٠٢) و (٣١٤) و (٣٩١) وابن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (٣٠٩- ٣١١) وابن حبان ١٧٥٨ والبيهقي (٣/ ٨) والبغوي في «شرح السنة» ٦٦١ من طرق من حديث جابر.
وله شاهد من حديث عمرو بن عبسة أخرجه أحمد (٤/ ٣٨٥) وابن نصر (٣٠٨) وفي إسناده محمد بن ذكوان، وهو ضعيف كما في «التقريب».
- ومن حديث عبد الله بن حبشي أخرجه أبو داود (١٣٢٥) و (١٤٤٩) والنسائي (٥/ ٥٨) وابن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» ٣٠٧ وأحمد (٢/ ٤١١) و (٤١٢) والدارمي (١/ ٣٣١) والبيهقي (٣/ ٩).
(١) في المخطوط «في».
(٢) في المطبوع «الاسم».
(٣) زيد في المخطوط «والرجل الصالح في الخلق» وهذه الزيادة لا تتناسب والعبارة الآتية.
(٤) في الأصل «سقيل» وهو تصحيف.
قَالَ: «طُولُ الْقُنُوتِ».
وَقِيلَ: قَانِتِينَ، أَيْ: دَاعِينَ، دليله ما:
ع «٢٨١» رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ من بني سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ.
وقيل: معناه مصلّين كقوله [٢] تَعَالَى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ [الزمر: ٩]، أي: مصلّ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٩]
فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (٢٣٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً، فَرِجَالًا أَيْ: رَجَّالَةً، يُقَالُ: رَاجِلٌ وَرِجَالٌ، مِثْلُ صَاحِبٍ وَصِحَابٍ، وَقَائِمٍ وَقِيَامٍ، وَنَائِمٍ وَنِيَامٍ، أَوْ رُكْبَانًا عَلَى دَوَابِّهِمْ، وَهُوَ جَمْعُ رَاكِبٍ، مَعْنَاهُ: إِنْ لَمْ يُمْكِنْكُمْ أَنْ تُصَلُّوا قَانِتِينَ مُوَفِّينَ لِلصَّلَاةِ حَقَّهَا لِخَوْفٍ، فَصَلُّوا مُشَاةً عَلَى أَرْجُلِكُمْ أَوْ رُكْبَانًا عَلَى ظُهُورِ دَوَابِّكُمْ، وَهَذَا فِي حَالِ الْمُقَاتَلَةِ وَالْمُسَايَفَةِ [٣] يُصَلِّي حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ، رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَغَيْرَ مُسْتَقْبَلِهَا، وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَكَذَلِكَ إِذَا قَصَدَهُ سَبُعٌ أَوْ غَشِيَهُ سَيْلٌ [٤] يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ فَعَدَا [٥] أَمَامَهُ مُصَلِّيًا بِالْإِيمَاءِ يَجُوزُ، وَالصَّلَاةُ فِي حَالِ الْخَوْفِ عَلَى أَقْسَامٍ، [فَهَذِهِ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ] [٦]، وَسَائِرُ الْأَقْسَامِ سَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يُنْتَقَصُ [٧] عَدَدُ الرَّكَعَاتِ بِالْخَوْفِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
ع «٢٨٢» وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
وصححه الحاكم على شرط البخاري، ووافقه الذهبي مع أن هلال بن خباب لم يخرج له البخاري. وقد اختلف فيه.
- لكن له شاهد من حديث أنس أخرجه البخاري ١٠٠٣ و٤٠٩٤ ومسلم ٦٧٧ والنسائي (٢/ ٢٠٠) وأحمد (٣/ ١١٦) وأبو عوانة (٢/ ١٨٦) وابن حبان ١٩٧٣ والبيهقي (٢/ ٢٤٤) من طرق عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مجلز عنه.
- وأخرجه البخاري (٢٨١٤) و (٤٠٩١) و (٤٠٩٥) وأحمد (٣/ ٢١٥) و (٢٨٩) وأبو عوانة (٢/ ٢٨٦) والدارمي (١/ ٣٧٤) والطحاوي (١/ ٢٤٤) من طرق عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ به.
٢٨٢- ع صحيح. هو عند المصنف في «شرح السنة» ١٠١٧ مسندا.
- وأخرجه مسلم ٦٨٧ وأبو داود ١٢٤٧ والنسائي (٣/ ١١٨- ١١٩) و (١٦٨- ١٦٩) وابن أبي شيبة (٢/ ٤٦٤) وأحمد (١/ ٢٣٧ و٢٤٣ و٢٥٤) وابن خزيمة ١٣٤٦ والطحاوي (١/ ٣٠٩) وابن حبان ٢٨٦٨ والطبراني (١١/ ١١٠٤١ و١١٠٤٢) والطبري (١٠٣٣٨) و (١٠٣٣٩) والبيهقي (٣/ ١٣٥) من طرق عن بكير بن الأخنس عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به وانظر
(١) وقع في الأصل «ابن» وهو تصحيف.
(٢) في المطبوع «لقوله».
(٣) في المطبوع «المسايفة». [.....]
(٤) في المخطوط «شيء».
(٥) في المخطوط «قعد».
(٦) العبارة في المطبوع [فهذه أحد أقسام شدة صلاة الخوف].
(٧) في المخطوط «تنقص».
وَهُوَ قَوْلُ عطاء وطاوس وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ: أَنَّهُ يُصَلِّي فِي حَالِ شِدَّةِ الْخَوْفِ رَكْعَةً، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِذَا كُنْتَ فِي الْقِتَالِ وَضَرَبَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَاذْكُرِ اللَّهَ، [فإذا ذكرت اللَّهَ] [١] فَتِلْكَ صَلَاتُكَ. فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ، أَيْ: فَصَلَّوُا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ تَامَّةً بِحُقُوقِهَا، كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٤٠]
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٤٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ: يَا مَعْشَرَ الرِّجَالِ، وَيَذَرُونَ، أَيْ: يَتْرُكُونَ أَزْواجاً، أَيْ: زَوْجَاتٍ، وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ، قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ وَصِيَّةً بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى: فَلْيُوصُوا وَصِيَّةً، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ، أَيْ: كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْوَصِيَّةَ، مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ، مَتَاعًا نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: مَتِّعُوهُنَّ مَتَاعًا، وَقِيلَ: جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُنَّ مَتَاعًا، وَالْمَتَاعُ: نَفَقَةُ سَنَةٍ لِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا وَسَكَنِهَا وَمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، غَيْرَ إِخْراجٍ، نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَقِيلَ: بِنَزْعِ حَرْفٍ عَلَى الصِّفَةِ، أَيْ: مِنْ غير إخراج.
ع «٢٨٣» نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ يُقَالُ لَهُ: حَكِيمُ بْنُ الْحَارِثِ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَهُ أَوْلَادٌ وَمَعَهُ أَبَوَاهُ وَامْرَأَتُهُ، فَمَاتَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَأَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِدَيْهِ وَأَوْلَادَهُ مِنْ مِيرَاثِهِ، وَلَمْ يُعْطِ [٢] امْرَأَتَهُ شَيْئًا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَيْهَا مِنْ تَرِكَةِ زَوْجِهَا حَوْلًا كَامِلًا وَكَانَتْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حَوْلًا كَامِلًا وَكَانَ يَحْرُمُ عَلَى الْوَارِثِ إِخْرَاجُهَا مِنَ الْبَيْتِ قَبْلَ تمام الحول، وكانت نفقتها وسكنها وَاجِبَةٌ فِي مَالِ زَوْجِهَا تِلْكَ السَّنَةَ مَا لَمْ تَخْرُجْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا الْمِيرَاثُ، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَكَانَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُوصِيَ بِهَا، فَكَانَ كَذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ، فَنَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى نَفَقَةَ الْحَوْلِ بِالرُّبْعِ وَالثُّمْنِ، وَنَسَخَ عدّة الحول بأربعة أشهر وعشرا. قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ خَرَجْنَ، يَعْنِي: مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِنَّ قَبْلَ الْحَوْلِ [مِنْ غَيْرِ إِخْرَاجِ الْوَرَثَةِ] [٣]، فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ يَا أَوْلِيَاءَ الْمَيِّتِ، فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ، يَعْنِي:
التَّزَيُّنَ لِلنِّكَاحِ، وَلِرَفْعِ الْجُنَاحِ عَنِ الرِّجَالِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي قطع النفقة عنهن إِذَا خَرَجْنَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ، وَالْآخَرُ: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي تَرْكِ مَنْعِهِنَّ مِنَ الْخُرُوجِ، لِأَنَّ مُقَامَهَا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا حَوْلًا غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا، خَيَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ أَنْ تُقِيمَ حَوْلًا وَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى [٤]، وَبَيْنَ أَنْ تَخْرُجَ [فَلَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى] [٥]، إلى أن نسخه [الله تعالى] بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٤١ الى ٢٤٣]
وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢٤٢) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٢٤٣)
٢٨٣- ع ضعيف. أخرجه الواحدي في «أسباب النزول» ١٥٧ عن إسحاق بن راهويه في تفسيره كما في «أسباب النزول» للسيوطي ١٧٠ عن مقاتل بن حيان، وهذا معضل، لا يحتج به. مقاتل يروي مناكير.
(١) زيد في المطبوع.
(٢) في المطبوع «يؤت».
(٣) زيد في المطبوع.
(٤) في المخطوط «الكسوة».
(٥) زيد في المطبوع.
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢٤٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ، قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: كَانَتْ قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا دَاوَرْدَانُ قِبَلَ وَاسِطَ، وقع بها الطَّاعُونُ فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ مِنْهَا وَبَقِيَتْ طَائِفَةٌ فَهَلَكَ أَكْثَرُ مَنْ بَقِيَ فِي الْقَرْيَةِ، وَسَلِمَ الَّذِينَ خَرَجُوا [منها]، فَلَمَّا ارْتَفَعَ الطَّاعُونُ رَجَعُوا سَالِمِينَ، فَقَالَ الَّذِينَ بَقُوا: أَصْحَابُنَا كَانُوا أَحْزَمَ مِنَّا لَوْ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعُوا لَبَقِينَا وَلَئِنْ وَقَعَ الطَّاعُونُ ثَانِيَةً لَنَخْرُجَنَّ إِلَى أَرْضٍ لَا وباء بها، فوقع [٢] الطاعون [عليهم] [٣] مِنْ قَابَلٍ فَهَرَبَ عَامَّةُ أَهْلِهَا وَخَرَجُوا حَتَّى نَزَلُوا وَادِيًا أَفْيَحَ، فَلَمَّا نَزَلُوا الْمَكَانَ الَّذِي يَبْتَغُونَ فِيهِ النَّجَاةَ نَادَاهُمْ مَلِكٌ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي وَآخَرُ مِنْ أَعْلَاهُ: أَنْ مُوتُوا فَمَاتُوا جَمِيعًا.
٢٨»
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الهاشمي، أنا أبو مصعب حدثنا مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ:
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَلَمَّا جَاءَ سَرْغَ [٤] بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ، فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ»، فَرَجَعَ عُمْرُ مِنْ سَرْغَ [٥].
قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَالضَّحَّاكُ: إِنَّمَا فَرُّوا مِنَ الْجِهَادِ وَذَلِكَ أَنَّ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى قِتَالِ عَدُوِّهِمْ فَعَسْكَرُوا ثُمَّ جَبَنُوا وَكَرِهُوا الْمَوْتَ فَاعْتَلَوْا وَقَالُوا لِمَلِكِهِمْ: إِنَّ الْأَرْضَ الَّتِي نأتيها بِهَا الْوَبَاءُ فَلَا نَأْتِيهَا حَتَّى يَنْقَطِعَ مِنْهَا الْوَبَاءُ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عليهم الموت [في مكانهم] [٦]، فَخَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ فِرَارًا مِنَ الْمَوْتِ، فَلَمَّا رَأَى الْمَلِكُ ذَلِكَ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ يَعْقُوبَ وَإِلَهَ موسى وهرون قد ترى
خرجه المصنف من طريق مالك وهو في «الموطأ» (٢/ ٨٩٦- ٨٩٧) بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه البخاري (٥٧٣٠) و (٦٩٧٣) ومسلم ٢٢١٩ وأحمد (١/ ١٩٤) والبيهقي (٣/ ٣٧٦).
- وأخرجه أحمد (١/ ١٩٣) وابن حبان ٢٩١٢ من طريق ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ به.
- وورد من حديث ابن عباس أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ.... فذكره أخرجه البخاري ٥٧٢٩ ومسلم ٢٢١٩ وأبو داود ٣١٠٣ ومالك (٢/ ٨٩٤- ٨٩٦) وأحمد (١/ ١٩٤) وابن حبان (٢٩٥٣) والبيهقي (٧/ ٢١٧- ٢١٨).
(١) في المطبوع «أر».
(٢) في المخطوط «فرجع». [.....]
(٣) زيادة من المخطوط.
٤ السرغ: موضع قرب الشام بين المغيثة وتبوك.
٥ السرغ: موضع قرب الشام بين المغيثة وتبوك.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «فأتى».
(٣) في القاموس: أراح الماء واللحم: أنتنا- وأراح فلان: مات وأراح الشيء: وجد ريحه.
(٤) في المطبوع «فعاشوا».
(٥) في المخطوط «شجية».
(٦) في المخطوط «رسما» وفي «الدر المنثور»، «دسما».
(٧) في النسخ «مدة» والمثبت عن الطبري ٥٦١٦.
(٨) في المطبوع «جاءت».
(٩) في المطبوع «آجالهم».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٤٤ الى ٢٤٥]
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥)
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَيْ: فِي طَاعَةِ [اللَّهِ] [٣] أَعْدَاءَ اللَّهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: هَذَا خِطَابٌ لِلَّذِينِ أُحْيَوْا، أُمِرُوا بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَخَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ فِرَارًا مِنَ الْجِهَادِ فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُجَاهِدُوا، وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَمَرَهُمْ بِالْجِهَادِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً، الْقَرْضُ: اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُعْطِيهِ الْإِنْسَانُ لِيُجَازَى عَلَيْهِ، فَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى عَمَلَ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ على رجاء ما عدّ لهم مِنَ الثَّوَابِ قَرْضًا، لِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَهُ لِطَلَبِ ثَوَابِهِ، قَالَ الْكِسَائِيُّ: الْقَرْضُ مَا أَسْلَفْتَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ أَوْ سَيِّئٍ، وَأَصْلُ الْقَرْضِ فِي اللُّغَةِ: الْقَطْعُ، سُمِّيَ بِهِ الْقَرْضُ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ [٤] مِنْ مَالِهِ شَيْئًا يُعْطِيهِ لِيَرْجِعَ إِلَيْهِ مِثْلُهُ، وَقِيلَ فِي الْآيَةِ اخْتِصَارٌ مَجَازُهُ: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ عِبَادَ اللَّهِ وَالْمُحْتَاجِينَ مِنْ خَلْقِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، [الْأَحْزَابِ: ٥٧]، أَيْ: يُؤْذُونَ عِبَادَ اللَّهِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ:
ع «٢٨٥» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يا ابن آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عندي» ؟.
وقوله عزّ وجلّ: يُقْرِضُ اللَّهَ، أَيْ: يُنْفِقُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ قَرْضًا حَسَنًا، قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاقِدِيُّ يَعْنِي: محتسبا طيّبة به نفسه، [و] قال ابْنُ الْمُبَارَكِ: مِنْ مَالٍ حَلَالٍ، وقال: لَا يَمُنُّ بِهِ وَلَا يُؤْذِي فَيُضاعِفَهُ لَهُ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ «فَيُضَعِّفَهُ» وَبَابُهُ [٥] بِالتَّشْدِيدِ، وَوَافَقَ أَبُو عَمْرٍو فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ فَيُضاعِفَهُ بِالْأَلْفِ مُخَفَّفًا، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَدَلِيلُ التَّشْدِيدِ قَوْلُهُ:
أَضْعافاً كَثِيرَةً، لِأَنَّ التَّشْدِيدَ لِلتَّكْثِيرِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ بِنَصْبِ الْفَاءِ، وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ، وَقِيلَ: بِإِضْمَارِ أَنْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِرَفْعِ الْفَاءِ نَسَقًا عَلَى قَوْلِهِ يُقْرِضُ أَضْعافاً كَثِيرَةً، قال السدي: وهذا التَّضْعِيفُ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقِيلَ: سَبْعُمِائَةِ ضِعْفٍ، وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ، قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَحَمْزَةُ يَبْسُطُ هنا، وفي الأعراف: بَصْطَةً [الأعراف: ٦٩]، بِالسِّينِ كَنَظَائِرِهِمَا، وَقَرَأَهُمَا الْآخَرُونَ بِالصَّادِّ، وقيل: يَقْبِضُ بِإِمْسَاكِ الرِّزْقِ وَالنَّفْسِ وَالتَّقْتِيرِ، وَيَبْسُطُ بِالتَّوْسِيعِ، وَقِيلَ: يَقْبِضُ بِقَبُولِ التَّوْبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَيَبْسُطُ بِالْخَلَفِ وَالثَّوَابِ، وقيل: هو الإحياء والإماتة
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «فلم يشكروا».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيد في المطبوع «به».
(٥) في المخطوط «وياؤه».
ع «٢٨٦» كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «الْقُلُوبُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا اللَّهُ كَيْفَ يَشَاءُ» الْحَدِيثَ.
وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، أَيْ إِلَى اللَّهِ تَعُودُونَ فَيَجْزِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى التُّرَابِ، كِنَايَةً عَنْ [١] غَيْرِ مَذْكُورٍ، أَيْ [٢] : مِنَ التراب خلقهم وإليه يعودون.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٤٦]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦)
. قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ، وَالْمَلَأُ مِنَ الْقَوْمِ: وُجُوهُهُمْ وَأَشْرَافُهُمْ، وَأَصْلُ الْمَلَأِ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ، وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، كَالْقَوْمِ وَالرَّهْطِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْجَيْشِ، وَجَمْعُهُ أَمْلَاءٌ، مِنْ بَعْدِ مُوسى، أَيْ: مِنْ بَعْدِ مَوْتِ مُوسَى، إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ، وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ النَّبِيِّ، فَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونِ بْنِ افْرَائِيمَ بْنِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: اسْمُهُ شَمْعُونُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ شَمْعُونَ لِأَنَّ أُمَّهُ دَعَتِ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهَا غُلَامًا فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهَا فولدت غلاما فسمّته شمعون، تَقُولُ:
سَمِعَ اللَّهُ تَعَالَى دُعَائِي، وَالسِّينُ تَصِيرُ شِينًا بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَهُوَ شمعون بن صفية بنت عَلْقَمَةَ مِنْ وَلَدِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ، وَقَالَ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ إِشْمَوِيلُ وَهُوَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَالَ بْنِ عَلْقَمَةَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ إِشْمَوِيلُ، وَهُوَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ إسماعيل بن هلقايا، وَقَالَ وَهْبٌ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَالْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُمْ: كَانَ سَبَبُ مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ ذلك أنه لَمَّا مَاتَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ خَلَفَ بَعْدَهُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ يُقِيمُ فِيهِمُ التَّوْرَاةَ وَأَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ خَلَفَ فيهم كالب بن يوقنا كَذَلِكَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ خَلَفَ حِزْقِيلُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ عَظُمَتِ الْأَحْدَاثُ فِي
- وفي الباب من حديث أنس أخرجه ابن ماجه ٣٨٣٤ من طريق يزيد الرقاشي ويزيد هذا ضعيف.
وأخرجه ابن أبي عاصم ٢٢٥ والآجري (ص ٣١٧) من طريق الأعمش عن سفيان عن أنس به وإسناده صحيح.
- ومن حديث أم سلمة عند الترمذي ٣٥٢٢ وأحمد (٦/ ٣٠٢ و٣١٥) والآجري في «الشريعة» (٧٤٤) بترقيمي، وابن أبي عاصم في «السنة» ٢٢٣ وقال الترمذي: حديث حسن.
- ومن حديث عائشة عند الآجري (٧٤٧) وأحمد (٦/ ٩١) وابن أبي عاصم (٢٢٤ و٢٣٣).
وانظر الحديث الآتي برقم: ٣٦٣.
(١) في المطبوع «من».
(٢) لفظ «أي» وما قبله من كلام البغوي لا من كلام قتادة، وكلام قتادة أوله «من... ».
(٢) في المطبوع «البلثاثا».
(٣) زيادة من المخطوط.
(٤) في المطبوع «من».
(٥) في المطبوع «ليعلم» وفي المخطوط «لتعليم» والمثبت عن- ط.
(٦) زيادة من المخطوط. [.....]
(٧) في المخطوط «يأمن».
(٨) في المطبوع «لئلا يفزع الغلام». والمثبت عن الطبري وط.
(٩) زيد في المطبوع.
(١٠) زيادة من المخطوط.
(١١) في المطبوع «يقيم» والمثبت عن المخطوط والطبري ٥٦٣٥.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٤٧]
وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧)
وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً، وَذَلِكَ أَنَّ إِشْمَوِيلَ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَبْعَثَ لَهُمْ مَلِكًا فَأَتَى بِعَصَا وَقَرْنٍ فِيهِ دُهْنُ الْقُدْسِ، وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ صَاحِبَكُمُ الَّذِي يَكُونُ طَوُلُهُ طُولُ هَذِهِ الْعَصَا، وَانْظُرْ هَذَا الْقَرْنَ الَّذِي فِيهِ الدُّهْنُ، فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْكَ رَجُلٌ فَنَشَّ الدُّهْنُ الَّذِي فِي الْقَرْنِ فَهُوَ مَلِكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَادَّهِنْ بِهِ رَأْسَهُ وَمَلِّكْهُ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ طَالُوتُ اسْمُهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ شَاوِلُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ أَوْلَادِ بِنْيَامِينَ بْنِ يَعْقُوبَ، سُمِّيَ طَالُوتَ لِطُولِهِ، وَكَانَ أَطْوَلَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ بِرَأْسِهِ وَمَنْكِبَيْهِ، وَكَانَ رَجُلًا دَبَّاغًا يَعْمَلُ الْأَدِيمَ، قَالَهُ وَهْبٌ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ رَجُلًا سَقَّاءً يَسْقِي عَلَى حِمَارٍ لَهُ مِنَ النِّيلِ، فَضَلَّ حِمَارُهُ فخرج في طلبه، وَقَالَ وَهْبٌ: بَلْ ضَلَّتْ حُمُرٌ لِأَبِي طَالُوتَ فَأَرْسَلَهُ وَغُلَامًا لَهُ في طلبها فمرّا ببيت أشمويل عليه السلام، فَقَالَ الْغُلَامُ لِطَالُوتَ: لَوْ دَخَلْنَا عَلَى هَذَا النَّبِيِّ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ أَمْرِ الْحُمُرِ لِيُرْشِدَنَا وَيَدْعُوَ لَنَا [لكان حسنا] [٢]، فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَبَيْنَمَا هُمَا عِنْدَهُ يذكران له [شأن دابتهما] [٣]، إِذْ نَشَّ الدُّهْنُ الَّذِي فِي الْقَرْنِ، فَقَامَ إِشْمَوِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَاسَ طَالُوتَ بِالْعَصَا فَكَانَتْ طُولَهُ، فَقَالَ لِطَالُوتَ: قَرِّبْ رَأْسَكَ فَقَرَّبَهُ فَدَهَنَهُ بِدُهْنِ الْقُدْسِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَنْتَ مَلِكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أملكك [٤] عليهم، فقال طالوت [له] : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ سِبْطِي أَدْنَى أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَيْتِي أَدْنَى بُيُوتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَبِأَيِّ آيَةٍ؟ قَالَ: بِآيَةِ أَنَّكَ تَرْجِعُ وَقَدْ وَجَدَ أَبُوكَ حُمُرَهُ، فَكَانَ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا، قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا، أَيْ: مِنْ أَيْنَ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا؟
وَنَحْنُ أَحَقُّ: أَوْلَى بِالْمُلْكِ مِنْهُ؟ وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ سبطان، سبط النبوّة وسبط المملكة، فَكَانَ سِبْطُ النُّبُوَّةِ سِبْطَ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ، وَمِنْهُ كَانَ مُوسَى وهارون [عليهما السلام]، وَسِبْطُ الْمَمْلَكَةِ سِبْطُ يَهُوذَا بْنِ يَعْقُوبَ، وَمِنْهُ كَانَ دَاوُدُ وَسُلَيْمَانُ [عليهما السلام]، وَلَمْ يَكُنْ طَالُوتُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وإنما كَانَ مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ بْنِ يَعْقُوبَ، وَكَانُوا عَمِلُوا ذَنْبًا عَظِيمًا، كانوا ينكحون النساء على
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «حاجتهما» وفي المخطوط «بيان الحمر» والمثبت عن- ط والطبري ٥٦٣٩.
(٤) في المطبوع «أملكه».
الْعَالِمُ بِمَا كَانَ، وَالْعَلِيمُ بِمَا يَكُونُ، فَقَالُوا لَهُ: فَمَا آيَةُ مُلْكِهِ فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التابوت.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٤٨]
وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨)
فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ، وَكَانَتْ قِصَّةُ التَّابُوتِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ تَابُوتًا عَلَى آدَمَ فِيهِ صُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَكَانَ مِنْ عُودِ الشِّمْشَاذِ [٢] نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فِي ذِرَاعَيْنِ، فَكَانَ عِنْدَ آدَمَ إِلَى أَنْ مَاتَ، ثُمَّ [بَعْدَ ذلك] [٣] عند شيث، ثم توارثه أَوْلَادُ آدَمَ إِلَى أَنْ بَلَغَ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ كَانَ عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ أَكْبَرَ وَلَدِهِ، ثُمَّ عِنْدَ يَعْقُوبَ ثُمَّ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى مُوسَى، فَكَانَ مُوسَى يَضَعُ فِيهِ التَّوْرَاةَ، وَمَتَاعًا مِنْ مَتَاعِهِ، فَكَانَ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ موسى عليه السلام، ثم تداوله [٤] أَنْبِيَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى وَقْتِ إشمويل، وكان فيه ما ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى: فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ، اخْتَلَفُوا فِي السَّكِينَةِ مَا هِيَ؟ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رِيحٌ خَجُوجٌ هَفَّافَةٌ لَهَا رَأْسَانِ، وَوَجْهٌ كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ [٥]، وَعَنْ مُجَاهِدٍ: شَيْءٌ يُشْبِهُ الْهِرَّةَ لَهُ رَأْسٌ كَرَأْسِ الْهِرَّةِ وَذَنَبٌ كَذَنَبِ الْهِرَّةِ وَلَهُ جَنَاحَانِ، وَقِيلَ: لَهُ عَيْنَانِ لَهُمَا شُعَاعٌ وَجَنَاحَانِ مِنْ زُمُرُّدٍ وَزَبَرْجَدٍ فَكَانُوا إِذَا سَمِعُوا صَوْتَهُ تيقّنوا بالنصرة [٦]، وَكَانُوا إِذَا خَرَجُوا وَضَعُوا التَّابُوتَ قُدَّامَهُمْ، فَإِذَا سَارَ سَارُوا، وَإِذَا وَقَفَ وَقَفُوا، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: هِيَ طَسْتٌ مِنْ ذَهَبٍ مِنَ الْجَنَّةِ، كَانَ يَغْسِلُ فِيهِ قُلُوبَ الْأَنْبِيَاءِ [عليهم السلام]، وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هي روح من الله تتكلم إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ تُخْبِرُهُمْ بِبَيَانِ مَا يُرِيدُونَ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: هِيَ مَا يَعْرِفُونَ مِنَ الْآيَاتِ فَيَسْكُنُونَ إِلَيْهَا، وقال قتادة والكلبي:
السكينة فعلية مِنَ السُّكُونِ أَيْ: طُمَأْنِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ، فَفِي أَيِّ مَكَانٍ كَانَ التَّابُوتُ اطْمَأَنُّوا إِلَيْهِ وَسَكَنُوا، وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ، يَعْنِي: مُوسَى وَهَارُونَ أَنْفُسَهُمَا، كَانَ فِيهِ لَوْحَانِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَرُضَاضِ الْأَلْوَاحِ الَّتِي تَكَسَّرَتْ، وَكَانَ فِيهِ عَصَا مُوسَى وَنَعْلَاهُ، وَعِمَامَةُ هَارُونَ وَعَصَاهُ، وَقَفِيزٌ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَانَ التَّابُوتُ عِنْدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَانُوا إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ تَكَلَّمَ وَحَكَمَ بَيْنَهُمْ، وَإِذَا حَضَرُوا الْقِتَالَ قَدَّمُوهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَيَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلَى عَدُوِّهِمْ، فَلَمَّا عصوا
(٢) في المطبوع «الشمشاد» والمثبت عن- ط، وفي المخطوط «الشمشاز».
(٣) زيد في المطبوع.
(٤) في المطبوع «تداولته».
(٥) لا يصح عن علي، وكل ما ورد في ذلك من الإسرائيليات. [.....]
(٦) في نسخة- ط- «بالنصر» وفي المخطوط «بالشر».
تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ، أَيْ: تَسُوقُهُ [١٠]، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: جَاءَتِ الْمَلَائِكَةُ بِالتَّابُوتِ تَحْمِلُهُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ حَتَّى وَضَعَتْهُ عِنْدَ طَالُوتَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ التَّابُوتُ مَعَ الملائكة
(٢) زيد في المخطوط «على».
(٣) في المطبوع «وشمّروا» وفي المخطوط «سحروا».
(٤) العبارة في المخطوط [فأرا تنيب الفأرة مع الرجل منهم فيصبح ميتا وقد أكلت ما في بطنه].
(٥) الخرء: العذرة والموضع.
(٦) زيادة من المخطوط.
(٧) في المطبوع «بعجلة».
(٨) في المطبوع «يسوقونها».
(٩) النير: الخشبة التي على عنق الثور بأدتها- والقصب- والخيوط إذا اجتمعت.
(١٠) الأثر بطوله من الإسرائيليات.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٤٩]
فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لَا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩)
قوله تعالى: فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ، أَيْ: خَرَجَ بِهِمْ، وَأَصْلُ الْفَصْلِ: الْقَطْعُ، يَعْنِي: قَطَعَ مُسْتَقَرَّهُ شَاخِصًا إِلَى غَيْرِهِ، فَخَرَجَ طَالُوتُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالْجُنُودِ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، وَقِيلَ:
ثَمَانُونَ أَلْفًا لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ إِلَّا كَبِيرٌ لِهَرَمِهِ أَوْ مَرِيضٌ لِمَرَضِهِ، أَوْ مَعْذُورٌ لِعُذْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوُا التَّابُوتَ لَمْ يَشُكُّوا فِي النَّصْرِ فَتَسَارَعُوا إِلَى الْجِهَادِ، فَقَالَ طَالُوتُ: لَا حَاجَةَ لِي فِي كل ما أرى [من القوم] [٢]، لا يخرج معي رجل يبني بِنَاءً لَمْ يَفْرَغْ مِنْهُ، وَلَا صَاحِبُ تِجَارَةٍ يَشْتَغِلُ بِهَا، وَلَا رَجُلٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَبْنِ بِهَا، ولا يتبعني إلا الشاب النَّشِيطَ الْفَارِغَ، فَاجْتَمَعَ لَهُ ثَمَانُونَ ألفا من شَرَطَهُ، وَكَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ فَشَكَوْا قِلَّةَ الْمَاءِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ، فَقَالُوا: إِنَّ الْمِيَاهَ قَلِيلَةٌ لَا تَحْمِلُنَا فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُجْرِيَ لَنَا نَهْرًا، قالَ طَالُوتُ: إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ: مُخْتَبِرُكُمْ لِيَرَى طَاعَتَكُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ، بِنَهَرٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ: هُوَ نَهْرُ فِلَسْطِينَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: نَهْرٌ بَيْنَ الْأُرْدُنِ وَفِلَسْطِينَ عَذْبٌ، فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي، أي: مِنْ أَهْلِ دِينِي وَطَاعَتِي، وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ: لم يَشْرَبْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ، قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَبُو عَمْرٍو غُرْفَةً بِفَتْحِ الغين، وقرأ الآخرون بالضم وَهُمَا لُغَتَانِ، قَالَ الْكِسَائِيُّ: الْغُرْفَةُ بِالضَّمِّ الَّذِي يَحْصُلُ فِي الْكَفِّ مِنَ الْمَاءِ إِذَا غُرِفَ، وَالْغَرْفَةُ بِالْفَتْحِ: الِاغْتِرَافُ، فَالضَّمُّ اسْمٌ وَالْفَتْحُ مَصْدَرٌ، فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ، نُصِبَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَلِيلِ الَّذِينَ لَمْ يَشْرَبُوا [من النهر] [٣]، فَقَالَ السِّدِّيُّ: كَانُوا أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ وهو الصحيح، لِمَا:
«٢٨٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ أَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ:
كُنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ أَصْحَابِ بَدْرٍ عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الذين جاوزوا معه
- أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» برقم ٣٩٥٨ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٣٩٥٩ والطبري ٥٧٢٦ من طريق أبي إسحاق به.
١ زيادة عن المخطوط.
٢ زيادة عن المخطوط. [.....]
٣ زيادة عن المخطوط.
وروي: ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى النَّهْرِ وَقَدْ أُلْقِيَ عَلَيْهِمُ الْعَطَشُ، فَشَرِبَ مِنْهُ الْكُلُّ إِلَّا هَذَا الْعَدَدَ الْقَلِيلَ فَمَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً كَمَا أَمَرَ اللَّهُ قَوِيَ قَلْبُهُ وَصَحَّ إِيمَانُهُ، وَعَبَرَ النَّهْرَ سَالِمًا وَكَفَتْهُ تِلْكَ الْغُرْفَةُ الْوَاحِدَةُ لِشُرْبِهِ وَحَمْلِهِ وَدَوَابَّهُ، وَالَّذِينَ شَرِبُوا وَخَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ اسْوَدَّتْ شِفَاهُهُمْ وَغَلَبَهُمُ الْعَطَشُ، فَلَمْ يَرْوُوا وَبَقُوا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ وَجَبَنُوا عَنْ لِقَاءِ الْعَدُوِّ، فَلَمْ يُجَاوِزُوا وَلَمْ يَشْهَدُوا الْفَتْحَ، وَقِيلَ: كُلُّهُمْ جَاوَزُوا وَلَكِنْ لَمْ يَحْضُرِ الْقِتَالَ إِلَّا [القليل] [١] الَّذِينَ لَمْ يَشْرَبُوا، فَلَمَّا جاوَزَهُ، يَعْنِي: النَّهْرَ هُوَ، يَعْنِي: طَالُوتَ، وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، يَعْنِي: الْقَلِيلَ، قالُوا، يَعْنِي: الَّذِينَ شَرِبُوا وَخَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ وَكَانُوا أَهْلَ شَكٍّ وَنِفَاقٍ، لَا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالسُّدِّيُّ: فَانْحَرَفُوا وَلَمْ يُجَاوِزُوا، قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ: يستيقنون أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ، وهم الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَ طَالُوتَ، كَمْ مِنْ فِئَةٍ: جماعة، وهو [٢] جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لفظه، وجمعه [٣] فئات وفؤون فِي الرَّفْعِ، وَفِئِينَ فِي الْخَفْضِ وَالنَّصْبِ، قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ: بقضائه وقدره وَإِرَادَتِهِ، وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ: بِالنَّصْرِ والمعونة.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٠]
وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٥٠)
وَلَمَّا بَرَزُوا، يَعْنِي: طَالُوتَ وَجُنُودَهُ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ، لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ الْمُشْرِكِينَ، وَمَعْنَى بَرَزُوا: صَارُوا بِالْبِرَازِ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ وَاسْتَوَى منها، قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا: أَنْزَلَ واصبب صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا: قوّ قُلُوبَنَا، وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٥١]
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٢٥١)
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ، [أَيْ: بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى] [٤]، وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ، وَصِفَةُ قَتْلِهِ: قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ [٥] : عَبَرَ النَّهْرَ مَعَ طَالُوتَ فِيمَنْ عَبَرَ إِيشَا أَبُو دَاوُدَ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ ابْنًا لَهُ وَكَانَ دَاوُدُ أَصْغَرَهُمْ وَكَانَ يَرْمِي بِالْقَذَّافَةِ، فَقَالَ لِأَبِيهِ يَوْمًا: يَا أَبَتَاهُ مَا أَرْمِي بِقَذَّافَتِي شَيْئًا إِلَّا صرعته، فقال له: أَبْشِرْ يَا بُنَيَّ فَإِنَّ اللَّهَ [عزّ وجلّ] جَعَلَ رِزْقَكَ فِي قَذَّافَتِكَ، ثُمَّ أَتَاهُ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ: يَا أَبَتَاهُ لَقَدْ دَخَلْتُ بَيْنَ الْجِبَالِ فَوَجَدْتُ أَسَدًا رَابِضًا فَرَكِبْتُهُ فَأَخَذْتُ بِأُذُنَيْهِ فَلَمْ يَهْجُنِي، فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا بُنَيَّ فَإِنَّ هَذَا خَيْرٌ يُرِيدُهُ اللَّهُ بِكَ، ثُمَّ أَتَاهُ يَوْمًا آخَرَ فَقَالَ: يَا أَبَتَاهُ إِنِّي لَأَمْشِي بَيْنَ الْجِبَالِ فَأُسَبِّحُ فَمَا يَبْقَى جَبَلٌ إِلَّا سَبَّحَ مَعِي، فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا بُنَيَّ فَإِنَّ هَذَا خَيْرٌ أَعْطَاكَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَأَرْسَلَ جَالُوتُ إِلَى طَالُوتَ أن ابرز لي أَوْ أَبْرِزْ إِلَيَّ مَنْ يُقَاتِلُنِي، فَإِنْ قَتَلَنِي فَلَكُمْ مُلْكِي وَإِنْ قَتَلْتُهُ فَلِي مُلْكُكُمْ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى طَالُوتَ فَنَادَى فِي عَسْكَرِهِ مَنْ قَتَلَ جَالُوتَ زَوَّجْتُهُ ابْنَتِي وَنَاصَفْتُهُ مُلْكِي فَهَابَ النَّاسُ جَالُوتَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَسَأَلَ طَالُوتُ نَبِيَّهُمْ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى فدعا الله
(٢) في المطبوع «وهي».
