تفسير سورة الأنبياء

فتح القدير
تفسير سورة سورة الأنبياء من كتاب فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير المعروف بـفتح القدير .
لمؤلفه الشوكاني . المتوفي سنة 1250 هـ
سورة الأنبياء
وهي مكية، قال القرطبي في قول الجميع
وهي مائة واثنتا عشرة آية
وأخرج البخاري وغيره عن ابن مسعود قال : بنو إسرائيل والكهف ومريم والأنبياء هن من العتاق الأول، هن من تلادي. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن عامر بن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب، فأكرم عامر مثواه، وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه الرجل فقال : إني استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وادياً ما في العرب واد أفضل منه، وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك، فقال عامر : لا حاجة لي في قطعتك، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا.

سورة الأنبياء
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ. وهي مائة واثنتا عشرة آية.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: بَنُو إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ وَالْأَنْبِيَاءِ هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأَوَّلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي «١». وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ، فَأَكْرَمَ عَامِرٌ مَثْوَاهُ، وَكَلَّمَ فِيهِ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَجَاءَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ: إِنِّي اسْتَقْطَعْتُ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ وَادِيًا مَا فِي الْعَرَبِ وَادٍ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَقْطَعَ لَكَ مِنْهُ قِطْعَةً تَكُونُ لَكَ وَلِعَقِبِكَ مِنْ بَعْدِكَ، فَقَالَ عَامِرٌ:
لَا حَاجَةَ لِي فِي قِطْعَتِكَ، نَزَلَتِ الْيَوْمَ سُورَةٌ أَذْهَلَتْنَا عَنِ الدُّنْيَا. اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١ الى ٩]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣) قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤)
بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٧) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لَا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩)
يُقَالُ: قَرُبَ الشَّيْءُ وَاقْتَرَبَ، وَقَدِ اقْتَرَبَ الْحِسَابُ: أَيْ قَرُبَ الْوَقْتُ الَّذِي يُحَاسَبُونَ فِيهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ:
الْمَعْنَى اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ وَقْتُ حِسابُهُمْ أَيِ: الْقِيَامَةُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ «٢». وَاللَّامُ فِي لِلنَّاسِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْفِعْلِ، وَتَقْدِيمُهَا هِيَ وَمَجْرُورِهَا عَلَى الْفَاعِلِ لِإِدْخَالِ الرَّوْعَةِ، وَمَعْنَى اقْتِرَابِ وَقْتِ الْحِسَابِ:
دُنُوُّهُ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ أَقْرَبُ إِلَيْهِمْ مِنَ السَّاعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَقِيلَ: لِأَنَّ كُلَّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، وَمَوْتُ كُلِّ إِنْسَانٍ قِيَامُ سَاعَتِهِ، وَالْقِيَامَةُ أَيْضًا قَرِيبَةٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ، فَمَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا أَقَلُّ مِمَّا مَضَى، وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ: الْعُمُومُ. وَقِيلَ: الْمُشْرِكُونَ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: كُفَّارُ مَكَّةَ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْحِسَابِ: عَذَابُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَجُمْلَةُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أي: هم في
(١). قال القرطبي: يريد من قديم ما كسب وحفظ من القرآن، كالمال التّلاد.
(٢). القمر: ١.
468
غَفْلَةٍ بِالدُّنْيَا مُعْرِضُونَ عَنِ الْآخِرَةِ، غَيْرُ مُتَأَهِّبِينَ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَالْقِيَامِ بِفَرَائِضِهِ، وَالِانْزِجَارِ عَنْ مَنَاهِيهِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِوَصْفِ الذِّكْرِ لِكَوْنِهِ مُحْدَثًا عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُحْدَثٌ لِأَنَّ الذِّكْرَ هُنَا هُوَ الْقُرْآنُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي حُدُوثِ الْمُرَكَّبِ مِنَ الْأَصْوَاتِ وَالْحُرُوفِ لِأَنَّهُ مُتَجَدِّدٌ فِي النُّزُولِ. فَالْمَعْنَى مُحْدَثٌ تَنْزِيلُهُ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ:
أَعْنِي قِدَمَ الْقُرْآنِ وَحُدُوثَهُ قَدِ ابْتُلِيَ بِهَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ فِي الدَّوْلَةِ الْمَأْمُونِيَّةِ وَالْمُعْتَصِمِيَّةِ وَالْوَاثِقِيَّةِ، وَجَرَى لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مَا جَرَى مِنَ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ وَالْحَبْسِ الطَّوِيلِ، وَضُرِبَ بِسَبَبِهَا عُنُقُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْخُزَاعِيِّ، وَصَارَتْ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَمَا بَعْدَهُ، وَالْقِصَّةُ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَمَنْ أَحَبَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَتِهَا طَالَعَ تَرْجَمَةَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ «النُّبَلَاءِ» لِمُؤَرِّخِ الْإِسْلَامِ الذَّهَبِيِّ. وَلَقَدْ أَصَابَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ بِامْتِنَاعِهِمْ مِنَ الْإِجَابَةِ إِلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَحُدُوثِهِ، وَحَفِظَ اللَّهُ بِهِمْ أُمَّةَ نَبِيِّهِ عَنِ الِابْتِدَاعِ، وَلَكِنَّهُمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ جَاوَزُوا ذَلِكَ إِلَى الْجَزْمِ بِقِدَمِهِ وَلَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى كَفَّرُوا مَنْ قَالَ بِالْحُدُوثِ، بَلْ جَاوَزُوا ذَلِكَ إِلَى تَكْفِيرِ مَنْ قال لفظي: القرآن مخلوق، بَلْ جَاوَزُوا ذَلِكَ إِلَى تَكْفِيرِ مَنْ وَقَفَ، وَلَيْتَهُمْ لَمْ يُجَاوِزُوا حَدَّ الْوَقْفِ وَإِرْجَاعِ الْعِلْمِ إِلَى عَلَّامِ الْغُيُوبِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى وَقْتِ قِيَامِ الْمِحْنَةِ وَظُهُورِ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَيْءٌ مِنَ الْكَلَامِ، وَلَا نُقِلَ عَنْهُمْ كَلِمَةٌ فِي ذَلِكَ، فَكَانَ الِامْتِنَاعُ مِنَ الْإِجَابَةِ إِلَى مَا دَعَوْا إِلَيْهِ، وَالتَّمَسُّكُ بِأَذْيَالِ الْوَقْفِ، وَإِرْجَاعِ عِلْمِ ذَلِكَ إِلَى عَالِمِهِ هُوَ الطَّرِيقَةُ الْمُثْلَى، وَفِيهِ السَّلَامَةُ وَالْخُلُوصُ مِنْ تَكْفِيرِ طَوَائِفَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَالْأَمْرُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ. وَقَوْلُهُ: إِلَّا اسْتَمَعُوهُ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَجُمْلَةُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا مِنْ فَاعِلِ استمعوه، ولاهِيَةً قُلُوبُهُمْ حَالٌ أَيْضًا، وَالْمَعْنَى: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا فِي الِاسْتِمَاعِ مَعَ اللَّعِبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ وَلَهْوَةِ الْقُلُوبِ، وَقُرِئَ «لَاهِيَةٌ» بِالرَّفْعِ، كَمَا قُرِئَ «مُحْدَثٌ» بِالرَّفْعِ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا النَّجْوَى: اسْمٌ مِنَ التَّنَاجِي، وَالتَّنَاجِي لَا يَكُونُ إِلَّا سِرًّا، فَمَعْنَى إِسْرَارِ النَّجْوَى: الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِخْفَاءِ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَحَلِّ الْمَوْصُولِ عَلَى أَقْوَالٍ، فَقِيلَ: إِنَّهُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ فِي «أَسَرُّوا»، قَالَهُ الْمُبَرِّدُ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ: هُوَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الذَّمِّ وَقِيلَ: هُوَ فَاعِلٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ:
يَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَاخْتَارَ هَذَا النَّحَّاسُ وَقِيلَ: فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي، وَقِيلَ: فِي مَحَلِّ خَفْضٍ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ النَّاسِ ذَكَرَ ذَلِكَ الْمُبَرِّدُ وَقِيلَ: هُوَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ «أَسَرُّوا» عَلَى لُغَةِ مَنْ يُجَوِّزُ الْجَمْعَ بَيْنَ فَاعِلِينَ، كَقَوْلِهِمْ: أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْأَخْفَشُ، وَمِثْلُهُ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ومنه قول الشاعر:
................
فاهتدين النّبال للأغراض «١»
(١). وصدره: بك نال النّضال دون المساعي.
