ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ﴾، قال المفسرون (٢): انفطارهَا: انشقاقها (٣)، كقوله: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ﴾ [المزمل: ١٨]، وقوله: {السَّمَاءُ(٢) قال بذلك اليزيدي في "غريب القرآن" ٤١٨، وابن قتيبه في: "تفسير غريب القرآن" ٥١٨، والفراء في "معاني القرآن" ٣/ ٢٤٢، والطبري في "جامع البيان" ٣٠/ ٨٥، والزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٩٥، والسجستاني في "نزهة القلوب" ١٣٥، والسمر قندي في "بحر العلوم" ٣/ ٤٥٤، والثعلبي في "الكشف والبيان" ج: ١٣: ٤٩/ أ.
وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٥٥، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٤٦، "نفس الصباح" ٢/ ٧٧٠، "زاد المسير" ٨/ ١٩٦، "التفسير الكبير" ٣١/ ٧٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٤٢، "لباب التأويل" ٤/ ٣٥٨، "تفسير غريب القرآن" ابن الملقن: ٥٣٤، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤١٣، "الدر المنثور" ٨/ ٤٣٨ عن السدي وعزاه إلى ابن المنذر، "تفسير السدي" ٤٧٣
وذكر الماوردي وجهًا آخر وهو: سقطت. انظر: "النكت والعيون" ٦/ ٢٢٠، والصحيح الأول لأن معنى الفطر لغة الشق انظر "الصحاح" ٢/ ٧٨١.
(٣) بياض في (ع).
قال الخليل: ولم يأت هذا على الفعل، إنما هو كقوله: مُرْضِعٌ، وحَامل، وحائض، ولو كان على الفعل لكان: منفطرة، كما قال: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ﴾ (١).
٣ - ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ﴾، فجرت بعضها في بعض، فصارت بحرًا واحدًا، واختلط العذب بالملح، (هذا قول جماعة المفسرين) (٢) (٣).
وقال الحسن (٤)، والضحاك (٥): فجرت فذهب مَاؤها ويبست.
٤ - ﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾، قال أبو عبيدة (٦)، (والمبرد) (٧) (٨): أثيرت
(٢) قال بذلك: ابن عباس، وقتادة. انظر "جامع البيان" ٣٠/ ٨٥، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥١٣، كما قال به: ابن قتيبه في "تفسير غرائب القرآن" ٥١٨، والزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٩٥، والسمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٤٥٤، والثعلبي في "الكشف والبيان" ج ١٣: ٤٩/ أ، وانظر:"معالم التنزيل" ٤/ ٤٥٥، "زاد المسير" ٨/ ١٩٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٤٢، "لباب التأويل" ٤/ ٣٥٨، "الدر المنثور" ٨/ ٤٣٨.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٤) ورد بنحو قوله في "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٥٥، "جامع البيان" ٣٠/ ٨٥، "الكشف والبيان" ج ١٣: ٤٩/ أ، "النكت والعيون" ٦/ ٢٢٠، "زاد المسير" ٨/ ١٩٦، "التفسير الكبير" ٣١/ ٧٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٤٢، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥١٣، "فتح القدير" ٥/ ٣٩٥، "تفسير الحسن البصري" ٤٠٣.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٨٨.
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٨) ساقط من (أ).
وقال الليث: بعثر يبعثر بعثرة إذا قلب التراب (٣).
قال ابن عباس (٤)، والكلبي (٥)، ومقاتل (٦): يريد عند البعث بحثت عن الموتى فأخرجوا منها (٧).
وقال أبو إسحاق: أي قلب ترابها وبُعث الموتى الذين فيها (٨).
٥ - (قوله تعالى) (٩): ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾، قال عكرمة: ما أدت إلى الله مما أمَرها به، ومَا ضيعت (١٠) مما أمرت به (١١).
(٢) في (ع): البعثرة والبحثرة.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بمثله من غير عزو في "فتح القدير" ٥/ ٣٩٥، وجاء في "لسان العرب" ٤/ ٧٢، بعثر: بعثرت الشيء فرَقه، وبعثر التراب والمتاع: قلبه.
(٤) ورد قوله مختصرًا في "جامع البيان" ٣٠/ ٨٥، "البحر المحيط" ٨/ ٤٣٦، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥١٣.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) في (أ): عنها.