(٣) في المطبوع «جمعها».
(٤) زيد في نسخ المطبوع.
(٥) هذا الخبر بطوله من الإسرائيليات.
اعْرِضْ عَلَيَّ بنيك، فأخرج اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا أَمْثَالَ السَّوَارِي، فَجَعَلَ يَعْرِضُهُمْ عَلَى الْقَرْنِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، فَقَالَ لِإِيشَا: هَلْ بَقِيَ لَكَ وَلَدٌ غَيْرُهُمْ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ [١] النَّبِيُّ: يَا رَبِّ إِنَّهُ زَعَمَ أَنْ لَا وَلَدَ لَهُ غَيْرُهُمْ، فَقَالَ: كَذَبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ: إِنَّ رَبِّي كَذَّبَكَ، فَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ لِي ابْنًا صَغِيرًا يُقَالُ لَهُ دَاوُدُ، اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ لِقِصَرِ قَامَتِهِ وَحَقَارَتِهِ فَخَلَّفْتُهُ فِي الْغَنَمِ يَرْعَاهَا وَهُوَ فِي شِعْبِ كَذَا وَكَذَا، وَكَانَ دَاوُدُ رَجُلًا قَصِيرًا مِسْقَامًا مِصْفَارًا أَزْرَقَ أَمْعَرَ، فَدَعَاهُ طَالُوتُ، وَيُقَالُ: بَلْ خَرَجَ طَالُوتُ إِلَيْهِ فَوَجَدَ الْوَادِيَ قَدْ سَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّرِيبَةِ الَّتِي كَانَ يُرِيحُ إِلَيْهَا فَوَجَدَهُ يَحْمِلُ [شَاتَيْنِ] [٢] يُجِيزُ بِهِمَا السَّيْلَ وَلَا يَخُوضُ بِهِمَا الْمَاءَ فَلَمَّا رآه [طالوت يفعل ذلك] [٣] قَالَ: هَذَا هُوَ لَا شَكَّ فِيهِ هَذَا يَرْحَمُ الْبَهَائِمَ فَهُوَ بِالنَّاسِ أَرْحَمُ، فَدَعَاهُ وَوَضَعَ الْقَرْنَ عَلَى رَأْسِهِ فَفَاضَ، فَقَالَ طَالُوتُ: هَلْ لَكَ أَنْ تَقْتُلَ جَالُوتَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي وَأُجْرِي خَاتَمَكَ فِي مُلْكِي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَهَلْ آنَسْتَ مِنْ نَفْسِكَ شَيْئًا تَتَقَوَّى بِهِ عَلَى قَتْلِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، أنا أرعى الغنم فَيَجِيءُ الْأَسَدُ أَوِ النَّمِرُ أَوِ الذِّئْبُ فَيَأْخُذُ شَاةً فَأَقُومُ إِلَيْهِ فأفتح لحييه عنها وأخرجها من قفاه، فأخذ [٤] طالوت داود وردّه إِلَى عَسْكَرِهِ، فَمَرَّ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي طَرِيقِهِ بِحَجَرٍ فَنَادَاهُ الْحَجَرُ: يَا دَاوُدُ احْمِلْنِي فَإِنِّي حَجَرُ هَارُونَ الَّذِي قَتَلَ بِي مَلِكَ كَذَا وَكَذَا فَحَمَلَهُ فِي مِخْلَاتِهِ، ثُمَّ مَرَّ بِحَجَرٍ آخَرَ فَقَالَ: احْمِلْنِي فَإِنِّي حَجَرُ مُوسَى الَّذِي قَتَلَ بِي مَلِكَ كَذَا وَكَذَا فَحَمَلَهُ فِي مِخْلَاتِهِ ثُمَّ مَرَّ بِحَجَرٍ آخَرَ فَقَالَ: احْمِلْنِي فَإِنِّي حَجَرُكَ الَّذِي تَقْتُلُ بِي جالوت فوضعه [٥] فِي مِخْلَاتِهِ، فَلَمَّا تَصَافُّوا لِلْقِتَالِ وَبَرَزَ جَالُوتُ وَسَأَلَ الْمُبَارَزَةَ، انْتُدِبَ لَهُ دَاوُدُ فَأَعْطَاهُ طَالُوتُ فَرَسًا ودرعا وسلاحا فلبس الدرع [٦] وركب الفرس فسار قريبا [من جالوت] [٧] ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: جَبَنَ الْغُلَامُ فَجَاءَ فَوَقَفَ عَلَى الْمَلِكِ فَقَالَ: مَا شأنك؟ فقال له داود: إِنَّ اللَّهَ إِنْ لَمْ يَنْصُرْنِي لَمْ يُغْنِ عَنِّي هَذَا السِّلَاحُ شيئا فدعني أقاتل جالوت كَمَا أُرِيدُ، قَالَ: فَافْعَلْ مَا شِئْتَ، قَالَ: نَعَمْ فَأَخَذَ دَاوُدُ مِخْلَاتَهُ فَتَقَلَّدَهَا وَأَخَذَ الْمِقْلَاعَ وَمَضَى نَحْوَ جَالُوتَ، وَكَانَ جَالُوتُ مِنْ أَشَدِّ الرِّجَالِ وَأَقْوَاهُمْ وَكَانَ يَهْزِمُ الْجُيُوشَ وَحْدَهُ، وَكَانَ لَهُ بَيْضَةٌ فِيهَا ثَلَاثُمِائَةِ رَطْلِ حَدِيدٍ، فَلَمَّا نظر إلى داود ألقى الله فِي قَلْبِهِ الرُّعْبُ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ تَبْرُزُ إِلَيَّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَكَانَ جَالُوتُ عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ وعليه السلاح التام، فقال له:
أتيتني بِالْمِقْلَاعِ وَالْحَجَرِ كَمَا يُؤْتَى الْكَلْبُ؟ قال داود عليه السلام: نَعَمْ أَنْتَ شَرٌّ مِنَ الْكَلْبِ، قال جالوت:
لَا جَرَمَ لَأَقْسِمَنَّ لَحْمَكَ بَيْنَ سباع الأرض وطير السماء، فقال دَاوُدُ: أَوْ يُقَسِّمُ اللَّهُ لَحْمَكَ، فَقَالَ دَاوُدُ:
بِاسْمِ إِلَهِ إِبْرَاهِيمَ وأخرج حجرا [وَوَضَعَهُ فِي مِقْلَاعِهِ] ثُمَّ أَخْرَجَ الْآخَرَ، وَقَالَ: بِاسْمِ إِلَهِ إِسْحَاقَ وَوَضَعَهُ فِي مِقْلَاعِهِ ثُمَّ أَخْرَجَ الثَّالِثَ وَقَالَ: بِاسْمِ إِلَهِ يَعْقُوبَ وَوَضَعَهُ فِي مِقْلَاعِهِ فَصَارَتْ كُلُّهَا حجرا واحدا [بأمر الله] [٨]، ودوّر داود عليه السلام الْمِقْلَاعَ وَرَمَى بِهِ فَسَخَّرَ اللَّهُ لَهُ الرِّيحَ حَتَّى أَصَابَ الْحَجَرَ أنف البيضة
(٢) زيادة عن المخطوط والطبري.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) العبارة في المخطوط «فأخذه فرده... ».
(٥) في المطبوع «فوضعها».
(٦) في المطبوع «السلاح».
٧ زيادة من المخطوط.
٨ زيادة من المخطوط. [.....]
قالت: هُوَ نَائِمٌ عَلَى السَّرِيرِ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً فَسَالَ الْخَمْرُ، فَلَمَّا وجد ريح الخمر، قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ دَاوُدَ مَا كَانَ أَكْثَرَ شُرْبِهِ لِلْخَمْرِ وَخَرَجَ [من عندها] [٥]، فَلَمَّا أَصْبَحَ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا، فَقَالَ: إِنَّ رَجُلًا طَلَبْتُ مِنْهُ مَا طَلَبْتُ لَخَلِيقٌ أَنْ لَا يَدَعَنِي حَتَّى يُدْرِكَ مِنِّي ثَأْرَهُ، فَاشْتَدَّ حُجَّابُهُ وَحُرَّاسُهُ وَأَغْلَقَ دُونَهُ أَبْوَابَهُ، ثُمَّ إِنَّ دَاوُدَ أَتَاهُ لَيْلَةً وَقَدْ هَدَأَتِ الْعُيُونُ فَأَعْمَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْحَجَبَةَ وَفَتَحَ لَهُ الْأَبْوَابَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ فَوَضَعَ سَهْمًا عِنْدَ رَأْسِهِ وَسَهْمًا عِنْدَ رِجْلَيْهِ [وَسَهْمًا عَنْ يَمِينِهِ] [٦] وَسَهْمًا عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَالُوتُ بَصُرَ بِالسِّهَامِ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ تَعَالَى دَاوُدَ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي ظَفِرْتُ بِهِ فَقَصَدْتُ قَتْلَهُ وَظَفِرَ بِي فَكَفَّ عَنِّي وَلَوْ شَاءَ لَوَضَعَ هَذَا السَّهْمَ فِي حَلْقِي وَمَا أَنَا بالذي آمنه، فلما كانت [الليلة] [٧] القابلة أتاه ثانية وأعمى الله الحجبة فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فَأَخَذَ إِبْرِيقَ طَالُوتَ الَّذِي كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَكُوزَهُ الَّذِي كَانَ يَشْرَبُ مِنْهُ وَقَطَعَ شَعَرَاتٍ مِنْ لِحْيَتِهِ وشيا مِنْ هُدْبِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ خَرَجَ وَهَرَبَ وَتَوَارَى، فَلَمَّا أَصْبَحَ طَالُوتُ وَرَأَى ذَلِكَ سَلَّطَ عَلَى دَاوُدَ الْعُيُونَ وَطَلَبَهُ أَشَدَّ الطَّلَبِ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّ طَالُوتَ رَكِبَ يَوْمًا فَوَجَدَ دَاوُدَ يَمْشِي فِي الْبَرِيَّةِ، فَقَالَ: الْيَوْمَ أَقْتُلُهُ فَرَكَضَ عَلَى أَثَرِهِ فَاشْتَدَّ دَاوُدُ وَكَانَ إِذَا فَزِعَ لَمْ يُدْرَكْ، فَدَخَلَ غَارًا فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلى العنكبوت فنسجت عَلَيْهِ بَيْتًا فَلَمَّا انْتَهَى طَالُوتُ إِلَى الْغَارِ وَنَظَرَ إِلَى بِنَاءِ العنكبوت، فقال: لَوْ كَانَ دَخَلَ هَاهُنَا لَخَرَقَ بناء العنكبوت فتركه ومضى، وانطلق دَاوُدُ وَأَتَى الْجَبَلَ مَعَ الْمُتَعَبِّدِينَ فَتَعَبَّدَ فِيهِ فَطَعَنَ الْعُلَمَاءُ وَالْعِبَادُ عَلَى طَالُوتَ فِي شَأْنِ دَاوُدَ فَجَعَلَ طَالُوتُ لَا يَنْهَاهُ أَحَدٌ عَنْ قَتْلِ دَاوُدَ إِلَّا قَتَلَهُ وأغرى على قتل الْعُلَمَاءِ، فَلَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ عَلَى عَالِمٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُطِيقُ قَتْلَهُ إِلَّا قَتَلَهُ حَتَّى أُتِيَ بِامْرَأَةٍ تَعْلَمُ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ فَأَمَرَ خَبَّازَهُ [٨] بِقَتْلِهَا، فَرَحِمَهَا الْخَبَّازُ وَقَالَ: لَعَلَّنَا نَحْتَاجُ إِلَى عَالِمٍ فَتَرَكَهَا فَوَقَعَ فِي قَلْبِ طَالُوتَ التَّوْبَةُ وَنَدِمَ عَلَى مَا فَعَلَ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْبُكَاءِ حَتَّى رَحِمَهُ النَّاسُ، وَكَانَ كُلَّ لَيْلَةٍ يَخْرُجُ إِلَى الْقُبُورِ فَيَبْكِي وَيُنَادِي: أَنْشُدُ اللَّهَ عَبْدًا يَعْلَمُ أَنَّ لِي تَوْبَةً إِلَّا أَخْبَرَنِي بِهَا فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِمْ نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ الْقُبُورِ:
يَا طَالُوتُ أَمَا تَرْضَى أَنْ قَتَلْتَنَا حَتَّى تُؤْذِيَنَا أَمْوَاتًا، فَازْدَادَ بُكَاءً وَحُزْنًا، فَرَحِمَهُ الْخَبَّازُ فقال: ما لك أيها
٢ زيادة من المخطوط.
(٣) في المطبوع «ابنته».
(٤) زيادة من المخطوط.
٥ زيادة من المخطوط.
٦ زيادة من المخطوط.
٧ زيادة من المخطوط.
(٨) تكرر لفظ «خبازه» في كافة المواضع هكذا في المطبوع ونسخة- ط- ووقع في المخطوط «جبارة».
لَا وَلَكِنْ طَالُوتُ يَسْأَلُكَ هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ، قَالَ إِشْمَوِيلُ: يَا طَالُوتُ مَا فَعَلْتَ بَعْدِي؟ قَالَ: لَمْ أَدَعْ من الشر شيئا إلا أتيته وجئت لأطلب التوبة، قال له [٦] : كَمْ لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟ قَالَ: عَشَرَةُ رِجَالٍ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ لَكَ مِنْ تَوْبَةٍ إِلَّا أَنْ تتخلىّ عن ملكك وتخرج أنت وولدك تقاتل فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ تُقَدِّمَ وَلَدَكَ حَتَّى يُقْتَلُوا بَيْنَ يَدَيْكَ، ثُمَّ تُقَاتِلَ أَنْتَ حَتَّى تُقْتَلَ آخِرَهُمْ، ثُمَّ رَجَعَ إِشْمَوِيلُ إِلَى القبر وسقط وخرّ مَيِّتًا، وَرَجَعَ طَالُوتُ أَحْزَنَ مَا كَانَ رَهْبَةً أَنْ لَا يُتَابِعَهُ وَلَدُهُ، وَقَدْ بَكَى حَتَّى سَقَطَتْ أَشْفَارُ عَيْنَيْهِ وَنَحُلَ جِسْمُهُ، فَدَخَلَ على [٧] أَوْلَادُهُ فَقَالَ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ دُفِعْتُ إِلَى النَّارِ هَلْ كُنْتُمْ تفدونني؟ قالوا: بلى نَفْدِيكَ بِمَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ، قَالَ:
فإنها النار [آخذة لي] [٨] إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا مَا أَقُولُ لكم، قالوا: فاعرض علينا [ما ينجيك منها] [٩]، فَذَكَرَ لَهُمُ الْقِصَّةَ، قَالُوا: وَإِنَّكَ لِمَقْتُولٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: فَلَا خَيْرَ لَنَا فِي الْحَيَاةِ بَعْدَكَ قَدْ طَابَتْ أَنْفُسُنَا بِالَّذِي سَأَلْتَ، فَتَجَهَّزَ بِمَالِهِ وَوَلَدِهِ فَتَقَدَّمَ وَلَدُهُ وَكَانُوا عَشَرَةً فَقَاتَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى قُتِلُوا ثُمَّ شَدَّ هُوَ بعدهم للقتال [١٠] حَتَّى قُتِلَ، فَجَاءَ قَاتِلُهُ إِلَى دَاوُدَ لِيُبَشِّرَهُ، وَقَالَ: قَتَلْتُ عَدُوَّكَ، فقال داود: وما أَنْتَ بِالَّذِي تَحْيَا بَعْدَهُ فَضَرَبَ عنقه، فكان مُلْكُ طَالُوتَ إِلَى أَنْ قُتِلَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَأَتَى بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى دَاوُدَ وَأَعْطَوْهُ خَزَائِنَ طَالُوتَ وَمَلَّكُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. قَالَ الْكَلْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ: مَلَكَ دَاوُدُ بَعْدَ قَتْلِ طَالُوتَ [١١] سَبْعَ سِنِينَ، وَلَمْ يَجْتَمِعْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى مَلِكٍ وَاحِدٍ إِلَّا عَلَى دَاوُدَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ، يعني: النبوّة، وجمع اللَّهُ لِدَاوُدَ بَيْنَ الْمُلْكِ وَالنُّبُوَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ [١٢] مِنْ قَبْلُ [بَلْ] ١]
كَانَ الْمُلْكُ فِي سِبْطٍ وَالنُّبُوَّةُ
٢ زيادة من المخطوط.
٣ زيادة من المخطوط.
٤ زيادة من المخطوط.
(٥) العبارة في نسخة- ط «وَلَكِنْ هَلْ تَعْلَمُونَ مَكَانَ قَبْرِ نبي؟ فانطلق بهما».
وفي المطبوع [ولكن أعلم مكان قبر نبي فانطلقت بهما].
(٦) زيد في المطبوع عقب «له» [كم لك عيال، يعني]، وهي زيادة مقحمة. [.....]
(٧) في المطبوع «عليه».
(٨) زيادة عن المخطوط.
(٩) زيادة عن المخطوط.
(١٠) في المخطوط «في الجهاد» بدل «للقتال» ولفظ «للقتال» سقط من- ط-.
(١١) في المخطوط «جالوت».
(١٢) زيد في المطبوع وحده «كذلك».
(١٣) زيادة عن المخطوط.
منطق الطير وكلام الجبل [١] والنمل. [والذر، والخنفساء، وحمار قبّان، وما أشبههما مما لا صوت لها] [٢]، وقيل: هو الزبور، وقيل: الصَّوْتُ الطَّيِّبُ وَالْأَلْحَانُ، فَلَمْ يُعْطِ اللَّهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ مِثْلَ صَوْتِهِ، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ الزَّبُورَ تدنو الوحوش حتى يؤخذ بِأَعْنَاقِهَا، وَتُظِلَّهُ الطَّيْرُ مُصِيخَةً لَهُ وَيَرْكُدَ الْمَاءُ الْجَارِي، وَيَسْكُنَ الرِّيحُ، وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَاهُ سِلْسِلَةً مَوْصُولَةً بِالْمَجَرَّةِ وَرَأَسُهَا عِنْدَ صَوْمَعَتِهِ قُوَّتُهَا قُوَّةُ الْحَدِيدِ وَلَوْنُهَا لَوْنُ النَّارِ وَحِلَقُهَا مُسْتَدِيرَةٌ مُفَصَّلَةً [٣] بِالْجَوَاهِرِ مُدَسَّرَةً بِقُضْبَانِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ فَلَا يَحْدُثُ فِي الْهَوَاءِ حَدَثٌ إِلَّا صَلْصَلَتِ السلسلة فيعلم [٤] دَاوُدُ ذَلِكَ الْحَدَثَ، وَلَا يَمَسُّهَا ذُو عَاهَةٍ إِلَّا بَرِئَ وَكَانُوا يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهَا بَعْدَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى أَنْ رُفِعَتْ، فَمَنْ تَعَدَّى عَلَى صَاحِبِهِ وَأَنْكَرَ لَهُ حَقًّا أَتَى السِّلْسِلَةَ فَمَنْ كَانَ صَادِقًا مَدَّ يَدَهُ إِلَى السِّلْسِلَةِ فَتَنَاوَلَهَا، وَمَنْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ يَنَلْهَا، فَكَانَتْ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ ظهر فيهم المكر والخديعة [فرفعت، وقيل: رفعت السلسلة في زمن داود حين أوحى الله إليه ما كان من مكرهم] [٥]، فَبَلَغَنَا أَنَّ بَعْضَ مُلُوكِهَا أَوْدَعَ رَجُلًا جَوْهَرَةً ثَمِينَةً فَلَمَّا اسْتَرَدَّهَا أنكرها فَتَحَاكَمَا إِلَى السِّلْسِلَةِ فَعَمَدَ الَّذِي عنده الجوهرة إلى عكاز فَنَقَرَهَا وَضَمَّنَهَا الْجَوْهَرَةَ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهَا حتى حضر [عند] السِّلْسِلَةَ، فَقَالَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ: رُدَّ عَلَيَّ الْوَدِيعَةَ، فَقَالَ صَاحِبُهُ: مَا أَعْرِفُ لَكَ عِنْدِي مِنْ وَدِيعَةٍ، قال: فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَتَنَاوَلِ السِّلْسِلَةَ فَتَنَاوَلَهَا بِيَدِهِ، فَقِيلَ لِلْمُنْكِرِ: قُمْ أَنْتَ فَتُنَاوَلْهَا، فَقَالَ لِصَاحِبِ الْجَوْهَرَةِ: خذ عكازتي هَذِهِ فَاحْفَظْهَا حَتَّى أَتَنَاوَلَ السِّلْسِلَةَ فأخذها المالك عِنْدَهُ، ثُمَّ قَامَ الْمُنْكِرُ نَحْوَ السِّلْسِلَةِ فَأَخَذَهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْوَدِيعَةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا عَلَيَّ قَدْ وَصَلَتْ إِلَيْهِ فَقَرِّبْ مِنِّي السِّلْسِلَةَ، فَمَدَّ يَدَهُ فَتَنَاوَلَهَا فَتَعَجَّبَ الْقَوْمُ وشكّوا فيها [فأخبر داود بذلك فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنِ الجوهرة كانت في عكاز المنكر وقد دفعه إلى المحق، وفيه الجوهرة حتى تناول السلسلة] [٦]، فَأَصْبَحُوا وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ السِّلْسِلَةَ [من بين أظهرهم] [٧]. قوله تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ
، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَيَعْقُوبُ «دِفَاعُ اللَّهِ» بِالْأَلِفِ هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِغَيْرِ الْأَلِفِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُغَالِبُهُ أَحَدٌ، وَهُوَ الدَّافِعُ وَحْدَهُ، وَمَنْ قَرَأَ بِالْأَلِفِ قَالَ: قَدْ يَكُونُ الدِّفَاعُ مِنْ وَاحِدٍ مِثْلُ قَوْلِ الْعَرَبِ:
أَحْسَنَ اللَّهُ عَنْكَ الدِّفَاعَ، قال [ابن عباس و] مجاهد [٨] : لولا دفع الله الناس بِجُنُودِ الْمُسْلِمِينَ لَغَلَبَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْأَرْضِ فَقَتَلُوا الْمُؤْمِنِينَ وَخَرَّبُوا الْمَسَاجِدَ وَالْبِلَادَ، وَقَالَ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ: لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ بِالْمُؤْمِنِينَ وَالْأَبْرَارِ عَنِ الْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ لَهَلَكَتِ الْأَرْضُ بِمَنْ فِيهَا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِالْمُؤْمِنِ عَنِ الْكَافِرِ، وَبِالصَّالِحِ عَنِ الْفَاجِرِ.
«٢٨٨» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَنَا أبو عبد الله بن زنجويه أنا
- وأخرجه الطبري ٥٧٥٥ من طريق أبي حميد بهذا الإسناد.
(١) في المطبوع «الجعل» وفي- ط «الحكل» وهو ما لا يسمع له صوت، والجميع محتمل والمثبت أقرب.
(٢) زيد في المطبوع وحده.
- قوله: حمار قبان: هو دويّبة. كما في القاموس.
(٣) في المخطوط «مفصصة».
(٤) في المطبوع «فعلم».
(٥) زيادة من المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) زيادة عن المخطوط و «الوسيط» (١/ ٣٦١).
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لِيَدْفَعُ بِالْمُسْلِمِ الصَّالِحَ عَنْ مِائَةِ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِهِ البلاء»، ثم قرأ ابْنِ عُمَرَ [٢] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٥٢ الى ٢٥٣]
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٥٢) تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (٢٥٣)
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ، أَيْ: كَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، يَعْنِي: مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ، يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ: ما أوتي نبي آية إلا أُوتِيَ نَبِيُّنَا مِثْلَ تِلْكَ الْآيَةِ، وَفُضِّلَ عَلَى غَيْرِهِ بِآيَاتٍ مِثْلُ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ بِإِشَارَتِهِ، وَحَنِينِ الْجِذْعِ عَلَى مُفَارَقَتِهِ، وَتَسْلِيمِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ عَلَيْهِ، وَكَلَامِ الْبَهَائِمِ وَالشَّهَادَةِ بِرِسَالَتِهِ، وَنَبْعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَالْآيَاتِ الَّتِي لَا تُحْصَى، وَأَظْهَرَهَا الْقُرْآنُ الذي عجز أهل السماء والأرض عن الإتيان بمثله [أو بأقصر سورة منه] [٣].
«٢٨٩» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُخْلِدِيُّ [٤]، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا آمَنَ عَلَى مِثْلِهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يوم القيامة».
وأعله ابن كثير في «تفسيره» (١/ ٣١٠) بيحيى بن سعيد وقال: ضعيف جدا. وضعفه السيوطي في «الدر» (١/ ٥٦٧) وأما ابن عدي فأعله بحفص بن سليمان الأسدي ونقل عن البخاري قوله: تركوه، وضعفه يحيى، وفي رواية: كان حفص كذابا، ولو أعله ابن عدي رحمه الله بالعطار لكان أولى، فإن حفصا سبب ضعفه سوء حفظه، راجع الميزان.
٢٨٩- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» ٣٥٠٩ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٥٢ من طريق قتيبة بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٤٩٨١) و (٧٢٧٤) من طريق الليث به.
(١) في الأصل «عن» وهو تصحيف.
(٢) تحرف في المخطوط إلى «أبو عمرو».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في الأصل «أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ المخلدي» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب» للسمعاني (٥/ ٢٢٧).
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يعطهنّ أحد قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ ولم تحلّ لأحد من قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»، «٢٩١» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ [٢]، أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَا الْعَلَاءُ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ، أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، ونصرت بالرّغب، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا [وَطَهُورًا] [٣]، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِي النَّبِيُّونَ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، أَيْ: مِنْ بَعْدِ الرُّسُلِ، مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ، ثَبَتَ عَلَى إِيمَانِهِ بِفَضْلِ اللَّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ، بِخُذْلَانِهِ، وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا، أَعَادَهُ تَأْكِيدًا، وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، يُوَفِّقُ مَنْ يَشَاءُ فَضْلًا وَيَخْذُلُ مَنْ يَشَاءُ عَدْلًا، سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرْنِي عن القدر، فقال: هو طريق مظلم فلا تَسْلُكْهُ، فَأَعَادَ السُّؤَالَ، فَقَالَ: بَحْرٌ عَمِيقٌ فَلَا تَلُجْهُ، فَأَعَادَ السُّؤَالَ، فَقَالَ: سِرُّ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ قَدْ خَفِيَ عَلَيْكَ فَلَا تُفَتِّشْهُ.
- وهو في «شرح السنة» ٣٥١٠ بهذا الإسناد.
- وأخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيح البخاري» ٤٣٨ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري (٣٣٥) و (٣١٢٢) ومسلم ٥٢١ والنسائي (١/ ٢٠٩- ٢١١) وابن أبي شيبة (١١/ ٤٣٢) وأحمد (٣/ ٣٠٤) والدارمي (١/ ٣٢٢- ٣٢٣) وابن حبان ٦٣٩٨ واللالكائي في «الاعتقاد» ١٤٣٩ والبيهقي (١/ ٢١٢) و (٢/ ٣٢٩) و (٦/ ٢٩١) من طرق عن هشيم به.
٢٩١- إسناده صحيح على شرط مسلم، عبد الرحمن والد العلاء هو ابن يعقوب مولى الحرقة.
- هو في «شرح السنة» ٣٥١١ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم (٥٢٣) ح/ ٥ والترمذي بإثر ١٥٥٣ وابن حبان (٢٣١٣ و٦٤٠١) والبيهقي (٢/ ٤٣٣ و٩/ ٥) من طرق عن إسماعيل بن جعفر به.
- وأخرجه ابن ماجه من طريق عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ وإسماعيل بن جعفر عن العلاء به بلفظ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا».
- وأخرجه أحمد (٢/ ٤١١- ٤١٢) عن عبد الرحمن بن إبراهيم عن العلاء به.
(١) في الأصل «سيا» وهو تصحيف.
(٢) وقع في الأصل «الكشمهيني» وهو تصحيف.
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٥٤ الى ٢٥٥]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤) اللَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥)قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ، قَالَ السُّدِّيُّ: أَرَادَ بِهِ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَرَادَ بِهِ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ وَالنَّفَقَةَ فِي الْخَيْرِ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ، أَيْ: لَا فِدَاءَ فِيهِ، سَمَّاهُ [١] بَيْعًا لِأَنَّ الْفِدَاءَ شِرَاءُ نَفْسِهِ، وَلا خُلَّةٌ، ولا صَدَاقَةَ وَلا شَفاعَةٌ، إِلَّا بِإِذْنِ الله، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ كُلَّهَا بِالنَّصْبِ، وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ إبراهيم: لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ [إبراهيم: ٣١]، وفي سورة الطور: لَا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ [الطور: ٢٣]، وقرأ الباقون كُلَّهَا بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ، وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ، لِأَنَّهُمْ وَضَعُوا الْعِبَادَةَ فِي غير موضعها.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، «٢٩٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ [مُحَمَّدِ بْنِ] [٢] سَمْعَانَ أَخْبَرَنَا
- وهو في شرح السنة ١١٨٩ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٢٣٨٧ من طريق ابن أبي شيبة بهذا الإسناد بلفظ المصنف.
- وأخرجه مسلم ٨١٠ من طريق ابن أبي شيبة بهذا الإسناد بدون عجز الحديث «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ لهذه الآية لسانا... ». وهذا هو الصحيح.
- وأخرجه أبو داود ١٤٦٠ من طريق عبد الأعلى به دون عجزه.
- وأخرجه الحاكم (٣/ ٣٠٤) من طريق يزيد بن هارون عن سعيد بن إياس به دون عجزه، وصححه وقال: ولم يخرجاه! ووافقه الذهبي!؟
- وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» ٦٠٠١ عن الثوري عن سعيد الجريري به. ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد (٥/ ١٤١- ١٤٢) (٢٠٧٧١) وابن الضريس في «فضائل القرآن» ١٨٦ والبيهقي في «الشعب» ٢٣٨٦ بلفظ المصنف.
وقال عبد الله بن أحمد: وهذا لفظ حديث أبي عن عبد الرزاق اهـ.
- وأخرجه أبو داود ٤٠٠٣ من حديث واثلة بن الأسقع بدون هذه الزيادة في عجزه، لكن إسناده ضعيف لجهالة مولى بن الأسقع.
والظاهر أن هذه الزيادة «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ لهذه الآية لسانا... » لا تصح بل هي منكرة، ولعل الوهم فيه من الجريري، فهو وإن كان ثقة روى له الجماعة، لكنه اختلط بأخرة، وقد رواه مسلم من طريقه بدون تلك الزيادة.
وبهذا يتبين أن الذي رواه بدون تلك الزيادة إنما سمعه منه قبل الاختلاط، ومن رواه بتلك الزيادة، فقد سمعه منه بعد الاختلاط، وهي زيادة غريبة، لا يتابع عليها، والله تعالى أعلم بالصواب.
وانظر «تفسير ابن كثير» عند هذه الآية بتخريجي، والله الموافق. [.....]
(١) في المطبوع وحده «سمي».
(٢) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «يا أَبَا الْمُنْذِرِ أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ» ؟ قُلْتُ: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي ثم قال: «ليهنك العلم [أبا المنذر] [٣] »، ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ لِهَذِهِ الْآيَةِ لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ تُقَدِّسُ الْمَلِكَ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ».
«٢٩٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ [أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن يوسف، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو عَمْرٍو، ناعوف، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ] [٤] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ:
لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ [٥] عِيَالٌ وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، قالت: فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ»، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال:
دعني فإني محتاج ولي عِيَالٌ وَلَا أَعُودُ، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ» ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله شكا حاجة وَعِيَالًا فَرَحِمْتُهُ وَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ»، فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم
(٢) في الأصل «السبيل» والتصويب عن كتب التخريج والتراجم.
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» ١١٩٠.
٢٩٣- حديث صحيح، فيه انقطاع، فإن البخاري أخرجه تعليقا بقوله: وقال عثمان بن الهيثم، ومن طريقه أخرجه البغوي هاهنا وفي شرح السنة، لكن وصله البخاري في باقي الروايات، عوف هو ابن أبي جميلة.
- هو في «شرح السنة» ١١٩٠.
- وأخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» برقم ٢٣١١.
- وأخرجه البخاري (٣٢٧٥) و (٥٠١٠) والنسائي في «الكبرى» ١٠٧٩٥ والبيهقي في «الدلائل» (٧/ ١٠٧- ١٠٨) من طرق عن محمد بن سيرين به.
- وفي الباب من حديث أبي أيوب الأنصاري أخرجه الترمذي ٢٨٨٠ وأبو نعيم في «الدلائل» (٢/ ٧٦٦) وإسناده ضعيف لضعف مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي ليلى، وباقي رجال الإسناد ثقات.
- ومن حديث أبي بن كعب عند النسائي في «اليوم والليلة» (٩٦٠) و (٩٦١) والطبراني في «الكبير» (٥١٤) والحاكم (١/ ٥٦٢) وابن حبان ٧٨٤ وأبو نعيم (٢/ ٧٦٥) والبيهقي في «دلائل النبوة» (٧/ ١٠٨) و (١٠٩) والبغوي في «شرح السنة» ١١٩٧ من طرق عنه.
- ومن حديث معاذ بن جبيل عند الطبراني (٢٠/ ٥١ و١٠١) وأبي نعيم (٢/ ٧٦٧).
- ومن حديث أبي أسيد الساعدي عند الطبراني (١٩/ ٢٦٣- ٢٦٤).
- ومن حديث بريدة بن الحصيب عند البيهقي (٧/ ١١١). لكن هذه الثلاثة الأخيرة، واهية، وأصحها حديث أبي هريرة ثم حديث أبي بن كعب. وهذا يدل على تكرر الحادثة، فإنها حصلت لغير واحد من الصحابة.
(٣) زيد في المطبوع، وهو في صحيح مسلم.
(٥) في المطبوع «لي» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».
«٢٩٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [٢] الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ [٣] أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ هُوَ الْمَلِيكِيُّ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ حِينَ يُصْبِحُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَآيَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِ حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) [غَافِرٍ: ١- ٢]، حُفِظَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ! وَمَنْ قَرَأَهُمَا حِينَ يُمْسِي حُفِظَ فِي لَيْلَتِهِ تلك حتى يصبح».