469
وقول الآخر «١» :
ولكن ديافيّ أَبُوهُ وَأُمُّهُ بِحَوْرَانَ يَعْصِرْنَ السَّلِيطَ أَقَارِبُهُ «٢»
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ أَيْ: وَالَّذِينَ ظَلَمُوا أَسَرُّوا النَّجْوَى. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَسَرُّوا هُنَا مِنَ الْأَضْدَادِ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى أَخْفَوْا كَلَامَهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى أَظْهَرُوهُ وَأَعْلَنُوهُ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ قَبْلَهَا، أَيْ: قَالُوا هَلْ هَذَا الرَّسُولُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلَكُمْ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْكُمْ بِشَيْءٍ؟ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ بَدَلًا مِنَ النَّجْوَى، وَهَلْ بِمَعْنَى النَّفْيِ، أَيْ: وَأَسَرُّوا هَذَا الْحَدِيثَ، وَالْهَمْزَةُ فِي أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ لِلْإِنْكَارِ، وَالْفَاءُ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ كَنَظَائِرِهِ، وَجُمْلَةُ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ. وَالْمَعْنَى: إِذَا كَانَ بَشَرًا مِثْلَكُمْ، وَكَانَ الَّذِي جَاءَ بِهِ سِحْرًا، فَكَيْفَ تُجِيبُونَهُ إِلَيْهِ وَتَتَّبِعُونَهُ، فَأَطْلَعَ الله نبيه صلّى الله عليه وَسَلَّمَ عَلَى مَا تَنَاجَوْا بِهِ، وَأَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُجِيبَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: قُلْ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَيْ: لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يُقَالُ فِيهِمَا، وَفِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ «قَالَ رَبِّي» أَيْ:
قَالَ مُحَمَّدٌ: رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ، فَهُوَ عَالِمٌ بِمَا تَنَاجَيْتُمْ بِهِ. قِيلَ: الْقِرَاءَةُ الْأُولَى أَوْلَى لِأَنَّهُمْ أَسَرُّوا هَذَا الْقَوْلَ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ هَذَا. قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْقِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَانِ، وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ آيَتَيْنِ وَهُوَ السَّمِيعُ لِكُلِّ مَا يَسْمَعُ الْعَلِيمُ بِكُلِّ مَعْلُومٍ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا أَسَرُّوا دُخُولًا أَوَّلِيًّا بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ: قَالُوا الَّذِي تَأْتِي بِهِ أَضْغَاثُ أحلام. قال القتبي: أَضْغَاثُ الْأَحْلَامِ:
الرُّؤْيَا الْكَاذِبَةُ. وَقَالَ الْيَزِيدِيُّ: الْأَضْغَاثُ: مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْوِيلٌ، وَهَذَا إِضْرَابٌ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ حِكَايَةٌ لِمَا وَقَعَ مِنْهُمْ، وَانْتِقَالٌ مِنْ حِكَايَةِ قَوْلِهِمُ السَّابِقِ إِلَى حِكَايَةِ هَذَا الْقَوْلِ. ثُمَّ حَكَى سُبْحَانَهُ إِضْرَابَهُمْ عَنْ قَوْلِهِمْ:
أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ، قَالَ: بَلِ افْتَراهُ أَيْ: بَلْ قَالُوا افْتَرَاهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ. ثُمَّ حَكَى سُبْحَانَهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَضْرَبُوا عَنْ هَذَا، وَقَالُوا: بَلْ هُوَ شاعِرٌ وَمَا أَتَى بِهِ مِنْ جِنْسِ الشِّعْرِ، وَفِي هَذَا الِاضْطِرَابِ مِنْهُمْ، وَالتَّلَوُّنِ وَالتَّرَدُّدِ أَعْظَمُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُمْ جَاهِلُونَ بِحَقِيقَةِ مَا جَاءَ بِهِ، لَا يَدْرُونَ مَا هُوَ وَلَا يَعْرِفُونَ كُنْهَهُ؟ أَوْ كَانُوا قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ حَقٌّ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَكِنْ أَرَادُوا أَنْ يَدْفَعُوهُ بِالصَّدْرِ، وَيَرْمُوهُ بِكُلِّ حَجَرٍ وَمَدَرٍ، وَهَذَا شَأْنُ مَنْ غَلَبَتْهُ الْحُجَّةُ وَقَهَرَهُ الْبُرْهَانُ. ثُمَّ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ، قَالُوا: فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ وَهَذَا جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: إِنْ لَمْ يَكُنْ كَمَا قُلْنَا فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ أَيْ: كَمَا أُرْسِلَ مُوسَى بِالْعَصَا وَغَيْرِهَا، وَصَالِحٌ بِالنَّاقَةِ، وَمَحَلُّ الْكَافِ الْجَرُّ صِفَةً لِآيَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتَ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَكَانَ سُؤَالُهُمْ هَذَا سُؤَالَ تَعَنُّتٍ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ أَعْطَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا يَكْفِي، وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ إِذَا أَعْطَاهُمْ مَا يَقْتَرِحُوهُ لَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ، وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ «٣». قَالَ الزَّجَّاجُ: اقْتَرَحُوا الْآيَاتِ الَّتِي لَا يَقَعُ معها إمهال، فقال الله مجيبا لهم:
(١). هو الفرزدق.
(٢). «دياف» : موضع بالجزيرة، وهم نبط الشام. «السليط» : الزيت.
(٣). الأنفال: ٢٢.
470
مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَيْ: قَبْلَ مُشْرِكِي مَكَّةَ. وَمَعْنَى «مِنْ قَرْيَةٍ» مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ، وَوَصَفَ الْقَرْيَةَ بِقَوْلِهِ:
أَهْلَكْناها أَيْ: أَهْلَكْنَا أَهْلَهَا، أَوْ أَهْلَكْنَاهَا بِإِهْلَاكِ أَهْلِهَا، وَفِيهِ بَيَانٌ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الْأُمَمِ السَّالِفَةِ أَنَّ الْمُقْتَرِحِينَ إِذَا أُعْطُوا مَا اقْتَرَحُوهُ، ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا نزل بهم عذاب الاستئصال لا محالة، و «من» فِي «مِنْ قَرْيَةٍ» مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ. وَالْمَعْنَى: مَا آمَنَتْ قَرْيَةٌ مِنَ الْقُرَى الَّتِي أَهْلَكْنَاهَا بِسَبَبِ اقْتِرَاحِهِمْ قَبْلَ هَؤُلَاءِ، فَكَيْفَ نُعْطِيهِمْ مَا يَقْتَرِحُونَ، وَهُمْ أُسْوَةُ مَنْ قَبْلَهُمْ. وَالْهَمْزَةُ فِي أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ لِلتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ، وَالْمَعْنَى: إِنْ لَمْ تُؤْمِنْ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ الْمُهْلَكَةِ عِنْدَ إِعْطَاءِ مَا اقْتَرَحُوا، فَكَيْفَ يُؤْمِنُ هَؤُلَاءِ لَوْ أُعْطُوا مَا اقْتَرَحُوا، ثُمَّ أَجَابَ سُبْحَانَهُ عَنْ قَوْلِهِمْ: «هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» بِقَوْلِهِ: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ أَيْ: لَمْ نُرْسِلْ قَبْلَكَ إِلَى الْأُمَمِ السَّابِقَةِ إِلَّا رِجَالًا مِنَ الْبَشَرِ، وَلَمْ نُرْسِلْ إِلَيْهِمْ مَلَائِكَةً، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا «١» وجملة «نُوحِي إِلَيْهِمْ» مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْإِرْسَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ تكون صفة ل «رجالا»، أَيْ: مُتَّصِفِينَ بِصِفَةِ الْإِيحَاءِ إِلَيْهِمْ. قَرَأَ حَفْصٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ نُوحِي بِالنُّونِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ «يوحى». ثُمَّ أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِأَنْ يَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كانوا يجهلون هذا، فقال: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وَأَهْلُ الذِّكْرِ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَمَعْنَى «إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» : إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ أَنَّ رُسُلَ اللَّهِ مِنَ الْبَشَرِ، كَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَدْ كَانَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَا يَجْهَلُونَ ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرُونَهُ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ مَا ذُكِرَ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ. وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِالْآيَةِ عَلَى أَنَّ التَّقْلِيدَ جَائِزٌ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَلَوْ سَلِمَ لَكَانَ الْمَعْنَى سُؤَالَهُمْ عَنِ النُّصُوصِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لَا عَنِ الرَّأْيِ الْبَحْتِ، وَلَيْسَ التَّقْلِيدُ إِلَّا قَبُولَ قَوْلِ الْغَيْرِ دُونَ حُجَّتِهِ. وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا فِي رِسَالَةٍ بَسِيطَةٍ سَمَّيْنَاهَا «الْقَوْلَ الْمُفِيدَ فِي حُكْمِ التَّقْلِيدِ». ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ سُبْحَانَهُ مِنَ الْجَوَابِ عَنْ شُبْهَتِهِمْ أَكَّدَ كَوْنَ الرُّسُلِ مِنْ جِنْسِ الْبَشَرِ فَقَالَ: وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لَا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ أَيْ: أَنَّ الرُّسُلَ أُسْوَةٌ لِسَائِرِ أَفْرَادِ بَنِي آدَمَ فِي حُكْمِ الطَّبِيعَةِ، يأكلون كما يأكلون، ويشربون كما يشربون، وَالْجَسَدُ جِسْمُ الْإِنْسَانِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ وَاحِدٌ، يَعْنِي الْجَسَدَ يُنْبِئُ عَنْ جَمَاعَةٍ، أَيْ: وَمَا جَعَلْنَاهُمْ ذَوِي أَجْسَادٍ لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، فَجُمْلَةُ «لا يأكلون الطعام» صفة ل «جسدا»، أَيْ: وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا مُسْتَغْنِيًا عَنِ الْأَكْلِ، بَلْ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى ذَلِكَ وَما كانُوا خالِدِينَ بَلْ يَمُوتُونَ كَمَا يَمُوتُ غَيْرُهُمْ مِنَ الْبَشَرِ، وَقَدْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الرُّسُلَ لَا يَمُوتُونَ، فَأَجَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِهَذَا، وَجُمْلَةُ ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا السِّيَاقُ، وَالتَّقْدِيرُ: أَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ مَا أَوْحَيْنَا، ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ، أَيْ: أَنْجَزْنَا وَعْدَهُمُ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ بِإِنْجَائِهِمْ وَإِهْلَاكِ مَنْ كَذَّبَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ: فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُرَادُ إِنْجَاؤُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَإِهْلَاكُ مَنْ كَفَرَ بِالْعَذَابِ الدُّنْيَوِيِّ، وَالْمُرَادُ بِ الْمُسْرِفِينَ الْمُجَاوِزُونَ لِلْحَدِّ فِي الكفر والمعاصي، وهم المشركون.
(١). الإسراء: ٩٥.
