تفسير سورة الفلق

بيان المعاني
تفسير سورة سورة الفلق من كتاب بيان المعاني المعروف بـبيان المعاني .
لمؤلفه ملا حويش . المتوفي سنة 1398 هـ

أول خير اتي قريشا منه. هذا وإن المغمس المذكور في شعر أمية آنفا دفن فيه أبو رغال المار ذكره، والمحصب الذي نزل فيه ابرهة دار بين مكة ومنى، عن يمينه غار ثور الذي تخبأ به حضرة الرسول وأبو بكر وقت الهجرة وعن يساره غار حراء الذي نزل أول وحي به، ووقعت حادثة الفيل فيه بعد موت أبي رغال.
مطلب رمي الجمار بمنى:
ورمي الجمار بمواقع مخصوصة في منى، فكيف تلوك بعض الألسن بما هو خلاف المحسوس، قاتل الله أهل السمعة الذين يريدون أن يعرفوا بالمخالفة على حد خالف تعرف. ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به هذه السورة في القرآن العظيم هذا. وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلّى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
تفسير سورة الفلق عدد ٢٠- ١١٣
نزلت بمكة بعد سورة الفيل، وهي خمس آيات وثلاث وعشرون كلمة، وأربعة وسبعون حرفا، لا ناسخ ولا منسوخ فيها:
«بسم الله الرّحمن الرّحيم».
قال تعالى «قُلْ» يا سيد الرسل إذا أردت أن تحترز مما تخاف وتحذر «أَعُوذُ» التجئ واعتصم «بِرَبِّ الْفَلَقِ ١» الّذي فلق ظلمة العدم بنور الإيجاد، والصبح بنور النهار، لأن الليل ينفلق عنه، قال ابن عباس الفلق سجن أو واد في جهنم تستعيذ منه أهل النار، وفيه إشارة إلى أن القادر على إزالة ظلمة الليل عن العالم بفلق الصبح، قادر على أن يدفع عن المستعيذ به ما يخافه ويخشاه، وخصصه بالتعوذ لأنه وقت دعاء المضطرين وإجابة دعوة الملهوفين «مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ ٢» ومن شر كل ذي شر وخاصة فتنة الدجال ومن النار، وإبليس وأعوانه من الجن والإنس لأنهم شر الخلق وفيه تنبيه على أن الذي فلق ظلمة العدم بنور الإيجاد، قادر على أن يجير المستعيذ به من شر خلقه المضلين والضالين «وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ» هو الليل عند اشتداد ظلمته وقد أمر
181
بالتعوذ منه لانتشار الآفات فيه، وانعدام الغوث غالبا «إِذا وَقَبَ ٣» اعتكر ظلامه وقيل هو القمر إذا خسف أخرج الترمذي عن عائشة أنها قالت: إن رسول الله نظر إلى القمر فقال لها: استعيذي بالله من شر هذا فإنه الغاسق إذا وقب.
والمراد منه، والله أعلم إذا خسف وسقط لأن هذا يكون يوم القيمة وهو جدير بان يتعوذ منه، وهناك أقوال بأنه الحية إذا انقلبت بعد اللسع وغير ذلك، وليست تلك الأقوال بشيء. «وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ» السواحر اللاتي يتفثن «فِي الْعُقَدِ ٤» في الخيط الذي يرقين عليه، والنفث النفخ مع قليل من الريق وقيل بلا ريق، وقيل النفث في العقد إبطال العزائم وآراء الرجال بالحيل استعارة من عقد الحبال لأن حب النساء المتغلغل في قلوب الرجال صيرهن يتصرّفن من رأي إلى رأي ومن عزيمة إلى عزيمة فأمر رسول الله بالتعوذ من كيدهن ومكرهن. قال الإمام الفخر: هذا قول حسن لولا أنه على خلاف رأي أكثر المفسرين «وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ ٥» أظهر حسده وعمل بمقتضاه.
مطلب في الحسد والتعاويذ:
والحاسد الذي يتمنى زوال نعمة الغير أو يسعى في زوالها، وهو أول ذنب عصي الله فيه في السماء من إبليس، وأول ذنب عصي الله فيه في الأرض من قابل وقصتهما ستأتي، الأولى في الآية ١٠ فما بعدها من سورة الأعراف الآتية وهي مكررة في القرآن كثيرا والثانية في الآية ٢١ من سورة المائدة في ج ٣. واعلم إن دواء المحسود لداء الحاسد هو الصبر لا غير قال:
اصبر على مضض الحسود... فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها... إن لم تجد ما تأكله
وهو في الحقيقة اعتراض على الله لأن الحاسد يحسد المحسود على ما أولاه ربه من النعم وحرمه منها، أما الغبطة وهي تمني مثل ما عند الآخر مع بقائها عنده فهي جائزة. روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار ورجل
182
Icon