قوله عزّ وجلّ: اللَّهُ، رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ فِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ، الْبَاقِي الدَّائِمُ عَلَى الْأَبَدِ وَهُوَ مَنْ لَهُ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ صِفَةُ الله تعالى الْقَيُّومُ. وقرأ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ «الْقَيَّامُ»، وَقَرَأَ عَلْقَمَةُ «الْقَيِّمُ»، وَكُلُّهَا لُغَاتٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: الْقَيُّومُ الْقَائِمُ على كل شيء، قال الْكَلْبِيُّ: الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ [بِمَا كَسَبَتْ] [٤]، وَقِيلَ: هُوَ الْقَائِمُ بِالْأُمُورِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الَّذِي لَا يَزُولُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ، السِّنَةُ النُّعَاسُ، وَهُوَ النَّوْمُ الْخَفِيفُ، وَالْوَسْنَانُ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، يُقَالُ مِنْهُ: وَسِنَ يسن وسنا وسنة، والنوم هو: الثقل المزيل للقوة والعقل، وقال الْمُفَضَّلُ الضَّبِّيُّ: السِّنَةُ فِي الرَّأْسِ، وَالنَّوْمُ: فِي الْقَلْبِ، فَالسِّنَةُ أَوَّلُ النَّوْمِ وَهُوَ النُّعَاسُ، وَقِيلَ: السِّنَةُ فِي الرَّأْسِ وَالنُّعَاسُ فِي الْعَيْنِ، والنوم في القلب،
إسناده ضعيف لضعف عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بن عبد الله، وباقي رجال الإسناد ثقات مشاهير، رجال البخاري ومسلم، أبو معاوية هو محمد بن خازم.
- وهو في «شرح السنة» ١١٩٢ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٢٨٧٩ والدارمي (٢/ ٤٤٩) والبيهقي في «الشعب» ٢٤٧٣ من طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ المليكي به.
وضعفه الترمذي بقوله: غريب، وقد تكلم بعض أهل العلم فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بكر المليكي اهـ.
والضعف فقط في ذكر سورة غافر، وأما آية الكرسي، فقد صح من حديث أبي هريرة، وغيره في قصة حفظه صدقة رمضان، وهو المتقدم، وفي الباب أحاديث كثيرة في ذكر آية الكرسي.
ولم يتنبه الألباني إلى ذلك فلذا أورده في ضعيف الترمذي ٥٤٠ بتمامه، وحكم بضعفه! فتنبه، والله الموفق.
(١) سقط من المخطوط.
(٢) زيادة من المخطوط.
(٣) في الأصل «الزياتي» والتصويب من «شرح السنة» و «تهذيب الكمال» (٧/ ٣٩٤) للمزي.
(٤) زيادة من المخطوط.
«٢٩٥» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ:
قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ ولكنّه يخفض القسط و [يرفعه] [١] يرفع إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ».
وَرَوَاهُ الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، وَقَالَ: «حِجَابُهُ النَّارُ» [٢]، لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، مُلْكًا وَخَلْقًا، مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، بِأَمْرِهِ، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ: مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ أَمْرِ الدنيا وَمَا خَلْفَهُمْ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، يَعْنِي: الْآخِرَةَ لِأَنَّهُمْ يَقْدَمُونَ عَلَيْهَا، وَمَا خَلْفَهُمُ الدُّنْيَا لِأَنَّهُمْ يُخَلِّفُونَهَا وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: مَا مَضَى أَمَامَهُمْ، وَمَا خَلْفَهُمْ: مَا يَكُونُ بعدهم، وقال مقاتل [بن سليمان] [٣] : مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مَا كَانَ قَبْلَ [خَلْقِ] [٤] الْمَلَائِكَةِ وَمَا خَلْفَهُمْ، أَيْ: مَا كَانَ بَعْدَ خَلْقِهِمْ، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ أَيْ: ما قدّموه من خير وشر، وَمَا خَلْفَهُمْ مَا هُمْ فَاعِلُوهُ، وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ، أَيْ: مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، إِلَّا بِما شاءَ، أَنْ يُطْلِعَهُمْ عَلَيْهِ، يَعْنِي: لَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ إِلَّا بِمَا شَاءَ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ الرُّسُلَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ [الْجِنِّ: ٢٦. ٢٧]، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، أَيْ: مَلَأَ وَأَحَاطَ بِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْكُرْسِيِّ، فَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الْعَرْشُ نَفْسُهُ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْكُرْسِيُّ: مَوْضُوعٌ [٥] أَمَامَ الْعَرْشِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، أي: سعته مثل سعة السموات والأرض.
- وهو في «شرح السنة» ٩٠ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٧٩ وابن ماجه ١٩٥ وأحمد (٤/ ٤٠٥) وابن خزيمة في «التوحيد» (ص ١٩) وابن مندة في «الإيمان» ٧٧٦ وابن أبي عاصم في «السنة» ٦١٤. من طرق عن أبي معاوية به، وقال مسلم: وفي رواية أبي بكر «النار».
- وأخرجه ابن خزيمة (ص ١٩) وابن حبان ٢٦٦ وابن مندة ٧٧٨ من طريق الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَمْرِو بن مرة به.
ورواية ابن خزيمة وابن مندة «حجابه النار» أما رواية ابن حبان «حجابه النور».
- وأخرجه مسلم (١٧٩) ح/ ٢٩٥ وابن مندة ٧٧٩ وأحمد (٤/ ٣٩٥) من طريق شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ به مختصرا. [.....]
(١) زيادة عن المخطوط وشرح السنة.
(٢) أخرجه ابن ماجه ١٩٦ والطيالسي ٤٩١ وأحمد (٤/ ٤٠١) وابن خزيمة (ص ٢٠) من طريق الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ به وزاد «ثم قرأ أبو عبيدة أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
والمسعودي قد اختلط بأخرة، وزيادة هذه الآية لم يتابعه عليها أحد.
(٣) زيادة من المخطوط.
(٤) زيادة من المخطوط.
(٥) في المخطوط «موضوع».
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ السموات السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي الْكُرْسِيِّ كَدَرَاهِمَ سَبْعَةٍ أُلْقِيَتْ فِي تُرْسٍ، وَقَالَ عَلَيٌّ وَمُقَاتِلٌ [٢] : كُلُّ قَائِمَةٍ من [قوائم] [٣] الكرسي طولها مثل السموات السَّبْعِ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعِ، وَهُوَ بَيْنَ يَدَيِ الْعَرْشِ، وَيَحْمِلُ الْكُرْسِيَّ أَرْبَعَةُ أَمْلَاكٍ، لِكُلِّ مَلَكٍ أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ، وَأَقْدَامُهُمْ فِي الصَّخْرَةِ الَّتِي تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ. مَلَكٌ عَلَى صُورَةِ سَيِّدِ الْبَشَرِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ يسأل للآدمين الرِّزْقَ مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ، وَمَلَكٌ عَلَى صُورَةِ سَيِّدِ الْأَنْعَامِ وَهُوَ الثَّوْرُ، وَهُوَ يَسْأَلُ لِلْأَنْعَامِ الرِّزْقَ مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ، وَعَلَى وَجْهِهِ غَضَاضَةٌ [٤] مُنْذُ عُبِدَ الْعِجْلُ، وَمَلَكٌ عَلَى صُورَةِ سَيِّدِ السباع، وهو الأسد يسأل [الله الرزق] للسباع مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ. وَمَلَكٌ عَلَى صُورَةِ سَيِّدِ الطَّيْرِ، وَهُوَ النسر يسأل [الله] الرِّزْقَ لِلطَّيْرِ مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ. وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: أَنَّ مَا بَيْنَ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَحَمَلَةِ الْكُرْسِيِّ سَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ ظُلْمَةٍ وَسَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ، غِلَظُ كُلِّ حِجَابٍ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، ولولا ذلك لاحترقت حَمَلَةُ الْكُرْسِيِّ مِنْ نُورِ حَمَلَةِ الْعَرْشِ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عن ابن عباس
- وقد أخرجه ابن حبان ٣٦١ وأبو نعيم في «الحلية» (١/ ١٦٦) وأبو الشيخ في «العظمة» ٢٦١ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٨٦٢ من طريق إبراهيم بن هشام الغساني بسنده عن أبي ذر، والغساني هذا ضعيف جدا، وقال الذهبي:
متروك. وكذبه أبو حاتم وأبو زرعة.
- لكن تابعه يحيى بن سعيد القرشي السعدي عند ابن عدي (٧/ ٢٦٩٩) وأبي الشيخ في «العظمة» ٢٠٨ وأبي نعيم (١/ ١٦٨) والطبراني ٥٧٩٥ والبيهقي (٩/ ٤) وفي «الأسماء والصفات» ٨٦١ من حديث أبي ذر، ويحيى القرشي هذا ضعيف، جرحه ابن حبان وقال ابن عدي: هذا حديث منكر من هذا الطريق.
- وأخرجه أبو الشيخ في «العظمة» ٢٥٤ من إسماعيل بن عياش بسنده عن أبي ذر به، وإسماعيل ضعيف في روايته عن غير الشاميين، وشيخه هاهنا حجازي، وفي الإسناد انقطاع.
- وأخرجه ابن أبي شيبة في «العرش» ٥٨ من وجه آخر من حديث أبي ذر، وفي إسناده إسماعيل بن مسلم هو المكي، وهو ضعيف.
وتابعه عليه القاسم بن محمد المصري عند ابن مردويه كما في «تفسير ابن كثير» (١/ ٣١٧) والقاسم ضعيف.
وانظر مزيد الكلام عليه في «تفسير ابن كثير» بتخريجي.
- وصححه الألباني في «الصحيحة» ١٠٩ لطرقه والصواب أنه لا يرقى إلى درجة الحسن، فعامة طرقه شديدة الضعف.
تنبيه: وقع عند الألباني في «الصحيحة» (١/ ١٧٥) أن «ابن زيد» في رواية الطبري هو عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فوهم بذلك فإن ابن جرير يروي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو المراد عند الإطلاق في تفسيره.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) لا أصل له عن علي، وحسبه أن يكون عن مقاتل، وهو يروي عن الإسرائيليات وهذا منها.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) الغضاضة: الذلة والمنقصة.
الرَّفِيعُ فَوْقَ خَلْقِهِ، وَالْمُتَعَالِي عَنِ الْأَشْيَاءِ وَالْأَنْدَادِ، وَقِيلَ: الْعَلِيُّ بِالْمُلْكِ وَالسَّلْطَنَةِ، الْعَظِيمُ: الْكَبِيرُ الَّذِي لَا شَيْءَ أَعْظَمُ منه.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٦]
لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ.
ع «٢٩٧» قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الْأَنْصَارِ تَكُونُ مقلاة- والمقلاة من النساء التي لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، وَكَانَتْ تَنْذُرُ لَئِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ لتهوّدنّه إن [٣] عَاشَ وَلَدُهَا جَعَلَتْهُ فِي الْيَهُودِ، فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَفِيهِمْ مِنْهُمْ، فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ كَانَ فِيهِمْ عَدَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْأَنْصَارِ فَأَرَادَتِ الْأَنْصَارُ اسْتِرْدَادَهُمْ، وَقَالُوا: هُمْ أَبْنَاؤُنَا وَإِخْوَانُنَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قد خيّر أَصْحَابَكُمْ فَإِنِ اخْتَارُوكُمْ فَهُمْ مِنْكُمْ وإن اختاروهم [فهم منهم، قال:] [٤] فأجلوهم معهم».
ع «٢٩٨» وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ نَاسٌ مُسْتَرْضَعِينَ فِي الْيَهُودِ مِنَ الْأَوْسِ فَلَمَّا أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ، قَالَ الَّذِينَ كَانُوا مُسْتَرْضَعِينَ فِيهِمْ: لَنَذْهَبَنَّ مَعَهُمْ وَلَنَدِينَنَّ بِدِينِهِمْ، فَمَنَعَهُمْ أَهْلُوهُمْ، فَنَزَلَتْ لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ.
ع «٢٩٩» وَقَالَ مَسْرُوقٌ: كَانَ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عوف ابنان متنصّران قبل مبعث
أخرجه الطبري ٥٨١٩ والبيهقي (٩/ ١٨٦) من طريق أبي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سعيد بن جبير مرسلا.
- ووصله أبو داود ٢٦٨٢ والنسائي في «الكبرى» ١١٠٤٨ وابن حبان ١٤٠ والطبري ٥٨١٣ والنحاس في «الناسخ والمنسوخ» (ص ٨٢) والواحدي في «أسباب النزول» ١٥٨ و١٥٩.
والبيهقي (٩/ ١٨٦) من طرق عن شعبة عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به دون عجزه «قد خيّر أصحابكم فإن اختاروكم... » وإسناده صحيح.
وله شاهد مرسل عن عامر الشعبي، أخرجه الطبري ٥٨١٥.
٢٩٨- ع أخرجه الطبري (٥٨٢١) و (٥٨٢٢) عن مجاهد مرسلا، فهذا ضعيف لإرساله. لكن يشهد لما قبله. وله شاهد مرسل الشعبي، أخرجه الطبري (٥٨١٦) و (٥٨١٧)، وآخر برقم ٥٨٢٧ من مرسل الحسن.
٢٩٩- ع ضعيف. ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ١٦٢ عن مسروق بدون إسناد، فلا حجة فيه البتة، وله شاهد من مرسل السدي، أخرجه الطبري ٥٨٢٠، ومع إرساله السدي يروي مناكير.
(١) لا يصح مثل هذا التأويل عن ابن عباس، بل هو من بدع التأويل، وكيف يصح هذا التأويل، وكذا ما بعده، مع وجود حديث حسن مرفوع؟! [.....]
(٢) في المطبوع «عمله».
(٣) كذا في المخطوط والطبري. وفي المطبوع «فإذا».
(٤) زيادة عن الطبري (٩/ ٥٨).
لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ فَخَلَّى سَبِيلَهُمَا، وَقَالَ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا قَبِلُوا الْجِزْيَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ أُمَّةً أُمِّيَّةً لَمْ يَكُنْ لَهُمْ كِتَابٌ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ إِلَّا الْإِسْلَامَ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ، فَأَمَرَ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُقِرُّوا بِالْجِزْيَةِ، فَمَنْ أَعْطَى مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ لَمْ يُكْرَهْ عَلَى الْإِسْلَامِ.
وَقِيلَ: كَانَ هَذَا فِي الِابْتِدَاءِ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقِتَالِ، فَصَارَتْ مَنْسُوخَةً بِآيَةِ السَّيْفِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ، أَيِ: الْإِيمَانُ مِنَ الْكُفْرِ وَالْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ، فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ، يعني: بالشيطان، وَقِيلَ: كُلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ طَاغُوتٌ، وقيل: مَا يُطْغِي الْإِنْسَانَ، فَاعُولٌ، مِنَ الطُّغْيَانِ زِيدَتِ التَّاءُ فِيهِ بَدَلًا مِنْ لَامِ الْفِعْلِ كَقَوْلِهِمْ: حَانُوتٌ وتابوت، فالتاء فيهما مُبْدَلَةٌ [٢] مِنْ هَاءِ التَّأْنِيثِ، وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى، أَيْ: تَمَسَّكَ وَاعْتَصَمَ بِالْعَقْدِ الْوَثِيقِ الْمُحْكَمِ فِي الدِّينِ، وَالْوُثْقَى: تَأْنِيثُ الْأَوْثَقِ، وَقِيلَ: الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى السَّبَبُ الَّذِي يُوصِلُ إِلَى رِضَا اللَّهِ تَعَالَى، لَا انْفِصامَ لَها: لَا انْقِطَاعَ لَهَا، وَاللَّهُ سَمِيعٌ: [قِيلَ: سميع] [٣] لِدُعَائِكَ إِيَّاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، عَلِيمٌ: بحرصك على إيمانهم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٥٧ الى ٢٥٨]
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا: نَاصِرُهُمْ وَمُعِينُهُمْ، وَقِيلَ: مُحِبُّهُمْ، وَقِيلَ: مُتَوَلِّي أُمُورَهُمْ لَا يَكِلُهُمْ إِلَى غَيْرِهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: وَلِيُّ هِدَايَتِهِمْ، يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ، أَيْ: مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ فَالْمُرَادُ مِنْهُ: الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ غَيْرُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ [الأنعام: ١]، فَالْمُرَادُ مِنْهُ: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، سُمِّيَ الْكُفْرُ: ظُلْمَةً لِالْتِبَاسِ طَرِيقِهِ، وَسُمِّيَ الْإِسْلَامُ نُورًا لِوُضُوحِ طَرِيقِهِ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ، قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي: كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ وَحُيَيَّ بن أخطب وسائر رؤوس الضَّلَالَةِ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ، يَدْعُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ، وَالطَّاغُوتُ يَكُونُ مُذَكَّرًا وَمُؤَنَّثًا وواحدا وجمعا، فقال تَعَالَى فِي الْمُذَكَّرِ وَالْوَاحِدِ: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ [النِّسَاءِ: ٦٠]، وَقَالَ فِي الْمُؤَنَّثِ: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها [الزُّمَرِ: ١٧]، وَقَالَ فِي الْجَمْعِ: يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ
(١) في المطبوع «فتخاصما».
(٢) في المطبوع «فيها مبدل».
(٣) زيادة عن المخطوط.
إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [يُوسُفَ: ٣٧]، وَلَمْ يَكُنْ قَطُّ فِي مِلَّتِهِمْ، أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ، مَعْنَاهُ: هَلِ انْتَهَى إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ خَبَرُ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ، أَيْ خَاصَمَ وَجَادَلَ، وَهُوَ نُمْرُودُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ التَّاجَ عَلَى رَأْسِهِ وَتَجَبَّرَ فِي الْأَرْضِ وَادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ؟ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ، أَيْ: لِأَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ فَطَغَى، أَيْ: كَانَتْ تِلْكَ الْمُحَاجَّةُ مِنْ بَطَرِ الْمَلِكِ وَطُغْيَانِهِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَلَكَ الْأَرْضَ أَرْبَعَةٌ: مُؤْمِنَانِ وَكَافِرَانِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنَانِ: فَسُلَيْمَانُ وَذُو الْقَرْنَيْنِ، وَأَمَّا الْكَافِرَانِ: فَنُمْرُودُ وَبُخْتَنَصَّرُ، وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةِ، قَالَ مُقَاتِلٌ: لَمَّا كَسَّرَ إِبْرَاهِيمُ الْأَصْنَامَ سَجَنَهُ نُمْرُودُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ لِيَحْرِقَهُ بِالنَّارِ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ الَّذِي تَدْعُونَا إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ هَذَا بَعْدَ إِلْقَائِهِ فِي النَّارِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ قَحَطُوا عَلَى عَهْدِ نُمْرُودَ، وَكَانَ النَّاسُ يَمْتَارُونَ مِنْ عِنْدِهِ الطَّعَامَ، فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ الرَّجُلُ فِي طَلَبِ الطَّعَامِ سَأَلَهُ مِنْ رَبُّكَ فَإِنْ قَالَ أَنْتَ بَاعَ مِنْهُ الطَّعَامَ، فَأَتَاهُ إِبْرَاهِيمُ فِيمَنْ أَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ نُمْرُودُ: مَنْ رَبُّكَ؟ قَالَ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، فَاشْتَغَلَ بِالْمُحَاجَّةِ وَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا، فَرَجَعَ إِبْرَاهِيمُ فَمَرَّ عَلَى كَثِيبٍ مِنْ رَمْلٍ أَعْفَرَ فَأَخَذَ مِنْهُ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِ أَهْلِهِ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَتَى أَهْلَهُ وَوَضَعَ مَتَاعَهُ نَامَ فَقَامَتِ امْرَأَتُهُ إِلَى مَتَاعِهِ فَفَتَحَتْهُ فَإِذَا هُوَ أَجْوَدُ طعام رأته [فأخذته سارة] [٢] فَصَنَعَتْ لَهُ مِنْهُ فَقَرَّبَتْهُ [إِلَيْهِ] [٣]، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ قَالَتْ: مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي جِئْتَ بِهِ، فَعَرَفَ أَنَّ اللَّهَ رَزَقَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ تَقْدِيرُهُ:
قَالَ لَهُ مَنْ ربك؟ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، قَرَأَ حَمْزَةُ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ بِإِسْكَانِ الْيَاءِ وَكَذَلِكَ حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ [الأعراف: ٣٣]، وعَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ [الأعراف:
١٤٦]، وقُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ [إبراهيم: ٣١]، وآتانِيَ الْكِتابَ [مريم: ٣٠]، ومَسَّنِيَ الضُّرُّ [الأنبياء: ٨٣]، وعِبادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء: ١٠٥]، وعِبادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: ١٣]، ومَسَّنِيَ الشَّيْطانُ [ص: ٤١]، وإِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ [الزمر: ٣٨]، وإِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ [الْمُلْكِ: ٢٨]، أَسْكَنَ الْيَاءَ فِيهِنَّ حَمْزَةُ، وَوَافَقَ ابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ فِي لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا [إبراهيم: ٣١]، وابن عامر [في] آياتِيَ الَّذِينَ [الأعراف: ١٤٦]، وفتحها الآخرون، قالَ نمرود [لإبراهيم] أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَا بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ وَالْمَدِّ فِي الْوَصْلِ إِذَا تَلَتْهَا أَلِفٌ مَفْتُوحَةٌ أَوْ مَضْمُومَةٌ، وَالْبَاقُونَ بِحَذْفِ الْأَلِفِ، وَوَقَفُوا جَمِيعًا بِالْأَلِفِ، قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: دَعَا نُمْرُودُ بِرَجُلَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا وَاسْتَحْيَا الْآخَرَ فَجَعَلَ [القتل إماتة] [٤]، وترك القتل إحياء، فَانْتَقَلَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى حُجَّةٍ أُخْرَى ليعجزه، فَإِنَّ حُجَّتَهُ كَانَتْ لَازِمَةً لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْإِحْيَاءِ إِحْيَاءَ الْمَيِّتِ فَكَانَ له أن يقول فأحيي مَنْ أَمَتَّ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، فانتقل إلى حجّة أخرى
(٢) زيادة عن المخطوط.
٣ زيد في المطبوع وحده.
٤ زيد في المطبوع وحده.
سَلْ أَنْتَ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ، قِيلَ: إِنَّمَا لَمْ يَقُلْهُ لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ لَوْ سأله ذَلِكَ، دَعَا إِبْرَاهِيمُ رَبَّهُ فَكَانَ زِيَادَةً فِي فَضِيحَتِهِ وَانْقِطَاعِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ اللَّهَ صَرَفَهُ عَنْ تِلْكَ الْمُعَارَضَةِ إِظْهَارًا لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِ أَوْ مُعْجِزَةً لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٩]
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩)
. قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ، وَهَذِهِ الآية مسوقة عَلَى الْآيَةِ الْأُولَى، تَقْدِيرُهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ في ربه، [وَإِلَى الَّذِي] [١] مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ؟
وقيل: تقديره: هل رأيت كالذي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ؟ وَهَلْ رأيت كالذي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ؟ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الْمَارِّ.
فَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ: هُوَ عُزَيْرُ بْنُ شَرْخِيَا، وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: هُوَ أَرْمِيَا بْنُ حَلْقِيَا، وَكَانَ مِنْ سِبْطِ هَارُونَ وَهُوَ الْخَضِرُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ كَافِرٌ شَكَّ فِي الْبَعْثِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ، فَقَالَ وَهْبٌ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ: هِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هِيَ دَيْرُ سَابِرَ أَبَادَ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: مسلم أباد، وَقِيلَ: دَيْرُ هِرَقْلَ، وَقِيلَ: هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي أَهْلَكَ اللَّهُ فِيهَا الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ، وَقِيلَ: هِيَ قَرْيَةُ الْعِنَبِ [٢] وَهِيَ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَهِيَ خاوِيَةٌ: سَاقِطَةٌ، يُقَالُ: خَوِيَ الْبَيْتُ بِكَسْرِ الْوَاوِ يَخْوِي، خَوًى مَقْصُورًا إِذَا سَقَطَ، وَخَوَى الْبَيْتُ بِالْفَتْحِ خَوَاءً مَمْدُودًا إِذَا خَلَا، عَلى عُرُوشِها: سُقُوفِهَا، وَاحِدُهَا عرش، وقيل: وكل بِنَاءٍ عَرْشٌ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ السُّقُوفَ سَقَطَتْ ثُمَّ وَقَعَتِ الْحِيطَانُ عَلَيْهَا، قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها؟ وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ إِرْمِيَاءَ إِلَى نَاشِيَةَ بْنِ أَمُوصَ ملك بني إسرائيل ليسدّده في ملكه، ويأتيه بالخير مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَعَظُمَتِ الْأَحْدَاثُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَرَكِبُوا الْمَعَاصِيَ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى إِرْمِيَاءَ أَنْ ذَكِّرْ قَوْمَكَ نِعَمِي وعرّفهم أحداثهم [وركوبهم معصيتي] [٣] وَادْعُهُمْ إِلَيَّ، فَقَالَ إِرْمِيَاءُ: إِنِّي ضَعِيفٌ إِنْ لَمْ تُقَوِّنِي، عَاجِزٌ إِنْ لَمْ تُبَلِّغْنِي، مَخْذُولٌ إِنْ لَمْ تَنْصُرْنِي، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وجلّ: أنا ألهمك [ما تقول] [٤]، فَقَامَ إِرْمِيَاءُ فِيهِمْ وَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ، فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ فِي الْوَقْتِ خُطْبَةً بَلِيغَةً طَوِيلَةً بَيَّنَ لَهُمْ فِيهَا ثَوَابَ الطَّاعَةِ وَعِقَابَ الْمَعْصِيَةِ، وَقَالَ فِي آخِرِهَا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى: وَإِنِّي أَحْلِفُ بِعِزَّتِي لَأُقَيِّضَنَّ لَهُمْ فِتْنَةً يَتَحَيَّرُ فِيهَا الحليم [٥] وَلَأُسَلِّطَنَّ عَلَيْهِمْ جَبَّارًا فَارِسِيًّا أُلْبِسُهُ الْهَيْبَةَ وَأَنْزِعُ مِنْ صَدْرِهِ الرَّحْمَةَ
(٢) في المخطوط «الغيث».
(٣) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «الحكيم».
وَعِزَّتِي لَا أُهْلِكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى يَكُونَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ مِنْ قِبَلِكَ، فَفَرِحَ إِرْمِيَاءُ بِذَلِكَ وَطَابَتْ نَفْسُهُ، فَقَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَ مُوسَى بِالْحَقِّ لَا أَرْضَى بِهَلَاكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ أَتَى الْمَلِكَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ وَكَانَ مَلِكًا صَالِحًا فَاسْتَبْشَرَ وَفَرِحَ، فَقَالَ: إِنْ يُعَذِّبْنَا رَبُّنَا فَبِذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ عَفَا عَنَّا فَبِرَحْمَتِهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَبِثُوا بَعْدَ الْوَحْيِ ثَلَاثَ سِنِينَ لَمْ يَزْدَادُوا إِلَّا مَعْصِيَةً وَتَمَادِيًا فِي الشَّرِّ، وَذَلِكَ حِينَ اقْتَرَبَ هَلَاكُهُمْ فَقَلَّ الْوَحْيُ، وَدَعَاهُمُ الْمَلِكُ إِلَى التَّوْبَةِ [فتمادوا في غيّهم] [٣]، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُخْتَنَصَّرَ فَخَرَجَ فِي سِتِّمِائَةِ أَلْفِ رَايَةٍ يُرِيدُ أَهْلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَمَّا فَصَلَ سَائِرًا أَتَى الْمَلِكَ الْخَبَرُ فَقَالَ لِإِرْمِيَاءَ: أَيْنَ مَا زَعَمْتَ أَنَّ الله أوحى إليك [أن لا يهلك بني إسرائيل إلا بأمرك] [٤]، فَقَالَ إِرْمِيَاءُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَأَنَا بِهِ وَاثِقٌ، فَلَمَّا قَرُبَ الْأَجَلُ بَعَثَ اللَّهُ إِلَى إِرْمِيَاءَ مَلَكًا قَدْ تَمَثَّلَ لَهُ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ لَهُ إِرْمِيَاءُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَتَيْتُكَ أَسْتَفْتِيكَ فِي أَهْلِ رَحِمِي، وَصَلْتُ أَرْحَامَهُمْ وَلَمْ آتِ إِلَيْهِمْ إِلَّا حُسْنًا وَلَا يَزِيدُهُمْ إِكْرَامِي إِيَّاهُمْ إِلَّا إِسْخَاطًا لِي، فأفتني فيهم، فقال: أَحْسِنْ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ وَصِلْهُمْ وَأَبْشِرْ بِخَيْرٍ، فَانْصَرَفَ الْمَلَكُ فَمَكَثَ أَيَّامًا ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِ فِي صُورَةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقَعَدَ بين يديه، فَقَالَ لَهُ إِرْمِيَاءُ:
مَنْ أَنْتَ؟ قال: أنا الرجل الذي أتيتك أستفتيك فِي شَأْنِ أَهْلِي، فَقَالَ لَهُ إِرْمِيَاءُ: أَمَا طَهُرَتْ أَخْلَاقُهُمْ لَكَ بعد؟ فقال: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَعْلَمُ كَرَامَةً يَأْتِيهَا أحد من الناس إلى [٥] رَحْمَةً إِلَّا قَدَّمْتُهَا إِلَيْهِمْ وَأَفْضَلَ [من ذلك] [٦]، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ إِرْمِيَاءُ عَلَيْهِ السلام: ارجع فأحسن إليهم واسأل اللَّهَ الَّذِي يُصْلِحُ عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ أن يصلحهم [لك] [٧]، فانصرف الْمَلِكُ، فَمَكَثَ أَيَّامًا وَقَدْ نَزَلَ بُخْتَنَصَّرُ وَجُنُودُهُ حَوْلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِأَكْثَرِ مِنَ الْجَرَادِ فَفَزِعَ مِنْهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ مَلِكُهُمْ لِإِرْمِيَاءَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَيْنَ مَا وَعَدَكَ اللَّهُ؟
قَالَ: إِنِّي بِرَبِّي وَاثِقٌ، ثُمَّ أَقْبَلَ الْمَلِكُ إِلَى إِرْمِيَاءَ وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى جِدَارِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَضْحَكُ وَيَسْتَبْشِرُ بِنَصْرِ ربّه الَّذِي وَعَدَهُ، فَقَعَدَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ إِرْمِيَاءُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا الَّذِي أَتَيْتُكَ فِي شَأْنِ أَهْلِي مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ: أَلَمْ يَأْنِ لَهُمْ أَنْ يُفِيقُوا مِنَ الَّذِي هُمْ فِيهِ؟ فَقَالَ الْمَلِكُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ يُصِيبُنِي مِنْهُمْ قَبْلَ الْيَوْمِ كُنْتُ أَصْبِرُ عَلَيْهِ، فَالْيَوْمَ رَأَيْتُهُمْ فِي عَمَلٍ لَا يُرْضِي اللَّهَ، فَقَالَ النَّبِيُّ: عَلَى أَيِّ عَمَلٍ رَأَيْتَهُمْ؟
قَالَ: عَلَى عَمَلٍ عظيم من سخط الله، فغضبت لله وَأَتَيْتُكَ لِأُخْبِرَكَ، وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ الَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا إِلَّا مَا دَعَوْتَ اللَّهَ عَلَيْهِمْ لِيُهْلِكَهُمْ، فقال أرمياء: يا مالك السموات وَالْأَرْضِ إِنْ كَانُوا عَلَى حَقٍّ وَصَوَابٍ فَأَبْقِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى عَمَلٍ لَا تَرْضَاهُ فَأَهْلِكْهُمْ، فَلَمَّا خرجت الكلمة من في إِرْمِيَاءَ أَرْسَلَ اللَّهُ صَاعِقَةً مِنَ السَّمَاءِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَالْتَهَبَ مكان القربان [نارا] [٨] وَخُسِفَ بِسَبْعَةِ أَبْوَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ إِرْمِيَاءُ صَاحَ وَشَقَّ ثِيَابَهُ وَنَبَذَ الرَّمَادَ عَلَى رأسه، وقال: يا مالك السموات والأرض أين ميعادك الذي وعدتني به، فَنُودِيَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَهُمْ إِلَّا بِفُتْيَاكَ وَدُعَائِكَ، فَاسْتَيْقَنَ [أرمياء] [٩] عليه
(٢) زيادة من المخطوط.
(٣) العبارة في المطبوع «فلم يفعلوا».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) وقع في المطبوع «إلا».
(٦) زيادة من المخطوط.
٧ زيادة من المخطوط.
٨ زيادة من المخطوط.
(٩) في المطبوع «النبي» بدل «أرمياء».
فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ، أَيْ: أَحْيَاهُ، قالَ كَمْ لَبِثْتَ، أَيْ: كَمْ مَكَثْتَ؟ يُقَالُ: لَمَّا أَحْيَاهُ اللَّهُ بَعَثَ إِلَيْهِ مَلِكًا فَسَأَلَهُ: كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَاتَهُ ضُحًى فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَأَحْيَاهُ بَعْدَ مِائَةِ عَامٍ فِي آخِرِ النَّهَارِ قبل غيبوبة الشمس، فقال: كَمْ لَبِثْتَ؟ قَالَ] [٦] : لَبِثْتُ يَوْمًا وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَرَأَى بَقِيَّةً مِنَ الشَّمْسِ، فَقَالَ: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، بَلْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ له الْمَلِكُ: بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ، يَعْنِي: التِّينَ، وَشَرابِكَ، يَعْنِي: الْعَصِيرَ، لَمْ يَتَسَنَّهْ
(٢) في المخطوط «الغلمة».
(٣) في المخطوط «يعمرونها». [.....]
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيد في المطبوع وحده.
٣٣]، أي: يتمطّط، وقوله: وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠) [الشَّمْسِ: ١٠]، وأصله: دسسها، وَمَنْ أَثْبَتَ الْهَاءَ فِي الْحَالَيْنِ جَعَلَ الْهَاءَ أَصْلِيَّةً لَامَ الْفِعْلِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ أَصْلَ السَّنَةِ السَّنْهَةَ، وَتَصْغِيرُهَا سُنَيْهَةٌ، والفعل من المسانهة، وَإِنَّمَا قَالَ: لَمْ يَتَسَنَّهْ وَلَمْ يثنه مع [غيره مَعَ] [٣] أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ شَيْئَيْنِ ردا للمتغيّر إلى أقرب اللفظين به، وَهُوَ الشَّرَابُ، وَاكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْآخَرِ، وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ، فنظر [إليه] فَإِذَا هُوَ عِظَامٌ بِيضٌ، فَرَكَّبَ اللَّهُ تَعَالَى الْعِظَامَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فَكَسَاهُ اللَّحْمَ وَالْجِلْدَ وَأَحْيَاهُ وهو ينظر، وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ، قِيلَ: الْوَاوُ زَائِدَةٌ مُقْحَمَةٌ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أُدْخِلَتِ الْوَاوُ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهَا شَرْطٌ لِفِعْلٍ بَعْدَهَا مَعْنَاهُ: وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً [أَيْ] عِبْرَةً وَدَلَالَةً عَلَى الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، قَالَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ: إِنَّهُ عَادَ إِلَى قَرْيَتِهِ شَابًّا وَأَوْلَادُهُ وَأَوْلَادُ أَوْلَادِهِ شُيُوخٌ وَعَجَائِزُ، وَهُوَ أَسْوَدُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها، قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ: نَنْشُرُهَا بِالرَّاءِ، مَعْنَاهُ: نُحْيِيهَا، يُقَالُ: أَنْشَرَ اللَّهُ الميت إنشارا وأنشره نشورا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) [عَبَسَ: ٢٢]، وَقَالَ فِي اللازم: وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك: ١٥]، وقال الْآخَرُونَ بِالزَّايِ، أَيْ نَرْفَعُهَا مِنَ الأرض [ونردها إلى أماكنها مِنَ الْجَسَدِ] [٤]، وَنُرَكِّبُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَإِنْشَازُ الشَّيْءِ: رَفْعُهُ وَإِزْعَاجُهُ، قال: أَنْشَزْتُهُ فَنَشَزَ، أَيْ: رَفَعْتُهُ فَارْتَفَعَ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ، فَقَالَ الأكثرون: إنه أَرَادَ بِهِ عِظَامَ حِمَارِهِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَا عُزَيْرًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: انْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ قَدْ هَلَكَ وَبَلِيَتْ عِظَامُهُ، فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى رِيحًا فَجَاءَتْ بِعِظَامِ الْحِمَارِ مِنْ كُلِّ سَهْلٍ وَجَبَلٍ، وَقَدْ ذَهَبَتْ بِهَا الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ، فَاجْتَمَعَتْ فَرُكِّبَ بَعْضُهَا فِي [٥] بَعْضٍ وَهُوَ يَنْظُرُ [فَصَارَ حمارا من عظام ليس فيه لَحْمٌ وَلَا دَمٌ، ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً، ثم كسى العظام لحما] [٦] فَصَارَ حِمَارًا لَا رُوحَ فِيهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ مَلَكٌ يَمْشِي حَتَّى أَخَذَ بِمَنْخَرِ الْحِمَارَ فَنَفَخَ فِيهِ، فَقَامَ الْحِمَارُ وَنَهَقَ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: أَرَادَ بِهِ عِظَامَ هذا الرجل، ذلك أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُمِتْ حِمَارَهُ بَلْ أَمَاتَهُ هُوَ، فَأَحْيَا اللَّهُ عَيْنَيْهِ، وَرَأْسَهُ وَسَائِرَ جَسَدُهُ ميت، ثُمَّ قَالَ لَهُ: انْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ فَنَظَرَ فَرَأَى حِمَارَهُ قَائِمًا واقفا كهيئة يَوْمَ رَبَطَهُ حَيًّا لَمْ يَطْعَمْ وَلَمْ يَشْرَبْ مِائَةَ عَامٍ، وَنَظَرَ إلى الزمة [٧] فِي عُنُقِهِ جَدِيدَةً لَمْ تَتَغَيَّرْ، وتقرير [٨] الْآيَةِ: وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَانْظُرْ إلى عظامك كيف ننشزها، [هذا قول قتادة والضحّاك وفي الآية تقديم وتأخير وتقديرها: وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ، وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا، وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ] [٩]، وَقَالَ [١٠] قَتَادَةُ عَنْ كَعْبٍ وَالضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما، والسدي
(٢) في المطبوع «النون».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط وط.