471
﴿ مَا يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من ربّهِمْ مُحْدَثٍ ﴾ :«من » لابتداء الغاية. وقد استدلّ بوصف الذكر لكونه محدثاً على أن القرآن محدث، لأن الذكر هنا هو : القرآن. وأجيب بأنه : لا نزاع في حدوث المركب من الأصوات والحروف، لأنه متجدد في النزول. فالمعنى محدث تنزيله، وإنما النزاع في الكلام النفسي، وهذه المسألة أعني قدم القرآن وحدوثه، قد ابتلي بها كثير من أهل العلم والفضل في الدولة المأمونية والمعتصمية والواثقية، وجرى للإمام أحمد بن حنبل ما جرى من الضرب الشديد والحبس الطويل وضرب بسببها عنق محمد بن نصر الخزاعي، وصارت فتنة عظيمة في ذلك الوقت وما بعده. والقصة أشهر من أن تذكر، ومن أحبّ الوقوف على حقيقتها طالع ترجمة الإمام أحمد بن حنبل في كتاب النبلاء لمؤرخ الإسلام الذهبي. ولقد أصاب أئمة السنّة بامتناعهم من الإجابة إلى القول بخلق القرآن وحدوثه وحفظ الله بهم أمة نبيه عن الابتداع، ولكنهم رحمهم الله جاوزوا ذلك إلى الجزم بقدمه ولم يقتصروا على ذلك حتى كفروا من قال بالحدوث، بل جاوزوا ذلك إلى تكفير من قال : لفظي بالقرآن مخلوق، بل جاوزوا ذلك إلى تكفير من وقف، وليتهم لم يجاوزوا حد الوقف وإرجاع العلم إلى علام الغيوب، فإنه لم يسمع من السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى وقت قيام المحنة وظهور القول في هذه المسألة شيء من الكلام، ولا نقل عنهم كلمة في ذلك، فكان الامتناع من الإجابة إلى ما دعوا إليه، والتمسك بأذيال الوقف، وإرجاع علم ذلك إلى عالمه هو الطريقة المثلى، وفيه السلامة والخلوص من تكفير طوائف من عباد الله، والأمر لله سبحانه. وقوله :﴿ إِلاَّ استمعوه ﴾ استثناء مفرغ في محل نصب على الحال.
وجملة :﴿ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ في محل نصب على الحال أيضاً، من فاعل استمعوه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج النسائي عن أبي سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ قال :" في الدنيا ". وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قال :" من أمر الدنيا " وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ بَلْ قَالُوا أضغاث أَحْلاَمٍ ﴾ أي فعل الأحلام إنما هي رؤيا رآها ﴿ بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ﴾ كل هذا قد كان منه ﴿ فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ﴾ كما جاء عيسى وموسى بالبينات والرسل ﴿ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ أهلكناها ﴾ أي أن الرسل كانوا إذا جاؤوا قومهم بالبينات فلم يؤمنوا لم ينظروا. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : قال أهل مكة للنبيّ صلى الله عليه وسلم : إذا كان ما تقوله حقاً ويسرّك أن نؤمن فحوّل لنا الصفا ذهبا، فأتاه جبريل فقال : إن شئت كان الذي سألك قومك، ولكنه إن كان، ثم لم يؤمنوا لم يُنْظروا، وإن شئت استأنيت بقومك، قال :" بل أستأني بقومي "، فأنزل الله :﴿ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ ﴾ الآية. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا جعلناهم جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطعام ﴾ يقول : لم نجعلهم جسداً ليس يأكلون الطعام، إنما جعلناهم جسداً يأكلون الطعام.
و﴿ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ ﴾ حال أيضاً والمعنى : ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث في حال من الأحوال إلا في الاستماع مع اللعب والاستهزاء ولهوة القلوب، وقرئ :«لاهية » بالرفع كما قرئ :«محدث » بالرفع ﴿ وَأَسَرُّوا النجوى الذين ظَلَمُوا ﴾ النجوى : اسم من التناجي، والتناجي لا يكون إلا سرّاً، فمعنى إسرار النجوى : المبالغة في الإخفاء. وقد اختلف في محل الموصول على أقوال، فقيل : إنه في محل رفع بدل من الواو في ﴿ أسرّوا ﴾، قاله المبرد وغيره. وقيل : هو في محل رفع على الذمّ. وقيل : هو فاعل لفعل محذوف، والتقدير : يقول الذين ظلموا، واختار هذا النحاس، وقيل : في محل نصب بتقدير أعني. وقيل : في محل خفض على أنه بدل من الناس ذكر ذلك المبرد. وقيل : هو في محل رفع على أنه فاعل ﴿ أسرّوا ﴾ على لغة من يجوّز الجمع بين فاعلين، كقولهم : أكلوني البراغيث، ذكر ذلك الأخفش، ومثله ﴿ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ منْهُمْ ﴾ [ المائدة : ٧١ ] ومنه قول الشاعر :
فاهتدين البغال للأغراض ***. . .
وقول الآخر :
ولكن دنا بي أبوه وأمه *** بحوران يعصرن السليط أقاربه
وقال الكسائي : فيه تقديم وتأخير، أي والذين ظلموا أسرّوا النجوى. قال أبو عبيدة : أسرّوا هنا من الأضداد، يحتمل أن يكون بمعنى : أخفوا كلامهم، ويحتمل أن يكون بمعنى : أظهروه وأعلنوه ﴿ هَلْ هذا إِلا بَشَرٌ مثْلُكُمْ ﴾ هذه الجملة بتقدير القول قبلها، أي قالوا : هل هذا الرسول إلا بشر مثلكم لا يتميز عنكم بشيء ؟ ويجوز أن تكون هذه الجملة بدلاً من النجوى، وهل بمعنى النفي أي : وأسرّوا هذا الحديث، والهمزة في ﴿ أَفَتَأْتُونَ السحر ﴾ للإنكار، والفاء للعطف على مقدّر كنظائره، وجملة :﴿ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ في محل نصب على الحال، والمعنى : إذا كان بشراً مثلكم، وكان الذي جاء به سحراً، فكيف تجيبونه إليه وتتبعونه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج النسائي عن أبي سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ قال :" في الدنيا ". وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قال :" من أمر الدنيا " وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ بَلْ قَالُوا أضغاث أَحْلاَمٍ ﴾ أي فعل الأحلام إنما هي رؤيا رآها ﴿ بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ﴾ كل هذا قد كان منه ﴿ فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ﴾ كما جاء عيسى وموسى بالبينات والرسل ﴿ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ أهلكناها ﴾ أي أن الرسل كانوا إذا جاؤوا قومهم بالبينات فلم يؤمنوا لم ينظروا. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : قال أهل مكة للنبيّ صلى الله عليه وسلم : إذا كان ما تقوله حقاً ويسرّك أن نؤمن فحوّل لنا الصفا ذهبا، فأتاه جبريل فقال : إن شئت كان الذي سألك قومك، ولكنه إن كان، ثم لم يؤمنوا لم يُنْظروا، وإن شئت استأنيت بقومك، قال :" بل أستأني بقومي "، فأنزل الله :﴿ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ ﴾ الآية. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا جعلناهم جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطعام ﴾ يقول : لم نجعلهم جسداً ليس يأكلون الطعام، إنما جعلناهم جسداً يأكلون الطعام.
فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما تناجوا به، وأمره الله سبحانه أن يجيب عليهم فقال :﴿ قُل ربّي يَعْلَمُ القول فِي السماء والأرض ﴾ أي لا يخفى عليه شيء مما يقال فيهما، وفي مصاحف أهل الكوفة :﴿ قال ربي ﴾ أي قال محمد : ربي يعلم القول، فهو عالم بما تناجيتم به. قيل : القراءة الأولى أولى، لأنهم أسرّوا هذا القول، فأطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على ذلك وأمره أن يقول لهم هذا. قال النحاس : والقراءتان صحيحتان، وهما بمنزلة آيتين ﴿ وَهُوَ السميع ﴾ لكل ما يسمع ﴿ العليم ﴾ بكل معلوم، فيدخل في ذلك ما أسرّوا دخولاً أولياً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج النسائي عن أبي سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ قال :" في الدنيا ". وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قال :" من أمر الدنيا " وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ بَلْ قَالُوا أضغاث أَحْلاَمٍ ﴾ أي فعل الأحلام إنما هي رؤيا رآها ﴿ بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ﴾ كل هذا قد كان منه ﴿ فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ﴾ كما جاء عيسى وموسى بالبينات والرسل ﴿ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ أهلكناها ﴾ أي أن الرسل كانوا إذا جاؤوا قومهم بالبينات فلم يؤمنوا لم ينظروا. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : قال أهل مكة للنبيّ صلى الله عليه وسلم : إذا كان ما تقوله حقاً ويسرّك أن نؤمن فحوّل لنا الصفا ذهبا، فأتاه جبريل فقال : إن شئت كان الذي سألك قومك، ولكنه إن كان، ثم لم يؤمنوا لم يُنْظروا، وإن شئت استأنيت بقومك، قال :" بل أستأني بقومي "، فأنزل الله :﴿ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ ﴾ الآية. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا جعلناهم جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطعام ﴾ يقول : لم نجعلهم جسداً ليس يأكلون الطعام، إنما جعلناهم جسداً يأكلون الطعام.
