ﰡ
عليك ايها المستنشط القاصد لتبشير الحق وتيسيره ان تسمع نداء البشرية والتوفيق من ألسنة عموم رسل الله وكتبه فلك ان تقتفى اثر هؤلاء الكرام وتمتثل بما في كتاب الله العليم العلام من الأوامر والنواهي ومطلق الاحكام والعبر والتذكيرات الموردة فيه المتعلقة لتهذيب الظاهر والباطن عن الميل والإلحاد الى الأمور المؤدية الى إفساد العقائد والعناد فلك الفرار عن اصحاب الزيغ والضلال والانصراف عن مخالطتهم ومصاحبتهم في كل حال حتى تكون أنت من زمرة اصحاب اليمين المتنعمين في جنات النعيم لا من الضالين المكذبين في دركات الجحيم المعذبين بالعذاب الأليم. نسأل منك يا ذا القوة المتين الفوز بدرجات النعيم والعوذ عن دركات الجحيم يا من فضله عظيم وكرمه عميم ولطفه جسيم
[سورة التكوير]
فاتحة سورة التكوير
لا يخفى على المنكشفين بسطوة سلطنة جلال الله وقهره الغالب ان قيام الساعة ووقوع الطامة الكبرى التي انقهرت دونها نقوش السوى مطلقا في جنب القدرة الكاملة الإلهية انما هي في غاية اليسر والسهولة والمنكر المستبعد لها وللأمور الموعودة فيها مكابر لمقتضى عقله سيما بعد ورود الوحى الإلهي وبالجملة ليس انكار المنكر سيما بعد وضوح الآيات وسطوع البينات الا من اعتياده بمزخرفات الوهم والخيال اللذين هما من أقوى اسباب الكفر والضلال ومن خلص عن رقّية تينك القوتين ونجا عن غوائلها وتغريراتهما فقد جزم بعموم ما اخبر الحق به في هذه السورة بلا تردد وارتياب على الوجه الذي نص عليه سبحانه وفصله بعد التيمن بِسْمِ اللَّهِ المتجلى بعموم كمالاته في النشأتين الرَّحْمنِ في النشأة الاولى ببسط اظلاله على عموم الأشياء الرَّحِيمِ في النشأة الاخرى بقبضه الكل الى ما منه البداء
[الآيات]
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ يعنى إذا قامت القيامة ولاحت شمس الذات الاحدية عن مكمن العماء وغلبت نشأة اللاهوت على نشأة الناسوت قد كور الوجود الإضافي المنعكس من الوجود المطلق الإلهي المنبسط على صفائح مطلق العكوس والاظلال ولف وطوى بحيث لم يبق له اثر عن ظهور شمس الحقيقة الحقية
وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ يعنى قد انقضت واضمحلت حينئذ نجوم الهويات وهياكل الماهيات الحاصلة من الأوضاع والنسب والإضافات العدمية الاعتبارية المحضة لم يبق لها رسم واثر عند ظهور الهوية الذاتية الإلهية الحقية
وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ يعنى قد سارت وانقلعت وطارت عن أماكنها جبال الأنواع والأجناس الواقعة في عالم التعينات
وَإِذَا الْعِشارُ يعنى السحب الماطرة لمياه المعارف والحقائق الفائضة على أراضي الاستعدادات القابلة لها اللائقة لفيضانها قد عُطِّلَتْ وتركت لاضمحلال محالها وتلاشى قوابلها بانقضاء نشأة الاختبار
وَإِذَا الْوُحُوشُ اى النفوس المستوحشة الآبية الوحشية التائهة في بوادي الطبيعة وقفر الهيولى حُشِرَتْ وجمعت الى ما فيه انتشت وبدت
وَإِذَا الْبِحارُ اى البحار الحاصلة من اعتبارات الوجود وشئونه الكلية ظاهرا وباطنا غيبا وشهادة دنيا وعقبى قد سُجِّرَتْ جمعت وملئت واتحدت فصار بحر الوجود بحرا واحدا زخارا قهارا لا ساحل له أصلا ولا قعر له حقيقة
وَإِذَا النُّفُوسُ يعنى الأرواح
وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ اى أبكار المعاني والمعارف الإلهية المودعة المدفونة في أراضي الطبائع والأركان مع اتصافها بالحياة الازلية الابدية سئلت من سكان تلك البقاع عن احوال تلك المخدرات الحسان
بِأَيِّ ذَنْبٍ وجريمة قُتِلَتْ تركت ودفنت في أراضي الطبائع والأركان مع انها انما حييت وجبلت لكسب انواع الخيرات واقتراف اصناف السعادات والكرامات
وَإِذَا الصُّحُفُ اى صحائف تفاصيل الأعمال المشتملة على عموم الأماني والآمال المطوى فيها جميع الأحوال الصادرة من اصحاب الغفلة والضلال نُشِرَتْ قد فرقت وكشفت بين أصحابها
وَإِذَا السَّماءُ اى سماء الأسماء والصفات الإلهية المتجلية على شئون الظهور والنزول كُشِطَتْ طويت وأزيلت عن هذه الشئون الى شئون البطون والخفاء
وَإِذَا الْجَحِيمُ المعدة لأصحاب الغفلة والضلال التائهين في بوادي الجهالات بمتابعة اهويتهم وآرائهم الفاسدة العاطلة سُعِّرَتْ أوقدت وأحميت بنيران غضبهم وشهواتهم التي هم كانوا عليها في نشأة الاختبار
وَإِذَا الْجَنَّةُ المعدة لأرباب العناية والوصال المتصفين بالتقوى عن مطلق المحارم وبالامتثال بمقتضيات الأوامر والنواهي وعموم الاحكام الموردة في الكتب الإلهية المتعلقة بإرشادهم وتكميلهم أُزْلِفَتْ قربت وقرنت بهم بحيث قد فازوا بعموم ما وعدوا من قبل الحق
عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ يعنى قد علمت كل نفس من النفوس المودعة في هياكل الهويات لحكمة المعرفة والتوحيد أى شيء أحضرت عند الحساب عليها من الأمور المأمور بها حتى تجازى بها على مقتضاها وبعد ما عد سبحانه احوال القيامة وأهوالها أشار الى ما يدل على التأكيد والمبالغة في وقوعها
فَلا أُقْسِمُ اى لا حاجة الى القسم لإثبات هذه المذكورات إذ هي في غاية السهولة والظهور سيما عند القدرة الغالبة الإلهية بل اقسم بِالْخُنَّسِ اى بالنفوس الزكية عن لوث لوازم الناسوت الراجعة المقبلة نحو عالم اللاهوت وفناء حضرة الرحموت قبل قيام الساعة لصفاء مشربها ونظافة طينتها
الْجَوارِ الْكُنَّسِ اى النفوس القدسية الفائضة من المبدأ الفياض على الشطار الطائرين الى الله الطائفين حول بابه المختفين تحت قباب عزه وشمس ذاته بحيث لا يعرفهم احد سواه سبحانه
وَبحق اللَّيْلِ عالم العماء الإلهي والفضاء الصمداني المتعالي عن ادراك الشعور مطلقا إِذا عَسْعَسَ واقبل ظلامه واشتد بحيث قد اختفى واضمحل وبطن وغاب وشهد
وَبحق الصُّبْحِ اى عالم الجلاء والانجلاء المنعكس من تلك العماء اللاهوتى إِذا تَنَفَّسَ اى أضاء وأشرق على اهل الفناء الفانين عن الفناء المتعطشين لزلال البقاء الباقين تحت قباء العز الاحدى الصمدى
إِنَّهُ يعنى اقسم سبحانه بهذه المقسمات العظيمة ان القرآن الفارق بين الحق والباطل والهداية والضلال والسعادة والشقاوة لَقَوْلُ رَسُولٍ مرسل من قبل الله كَرِيمٍ متصف بأنواع الكرامة والامانة يعنى العقل المفاض المسمى بجبريل الأمين
ذِي قُوَّةٍ غالبة على تحمل الوحى الإلهي عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ العظيم المحيط بعروش عموم المظاهر مَكِينٍ ذي مرتبة سنية ومكانة عظيمة
مُطاعٍ ثَمَّ اى في عالم الأسماء والصفات إذ عموم المدارك والقوى تابعة مطيعة للعقل الكل الذي هو عبارة عن حضرة العلم المحيط الإلهي ولوح قضائه المحفوظ أَمِينٍ حفيظ على الوحى الإلهي بحيث لا يشذ عنه شيء من أوامره ونواهيه المأمور بها له