(٥) زيادة عن المخطوط وط.
(٦) سقط من المخطوط.
(٧) كذا في المطبوع وط. والرمة: قطعة من حبل. وفي المخطوط: الزمة. ما يشد به البعير.
(٨) في المطبوع «وتقدير».
(٩) زيادة عن المخطوط وط.
(١٠) في المطبوع «وهذا قول».
فَإِنِّي أَنَا عُزَيْرٌ إن الله تعالى أَمَاتَنِي مِائَةَ سَنَةٍ ثُمَّ بَعَثَنِي، قَالَتْ: فَإِنَّ عُزَيْرًا كَانَ رَجُلًا مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ وَيَدْعُو لِلْمَرِيضِ وَلِصَاحِبِ العاهة فيبرأ [٣]، فادع الله أن يردّ عليّ بَصَرِي حَتَّى أَرَاكَ، فَإِنْ كُنْتَ عُزَيْرًا عَرَفْتُكَ، فَدَعَا رَبَّهُ وَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى عَيْنَيْهَا فَصَحَّتَا وَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ: قُومِي بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَطْلَقَ اللَّهُ رِجْلَيْهَا فَقَامَتْ صَحِيحَةً فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: أَشْهَدُ أَنَّكَ عُزَيْرٌ، فَانْطَلَقَتْ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُمْ فِي أَنْدِيَتِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ، وَابْنٌ لِعُزَيْرٍ شَيْخٌ كَبِيرٌ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ وَثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبَنُو بَنِيهِ شُيُوخٌ فِي الْمَجْلِسِ، فَنَادَتْ هَذَا عُزَيْرٌ قَدْ جَاءَكُمْ فَكَذَّبُوهَا، فَقَالَتْ: أَنَا فُلَانَةٌ مَوْلَاتُكُمْ، دَعَا لِي رَبَّهُ فَرَدَّ عَلَيَّ بَصَرِي وَأَطْلَقَ رَجْلِي، وَزَعَمَ أَنَّ اللَّهَ كَانَ أَمَاتَهُ مِائَةَ سَنَةٍ ثم بعثه، [قال] فَنَهَضَ النَّاسُ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ فَقَالَ وَلَدُهُ: كَانَ لِأَبِي شَامَةٌ سَوْدَاءُ مِثْلُ الْهِلَالِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَكَشَفَ عَنْ كَتِفَيْهِ فَإِذَا هُوَ عُزَيْرٌ [والشامة بين كتفيه] [٤]، وَقَالَ السُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ: لَمَّا رَجَعَ عزير إلى قريته، وَقَدْ أَحْرَقَ بُخْتَنَصَّرُ التَّوْرَاةَ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ اللَّهِ عَهْدٌ بَيْنَ الْخَلْقِ فَبَكَى عُزَيْرٌ عَلَى التَّوْرَاةِ، فَأَتَاهُ مَلَكٌ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ فَسَقَاهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَمَثُلَتِ [٥] التَّوْرَاةُ فِي صَدْرِهِ فَرَجَعَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَدْ عَلَّمَهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ، وَبَعَثَهُ نَبِيًّا فَقَالَ: أَنَا عُزَيْرٌ فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ، فَقَالَ: إِنِّي عُزَيْرٌ قَدْ بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَيْكُمْ لِأُجَدِّدَ لَكُمْ تَوْرَاتَكُمْ، قَالُوا: أَمْلِهَا عَلَيْنَا فَأَمْلَاهَا عَلَيْهِمْ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ، فَقَالُوا: مَا جَعَلَ اللَّهُ التوراة في صدر رجل بعد ما ذَهَبَتْ إِلَّا أَنَّهُ ابْنُهُ، فَقَالُوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَسَتَأْتِي الْقِصَّةُ [بتمامها] [٦] فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ عِيَانًا، قالَ أَعْلَمُ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ مَجْزُومًا مَوْصُولًا عَلَى الْأَمْرِ عَلَى مَعْنَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: اعْلَمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ أَعْلَمُ بِقَطْعِ الْأَلِفِ وَرَفْعِ الْمِيمِ عَلَى الْخَبَرِ عَنْ عُزَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا رَأَى ذَلِكَ: أَعْلَمُ، أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٦٠]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى، قال الحسن وقادة وعطاء الخراساني والضحاك وَابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَ سَبَبُ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى دَابَّةٍ مَيِّتَةٍ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَتْ جِيفَةَ حِمَارٍ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ، قَالَ عَطَاءٌ [٧] : بُحَيْرَةِ طَبَرِيَةَ، قَالُوا: فَرَآهَا وَقَدْ تَوَزَّعَتْهَا دَوَابُّ الْبَحْرِ وَالْبَرِّ، فَكَانَ إِذَا مَدَّ الْبَحْرُ جَاءَتِ الْحِيتَانُ وَدَوَابُّ الْبَحْرِ فَأَكَلَتْ مِنْهَا، فَمَا وَقَعَ مِنْهَا يَصِيرُ فِي الْبَحْرِ،
(٢) في المطبوع «من».
(٣) في المطبوع «البلاء بالعافية» بدل «العاهة فيبرأ».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المخطوط «فمكثت».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيد في المطبوع «في».
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَمَّا اتَّخَذَ اللَّهُ تَعَالَى إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، سَأَلَ مَلَكُ الْمَوْتِ رَبَّهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فَيُبَشِّرَ إِبْرَاهِيمَ بِذَلِكَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَأَتَى إِبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ فَدَخَلَ دَارَهُ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَغْيَرَ النَّاسِ، إِذَا خَرَجَ أَغْلَقَ بَابَهُ، فَلَمَّا جَاءَ وَجَدَ فِي دَارِهِ رَجُلًا فَثَارَ عَلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ وَقَالَ لَهُ: مَنْ أَذِنَ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ دَارِي؟ فَقَالَ: أَذِنَ لِي رَبُّ هَذِهِ الدَّارِ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: صَدَقْتَ، وَعَرَفَ أَنَّهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: أَنَا مَلَكُ الْمَوْتِ، جِئْتُ أُبَشِّرُكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَكَ خَلِيلًا، فَحَمِدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَنْ يُجِيبَ الله دعاءك ويحيي الْمَوْتَى بِسُؤَالِكَ، فَحِينَئِذٍ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أَنَّكَ اتَّخَذْتَنِي خَلِيلًا وَتُجِيبُنِي [٥] إِذَا دَعَوْتُكَ.
«٣٠٠» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله تعالى عنه:
- وهو في «شرح السنة» ٦٢ بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» برقم (٣٣٧٢) و (٤٥٣٧).
- وأخرجه مسلم (١٥١) ح/ ٢٣٨ وابن ماجه ٤٠٢٦ وابن حبان ٦٢٠٨ والطبري (٥٩٧٤) و (١٩٤٠٠) والطحاوي في «المشكل» ٣٢٦ من طرق عن ابن وهب بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٤٦٩٤ والطبري (٥٩٧٣) و (١٩٣٩٩) والطحاوي في «المشكل» ٣٢٧ وابن مندة في «الإيمان» ٣٦٩ من طريق عمرو بن الحارث عن يونس بن يزيد به.
وأخرجه أحمد (٢/ ٣٢٦) عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عن يونس بن يزيد به.
- وأخرجه مسلم ١٥١ والطحاوي ٣٢٨ وابن مندة ٣٧٠ من طريق مالك بن أنس عن الزهري به.
(١) زيد في المطبوع «ورجع».
(٢) في المطبوع «فأكلن».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المخطوط «وتحيي الموتى» بدل «وتجيبني».
حَكَى [٢] مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: لَمْ يَشُكَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا إِبْرَاهِيمُ فِي أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى، وَإِنَّمَا شَكَّا فِي أَنَّهُ هَلْ يُجِيبُهُمَا إِلَى مَا سَأَلَا، وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: لَيْسَ في قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ» [٣] اعْتِرَافٌ بِالشَّكِّ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ لَكِنْ فِيهِ نَفْيُ الشك عنهما بقول: إِذَا لَمْ أَشُكَّ أَنَا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى فَإِبْرَاهِيمُ أَوْلَى بِأَنْ لَا يَشُكَّ، وَقَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ وَالْهَضْمِ مِنَ النَّفْسِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «لَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ» [٤]، وَفِيهِ الْإِعْلَامُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ إبراهيم عليه لَمْ تَعْرِضْ مِنْ جِهَةِ الشَّكِّ، لكن مِنْ قِبَلِ [٥] زِيَادَةِ الْعِلْمِ بِالْعَيَانِ، فَإِنَّ الْعَيَانَ يُفِيدُ مِنَ الْمَعْرِفَةِ والطمأنينة ما لا يفيد الِاسْتِدْلَالُ، وَقِيلَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ قَوْمٌ: شَكَّ إِبْرَاهِيمُ وَلَمْ يَشُكَّ نَبِيُّنَا! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْقَوْلَ تَوَاضُعًا مِنْهُ وَتَقْدِيمًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَى نَفْسِهِ، قَوْلُهُ: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ مَعْنَاهُ: قَدْ آمَنْتَ فَلِمَ تسأل [إحيائي الموتى] [٦] ؟ شَهِدَ لَهُ بِالْإِيمَانِ كَقَوْلِ جَرِيرٍ:
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا | وأندى العالمين بطول رَاحِ |
، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَمْزَةُ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ بِكَسْرِ الصَّادِ، أَيْ: قَطِّعْهُنَّ وَمَزِّقْهُنَّ، يُقَالُ: صَارَ يَصِيرُ صَيْرًا، إِذَا قَطَعَ، وَانْصَارَ الشَّيْءُ انْصِيَارًا إِذَا انْقَطَعَ، قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مَقْلُوبٌ مِنْ صَرَيْتُ أَصْرِي صَرْيًا، إِذَا قَطَعْتُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ فَصُرْهُنَّ بِضَمِّ الصَّادِ، وَمَعْنَاهُ: أَمِلْهُنَّ إِلَيْكَ وَوَجِّهْهُنَّ يُقَالُ: صِرْتُ الشَّيْءَ أُصَوِّرُهُ، إِذَا أَمَلْتُهُ، وَرَجُلٌ أَصْوَرُ إِذَا كَانَ مَائِلَ الْعُنُقِ، وَقَالَ عَطَاءٌ مَعْنَاهُ:
اجْمَعْهُنَّ وَاضْمُمْهُنَّ إِلَيْكَ، يُقَالُ: صَارَ يُصَوِّرُ صَوْرًا إِذَا اجْتَمَعَ، وَمِنْهُ قِيلَ لِجَمَاعَةِ النحل: صور، [و] من فَسَّرَهُ بِالْإِمَالَةِ وَالضَّمِّ قَالَ: فِيهِ إِضْمَارٌ مَعْنَاهُ: فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ قَطِّعْهُنَّ، فَحَذَفَهُ اكْتِفَاءً بِقَوْلِهِ: ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: فَصُرْهُنَّ مَعْنَاهُ قَطِّعْهُنَّ أَيْضًا، وَالصَّوْرُ: الْقَطْعُ، قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً، قَرَأَ عَاصِمٌ بِرِوَايَةِ أبي بكر جزا مثقلا مهموزا،
(٢) زيد في- ط «عن». [.....]
(٣) انظر ما تقدم.
(٤) انظر ما تقدم.
(٥) في المخطوط «قبيل».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) لا طائل بتعيين تلك الطير، ومصدره الإسرائيليات، ولو تعلق به فائدة لبينه الله عز وجل لنا، والله أعلم.
(٨) العبارة في المطبوع «إليه».
أَمَرَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ تِلْكَ الطُّيُورَ، وَيَنْتِفَ رِيشَهَا وَيَقْطَعَهَا وَيَخْلِطَ رِيشَهَا وَدِمَاءَهَا وَلُحُومَهَا بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، فَفَعَلَ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ أَجْزَاءَهَا عَلَى الْجِبَالِ وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الْأَجْزَاءِ وَالْجِبَالِ، فَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَتَادَةُ: أُمِرَ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ طَائِرٍ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ، وَيَجْعَلَهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَجْبُلٍ، عَلَى كُلِّ جَبَلٍ رُبْعًا مِنْ كُلِّ طَائِرٍ، وَقِيلَ: جَبَلٌ عَلَى جَانِبِ الشَّرْقِ وَجَبَلٌ عَلَى جَانِبِ الْغَرْبِ وَجَبَلٌ عَلَى الشمال وجبل على الْجَنُوبِ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَالسُّدِّيُّ: جَزَّأَهَا سَبْعَةَ أَجْزَاءٍ وَوَضَعَهَا عَلَى سبعة أجبل وأمسك رؤوسهن، ثم دعاهنّ فقال: تعالين بإذن الله، فَجَعَلَتْ كُلُّ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِ طَائِرٍ تَطِيرُ إِلَى الْقَطْرَةِ الْأُخْرَى وَكُلُّ رِيشَةٍ تَطِيرُ إِلَى الرِّيشَةِ الْأُخْرَى وَكُلُّ عَظْمٍ يَصِيرُ إِلَى العظم الآخر وكل بضعة [لحم] [١] تَصِيرُ إِلَى الْأُخْرَى، وَإِبْرَاهِيمُ يَنْظُرُ حَتَّى لَقِيَتْ كُلُّ جُثَّةٍ بَعْضَهَا بعضا في السماء [٢] بِغَيْرِ رَأْسٍ، ثُمَّ أَقْبَلْنَ إِلَى رؤوسهن سَعْيًا فَكُلَّمَا جَاءَ طَائِرٌ مَالَ بِرَأْسِهِ، فَإِنْ كَانَ رَأْسُهُ دَنَا مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَأَخَّرَ حَتَّى الْتَقَى كُلُّ طَائِرٍ بِرَأْسِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً، قِيلَ: الْمُرَادُ بِالسَّعْيِ الْإِسْرَاعُ وَالْعَدْوُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ المشي دون الطير كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الْجُمُعَةِ: ٩]، أَيْ: فَامْضُوا، وَالْحِكْمَةُ فِي الْمَشْيِ دُونَ الطيران كونه أبعد عن الشُّبْهَةِ لِأَنَّهَا لَوْ طَارَتْ لِتَوِّهِمْ مُتَوَهِّمٌ أَنَّهَا غَيْرُ تِلْكَ الطَّيْرِ، وأن أرجلها غير سليمة [لم تحلّها الحياة] [٣] وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقِيلَ: السَّعْيُ بِمَعْنَى: الطَّيَرَانِ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦١ الى ٢٦٢]
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فِيهِ إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ: مَثَلُ صَدَقَاتِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ، كَمَثَلِ، زَارِعِ حَبَّةٍ، وَأَرَادَ بِسَبِيلِ اللَّهِ: الْجِهَادَ، وَقِيلَ: جَمِيعُ أَبْوَابِ الْخَيْرِ، أَنْبَتَتْ: أَخْرَجَتْ، سَبْعَ سَنابِلَ، جَمْعُ: سُنْبُلَةٍ، فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا رَأَيْنَا سُنْبُلَةً فِيهَا مِائَةُ حَبَّةٍ فَكَيْفَ ضَرَبَ الْمَثَلَ بِهِ؟ قِيلَ: ذَلِكَ مُتَصَوَّرٌ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ وَمَا لَا يَكُونُ مُسْتَحِيلًا جَازَ ضَرْبُ الْمَثَلِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَعْنَاهُ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ، إن جعل الله فيها [ذلك] [٤]، وقيل: هو موجود في [سنبلة] [٥] الدخن، وقيل: معناه أنها إن بذرت أنبتت مِائَةُ حَبَّةٍ، فَمَا حَدَثَ مِنَ الْبَذْرِ الَّذِي كَانَ فِيهَا كَانَ مضافا [٦] إِلَيْهَا، وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ الضَّحَّاكُ فَقَالَ: كُلُّ سُنْبُلَةٍ أَنْبَتَتْ مِائَةَ حَبَّةٍ. وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ، قِيلَ: مَعْنَاهُ يُضَاعِفُ هَذِهِ الْمُضَاعَفَةَ لِمَنْ يَشَاءُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يُضَاعِفُ عَلَى هَذَا وَيَزِيدُ لِمَنْ يَشَاءُ، مَا بَيْنَ سَبْعٍ إِلَى سَبْعِينَ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْأَضْعَافِ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ واسِعٌ، غَنِيٌّ يُعْطِي عَنْ سَعَةٍ، عَلِيمٌ بِنِيَّةِ من ينفق ماله.
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ:
(٢) في المطبوع «الهواء».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «مضاعفا».
«بَارَكَ اللَّهُ فِيمَا أَمْسَكْتَ لَكَ، وَفِيمَا أَعْطَيْتَ»، وَأَمَّا عُثْمَانُ فَجَهَّزَ جَيْشَ الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بِأَلْفِ بَعِيرٍ بِأَقْتَابِهَا وَأَحْلَاسِهَا فَنَزَلَتْ فِيهِمَا هَذِهِ الْآيَةُ.
ع «٣٠٢» وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ: جَاءَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْخِلُ فِيهَا يَدَهُ وَيُقَلِّبُهَا وَيَقُولُ: «مَا ضَرَّ ابْنَ عَفَّانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: فِي طَاعَةِ اللَّهِ، ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا، وَهُوَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ بِعَطَائِهِ [١]، فَيَقُولَ: أَعْطَيْتُكَ كَذَا، وَيَعُدُّ نِعَمَهُ عَلَيْهِ فَيُكَدِّرُهَا [٢] وَلا أَذىً، [الأذى] [٣] : هو أَنْ يُعَيِّرَهُ، فَيَقُولَ: إِلَى كَمْ تسأل وكم تؤذيني [بسؤالك لي] [٤] ؟
وقيل: من الأذى [٥] : أَنْ يَذْكُرَ إِنْفَاقَهُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ لَا يُحِبُّ وُقُوفَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ سُفْيَانُ: مَنًّا وَلا أَذىً، هو: أَنْ يَقُولَ: قَدْ أَعْطَيْتُكَ [وَأَعْطَيْتُ] [٦] فَمَا شَكَرْتَ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ: إِذَا أَعْطَيْتَ رَجُلًا شَيْئًا وَرَأَيْتَ أَنَّ سَلَامَكَ يَثْقُلُ عَلَيْهِ فَكُفَّ سَلَامَكَ عَنْهُ، فَحَظَرَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ الْمَنَّ بِالصَّنِيعَةِ، وَاخْتَصَّ بِهِ صِفَةً لِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ مِنَ الْعِبَادِ تَعْيِيرٌ وَتَكْدِيرٌ، وَمِنَ اللَّهِ إِفْضَالٌ وَتَذْكِيرٌ، لَهُمْ أَجْرُهُمْ، أَيْ: ثَوَابُهُمْ، عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦٣ الى ٢٦٤]
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لَا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤)
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ، أَيْ: كَلَامٌ حَسَنٌ وَرَدٌّ عَلَى السَّائِلِ جَمِيلٌ، وَقِيلَ: عِدَةٌ حَسَنَةٌ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: دُعَاءٌ صالح يدعو لأخيه [به] [٧] بِظَهْرِ الْغَيْبِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَمَغْفِرَةٌ، أَيْ: تَسْتُرُ عَلَيْهِ خَلَّتَهُ وَلَا تَهْتِكُ عَلَيْهِ سِتْرَهُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ والضحّاك: يتجاوز عَنْ ظَالِمِهِ، وَقِيلَ: يَتَجَاوَزُ عَنِ الْفَقِيرِ إِذَا اسْتَطَالَ عَلَيْهِ عِنْدَ رَدِّهِ، خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَدْفَعُهَا إِلَيْهِ، يَتْبَعُها أَذىً، أَيْ: مَنٌّ وتعبير لِلسَّائِلِ أَوْ قَوْلٌ يُؤْذِيهِ، وَاللَّهُ غَنِيٌّ، أَيْ: مُسْتَغْنٍ عَنْ صَدَقَةِ الْعِبَادِ، حَلِيمٌ لَا يُعَجِّلُ بِالْعُقُوبَةِ على
٣٠٢- ع غريب كونه سبب نزول الآية، ولم أقف عليه، وهو بدون ذكر نزول الآية، أخرجه الحاكم (٣/ ١٠٢) ح/ ٤٥٥٣ من حديث عبد الرحمن بن سمرة، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، ورجاله كلهم ثقات، وله شواهد. [.....]
(١) في المخطوط «من يعطي» بدل «بعطائه».
(٢) زيد في المطبوع «عليه».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيد في المطبوع وط «وهو».
(٦) زيادة عن المخطوط وط.
(٧) زيادة عن المخطوط.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ، أَيْ: أُجُورَ صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ، عَلَى السَّائِلِ، وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: بِالْمَنِّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَذى، لِصَاحِبِهَا ثُمَّ ضَرَبَ لِذَلِكَ مَثَلًا فَقَالَ: كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ، أَيْ: كَإِبْطَالِ الَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئاءَ النَّاسِ، أي: مرآة وَسُمْعَةً لِيَرَوْا نَفَقَتَهُ وَيَقُولُوا: إِنَّهُ كَرِيمٌ سَخِيٌّ، وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، يُرِيدُ أَنَّ الرِّيَاءَ يُبْطِلُ الصَّدَقَةَ، وَلَا تَكُونُ النَّفَقَةُ مَعَ الرِّيَاءِ مِنْ فِعْلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذَا لِلْمُنَافِقِينَ لِأَنَّ الْكَافِرَ مُعْلِنٌ بكفره غير مرائي، فَمَثَلُهُ، أَيْ:
مَثَلُ هَذَا الْمُرَائِي، كَمَثَلِ صَفْوانٍ، وهو الْحَجَرِ الْأَمْلَسِ، وَهُوَ وَاحِدٌ وَجَمْعٌ، فَمَنْ جَعَلَهُ جَمْعًا فَوَاحِدُهُ صَفْوَانَةٌ، ومن جعله واحدا فجمعه [صفا و] [١] صُفِيٌّ، عَلَيْهِ، أَيْ: عَلَى الصَّفْوَانِ، تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ، وهو الْمَطَرُ الشَّدِيدُ الْعَظِيمُ الْقَطْرِ، فَتَرَكَهُ صَلْداً، أَيْ: أَمْلَسَ، وَالصَّلْدُ: الْحَجَرُ الصُّلْبُ الْأَمْلَسُ الَّذِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَفَقَةِ الْمُنَافِقِ وَالْمُرَائِي وَالْمُؤْمِنَ الَّذِي يَمُنُّ بِصَدَقَتِهِ وَيُؤْذِي، وَيُرِي النَّاسَ فِي الظَّاهِرِ أَنَّ لِهَؤُلَاءِ أَعْمَالًا كَمَا يُرَى التُّرَابُ عَلَى هَذَا الصَّفْوَانِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بَطَلَ كُلُّهُ وَاضْمَحَلَّ لِأَنَّهُ لم يكن لله [تعالى]، كَمَا أَذْهَبَ الْوَابِلُ مَا عَلَى الصَّفْوَانِ مِنَ التُّرَابِ فَتَرَكَهُ صَلْدًا [لا شيء عليه] [٢]، لَا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا، أي: على الثواب من [٣] شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَعَمِلُوا فِي الدُّنْيَا، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ.
«٣٠٣» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بن
- وهو في «شرح السنة» ٤٠٣٠ بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد (٥/ ٤٢٨) (٢٣١٢٠) والبيهقي في «الشعب» ٦٨٣١ من طريق عمرو بن أبي عمرو به.
- وذكره المنذري في «الترغيب» (١/ ٦٩) وقال: رواه أحمد بإسناد جيد اهـ.
وكذا ذكره الهيثمي في «المجمع» (١/ ١٠٢) (٣٧٥) وقال: أحمد، ورجاله رجال الصحيح اهـ.
قلت: لكن علته أنه لم يسمع مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم كما قال الحافظ ابن حجر، ويؤيد ذلك الرواية الآتية، فقد أخرجه الطبراني في «الكبير» ٤٣٠١ من طريق آخر عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج مرفوعا وقال الهيثمي في «المجمع» (١٠/ ٢٢٢) (١٧٦٥٧) : ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن شبيب بن خالد، وهو ثقة اهـ.
- وله شاهد من حديث معاذ أخرجه الحاكم (٣/ ٢٧٠) والبيهقي في «الزهد» ١٩٥ وصححه الحاكم، ورده الذهبي بقوله:
أبو قحذم- النضر بن معبد- قال أبو حاتم: لا يكتب حديثه. وقال النسائي: ليس بثقة اهـ.
وأخرجه الحاكم من طريق آخر عن معاذ مرفوعا وفيه: «اليسير شرك الرياء من... » الحديث.
قال الحاكم: صحيح. وهذا الإسناد مصري لا يحفظ له علة، ووافقه الذهبي.
- وله شاهد آخر من حديث شداد بن أوس أخرجه ابن ماجه ٤٢٠٥ والحاكم (٤/ ٣٣٠) وأبو نعيم (١/ ٢٦٨) والبيهقي في
(١) زيادة عن المخطوط.
فائدة: قال في القاموس: الصّفاة: الحجر الصلد الضخم، جمعه: صفوات وصفا، وجمع الجمع: أصفاء، وصفيّ، وصفيّ.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «ثواب» بدل «الثواب من».
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكَ الْأَصْغَرَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ؟ قَالَ: «الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ يُجَازِي الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمْ: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون فِي الدُّنْيَا، فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً».
«٣٠٤» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ أَبُو عُثْمَانَ الْمَدَائِنِيُّ، أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ حدّثه أن شفيّ [١] الْأَصْبَحِيَّ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَإِذَا هُوَ بَرْجُلٍ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو هُرَيْرَةَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلَا، قلت له: أنشدك بحقّ وبحقّ [٢] لَمَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٍ، فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ [٣] رَجُلٌ جَمَعَ القرآن، ورجل يقتل فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ: أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟ فَقَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، [قَالَ] [٤] : فَمَاذَا عَمِلْتَ [فِيمَا عَلِمْتَ] [٥] ؟
قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ، وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ
وفي إسناد ابن ماجه عامر بن عبد الله، وهو مجهول كما في «التقريب» ولم يتفرد به.
- فقد ورد من وجه آخر عند الحاكم والبيهقي، لكن فيه عبد الواحد بن زيد، وهو متروك، قاله الذهبي.
- وورد أيضا من وجه آخر عند أبي نعيم عن عطاء بن عجلان عن خالد بن مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بن نسي قال: مرّ بي شداد بن أوس.... فذكره.
- وله شاهد آخر من حديث عباد بن تميم عن عمه أخرجه البيهقي في «الشعب» (٦٨٢٤) و (٦٨٢) وإسناده واه.
- وورد عن الزهري قوله أخرجه البيهقي (٦٨٢٦).
الخلاصة: هو حديث حسن صحيح بمجموع طرقه وشواهده.
٣٠٤- إسناده ليّن لأجل الوليد بن أبي الوليد فإنه لين الحديث كما في «التقريب» مع أنه من رجال مسلم، وقد تفرد ببعض الألفاظ في هذا الحديث.
- هو في «شرح السنة» ٤٠٣٨ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٢٣٨٢ وابن حبان ٤٠٨ من طريق عبد الله بن المبارك به.
- وأخرجه مسلم ١٩٠٥ والنسائي (٦/ ٢٣) والبيهقي (٩/ ١٦٨) من طريق ابن جريج عن يونس بن يوسف عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أبي هريرة. مرفوعا مع اختلاف يسير عن حديث المصنف.
(١) وقع في الأصل (أبا سفيان) والتصويب من (شرح السنة) وكتب التخريج والتراجم ونسخة «ط». [.....]
(٢) العبارة في المطبوع «أنشدك الله بحقي».
(٣) في المطبوع «يدعونه».
(٤) زيادة عن المخطوط وشرح السنة.
(٥) زيادة عن كتب الحديث وشرح السنة.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦٥ الى ٢٦٦]
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ، أَيْ: طَلَبَ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى، وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ، قَالَ قَتَادَةُ: احْتِسَابًا، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْكَلْبِيُّ: تَصْدِيقًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، أَيْ: يُخْرِجُونَ الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُهُمْ عَلَى يقين بالثواب [من الله] [١]، وَتَصْدِيقٍ بِوَعْدِ اللَّهِ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا أَخْرَجُوا خَيْرٌ لَهُمْ مِمَّا تَرَكُوا، وَقِيلَ: عَلَى يَقِينٍ بِإِخْلَافِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ: يتثبتون أين [٢] يَضَعُونَ أَمْوَالَهُمْ، قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا هَمَّ بِصَدَقَةٍ تَثَبَّتَ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ أَمْضَى، وَإِنْ خالطه شَكٌّ أَمْسَكَ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ التَّثْبِيتُ بِمَعْنَى التَّثَبُّتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا [الْمُزَّمِّلِ: ٨]، أَيْ: تَبَتُّلًا، كَمَثَلِ جَنَّةٍ، أَيْ: بُسْتَانٍ، قَالَ الْمُبَرِّدُ وَالْفَرَّاءُ: إِذَا كَانَ فِي الْبُسْتَانِ نَخْلٌ فَهُوَ جَنَّةٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ كَرْمٌ فَهُوَ فِرْدَوْسٌ، بِرَبْوَةٍ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ بِرَبْوَةٍ وإِلى رَبْوَةٍ [المؤمنون: ٥٠] فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَقَرَأَ الْأَخَرُونَ بِضَمِّهَا، وَهِيَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ الْمُسْتَوِي الَّذِي تَجْرِي فِيهِ الْأَنْهَارُ فَلَا يَعْلُوهُ الْمَاءُ [وَلَا يَعْلُو عَنِ الْمَاءِ] [٣]، وَإِنَّمَا جَعَلَهَا بِرَبْوَةٍ لِأَنَّ النَّبَاتَ عَلَيْهَا أَحْسَنُ وَأَزْكَى، أَصابَها وابِلٌ مَطَرٌ شَدِيدٌ كَثِيرٌ، فَآتَتْ أُكُلَها: ثَمَرَهَا، قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّثْقِيلِ، وَزَادَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ تَخْفِيفَ «أُكُلِهِ» و «الأكل» وَخَفَّفَ أَبُو عَمْرٍو «رُسُلَنَا، وَرُسُلَكُمْ، وَرُسُلَهُمْ، وَسُبُلَنَا» ضِعْفَيْنِ، أَيْ: أَضْعَفَتْ فِي الْحَمْلِ، قَالَ عَطَاءٌ: حَمَلَتْ في سنة مِنَ الرِّيعِ مَا يَحْمِلُ غَيْرُهَا فِي سَنَتَيْنِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: حَمَلَتْ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ، أَيْ: فَطَشٌّ وَهُوَ الْمَطَرُ الضَّعِيفُ الْخَفِيفُ، وَيَكُونُ دَائِمًا، قَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ النَّدَى. هو مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِعَمَلِ الْمُؤْمِنَ الْمُخْلِصِ، فَيَقُولُ: كَمَا أَنَّ هذه الجنّة تربع فِي كُلِّ حَالٍ وَلَا تَخَلَّفُ سَوَاءٌ قَلَّ الْمَطَرُ أَوْ كَثُرَ، كَذَلِكَ يُضْعِفُ اللَّهُ صَدَقَةَ الْمُؤْمِنَ الْمُخْلِصِ الَّذِي لَا يَمُنُّ وَلَا يؤذي [بها] [٤] سَوَاءٌ قَلَّتْ نَفَقَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ، وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلَّ إِذَا كَانَ يَدُومُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْوَابِلِ الشَّدِيدِ، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، [هَذِهِ الْآيَةُ مُتَّصِلَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى، قَوْلُهُ أَيَوَدُّ يَعْنِي: أَيُحِبُّ أحدكم
(٢) العبارة في كافة النسخ «يثبتون، أي» وهو تصحيف والمثبت من الطبري (٦٠٦٧ و٦٠٦٨) و (٦٠٦٩ و٦٠٧٠).
(٣) زيد في نسخ المطبوع.
(٤) زيادة من المخطوط.
ع «٣٠٥» قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِيمَنْ تَرَوْنَ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ؟ قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لَا نَعْلَمُ، فَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ الله عنه: [يا] ابْنُ أَخِي قُلْ وَلَا تُحَقِّرْ نَفْسَكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
ضَرَبْتَ مَثَلًا لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أيّ عمل؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: لعمل [منافق ومراء] [٣]، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [٤] : لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ [٥] أَعْمَالَهُ، كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٦٧]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ: من خِيَارِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُجَاهِدٌ: مِنْ حَلَالَاتِ مَا كَسَبْتُمْ، بِالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى إِبَاحَةِ الْكَسْبِ، وَأَنَّهُ يَنْقَسِمُ إِلَى طِيِّبٍ وَخَبِيثٍ.
«٣٠٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ [محمد بن] [٦] سمعان، أخبرنا
٣٠٦- حديث صحيح. إسناده صحيح، حميد بن زنجويه ومن دونه ثقات، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، الأعمش هو سليمان بن مهران، إبراهيم هو ابن يزيد، والأسود هو ابن يزيد النخعي.
- وهو في «شرح السنة» ٢٣٩١ بهذا الإسناد.
(١) ما بين المعقوفتين ساقط من المخطوط.
(٢) زيد في المطبوع «و».
(٣) لفظ «منافق» زيد في المطبوع والمخطوط ولفظ «مراء» زيد في المخطوط وسائر النسخ، وكلا اللفظين ليس في «صحيح البخاري» و «تفسير الطبري»، فالله أعلم.
(٤) زيد في المطبوع وحده «لأي» رجل؟ قال «فصار اللفظ من كلام ابن عباس» وليس كذلك. [.....]
(٥) في المطبوع وحده «أحرق» وهو أقرب إلى لفظ الاية، لكن المثبت عن المخطوط وط، و «صحيح البخاري» و «تفسير الطبري» و «الدر المنثور».
(٦) زيادة من المخطوط و «شرح السنة».
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن أطيب ما أكل الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ».
«٣٠٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ [٢]، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، أخبرنا مُعَاوِيَةَ [٣] بْنُ صَالِحٍ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ [٤]، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَكَانَ دَاوُدُ لَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يده».
«٣٠٨» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَخْبَرَنَا جناح بن نذير
- وأخرجه أبو داود ٣٥٢٨ والنسائي (٧/ ٢٤٠- ٢٤١) والحاكم (٢/ ٤٦) وأحمد (٦/ ٣١) و (١٢٧) و (١٩٣) والدارمي (٢/ ٢٤٧) والبخاري في «التاريخ» (١/ ٤٠٧) وابن حبان ٤٢٥٩ والبيهقي (٧/ ٤٧٩- ٤٨٠) من طرق عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبراهيم عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عائشة به.
- وأخرجه الترمذي ١٣٥٨ وابن ماجه ٢٢٩٠ والطيالسي ١٥٨٠ وأحمد (٦/ ١٦٢) و (١٧٣) عن الأعمش عن عمارة عن عائشة به.
