ﰡ
(مكية حروفها مائة وتسعة وأربعون كلمها خمس وثلاثون آياتها ثمان)
[سورة الزلزلة (٩٩) : الآيات ١ الى ٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤)بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)
القراآت
يره ساكنة الهاء في الحرفين: الحلواني عن هشام.
الوقوف:
زِلْزالَها هـ لا أَثْقالَها لا ما لَها هـ لا لاحتمال حذف عامل «إذا» أي أذا كانت هذه الأمور ترى ما ترى واحتمال أن يكون العامل تُحَدِّثُ ويَوْمَئِذٍ بدلا من «إذا» أَخْبارَها هـ لا لَها هـ ط أَعْمالَهُمْ هـ ط يَرَهُ هـ ط يَرَهُ هـ.
التفسير:
لما ختم السورة المتقدمة بالوعيد والوعد أتبعه بذكر وقت الجزاء وعدد من إماراته الزلزلة الشديدة التي تستأهلها الأرض وهي معنى إضافة الزلزال إلى ضمير الأرض.
قال أهل المعاني: هو كقولك «أكرم التقي إكرامه وأهن الفاسق إهانته» يريد ما يستوجبانه من الإكرام والإهانة. وقريب منه قول من قال: أراد بزلزالها كل الزلزال وجميع ما هو ممكن منه أي يوجد من الزلزلة كل ما يحتمله المحل. وقيل: زلزالها الموعود والمكتوب عليها لما أنها قدرت تقدير الحي.
يروى أنها تتزلزل من شدة صوت إسرافيل عليه السلام.
ومن امارات الساعة إخراج الأرض أثقالها أي ما في جوفها من الدفائن والأموات قال أبو عبيدة والأخفش: إذا كان الميت في بطن الأرض فهو ثقل لها وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها وسمي الإنس والجن بالثقلين لذلك.
يروى أنها تخرج كنوزها فيملأ ظهر الأرض ذهبا ولا أحد يلتفت إليه، وكأن الذهب يصيح ويقول: أما كنت تخرب دينك ودنياك لأجلي؟
ويمكن أن تكون الفائدة في إخراجها أن يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها الجباه والجنوب والظهور قالوا: إنها عند النفخة الأولى تتزلزل فتلفظ بالكنوز والدفائن، وعند النفخة الثانية
وقيل: أثقالها أسرارها فيومئذ تكشف الأسرار ولذلك قال يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها أي تشهد لك وعليك وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها تعجبا من حالها. وقيل: والكافر لأنه كان لا يؤمن بالبعث فيقول مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا [يس: ٥٢] وأما المؤمن فيقول هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [يس: ٥٢] والباء في قوله بِأَنَّ رَبَّكَ إما أن تتعلق ب تُحَدِّثُ والإيحاء بمعنى الأمر أي تحدث بسبب أن ربك أمرها بالتحديث ومفعول تُحَدِّثُ محذوف أي تحدث الناس، أو متروك لأن المقصود تحديثها لا من تحدثه. وقيل: تحديثها بأن ربك أوحى لها تحديث بأخبارها كما تقول «نصحتني كل النصيحة بأن نصحتني في الدين». وقيل: بدل من أَخْبارَها لأنك تقول: حدثته كذا وحدثته بكذا. وأوحى لها بمعنى أوحى إليها وهو مجاز عند صاحب الكشاف. وأبي مسلم كأنها بلسان الحال تبين لكل أحد جزاء عمله، أو تحدث أن الدنيا قد انقضت والآخرة قد أقبلت. والجمهور على أنه تعالى يجعل الأرض ذات فهم ونطق ويعرفها جميع ما عمل عليها فحينئذ تشهد لمن أطاع وعلى من عصى.
وكان علي رضي الله عنه إذا فرغ بيت المال صلى فيه ركعتين ويقول:
اشهدي أني ملأتك بحق وفرغتك بحق.
وقيل: لفظ التحديث يفيد الاستئناس، فلعل الأرض تبث شكواها إلى أولياء الله وملائكته، وقالت المعتزلة: إن الله تعالى يخلق في الأرض وهي جماد أصواتا مقطعة مخصوصة فيكون المتكلم والشاهد على هذا التقدير هو الله. قوله يَصْدُرُ الصدر ضد الورود فالوارد الجائي والصادر المنصرف، أَشْتاتاً أي متفرقين جمع شت أو شتيت أي يذهبون من مخارج قبورهم إلى الموقف. فبعضهم إثر بعض راكبين مع الثياب الحسنة وبياض الوجه وينادي مناد بين يديه هذا ولي الله، وبعضهم مشاة عراة حفاة سود الوجوه مقيدين بالسلاسل والأغلال والمنادي ينادي هذا عدو الله.