(٨) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٩٥ بنصه.
(٩) ساقط من: ع.
(١٠) غير واضحة في (ع).
(١١) ورد معنى قوله في "جامع البيان" ٣٠/ ٨٦، "الكشف والبيان" ج ١٣: ٤٩/ أ، "الدر المنثور" ٨/ ٨٣٨ وعزاه إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر.
وهو قول (الكلبي (٢)، ومجاهد (٣)، وقتادة (٤)، وعطاء (٥)، والقرظي (٦) (٧).
وهذه الآية مفسرة في قوله [[ينبؤ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر]] [القيامة: ١٣].
٦ - (قوله) (٨): ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ﴾ (٩)، مخاطبة للكفار. لقوله: ﴿مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ (أي مَا خدعك، وسول إليك الباطل حتى أضعت ما وجب عليك) (١٠)
والمعنى: مَا الذي أمنك من عقابه، ويقال: غره بفلان، إذا أمنه المحذور من جهته وهو غير مأمون، وهذا كقوله ﴿وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [فاطر: ٥].
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٥٤، "جامع البيان" ٣٠/ ٨٦.
(٥) "جامع البيان" ٣٠/ ٨٦، "الدر المنثور" ٨/ ٤٣٩ وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) لم يذكر في (أ)، هؤلاء المفسرين ولكن ذكر بدلًا منهم كلمة مختصرة وهي: وهو قول جماعة.
(٨) ساقط من (أ).
(٩) ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾.
(١٠) ما بين القوسين نقله عن الزجاج انظر: "معاني القرآن وإعرابه" (٥/ ٢٩٥ بنحوه.
وقال الكلبي: نزلت في أبي الأشدين كَلَدة بن أسيد، وذلك أنه ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- (٣)، فلم يعاقبه الله وأنزل هذه الآية (٤).
يقول: مَا الذي غرك بربك الكريم المتجاوز عنك إذ لم يعاقبك عَاجلًا بكفرك.
وذكر المفسرون: الذي غره، فقال قتادة: غره العدو المسلط عليه، يعني الشيطان (٥).
وقال الربيع بن خيثم (٦): غره الجهل (٧)، وهو يروى مرفوعًا (٨).
(٢) ورد قوله في "التفسير الكبير" ٣١/ ٨٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٤٣، وعن عطاء في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٥٥، "زاد المسير" ٨/ ١٩٦.
(٣) في (ع): النبي -صلى الله عليه وسلم- ضرب.
(٤) "معالم التنزيل" ٤/ ٤٥٥، "التفسير الكبير" ٣١/ ٨٠، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥١٤. كما ورد بمعنى روايته عن مقاتل وابن عباس انظر: "بحر العلوم" ٣/ ٤٥٤، "النكت والعيون" ٤/ ٢٢١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٣٤٣، وعن عكرمة أنه قال نزلت في أُبي بن خلف.
انظر: "لباب النقول" ٢٢٧ وعزاه إلى ابن أبي حاتم، "الدر المنثور" ٨/ ٤٣٩ وعزاه إلى ابن المنذر.
(٥) ورد معنى قوله في "جامع البيان" ٣٠/ ٨٧، "الكشف والبيان" ج ١٣: ٤٩/ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٥٥، "التفسير الكبير" ٣١/ ٨١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٤٣، "البحر المحيط" ٨/ ٤٣٦، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥١٣، "فتح القدير" ٥/ ٣٩٥.
(٦) في (ع): خثيم.
(٧) "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥١٣، "الدر المنثور" ٨/ ٤٣٩ وعزاه إلى ابن أبي شيبة.
(٨) ذكر الحديث مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في "الكشف والبيان" ج ١٣/ ٤٩/ ب،=
﴿الَّذِي خَلَقَكَ﴾، قال (٢): أي من نطفة ولم تك شيئا، ثم سواك رجلًا تسمع وتبصر (٣).
وقوله (٤) (تعالى) (٥): ﴿فَعَدَلَكَ﴾، قال الفراء: جعلك معتدلًا، معدل (٦) الخلق (٧).
وقال أبو علي الفارسي: عَدّل خلقك فأخرجك في أحسن تقويم، وهيّأ فيك بلطفِ الخلقِة وتعديلها ما قَدَرْتَ به على مَا لم يقدرْ عليه غيرك (٨).