(١) في الأصل «الزياتي» وهو تصحيف والتصويب من «تهذيب الكمال» (٧/ ٣٩٤) و «الأنساب» للسمعاني و «شرح السنة».
(٢) في الأصل «الزياتي» وهو تصحيف.
٣٠٧- حديث صحيح. إسناده ضعيف لأجل عبد الله بن صالح، فقد ضعفه غير واحد بسبب جار له كان يدس في كتبه، وهو في نفسه صدوق، لكن لم ينفرد به، فقد توبع، وباقي رجال الإسناد ثقات.
- وهو في «شرح السنة» برقم ٢٠١٩.
- وأخرجه أحمد (٤/ ١٣٢) وابن ماجه ٢١٣٨ من طريق إسماعيل بن عياش عن بحير به دون عجزه «وكان داود... ».
- وأخرجه أحمد (٤/ ١٣١) (١٦٧٢٩) من طريق بقية عن بحير به دون عجزه أيضا.
- وبمثل لفظ البغوي، أخرجه البخاري ٢٠٧٢ من طريق يونس عن ثور عن خالد بن معدان به.
- ولعجزه شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه البخاري ٢٠٧٣.
(٣) في الأصل «أبو معاوية» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٤) في الأصل «سعيد» والتصويب من كتب التراجم.
٣٠٨- ضعيف جدا، والصواب موقوف. مداره على الصبّاح بن محمد البجلي، قال الذهبي في «الميزان» (٢/ ٣٠٦) : رفع حديثين هما من قول ابن مسعود، قال ابن حبان: يروي الموضوعات، وذكره ابن أبي حاتم من غير جرح أو تعديل.
اهـ. وقال في «الميزان» :(١/ ٥) : أبان بن إسحاق، قال ابن معين وغيره: لا بأس به، وقال الأزدي: متروك، اهـ.
مرة هو ابن شراحيل.
- وهو في «شرح السنة» ٢٠٢٣ بأتم منه.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٥٥٢٤ عن جناح بن نذير بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد (١/ ٣٨٧) ح/ ٣٦٦٣ والبيهقي ٥٥٢٤ من طريقين عن أبان بن إسحاق به.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» (١/ ١٥٣) ح/ ١٦١ وقال: رجال إسناده بعضهم مستور، وأكثرهم ثقات.
ثم كرره (١٠/ ٢٢٧ ح/ ١٧٦٩٧) فقال: رجاله وثقوا، وفي بعضهم خلاف اهـ.
قلت: ومداره على الصباح بن محمد بن أبي حازم قال ابن حبان: كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات اهـ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَكْتَسِبُ عَبْدٌ مَالًا حَرَامًا فَيَتَصَدَّقُ منه فيقبل مِنْهُ، وَلَا يُنْفِقُ مِنْهُ فَيُبَارِكُ لَهُ فِيهِ، وَلَا يَتْرُكُهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَّا كَانَ زَادُهُ إِلَى النَّارِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ، وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ، إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الخبيث».
[فصل] [٤] : وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ التِّجَارَةِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَبَعْدَ الحول يقوّم العرض [٥] فَيُخْرِجُ مِنْ قِيمَتِهَا رُبْعَ الْعُشْرِ إِذَا كَانَ قِيمَتُهَا عِشْرِينَ دِينَارًا أو مائتي درهم.
ع «٣٠٩» قَالَ [٦] سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ: كَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ من الذي نعده للبيع.
(١) في الأصل «نجاح بن يزيد المحاربي» والتصويب من «شعب الإيمان» و «شرح السنة».
(٢) في الأصل «يحيى» وهو تصحيف.
(٣) في الأصل «بن» وهو تصحيف.
(٤) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٥) في المطبوع «العروض».
(٦) في الأصل «قاله» وهو تصحيف.
٣٠٩- حسن. ذكره المصنف بدون إسناد وكذا في «شرح السنة» (٣/ ٣٥٠).
وقد ورد مسندا عند أبي داود ١٥٦٢ والبيهقي (٤/ ٤٦- ١٤٧) من طريق أبي داود كلاهما من حديث سمرة وهو حديث حسن لشواهده كما سيأتي.
- طالما سمعنا عن بعض أهل العلم في زماننا عن عدم وجوب الزكاة في عروض التجارة، ومنهم الألباني، فأقول وبالله التوفيق: هناك أدلة كثيرة على وجوب الزكاة في عروض التجارة طالما هي أعدت للبيع، فمن ذلك حديث سمرة المتقدم، وإن كان إسناده غير قوي إلا أن له شواهد.
- فمن ذلك حديث أبي ذر أخرجه الحاكم (١/ ٣٨٨) والبيهقي (٤/ ١٤٧) وإسناده حسن فقد صححه الحاكم، وأقره الذهبي، وقال ابن حجر في «الدراية» (١/ ٢٦٠) : إسناده حسن. وقال في «التلخيص» (٢/ ١٧٩) هذا إسناد لا بأس به ولفظ حديث أبي ذر هو «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البز صدقته» قالها بالزاي اهـ. هكذا قيده الدارقطني بالزاي وكذا البيهقي، أما الحاكم فقيد بالراء أي: البر.
والراجح: الزاي. نعم في إسناد الدارقطني والبيهقي موسى بن عبيدة، وهو غير قوي إلا أنه توبع.
فقد أخرجه الدارقطني (٢/ ١٠١) والبيهقي (٤/ ١٤٧) من حديث أبي ذر وهذا الإسناد هو نفسه إسناد الحاكم، وقد جاء في رواية البيهقي والدارقطني: وفي البزّ صدقته. قال الدارقطني عقبه: كتبته من الأصل العتيق «وفي البز» مقيد، ونقله البيهقي.
قلت: وهذه الرواية أرجح من رواية الحاكم. مع أن كلا من الدارقطني والحاكم رواه عن دعلج بن أحمد إلا أن الدارقطني قال: حدثنا دعلج من أصل كتابه، وأما الحاكم فلم يقل: من أصل كتابه. ثم إن الدارقطني قيده كتابة دون الحاكم حيث قال: وفي البزّ على أن الدارقطني هو شيخ الحاكم، وهو أثبت منه وهذا لا نزاع فيه، بل إن الدارقطني إمام فن علل الحديث، وهو من أول من انتقد أحاديث ورجالا في صحيحي البخاري ومسلم، وقد وقع في رواية الدارقطني: «قالها بالزاي» أضف إلى ذلك أن رواية الحاكم ليست مقيدة فهي قابلة للتحريف والتصحيف. أضف إلى ذلك أن الدارقطني ذكر في أول حديثه قصة، وهي ليست عند الحاكم فهذا كله يرجح رواية البيهقي والدارقطني.
وإذا ثبت هذا، فإن حديث أبي ذر حديث حسن ورد من أربعة طرق كما في «التلخيص» (٢/ ١٧٩) وقال ابن حجر: هذا إسناد لا بأس به اهـ.
ذكر ذلك عقب إحدى روايات حديث أبي ذر، ومع ذلك فهو يتقوى بحديث سمرة بن جندب.
ويقويهما ما أخرجه مالك في «الموطأ» (١/ ٢٥٥) ح/ ٢٠ بسنده عن زريق أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه: أن انظر من مرّ بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون من التجارات من كل أربعين دينارا دينارا... وفيه: «ومن أهل الذمة مما يديرون من التجارات... ».
- وأخرج الشافعي (١/ ٦٣٣) بسنده عن أبي عمرو بن حماس أن أباه قال: مررت بعمر بن الخطاب وعلى عنقي أدمة أحملها فقال عمر: ألا تؤدي زكاتك يا حماس فقلت: يا أمير المؤمنين ما لك غير هذه وأهبة في القرط فقال: ذاك مال، فضع قال:
فوضعتها بين يديه فحسبها فوجدت قد وجب فيها الزكاة فأخذ منها الزكاة».
ومن طريق الشافعي أخرجه البيهقي (٤/ ١٤٧) والبغوي في «شرح السنة» ١٥٧٨.
- وأخرج الشافعي (١/ ٦٣٢) عن ابن عمر قال: «ليس في العرض زكاة إلا أن يراد به التجارة» وأخرجه البيهقي (٤/ ١٤٧) بسند صحيح عن نافع عن ابن عمر قوله.
- وفي الباب أخبار وآثار موقوفة ومقطوعة.
الخلاصة: حديث أبي ذر مع حديث سمرة بن جندب مع الموقوفات وغيرها يقوي بعضها بعضا ويوجب العمل به، بل وأقوى من ذلك عموم الآيات: فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ووَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا.
وعموم الأحاديث منها حديث: أبي سفيان لهرقل وفيه: قال: «يأمرنا بالصلاة والزكاة». أخرجه البخاري في مقدمة صحيحه.
وحديث معاذ: «فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم». أخرجه البخاري (١٣٩٥) و (١٤٥٨) وغيره فالأدلة كثيرة.
- القرآن والسنة والإجماع والقياس.
أولا: القرآن الكريم وذلك في عموم الآيات كما ذكرت.
ثانيا: عموم الأحاديث الصحيحة، أضف إلى ذلك الأحاديث الحسنة بخصوصها.
ثالثا: القياس وذلك بقياس كل مال متقوم على النقدين لأنه يسمى مالا.
رابعا: الإجماع: قال ابن المنذر في كتابه «الإجماع» (ص ٣٧ و١١٤) وأجمعوا على أن في العروض التي تدار للتجارة الزكاة إذا حال عليها الحول اهـ. وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «يد الله مع الجماعة»، ويؤكد الإجماع قول مالك في «الموطأ» (١/ ٢٥٥) : باب زكاة العروض ثم ذكر أحكامه.
وكذا البخاري قال: باب العرض في الزكاة، ثم ذكر أحاديث استنبط منها زكاة العرض، وهو إمام هذه الصنعة وحاشا لله أن يكون مبتدعا.
وبوب أبو داود بقوله: باب العروض إذا كانت للتجارة. قال النووي في «شرح مسلم» (٧/ ٤٨) : الجمهور على وجوب الزكاة في العروض وداود يمنعها اهـ.
فائدة: قال العلامة عبد الله هاشم اليماني في حاشيته على «تلخيص الحبير» (٢/ ١٧٩) ما ملخصه: قال ابن المنذر: أجمع عامة أهل العلم على وجوب زكاة التجارة في قيمتها إذا بلغت نصابا لا في عينها، وحال عليها الحول.
وقال الطحاوي: ثبت عن عمر وابنه زكاة عروض التجارة ولا مخالف لهما من الصحابة اهـ.
ومن العجب من يقول بعدم وجوب الزكاة في التجارة. هل من المعقول إذا كان نقدا لا يثمر تخرج زكاته، وإن كان تجارة يثمر فلا تخرج زكاته... ؟! إن القول بعدم وجوب زكاة التجارة فيه خطورة على المجتمع الإسلامي ما لا يعلم مداه إلا
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، قيل: هذا أمر بِإِخْرَاجِ الْعُشُورِ مِنَ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إِيجَابِ الْعُشْرِ فِي النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ [٢]، وَفِيمَا يُقْتَاتُ مِنَ الْحُبُوبِ إِنْ كَانَ مَسْقِيًّا بِمَاءِ السَّمَاءِ أَوْ مِنْ نَهْرٍ يَجْرِي الْمَاءُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُؤْنَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَسْقِيًّا بِسَاقِيَةٍ أَوْ بِنَضْحٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ.
«٣١٠» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عثريا [٣] : العشر، وفيما...
أخيرا: أريد أن أقول لهؤلاء يا من أنكرتم وجوب الزكاة في عروض التجارة: إن ما ذهبتم إليه يجعل من فريضة الزكاة فريضة مهلهلة ضعيفة لا تفي بحاجة الفقير بتاتا. وأختم ذلك بقولي: إذا كان وجوب الزكاة في الإبل فإن الشام وغيرها شبه خالية من الإبل بل خالية لأن شرطها السوم.
وإن كانت في البقر فإن نصاب البقر ثلاثون وقلما توجد بل لا توجد بقر سائمة في بلاد الشام، وإنما هي علوفة.
وإن كانت في القمح فقلما توجد فبلاد الإسلام أصبحت تستورد القمح وإن كانت في الزبيب فهو شبه عدم اليوم.
وإن كانت في الشعير فالشعير نادر جدا وعزيز.
وإن كانت في التمر فأرض الشام من أقصاها إلى أدناها لا تنتج التمر، وإن كانت في الذهب، فأكثر الذهب في أيدي غير المسلمين من يهود وغيرهم.
وإن كانت من الفضة فالفضة اليوم فقدت دورها من كونها نقدا يجاري الذهب.
على هذا فأين هؤلاء من فقراء المسلمين؟ وماذا يقول هؤلاء لله رب العالمين؟ وهل تمسكوا بالحديث عليكم بسنتي وسنة الخلفاء من بعدي.
بل على قاعدة هؤلاء تصبح المئات من آيات الزكاة تقرأ لمجرد التلاوة بل كما يقولون: تقرأ للتبرك؟!! وهذا عجيب غريب! نسأل الله عز وجل أن يفقهنا في الدين، إنه سميع مجيب، وهو الهادي إلى سواء الصراط.
٣١٠- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم. أبو مريم اسمه الحكم بن محمد بن سالم الجمحي، يونس بن يزيد هو الأيلي، ابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
- وهو في «شرح السنة» ١٥٧٤ بهذا الإسناد.
وأخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» برقم ١٤٨٣.
- وأخرجه أبو داود ١٥٩٦ والترمذي ٦٤٠ والنسائي (٥/ ٤١) وابن ماجه ١٨١٧ وابن حبان ٣٢٨٥ والطحاوي (٢/ ٣٦) والبيهقي (١/ ١٣٠) من طرق عن ابن وهب بهذا الإسناد.
(١) موقوف. أسنده المصنف في «شرح السنة» ١٥٧٨ وأخرجه الشافعي (١/ ٦٣٣) ومن طريقه البيهقي (٤/ ١٤٧). وتقدم مع ما قبله.
(٢) في المخطوط «الكرم».
(٣) قال المصنف في «شرح السنة» : العثري: العذي، وهو ما سقته السماء ويروى: «ما سقي منه بعلا ففيه العشر» والبعل: ما شرب بعروقه من غير سقي سماء ولا غيرها، فإذا سقته السماء فهو عذي وقوله: ما سقي «بالنضح» يريد ما سقي
«٣١١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ التَّمَّارِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَتَّابِ [٢] بْنِ أُسَيْدٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي زَكَاةِ الْكَرْمِ: «يُخْرَصُ [٣] كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا يؤدى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا».
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا سِوَى النَّخْلِ وَالْكُرُومِ، وَفِيمَا سِوَى مَا يُقْتَاتُ بِهِ مِنَ الْحُبُوبِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا عُشْرَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وقال الزهري والأوزاعي
(١) في الأصل «سبق». والتصويب من «شرح السنة».
٣١١- حديث قوي بطرقه وشواهده. رجاله ثقات معروفون، لكن فيه إرسال بين ابن المسيب وعتاب، فإن ابن المسيب لم يسمع من عتاب، لكن لهذا المتن شواهد ستأتي. عبد الله بن نافع هو الصائغ، ابن شهاب هو محمد بن مسلم.
- وهو في «شرح السنة» ١٥٧٣ بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق الشافعي وهو في «مسنده» (١/ ٢٤٣) ومن طريق الشافعي أخرجه ابن خزيمة ٢٣١٦ والدارقطني (٢/ ١٣٣) والبيهقي (٤/ ١٢١).
- وأخرجه أبو داود ١٦٠٤ وابن ماجه ١٨١٩ وابن حبان ٣٢٧٩ والطحاوي (٢/ ٣٩) والبيهقي (٤/ ١٢١) و (١٢٢) من طرق عن ابن نافع به.
- وأخرجه أبو داود ١٦٠٣ والترمذي ٦٤٤ وابن أبي شيبة (٣/ ١٩٥) وابن خزيمة (٢٣١٧) و (٢٣١٨) وابن الجارود ٣٥١ والحاكم (٣/ ٥٩٥) والدارقطني (٢/ ١٣٣) والبيهقي (٤/ ١٢١) من طرق عن الزهري به.
قال أبو داود: وسعيد لم يسمع من عتاب شيئا اهـ. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب... وروي من حديث عائشة وسألت البخاري عن حديث عائشة فقال: غير محفوظ، وحديث ابن المسيب عن عتاب أثبت وأصح اهـ.
- وأخرجه النسائي (٤/ ١٠٩) (٢٦١٦) والبيهقي (٤/ ١٢٢) عن ابن المسيب مرسلا بإسناد صحيح، وهو الصواب.
وحديث عائشة أخرجه أبو داود ١٦٠٦ وأحمد (٦/ ١٦٣) وأبو عبيد في «الأموال» (ص ٥٨٢- ٥٨٣) والبيهقي (٤/ ١٢٣) وإسناد رجاله ثقات لكن فيه انقطاع.
وله شاهد من حديث ابن عمر عند أحمد (٢/ ٢٤) والطحاوي (٢/ ٣٨) بإسناد حسن.
- ومن حديث جابر أخرجه ابن أبي شيبة (٣/ ١٩٤) وأحمد (٣/ ٢٩٦) و (٣٧٦) والطحاوي (٢/ ٣٨) والبيهقي (٤/ ١٢٣) وإسناده صحيح.
- وأخرج البيهقي عن الزهري سمعت أمامة بن سهل يحدثنا في مجلس ابن المسيب قال: مضت السنة أن لا تؤخذ الزكاة من نخل ولا عنب حتى يبلغ خرصها خمسة أوسق. قال الزهري: ولا نعلم يخرص من الثمر إلا التمر والعنب اهـ. فهذا شاهد لحديث ابن المسيب.
- وذكره ابن حجر في «تلخيص الحبير» (٢/ ١٧١) وأفاض في تخريجه ونقل عن أبي حاتم قوله: الصحيح عن ابن المسيب أن النبي أمر عتابا، وقال ابن حجر:
فائدة: قال النووي، وإن كان مرسلا لكنه اعتضد بعمل الفقهاء الأئمة اهـ.
قلت ومرسلات ابن المسيب صحيحة.
(٢) في الأصل «عثمان» وهو تصحيف والتصويب من كتب التخريج والتراجم.
(٣) الخرص: الحزر، وكلّ قول بالظن- وخرص النخلة: إذا حزر ما عليها من الرطب تمرا. [.....]
«٣١٢» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ، وليس فيما دون خمس أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ [٥] مِنَ الإبل صدقة».
ع «٣١٣» وروى يحيى بن عمارة [٦] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ الله عنه:
وهو في «شرح السنة» ١٥٦٣ بهذا الإسناد.
- وأخرجه المصنف من طريق مالك وهو في «الموطأ» (١/ ٢٤٤- ٢٤٤٥) ومن طريق مالك أخرجه البخاري ١٤٥٩ والنسائي (٥/ ٣٦) والشافعي (١/ ٢٣٢ و٢٣٢) وعبد الرزاق (٧٢٥٨) وأحمد (٣/ ٦٠) وحميد بن زنجويه في «كتاب الأموال» (١٦٠٩ و١٩١٤) وابن خزيمة ٢٣٠٣ والطحاوي (٢/ ٣٥) والبيهقي (٤/ ١٣٤) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عبد الرحمن به.
- وأخرجه النسائي (٥/ ٣٦ و٣٧) وابن ماجه ١٧٩٣ وأحمد (٣/ ٨٦) والبيهقي (٤/ ١٣٤) من طرق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ به.
- وأخرجه البخاري ١٤٤٧ وأبو داود ١٥٥٨ ومالك (١/ ٢٤٤) والشافعي (١/ ٢٣١) وابن خزيمة (٢٢٦٣) و (٢٢٩٨) وابن حبان (٣٢٧٥) والطحاوي (٢/ ٣٥) من طرق عن مالك عن عمرو بن يحيى بن عمارة عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري به.
- وأخرجه مسلم ٩٧٩ والنسائي (٥/ ١٧) والشافعي (١/ ٢٣١ و٢٣٢) وعبد الرزاق ٧٢٥٣ وأحمد (٣/ ٦) والحميدي ٧٣٥ وأبو يعلى ٩٧٩ وابن خزيمة (٢٢٦٣ و٢٢٩٨) والطحاوي (٢/ ٣٤ و٣٥) والبيهقي (٤/ ١٣٣) من طريق سفيان عن عمرو بن يحيى عن أبيه أبي سعيد الخدري به.
- وأخرجه مسلم (٩٧٩) ح/ ٢) والنسائي (٥/ ٣٦) والطيالسي (٢١٩٧) وابن أبي شيبة (٣/ ١٢٤) وأحمد (٣/ ٦ و٤٥ و٧٤ و٧٩) وحميد بن زنجويه ١٦٠٨ وأبو عبيد في «الأموال» (ص ٥١٨ و٥١٩) وابن خزيمة (٢٢٩٤ و٢٢٩٥) وابن الجارود ٣٤٠ والطحاوي (٢/ ٣٤ و٣٥) والبيهقي (٤/ ١٢٠) من طرق عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري به.
٣١٣- ع صحيح. أخرجه مسلم (٩٧٩) ح/ ٤ و٥) والنسائي (٥/ ٣٧) وعبد الرزاق (٧٢٥٤) وأحمد (٣/ ٨٦) وابن حبان ٣٢٧٧ والطحاوي (٢/ ٣٥) من طرق عن محمد بن يحيى بن حبان عن يحيى بن عمارة به. وانظر الحديث المتقدم.
(١) زيد في المطبوع وط.
(٢) زيد من نسخة- ط.
(٣) في المطبوع وط «كالثمار».
(٤) قال في «شرح السنة» (٣/ ٣٢٠) الوسق ستون صاعا، والصاع: خمسة أرطال وثلث، فكل وسق مائة وستون منّا، وجملة الأوسق الخمسة ثمانمائة منّ.
(٥) الذود ما بين الثلاث إلى العشر من الإبل.
(٦) في الأصل «عبادة» وهو تصحيف.
وَقَالَ قَوْمٌ: الْآيَةَ فِي صَدَقَاتِ التَّطَوُّعِ:
«٣١٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ [١]، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى [بْنُ يَحْيَى] [٢] أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مسلم [٣] يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ أَوْ طَيْرٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ [بِهِ] [٤] صَدَقَةٌ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَيَمَّمُوا، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ [٥] بِرِوَايَةِ الْبَزِّيِّ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ فِي الْوَصْلِ فيها وفي أخواتها، وهي إحدى وَثَلَاثُونَ مَوْضِعًا فِي الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ تَاءَانِ أُسْقِطَتْ إِحْدَاهُمَا، فَرَدَّ هُوَ السَّاقِطَةَ وَأَدْغَمَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ، وَمَعْنَاهُ: لَا تَقْصِدُوا، الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ.
ع «٣١٥» رُوِيَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَتِ الْأَنْصَارُ تُخْرِجُ. إِذَا كَانَ جُذَاذُ النَّخْلِ. أَقْنَاءً مِنَ التَّمْرِ وَالْبُسْرِ [٦] فَيُعَلِّقُونَهُ عَلَى حَبْلٍ بَيْنَ الْأُسْطُوَانَتَيْنِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْكُلُ مِنْهُ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ، فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَعْمِدُ [٧] فَيُدْخِلُ قِنْوَ [٨] الْحَشَفِ [٩] وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ جَائِزٌ عَنْهُ في كثرة ما
وهو في «شرح السنة» ١٦٤٣ بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٢٣٢٠ و٦٠١٢) ومسلم ١٥٥٣ والترمذي ١٣٨٢ وأحمد (٣/ ١٤٧) و (٢٢٨- ٢٢٩ و٢٤٣) وأبو يعلى ٢٨٥١ والبيهقي (٦/ ١٣٧) من طرق عن أبي عوانة به.
- وأخرجه البخاري ٢٣٢٠ ومسلم (١٥٥٣) ح/ ١٣ وأحمد (٣/ ١٩٢) والبيهقي (٦/ ١٣٧) من طريق أبان بن يزيد العطار عن قتادة به.
وفي الباب من حديث جابر. أخرجه مسلم ١٥٥٢ والطيالسي ١٢٧٢ والحميدي ١٢٧٤ وأحمد (٣/ ٣٩١ و٤٢٠) وأبو يعلى ٢٢١٣ وابن حبان (٣٣٦٨ و٣٣٦٩) والبيهقي (٦/ ١٣٧) من طرق عنه.
٣١٥- ع حسن. أخرجه ابن ماجه ١٨٢٢ والواحدي ١٧٢ والحاكم (٢/ ٢٨٥) والطبري (٦١٣٨ و٦١٣٩) من طريق أسباط عن السدي عن عدي بن ثابت به. وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، لكن في أسباط بن نصر ضعف ينحط حديثه عن درجة الصحيح، ومثله السدي.
- وأخرجه الترمذي ٢٩٨٧ والبيهقي (٤/ ١٣٦) من طريق السدي عن أبي مالك عن البراء به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
(١) في الأصل «الزياتي» وهو تصحيف والتصويب من «الأنساب» للسمعاني و «تهذيب الكمال» (٧/ ٣٩٤) للمزي و «شرح السنة» ١٦٤٣.
(٢) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
(٣) كذا في المخطوط و «شرح السنة» وفي المطبوع «مؤمن».
(٤) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة». [.....]
(٥) في المطبوع «عامر».
(٦) البسر: التمر قبل نضجه- وابتداء الشيء.
(٧) في المطبوع «يعلم».
(٨) القنو: العذق أي عرجون البلح.
(٩) الحشف: أردأ التمر.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ: كَانُوا يَتَصَدَّقُونَ بِشَرَارِ ثمارهم ورزالة أَمْوَالِهِمْ وَيَعْزِلُونَ [١] الْجَيِّدَ نَاحِيَةً لِأَنْفُسِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ الرَّدِيءَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ، وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ، يَعْنِي:
الْخَبِيثَ، إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ، الْإِغْمَاضُ: غَضُّ الْبَصَرِ، وأراد هاهنا: التجويز وَالْمُسَاهَلَةَ، مَعْنَاهُ: لَوْ كَانَ لِأَحَدِكُمْ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَجَاءَهُ بِهَذَا لَمْ يَأْخُذْهُ إِلَّا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَغْمَضَ لَهُ عَنْ حقّه وتركه، قال الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: لَوْ وَجَدْتُمُوهُ يُبَاعُ فِي السُّوقِ مَا أَخَذْتُمُوهُ بِسِعْرِ الْجَيِّدِ. وَرُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: لَوْ أُهْدِيَ ذَلِكَ لَكُمْ مَا أَخَذْتُمُوهُ إِلَّا عَلَى اسْتِحْيَاءٍ مِنْ صاحبه وغيظ، فكيف ترضون لي مَا لَا تَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ، هَذَا إِذَا كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ جَيِّدًا فَلَيْسَ لَهُ إِعْطَاءُ الرَّدِيءِ، لِأَنَّ أَهْلَ السُّهْمَانِ شُرَكَاؤُهُ فِيمَا عِنْدَهُ، فَإِنْ كَانَ كُلُّ مَالِهِ رَدِيئًا فَلَا بَأْسَ بِإِعْطَاءِ الرَّدِيءِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ صَدَقَاتِكُمْ، حَمِيدٌ، محمود في أفعاله.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦٨ الى ٢٦٩]
الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩)
الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ، أَيْ: يخوّفكم بالفقر، ويقال: وَعَدْتُهُ خَيْرًا وَوَعَدْتُهُ شَرًّا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْخَيْرِ: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً [الْفَتْحِ: ٢٠]، وَقَالَ فِي الشَّرِّ: النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الْحَجِّ: ٧٢]، فَإِذَا لَمْ يُذْكَرِ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ قُلْتَ فِي الْخَيْرِ: وَعَدْتُهُ وَفِي الشَّرِّ أَوْعَدْتُهُ، وَالْفَقْرُ سُوءُ الْحَالِ وَقِلَّةُ ذَاتِ الْيَدِ، وَأَصْلُهُ مِنْ كَسْرِ الْفَقَارِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ الشَّيْطَانَ يُخَوِّفُكُمْ بِالْفَقْرِ، وَيَقُولُ لِلرَّجُلِ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ مَالَكَ فَإِنَّكَ إِذَا تَصَدَّقْتَ بِهِ افْتَقَرْتَ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ، أَيْ: بِالْبُخْلِ وَمَنْعِ الزَّكَاةِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كُلُّ الْفَحْشَاءِ [٢] فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ الزِّنَا إِلَّا هَذَا، وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ، أي: لذنوبكم [وَفَضْلًا ورزقا وخلفا] [٣]، وَاللَّهُ واسِعٌ غَنِيٌّ عَلِيمٌ.
«٣١٦» أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ [٤]، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ [٥] عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
(٢) في المخطوط «فحشاء».
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
(٤) في الأصل «المنبعي» والتصويب عن «شرح السنة» و «الأنساب» للسمعاني.
(٥) زيد في الأصل بين معمر وهمام «عن هشام» وهو خطأ واضح.
٣١٦- إسناده صحيح، أحمد بن يوسف هو الأزدي السلمي، روى له مسلم، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، عبد الرزاق هو ابن همام صاحب المصنف، ومعمر هو ابن راشد.
هو في «شرح السنة» ١٦٥٠ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٧٤١٩ ومسلم (٩٩٣) ح/ ٣٧ وأحمد (٢/ ٣١٣) وابن خزيمة في «التوحيد» (ص ٦٨) وابن حبان ٧٢٥ والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص ٣٩٥- ٣٩٦) من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري (٤٦٨٤ و٧٤١١) ومسلم (٩٩٣) ح/ ٣٦) والترمذي ٣٠٤٥ وابن ماجه ١٩٧ وأحمد (٢/ ٢٤٢ و٥٠٠) وأبو يعلى ٦٢٦٠ من طرق عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عن أبي هريرة به.
- وأخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» ٧٨٠ من طريق ابن أخي الزهري عن عمه عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به.
«يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى لَا تَغِيضُهَا [٢] نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ ما أنفق منذ خلق السموات وَالْأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ [٣] مَا فِي يَمِينِهِ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الماء وبيده الأخرى القبض [٤]، يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ».
«٣١٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ [٥] بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: «أَنْفِقِي وَلَا تُحْصِي، فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ، وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ، قَالَ السُّدِّيُّ: هِيَ النُّبُوَّةُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَتَادَةُ: عِلْمُ الْقُرْآنِ نَاسِخُهُ وَمَنْسُوخُهُ وَمُحْكَمُهُ وَمُتَشَابِهُهُ وَمُقَدَّمُهُ وَمُؤَخَّرُهُ وَحَلَالُهُ وَحَرَامُهُ وَأَمْثَالُهُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْقُرْآنُ وَالْفَهْمُ فِيهِ، وَقَالَ: فِي الْقُرْآنِ مِائَةٌ وَتِسْعُ آيَاتٍ نَاسِخَةٌ وَمَنْسُوخَةٌ، وَأَلْفُ آيَةِ حَلَالٍ وَحَرَامٍ لَا يَسَعُ الْمُؤْمِنِينَ تركهنّ حتى يتعلّموهن، ولا يكونوا كَأَهْلِ نَهْرَوَانَ تَأَوَّلُوا آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، جَهِلُوا عِلْمَهَا فَسَفَكُوا بِهَا الدِّمَاءَ وَانْتَهَبُوا الأموال، وشهدوا علينا بالضلال [٦]، فَعَلَيْكُمْ بِعِلْمِ [٧] الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ مَنْ علم فيم أنزل لَمْ يَخْتَلِفْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ [٨] الْقُرْآنُ وَالْعِلْمُ وَالْفِقْهُ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ: الْإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ:
مَعْرِفَةُ مَعَانِي الْأَشْيَاءِ وَفَهْمُهَا، وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ، مَنْ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، والْحِكْمَةَ خَبَرُهُ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ: يُؤْتِ الْحِكْمَةَ بِكَسْرِ التاء، أي: من يؤتيه الله الحكمة، دليله قراءة
- وهو في «شرح السنة» ١٦٤٩ بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» برقم: ٢٥٩١.
- وأخرجه البخاري ١٤٣٣ ومسلم ١٠٢٩ والنسائي (٥/ ٧٣- ٧٤) وابن حبان ٣٢٠٩ والطبراني (٢٤/ ٣٣٧) و (٣٣٨ و٣٣٩) والبيهقي (٤/ ١٨٦) و (١٨٧) من طرق عن هشام بن عروة به.
- وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (٢٠٠٥٦) من طريق ابن أبي مليكة «أن أسماء بنت أبي بكر... » فذكره.
- وورد من وجه آخر عن أسماء. أخرجه البخاري ١٤٣٤ ومسلم (١٠٢٩) ح/ ٨٩ والنسائي (٥/ ٧٤) وأحمد (٦/ ٣٥٤) وابن حبان ٣٣٥٧ والبغوي في «شرح السنة» ١٦٤٨ والبيهقي (٤/ ١٨٧) من طرق عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير عنها.
- وأخرجه عبد الرزاق ١٦٦١٤ وأحمد (٦/ ٣٥٣ و٣٥٤) عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أسماء به.
- وأخرجه أحمد (٦/ ٣٥٣- ٣٥٤) عن وكيع عن أسامة بن زيد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أسماء به.
(١) كذا في نسخ المطبوع. وفي المخطوط، وفي «شرح السنة». «قال: وقال».
(٢) قال المصنف في «شرح السنة» (٣/ ٤١٣) :«لا يفيضها» لا ينقصها «سحاء» : أي: دائمة الصب. [.....]
(٣) في المطبوع «يفض».
(٤) في المطبوع «القسط» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».
(٥) في الأصل «عبد الله» والتصويب من «صحيح البخاري» و «شرح السنة».
(٦) في نسخ المطبوع «بالضلالة».
(٧) في المخطوط «بحكم».
(٨) في المخطوط «هو».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٧٠ الى ٢٧١]
وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٢٧٠) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ: فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ، أَيْ: مَا أَوْجَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَوَفَّيْتُمْ بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ، ويحفظه حَتَّى [٣] يُجَازِيَكُمْ بِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ يَعْلَمُهُ وَلَمْ يَقُلْ يَعْلَمُهَا، لِأَنَّهُ ردّه إلى الآخر منها كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً
[النِّسَاءِ: ١١٢]، وَإِنْ شِئْتَ حَمَلْتَهُ عَلَى [٤] مَا كَقَوْلِهِ: وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ [الْبَقَرَةِ: ٢٣١]، وَلَمْ يَقُلْ بِهِمَا، وَما لِلظَّالِمِينَ، الْوَاضِعِينَ الصَّدَقَةَ فِي غير موضعها بالرياء ويتصدّقون من الحرام، مِنْ أَنْصارٍ، من أَعْوَانٍ يَدْفَعُونَ عَذَابَ اللَّهِ عَنْهُمْ، وَهِيَ جَمْعُ نَصِيرٍ، مِثْلُ شَرِيفٍ وَأَشْرَافٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ، أَيْ: تُظْهِرُوهَا، فَنِعِمَّا هِيَ، أَيْ: نِعْمَتِ الْخَصْلَةُ هِيَ، وَ «مَا» فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ، وَهِيَ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، كَمَا تَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ رَجُلًا، فَإِذَا عُرِّفَتْ رُفِعَتْ فَقُلْتَ:
نِعْمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ، وَأَصْلُهُ نِعْمَ مَا فَوُصِلَتْ [٥]، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ غَيْرَ وَرْشٍ وَأَبُو عمر وَأَبُو بَكْرٍ فَنِعِمَّا بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ بِرِوَايَةِ وَرْشٍ وَيَعْقُوبُ وَحَفْصٌ بِكَسْرِهِمَا، وَكُلُّهَا لُغَاتٌ صَحِيحَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي سورة النساء. ووَ إِنْ تُخْفُوها، تُسِرُّوهَا، وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ، [أَيْ: تُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ] [٦] فِي السِّرِّ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَفْضَلُ وَكُلٌّ مَقْبُولٌ إِذَا كَانَتِ النِّيَّةُ صَادِقَةً، وَلَكِنْ صدقة السرّ أفضل.
ع «٣١٨» وَفِي الْحَدِيثِ: «صَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غضب الربّ».
قال الهيثمي في «المجمع» ٤٦٣٦: وفيه صدقة بن عبد الله، وثقة دحيم، وضعفه جماعة اهـ.
وصدقة هذا ضعفه ابن حجر كما في «التقريب» وشيخه أصبغ مجهول وقال الهيثمي (٨/ ١٩٤) : فيه أصبغ غير معروف وبقية رجاله وثقوا وفيهم خلاف اهـ.