وقيل: أشتاتا أي كل فريق مع شكله اليهودي مع اليهودي، والنصراني مع النصراني وقيل:
من كل قطر من أقطار الأرض ليروا صحائف أعمالهم أو جزاء أعمالهم وهو الجنة أو النار وما يناسب كلا منهما. والذرة أصغر النمل أو هي الهباءة، وعن ابن عباس إذا وضعت راحتك على الأرض ثم رفعتها فكل واحد مما لزق بها من التراب مثقال ذرة، فليس من عبد عمل خيرا أو شرا، قليلا كان أو كثيرا إلا أراه الله تعالى إياه. قال مقاتل: نزلت هذه الآية في رجلين وذلك أنه لما نزل وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ [الدهر: ٨] كان أحدهما يأتيه السائل فيسأم أن يعطيه الثمرة والكسرة والجوزة ويقول: ما هذا بشيء وإنما مؤجر على ما نعطي وكان أحدهما يتهاون بالذنب الصغير ويقول: لا شيء علي من هذا فرغب الله تعالى
قال النبي ﷺ «اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة» «١»
والتحقيق أن المقصود النية فإن كان العمل قليلا والنية خالصة حصل المطلوب، وإن كان العمل كثيرا والنية فاسدة فالمقصود فائت، ولهذا قال كعب الأحبار: لا تحقروا شيئا من المعروف فإن رجلا دخل الجنة بإعارة إبرة في سبيل الله، وإن امرأة أعانت بحبة في بناء بيت المقدس فدخلت الجنة. وعن عائشة أنه كان بين يديها عنب قدمته إلى نسوة بحضرتها فجاء سائل فأمرت له بحبة من ذلك، فضحك بعض من كان عندها فقالت: إن فيما ترون مثاقيل وتلت هذه الآية. قال جار الله: إن حسنات الكافر محبطة بالكفر وسيئات المؤمن مكفرة باجتناب الكبائر، فما معنى الجزاء لمثاقيل الذر من الخير والشر؟ وأجاب على مذهبه بأن المعنى فمن يعمل من فريق السعداء مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل من فريق الأشقياء مثقال ذرة شرا يره. وذلك أن الحكم جاء بعد قوله يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً والأولى في جوابه ما روي عن ابن عباس: ليس من مؤمن ولا كافر عمل خيرا أو شرا إلا أراه الله تعالى إياه. فأما المؤمن فيغفر له سيئاته ويثاب بحسناته وأما الكافر فترد حسناته ويعذب بسيئاته. وقيل: إن حسنات الكافر وإن كانت محبطة بكفره لكن الموازنة معتبرة فتقدر تلك الحسنات انحبطت من عقاب كفره، وكذا القول في الجانب الآخر. وعن محمد بن كعب القرظي: معناه فمن يعمل مثقال ذرة من خير وهو كافر فإنه يرى ثواب ذلك في الدنيا في نفسه أو أهله أو ماله حتى يلقى الآخرة وليس له فيها خير، ومن يعمل مثقال ذرة من شر وهو مؤمن فإنه يرى عقوبة ذلك في الدنيا في نفسه أو أهله أو ماله حتى يلقى الآخرة وليس له فيها شر، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا ويؤيده ما
روي أنه ﷺ قال لأبي بكر: يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر ويدخر الله لك مثاقيل الخير حتى توفاها يوم القيامة.
فإن قيل: إن كان الأمر إلى هذا الحد فأين الكرم؟
قلت: هذا هو الكرم لأن المعصية وإن قلت ففيها استخفاف والكريم لا يحتمله، والطاعة تعظيم وإن قلت فالكريم لا يضيعه. قال أهل العرفان: كأنه تعالى يقول: ابن آدم أنك مع ضعفك وعجزك لم تضيع ذرة من مخلوقاتي بل نظرت فيها واعتبرت بها واستدللت بوجودها على وجود الصانع، فأنا مع كمال قدرتي وكرمي كيف أضيع ذرتك والله الكريم.
الدارمي في كتاب الزكاة باب ٢٤. أحمد في مسنده (١/ ٣٨٨، ٤٤٦) (٤/ ٢٥٦).