﴿ بَلْ قَالُوا أضغاث أَحْلاَمٍ ﴾ قال الزجاج : أي قالوا : الذي تأتي به أضغاث أحلام. قال القتيبي : أضغاث الأحلام الرؤيا الكاذبة. وقال اليزيدي : الأضغاث ما لم يكن له تأويل، وهذا إضراب من جهة الله سبحانه حكاية لما وقع منهم، وانتقال من حكاية قولهم السابق إلى حكاية هذا القول. ثم حكى سبحانه إضرابهم عن قولهم : أضغاث أحلام، قال :﴿ بَلِ افتراه ﴾ أي بل قالوا : افتراه من تلقاء نفسه من غير أن يكون له أصل. ثم حكى سبحانه عنهم أنهم أضربوا عن هذا وقالوا :﴿ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ﴾ وما أتى به من جنس الشعر، وفي هذا الاضطراب منهم، والتلوّن والتردّد أعظم دليل على أنهم جاهلون بحقيقة ما جاء به، لا يدرون ما هو ولا يعرفون كنهه ؟ أو كانوا قد علموا أنه حق، وأنه من عند الله، ولكن أرادوا أن يدفعوه بالصدر ويرموه بكل حجر ومدر، وهذا شأن من غلبته الحجة وقهره البرهان. ثم بعد هذا كله، قالوا :﴿ فليأتنا بآية ﴾ وهذا جواب شرط محذوف أي : إن لم يكن كما قلنا : فليأتنا بآية ﴿ كَمَا أُرْسِلَ الأولون ﴾ أي كما أرسل موسى بالعصا وغيرها، وصالح بالناقة، ومحل الكاف الجرّ صفة لآية، ويجوز أن يكون نعت مصدر محذوف، وكان سؤالهم هذا سؤال تعنت، لأن الله سبحانه قد أعطاهم من الآيات ما يكفي، ولو علم الله سبحانه أنهم يؤمنون إذا أعطاهم ما يقترحوه لأعطاهم ذلك، كما قال :﴿ وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُم مُعْرِضُونَ ﴾ [ الأنفال : ٢٣ ] قال الزجاج : اقترحوا الآيات التي لا يقع معها إمهال.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج النسائي عن أبي سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ قال :" في الدنيا ". وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قال :" من أمر الدنيا " وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ بَلْ قَالُوا أضغاث أَحْلاَمٍ ﴾ أي فعل الأحلام إنما هي رؤيا رآها ﴿ بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ﴾ كل هذا قد كان منه ﴿ فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ﴾ كما جاء عيسى وموسى بالبينات والرسل ﴿ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ أهلكناها ﴾ أي أن الرسل كانوا إذا جاؤوا قومهم بالبينات فلم يؤمنوا لم ينظروا. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : قال أهل مكة للنبيّ صلى الله عليه وسلم : إذا كان ما تقوله حقاً ويسرّك أن نؤمن فحوّل لنا الصفا ذهبا، فأتاه جبريل فقال : إن شئت كان الذي سألك قومك، ولكنه إن كان، ثم لم يؤمنوا لم يُنْظروا، وإن شئت استأنيت بقومك، قال :" بل أستأني بقومي "، فأنزل الله :﴿ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ ﴾ الآية. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا جعلناهم جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطعام ﴾ يقول : لم نجعلهم جسداً ليس يأكلون الطعام، إنما جعلناهم جسداً يأكلون الطعام.
فقال الله مجيباً لهم :﴿ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ ﴾ أي قبل مشركي مكة، ومعنى ﴿ من قرية ﴾ : من أهل قرية، ووصف القرية بقوله :﴿ أهلكناها ﴾ أي أهلكنا أهلها، أو أهلكناها بإهلاك أهلها. وفيه بيان أن سنّة الله في الأمم السالفة أن المقترحين إذا أعطوا ما اقترحوه ثم لم يؤمنوا نزل بهم عذاب الاستئصال لا محالة، و«من » في ﴿ من قرية ﴾ مزيدة للتأكيد. والمعنى : ما آمنت قرية من القرى التي أهلكناها بسبب اقتراحهم قبل هؤلاء، فكيف نعطيهم ما يقترحون، وهم أسوة من قبلهم، والهمزة في ﴿ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ﴾ للتقريع والتوبيخ، والمعنى : إن لم تؤمن أمة من الأمم المهلكة عند إعطاء ما اقترحوا، فكيف يؤمن هؤلاء لو أعطوا ما اقترحوا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج النسائي عن أبي سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ قال :" في الدنيا ". وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قال :" من أمر الدنيا " وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ بَلْ قَالُوا أضغاث أَحْلاَمٍ ﴾ أي فعل الأحلام إنما هي رؤيا رآها ﴿ بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ﴾ كل هذا قد كان منه ﴿ فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ﴾ كما جاء عيسى وموسى بالبينات والرسل ﴿ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ أهلكناها ﴾ أي أن الرسل كانوا إذا جاؤوا قومهم بالبينات فلم يؤمنوا لم ينظروا. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : قال أهل مكة للنبيّ صلى الله عليه وسلم : إذا كان ما تقوله حقاً ويسرّك أن نؤمن فحوّل لنا الصفا ذهبا، فأتاه جبريل فقال : إن شئت كان الذي سألك قومك، ولكنه إن كان، ثم لم يؤمنوا لم يُنْظروا، وإن شئت استأنيت بقومك، قال :" بل أستأني بقومي "، فأنزل الله :﴿ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ ﴾ الآية. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا جعلناهم جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطعام ﴾ يقول : لم نجعلهم جسداً ليس يأكلون الطعام، إنما جعلناهم جسداً يأكلون الطعام.
ثم أجاب سبحانه عن قولهم : هل هذا إلا بشر مثلكم بقوله :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمُ ﴾ أي لم نرسل قبلك إلى الأمم السابقة إلا رجالاً من البشر، ولم نرسل إليهم ملائكة كما قال سبحانه :﴿ قُل لَوْ كَانَ فِي الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم منَ السماء مَلَكًا رَسُولاً ﴾ [ الإسراء : ٩٥ ]. وجملة يوحي إليهم مستأنفة لبيان كيفية الإرسال، ويجوز أن تكون صفة ل﴿ رجالاً ﴾ أي متصفين بصفة الإيحاء إليهم. قرأ حفص وحمزة والكسائي :﴿ نوحي ﴾ بالنون، وقرأ الباقون بالياء : التحتية. ثم أمرهم الله بأن يسألوا أهل الذكر إن كانوا يجهلون هذا فقال :﴿ فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ وأهل الذكر : هم أهل الكتابين : اليهود والنصارى، ومعنى ﴿ إن كنتم لا تعلمون ﴾ : إن كنتم لا تعلمون أن رسل الله من البشر، كذا قال أكثر المفسرين. وقد كان اليهود والنصارى لا يجهلون ذلك ولا ينكرونه، وتقدير الكلام : إن كنتم لا تعلمون ما ذكر فاسألوا أهل الذكر. وقد استدل بالآية على أن التقليد جائز وهو خطأ، ولو سلم لكان المعنى سؤالهم عن النصوص من الكتاب والسنّة، لا عن الرأي البحت، وليس التقليد إلا قبول قول الغير دون حجته. وقد أوضحنا هذا في رسالة بسيطة : سميناها «القول المفيد في حكم التقليد ».
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج النسائي عن أبي سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ قال :" في الدنيا ". وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قال :" من أمر الدنيا " وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ بَلْ قَالُوا أضغاث أَحْلاَمٍ ﴾ أي فعل الأحلام إنما هي رؤيا رآها ﴿ بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ﴾ كل هذا قد كان منه ﴿ فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ﴾ كما جاء عيسى وموسى بالبينات والرسل ﴿ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ أهلكناها ﴾ أي أن الرسل كانوا إذا جاؤوا قومهم بالبينات فلم يؤمنوا لم ينظروا. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : قال أهل مكة للنبيّ صلى الله عليه وسلم : إذا كان ما تقوله حقاً ويسرّك أن نؤمن فحوّل لنا الصفا ذهبا، فأتاه جبريل فقال : إن شئت كان الذي سألك قومك، ولكنه إن كان، ثم لم يؤمنوا لم يُنْظروا، وإن شئت استأنيت بقومك، قال :" بل أستأني بقومي "، فأنزل الله :﴿ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ ﴾ الآية. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا جعلناهم جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطعام ﴾ يقول : لم نجعلهم جسداً ليس يأكلون الطعام، إنما جعلناهم جسداً يأكلون الطعام.
ثم لما فرغ سبحانه من الجواب عن شبهتهم أكد كون الرسل من جنس البشر فقال :﴿ وَمَا جعلناهم جَسَداً لاَ يَأْكُلُونَ الطعام ﴾ أي أن الرسل أسوة لسائر أفراد بني آدم في حكم الطبيعة يأكلون كما يأكلون ويشربون كما يشربون، والجسد جسم الإنسان. قال الزجاج : هو واحد، يعني الجسد ينبئ عن جماعة، أي وما جعلناهم ذوي أجساد لا يأكلون الطعام فجملة :﴿ لا يأكلون الطعام ﴾ صفة ل﴿ جسداً ﴾ أي وما جعلناهم جسداً مستغنياً عن الأكل، بل هو محتاج إلى ذلك ﴿ وَمَا كَانُوا خالدين ﴾ بل يموتون كما يموت غيرهم من البشر، وقد كانوا يعتقدون أن الرسل لا يموتون، فأجاب الله عليهم بهذا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج النسائي عن أبي سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ قال :" في الدنيا ". وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قال :" من أمر الدنيا " وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ بَلْ قَالُوا أضغاث أَحْلاَمٍ ﴾ أي فعل الأحلام إنما هي رؤيا رآها ﴿ بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ﴾ كل هذا قد كان منه ﴿ فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ﴾ كما جاء عيسى وموسى بالبينات والرسل ﴿ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ أهلكناها ﴾ أي أن الرسل كانوا إذا جاؤوا قومهم بالبينات فلم يؤمنوا لم ينظروا. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : قال أهل مكة للنبيّ صلى الله عليه وسلم : إذا كان ما تقوله حقاً ويسرّك أن نؤمن فحوّل لنا الصفا ذهبا، فأتاه جبريل فقال : إن شئت كان الذي سألك قومك، ولكنه إن كان، ثم لم يؤمنوا لم يُنْظروا، وإن شئت استأنيت بقومك، قال :" بل أستأني بقومي "، فأنزل الله :﴿ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ ﴾ الآية. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا جعلناهم جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطعام ﴾ يقول : لم نجعلهم جسداً ليس يأكلون الطعام، إنما جعلناهم جسداً يأكلون الطعام.