(١) لم أعثر على قوله في تفسيره، وإنما الذي ورد عنه في معنى الآية غره الشيطان: ٢٣١/ أ، وأما قوله المذكور في المتن فقد ورد في "الكشف والبيان" ج ١٣: ٤٩/ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٥٥، "التفسير الكبير" ٣١/ ٨١، "فتح القدير" ٥/ ٢٩٥.
(٢) أي مقاتل.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بمثله من غير عزو في "زاد المسير" ٨/ ١٩٧، "فتح القدير" ٥/ ٣٩٥.
(٤) في (أ): قوله.
(٥) ساقط من (ع).
(٦) في (أ): معتدل.
(٧) "معاني القرآن" ٣/ ٢٤٤ بنصه.
(٨) "الحجة" ٦/ ٣٨٢، وقوله هذا تفسيرًا لقراءة التشديد في "فَعدَّلك"، وقد قرأ بها ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، ويعقوب -انظر: الحجة المرجع السابق، "المبسوط" ٣٩٩، "النشر" ٢/ ٣٩٩.
وقال مقاتل: يريد (عدل) (٢) خلقك في العينين، والأذنين، واليدين، والرجلين، ولم يجعله كله واحدًا (٣).
وعلى هذا المعنى عدل بين ما خلق لك من الأعضاء التي في الإنسان منها اثنان.
وقرأ الكوفيون: "فعدلك" بالتخفيف (٤).
قال الفراء: ووجهه فصرفك (٥) إلى أي صورة شاء، قال: والتشديد أحسن الوجهين؛ لأنك تقول: عدلك إلى كذا، كما تقول: عدلك إلى كذا، ولا يحسن عدلتك فيه (٦)، ففي القراءة الأولى جعل "في" من قوله، ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ﴾ صلة للتركيب، وهو حسن.
وفي القراءة الثانية: جعل صلة لقوله: "فعدلك"، وهو ضعيف، هذا معنى كلامه (٧).
ونحو هذا ذكر أبو عبيد حجة لاختيار التشديد (٨).
(٢) ساقط من (أ).
(٣) ورد بنحو قوله في "التفسير الكبير" ٣١/ ٨١، "فتح القدير" ٥٠/ ٣٩٥، ولم أعثر على قوله في تفسيره والذي ورد عنه قوله: فقومك: ٢٣١/ أ.
(٤) قرأ بذلك: أبو جعفر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف، كتاب "السبعة" ٦٧٤، "الحجة" ٦/ ٣٨٢، "المبسوط" ٣٩٩، "النشر" ٢/ ٣٩٩.
(٥) في (أ): فنصرفك.
(٦) "معاني القرآن" ٣/ ٢٤٤ بتصرف.
(٧) في (أ): قوله.
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
٨ - وقوله (٤) (تعالى) (٥): ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾
قال مجاهد: في صورة أب، أو خال، أو عم (٦)، ويدل على صحة هذا ما روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (٧): "وإذا استقرت النطفة في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم" (٨).
(٢) "الحجة" ٦/ ٣٨٢.
(٣) في (ع): ما ألزم
(٤) في (أ): قوله.
(٥) ما بين القوسين ساقط من: ع.
(٦) "تفسير الإمام مجاهد" ٧١٠، "جامع البيان" ٣٠/ ٨٧، "الكشف والبيان" ج ١٣: ٥٠/ ب، "النكت والعيون" ٦/ ٢٢٢، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٥٦، وبمعناه في "زاد المسير" ٨/ ١٩٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٤٥، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥١٤، "الدر المنثور" ٨/ ٤٤٠ وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٧) ورد في نسخة (أ): "لا في أي شبه من أب أو أم أو خال أو عم إلا وعنه أنه قال -صلى الله عليه وسلم-". وأرى أن هذه العبارات خلط من الناسخ لذا لم أثبتها.
(٨) وردت الرواية كاملة عند الطبري بإسنادها قال: حدثني محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا مطهر بن الهيثم قال: ثنا موسى بن علي بن أبي رباح اللَّخمي قال: ثني أبي عن جدي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (ما وُلد لك؟ قال: يا رسول الله ما عسى أن يولد لي إما غلامًا، وإما جارية، قال: فمن يُشبِه قال: يا رسول الله من عسى أن يشبه؟ إما أباه، وإما أمه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عندها مَهْ، لا تقولن هكذا إن النُّطْفَةَ إذا استقرت في الرحم أحضر الله كل نسب بينها وبين آدم، أما قرأت هذه الآية في كتاب الله: ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾، قال: سلكك).
