ﰡ
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
«سورة يونس»(١٠)
«الر» (١) ساكنة لأنها حروف جرت مجرى فواتح سائر السور اللواتى مجازهن مجاز حروف التهجي ومجاز موضعهن فى المعنى كمجاز ابتداء فواتح السور.
«تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ» (١) مجازها: هذه آيات الكتاب الحكيم، أي القرآن، قال الشاعر:
ما فهم من الكتاب أم آي القرآن «١»
والحكيم: مجازه المحكم «٢» المبيّن الموضّح، والعرب قد نضع فعيل فى معنى مفعل، وفى آية أخرى: «هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ» (٥٠/ ٢٣)، مجازه: معد، «٣» وقال أبو ذوءيب:
(٢) «والحكيم... والمحكم» : راجع ما رواه القرطبي (٨/ ٣٠٥) عن أبى عبيدة.
(٣) « «المعد» » هكذا ورد فى الأصول وهو بمعنى العتيد (حسبما ورد فى اللسان) ولكن مقتضى السياق هو المعتد.
أي ولم أشعر أنى محلف، من قولهم: أخلفت الموعد. ومجاز «آيات» مجاز أعلام «٢» الكتاب وعجائبه، وآياته أيضا: فواصله، والعرب يخاطبون بلفظ الغائب وهم يعنون الشاهد، وفى آية أخرى: «الم ذلِكَ الْكِتابُ» (٢/ ١) مجازه: هذا القرآن، قال عنترة:
شطّت مزار العاشقين فأصبحت... عسرا علىّ طلابك ابنة مخرم (١٧)
«قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ» (٢) مجازه: سابقة صدق عند ربهم، ويقال:
له قدم فى الإسلام وفى الجاهلية.
«ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ» (٣) مجازه: ظهر على العرش وعلا عليه، ويقال: استويت على ظهر الفرس، وعلى ظهر البيت.
«إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا» (٤) وعد الله: منصوب لأنه مصدر فى موضع «وَعْدَ اللَّهِ»، وإذا كان المصدر فى موضع فعل، نصبوه كقول كعب:
تسعى الوشاة جنابيها وقيلهم... إنّك يا ابن أبى سلمى لمقتول (١٤٧)
(٢) «أعلام» : وفى البخاري: يقال: تلك آيات، يعنى هذه أعلام القرآن، ومثله: «حتى إذا كنتم فى الفلك وجرين بهم» المعنى: بكم، قال ابن حجر:
وقع لغير أبى ذر وسيأنى للجميع فى التوحيد وقائل ذلك هو أبو عبيدة ابن المثنى (فتح الباري ٨/ ٢٦١). [.....]
«لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ» (٤) كل حار فهو حميم، قال المرقّش الأصغر من بنى سعد بن مالك:
وكل يوم لها مقطرة... فيها كباء معدّ وحميم «١»
أي ماء حار يستحمّ به، كباء مما تكبيت به أي تبخّرت وتجمّرت سواء، وكبى منقوص: هى الكنّاسة والسّباطة والكساحة.
«جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً» (٥) وصفها بالمصدر، والعرب قد تصف المؤنثة بالمصدر وتسقط الهاء، كقولهم: إنما خلقت فلانة لك عذابا وسجنا ونحو ذلك بغير الهاء.
«الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا» (٧) مجازه: لا يخافون ولا يخشون، وقال:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها | وحالفها فى بيت نوب عوامل «١» |
«لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ» (١١) مجازه: لفرغ ولقطع ونبذ إليهم، وقال أبو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما | داود أو صنع السوابغ تبّع (٦٢) |
«مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا» (١٢) أي استمر فمضى.
«مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي» (١٥) أي من عند نفسى.
(٢) «دعواهم. دعاؤهم» : رواه البخاري، قال ابن حجر فى فتح الباري ٨/ ٢٦١ هو قول أبى عبدة.
«عُمُراً» (١٦) أي حينا طويلا، مجازه من قولهم: مضى علينا حين من الدهر، والعمر والعمر والعمر ثلاث لغات.
«وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ» (١٨) مجاز ما هاهنا مجاز الدين، ووقع معناها على الحجارة، وخرج كنايتها على لفظ كناية لآدميين، فقال: هؤلاء شفعاؤنا، ومثله فى آية أخرى: «لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ» (٢١/ ٦٥)، وفى آية أخرى: «إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ» (١٢/ ٤) والمستعمل فى الكلام: ما تنطق هذه، ورأيتهن لى ساجدات، وقال:
تمزّزتها والدّيك يدعو صباحه | إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا «١» |
«مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا» (٢١) مجاز المكر هاهنا مجاز الجحود بها والرد لها.
«قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً» (٢١) أي أخذا وعقوبة واستدراجا لهم.
«فَجَعَلْناها حَصِيداً» (٢٤) اى مستاصلين، والحصيد من الزرع والنبات المجذوذ من أصله وهو يقع أيضاً لفظه على لفظ الجميع من الزرع والنبات فجاء فى هذه الآية على معنى الجميع، وقد يقال: حصائد الزرع، اللواتى تحصد.
«وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ» (٢٦) يرهق: أي يغشى، والقتر جميع قترة، وفى القرآن: «تَرْهَقُها قَتَرَةٌ» (٨٠/ ٤١)، وهو الغبار [قال الأخطل:
يعلو القناطر يبنيها ويهدمها | مسوّما فوقه الرايات والقتر] «٢» |
متوّج برداء الملك يتبعه | موج ترى فوقه الرايات والفترا «٣» |
(٢) : ديوانه ١٠٣.
(٣) : ديوانه ٢٩٠- والطبري ١١/ ٦٩ رواه القرطبي ٨/ ٣٣١ وصاحب اللسان (قتر) على أنه من إنشاد أبى عبيدة.
«هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ» (٣٠) أي تخبر وتجد. و «تتلو» «٢» تتبع.
«لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ» (٣٧، ٣٨) مجاز «أم» هاهنا مجاز الواو ويقولون.
«افْتَراهُ» (٣٨) أي اختلقه وابتشكه.
«إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً» (٥٠) أي بيتكم ليلا وأنتم بائتون.
«إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ» (٦١) أي تكثرون وتلغطون وتخلطون.
«وَما يَعْزُبُ «٣» عَنْ رَبِّكَ» (٦١) أي ما يغيب عنه، ويقال: أين عزب عقلك عنك.
«مِثْقالِ ذَرَّةٍ» (٦١) أي زنة نملة صغيرة، ويقال خذ هذا فإنه أخف مثقالا، أي وزنا.
(٢) «وما يعزب» : وقرأ الكسائي يعزب بكسر الزاى وضم الباقون وهما لغتان فصيحتان (القرطبي ٨/ ٣٥٦).
(٣) «تبلو، تتلو» : قراءتان، انظر القرطبي ٨/ ٣٣٤.
لقد لمتنا يا أمّ غيلان فى السّرى | ونمت وما ليل المطيّ بنائم «١» |
فنام ليلى وتجلّى همّى «٢»
«إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا» (٦٨) مجازه: ما عندكم سلطان بهذا، و «من» من حروف الزوائد، ومجاز سلطان هاهنا: حجّة وحق وبرهان.
«ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً» (٧١) مجازها: ظلمة وضيق «٣» وهمّ، قال العجّاج:
بل لو شهدت الناس إذ تكموا | بغمّة لو لم تفرّج غمّوا «٤» |
(٢) : ديوانه ١٤٢.
(٣) «مجازها... وضيق» : نقل القرطبي (٨/ ٣٦٤) هذا الكلام عنه.
(٤) : ديوانه ٦٣- والطبري ١١/ ٩١ والقرطبي ٨/ ٣٦٤ واللسان (كمم). [.....]
«ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ» (٧١) مجازه كمجاز الآية الأخرى:
«وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ» (١٧/ ٤) أي أمرناهم.
«إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ» (٧٥) أي أشراف قومه.
«أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا» (٧٨) أي لتصرفنا عنه وتميلنا وتلوينا عنه، ويقال: لفت عنقه. كقول رؤبة:
[يدقّ صلّبات العظام لفتى] | لفتا وتهزيعا سواء اللّفت «١» |
«قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ» «٢» (٨١) مجاز «ما» هاهنا: «الذي» ويزيد فيه قوم ألف الاستفهام، كقولك: آلسّحر؟.
(٢) «السحر» : اختلفت القراء فى قراءة الآية فقرأتها عامة قراء أهل الحجاز والعراق «ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ» على وجه الخبر من موسى عن الذي جاءت به سحرة فرعون أنه سحر. وقرأها مجاهد وبعض المدنيين والبصريين «ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ» بهمزة ممدودة على وجه الاستفهام من موسى للسحرة (الطبري ١١/ ٩٤).
«وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ» (٨٨) مجازه هاهنا كمجاز «اشدد الباب»، ألا نرى بعده:
«فَلا يُؤْمِنُوا» (٨٨) جزم، لأنه دعاء عليهم، أي فلا يؤمننّ.
«فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ» (٩٠) مجازه: تبعهم، هما سواء.
«بَغْياً وَعَدْواً» (٩٠) «١» مجازه: عدوانا.
«فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ» (٩٢) مجازه: نلقيك «٢» على نجوة، أي ارتفاع ليصر علما أنه قد غرق.
«لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً» (٩٢) أي علامة، ومجاز خلفك: بعدك.
«إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ
(٢) «نلقيك... » : أخذ القرطبي (٨/ ٣٨٠) هذا الكلام، وهو فى فتح الباري ٨/ ٢٦٢، وقال ابن حجر: والنجوة هى الربوة المرتفعة وجمعها نجا بكسر النون والقصر، وليس قوله ننحيك من النجاة بمعنى السلامة، وقد قيل هو بمعناها والمراد مما وقع فيه قومك من قعر البحر إلخ.
أمن ريحانة الداعي السميع «١»
يريد المسمع. ريحانة: أخت عمرو بن معديكرب كان الصّمّة أغار عليها وذهب بها، وقال أبو عبيدة: كانت ريحانة أخت عمرو فسباها الصّمّة وهى أم دريد وخالد.
«إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ» (٩٨) مجاز «إلّا» هاهنا مجاز الواو، كقولك: وقوم يونس لم يؤمنوا حتى رأوا العذاب الأليم فآمنوا ف «كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ» «٢»
(٢) «فآمنوا... الخزي» : نص الآية: «لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ» (٩٨).
من كان أسرع فى تفرّق فالج | فلبونه جربت معا وأغدّت (٧٧) |
إلّا كنا شرة الذي ضيّعتم | كالغصن فى غلوائه المتنبّت |
من مبلغ كسرى إذا ما جئته | عنّى قواف غارمات شرّدا «١» |
إلّا كخارجة المكلّف نفسه | وابني قبيصة أن أغيب ويشهدا «٢» |
(٢) : البيتان فى ديوان الأعشى ١٥٣، الأول هو ٢٤ من القصيدة والثاني فهو ٢٧ منها. أما الأبيات التي تركناها فى الحاشية وهى رواية نسخة فتخالف رواية الديوان والفرق بين الروايتين ليس بيسير.
ويقال: يونس ويؤنس كأنه يفعل من: آنسته.
«فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها» (١٠٨) مجازه: يضل لها أي لنفسه، وهداه لنفسه.