وجملة :﴿ ثُمَّ صدقناهم الوعد ﴾ معطوفة على جملة يدلّ عليها السياق، والتقدير : أوحينا إليهم ما أوحينا. ﴿ ثم صدقناهم الوعد ﴾ أي أنجزنا وعدهم الذي وعدناهم بإنجائهم وإهلاك من كذبهم، ولهذا قال سبحانه :﴿ فأنجيناهم وَمَن نَشَاء ﴾ من عبادنا المؤمنين، والمراد : إنجاؤهم من العذاب وإهلاك من كفر بالعذاب الدنيوي، والمراد ب﴿ المسرفين ﴾ : المجاوزون للحدّ في الكفر والمعاصي، وهم المشركون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج النسائي عن أبي سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ قال :" في الدنيا ". وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قال :" من أمر الدنيا " وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ بَلْ قَالُوا أضغاث أَحْلاَمٍ ﴾ أي فعل الأحلام إنما هي رؤيا رآها ﴿ بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ﴾ كل هذا قد كان منه ﴿ فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ﴾ كما جاء عيسى وموسى بالبينات والرسل ﴿ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ أهلكناها ﴾ أي أن الرسل كانوا إذا جاؤوا قومهم بالبينات فلم يؤمنوا لم ينظروا. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : قال أهل مكة للنبيّ صلى الله عليه وسلم : إذا كان ما تقوله حقاً ويسرّك أن نؤمن فحوّل لنا الصفا ذهبا، فأتاه جبريل فقال : إن شئت كان الذي سألك قومك، ولكنه إن كان، ثم لم يؤمنوا لم يُنْظروا، وإن شئت استأنيت بقومك، قال :" بل أستأني بقومي "، فأنزل الله :﴿ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ ﴾ الآية. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا جعلناهم جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطعام ﴾ يقول : لم نجعلهم جسداً ليس يأكلون الطعام، إنما جعلناهم جسداً يأكلون الطعام.
وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ قَالَ: «فِي الدُّنْيَا». وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْآيَةِ قَالَ: «مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا». وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ أي: فعل الأحلام إنما هِيَ رُؤْيَا رَآهَا بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ كُلُّ هَذَا قَدْ كَانَ مِنْهُ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ كَمَا جَاءَ عِيسَى وَمُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ وَالرُّسُلِ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَيْ: أَنَّ الرُّسُلَ كَانُوا إِذَا جَاءُوا قَوْمَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَلَمْ يُؤْمِنُوا لَمْ يَنْظُرُوا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ أهل مكة للنبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَ مَا تَقُولَهُ حَقًّا، وَيَسُرُّكَ أَنْ نُؤْمِنَ، فَحَوِّلْ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ كَانَ الَّذِي سَأَلَكَ قَوْمُكَ، وَلَكِنَّهُ إِنْ كَانَ، ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا لَمْ يُنْظَرُوا، وَإِنْ شِئْتَ اسْتَأْنَيْتَ بِقَوْمِكَ، قَالَ: «بَلْ أَسَتَأْنِي بِقَوْمِي»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لَا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ يَقُولُ: لَمْ نَجْعَلْهُمْ جَسَدًا لَيْسَ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، إِنَّمَا جَعَلْنَاهُمْ جسدا يأكلون الطعام.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١٠ الى ٢٥]
لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠) وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤)
فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩)
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ (٢٠) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤)
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)
نَبَّهَ عِبَادَهُ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً يَعْنِي القرآن فِيهِ ذِكْرُكُمْ صفة ل «كتابا»، وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ هُنَا الشَّرَفُ، أَيْ: فِيهِ شَرَفُكُمْ، كقوله: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ «١» وَقِيلَ:
فِيهِ ذِكْرُكُمْ، أَيْ: ذِكْرُ أَمْرِ دِينِكُمْ، وَأَحْكَامِ شَرْعِكُمْ وَمَا تَصِيرُونَ إِلَيْهِ مِنْ ثَوَابٍ أَوْ عِقَابٍ، وَقِيلَ: فِيهِ حَدِيثُكُمْ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: مَكَارِمُ أَخْلَاقِكُمْ وَمَحَاسِنُ أَعْمَالِكُمْ. وَقِيلَ: فِيهِ الْعَمَلُ بِمَا فِيهِ حَيَاتُكُمْ. قَالَهُ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَقِيلَ: فِيهِ مَوْعِظَتُكُمْ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَفَلا تَعْقِلُونَ لِلتَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ، أَيْ: أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ، أَوْ لَا تَعْقِلُونَ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا مَا ذُكِرَ، ثم أوعدهم وحذّرهم ما
(١). الزخرف: ٤٤.
472
جَرَى عَلَى الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ، فَقَالَ: وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً كَمْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولُ قَصَمْنَا، وَهِيَ الْخَبَرِيَّةُ الْمُفِيدَةُ لِلتَّكْثِيرِ، وَالْقَصْمُ: كَسْرُ الشَّيْءِ وَدَقُّهُ، يُقَالُ: قصمت ظهر فلان إذا كسرته، وانقصمت سِنُّهُ إِذَا انْكَسَرَتْ. وَالْمَعْنَى هُنَا: الْإِهْلَاكُ وَالْعَذَابُ، وَأَمَّا الْفَصْمُ بِالْفَاءِ فَهُوَ الصَّدْعُ فِي الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ بَيْنُونَةٍ، وَجُمْلَةُ كانَتْ ظالِمَةً فِي مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةٌ لِقَرْيَةٍ، وَفِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ، أَيْ: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ كَانُوا ظَالِمِينَ، أَيْ: كَافِرِينَ بِاللَّهِ مُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ، وَالظُّلْمُ فِي الْأَصْلِ: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَهُمْ وَضَعُوا الْكُفْرَ فِي مَوْضِعِ الْإِيمَانِ وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ أَيْ: أَوْجَدْنَا وَأَحْدَثْنَا بعد إهلاك أهلها قوما ليسوا منهم فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا أَيْ: أَدْرَكُوا، أَوْ رَأَوْا عذابنا، وقال الأخفش:
خافوا وتوقّعوا، والبأس: الْعَذَابُ الشَّدِيدُ. إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ الرَّكْضُ: الْفِرَارُ وَالْهَرَبُ وَالِانْهِزَامُ، وَأَصْلُهُ مِنْ رَكَضَ الرَّجُلُ الدَّابَّةَ بِرِجْلَيْهِ، يُقَالُ: رَكْضَ الْفَرَسَ إِذَا كَدَّهُ بِسَاقَيْهِ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى قِيلَ: رَكَضَ الْفَرَسُ إذا عدا، ومنه: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ «١». وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَهْرُبُونَ مِنْهَا رَاكِضِينَ دَوَابَّهُمْ، فَقِيلَ لَهُمْ:
لَا تَرْكُضُوا أَيْ: لَا تَهْرَبُوا. قِيلَ: إن الملائكة نادتهم بذلك عِنْدَ فِرَارِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ الْقَائِلَ لَهُمْ ذَلِكَ هُمْ مَنْ هُنَالِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتِهْزَاءً بِهِمْ وَسُخْرِيَةً مِنْهُمْ وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ أَيْ: إِلَى نِعَمِكُمُ الَّتِي كَانَتْ سَبَبُ بَطَرِكُمْ وكفركم، والمترف: المنعم، يقال: أترف على فُلَانٌ، أَيْ: وُسِّعَ عَلَيْهِ فِي مَعَاشِهِ.
وَمَساكِنِكُمْ أَيْ: وَارْجِعُوا إِلَى مَسَاكِنِكُمُ الَّتِي كُنْتُمْ تَسْكُنُونَهَا وتفتخرون بها لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ أَيْ:
تَقْصِدُونَ لِلسُّؤَالِ وَالتَّشَاوُرِ وَالتَّدْبِيرِ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ التَّهَكُّمِ بِهِمْ وَالتَّوْبِيخِ لَهُمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى:
لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ عَمَّا نَزَلَ بِكُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ فَتُخْبِرُونَ بِهِ. وَقِيلَ: لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا كَمَا كُنْتُمْ تُسْأَلُونَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِكُمْ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ الْأَخْبَارِ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَهْلُ حَضُورٍ مِنَ الْيَمَنِ، وَكَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ بَعَثَ إِلَيْهِمْ نَبِيًّا اسْمُهُ شُعَيْبُ بْنُ مُهَدَّمٍ، وَقَبْرُهُ بِجَبَلٍ مِنْ جِبَالِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ ضِينٌ، وَبَيْنَهُ وبين حضور نحو يريد، قَالُوا: وَلَيْسَ هُوَ شُعَيْبًا صَاحِبَ مَدْيَنَ. قُلْتُ: وآثار القبر بجبل ضين موجودة، وو العامة مِنْ أَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَبْرُ قُدُمِ بْنِ قَادِمٍ قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ أَيْ: قَالُوا لَمَّا قَالَتْ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ لَا تَرْكُضُوا: يَا وَيْلَنَا، أَيْ: بِإِهْلَاكِنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ لِأَنْفُسِنَا، مُسْتَوْجَبِينَ الْعَذَابَ بِمَا قَدَّمْنَا، فَاعْتَرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالظُّلْمِ الْمُوجِبِ لِلْعَذَابِ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ أَيْ: مَا زَالَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ دَعْوَاهُمْ، أَيْ:
دَعْوَتَهُمْ، وَالْكَلِمَةُ: هِيَ قَوْلُهُمْ يَا وَيْلَنَا، أَيْ: يَدْعُونَ بِهَا وَيُرَدِّدُونَهَا حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً أَيْ:
بِالسُّيُوفِ كَمَا يُحْصَدُ الزَّرْعُ بِالْمِنْجَلِ، وَالْحَصِيدُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَحْصُودِ، وَمَعْنَى خامِدِينَ أنهم ميتون، من خمدت إِذَا طُفِئَتْ، فَشَبَّهَ خُمُودَ الْحَيَاةِ بِخُمُودِ النَّارِ، كَمَا يُقَالُ لِمَنْ مَاتَ قَدْ طُفِئَ وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ أَيْ: لَمْ نَخْلُقْهُمَا عَبَثًا وَلَا بَاطِلًا، بَلْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ لَهُمَا خَالِقًا قَادِرًا يَجِبُ امْتِثَالُ أَمْرِهِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِجْمَالِيَّةٌ إِلَى تَكْوِينِ الْعَالَمِ، وَالْمُرَادُ بِمَا بَيْنَهُمَا سَائِرُ الْمَخْلُوقَاتِ الْكَائِنَةِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا وَتَبَايُنِ أَجْنَاسِهَا لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً اللَّهْوُ: مَا يتلهّى به، قيل: اللهو، الزوجة والولد،
(١). ص: ٤٢.