وقال (٣) أبو صالح (٤)، ومقاتل (٥): يقول إن شاء ركبك في غير صورة
وسند الحديث ضعيف، لوجود المطهر بن الهيثم الراوي عن موسى بن علي، والمطهر متروك، وبه أعله الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٤/ ١٣٥، قال: رواه الطبراني وفيه مطهر بن الهيثم وهو متروك.
وقال الحافظ ابن كثير: ٤/ ٥١٤: وهذا الحديث لو صح لكان فيصلًا في هذه الآية، ولكن إسناده ليس بالثابت؛ لأن مطهر بن الهيثم قال فيه أبو سعيد بن يونس: كان متروك الحديث، وقال ابن حبان عن موسى بن علي وغيره مالا يشبه حديث الأثبات. وانظر كتاب "المجروحين" لابن حبان: ٣/ ٢٦. نقلًا عن حاشية كتاب: "النكت والعيون" ٦/ ٢٢٢.
وقال ابن حجر: مطهَّر بتشديد الهاء المفتوحة ابن الهيثم بن الحجاج الطائي البصري، متروك. "تقريب التهذيب" ٢/ ٢٥٤، ت ١١٧٩.
(١) "معاني القرآن" ٣/ ٢٤٤.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٩٥ والنص للزجاج.
(٣) في (أ): قال.
(٤) ورد معنى قوله في "جامع البيان" ٣٠/ ٨٧، "الكشف والبيان" ج ١٣: ٥٠/ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٥٦، "التفسير الكبير" ٣١/ ٨٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٤٥، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥١٤، "الدر المنثور" ٨/ ٤٤٠ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، والرامهرمزي في: الأمثال.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢٣١/ أ، "زاد الميسر" ٨/ ١٩٧، "التفسير الكبير" ٣١/ ٨٢.
وعلى هذا يكون "مَا" في معنى الشرط، والجزاء، فيكون المعنى: في أي صورة مَا شاء أن يركبك فيها ركبك. ذكره أبو إسحاق (١).
٩ - فقال: ﴿كَلَّا﴾ (٢)، قال مقاتل: أي لا يؤمن هذا الإنسان (٣).
ثم قال: ﴿بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ﴾، يعني بالجزاء والحساب فيزعمون أنه غير (٤) كائن (٥).
ثم أعلم أن أعمالهم محفوظة عليهم فقال: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ﴾، أي من الملائكة يحفظون عليكم أعمالكم (٦).
١١ - ثم نعتهم فقال: ﴿كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾، قال الكلبي: يعني على
وقال الكرماني: وقول من قال "ما" شرط، و"في"، متصل بقوله: "ركبك" سهو، لأن ما يتعلق بالجزاء لا يتقدم على الشرط، وقول من قال: متصل بـ"فعدلك" سهو، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله فصح أن ما صله و"في" متصل بـ "ركبك". انظر: غرائب التفسير: ٢/ ١٣١٦.
(٢) ﴿كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩)﴾
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بمثله من غير عزو في "الوسيط" ٤/ ٤٣٧، "بحر العلوم" ٣/ ٤٥٥.
(٤) بياض في (ع).
(٥) بنحو هذا القول، قال مجاهد، وقتادة، وابن عباس، انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٨٨، "النكت والعيون" ٦/ ٢٢٣.
(٦) قال بذلك الطبري: "جامع البيان" ٣٠/ ٨٨، السمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٤٥٥، والثعلبي في "الكشف والبيان" ج ١٣: ٥٠/ ب، وانظر "معالم التنزيل" ٤/ ٤٥٦، "زاد المسير" ٨/ ١٩٨.
﴿كَاتِبِينَ﴾، يكتبون أعمال بني آدم.
١٢ - ﴿يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾، من خير أو شر فيكتبونه عليكم (٢).
١٣ - ﴿إِنَّ الْأَبْرَار﴾ (٣)، قال عطاء (٤) (٥)، ومقاتل (٦): يريد أولياء الله المطيعين في الدنيا.