- وأخرجه الطبراني في «الكبير» ٨٠١٤ من حديث أبي أمامة وصدره «صنائع المعروف... » وحسّن إسناده الهيثمي في «المجمع» ٤٦٣٧ وكذا المنذري في «الترغيب» (٢/ ١٦٩) مع أن في إسناده حفص بن سليمان الأسدي ضعيف الحديث.
- وأخرجه الطبراني في «الصغير» ١٠٣٤ والقضاعي ٩٩ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جعفر وقال الهيثمي ٤٦٣٨: وفيه
(١) ورد مرفوعا من حديث عمرو بن العاص عند الحاكم (١/ ٥٥٢).
(٢) زيد في المطبوع وحده.
(٣) في المخطوط «يعني».
(٤) في المخطوط «عليهما».
(٥) في المطبوع «وصلت».
(٦) ليس في المخطوط.
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا [٣] عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ دعته امرأة ذات حسب [٤] وَجَمَالٍ فَقَالَ:
إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ».
وَقِيلَ: الْآيَةُ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، أَمَّا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ فَالْإِظْهَارُ فِيهَا أَفْضَلُ حَتَّى يَقْتَدِيَ بِهِ النَّاسُ، كَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ، وَالنَّافِلَةُ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ، وَقِيلَ: الْآيَةُ فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ كان
وله شاهد أخرجه الطبراني في «الأوسط» ٦٢٢٢ من حديث أم سلمة بأتم منه، وقال الهيثمي ٤٦٣٩: وفيه عبيد الله بن الوليد الوصافي وهو ضعيف.
- وأخرجه القضاعي ١٠٠ من حديث ابن مسعود وصدره «صلة الرحم تزيد في العمر... » وفي إسناده نصر بن حماد قال عنه الحافظ في «التقريب» : ضعيف أفرط الأزدي فزعم أنه يضع اهـ.
- وأخرجه ابن أبي الدنيا في «قضاء الحوائج» (٦) من حديث ابن عباس وفي إسناده جويبر متروك، وعمرو بن هاشم لين الحديث، وأخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (٦/ ١٧/ ٢) في «ترجمة داود بن عيسى» من وجه آخر عن ابن عباس.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٣٤٤٢ من حديث أبي سعيد وإسناده ضعيف.
- وورد من حديث أنس دون لفظ «السر».
أخرجه الترمذي ٦٦٤ وابن حبان ٣٣٠٩ والبيهقي في «الشعب» ٣٣٥١ والبغوي في «شرح السنة» ١٦٣٤ وفي إسناده عبد الله بن عيسى الخزار وهو ضعيف كما في «التقريب».
وأخرجه القضاعي ٦٩٧ من وجه آخر فيه ثلاثة ضعفاء، يزيد الرقاشي، والرعيني وهو المقدام بن داود، وعبد الله بن محمد المخزومي.
الخلاصة: هو حديث حسن بمجموع شواهده وطرقه، والله أعلم. [.....]
٣١٩- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، خبيب- بضم الخاء مصغرا- هو ابن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف.
وهو في «شرح السنة» ٤٧١ بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف في طريق مالك وهو في «الموطأ» (٢/ ٩٥٢) ومن طريق مالك أخرجه مسلم ١٠٣١ والترمذي ٢٣٩١ وابن حبان ٧٣٣٨.
- وأخرجه البخاري ٦٨٠٦ والنسائي (٨/ ٢٢٢- ٢٢٣) وابن حبان ٤٤٨٦ والبيهقي (٣/ ٦٦٥) من طريق ابن المبارك عن عبيد الله بن عمر عن خبيب عن حفص عن أبي هريرة به.
وهو في «الزهد» لابن المبارك برقم ١٣٤٢.
- وأخرجه البخاري ٦٦٠ و (١٤٢٣ و٦٤٧٩) ومسلم (١٠٣١) ح/ ٩١ والترمذي بإثر (٢٣٩١) وابن خزيمة ٣٥٨ والبيهقي (٤/ ١٩٠ و٨/ ١٦٢) من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن خبيب عن حفص عن أبي هريرة به.
(١) في الأصل «حبيب» وهو تصحيف.
(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من «شرح السنة».
(٣) لفظ «عليه» زيد في المطبوع، وهو في «الموطأ»، وليس في المخطوط، و «شرح السنة».
(٤) في المطبوع «منصب» وفي المخطوط «حسن» والمثبت من «الموطأ» و «شرح السنة».
«وَنَحْنُ نُكَفِّرُ»، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ بِالْيَاءِ وَرَفْعِ الرَّاءِ، أَيْ: «وَيُكَفِّرُ اللَّهُ»، وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالنُّونِ وَالْجَزْمِ نَسَقًا عَلَى الْفَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لأن موضعها جزم الجزاء، وقوله: مِنْ سَيِّئاتِكُمْ، قِيلَ: مِنْ صِلَةٌ، تَقْدِيرُهُ: نُكَفِّرُ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ، وَقِيلَ: هُوَ للتحقيق والتبعيض، يعني: نكفّر [عنكم] الصَّغَائِرَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧٢]
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٢٧٢)
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَتْ لَهُمْ قَرَابَةٌ وَأَصْهَارٌ فِي الْيَهُودِ، وَكَانُوا يُنْفِقُونَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا، فَلَمَّا أَسْلَمُوا كَرِهُوا أَنْ يُنْفِقُوا عَلَيْهِمْ، وَأَرَادُوهُمْ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانُوا يَتَصَدَّقُونَ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ [١]، فَلَمَّا كَثُرَ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ نَهَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّصَدُّقِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ كَيْ تَحْمِلَهُمُ الْحَاجَةُ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ، فَتَمْنَعُهُمُ الصَّدَقَةَ لِيَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ حَاجَةً مِنْهُمْ إِلَيْهَا، وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ، وَأَرَادَ بِهِ هِدَايَةَ التَّوْفِيقِ، أَمَّا هدي البيان والدعوة كان عَلَى [٢] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْطُوهُمْ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ، أَيْ: مَالٍ، فَلِأَنْفُسِكُمْ، أَيْ: تَعْمَلُونَهُ [٣] لِأَنْفُسِكُمْ، وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ، [و «ما» ] [٤] لَفْظُهُ نَفْيٌ [٥] وَمَعْنَاهُ نَهْيٌ، أَيْ: لَا تُنْفِقُوا إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ، شَرْطٌ كَالْأَوَّلِ، وَلِذَلِكَ حَذَفَ النُّونَ مِنْهُمَا، يُوَفَّ إِلَيْكُمْ، أَيْ: يُوَفَّرُ لَكُمْ جَزَاؤُهُ، وَمَعْنَاهُ: يُؤَدِّي إِلَيْكُمْ، ولذلك أدخل فيه «إلى» [٦]، وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ، لَا تُنْقَصُونَ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا، وَهَذَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تُوضَعَ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ، فَأَمَّا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ فَلَا يَجُوزُ وَضْعُهَا إِلَّا فِي الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ أَهْلُ السُّهْمَانِ المذكورون في سورة التوبة.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧٣]
لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣)
قَوْلُهُ تَعَالَى: لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، اخْتَلَفُوا فِي موضع هذه اللام، قيل:
هو مردود [٧] عَلَى مَوْضِعِ اللَّامِ مِنْ قَوْلِهِ: فَلِأَنْفُسِكُمْ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَمَا تُنْفِقُوا من خير فللفقراء، وإنما
و «تفسير القرطبي» ٣/ ٣٣٧).
(٢) زيد في المطبوع «عهد» وهو سهو من النساخ.
(٣) في المطبوع وحده «تنفقونه».
(٤) زيادة عن نسخة- ط.
(٥) في المطبوع «جحد» وكلاهما بمعنى.
(٦) في النسخة- ط «إلا» والمثبت هو الصواب.
(٧) في المطبوع وط «هي مردودة».
لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ صِفَتُهُمْ كَذَا حَقٌّ وَاجِبٌ، وَهُمْ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ، كَانُوا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَسَاكِنُ بِالْمَدِينَةِ وَلَا عَشَائِرُ، وَكَانُوا فِي الْمَسْجِدِ يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ وَيَرْضَخُونَ النَّوَى بِالنَّهَارِ، وَكَانُوا يَخْرُجُونَ فِي كُلِّ سَرِيَّةٍ يَبْعَثُهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ [٣]، فَحَثَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ النَّاسَ فَكَانَ مَنْ عِنْدَهُ فَضْلٌ أَتَاهُمْ بِهِ إِذَا أَمْسَى، الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فِيهِ أقاويل، قال قتادة: هم هؤلاء حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ، لَا يَتَفَرَّغُونَ لِلتِّجَارَةِ وَطَلَبِ الْمَعَاشِ، وَهُمْ أَهْلُ الصُّفَةِ التي ذَكَرْنَاهُمْ، وَقِيلَ: حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى طاعة الله، وقيل [٤] :
حَبَسَهُمُ الْفَقْرُ وَالْعُدْمُ عَنِ الْجِهَادِ في سبيل الله، وقيل: هؤلاء قَوْمٌ أَصَابَتْهُمْ جِرَاحَاتٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَصَارُوا زَمْنَى أَحْصَرَهُمُ الْمَرَضُ وَالزَّمَانَةُ عَنِ الضَّرْبِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ للجهاد، وقيل:
مَعْنَاهُ: مِنْ كَثْرَةِ مَا جَاهَدُوا صَارَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا حَرْبًا عَلَيْهِمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ من كثرة أعدائهم، يَحْسَبُهُمُ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وعاصم وحمزة يَحْسَبُهُمُ وبابه بفتح السين، وقرأ الآخرون بالكسر، الْجاهِلُ بحالهم، أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ، أَيْ: مِنْ تَعَفُّفِهِمْ عَنِ السُّؤَالِ وَقَنَاعَتِهِمْ يَظُنُّ مَنْ لَا يَعْرِفُ حَالَهُمْ أَنَّهُمْ أَغْنِيَاءُ وَالتَّعَفُّفُ التَّفَعُّلُ مِنَ الْعِفَّةِ وَهِيَ التَّرْكُ، [يُقَالُ: عَفَّ عَنِ الشَّيْءِ إِذَا كَفَّ عَنْهُ وَتَعَفَّفَ إِذَا تَكَلَّفَ فِي الْإِمْسَاكِ] [٥]، تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ، والسيماء وَالسِّيمِيَاءُ وَالسِّمَةُ: الْعَلَامَةُ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا الشَّيْءُ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهَا هَاهُنَا، فَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ [٦] التَّخَشُّعُ وَالتَّوَاضُعُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَثَرُ الْجُهْدِ مِنَ الْحَاجَةِ وَالْفَقْرِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: صُفْرَةُ أَلْوَانِهِمْ مِنَ الْجُوعِ وَالضُّرِّ، وقيل: رثاثة ثيابهم، لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً، قَالَ عَطَاءٌ: إِذَا كَانَ عِنْدَهُمْ غَدَاءٌ لَا يَسْأَلُونَ عَشَاءً وَإِذَا كَانَ عِنْدَهُمْ عَشَاءٌ لَا يَسْأَلُونَ غَدَاءً، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لا يسألون الناس [٧] أَصْلًا لِأَنَّهُ قَالَ: مِنَ التَّعَفُّفِ، وَالتَّعَفُّفِ: تَرْكُ السُّؤَالِ، وَلِأَنَّهُ قَالَ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ، وَلَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ شَأْنِهِمْ لَمَا كَانَتْ إِلَى معرفتهم بالعلامة حَاجَةٍ، فَمَعْنَى الْآيَةِ: لَيْسَ لَهُمْ سُؤَالٌ فَيَقَعُ فِيهِ إِلْحَافٌ، وَالْإِلْحَافُ: الْإِلْحَاحُ وَاللَّجَاجُ.
«٣٢٠» أَخْبَرَنَا [٨] أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ إبراهيم
- وهو في «شرح السنة» برقم ١٦١٠.
- وأخرجه البخاري ٢٠٧٥ وابن ماجه ١٨٣٦ وأحمد (١/ ١٦٧) وأبو يعلى ٦٧٥ والبيهقي في «الشعب» ١٢٢٣ من طريق وكيع عن هشام بن عروة بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده به.
- وأخرجه البخاري ١٤٧١ من طريق موسى عن وهيب عن هشام به وأحمد (١/ ١٦٤) من طريق حفص بن غياث عن هشام به.
- وورد من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري (١٤٨٠ و٢٠٧٤) ومسلم ١٠٤٢ والترمذي ٦٨٠ وابن أبي شيبة (٣/ ٢٠٩
(١) في المخطوط «يعني». [.....]
(٢) زيد في المطبوع وط.
(٣) زيد في المخطوط «الذين ذكرناهم» وهذه العبارة ستأتي بعد سطرين هاهنا، وهو أقرب للصواب.
(٤) زيد في المطبوع «معناه».
(٥) سقط من المخطوط.
(٦) في المخطوط «هو» لكن المثبت أقرب لعبارة البغوي في سياق كلامه.
(٧) زيد في المطبوع وط «إلحافا» وهو خطأ.
(٨) زيد في المطبوع «الأستاذ الإمام».
«لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَذْهَبَ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ حَطَبٍ عَلَى ظهره فيكفّ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ».
«٣٢١» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ»، قَالُوا: فَمَنِ الْمِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى فَيُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَقُومُ فيسأل الناس».
ع «٣٢٢» وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عذلها فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا».
«٣٢٣» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ [٥]، أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ [٦] عبد الصمد بن
٣٢١- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو الزناد اسمه عبد الله بن ذكوان، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
- وهو في «شرح السنة» ١٥٩٦ بهذا الإسناد.
- وأخرجه المصنف من طريق مالك وهو في «الموطأ» (٢/ ٩٢٣).
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ١٤٧٩ والنسائي (٥/ ٨٥) وابن حبان ٣٣٥٢ والبيهقي (٧/ ١١).
- وأخرجه مسلم ١٠٣٩ من طريق المغيرة الحزامي عن أبي الزناد به.
- وأخرجه البخاري (١٤٧٦ و٤٥٣٩) ومسلم ١٠٣٩ وأبو داود (١٦٣١ و١٦٣٢) والنسائي (٥/ ٨٤- ٦) وأحمد (٢/ ٢٦٠) و (٣٩٥) و (٤٦٩) و (٤٩٣) وابن خزيمة ٢٣٦٣ وابن حبان (٣٢٩٨ و٣٣٥١) والدارمي (١/ ٣٧٩) والبيهقي (٤/ ١٩٥) و (٧/ ١١) من طرق حديث أبي هريرة.
٣٢٢- ع جيد. أخرجه أبو داود ١٦٢٨ والنسائي (٥/ ٩٨) وأحمد (٣/ ٧ و٩) وابن خزيمة ٢٤٤٧ وابن حبان ٣٣٩٠ من طرق عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الرجال عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الخدري عن أبيه به «من سأل الناس وله أوقية فهو ملحف» وإسناده جيد.
- وفي الباب عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أخرجه أبو داود ١٦٢٧ والنسائي (٥/ ٩٨) ومالك (٢/ ٩٩٩) وأحمد (٤/ ٣٦) وله قصة، ورجاله ثقات وجهالة الصحابي لا تضر.
٣٢٣- إسناده صحيح على شرط مسلم، معمر هو ابن راشد، كنانة العدوي هو ابن نعيم- بضم النون-.
- وهو في «شرح السنة» ١٦١٩ بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق عبد الرزاق وهو في «مصنفه» برقم: ٢٠٠٨ ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن حبان ٣٢٩١ والطبري (١٨/ ٩٤٦).
- وأخرجه مسلم ١٠٤٤ وأبو داود ١٦٤٠ والنسائي (٥/ ٨٩) و (٥/ ٩٦- ٩٧) والحميدي ٨١٩ وأحمد (٣/ ٤٧٧) و (٥/
(١) في المطبوع «بن إسماعيل» بدل «الإسماعيلي».
(٢) في الأصل «بن الحكم» والتصويب من «شرح السنة» و «التقريب».
(٣) تصحف في المطبوع إلى «يونس». [.....]
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في الأصل «الظاهري» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب» (٤/ ٣٣) للسمعاني.
(٦) في الأصل «سهل بن عبد الصمد» والتصويب من «شرح السنة» وكتاب «الأنساب» للسمعاني (٤/ ٣٣).
إِنِّي تَحَمَّلْتُ بِحِمَالَةٍ فِي قَوْمِي فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي تَحَمَّلْتُ بِحَمَالَةٍ فِي قَوْمِي وَأَتَيْتُكَ لِتُعِينَنِي فِيهَا، قَالَ: «بَلْ نَتَحَمَّلُهَا عَنْكَ يَا قَبِيصَةُ وَنُؤَدِّيهَا إِلَيْهِمْ مِنَ الصَّدَقَةِ»، ثُمَّ قَالَ: «يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ حُرِّمَتْ إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاثٍ: رَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ [٥] فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشِهِ ثُمَّ يُمْسِكُ، و [في] رجل أصابته فاقة [٦] حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ من ذوي الحجى من قومه [٧] أنّ الْمَسْأَلَةَ قَدْ حَلَّتْ لَهُ فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ الْقِوَامَ مِنَ الْعَيْشِ ثم يمسك، و [في] رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحِمَالَةٍ فَيَسْأَلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَمْسَكَ، وَمَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ سُحْتٌ يَأْكُلُهُ صَاحِبُهُ سُحْتًا».
«٣٢٤» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(١) في الأصل «البزار» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب».
(٢) في الأصل «غدافر» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب».
(٣) في الأصل «الديري» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب» و «التقريب».
(٤) في الأصل «زيان» والتصويب من كتب التخريج وكتب التراجم.
(٥) في الأصل «حاجة» والتصويب من «شرح السنة» وكتب الحديث.
(٦) في الأصل «حاجة» والتصويب من «شرح السنة» وكتب الحديث.
(٧) زيد في المطبوع «لقد أصابت فلانا فاقة».
٣٢٤- إسناده ضعيف لضعف حكيم بن جبير. قال الذهبي عنه في «الميزان» (١/ ٥٨٣) ما ملخصه: قال أحمد: ضعيف منكر الحديث، وقال البخاري: كان شعبة يتكلم فيه، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال الدارقطني: متروك، وقال معاذ:
قلت لشعبة: حدثني بحديث حكيم بن جبير، قال: أخاف النار إن أحدث به. وقال يحيى بن سعيد: تركه شعبة من أجل حديث الصدقة، وروى عباس عن يحيى في حديث حكيم عن ابن مسعود في الصدقة، فقال: يرويه سفيان عن زبيد، ولا أعلم أحدا يرويه غير يحيى بن آدم، وهذا وهم، لو كان كذا لحدث به الناس عن سفيان، ولكنه حديث منكر. قال الذهبي: «يعني إنما المعروف بروايته حكيم» وقال ابن مهدي: روى أحاديث يسيرة فيها منكرات، وكذبه الجوزجاني.
وهو في «شرح السنة» ١٥٩٤ بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق الترمذي وهو في «سننه» برقم ٦٥٠.
- وأخرجه الطيالسي ٨٤١ والدارمي (١/ ٣٨٦) من طريق شريك به.
- وأخرجه أبو داود ١٦٢٦ والترمذي ٦٥١ وابن ماجه ١٨٤٠ والنسائي (٥/ ٩٧) وأحمد (١/ ٣٨٨) وأبو يعلى (٥٢١٧) والحاكم (١/ ٤٠٧) والطحاوي في «المعاني» (٢/ ٢٠) من طريق حكيم بن جبير به. وصححه الحاكم! وسكت الذهبي! وقال الترمذي: حديث ابن مسعود حديث حسن! مع أن مداره عندهم على حكيم بن جبير، وهو ضعيف ليس بشيء.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ، من مَالٍ، فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ وعليه مجازي.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧٤]
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً، رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَتْ عِنْدَهُ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا، فَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ لَيْلًا وَبِدِرْهَمٍ نَهَارًا وَبِدِرْهَمٍ سِرًّا وَبِدِرْهَمٍ عَلَانِيَةً [١]. وَعَنِ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [٢] قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِدَنَانِيرَ كَثِيرَةٍ إِلَى أَصْحَابِ الصفة [نهارا] [٣]، وَبَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ بِوَسَقٍ مَنْ تَمْرٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ الْآيَةَ [٤]، عَنَى بِالنَّهَارِ:
عَلَانِيَةً صَدَقَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عوف، وبالليل: سرّ صَدَقَةَ عَلَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَمَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ: نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ يرتبطون [٥] الخيل للجهاد فإنها تعتلف لَيْلًا وَنَهَارًا سِرًّا وَعَلَانِيَةً.
«٣٢٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ [٦] أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ أَبِي سعيد قال: سمعت سعيد الْمَقْبُرِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَصْدِيقًا بوعده فإن شبعه وريّه وو روثه وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
(٢) في المطبوع وط «عنهم» وسقط من المخطوط. [.....]
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) لم أره بهذا السياق وإنما ورد عن ابن عباس بذكر علي بن أبي طالب فقط دون ذكر عبد الرحمن بن عوف. أخرجه عبد الرزاق في «التفسير» ٣٤٤ والواحدي ١٨٠ والطبراني ١١١٦٤ عن عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أبيه عن ابن عباس، وإسناده ضعيف ابن مجاهد متروك، ولم يسمع من أبيه.
وانظر «فتح القدير» (١/ ٣٣٧) للشوكاني، و «تفسير ابن كثير» (١/ ٣٣٣) بتخريجي عند هذه الآية.
(٥) في المخطوط «يربطون».
(٦) الأصل «جعفر» والتصويب من «شرح السنة» و «صحيح البخاري» وغيرهما.
٣٢٥- إسناده صحيح على شرط البخاري، ابن المبارك هو عبد الله، سعيد المقبري هو ابن أبي سعيد، سعيد وأبوه كلاهما يروي عن أبي هريرة.
- وهو في «شرح السنة» ٢٦٤٢ بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» برقم: ٢٨٥٣ وأخرجه أحمد (٢/ ٣٧٤) من طريق علي بن حفص به.
ابن حبان ٤٦٧٣ من طريق حبان بن موسى عن ابن المبارك به.
- وأخرجه النسائي (٦/ ٢٢٥) والحاكم (٢/ ٩٢) والبيهقي (١٠/ ١٦) من طريق ابن وهب عن طلحة بن أبي سعيد به.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧٥]
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لَا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا، أي: الذين يُعَامِلُونَ بِهِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَكْلَ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنَ الْمَالِ لَا يَقُومُونَ، يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ، أَيْ:
يَصْرَعُهُ الشَّيْطانُ، أَصْلُ الْخَبْطِ: الضَّرْبُ وَالْوَطْءُ وَهُوَ ضَرْبٌ عَلَى غَيْرِ اسْتِوَاءٍ، يُقَالُ: نَاقَةٌ خَبُوطٌ لِلَّتِي تَطَأُ [٢] النَّاسَ وَتَضْرِبُ الْأَرْضَ بِقَوَائِمِهَا، مِنَ الْمَسِّ، أَيِ: الْجُنُونِ، يُقَالُ: مُسَّ الرَّجُلُ فَهُوَ مَمْسُوسٌ إِذَا كَانَ مَجْنُونًا، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ آكِلَ الرِّبَا يُبْعَثُ يوم القيامة كَمِثْلِ الْمَصْرُوعِ.
«٣٢٦» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ، قَالَ:
«فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رِجَالٍ كَثِيرٍ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بَطْنُهُ مِثْلُ الْبَيْتِ الضَّخْمِ مُنَضَّدِينَ [٣] عَلَى سَابِلَةِ آلِ فِرْعَوْنَ، وَآلُ فِرْعَوْنَ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ غُدُوًّا وَعَشِيًّا، قال: فيقبلون مثل الإبل المنهوكة [٤] يَخْبِطُونَ الْحِجَارَةَ وَالشَّجَرَ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَعْقِلُونَ، فَإِذَا أَحَسَّ بِهِمْ أَصْحَابُ تِلْكَ الْبُطُونِ قَامُوا، فَتَمِيلُ بِهِمْ بُطُونُهُمْ فَيُصْرَعُونَ، ثُمَّ يَقُومُ أَحَدُهُمْ فَيَمِيلُ بِهِ بَطْنُهُ فَيُصْرَعُ، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَبْرَحُوا حَتَّى يغشاهم آل فرعون فيطؤونهم [٥] مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ فَذَلِكَ عَذَابُهُمْ فِي الْبَرْزَخِ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ: وَآلُ فِرْعَوْنَ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ لَا تقم الساعة أبدا، قال: [و] يوم الْقِيَامَةِ يُقَالُ [٦] : أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أشدّ العذاب، قُلْتُ:
يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا، أَيْ: ذَلِكَ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ لِقَوْلِهِمْ هَذَا وَاسْتِحْلَالِهِمْ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا حَلَّ مَالُهُ عَلَى غَرِيمِهِ فَطَالَبَهُ [به] [٧]، فيقول
(١) ما بين المعقوفتين في المطبوع [وجوابها بالفاء في الخبر أو معنى].
(٢) في المخطوط «تخبط».
(٣) في المخطوط «متصدين».
(٤) في المطبوع وط «المنهومة» وفي القرطبي «المهيومة».
(٥) وقع في المطبوع «فيردّوهم» وفي المخطوط «فيرتد دونهم» والمثبت عن الطبري ٢٢٠٢٣ والقرطبي (٣/ ٣٥٥).
(٦) في المخطوط «يقول».
(٧) زيادة عن المخطوط وط.
٣٩]، أَيْ: لِيَكْثُرَ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ الله، وَطَلَبُ الزِّيَادَةِ بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ غَيْرُ حَرَامٍ فِي الْجُمْلَةِ، إِنَّمَا الْمُحَرَّمُ زِيَادَةٌ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ فِي مَالٍ مَخْصُوصٍ بَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا:
«٣٢٧» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَرَجُلٍ آخَرَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ، وَلَا الْبُرَّ بِالْبُرِّ، وَلَا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ، وَلَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ، وَلَا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَكِنْ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ، وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ، وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ، وَالتَّمْرَ [بِالْمِلْحِ، وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ] [٢]، يدا بيد كيف شئتم»، -[و] نقص أَحَدُهُمَا الْمِلْحَ أَوِ التَّمْرَ وَزَادَ أحدهما- «فمن زاد أو استزاد فَقَدْ أَرْبَى».
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ [من] طرق [٣] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيكٍ عَنْ عُبَادَةَ، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَى سِتَّةِ أَشْيَاءَ، وَذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الرِّبَا يَثْبُتُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ [الستة لأوصاف] [٤] فِيهَا فَيَتَعَدَّى إِلَى كُلِّ مَالٍ تُوجَدُ فِيهِ تِلْكَ الْأَوْصَافُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْأَوْصَافِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي جَمِيعِهَا وَاحِدٌ [٥] وَهُوَ النَّفْعُ، وَأَثْبَتُوا الرِّبَا فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ الرِّبَا يَثْبُتُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِوَصْفٍ، وَفِي الْأَشْيَاءِ الْمَطْعُومَةِ بِوَصْفٍ آخَرَ، وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الْوَصْفِ، فَقَالَ قَوْمٌ: ثَبَتَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِوَصْفِ النَّقْدِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وقال قوم:
- وهو في «شرح السنة» ٢٠٤٩ بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق الشافعي وهو في «مسنده» (٢/ ١٥٧- ١٥٨).
- وأخرجه البيهقي (٥/ ٢٧٦) من طريق الشافعي ثم كرره من طريق سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين أن مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عتيك... فذكره.
وقال: وهذا الحديث لم يسمعه مسلم بن يسار من عبادة بن الصامت إنما سمعه من أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة اهـ.
قلت: ورواية الأشعث التي أشار إليها البيهقي هي عند أبي داود ٣٣٤٩ والنسائي (٧/ ٢٧٧) والطحاوي (٤/ ٤) و (٦٦) والبيهقي (٥/ ٢٧٧) بإسناد صحيح.
- وحديث عبادة ورد من وجه آخر عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الأشعث عنه أخرجه مسلم ١٥٨٧ وأبو داود ٣٣٥٠ والترمذي ١٢٤٠ وابن أبي شيبة (٧/ ١٠٣- ١٠٤) وعبد الرزاق (١٤١٩٣) وابن الجارود ٦٥٠ وأحمد (٥/ ٣٢٠) وابن حبان (٥٠١٥) و (٥٠١٨) والدارقطني (٣/ ٢٤) والبيهقي (٥/ ٢٧٧) و (٢٨٢ و٢٨٤). [.....]
(١) في المخطوط «فيقولان».
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» وكتب الحديث.
(٣) تصحف لفظ «طرق» في المطبوع إلى «مطرف».
(٤) زيد لفظ «الستة» في المطبوع وط. ولفظ «الأوصاف» في المطبوع «بالأوصاف» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».
(٥) في المخطوط «وجد».
ع «٣٢٨» رُوِيَ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ».
فَجُمْلَةُ مَالِ الرِّبَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَا كَانَ ثَمَنًا [٤] أَوْ مَطْعُومًا، وَالرِّبَا نَوْعَانِ رِبَا الْفَضْلِ وَرِبَا النَّسَاءِ، فَإِذَا بَاعَ مَالَ الرِّبَا بِجِنْسِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ بِأَنْ بَاعَ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ بِجِنْسِهِ، أَوْ بَاعَ مَطْعُومًا بِجِنْسِهِ، كَالْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا يَثْبُتُ فِيهِ كِلَا نَوْعَيِ الرِّبَا، حَتَّى لَا يَجُوزَ إِلَّا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ، فَإِنْ كَانَ موزونا كالدراهم والدنانير يشترط الْمُسَاوَاةُ فِي الْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ بِيعَ بِجِنْسِهِ، فَيُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْكَيْلِ وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَإِذَا بَاعَ مَالَ الرِّبَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ نُظِرَ إِنْ بَاعَ بِمَا لَا يُوَافِقُهُ فِي وَصْفِ الرِّبَا مِثْلَ: أَنْ بَاعَ مَطْعُومًا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَلَا رِبَا فِيهِ، كَمَا لَوْ باع بغير مال الرّبا، وإن باعه بما يوافقه في الْوَصْفِ مِثْلَ: أَنْ بَاعَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِالشَّعِيرِ أَوْ بَاعَ مَطْعُومًا بِمَطْعُومٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ حَتَّى يَجُوزَ متفاضلا أو جزافا وثبت فيه ربا النسأ حَتَّى يُشْتَرَطَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ»، إِلَى أَنْ قَالَ: «إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» فِيهِ إِيجَابُ الْمُمَاثَلَةِ وَتَحْرِيمُ الْفَضْلِ عِنْدَ اتِّفَاقِ الْجِنْسِ، وَقَوْلُهُ: «عينا بعين» فيه تحريم النسأ، وَقَوْلُهُ: «يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ»، فِيهِ إِطْلَاقُ التَّفَاضُلِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ مَعَ إِيجَابِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ، هَذَا فِي رِبَا الْمُبَايَعَةِ ومن أقرض شيئا شرط أن يردّ عليه أفضل [منه] [٥]، فهو قرض مَنْفَعَةً، وَكُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا. قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ: تَذْكِيرٌ وَتَخْوِيفٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْفِعْلَ رَدًّا إِلَى الْوَعْظِ، فَانْتَهى، عَنْ أَكْلِ الرِّبَا، فَلَهُ مَا سَلَفَ، أَيْ: مَا مَضَى مِنْ ذَنْبِهِ، قَبْلَ النَّهْيِ مَغْفُورٌ لَهُ [٦]، وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، بَعْدَ النَّهْيِ إِنْ شَاءَ عَصَمَهُ حَيْثُ يَثْبُتُ عَلَى الِانْتِهَاءِ، وَإِنْ شَاءَ خَذَلَهُ حَتَّى يَعُودَ، وقيل: أمره إِلَى اللَّهِ فِيمَا يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ وَيُحِلُّ لَهُ وَيُحَرُّمُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ نَفْسِهِ شَيْءٌ، وَمَنْ عادَ، بَعْدَ التَّحْرِيمِ إِلَى أَكْلِ الرِّبَا مُسْتَحِلًّا لَهُ، فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
ومطرّف هو ابن عبد الله بن الشّخّير.
(١) في المخطوط «يثبت لعلة» والمثبت عن نسخ المطبوع و «شرح السنة».
(٢) زيادة عن «شرح السنة» ٤/ ٢٤١- ٢٤٢.
(٣) في المطبوع وط «المكيلات».
(٤) في المطبوع وحده «ثمارا».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المخطوط «بعفو ربه».
إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَثَمَنِ الْكَلْبِ، وَكَسْبِ البغي، ولعن آكل الربا ومؤكله، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَالْمُصَوِّرَ.
«٣٣٠» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ أَخْبَرَنَا [عَبْدُ] [٢] الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ [٣] بْنُ حَرْبٍ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ».
«٣٣١» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَخْلَدِيُّ أَنَا أَبُو حَامِدِ بن
- وهو في «شرح السنة» ٢٠٣٢ بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» برقم: (٥٩٦٢).
- وأخرجه البخاري ٢٠٨٦ و٢٢٣٨ و٥٣٤٧ و٥٩٤٥ وأبو داود ٣٤٨٣ وأحمد ٤/ ٣٠٨ و٣٠٩ والطبراني ٢٢/ (٢٩٦) والطيالسي ١٠٤٣ و١٠٤٥ وابن حبان ٥٨٥٢ وأبو يعلى ٨٩٠ والطحاوي ٤/ ٥٣ والبيهقي ٦/ ٦ من طرق، عن شعبة به.
(١) في الأصل «عوف» وهو تصحيف. [.....]
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(٣) في الأصل «زاهر» وهو تصحيف.
٣٣٠- إسناده على شرط مسلم، هشيم هو ابن بشير، أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس.
- وهو في «شرح السنة» برقم (٢٠٤٧).
- رواه المصنف من طريق مسلم وهو في «صحيحه» (١٥٩٨).
وأخرجه أحمد ٣/ ٣٠٤ وأبو يعلى ١٨٤٨ والبيهقي ٥/ ٢٧٥ من طرق، عن هشيم به.
- وفي الباب من حديث ابن مسعود عند أبي داود ١٣٣٣ والترمذي ١٢٠٦ وابن ماجه ٢٢٧٧ والطيالسي ٣٤٣ وأحمد ١/ ٣٩٤ وابن حبان ٥٠٢٥ والبيهقي ٥/ ٢٧٥ من طرق، عن سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه.
وأخرجه مسلم ١٥٩٧ وأحمد ١/ ٤٤٨ و٤٦٢ والدارمي ٢/ ٢٤٦ والبيهقي ٥/ ٢٨٥ من طريق آخر، عن ابن مسعود وليس فيه «وكاتبه وشاهديه».
٣٣١- باطل مرفوع. إسناده ضعيف لضعف عكرمة بن عمار في روايته، عن يحيى بن أبي كثير خاصة. بل ضعفه غير واحد مطلقا. جاء في «الميزان» (٣/ ٩١) ما ملخصه: قال يحيى القطان وأحمد بن حنبل: أحاديثه عن يحيى بن أبي كثير ضعيفة، وذكر الذهبي، عن غير واحد توثيقه لعكرمة لكن في روايته، عن غير يحيى. وللحديث شواهد واهية لا تقوم بها حجة، فإن المتن منكر باطل، فإن الزنا أشد من الربا.
وأخرجه ابن الجارود في «المنتقى» (٦٤٧) من طريق النضر بن محمد به.
- وأخرجه ابن عدي ٥/ ٢٧٥ والبخاري في «التاريخ الكبير» (٣/ ١/ ٩٥) وابن الجوزي في «الموضوعات» (٢/ ٢٤٤- ٢٤٥) والعقيلي ٢/ ٢٥٧- ٢٥٨ والبيهقي ٥٥٢١ من طرق، عن عبد الله بن زياد، عن عكرمة بن عمار به.
وأعله العقيلي وغيره بعبد الله بن زياد، وهو كذاب، وبه أعله ابن الجوزي لكن تابعه اثنان لذا أعله ابن عدي بعكرمة بن عمار اليمامي، فإن مداره عليه، وهو وإن وثقه غير واحد فإن روايته، عن يحيى بن أبي كثير فيها اضطراب ووهن.
قال يحيى بن سعيد: أحاديثه، عن ابن أبي كثير ضعيفة. وقال البيهقي: هذا يعرف بابن زياد، وهو منكر الحديث.
وقال عنه أحمد: روى عن يحيى بن أبي كثير مناكير اهـ.