473
وَقِيلَ: الزَّوْجَةُ فَقَطْ، وَقِيلَ: الْوَلَدُ فَقَطْ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَدْ يُكَنَّى بِاللَّهْوِ عَنِ الْجِمَاعِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
أَلَا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْيَوْمَ أَنَّنِي كَبُرْتُ وَأَلَّا يُحْسِنَ اللَّهْوَ أَمْثَالِي
وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ «١» :
وَفِيهِنَّ مَلْهَى لِلصَّدِيقِ وَمَنْظَرُ «٢»
................
وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِتَقْرِيرِ مَضْمُونِ مَا قبلها، وجواب لقوله: لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا أَيْ: مِنْ عِنْدِنَا وَمِنْ جِهَةِ قُدْرَتِنَا لَا مِنْ عِنْدِكُمْ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَيْ: مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ بِإِضَافَةِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ إِلَى اللَّهِ، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًا كَبِيرًا. وَقِيلَ: أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ قَالَ: الْأَصْنَامُ أَوِ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ.
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْآيَةُ رَدٌّ عَلَى النَّصَارَى إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَا كُنَّا فَاعِلِينَ.
قَالَ الْفَرَّاءُ وَالْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «إِنَّ» للنفي كما ذكره المفسرون، أي: ما فعلنا ذَلِكَ وَلَمْ نَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلشَّرْطِ، أَيْ: إِنْ كُنَّا مِمَّنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا. قَالَ الْفَرَّاءُ:
وَهَذَا أَشْبَهُ الْوَجْهَيْنِ بِمَذْهَبِ الْعَرَبِيَّةِ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ هَذَا إِضْرَابٌ عَنِ اتِّخَاذِ اللَّهْوِ، أَيْ:
دَعْ ذَلِكَ الَّذِي قَالُوا فَإِنَّهُ كَذِبٌ وَبَاطِلٌ، بَلْ شَأْنُنَا أَنْ نَرْمِيَ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ أَيْ: يَقْهَرُهُ، وَأَصْلُ الدَّمْغِ شَجُّ الرَّأْسِ حَتَّى يَبْلُغَ الدِّمَاغَ، وَمِنْهُ الدَّامِغَةُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى نُذْهِبُهُ ذَهَابَ الصِّغَارِ وَالْإِذْلَالِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَهُ إِصَابَةُ الدِّمَاغِ بِالضَّرْبِ. قِيلَ: أراد بالحق الحجة وبالباطل شبههم اه. وَقِيلَ: الْحَقُّ الْمَوَاعِظُ، وَالْبَاطِلُ الْمَعَاصِي، وَقِيلَ: الْبَاطِلُ الشَّيْطَانُ. وَقِيلَ: كَذِبُهُمْ. وَوَصْفُهُمُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِغَيْرِ صِفَاتِهِ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ أَيْ: زَائِلٌ ذَاهِبٌ، وَقِيلَ: هَالِكٌ تَالِفٌ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ، وَإِذَا هِيَ الْفُجَائِيَّةُ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ أَيِ: الْعَذَابُ في الآخرة بسبب وصفكم لله بِمَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: الْوَيْلُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، وَهُوَ وَعِيدٌ لِقُرَيْشٍ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ مِثْلَ الَّذِي لِأُولَئِكَ وَمَنْ هِيَ التَّعْلِيلِيَّةُ وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عَبِيدًا وَمِلْكًا، وَهُوَ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ وَمَالِكُهُمْ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَعْضُ مَخْلُوقَاتِهِ شَرِيكًا يُعْبَدُ كَمَا يُعْبَدُ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا وَمَنْ عِنْدَهُ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْهُمْ بِكَوْنِهِمْ عِنْدَهُ إِشَارَةٌ إِلَى تَشْرِيفِهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ، وَأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُقَرَّبِينَ عِنْدَ الْمُلُوكِ، ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ: لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ أَيْ: لَا يَتَعَاظَمُونَ وَلَا يَأْنَفُونَ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَالتَّذَلُّلِ لَهُ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ أَيْ: لَا يَعْيَوْنَ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَسِيرِ، وَهُوَ الْبَعِيرُ الْمُنْقَطِعُ بِالْإِعْيَاءِ وَالتَّعَبِ، يُقَالُ: حَسَرَ الْبَعِيرَ يَحْسُرُ حُسُورًا أَعْيَا وَكَلَّ، وَاسْتَحْسَرَ وَتَحَسَّرَ مِثْلُهُ، وَحَسَرْتُهُ أَنَا حَسْرًا، يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى. قَالَ أَبُو زَيْدٍ:
لَا يكلّون «٣»، وقال ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: لَا يَفْشَلُونَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْتُمْ أَنَّهُمْ أَوْلَادُ
(١). هو زهير بن أبي سلمى. [.....]
(٢). وعجزه: أنيق لعين النّاظر المتوسّم.
(٣). في تفسير القرطبي (١١/ ٢٧٨) : لا يملون.
474
اللَّهِ عِبَادُ اللَّهِ لَا يَأْنَفُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَتَعَظَّمُونَ عَنْهَا، كَقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ «١» وَقِيلَ: الْمَعْنَى: لَا يَنْقَطِعُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ. وَهَذِهِ الْمَعَانِي مُتَقَارِبَةٌ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ أَيْ: يُنَزِّهُونَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ دَائِمًا لَا يَضْعُفُونَ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يَسْأَمُونَ، وَقِيلَ: يُصَلُّونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: مَجْرَى التَّسْبِيحِ مِنْهُمْ كَمَجْرَى النَّفْسِ مِنَّا لَا يَشْغَلُنَا عَنِ النَّفَسِ شَيْءٌ، فَكَذَلِكَ تَسْبِيحُهُمْ دَائِمٌ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ إِمَّا مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ قَالَ الْمُفَضَّلُ: مَقْصُودُ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ الْجَحْدُ، أَيْ: لم يتّخذوا آلهة تقدر على الإحياء، و «أم» هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ، وَالْهَمْزَةُ لِإِنْكَارِ الْوُقُوعِ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: إِنَّ «أَمْ» هُنَا بِمَعْنَى هَلْ، أَيْ: هَلِ اتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ يُحْيُونَ الْمَوْتَى، وَلَا تَكُونُ «أَمْ» هُنَا بِمَعْنَى بَلْ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ لَهُمْ إِنْشَاءَ الْمَوْتَى إِلَّا أَنْ تُقَدَّرَ أَمْ مَعَ الِاسْتِفْهَامِ، فَتَكُونُ «أَمِ» المنقطعة، فيصحّ المعنى، و «من الْأَرْضِ» مُتَعَلِّقٌ بِاتَّخَذُوا، أَوْ بِمَحْذُوفٍ هُوَ صِفَةٌ لِآلِهَةٍ، وَمَعْنَى هُمْ يُنْشِرُونَ هُمْ يَبْعَثُونَ الْمَوْتَى، وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِآلِهَةٍ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ هِيَ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا الْإِنْكَارُ وَالتَّجْهِيلُ، لَا نَفْسُ الِاتِّخَاذِ، فَإِنَّهُ وَاقِعٌ مِنْهُمْ لَا مَحَالَةَ. وَالْمَعْنَى: بَلِ اتخذوا آلهة من الأرض هن خَاصَّةً مَعَ حَقَارَتِهِمْ يُنْشِرُونَ الْمَوْتَى، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مَا اتَّخَذُوهَا آلِهَةً بِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ يُنْشِرُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ مِنْ أَنْشَرَهُ، أَيْ: أَحْيَاهُ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ بِفَتْحِ الْيَاءِ، أَيْ: يَحْيَوْنَ وَلَا يَمُوتُونَ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَقَامَ الْبُرْهَانَ عَلَى بُطْلَانِ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ، فَقَالَ: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا أَيْ: لَوْ كَانَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ آلِهَةٌ مَعْبُودُونَ غَيْرُ اللَّهِ لَفَسَدَتَا، أَيْ: لَبَطَلَتَا، يَعْنِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِمَا فِيهِمَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ وَسِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَشُ وَالزَّجَّاجُ وَجُمْهُورُ النُّحَاةِ: إِنَّ «إِلَّا» هُنَا لَيْسَتْ لِلِاسْتِثْنَاءِ، بَلْ بِمَعْنَى غَيْرُ صِفَةٌ لِآلِهَةٍ، وَلِذَلِكَ ارْتَفَعَ الِاسْمُ الَّذِي بَعْدَهَا، وَظَهَرَ فِيهِ إِعْرَابُ غَيْرُ الَّتِي جَاءَتْ إِلَّا بِمَعْنَاهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ لَعَمْرُ أَبِيكَ إِلَّا الْفَرْقَدَانِ
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّ «إِلَّا» هُنَا بِمَعْنَى سِوَى، وَالْمَعْنَى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ سِوَى اللَّهِ لَفَسَدَتَا، وَوَجْهُ الْفَسَادِ أَنَّ كَوْنَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَادِرًا عَلَى الِاسْتِبْدَادِ بِالتَّصَرُّفِ، فَيَقَعُ عِنْدَ ذَلِكَ التَّنَازُعُ وَالِاخْتِلَافُ، وَيَحْدُثُ بِسَبَبِهِ الْفَسَادُ، اه. فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ الْفَاءُ لِتَرْتِيبِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا مِنْ ثُبُوتِ الْوَحْدَانِيَّةِ بِالْبُرْهَانِ، أَيْ: تَنَزَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ ثُبُوتِ الشَّرِيكِ لَهُ، وَفِيهِ إِرْشَادٌ لِلْعِبَادِ أَنْ يُنَزِّهُوا الرَّبَّ سبحانه عمّا لا يليق به لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لِقُوَّةِ سُلْطَانِهِ وَعَظِيمِ جَلَالِهِ لَا يَسْأَلُهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ قَضَائِهِ وقدره وَهُمْ أي: العباد يُسْئَلُونَ عَمَّا يَفْعَلُونَ، أَيْ: يَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ عَبِيدُهُ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لا يؤاخذ عل أفعاله وهم يؤاخذون. قيل: والمراد بِذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ بَيَّنَ لِعِبَادِهِ أَنَّ مَنْ يُسْأَلُ عَنْ أَعْمَالِهِ كَالْمَسِيحِ وَالْمَلَائِكَةِ لَا يَصْلُحُ لِأَنْ يَكُونَ إِلَهًا أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً أَيْ: بَلِ اتَّخَذُوا، وَفِيهِ إِضْرَابٌ وَانْتِقَالٌ من
(١). الأعراف: ٢٠٦.