﴿لَفِي نَعِيمٍ﴾ الجنة في الآخرة.
١٤ - ﴿وَإِنَّ الْفُجَّارَ﴾ يريد الذين كذبوا النبي-صلى الله عليه وسلم-.
﴿لَفِي جَحِيمٍ﴾ عظيم من النار.
١٥ - ﴿يَصْلَوْنَهَا﴾ (٧) يلزمونها (٨) مقاسين وهجها (٩).
﴿يَوْمَ الدِّينِ﴾ أي يوم الجزاء، وهو يوم القيامة.
١٧ - ثم عظم ذلك اليوم فقال: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ﴾.
(٢) قد استدل شارح الطحاوية بهذه الآية على أن الملائكة تكتب القول والفعل والنية لأنها فعل القلب.
(٣) ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ﴾.
(٤) غير واضحة في (ع).
(٥) "الوسيط" ٤/ ٤٣٨.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢٣١/ ب.
(٧) ﴿يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ﴾
(٨) اللام والزاي والميم أصل واحد صحيح يدل على مصاحبة الشيء، يقال: لَزِمه الشيء يَلْزَمُه واللِّزَام: العذاب الملازم للكفار، "مقاييس اللغة" ٥/ ٢٤٥: (الزم).
(٩) وَهَج: حَرّ النَّار، مختار "الصحاح" ٧٣٨: (وهج).
لم يَمْنَع الشُّرْبَ مِنَهم غَيْرَ أن نَطقَتَ | حَمَامَةٌ في غصُون ذاتِ أوْ قَالِ (٤) |
(٢) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب: "يومُ لا تملك" بضم الميم، ووافقهم ابن محيصن واليزيدي، وقرأ الباقون: "يومَ لا تملك" بفتح الميم.
انظر: "الحجة" ٦/ ٣٨٣، "الكشف عن وجوه القراءات السبع" ٢/ ٣٦٤، "تحبير التيسير" ١٩٨، "إتحاف فضلاء البشر" ٤٣٥.
(٣) الغير المتمكن هو المبني وهو خلاف المعرب وهو وصف للكلمة التي تلازم حالة واحدة ولا يتغير آخرها بتغير العامل السابق لها، "معجم المصطلحات النحوية والصرفية" ٢٧.
(٤) ورد البيت في: ديوان أبي قيس صيفي بن الأسلت الاوسي الجاهلي: ٨٥: تح: د. حسن جودة، و"الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين" ١/ ٢٨٧، واستشهد به سيبوبه في "كتابه": ٢/ ٣٢٩ وعزاه إلى الكناني، وقد شرحه البغدادي في "الخزانة" ٢/ ٤٥ وج ٣/ ١٤٤ - ١٥٢، ونسبه: لأبي قيس الأسلت، واستشهد به ابن هشام في "مغني اللبيب" ١/ ٢٦٨: ش ٢٦٠، و"الأمالي" لابن الشجري: ٤٦/ ١ وج ٢/ ٢٦٤، "شرح المفصل" لابن يعيش: ٣/ ٨٠ وج: ٨/ ١٣٥، "الهمع" ٣/ ٣٣٣: ش ٨٧٠، "الأصول في النحو" السراج: ١/ ٢٩٨ وانظر أيضًا: "لسان العرب" ١١/ ٧٣٤: (وقل)، "كتاب شرح أبيات سيبويه للنحاس": ١٤٧: ش ٥١٧، "التفسير الكبير" ٣١/ ٨٧، وفي جميعها برواية "منها" بدلًا من "منهم".
وذكر أبو علي وجهًا آخر للنصب وهو: أن اليوم لما جرى في أكثر الأمر ظرفًا ترك على مَا كان يكون عليه في أكثر أمره، والدليل على ذلك: ما اجتمع عليه القراء، والعرب في قولهم: ﴿مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ﴾ [الأعراف: ١٦٨]، ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الجن: ١١]، ولا يرفع ذلك أحد، ومما يقوى النصب قوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ﴾ [القارعة: ٣ - ٤] وقوله: ﴿يَسْأَلُونَ (٦) أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ (٧) هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ﴾ [الذاريات: ١٢ - ١٣]، فالنصب في ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ﴾ مثل هذا.