وهذا من طريقه، وأعله أبو حاتم بالإرسال «العلل» (١١٣٦) مع وهن عمر بن راشد كما تقدم.
- وورد من حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في «الصغير» (١/ ٨٢) وابن حبان في «المجروحين» (١/ ٣٢٨) وأعله ابن حبان بسعيد بن رحمة وقال: لا يجوز الاحتجاج به، وقال عنه الهيثمي في «المجمع» : ضعيف.
- وورد من طريق آخر أخرجه البيهقي في «الشعب» (٥٥١٨) والطبراني ١١٢١٦ و١١٥٣٩ وابن حبان في «المجروحين» (١/ ٢٤٣) وابن الجوزي ٢/ ٢٤٥ ومداره على حنش وهو حسين بن قيس الرحبي، وهو متروك، وقد كذبه أحمد وغيره، وعده الذهبي في «الميزان» من مناكيره.
وتابعه خصيف بن عبد الرحمن عند الخطيب ٦/ ٧٦ وخصيف غير قوي، وعنه إبراهيم بن زياد، وهو مجهول لا يعرف.
وقال أبو زرعة: هذا حديث منكر. ذكره ابن أبي حاتم في «العلل» (١١٧٠).
- وورد من حديث أنس أخرجه البيهقي ٥٥٢٣ وابن عدي ٤/ ١٥٤٨ وابن الجوزي ٢/ ٢٤٥ وقال البيهقي: فيه عبد الله بن كيسان منكر الحديث. وكذا ذكر ابن الجوزي.
وأخرجه ابن الجوزي ٢/ ٢٤٦ وكذا الدارقطني كما في «اللآلئ» (٢/ ١٥٠) وأعله ابن الجوزي بطلحة بن زيد ونقل عن البخاري قوله: منكر الحديث وساق له الذهبي هذا الحديث ٢/ ٤٢٤ وقال: تالف.
- وورد من حديث عبد الله بن سلام أخرجه الطبراني كما في «المجمع» (٦٥٧٤) وقال الهيثمي: عطاء الخراساني لم يسمع من عبد الله بن سلام.
- وورد من حديث عائشة أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٥/ ٧٤) وابن الجوزي ٢/ ٢٤٧ وأعله بسوار بن مصعب، وأنه متروك الحديث نقل ذلك عن أحمد ويحيى والنسائي.
- وأسنده ابن الجوزي من وجه آخر وأعله بعمران بن أنس وهو كما قال فإنه منكر الحديث راجع «الميزان».
- وورد من حديث ابن عمر أخرجه ابن عدي ٦/ ٣٩١ وأعله ابن عدي بمسعدة الفزاري وذكره الذهبي بخبر آخر مع هذا وقال: بخبرين منكرين، عن ابن أبي ذئب.
- وورد من حديث عبد الله بن حنظلة الغسيل أخرجه أحمد ٥/ ٢٢٥ والدارقطني ٣/ ١٦ وقال الهيثمي في «المجمع» (٦٥٧٣) : رجال أحمد رجال الصحيح... !؟.
وأعله ابن الجوزي بحسين بن محمد ونقل عن أبي حاتم الرازي أنه وهم فيه.
وكرره من وجه آخر وأعله بليث وأنه ضعيف، وقد قال الدارقطني بعد أن أسنده، عن عبد الله بن حنظلة، عن كعب الأحبار من- قوله-: وهذا أصح من المرفوع.
وذكره مثل ذلك العقيلي ٢/ ٢٥٨ حيث صوّب كونه من كلام كعب الأحبار، ومثلهما البيهقي ٥٥١٦ وابن الجوزي ٢/ ٢٤٧- ٢٤٨ وقد جاء موقوفا على عبد الله بن سلام أيضا أسنده العقيلي ٢/ ٢٥٨ والبيهقي ٥٥١٤ وإسناده عنه جيد.
وكرر البيهقي ٥٥١٥ بإسناد صحيح، عن ابن سلام.
- وقال ابن الجوزي: ليس في هذه الأحاديث شيء صحيح.
ثم فصّل القول في ذلك فانتقد رجالها وأبان عللها.
- وختمه بقوله: اعلم أن مما يرد صحة هذه الأحاديث أن المعاصي إنما يعلم مقاديرها بتأثيراتها، والزنا يفسد الأنساب ويصرف الميراث إلى غير مستحقيه، ويؤثر في القبائح ما لا يؤثر أكل لقمة لا تتعدى ارتكاب نهي فلا وجه لصحة هذا اهـ.
وهو كما قال ابن الجوزي رحمة الله عليه.
فشتان بين من يزني بأمه بل بأجنبية وبين درهم ربا أو الوقوع في باب من تلك الأبواب، ولو كانت كذلك لبينها
«الرِّبَا سَبْعُونَ بَابًا أَهْوَنُهَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَالَّذِي يَنْكِحُ أمّه».
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧٦]
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦)
. قَوْلُهُ تَعَالَى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا، أَيْ: يَنْقُصُهُ وَيُهْلِكُهُ وَيَذْهَبُ بِبَرَكَتِهِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا، يَعْنِي: لَا يَقْبَلُ مِنْهُ صدقة ولا جهادا ولا حجّا وَلَا صِلَةً، وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ، أَيْ: يُثَمِّرُهَا وَيُبَارِكُ فِيهَا فِي الدُّنْيَا وَيُضَاعِفُ بِهَا الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ فِي الْعُقْبَى، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ، بِتَحْرِيمِ الرِّبَا، أَثِيمٍ، فَاجِرٍ بأكله.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٧٧ الى ٢٧٨]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا، ع «٣٣٢» قَالَ عَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَكَانَا قَدْ أَسْلَفَا فِي التَّمْرِ، فَلَمَّا حَضَرَ الْجُذَاذُ قَالَ لَهُمَا صَاحِبُ التَّمْرِ: إِنْ أَنْتُمَا أَخَذْتُمَا حَقَّكُمَا لَا يَبْقَى لِي مَا يَكْفِي عِيَالِي، فَهَلْ لَكُمَا أَنْ تَأْخُذَا النِّصْفَ وَتُؤَخِّرَا النِّصْفَ وَأُضْعِفُ لَكُمَا فَفَعَلَا، فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ طَلَبَا الزِّيَادَةَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَاهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الآية فسمعا وأطاعا وأخذا رؤوس أموالهما.
ع «٣٣٣» قال السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي الْعَبَّاسِ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَكَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الجاهلية يسلفان في الرّبا
الخلاصة: ذهب أبو حاتم الرازي وأبو زرعة والعقيلي وابن عدي وابن حبان وابن الجوزي، وكذا الناقد الذهبي إلى وهن هذا الحديث، وعدم صحته، ورجّح العقيلي والبيهقي والدارقطني وابن الجوزي كونه من كلام كعب الأحبار، كما تقدم والله تعالى أعلم، وهو غير صحيح من جهة المعنى، فالزنا مطلقا أشد من الربا بمرات، كما تقدم عن ابن الجوزي وغيره، فهذا هو الحق إن شاء الله تعالى.
(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
٣٣٢- ع ضعيف. عزاه المصنف لعكرمة وعطاء، وإسناده إليهما في أول الكتاب وذكره الواحدي في «أسباب النزول» (١٨٤) عن عكرمة وعطاء بدون إسناد، وليس بصحيح. فلو صح لرواه المفسرون مسندا موصولا.
٣٣٣- ع ضعيف. أخرجه الطبري ٦٢٥٦ وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في «الدر» (١/ ٦٤٦) عن السدي مرسلا وفيه «رجل من بني المغيرة» بدل «خالد بن الوليد» وهذا ضعيف لإرساله، والسدي ذو مناكير. وذكره الواحدي في «أسباب النزول» (١٨٥) بدون إسناد بهذا اللفظ والمرفوع منه أصله في الصحيح، وسيأتي.
«أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِي مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل [١]، وربا الجاهلية موضوعة كُلِّهَا، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهَا موضوعة كلّها».
ع «٣٣٤» وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي أَرْبَعَةِ إخوة من ثقيف [وهم] [٢] : مسعود وعبدياليل وَحَبِيبٍ وَرَبِيعَةَ، وَهُمْ بَنُو عَمْرِو بن عميرة بْنِ عَوْفٍ الثَّقَفِيِّ، كَانُوا يُدَايِنُونَ بَنِي الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ مَخْزُومٍ، وَكَانُوا يرابون فَلَمَّا ظَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الطَّائِفِ أَسْلَمَ هَؤُلَاءِ الْإِخْوَةُ فَطَلَبُوا رِبَاهُمْ مِنْ بَنِي الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ بَنُو الْمُغِيرَةِ:
وَاللَّهِ مَا نُعْطِي الرِّبَا فِي الْإِسْلَامِ وَقَدْ وَضَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ، وَكَانَ عَامِلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَكَّةَ، فَكَتَبَ عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِصَّةِ الْفَرِيقَيْنِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَالًا عَظِيمًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨).
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٧٩ الى ٢٨٠]
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠)
. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا، أَيْ: إِذَا لَمْ تَذَرُوَا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا، فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَعَاصِمٌ بِرِوَايَةِ أبي بكر «فآذنوا» فالمدّ، عَلَى وَزْنِ آمِنُوا، أَيْ: فَأَعْلِمُوا غَيْرَكُمْ أَنَّكُمْ حَرْبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وأصله من الأذن، [أي: وقعوا فِي الْآذَانِ] [٣]، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ فَأْذَنُوا مَقْصُورًا بِفَتْحِ الذَّالِ، أَيْ:
فَاعْلَمُوا أَنْتُمْ وَأَيْقِنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ ورسوله، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُقَالُ لِآكِلِ الرِّبَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: خُذْ سِلَاحَكَ لِلْحَرْبِ، قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: حَرْبُ اللَّهِ النَّارُ، وَحَرْبُ رَسُولِ اللَّهِ السَّيْفُ، وَإِنْ تُبْتُمْ، أَيْ: تَرَكْتُمُ اسْتِحْلَالَ الرِّبَا وَرَجَعْتُمْ عنه، فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ، بِطَلَبِ الزِّيَادَةِ وَلا تُظْلَمُونَ، بِالنُّقْصَانِ عَنْ رَأْسِ المال، فَلَمَّا نَزَلَتْ [هَذِهِ] [٤] الْآيَةُ قَالَ بَنُو عَمْرٍو الثَّقَفِيِّ وَمَنْ كَانَ يُعَامِلُ بِالرِّبَا مِنْ غَيْرِهِمْ] [٥] : بَلْ نَتُوبُ إِلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَدَانِ لَنَا بِحَرْبِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَرَضُوا بِرَأْسِ الْمَالِ فَشَكَا بَنُو الْمُغِيرَةِ الْعُسْرَةَ، وَقَالُوا: أَخِّرُونَا إِلَى أَنْ تُدْرَكَ الْغَلَّاتُ فَأَبَوْا أَنْ يؤخروا، فأنزل الله تعالى:
وذكره ابن حجر في «المطالب العالية» (٣٥٣٧) ونقل الشيخ الأعظمي، عن البوصيري تضعيفه للكلبي! مع أنه متروك متهم.
- وأخرجه الطبري ٦٢٥٧ عن ابن جريج بنحوه وأتم وورد عن عكرمة مع أثر ابن جريج عند الطبري، فلعل هذه الروايات تتأيد بمجموعها والله تعالى أعلم، وانظر «فتح الباري» (٤/ ٣١٣- ٣١٤).
(١) في المطبوع «فقتله هزيل».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيد في المطبوع وط. لكن لفظ ط «أي أوقعوا في الآذان».
(٤) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٥) ما بين المعقوفتين في المخطوط [والمربون].
«٣٣٥» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَخْبَرَنَا أَبُو الطِّيبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمِيكَالِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْنِ عَبْدَانَ [٢] الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو بْنِ السَّرْحِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وهب عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أيوب عَنْ يَحْيَى بْنِ [أَبِي] [٣] كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ رَجُلًا بِحَقٍّ فَاخْتَبَأَ مِنْهُ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: الْعُسْرَةُ، فَاسْتَحْلَفَهُ عَلَى ذَلِكَ فَحَلَفَ فَدَعَا بِصَكِّهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أنظر معسرا أو وضع له [٤] أَنْجَاهُ اللَّهُ مِنْ كَرْبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
«٣٣٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ محمد السمعاني [٥]، أخبرنا أبو جعفر
(٢) في الأصل «عيدان» وهو تصحيف.
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(٤) في المطبوع «ووضع عنه» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».
(٥) وقع في النسخ «بن سمعان» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب» للسمعاني.
٣٣٥- إسناده صحيح على شرط مسلم، ابن وهب هو عبد الله، أيوب هو ابن أبي تميمة.
وهو في «شرح السنة» (٢١٣١) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ١٥٦٣ من طريق أبي الطاهر أحمد بن عمرو بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم أيضا ١٥٦٣ ح ٣٢ من طريق حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ به بنحوه.
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (٤٥٨٩) مقتصرا على اللفظ المرفوع من طريق إسماعيل بن عيّاش، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عن أبيه، عن أبي قتادة وجابر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «من سره أن ينجيه اللَّهُ مِنْ كَرْبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وأن يظله تحت عرشه فلينظر معسرا».
- وله شاهد من حديث أبي اليسر كعب بن عمرو بن عباد أخرجه مسلم ٣٠٠٦ وابن حبان ٥٠٤٤ والطبراني ١٩/ ٣٧٩ والحاكم ٢/ ٢٨ والبيهقي ٥/ ٣٥٧ من طريق حاتم بن إسماعيل، عن يعقوب بن مجاهد، عن عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحيّ... فذكره.
- وللمرفوع منه شواهد كثيرة: منها حديث أبي هريرة أخرجه مسلم ٢٦٩٩ وأبو داود ٤٩٤٦ والترمذي ١٩٣٠ وابن ماجه ٢٢٥ و٢٤١٧ وابن أبي شيبة ٩/ ٨٥- ٨٦ وأحمد ٢/ ٢٥٢ وابن حبان ٥٠٤٥ والقضاعي ٤٥٨.
- ومن حديث بريدة عند ابن ماجه ٢٤١٨ وأحمد ٥/ ٣٥١ والحاكم ٢/ ٢٩ والبيهقي في «الشعب» ١١٢٦١.
٣٣٦- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم. إسرائيل هو ابن يونس السّبيعي، منصور هو ابن المعتمر، وربعي هو ابن حراش وأبو مسعود هو البدري اسمه عقبة بن عمرو مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» (٢١٣٣) بهذا الإسناد.
«٣٣٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا زَائِدَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ أَبِي الْيُسْرِ، قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ [٦] عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلّا ظلّه».
ألا تحدثنا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:.... فذكره بنحوه.
وكذا أخرجه مسلم ١٥٦٠ من طريق ربعي بن حراش. قال: اجتمع حذيفة أبو مسعود فقال حذيفة:... فذكر الحديث بنحوه وفي آخره قال أبو مسعود: هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم يقول.
- وأخرجه مسلم ١٥٦١ والترمذي ١٣٠٧ وأحمد ٤/ ١٢٠ وابن حبان ٥٠٤٧ والطبراني ١٧/ ٥٣٧ والبيهقي ٥/ ٣٥٦ من طرق، عن أبي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وائل، عن أبي مسعود بنحوه.
- وأخرجه مسلم ١٥٦٠ ح ٢٦ والبيهقي في «الشعب» (١١٢٤٧) من طريق منصور، عن ربعي أن حذيفة حدثهم...
فذكره بهذا اللفظ.
- وفي الباب من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري ٣٤٨٠ ومسلم ١٥٦٢ والطيالسي ٢٥١٤ وأحمد ٢/ ٢٣٩ من طريق الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة.... فذكره.
وأخرجه النسائي ٧/ ٣١٨ وابن حبان ٥٠٤٣ وأحمد ٢/ ٣٦١ والحاكم ٢/ ٢٨ من طريق الليث بن سعد، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.
(١) وقع في النسخ «ابن» والتصويب من «شرح السنة» وكتب الحديث.
(٢) في الأصل وسائر النسخ «لتعلقت» وهو تصحيف.
(٣) تصحف في المطبوع «علمت».
(٤) زيد في المخطوط «الله»، وليس في نسخ المطبوع و «شرح السنة» و «صحيح مسلم».
(٥) في المطبوع «المعسر». [.....]
(٦) كذا في النسخ و «شرح السنة». وفي المخطوط «وسع».
٣٣٧- إسناده صحيح، حميد بن زنجويه ثقة، ومن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري، أحمد بن عبد الله هو ابن يونس التميمي، زائدة هو ابن قدامة، ربعي هو ابن حراش.
- وهو في «شرح السنة» (٢١٣٥) بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٣/ ٤٢٧ والطبراني في «الكبير» (١٩/ (٣٧٢) والقضاعي في «الشهاب» (٤٦٠) من طريق زائدة بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن ماجه ٢٤١٩ وأحمد ٣/ ٤٢٧ والطبراني ١٩/ (٣٧٣) و (٣٧٤) و (٣٧٥) و (٣٧٦) والقضاعي ٤٦١ من طرق عن أبي اليسر.
- وأخرجه مسلم ٣٠٠٦ والطبراني ١٩/ ٣٧٩) في أثناء حديث مطول، وانظر التعليق على الحديث المتقدم برقم: ٣٣٥.
فصل «في الدّين وحسن قضائه وتشديد أمره»
«٣٣٨» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ كَهَيْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بِمِنًى يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَجُلًا تَقَاضَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: «دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا، وَاشْتَرُوا لَهُ بَعِيرًا فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ»، قَالُوا: لَا نَجِدُ إِلَّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ: «اشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ، فإن خيركم [١] أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً».
«٣٣٩» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ».
«٣٤٠» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أخبرنا أبو العباس
- وهو في «شرح السنة» (٢١٣٠) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» برقم (٢٣٩٠) بهذا الإسناد.
- وأخرجه القضاعي ٩٨٤ من طريق مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مُحَمَّدِ بن إسماعيل البخاري، عن محمد بن مقاتل، عن ابن المبارك، عن شعبة به.
- وأخرجه البخاري ٢٣٠٥ و٢٣٠٦ و٢٣٩٢ و٢٣٩٣ و٢٤٠١ و٢٦٠٦ ومسلم ١٦٠١ والترمذي ١٣٣١ وأحمد ٢/ ٤١٦ و٤٥٦ من طرق من حديث أبي هريرة.
٣٣٩- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو الزناد اسمه عبد الله بن ذكوان، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
- وهو في «شرح السنة» (٢١٤٥) بهذا الإسناد.
- وأخرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (٢/ ٦٧٤) بهذا الإسناد.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٢٢٨٧ ومسلم ٢٢٨٧ ومسلم ١٥٦٤ وأبو داود ٣٣٤٥ والنسائي ٧/ ٣١٧ وأحمد ٢/ ٣٧٩- ٣٨٠ و٤٦٥ وابن حبان ٥٠٥٣ و٥٠٩٠ والطحاوي في «المشكل» (٤/ ٨) والبيهقي ٦/ ٧٠.
- وأخرجه الترمذي ١٣٠٨ وابن ماجه ٢٤٠٣ وعبد الرزاق في «المصنف» (١٥٣٥٦) وأحمد ٢/ ٤٦٣ والطحاوي ١/ ٤١٤ وابن الجارود ٥٦٠ والبيهقي ٦/ ٧٠ من طرق عن أبي الزناد به.
- وأخرجه ابن أبي شيبة ٧/ ٧٩ والبخاري ٢٢٨٨ من طريق عبد الله بن ذكوان، عن الأعرج به.
- وأخرجه البخاري ٢٤٠٠ ومسلم ١٥٦٤ وعبد الرزاق ١٥٣٥٥ وأحمد ٢/ ٢٦٠ والقضاعي ٤٣ والبيهقي ٦/ ٧٠ من طرق عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة به.
٣٤٠- حديث صحيح. إسناده حسن لأجل عمر بن أبي سلمة، وقد توبع، وباقي رجال الإسناد رجال البخاري ومسلم، والشافعي فمن دونه ثقات، وقد توبعوا، أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عون، مشهور بكنيته.
(١) في المطبوع «خياركم».
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ».
«٣٤١» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ [٢] أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ [قَالَ] [٣] :
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ»، فَلَمَّا أَدْبَرَ نَادَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ أَمَرَ بِهِ، فَنُودِيَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«كَيْفَ قُلْتَ» ؟ فَأَعَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ إِلَّا الدَّيْنَ، كَذَلِكَ قَالَ جبريل».
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٨١]
وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٨١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ، قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ بِفَتْحِ التَّاءِ، أَيْ: تَصِيرُونَ إِلَى اللَّهِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ، أَيْ: تُرَدُّونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.
- أخرجه المصنف من طريق الشافعي وهو في «مسنده» (٢/ ١٩٠) وسقط منه قوله «حتى يقضى».
ومن طريق الشافعي أخرجه البيهقي ٦/ ٤٩ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ١٠٧٩ وابن ماجه ٢٤١٣ والطيالسي ٢٣٩٠ وأحمد ٢/ ٤٤٠ و٤٧٥ والدارمي ٢/ ٢٦٢ والبيهقي ٦/ ٧٦ من طرق عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عمر بن أبي سلمة به.
وحسّن إسناده المصنف في «شرح السنة» وقال الترمذي: هذا حديث حسن اهـ.
- وأخرجه الترمذي ١٠٧٨ والحاكم ٢/ ٢٦ و٢٧ والبيهقي ٦/ ٧٦ من طرق عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أبي سلمة به وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبي.
- وأخرجه ابن حبان ٣٠٦١ من طريق عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزهري، عن أبي سلمة به، وإسناده صحيح.
الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه، وفي الباب أحاديث.
٣٤١- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (٢١٣٧) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (٢/ ٤٦١) ومن طريق مالك أخرجه النسائي ٦/ ٣٤ وابن حبان ٤٦٥٤.
- وأخرجه مسلم ١٨٨٥ والترمذي ١٧١٢ والنسائي ٦/ ٣٤- ٣٥ من طريق قتيبة عن اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سعيد المقبري به.
- وأخرجه مسلم ١٨٨٥ وابن أبي شيبة ٥/ ٣١٠ من طريق يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد به.
- وأخرجه مسلم ١٨٨٥ والنسائي ٦/ ٣٥ وسعيد بن منصور في «سننه» ٢٥٥٣ عن محمد بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن أبي قتادة به.
(١) في الأصل «سعيد» وهو تصحيف والتصويب من «شرح السنة» وكتب الحديث.
(٢) في المطبوع «السرخسي» والمثبت عن «شرح السنة».
(٣) زيادة عن المخطوط.
ع «٣٤٣» قَالَ الشَّعْبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةُ الرِّبَا.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٨٢]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٨٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ الرِّبَا أَبَاحَ السَّلَمَ، وَقَالَ: أَشْهَدُ أن السّلم [٣] الْمَضْمُونَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وأذن فيه، ثم قرأ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَاكْتُبُوهُ، قَوْلُهُ: إِذا تَدايَنْتُمْ، أَيْ: تَعَامَلْتُمْ بِالدَّيْنِ، يُقَالُ: دَايَنَتْهُ إِذَا عَامَلَتْهُ بِالدَّيْنِ، وَإِنَّمَا قَالَ بِدَيْنٍ بعد قوله: إِذا تَدايَنْتُمْ لِأَنَّ الْمُدَايَنَةَ قَدْ تَكُونُ مجازاة، و [قد] [٤] تَكُونُ مُعَاطَاةً فَقَيَّدَهُ بِالدَّيْنِ لِيَعْرِفَ الْمُرَادَ مِنَ اللَّفْظِ، وَقِيلَ ذَكَرَهُ تَأْكِيدًا [كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ] [٥] [الْأَنْعَامِ: ٣٨]، إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، الْأَجَلُ: مُدَّةٌ مَعْلُومَةُ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ، وَالْأَجَلُ يَلْزَمُ فِي الثَّمَنِ والبيع [٦] [و] [٧] في السَّلَمِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ الطَّلَبُ قَبْلَ مَحَلِّهِ، وَفِي الْقَرْضِ لَا يَلْزَمُ الْأَجَلُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَاكْتُبُوهُ، أَيِ:
اكْتُبُوا الَّذِي تَدَايَنْتُمْ بِهِ بَيْعًا كَانَ أَوْ سَلَمًا أَوْ قَرْضًا، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْكِتَابَةِ فَقَالَ بعضهم: هي واجبة،
٣٤٣- ع صحيح. أخرجه البخاري ٤٥٤٤، عن عاصم، عن الشعبي به وأخرجه النسائي في «التفسير» (٧٧)، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به.
(١) لفظ «له» زيد في نسخ المطبوع. [.....]
(٢) في المخطوط «أحد».
(٣) كذا في المطبوع وتفسير الواحدي، وفي المخطوط وط «السلف» وكلاهما بمعنى واحد.
(٤) في المخطوط وط «قال» والمثبت أقرب للسياق.
(٥) زيادة عن المخطوط وط.
(٦) في المطبوع «المبيع».
(٧) زيادة عن المخطوط وط.
فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ [البقرة: ٢٨٣]، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، ثُمَّ بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ الْكِتَابَةِ فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ، أَيْ: لِيَكْتُبْ كِتَابَ الدَّيْنِ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ، أَيْ: بِالْحَقِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَلَا تَقْدِيمِ أَجْلٍ وَلَا تأخيره، وَلا يَأْبَ، أَيْ: لَا يَمْتَنِعُ، كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ، وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْكَاتِبِ وَتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّاهِدِ [١]، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى وُجُوبِهَا إِذَا طُولِبَ، وَهُوَ قول مجاهد، وقال الحسن: يجب إِذَا لَمْ يَكُنْ كَاتِبٌ غَيْرُهُ، وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَتْ عَزِيمَةً [٢] وَاجِبَةً عَلَى الْكَاتِبِ وَالشَّاهِدِ، فَنَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ، كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ، أَيْ: كَمَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَأَمَرَهُ، فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ، يَعْنِي: الْمَطْلُوبُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِلِسَانِهِ لِيَعْلَمَ مَا عَلَيْهِ، وَالْإِمْلَالُ وَالْإِمْلَاءُ لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ جَاءَ بِهِمَا الْقُرْآنُ، فَالْإِمْلَالُ هَاهُنَا [٣]، وَالْإِمْلَاءُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الْفُرْقَانِ: ٥]، وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ، يعني: المملي، وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً، أَيْ: لا يَنْقُصْ مِنْهُ أَيْ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ شَيْئًا، فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً، أَيْ:
جَاهِلًا بِالْإِمْلَاءِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: طِفْلًا صَغِيرًا، وَقَالَ الشافعي: السفيه المبذر المفسد لما له أَوْ فِي دِينِهِ، قَوْلُهُ: أَوْ ضَعِيفاً، أَيْ: شَيْخًا كَبِيرًا، وَقِيلَ: هُوَ ضَعِيفُ الْعَقْلِ لِعَتَهٍ أَوْ جُنُونٍ، أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ، لِخَرَسٍ أَوْ عَيٍّ [٤] أَوْ عُجْمَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ غيبة لا يمكنه حضور الكتابة [٥] أَوْ جَهْلٌ بِمَا لَهُ وَعَلَيْهِ، فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ، أَيْ: قَيِّمُهُ، بِالْعَدْلِ، أَيْ: بِالصِّدْقِ وَالْحَقِّ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُقَاتِلٌ: أَرَادَ بِالْوَلِيِّ صَاحِبَ الْحَقِّ، يَعْنِي: إِنْ عَجَزَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ من الإملال فيملل وَلِيُّ الْحَقِّ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ بِالْعَدْلِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِّهِ [٦]، وَاسْتَشْهِدُوا، أَيْ: وَأَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ، أَيْ: شَاهِدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ، يَعْنِي: الْأَحْرَارَ الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ [وَالْكُفَّارِ] [٧]، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَجَازَ شُرَيْحٌ وَابْنُ سِيرِينَ شَهَادَةَ الْعَبِيدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ، أَيْ: لَمْ يَكُنِ الشَّاهِدَانِ رَجُلَيْنِ، فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ، أَيْ: فَلْيَشْهَدْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَأَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْأَمْوَالِ حتى يثبت بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يجوز شهادتين مَعَ الرِّجَالِ فِي غَيْرِ الْعُقُوبَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَذَهَبُ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَالِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِرَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى أَنَّ مَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ النِّسَاءُ غَالِبًا كَالْوِلَادَةِ وَالرَّضَاعِ وَالثُّيُوبَةِ وَالْبَكَارَةِ وَنَحْوِهَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رجل وامرأتين، وشهادة أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ غَيْرُ جَائِزَةٍ فِي العقوبات. قوله
(٢) تصحف في المطبوع إلى «غريمة».
(٣) في المطبوع «هنا».
(٤) في المطبوع «عمى» وهو تصحيف. والمثبت عن المخطوط وط وتفسير الواحدي (١/ ٤٠٣).
(٥) في المطبوع «حصول الكتابة».
(٦) في المطبوع «بالحق».
(٧) زيادة عن المخطوط وط.
«٣٤٤» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بن الحسين الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بن محمد بن سراج
- وهو في «شرح السّنة» (٢٥٠٤) بهذا اللفظ وقال: هذا حديث غريب، ويزيد بن زياد الدمشقي منكر الحديث، وزاد بعضهم «ولا مجلود حدا».
- وأخرجه الترمذي ٢٢٩٨ عن قتيبة، عن مروان الفزاري به.
وأخرجه الدارقطني ٤/ ٢٤٤ والبيهقي ١٠/ ١٥٥ من طريق يزيد بن زياد به قال الترمذي: فيه يزيد بن زياد الدمشقي يضعف اهـ.
وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن عائشة قال: في إسناده يحيى بن سعيد الفارسي متروك اهـ.
وأورده ابن أبي حاتم في «العلل» (١٤٢٨) وقال: فسمعت أبا زرعة يقول: هذا حديث منكر ولم يقرأ علينا اهـ.
- قلت: ويشهد لبعضه حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن جده بلفظ «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خائنة، ولا زان ولا زانية، وَلَا ذِي غَمْرٍ عَلَى أَخِيهِ».
- أخرجه أبو داود ٣٦٠٠ و٣٦٠١ وأحمد ٢/ ٢٠٤ و٢٢٥ و٢٢٦ والدارقطني ٤/ ٢٤٣ و٢٤٤ والبيهقي ١٠/ ٢٠٠ والبغوي في «شرح السنة» (٢٥٠٥) وفيه سليمان بن موسى، وهو صدوق، وقد توبع على عمرو فقد أخرجه ابن ماجه ٢٣٦٦ وأحمد ٢/ ٢٠٨ والبيهقي ١٠/ ٢٠٠.
- وجاء في «تلخيص الحبير» (٤/ ١٩٨ و١٩٩) ما ملخصه: حديث عمرو بن شعيب سنده قوي وحديث عائشة فيه يزيد بن زياد الشامي ضعيف، وقال الترمذي: لا يصح عندنا إسناده.
وقال أبو زرعة في «العلل» منكر وضعفه عبد الحق وابن حزم وابن الجوزي، ورواه الدارقطني والبيهقي مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو، وفيه عبد الأعلى، وهو ضعيف، وشيخه يحيى بن سعيد الفارسي ضعيف. قال البيهقي: لا يصح [.....]
(١) في المطبوع «عند».
(٢) في المخطوط «عدوه».
(٣) كذا في المطبوع وط. وفي المخطوط «إذا شهد» بدل «يشهد».
«لا يجوز شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا ذِي غَمْرٍ [٤] عَلَى أَخِيهِ وَلَا ظَنِينٍ [٥] فِي وَلَاءٍ وَلَا قَرَابَةٍ، وَلَا الْقَانِعِ مَعَ أَهْلِ الْبَيْتِ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما، قَرَأَ حَمْزَةُ أَنْ تَضِلَّ بِكَسْرِ الْأَلِفِ، فَتُذَكِّرَ بِرَفْعِ الرَّاءِ، وَمَعْنَاهُ الْجَزَاءُ وَالِابْتِدَاءُ، وَمَوْضِعُ تَضِلَّ جَزْمٌ بالجزاء، إلّا أنه لا نسق بالتضعيف فَتُذَكِّرَ رُفِعَ، لِأَنَّ مَا بَعْدَ فَاءِ الْجَزَاءِ مُبْتَدَأٌ، وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِفَتْحِ الْأَلِفِ وَنَصْبِ الرَّاءِ عَلَى الاتّصال بالكلام الأوّل، وتَضِلَّ مَحَلُّهُ نَصْبٌ بِأَنْ فَتُذَكِّرَ مَنْسُوقٌ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ كَيْ تُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى، وَمَعْنَى «تضل» تَنْسَى، يُرِيدُ إِذَا نَسِيَتْ إِحْدَاهُمَا شَهَادَتَهَا تُذَكِّرُهَا الْأُخْرَى، فَتَقُولُ: أَلَسْنَا حَضَرْنَا مَجْلِسَ كَذَا وَسَمِعْنَا كَذَا؟ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ فَتُذَكِّرَ مُخَفَّفًا، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ مُشَدَّدًا «وذكر» و «اذكر» بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُمَا مُتَعَدِّيَانِ، مِنَ الذِّكْرِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النِّسْيَانِ، وَحُكِيَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مِنَ الذِّكْرِ أَيْ: تَجْعَلُ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ذِكْرًا، أَيْ: تَصِيرُ شَهَادَتُهُمَا كَشَهَادَةِ ذِكْرٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى النِّسْيَانِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا مَا دُعُوا، قِيلَ: أَرَادَ بِهِ إِذَا مَا دُعُوا لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةَ، سَمَّاهُمْ شُهَدَاءَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ يَكُونُونَ شُهَدَاءَ، وَهُوَ أَمْرُ إِيجَابٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَقَالَ قَوْمٌ: تَجِبُ الْإِجَابَةُ إِذَا لَمْ يكن غيرهم، فإن وجد غيرهم فهم مخيّرون [٦]، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ أَمْرُ نَدْبٍ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا فِي إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا، فَمَعْنَى الْآيَةِ: وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ الَّتِي تَحَمَّلُوهَا، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: الشَّاهِدُ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَشْهَدْ، وَقَالَ الْحَسَنُ: الْآيَةُ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فِي التَّحَمُّلِ والإقامة إذا كان فازعا وَلا تَسْئَمُوا، أَيْ: وَلَا تَمَلُّوا أَنْ تَكْتُبُوهُ، الهاء رَاجِعَةٌ إِلَى الْحَقِّ، صَغِيراً، كَانَ الْحَقُّ، أَوْ كَبِيراً، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، إِلى أَجَلِهِ، إِلَى مَحَلِّ الْحَقِّ، ذلِكُمْ، أَيِ: الْكِتَابُ، أَقْسَطُ: أَعْدَلُ عِنْدَ اللَّهِ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِهِ، وَاتِّبَاعُ أَمْرِهِ أَعْدَلُ مِنْ تَرْكِهِ، وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُذَكِّرُ الشُّهُودَ، وَأَدْنى: وَأَحْرَى وَأَقْرَبُ إِلَى [٧]، أَلَّا تَرْتابُوا: تَشُكُّوا فِي الشَّهَادَةِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً، قرأها عَاصِمٌ بِالنَّصْبِ عَلَى خَبَرِ كَانَ وأضمر الاسم مجازا [٨] إِلَّا أَنْ تَكُونَ التِّجَارَةُ تِجَارَةً أَوِ الْمُبَايَعَةُ تِجَارَةً، وَقَرَأَ [٩] الْبَاقُونَ بالرفع، وله
- وورد موقوفا على عمر في كتابه إلى أبي موسى وفيه: «... المسلمون عدول، بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد، أو مجربا في شهادة زور، أو ظنينا في ولاء أو قربة... ».
أخرجه البيهقي ١٠/ ١٥٥ وقال: وهذا إنما أراد به قبل أن يتوب، فقد روينا عنه أنه قال لأبي بكرة رحمه الله: تب تقبل شهادتك، وهذا المراد بما عسى يصح فيه من الأخبار.
(١) وقع في الأصل «القطان» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب» للسمعاني.
(٢) في الأصل «الملكي» والتصويب من كتب التراجم.
(٣) في المطبوع «الحيرة».
(٤) الغمر: الحقد.
(٥) الظنين: المتهم.
(٦) في المخطوط هذه اللفظة وما قبلها بصيغة الإفراد.
(٧) لفظ «إلى» ليس في المخطوط.
(٨) في نسخة- ط «مجازه».