وَايضا اقسم سبحانه بتلك المقسمات العظام على انه ما صاحِبُكُمْ اى ليس نبيكم
وَكيف لا يكون صلّى الله عليه وسلّم في أعلى طبقات الإدراك والمعرفة لَقَدْ رَآهُ يعنى قد علم وعرف صلّى الله عليه وسلّم جبرائيل الذي هو العقل الكل بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ الذي هو حضرة العلم الإلهي ولوح قضائه
وَما هُوَ ﷺ عَلَى الْغَيْبِ الذي اطلعه الحق عليه من الحقائق والرموز والإشارات المتعلقة بتصفية الظاهر والباطن وتخلية السر والضمير عن الالتفات الى الغير مطلقا بِضَنِينٍ شحيح بخيل سيما بعد ما امره سبحانه بنشرها وتبليغها او ما هو صلّى الله عليه وسلّم على المغيبات التي نطق بها بمقتضى الوحى الإلهي والهامه بضنين متهم يتهمه احد وينسبه على الافتراء المستبعد عن علو شأنه وعن رفعة قدره ومكانه صلّى الله عليه وسلّم بمراحل
وَكذا ما هُوَ يعنى القرآن الذي هو صلّى الله عليه وسلّم تكلم به ونزل هو عليه صلّى الله عليه وسلم بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ اى ما هو شعر وكهانة ناشئة من شياطين الوهم والخيال كما زعمه اهل الزيغ والضلال المتردين في اودية الجهل والغفلة وهاوية العناد والجدال وبعد ما قد لاح عظم شأن القرآن ورفعة قدره وعلو مكانته
فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ تعدلون وتنصرفون عن جادة العدالة الإلهية المذكورة المبينة في هذا الكتاب المبين ايها الضالون المضلون
إِنْ هُوَ اى ما هذا القرآن العظيم إِلَّا ذِكْرٌ عظيم وعظة كبيرة لِلْعالَمِينَ اى بعموم من جبل على فطرة التذكير وقابلية الإرشاد والتكميل
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ اى عظة وتذكير لمن قصد الاستقامة على صراط العدالة الإلهية وتذكر به واتعظ بإرشاده وهدايته
وَغاية ما في الباب انه ما تَشاؤُنَ وتختارون طريق الهداية والرشاد لأنفسكم إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ لكم هدايتكم ويوفقكم على الاستقامة والرشاد عناية منه وفضلا إذ عموم أفعالكم وأحوالكم وأقوالكم انما هي مستندة الى الله صادرة منه سبحانه اصالة إذ هو سبحانه رَبُّ الْعالَمِينَ لا مربى في الوجود سواه ولا مدبر للعالم في الشهود الا هو ومقتضى تربيته وتكميله ارشاد عباده وتوفيقه الى ما هو أصلح لهم وأليق بحالهم. وفقنا بفضلك وجودك لما تحب وترضى عنا يا مولانا
خاتمة سورة التكوير
عليك ايها الطالب لتوفيق الحق وتربيته على الوجه الأصلح الأليق ان تفوض عموم أمورك وأعمالك واحوالك كلها الى مشيته وتسلمها اليه سبحانه طوعا ورغبة بلا توهم تخيير واختيار منك وارادة جزئية او كلية إذ ليس لك من الأمر شيء بل الأمور الجارية كلها لله وبمقتضى تقديره وقضائه وليس لك الا التسليم والرضاء بجميع ما جرى عليك من القضاء وإياك إياك الاغترار بالحياة الدنيا الغدارة وما فيها من المزخرفات الخداعة المكارة فإنها دار العبور والاعتبار لا منزل الاقامة والقرار واللائق بحال الفطن الزكي ان لا يتمكن فيها الا على وجه الضرورة والاضطرار لا على سبيل الرضاء والاختيار. جعلنا الله ممن تنبه لبطلان الدنيا الدنية وعموم ما فيها وتحقق عنده عدم ثباتها وقرارها بمنه وجوده