ﰡ
فلولا أن العلم يرفع من الثرى إلى الثريا، لما عظم الهدهد بعد أن كان يود أن لو كان نسيا منسيا، فلا جرم أبدل له العقوبة بالإكرام النفيس، وأصبغ عليه خلع الرسالة على بلقيس. ( تنقيح الفصول. ن الذخيرة : ١/٤٢ ).
فلولا أن العلم يرفع من الثرى إلى الثريا، لما عظم الهدهد بعد أن كان يود أن لو كان نسيا منسيا، فلا جرم أبدل له العقوبة بالإكرام النفيس، وأصبغ عليه خلع الرسالة على بلقيس. ( تنقيح الفصول. ن الذخيرة : ١/٤٢ ).
فلولا أن العلم يرفع من الثرى إلى الثريا، لما عظم الهدهد بعد أن كان يود أن لو كان نسيا منسيا، فلا جرم أبدل له العقوبة بالإكرام النفيس، وأصبغ عليه خلع الرسالة على بلقيس. ( تنقيح الفصول. ن الذخيرة : ١/٤٢ ).
فيكون الواقع مخصصا لهذه الحقائق من حكم هذا العموم. ونعني بالواقع : أنا وجدنا الأمر على هذه الصورة. وليس ذلك بالعقل، فإن العقل يجوز أن يعطى هذه الأمور، ولا يجوز بالحس. فإن الحس لا مدخل له في الملك ولا في المِلك، فإنهما حكمان خفيان لا يدركان بالحس لأن مدركات الحواس الخمسة معلومة، وليست هذه الأمور منها. والمشاهدة في ذلك الوقت لا تفيدهما. فسمت العلماء ذلك : " التخصيص بالواقع ". ( العقد : ٢/١٩٨. و٢/٣٨٥. وشرح التنقيح : ٢٠٨ ).
٩٥٥- في هذه الآية من المسائل : كيف يصح هذا الحصر، وسلب علم الغيب عن كل أحد ؟ وأبو بكر الصديق رضي الله عنه يخبر عائشة رضي الله عنها بما في بطن امرأته في الحديث المشهور في الصدقة، فقال لها :
" كنت قد وهبتك جاد١ عشرين وسقا من تمر، فلو كنت حزتيه كان لك، وإنما هم أخواك وأختاك "، فقالت له : هذان أخواي تشير إلى عبد الرحمان ومحمد. فأين أختاي ؟ فإنها لم يكن لها يومئذ إلا أخت واحدة. فقال لها : " هي ذو بطن بنت خارجة " ٢ أي : صاحبة الحمل في البطن الآن. فأخر أن حمل امرأته أنثى، وهو من الغيب، وهو كثير للأنبياء والأولياء ونحن نعلم أمورا من الغيب، كغروب الشمس اليوم وطلوعها غدا... إلى غير ذلك من الغيب. وكذلك يقال من الغيب غيب يعلم وهو كثير وكيف يحكم بالسلب على من في السماوات والأرض ثم يستثنى الله تعالى، وهو تعالى لا يوصف لأنه في السماء على سبيل الحقيقة والإحاطة والمظروفية ؟ وكيف يكون الاستثناء متصلا حينئذ ؟
والجواب : أن المراد بالغيب الذي استأثر الله تعالى به واختص به، هو علم الغيب بغير سبب يوجب ذلك العلم. وأما علوم من عداه تعالى من خلقه إذا تعلقت بالغيب، فإنما ذلك بسبب من جهة إخبار الله تعالى، أو إخبار نبيه، أو جريان العوائد، أو قرائن الأحوال أو غير ذلك٣.
فلا تناقض بين حصر العلم بالغيب لله تعالى بغير سبب، وبين علم خلقه تعالى بكثير من المغيبات بأسباب تحصل لهم ذلك. وبهذا التقرير يظهر بطلان من يرد على المنجمين والرمليين بهذه الآية. فإن تلك الطوائف ما ادعوا علم الغيب بغير سبب، بل بأسباب هي النجوم، أو أشكال الرمل على زعمهم فلا ينبغي أن ترد عليهم بالآية، بل بالطريقة اللائقة بالرد عليهم.
وأما وجه تصحيح الاستثناء : فالذي كان يختاره الشيخ عز الدين بن عبد السلام رضي الله عنه أن لفظ " في " استعمل في حقيقته ومجازه، فيكون من باب التضمين، والله سبحانه وتعالى يصدق في حقه أنه في السماوات والأرض بعلمه، كما قال تعالى :﴿ وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ﴾٤ وقال تعالى :﴿ وما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم ﴾٥ فتصدق " في " وظرفيتها في حق الله تعالى بطريق المجاز، فإذا استعملت في حقيقتها ومجازها شملت ما يمكن أن يستثني الله تعالى بعد اندراجه فيما قبل " إلا ".
فهذا وجه تصحيح هذا الاستثناء، وهو من المشكلات، وقد أشكل على صاحب الكشاف مع تمكنه من هذا العلم. وكان الشيخ رحمه الله تعالى يلخصه على هذا الوجه. ( الاستغناء : ٣٤٦ إلى ٣٤٨ ).
٢ - خرجه مالك بلفظ آخر في الموطإ: ٥٣٣. ح: ٤٣٥. رواية يحيى..
٣ - قال القرافي في مكان آخر: "علم الصديق ذلك بسبب منام رآه، فلا تناقض" الذخيرة: ٦/٢٢٩ و١٠/٥٧..
٤ - سورة الخرف: ٨٤..
٥ - سورة المجادلة: ٧..