(٩) في المطبوع «قرأهما».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ. هَذَا نَهْيٌ لِلْغَائِبِ [٢]، وَأَصْلُهُ: يُضَارِرْ، فَأُدْغِمَتْ إِحْدَى الرّاءين فِي الْأُخْرَى وَنُصِبَتْ لِحَقِّ التَّضْعِيفِ لِاجْتِمَاعِ [٣] السَّاكِنَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَصْلُهُ يُضَارِرْ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى، وَجَعْلِ الْفِعْلِ لِلْكَاتِبِ والشهيد، معناه: [و] لا يضارر الْكَاتِبُ فَيَأْبَى أَنْ يَكْتُبَ وَلَا الشَّهِيدُ فَيَأْبَى أَنْ يَشْهَدَ، وَلَا يُضَارَّ الْكَاتِبُ فَيَزِيدُ أَوْ يَنْقُصُ أَوْ يُحَرِّفُ مَا أُمْلِيَ [٤] عَلَيْهِ وَلَا الشَّهِيدُ فَيَشْهَدُ بِمَا لَمْ يستشهد عليه، وهذا قول طاوس وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ. وَقَالَ قَوْمٌ: أَصْلُهُ يُضَارَرْ [٥] بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ، وَجَعَلُوا الْكَاتِبَ وَالشَّهِيدَ مَفْعُولَيْنِ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَدْعُوَ الرَّجُلُ الْكَاتِبَ أَوِ الشَّاهِدَ وَهُمَا عَلَى شُغْلٍ مُهِمٍّ فَيَقُولَانِ: نَحْنُ عَلَى شُغْلٍ مُهِمٍّ فَاطْلُبْ غَيْرَنَا، فَيَقُولُ الدَّاعِي: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمَا أَنْ تُجِيبَا وَيَلِحَّ عَلَيْهِمَا فَيَشْغَلُهُمَا عَنْ حَاجَتِهِمَا فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَرَ بِطَلَبِ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ تَفْعَلُوا مَا نَهَيْتُكُمْ عنه من الضّرار، فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ، أَيْ: مَعْصِيَةٌ وَخُرُوجٌ عَنِ الْأَمْرِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٨٣]
وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣)
وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ. وَأَبُو عَمْرٍو «فَرُهُنٌ» بِضَمِّ الْهَاءِ وَالرَّاءِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ فَرِهانٌ وَهُوَ جَمْعُ: رَهْنٍ، مِثْلُ: بَغْلٍ وَبِغَالٍ وَجَبَلٍ وَجِبَالٍ [٦]، وَالرُّهُنُ: جَمْعُ الرِّهَانِ [٧] : جَمْعُ الْجَمْعِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَالْكِسَائِيُّ، وَقَالَ أبو عبيدة وَغَيْرُهُ: هُوَ جَمْعُ الرَّهْنِ أَيْضًا مِثْلُ: سَقْفٍ وَسُقُفٍ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَإِنَّمَا قَرَأْنَا «فَرُهُنٌ» لِيَكُونَ فرقا بينها [٨] وَبَيْنَ رِهَانِ الْخَيْلِ، وَقَرَأَ [٩] عِكْرِمَةُ:
«رهن» بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ، وَالتَّخْفِيفُ وَالتَّثْقِيلُ فِي الرُّهْنِ لُغَتَانِ، مِثْلُ: كُتْبٍ وَكُتُبٍ وَرُسْلٍ وَرُسُلٍ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ ولم تجدوا [آلات الكتابة] [١٠] فَارْتَهِنُوا مِمَّنْ تُدَايِنُونَهُ رُهُونًا لِتَكُونَ وثيقة بِأَمْوَالِكُمْ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْقَبْضِ، وَقَوْلُهُ: فرهن مَقْبُوضَةٌ، أَيِ: ارْتَهِنُوا وَاقْبِضُوا حَتَّى
(٣) في المطبوع وحده «لالتقاء».
(٤) في المخطوط «يتلى».
(٥) في المطبوع «يضار».
(٦) في المخطوط «حبل وحبال».
(٧) كذا في المطبوع ونسخة- ط. وفي المخطوط «رهان» وفي العبارة بعض الغموض وعبارة «البحر المحيط» وقرأ الجمهور «فرهان» جمع رهن، نحو: كعب وكعاب، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو «فرهن» بضم الراء والهاء، وروي عنهما تسكين الهاء، وقرأ بكل واحدة منهما جماعة غيرهما فقيل: هو جمع رهان، ورهان جمع رهن قاله الكسائي والفراء.
(٨) في المطبوع «بينهما».
(٩) في المطبوع «وقال».
(١٠) العبارة في المطبوع «كاتبا الآن».
ع «٣٤٥» وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ أَبِي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَلَا عِنْدَ عَدَمِ كَاتِبٍ.
فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَفِي [حَرْفِ أُبَيٍّ] [١] «فَإِنِ ائْتَمَنَ»، يَعْنِي: فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَمِينًا عِنْدَ صَاحِبِ الْحَقِّ فَلَمْ يَرْتَهِنْ مِنْهُ شَيْئًا لِحُسْنِ ظَنِّهِ بِهِ، فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ، أَيْ: فَلْيَقْضِهِ [٢] عَلَى الْأَمَانَةِ، وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ فِي أَدَاءِ الْحَقِّ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى خِطَابِ الشُّهُودِ فقال: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ، إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى إِقَامَتِهَا نَهَى عَنْ كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ وَأَوْعَدَ عَلَيْهِ فَقَالَ: وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ، أَيْ:
فاجر قلبه، قيل: ما وعد عَلَى شَيْءٍ كَإِيعَادِهِ عَلَى كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ، قَالَ: فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَأَرَادَ بِهِ مَسْخَ الْقَلْبِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من بيان الشهادة وكتمانها، عَلِيمٌ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٨٤]
لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤)
لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، مُلْكًا وَأَهْلُهَا [٣] [لَهُ عَبِيدٌ وَهُوَ مَالِكُهُمْ] [٤]، وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ خَاصَّةٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ خُصُوصِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مُتَّصِلَةٌ بِالْآيَةِ الْأُولَى نَزَلَتْ فِي كِتْمَانِ الشهادة، معناه: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أيها الشهود من كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ أَوْ تُخْفُوا الْكِتْمَانَ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَعِكْرِمَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فيمن يتولّى الكافرين من [٥] دُونَ الْمُؤْمِنِينَ، يَعْنِي: وَإِنْ تُعْلِنُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ وِلَايَةِ الكفار أو تسرّوه يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ، وَهُوَ قَوْلُ مُقَاتِلٍ، كَمَا ذَكَرَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:
٢٨] إِلَى أَنْ قَالَ: قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ [آلِ عِمْرَانَ: ٢٩]، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهَا، فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِالْآيَةِ الَّتِي بعدها، والدليل عليه ما:
فقد ورد من حديث أنس دون ذكر «أبي الشحم» أخرجه البخاري ٢٠٦٩ و٢٥٠٨ والترمذي ١٢١٥ والنسائي ٧/ ٢٨٨ وابن ماجه ٢٤٣٧ وأحمد ٣/ ١٣٣ وأبو يعلى ٣٠٦١ وابن حبان ٥٩٣٧ والبيهقي ٦/ ٣٦ و٣٧.
- وكذا ورد من حديث عائشة أخرجه البخاري ٢٢٠٠ و٢٢٥١ و٢٥١٣ و٢٩١٦ و٤٤٦٧ ومسلم ١٦٠٣ والنسائي ٧/ ٢٨٨ وابن ماجه ٢٤٣٦ وعبد الرزاق ١٤٠٩٤ وابن أبي شيبة ٦/ ١٦ وأحمد ٦/ ٤٢ وابن حبان ٥٩٣٦ وابن الجارود ٦٦٤ والبيهقي ٦/ ٣٦ والبغوي في «شرح السنة» (٢١٢٢ و٢١٢٣).
(١) سقط من المخطوط، والمراد بقوله: حرف. أي قراءة.
(٢) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «فليقبضه».
(٣) في المخطوط «خلقا».
(٤) زيد في المطبوع وط.
(٥) كذا في المطبوع، ولفظ «دون» ليس في المخطوط.
ولفظ «من» ليس في- ط. [.....]
لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ الْآيَةَ، قال: اشتدّ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَوْا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ فَقَالُوا:- أي: لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- كُلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالْجِهَادُ وَالصَّدَقَةُ، وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»، فَلَمَّا قَرَأَهَا [٣] الْقَوْمُ وَذَلَّتْ [٤] بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَثَرِهَا آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥)، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّهُ فأنزل اللَّهُ:
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا، قَالَ: «نَعَمْ»، رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا، قَالَ: «نَعَمْ»، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا مَا لَا طاقَةَ لَنا بِهِ، قَالَ: «نَعَمْ»، وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ، قال: «نعم».
ع «٣٤٧» وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ فِي كُلِّ ذَلِكَ: «قَدْ فَعَلْتُ» بَدَلَ قَوْلِهِ «نَعَمْ»، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ] [٥]، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَقَتَادَةُ وَالْكَلْبِيُّ.
«٣٤٨» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يوسف الأصفهاني،
- أخرجه المصنف من طريق مسلم وهو في «صحيحه» (١٢٥) بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو عوانة ١/ ٧٦ وابن حبان ١٣٩ من طريق محمد بن المنهال بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو عوانة ١/ ٧٦ و٧٧ وأحمد ٢/ ٤١٢ الطبري ٦٤٥٣ من طرق عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ به.
٣٤٧- ع صحيح. أخرجه مسلم ١٢٦ والترمذي ٢٩٩٢ والنسائي في «الكبرى» (١١٠٥٩) وأحمد ١/ ٢٣٣ والطبري ٦٤٥٤ والواحدي في «أسباب النزول» (١٨٨) وابن حبان ٥٠٦٩ والحاكم ٢/ ٢٨٦ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ص (٢١٠- ٢١١) من طرق عن وكيع، عن سفيان، عن آدم بن سليمان، عن سعيد بن جبير به.
٣٤٨- حديث صحيح، القاسم بن الحكم العرني، صدوق فيه لين، وقد توبع هو ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، قتادة هو ابن دعامة.
- وهو في «شرح السنة» (٥٧) بهذا الإسناد.
(١) في الأصل «الحاج» وهو تصحيف.
(٢) في المطبوع «قال» والمثبت عن المخطوط و «صحيح مسلم».
(٣) كذا في المطبوع والمخطوط، وفي «صحيح مسلم» «اقترأها».
(٤) تصحف في المخطوط إلى «زلت».
(٥) ما بين المعقوفتين ليس في المخطوط، وهو في المطبوع عقب ذكر ابن عباس وهو بالتثنية «رضي الله عنهما» والمثبت عن- ط.
«إنّ الله تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ أَنْفُسُهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ [٣] أَوْ تَعْمَلْ [٤] بِهِ».
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْآيَةُ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَرِدُ عَلَى الْإِخْبَارِ، إِنَّمَا يَرِدُ عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَقَوْلُهُ: يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ خَبَرٌ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ النَّسْخُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهَا فَقَالَ قَوْمٌ: قَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْقَلْبِ كَسْبًا فَقَالَ: بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [الْبَقَرَةِ: ٢٢٥]، فَلَيْسَ لِلَّهِ عَبْدٌ أَسَرَّ عَمَلًا أو أعلنه من حركة في [٥] جوارحه أو همّة [٦] في قلبه إلا يجزه [٧] اللَّهُ بِهِ وَيُحَاسِبُهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يغفر بما يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ بِمَا يَشَاءُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْحَسَنِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا [الْإِسْرَاءِ:
٣٦]، وَقَالَ الْآخَرُونَ: مَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحَاسِبُ خَلْقَهُ بِجَمِيعِ مَا أَبْدَوْا مِنْ أَعْمَالِهِمْ أَوْ أَخْفَوْهُ وَيُعَاقِبُهُمْ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ مُعَاقَبَتَهُ عَلَى مَا أخفوه مما لم يعملوه [٨] بِمَا يَحْدُثُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ النَّوَائِبِ وَالْمَصَائِبِ، وَالْأُمُورِ الَّتِي يحزنون عليها.
ع «٣٤٩» وَهَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ:
«يَا عَائِشَةُ هَذِهِ مُعَاتَبَةُ اللَّهِ الْعَبْدَ بِمَا يُصِيبُهُ مِنَ الْحُمَّى وَالنَّكْبَةِ حَتَّى الشوكة [يشاكها] [٩] وَالْبِضَاعَةِ يَضَعُهَا فِي كُمِّهِ فَيَفْقِدُهَا فيفزع [١٠] لها [فيجدها في جيبه] [١١]، حَتَّى إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كَمَا يَخْرُجُ التِّبْرُ الْأَحْمَرُ من الكير».
وأخرجه البخاري ٥٢٦٩ ومسلم ١٢٧ وأبو داود ٢٢٠٩ والترمذي ١١٨٣ والنسائي ٦/ ١٥٦ و١٥٧ وابن ماجه ٢٠٤٠ والطيالسي ٢٤٥٩ وأحمد ٢/ ٢٥٥ و٣٩٣ و٤٢٥ و٤٧٤ و٤٨١ و٤٩١ وابن حبان ٤٣٣٤ و٤٣٣٥ والبيهقي ٧/ ٢٩٨ من طرق عن قتادة به.
٣٤٩- ع ضعيف. أخرجه الترمذي ٢٩٩١ والطيالسي ١٥٨٤ وأحمد ٦/ ٢١٨ والطبري ٦٤٩٢ والبيهقي ٩٨٠٩ من طرق عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ علي بن زيد، عن أمية بنت عبد الله، عن عائشة به.
قال الترمذي: حسن غريب اهـ.
- قلت: وإسناده ضعيف لضعف عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ روى مناكير كثيرة وقد ضعفه الحافظ ابن كثير في «تفسيره» (١/ ٣٤٨) لأجله، وذكر أنه يغرب، وقال الحافظ في التقريب في ترجمة ابن زيد: ضعيف.
(١) في الأصل «أبو القاسم بن الحكم المغربي» والتصويب من «شرح السنة» و «التقريب».
(٢) في الأصل «مسعد» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٣) في المطبوع «يتكلموا».
(٤) في المطبوع وحده «يعملوا». [.....]
(٥) في المطبوع وط «من».
(٦) في- ط- «همسة».
(٧) في المطبوع وط «يخبره».
(٨) في المخطوط وط «يعلموه».
(٩) زيادة عن المخطوط وحده.
(١٠) كذا في المطبوع والمخطوط، والمثبت عن كتب الحديث.
(١١) زيادة عن «سنن الترمذي» و «تفسير الطبري».
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ، يَعْنِي: مَا فِي قُلُوبِكُمْ مِمَّا عَزَمْتُمْ عَلَيْهِ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ، وَلَا تُبْدُوهُ وَأَنْتُمْ عَازِمُونَ عَلَيْهِ يُحَاسِبُكُمْ بِهِ اللَّهُ، فَأَمَّا مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُكُمْ مِمَّا لَمْ تَعْزِمُوا [عَلَيْهِ] [٣] فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها، وَلَا يُؤَاخِذُكُمْ بِهِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة: ٢٢٥]، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: قلت لسفيان: أيؤاخذ الله الْعَبْدُ بِالْهِمَّةِ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ عَزْمًا أُخِذَ بِهَا، وَقِيلَ مَعْنَى الْمُحَاسَبَةِ: الْإِخْبَارُ وَالتَّعْرِيفُ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَتَعْمَلُوا بِهِ أَوْ تُخْفُوهُ مِمَّا أَضْمَرْتُمْ وَنَوَيْتُمْ، يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ويخبركم بِهِ وَيُعَرِّفْكُمْ إِيَّاهُ [٤]، ثُمَّ يَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ إِظْهَارًا لِفَضْلِهِ، وَيُعَذِّبُ الْكَافِرِينَ إِظْهَارًا لِعَدْلِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الضَّحَّاكِ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ، وَلَمْ يَقُلْ:
يُؤَاخِذْكُمْ بِهِ، وَالْمُحَاسِبَةُ غَيْرُ الْمُؤَاخَذَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ ما:
- وهو في «شرح السنة» (١٤٢٩) بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٢٣٩٨ وابن ماجه ٤٠٣١ وأبو يعلى ٤٢٥٤ من طرق عن الليث بن سعد به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه اهـ.
- وله شاهد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المغفّل أخرجه ابن حبان ٢٩١١ والحاكم ١/ ٣٤٩ و٤/ ٣٧٦- ٣٧٧ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ص (١٥٣- ١٥٤) من طرق عن عفان، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ يونس بن عبيد، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن المغفّل.
ورجاله رجال مسلم لكن فيه عنعنة الحسن، لكن يصلح للاعتبار به.
وأخرجه أحمد ٤/ ٨٧ وأبو نعيم في «تاريخ أصبهان» (٢٠٠/ ٧٤) من طرق عن الحسن به.
وذكر الهيثمي في «المجمع» (١٠/ ١٩١) وقال: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح، وكذا أحد إسنادي الطبراني اهـ.
- ومن حديث عمار بن ياسر أخرجه الطبراني كما في «المجمع» (١٠/ ١٩٢) وقال الهيثمي: وإسناده جيد اهـ.
- ومن ابن عباس أخرجه الطبراني في «الكبير» (١١٨٤٢) وقال الهيثمي: وفيه عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عبيد الله العرزمي، وهو ضعيف اهـ.
- ومن حديث أبي تميمة الهجيمي أخرجه الطبراني في «الأوسط» (٥٣١١) وفي إسناده هشام بن لاحق، وهو ضعيف، لكن يصلح للاعتبار بحديثه.
الخلاصة: هو حديث حسن صحيح بمجموع شواهده، والله أعلم.
(١) في الأصل «الزياتي» وهو تصحيف والتصويب من «الأنساب» و «تهذيب الكمال» و «شرح السنة».
(٢) في الأصل «سعيد» وهو تصحيف والتصويب من «التقريب» و «شرح السنة».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المخطوط «به».
كُنْتُ آخِذًا بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النّجوى؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُدْنِي الْمُؤْمِنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فَيَقُولُ: أَيْ عَبْدِي! أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، أَيْ رَبِّ، ثُمَّ يقول: أَيْ عَبْدِي أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي [١] نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، قَالَ: فَإِنِّي سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَقَدْ غَفَرْتُهَا لَكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الكفار وَالْمُنَافِقُونَ [٢] فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ الله على الظالمين».
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ، رَفَعَ الرَّاءَ والباء أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ، وَجَزَمَهُمَا الْآخَرُونَ فَالرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْجَزْمُ عَلَى النَّسَقِ، رَوَى طاوس عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ عَلَى الذَّنَبِ الصَّغِيرِ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، وَاللَّهُ عَلَى كل شيء قدير.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٨٥]
آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: آمَنَ الرَّسُولُ، أَيْ: صَدَّقَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ، يَعْنِي:
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلِذَلِكَ وَحَّدَ الْفِعْلَ، وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، قرأ حمزة والكسائي «وكتابه» عَلَى الْوَاحِدِ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: [الْجَمْعُ وَإِنْ ذُكِرَ بِلَفْظِ التَّوْحِيدِ] [٣] كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ [الْبَقَرَةِ: ٢١٣]، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: وَكُتُبِهِ بِالْجَمْعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، فَنُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ كَمَا فَعَلَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فيه إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ: يَقُولُونَ [٤] لَا نُفَرِّقُ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ: «لَا يُفَرِّقُ» بِالْيَاءِ، فَيَكُونُ خَبَرًا عَنِ الرَّسُولِ، أَوْ معناه: لا يفرّق [بين] [٥] الْكُلُّ، وَإِنَّمَا قَالَ بَيْنَ أَحَدٍ وَلَمْ يَقُلْ بَيْنَ آحَادٍ، لِأَنَّ الأحد
- وهو في «شرح السنة» (٤٢١٥) بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٤٤١ وفي «خلق أفعال العباد» ص (٦٢) وابن حبان ٧٣٥٦ وابن أبي عاصم في «السنة» (٦٠٤) من طرق عن همام به.
- وأخرجه البخاري ٢٤٤١ و٤٦٨٥ و٦٠٧٠ و٧٥١٤ ومسلم ٢٧٦٨ وابن ماجه ١٨٣ وأحمد ٢/ ٧٤ و١٠٥ وابن حبان ٧٣٥٥ وابن أبي عاصم ٦٠٤ و٦٠٥ وابن مندة في «الإيمان» (٧٩٠ و١٠٧٧ و١٠٧٨ و١٠٧٩) والطبري ٦٤٩٧ و١٨٠٨٩ و١٨٠٩٠ والآجري في «الشريعة» ص (٢٦٨) والبيهقي في «الأسماء والصفات» ص (٢١٩- ٢٢٠) من طرق عن قتادة به.
(١) لفظ «في» ليس في «شرح السنة». [.....]
(٢) في المطبوع «الكافر والمنافق».
(٣) العبارة في المخطوط «الإفراد وإن ذكر بلفظ الجمع».
(٤) في المخطوط «وقالوا».
(٥) زيادة عن المخطوط.
ع «٣٥٢» روي عن حكيم بن [١] جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَّتِكَ، فَسَلْ تُعْطَهُ، فَسَأَلَ بِتَلْقِينِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ: غُفْرانَكَ.
وَهُوَ نَصْبٌ [٢] عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيِ: اغْفِرْ غُفْرَانَكَ، [أو على المفعول به] [٣]، أي: نَسْأَلُكَ غُفْرَانَكَ، رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٨٦]
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا مَا لَا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٨٦)
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها، ظَاهِرُ الْآيَةِ قَضَاءُ الْحَاجَةِ [٤]، وَفِيهَا إِضْمَارُ السُّؤَالِ كَأَنَّهُ قَالَ:
وَقَالُوا لَا تُكَلِّفُنَا إِلَّا وُسْعَنَا، فأجاب [٥] : لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها، أَيْ: طَاقَتَهَا، وَالْوُسْعُ: اسْمٌ لِمَا يَسَعُ الْإِنْسَانَ، وَلَا يُضَيِّقُ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَذَهَبَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَطَاءٌ وَأَكْثَرُ [٦] الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ حَدِيثَ النَّفْسِ الَّذِي ذكر في قوله: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ خَاصَّةً وَسَّعَ عَلَيْهِمْ أَمْرَ دِينِهِمْ وَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ فِيهِ إِلَّا مَا يَسْتَطِيعُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [الْبَقَرَةِ:
١٨٥]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الْحَجِّ: ٧٨]، وَسُئِلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها، قَالَ: إِلَّا يُسْرَهَا وَلَمْ يُكَلِّفْهَا فَوْقَ طَاقَتِهَا، وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، لِأَنَّ الْوُسْعَ مَا دُونُ الطَّاقَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: لَها مَا كَسَبَتْ، أَيْ: لِلنَّفْسِ مَا عَمِلَتْ مِنَ الْخَيْرِ لَهَا أَجْرُهُ وَثَوَابُهُ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ مِنَ الشَّرِّ وَعَلَيْهَا وِزْرُهُ رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا، أَيْ: لَا تُعَاقِبْنَا إِنْ نَسِينا، جَعَلَهُ بَعْضُهُمْ مِنَ النِّسْيَانِ الَّذِي هُوَ السَّهْوُ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا نَسُوا شَيْئًا مِمَّا أُمِرُوا به أو أخطؤوا عُجِّلَتْ لَهُمُ الْعُقُوبَةُ فَحُرِّمَ عَلَيْهِمْ شَيْءٍ مِنْ مَطْعَمٍ أَوْ مَشْرَبٍ عَلَى حَسْبِ ذَلِكَ الذَّنْبِ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْأَلُوهُ تَرْكَ مُؤَاخَذَتِهِمْ بِذَلِكَ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ النِّسْيَانِ الَّذِي هُوَ التَّرْكُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التَّوْبَةِ: ٦٧]، قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ أَخْطَأْنا، قِيلَ: مَعْنَاهُ الْقَصْدُ وَالْعَمْدُ، يُقَالُ: أَخْطَأَ فُلَانٌ إِذَا تَعَمَّدَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً [الْإِسْرَاءِ: ٣]، قَالَ عَطَاءٌ: إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا يَعْنِي: إِنْ جَهِلْنَا أَوْ تَعَمَّدْنَا، وَجَعَلَهُ الْأَكْثَرُونَ: مِنَ الْخَطَإِ الَّذِي هُوَ الْجَهْلُ وَالسَّهْوُ، لِأَنَّ مَا كَانَ عَمْدًا مِنَ الذَّنْبِ فَغَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ بَلْ هُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ، والخطأ معفوّ عنه.
(١) وقع في الأصل «عن» والتصويب عن «تفسير الطبري» و «الدر المنثور» و «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٣/ ٢٠١).
(٢) في المخطوط «منصوب».
(٣) سقط من المخطوط.
(٤) في المطبوع وحده «لحاجته».
(٥) في المطبوع وط «وأجاب». وزيد فيهما عقبه «أي».
(٦) في المخطوط «وكثير من».
قال البوصيري في «الزوائد» : إسناده صحيح إن سلم من الانقطاع والظاهر أنه منقطع بدليل زيادة عبيد بن عمير في الطريق الثاني اهـ ومراده الرواية الآتية.
- فقد أخرجه الطحاوي في «المعاني» (٣/ ٩٥) وابن حبان ٧٢١٩ والدارقطني ٤/ ١٧٠- ١٧١ والطبراني في «الصغير» (٧٦٥) والحاكم ٢/ ١٩٨ ح ٢٨٠١ والبيهقي ٧/ ٣٥٦ من طريق بشر بن بكر، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن ابن عباس مرفوعا به صححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي، وفيه نظر فإن بشر بن بكر من رجال البخاري فقط، وتابعه أيوب بن سويد عند الحاكم، وهو متروك، وهذا الإسناد ظاهره الصحة لكن قدح فيه أبو حاتم في «العلل» (١٢٩٦) وقد سأله ابنه محمد، عن حديث رواه الوليد، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس، ورواه الوليد، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر. وعن موسى بن وردان، عن عقبة بن عامر. فقال أبو حاتم: هذه أحاديث منكرة كأنها موضوعة لم يسمع الأوزاعي هذا الحديث، من عطاء، وإنما سمعه من رجل لم يسمّه أتوهم أنه عبد الله بن عامر أو إسماعيل بن مسلم، ولا يصح هذا الحديث، ولا يثبت إسناده اهـ.
وقد أبطله الإمام أحمد كما سيأتي.
- وله شواهد واهية فقد أخرجه ابن ماجه ٤٠٤٣ من حديث أبي ذر وأعله البوصيري بأبي بكر الهذلي وقال: متفق على تضعيفه.
قلت: وله علة ثانية: وهي ضعف أيوب بن سويد، وعلة ثالثة: وهي شهر بن حوشب مدلس، وقد عنعن والظاهر أنه منقطع بينه وبين أبي ذر، فإن أبا ذر قديم الوفاة.
- وورد من حديث عقبة بن عامر أخرجه الطبراني ١٨/ ٢١٦ والبيهقي في «السنن» (٧/ ٣٥٧) وقال الهيثمي في «المجمع» (١٠٥٠٢) : فيه ابن لهيعة، وحديثه حسن وفيه ضعف!.
قلت: بل هو ضعيف، وعنعنه الوليد بن مسلم، وهو يدلس التسوية، وقد أنكر حديثه هذا أبو حاتم كما تقدم آنفا.
- وورد من حديث ابن عمر أخرجه الطبراني في «الأوسط» كما في «المجمع» (٦/ ٢٥٠ ح ١٠٥٠٦) وأبو نعيم في «الحلية» (٦/ ٣٥٢) والعقيلي ٤/ ١٤٥/ ١٧١٠ وقال الهيثمي: فيه محمد بن المصفّى، وثقه أبو حاتم وغيره، وفيه كلام لا يضر اهـ.
والظاهر أنه إسناد مركب، فإن الوليد قال فيه: حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، وهذا إسناد كالشمس لو صح عن مالك، وقد أنكره أبو حاتم كما تقدم آنفا وقال البيهقي: ليس بمحفوظ وقال الخطيب الخبر منكر عن مالك اهـ.
- وورد من حديث أبي الدرداء أخرجه ابن عدي ٣/ ٣٢٥ والطبراني كما في «نصب الراية» (٢/ ٦٥) وفيه أبو بكر الهذلي متروك الحديث وإسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن غير الشاميين وهذا عن غير الشاميين.
- وورد من حديث أبي بكرة أخرجه ابن عدي ٢/ ٥٠ وأعله بجعفر بن جسر بن فرقد ثم قال: ولعل ما أنكرت عليه من الأسانيد والمتون، لعل ذلك من قبل أبيه، وقد ضعّف أباه بعض المتقدمين اهـ.
- وجاء في «تلخيص الحبير» (١/ ٢٨١) ما ملخصه: حسنه النووي، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن هذه الأحاديث، فقال: هذه أحاديث منكرة، كأنها موضوعة.
وقال عبد الله بن أحمد في «العلل» سألت أبي عنه فأنكره جدا، وقال: ليس يروى هذا إلا عن الحسن مرسلا.
ونقل الخلال عن أحمد قوله: من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوع فقد خالف كتاب الله عز وجل والسنة، فقد أوجب الله في قتل الخطأ الكفارة.
وقال محمد بن نصر المروزي في «كتاب الاختلاف» يروى هذا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا أنه ليس له إسناد جيد يحتج بمثله اهـ.
وانظر «تفسير ابن كثير» بتخريجي عند هذه الآية.
وخلاصة: القول أنه ضعيف، والمتن مضطرب ولو ثبت هذا الحديث لما خلا من الكتب الأصول، حيث لم يرد في شيء من
٨١]، أَيْ: عَهْدِي، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: لَا تُشَدِّدْ وَلَا تُغْلِظِ الْأَمْرَ عَلَيْنَا كَمَا شَدَدْتَ عَلَى مَنْ قَبِلْنَا مِنَ الْيَهُودِ، وَذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلَاةً وَأَمَرَهُمْ بِأَدَاءِ رُبْعِ أَمْوَالِهِمْ فِي [١] الزَّكَاةِ وَمَنْ أَصَابَ ثَوْبَهُ نَجَاسَةٌ قَطَعَهَا، وَمَنْ أَصَابَ ذنبا أصبح ذنبه مكتوبا عَلَى بَابِهِ، وَنَحْوَهَا مِنَ الْأَثْقَالِ وَالْأَغْلَالِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ عُثْمَانَ وَعَطَاءٍ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَجَمَاعَةٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ [الْأَعْرَافِ: ١٥٧]، وَقِيلَ: الْإِصْرُ ذَنْبٌ لَا تَوْبَةَ لَهُ، مَعْنَاهُ: اعْصِمْنَا مِنْ مِثْلِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْعَقْلُ [٢] وَالْإِحْكَامُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا مَا لَا طاقَةَ لَنا بِهِ، أَيْ: لَا تُكَلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا لَا نُطِيقُهُ، وَقِيلَ: هُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ وَالْوَسْوَسَةِ، حُكِيَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ الْغُلْمَةُ، [قِيلَ: الْغُلْمَةُ شِدَّةُ الشَّهْوَةِ] [٣]، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: هُوَ الْحُبُّ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الوهّاب قال: [هو] الْعِشْقُ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هُوَ مَسْخُ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، وَقِيلَ: هُوَ شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ الْفُرْقَةُ وَالْقَطِيعَةُ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاعْفُ عَنَّا، أَيْ: تَجَاوَزْ وَامْحُ عَنَّا ذُنُوبَنَا، وَاغْفِرْ لَنا: اسْتُرْ عَلَيْنَا ذُنُوبَنَا وَلَا تَفْضَحْنَا وَارْحَمْنا فَإِنَّنَا لَا نَنَالُ الْعَمَلَ إِلَّا بِطَاعَتِكَ وَلَا نَتْرُكُ مَعْصِيَتَكَ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ، أَنْتَ مَوْلانا نَاصِرُنَا وَحَافَظُنَا وَوَلِيُّنَا، فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ.
ع «٣٥٤» رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: غُفْرانَكَ رَبَّنا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»، وَفِي قَوْلِهِ: لَا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا، قال: «لا أؤاخذكم»، رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً قَالَ: «لَا أَحْمِلُ عَلَيْكُمْ إِصْرًا»، وَلا تُحَمِّلْنا مَا لَا طاقَةَ لَنا بِهِ قَالَ: «لَا أُحَمِّلُكُمْ»، وَاعْفُ عَنَّا إلى آخرها، قال: «عَفَوْتُ عَنْكُمْ وَغَفَرْتُ لَكُمْ وَرَحِمْتُكُمْ وَنَصَرْتُكُمْ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ».
وَكَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ إِذَا خَتَمَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، قَالَ: آمِينَ.
«٣٥٥» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا محمد بن عيسى الجلودي
٣٥٤- حسن. أخرجه الطبري ٦٥٣١ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذه الآية آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ قَالَ: قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا انْتَهَى إلى قوله (غفرانك ربنا) قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «قَدْ غفرت لكم... »
فذكره وفي إسناده عطاء بن السائب، صدوق لكن اختلط، وقد توبع، فقد أخرجه الطبري ٦٥٣٤ من وجه آخر عن ابن عباس، وله شاهد من مرسل السدي، أخرجه برقم ٦٥٣٣، ولأصله شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه برقم ٦٥٣٥ وانظر «تفسير ابن كثير» (١/ ٣٤٦- ٣٤٧- ٣٤٨). [.....]
٣٥٥- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو أسامة هو حماد بن أسامة، مرّة هو ابن شراحيل الهمداني، عَبْدَ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ.
- وهو في «شرح السنة» (٣٦٥٠) بهذا الإسناد.
(١) في المطبوع «من».
(٢) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «العقد».
(٣) زيد في المطبوع وط.
«لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ، فَيُقْبَضُ مِنْهَا وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ [بِهِ مِنْ] [٣] فَوْقَهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا قَالَ: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى (١٦)، قَالَ: فراش من ذهب، قال: فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ مِنْ أُمَّتِهِ [شَيْئًا مِنَ] [٤] الْمُقْحِمَاتِ [كَبَائِرِ الذنوب] [٥].
«٣٥٦» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الِاسْفَرَايِينِيُّ [٦] أَنَا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بن إسحاق الحافظ أنا يونس وأحمد بن شيبان [٧] قالا: ثنا سفيان بن عيينة عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أبي [٨] مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم:
«الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأهما في ليلة كفتاه»، [أي عن قيام الليل] [٩].
- وفي الباب من حديث ابن عباس أخرجه مسلم ٨٠٦ والنسائي ٢/ ١٣٨.
(١) في الأصل «مسعود» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج.
(٢) زيد في الأصل بعد لفظ- طلحة «بن علي» وهو إقحام من النساخ لذا حذفتها.
(٣) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
(٤) زيد في المطبوع وط، ولفظ «شيئا» مثبت في «شرح السنة» أيضا.
(٥) زيادة عن- ط- ونحوه في «شرح السنة» وأتم منه.
(٦) في الأصل «عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْإِسْفَرَايِنِيُّ» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٧) في الأصل «ثنان» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٨) في الأصل «ابن» وهو تصحيف.
(٩) زيد في المطبوع وحده. [.....]
٣٥٦- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، منصور هو ابن المعتمر، إبراهيم هو ابن يزيد النخعي، أبو مسعود هو عقبة بن عمرو.
- وهو في «شرح السنة» (١١٩٣) بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٥٠٠٩ والنسائي في «اليوم والليلة» (٧١٨) وأحمد ٤/ ١٢٢ وابن حبان ٧٨١ من طرق عن سفيان بن عيينة به.
- وأخرجه مسلم ٨٠٧ ح ٢٥٥ وأبو داود ١٣٩٧ والترمذي ٣٨٨١ والنسائي ٧١٩ وابن ماجه ١٣٦٩ والطيالسي ٢/ ١٠ وأحمد ٤/ ١٢١ والدارمي ١/ ٣٤٩ من طرق عن منصور به.
- وأخرجه البخاري ٥٠٠٨ ومسلم ٨٨ من طريق الأعمش بن إبراهيم به.
- وأخرجه البخاري ٥٠٤٠ ومسلم ٨٠٨ والنسائي ٧٢١ والطيالسي ٢/ ١٠ من طرق عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة وعبد الرحمن، عن أبي مسعود به.
- وأخرجه مسلم ٨٠٨ ح ٢٥٦ والنسائي ٧٢٠ وابن ماجه ١٣٦٨ وأحمد ٤/ ٢٢١ من طرق عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن، عن علقمة، عن أبي مسعود به.