475
إِظْهَارِ بُطْلَانِ كَوْنِهَا آلِهَةً بِالْبُرْهَانِ السَّابِقِ إِلَى إِظْهَارِ بُطْلَانِ اتِّخَاذِهَا آلِهَةً مَعَ تَوْبِيخِهِمْ بِطَلَبِ الْبُرْهَانِ مِنْهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ عَلَى دَعْوَى أَنَّهَا آلِهَةٌ، أَوْ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ آلِهَةٍ سِوَى اللَّهِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لَا مِنْ عَقْلٍ وَلَا نَقْلٍ لِأَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ قَدْ مَرَّ بَيَانُهُ، وَأَمَّا دَلِيلُ النَّقْلِ فَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي أَيْ: هَذَا الْوَحْيُ الْوَارِدُ فِي شَأْنِ التَّوْحِيدِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْبُرْهَانِ الْقَاطِعِ ذِكْرُ أُمَّتِي وَذِكْرُ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، وَقَدْ أَقَمْتُهُ عَلَيْكُمْ وَأَوْضَحْتُهُ لَكُمْ، فَأَقِيمُوا أَنْتُمْ بُرْهَانَكُمْ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: هَذَا الْقُرْآنُ وَهَذِهِ الْكُتُبُ الَّتِي أُنْزِلَتْ قَبْلِي، فَانْظُرُوا هَلْ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِاتِّخَاذِ إِلَهٍ سِوَاهُ. قَالَ الزَّجَّاجُ:
قِيلَ لَهُمْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ بِأَنَّ رَسُولًا مِنَ الرُّسُلِ أَنْبَأَ أُمَّتَهُ بأن لهم إلها غير الله، فهل في ذِكْرُ مَنْ مَعِي وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي إِلَّا توحيد الله؟ وقيل: معنى الكلام والوعيد وَالتَّهْدِيدُ، أَيِ: افْعَلُوا مَا شِئْتُمْ فَعَنْ قَرِيبٍ يَنْكَشِفُ الْغِطَاءُ.
وَحَكَى أَبُو حَاتِمٍ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْمَرَ وَطَلْحَةَ بْنَ مُصَرِّفٍ قَرَأَ: «هَذَا ذِكْرٌ مِنْ مَعِي وَذِكْرٌ مِنْ قَبْلِي» بِالتَّنْوِينِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي تَوْجِيهِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: إِنَّ الْمَعْنَى هَذَا ذِكْرٌ مِمَّا أُنْزِلَ إِلَيَّ وَمِمَّا هُوَ مَعِيَ وَذِكْرُ مِنْ قَبْلِي. وَقِيلَ: ذِكْرٌ كَائِنٌ مِنْ قَبْلِي، أَيْ: جِئْتُ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِي.
ثُمَّ لَمَّا تَوَجَّهَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ ذَمَّهُمْ بِالْجَهْلِ بِمَوَاضِعِ الْحَقِّ فَقَالَ: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ وَهَذَا إِضْرَابٌ مِنْ جِهَتِهِ سُبْحَانَهُ وَانْتِقَالٌ مِنْ تَبْكِيتِهِمْ بِمُطَالَبَتِهِمْ بِالْبُرْهَانِ إِلَى بَيَانِ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِمْ إِقَامَةُ الْبُرْهَانِ لِكَوْنِهِمْ جَاهِلِينَ لِلْحَقِّ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَاطِلِ. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَالْحَسَنُ الْحَقُّ بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى هَذَا الْحَقِّ، أَوْ هُوَ الْحَقُّ، وَجُمْلَةُ فَهُمْ مُعْرِضُونَ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ كَوْنِ أَكْثَرِهِمْ لَا يَعْلَمُونَ، أَيْ: فَهُمْ لِأَجْلِ هَذَا الْجَهْلِ الْمُسْتَوْلِي عَلَى أَكْثَرِهِمْ مُعْرِضُونَ عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ مُسْتَمِرُّونَ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنِ التَّوْحِيدِ وَاتِّبَاعِ الرَّسُولِ، فَلَا يَتَأَمَّلُونَ حُجَّةً، وَلَا يَتَدَبَّرُونَ فِي بُرْهَانٍ، وَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِي دَلِيلٍ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ قَرَأَ حَفْصٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ نُوحِي بِالنُّونِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ، أَيْ: نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا وَفِي هَذَا تَقْرِيرٌ لِأَمْرِ التَّوْحِيدِ وَتَأْكِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَخَتَمَ الْآيَةَ بِالْأَمْرِ لِعِبَادِهِ بِعِبَادَتِهِ، فَقَالَ فَاعْبُدُونِ فَقَدِ اتَّضَحَ لَكُمْ دَلِيلُ الْعَقْلِ، وَدَلِيلُ النَّقْلِ، وَقَامَتْ عَلَيْكُمْ حُجَّةُ اللَّهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ قَالَ: شَرَفُكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي الْآيَةِ قَالَ: فِيهِ حَدِيثُكُمْ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: فِيهِ دِينُكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا مِنْ حِمْيَرَ يُقَالُ لَهُ شُعَيْبٌ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ عَبْدٌ فَضَرَبَهُ بِعَصًا، فَسَارَ إِلَيْهِمْ بُخْتُنَصَّرُ فَقَاتَلَهُمْ فَقَتَلَهُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ شَيْءٌ، وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ: وَكَمْ قَصَمْنا إِلَى قَوْلِهِ: خامِدِينَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْكَلْبِيِّ فِي قَوْلِهِ:
وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ قَالَ: هِيَ حَضُورُ بَنِي أَزْدٍ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ:
وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ قَالَ: ارْجِعُوا إِلَى دُورِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ:
فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ قَالَ: هُمْ أَهْلُ حَضُورٍ كَانُوا قَتَلُوا نَبِيَّهُمْ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُخَتُنَصَّرَ فَقَتَلَهُمْ،
476
ثم أوعدهم وحذرهم ما جرى على الأمم المكذبة، فقال :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظالمة ﴾ :«كم » في محل نصب على أنها مفعول ﴿ قصمنا ﴾ وهي الخبرية المفيدة للتكثير، والقصم : كسر الشيء ودقه، يقال : قصمت ظهر فلان : إذا كسرته، واقتصمت سنه : إذا انكسرت، والمعنى هنا : الإهلاك والعذاب. وأما الفصم بالفاء فهو الصدع في الشيء من غير بينونة، وجملة :﴿ كَانَتْ ظالمة ﴾ في محل جرّ صفة لقرية، وفي الكلام مضاف محذوف، أي وكم قصمنا من أهل قرية كانوا ظالمين، أي كافرين بالله مكذبين بآياته، والظلم في الأصل : وضع الشيء في غير موضعه، وهم وضعوا الكفر في موضع الإيمان ﴿ وأنشأنا بعدها قوماً آخرين ﴾ أي أوجدنا وأحدثنا بعد إهلاك أهلها قوماً ليسوا منهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ قال : شرفكم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : فيه حديثكم. وفي رواية عنه قال : فيه دينكم. وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : بعث الله نبياً من حمير يقال له : شعيب، فوثب إليه عبد فضربه بعصا، فسار إليهم بختنصر [ فقاتلتهم ] فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء، وفيهم أنزل الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد، وابن المنذر عن الكلبي في قوله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ قال : هي حضور بني أزد، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ﴾ قال : ارجعوا إلى دوركم وأموالكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ قال : هم أهل حضور كانوا قتلوا نبيهم، فأرسل الله عليهم بختنصر فقتلهم، وفي قوله :﴿ فجعلناهم حَصِيداً خامدين ﴾ قال : بالسيف ضرب الملائكة وجوههم حتى رجعوا إلى مساكنهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال : حدّثني رجل من الجزريين قال : كان اليمن قريتان، يقال لإحداهما : حضور، وللأخرى قلابة، فبطروا وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم، فلما أترفوا بعث الله إليهم نبياً فدعاهم فقتلوه، فألقى الله في قلب بختنصر أن يغزوهم، فجهز لهم جيشاً، فقاتلوهم فهزموا جيشه فرجعوا منهزمين إليه، فجهز إليهم جيشاً آخر أكثف من الأوّل، فهزموهم أيضاً ؛ فلما رأى بختنصر ذلك غزاهم هو بنفسه، فقاتلوهم فهزمهم حتى خرجوا منها يركضون، فسمعوا منادياً يقول :﴿ لاَ تَرْكُضُوا وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومساكنكم ﴾ فرجعوا فسمعوا صوتاً منادياً يقول : يا لثارات النبي فقتلوا بالسيف، فهي التي قال الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾ قلت : وقرى حضور معروفة الآن بينها وبين مدينة صنعاء نحو بريد في جهة الغرب منها. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ حَصِيداً خامدين ﴾. قال : كخمود النار إذا طفئت. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : اللهو : الولد. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : النساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ يقول : لا يرجعون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ قال : بعباده ﴿ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾ قال : عن أعمالهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس قال : ما في الأرض قوم أبغض إليّ من القدرية، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدرة الله، قال الله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾.