والشاهد في قوله غير أن نطقت فإن الرواية فيه بفتح غير مع أنها فاعل لقوله لم يمنع فدل ذلك على أنه بناها على الفتح. انظر: كتاب "الإنصاف" ١/ ٢٨٨ - حاشية-.
(١) في (أ): فبنا.
(٢) على غير: هكذا وردت في النسختين ولا تستقيم العبارة بذلك، فأثبت الترتيب الصحيح الذي به يفهم الكلام.
(٣) في (ع): أضاف.
(٤) في (ع): يكون
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٩٦.
(٦) في (أ): يسئل.
(٧) في (ع): يومهم.
والذي ذكر أبو إسحاق من البناء على الفتح إنما يجوز أن يكون ذلك عند الخليل، وسيبويه، إذا كانت الإضافة إلى الفعل الماضي نحو:
على حين عاتبت (٣)
ومع الفعل المستقبل لا يجوز البناء عندهم ويجوز ذلك في قول الكوفيين (٤) -وقد ذكرنا هذه المسألة (٥) عند قوله: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ
(٢) من قوله: إن اليوم لما جرى إلى كله كان جيدًا: من قول أبي علي، انظر: "الحجة" ٦/ ٣٨٣ - ٣٨٤ بيسير من التصرف.
(٣) البيت للنابغة الذبياني، والبيت كاملاً:
على حين عاتبتُ المشيبَ على الصِّبا | وقلت ألَمَّا أصْحُّ والشيبُ وازعُ |
"ديوانه": ٧٩ ط. بيروت، "الأمالي" لأبي على القالي ١/ ٢٦، ج ٢/ ١٣٢ و٢٦٤، "شرح المفصل" ٣/ ١٦، ٨١ ج ٤/ ٨١، ج ٨/ ١٣٦، "الإنصاف في مسائل الخلاف" ١/ ٢٩٢، "مغني اللبيب" ١/ ٢٠٥ ش ٧٦٢، كتاب شرح أبيات سيبويه: ١٤٧، "جامع البيان" ٣٠/ ٩٠، "شرح أبيات معاني القرآن" ٢١٢/ ش ٤٧٧.
موضع الشاهد: أنه فتح "حِيْنَ" وبناها على الفتح، وهي في موضع جر، لأنه أضافها إلى شيء غير متمكن، وهو الفعل الماضي: عاتبت.
المعنى: يريد أنه عرف الديار التي قد حل بها، وتذكر من كان يهواه، فبكى وعاوده وجده، فخاطب نفسه، فقال: ألمَّا تصْح! يوُبخ قلبه، أي: قد آن أن تصحو ويزول عنك ما كنت تجده بمن كنت تهواه، والشيب كاف عن أمثال هذا الفعل الذي تفعله. "شرح أبيات معاني القرآن" ٢١٣ وانظر الكلام في هذه المسألة: "كتاب سيبويه": ٢/ ٣٢٩ - ٣٣٠.
(٤) انظر: "الإنصاف في مسائل الخلاف" ١/ ٢٨٧.
(٥) بياض في (ع).
قوله تعالى (٣): ﴿وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾، قال: يقول: لا يملك الأمر غيره وحده، قال قتادة: ليس ثم أحد يقضي شيئًا (٤) أو يصنع شيئًا إلا الله رب العالمين (٥).
والمعنى: أن الله تعالى لم يُمَلِّك في ذلك اليوم أحدًا شيئًا من الأمور كما ملكهم في دار الدنيا.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢٣١/ أ، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٥٧، "زاد المسير" ٨/ ١٩٨، "البحر المحيط" ٨/ ٤٣٧، قال ابن الجوزي: قال المفسرون: ومعنى الآية أنه لا يملك الأمر أحد إلا الله ولم يملك أحدًا من الخلق شيئًا كما ملكهم في الدنيا، وكان مقاتل يقول وساق قوله والقول على الإطلاق أصح؛ لأن مقاتلًا -فيما أحسب- خاف نفي شفاعة المؤمنيين، والشفاعة إنما تكون عن أمر الله وتمليكه، "زاد المسير" ٨/ ١٩٨.
(٣) ساقط من: ع.
(٤) بياض في (ع).
(٥) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٥٤، "جامع البيان" ٣٠/ ٩٨، "الدر المنثور" ٨/ ٤٤٠ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.