﴿ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا ﴾ أي أدركوا أو رأوا عذابنا، وقال الأخفش : خافوا وتوقعوا، أو البأس : العذاب الشديد ﴿ إِذَا هُمْ منْهَا يَرْكُضُونَ ﴾ الركض : الفرار والهرب والانهزام، وأصله : من ركض الرجل الدابة برجليه، يقال : ركض الفرس : إذا كدّه بساقيه، ثم كثر حتى قيل ركض الفرس إذا عدا، ومنه :«اركض بِرِجْلِكَ » [ ص : ٤٢ ] والمعنى : أنهم يهربون منها راكضين دوابهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ قال : شرفكم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : فيه حديثكم. وفي رواية عنه قال : فيه دينكم. وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : بعث الله نبياً من حمير يقال له : شعيب، فوثب إليه عبد فضربه بعصا، فسار إليهم بختنصر [ فقاتلتهم ] فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء، وفيهم أنزل الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد، وابن المنذر عن الكلبي في قوله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ قال : هي حضور بني أزد، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ﴾ قال : ارجعوا إلى دوركم وأموالكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ قال : هم أهل حضور كانوا قتلوا نبيهم، فأرسل الله عليهم بختنصر فقتلهم، وفي قوله :﴿ فجعلناهم حَصِيداً خامدين ﴾ قال : بالسيف ضرب الملائكة وجوههم حتى رجعوا إلى مساكنهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال : حدّثني رجل من الجزريين قال : كان اليمن قريتان، يقال لإحداهما : حضور، وللأخرى قلابة، فبطروا وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم، فلما أترفوا بعث الله إليهم نبياً فدعاهم فقتلوه، فألقى الله في قلب بختنصر أن يغزوهم، فجهز لهم جيشاً، فقاتلوهم فهزموا جيشه فرجعوا منهزمين إليه، فجهز إليهم جيشاً آخر أكثف من الأوّل، فهزموهم أيضاً ؛ فلما رأى بختنصر ذلك غزاهم هو بنفسه، فقاتلوهم فهزمهم حتى خرجوا منها يركضون، فسمعوا منادياً يقول :﴿ لاَ تَرْكُضُوا وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومساكنكم ﴾ فرجعوا فسمعوا صوتاً منادياً يقول : يا لثارات النبي فقتلوا بالسيف، فهي التي قال الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾ قلت : وقرى حضور معروفة الآن بينها وبين مدينة صنعاء نحو بريد في جهة الغرب منها. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ حَصِيداً خامدين ﴾. قال : كخمود النار إذا طفئت. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : اللهو : الولد. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : النساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ يقول : لا يرجعون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ قال : بعباده ﴿ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾ قال : عن أعمالهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس قال : ما في الأرض قوم أبغض إليّ من القدرية، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدرة الله، قال الله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾.
فقيل لهم :﴿ لاَ تَرْكُضُوا ﴾ أي لا تهربوا. قيل : إن الملائكة نادتهم بذلك عند فرارهم. وقيل : إن القائل لهم ذلك هم من هنالك من المؤمنين استهزاء بهم وسخرية منهم ﴿ وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ﴾ أي إلى نعمكم التي كانت سبب بطركم وكفركم، والمترف المنعم، يقال : أترف فلان، أي وسع عليه في معاشه ﴿ ومساكنكم ﴾ أي وارجعوا إلى مساكنكم التي كنتم تسكنونها وتفتخرون بها ﴿ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ﴾ أي : تقصدون للسؤال والتشاور والتدبير في المهمات، وهذا على طريقة التهكم بهم والتوبيخ لهم. وقيل : المعنى : لعلكم تسألون عما نزل بكم من العقوبة فتخبرون به ؛ وقيل : لعلكم تسألون أن تؤمنوا كما كنتم تسألون ذلك قبل نزول العذاب بكم. قال المفسرون وأهل الأخبار : إن المراد بهذه الآية : أهل حضور من اليمن، وكان الله سبحانه قد بعث إليهم نبياً اسمه شعيب بن مهدم، وقبره بجبل من جبال اليمن يقال له ضين، وبينه وبين حضور نحو بريد، قالوا : وليس هو شعيباً صاحب مدين. قلت : وآثار القبر بجبل ضين موجودة، والعامة من أهل تلك الناحية يزعمون أنه قبر قدم بن قادم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ قال : شرفكم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : فيه حديثكم. وفي رواية عنه قال : فيه دينكم. وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : بعث الله نبياً من حمير يقال له : شعيب، فوثب إليه عبد فضربه بعصا، فسار إليهم بختنصر [ فقاتلتهم ] فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء، وفيهم أنزل الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد، وابن المنذر عن الكلبي في قوله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ قال : هي حضور بني أزد، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ﴾ قال : ارجعوا إلى دوركم وأموالكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ قال : هم أهل حضور كانوا قتلوا نبيهم، فأرسل الله عليهم بختنصر فقتلهم، وفي قوله :﴿ فجعلناهم حَصِيداً خامدين ﴾ قال : بالسيف ضرب الملائكة وجوههم حتى رجعوا إلى مساكنهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال : حدّثني رجل من الجزريين قال : كان اليمن قريتان، يقال لإحداهما : حضور، وللأخرى قلابة، فبطروا وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم، فلما أترفوا بعث الله إليهم نبياً فدعاهم فقتلوه، فألقى الله في قلب بختنصر أن يغزوهم، فجهز لهم جيشاً، فقاتلوهم فهزموا جيشه فرجعوا منهزمين إليه، فجهز إليهم جيشاً آخر أكثف من الأوّل، فهزموهم أيضاً ؛ فلما رأى بختنصر ذلك غزاهم هو بنفسه، فقاتلوهم فهزمهم حتى خرجوا منها يركضون، فسمعوا منادياً يقول :﴿ لاَ تَرْكُضُوا وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومساكنكم ﴾ فرجعوا فسمعوا صوتاً منادياً يقول : يا لثارات النبي فقتلوا بالسيف، فهي التي قال الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾ قلت : وقرى حضور معروفة الآن بينها وبين مدينة صنعاء نحو بريد في جهة الغرب منها. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ حَصِيداً خامدين ﴾. قال : كخمود النار إذا طفئت. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : اللهو : الولد. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : النساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ يقول : لا يرجعون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ قال : بعباده ﴿ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾ قال : عن أعمالهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس قال : ما في الأرض قوم أبغض إليّ من القدرية، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدرة الله، قال الله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾.
﴿ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظالمين ﴾ أي قالوا لما قالت لهم الملائكة ﴿ لا تركضوا ﴾ يا ويلنا، أي : بإهلاكنا إنا كنا ظالمين لأنفسنا مستوجبين العذاب بما قدّمنا. فاعترفوا على أنفسهم بالظلم الموجب للعذاب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ قال : شرفكم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : فيه حديثكم. وفي رواية عنه قال : فيه دينكم. وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : بعث الله نبياً من حمير يقال له : شعيب، فوثب إليه عبد فضربه بعصا، فسار إليهم بختنصر [ فقاتلتهم ] فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء، وفيهم أنزل الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد، وابن المنذر عن الكلبي في قوله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ قال : هي حضور بني أزد، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ﴾ قال : ارجعوا إلى دوركم وأموالكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ قال : هم أهل حضور كانوا قتلوا نبيهم، فأرسل الله عليهم بختنصر فقتلهم، وفي قوله :﴿ فجعلناهم حَصِيداً خامدين ﴾ قال : بالسيف ضرب الملائكة وجوههم حتى رجعوا إلى مساكنهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال : حدّثني رجل من الجزريين قال : كان اليمن قريتان، يقال لإحداهما : حضور، وللأخرى قلابة، فبطروا وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم، فلما أترفوا بعث الله إليهم نبياً فدعاهم فقتلوه، فألقى الله في قلب بختنصر أن يغزوهم، فجهز لهم جيشاً، فقاتلوهم فهزموا جيشه فرجعوا منهزمين إليه، فجهز إليهم جيشاً آخر أكثف من الأوّل، فهزموهم أيضاً ؛ فلما رأى بختنصر ذلك غزاهم هو بنفسه، فقاتلوهم فهزمهم حتى خرجوا منها يركضون، فسمعوا منادياً يقول :﴿ لاَ تَرْكُضُوا وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومساكنكم ﴾ فرجعوا فسمعوا صوتاً منادياً يقول : يا لثارات النبي فقتلوا بالسيف، فهي التي قال الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾ قلت : وقرى حضور معروفة الآن بينها وبين مدينة صنعاء نحو بريد في جهة الغرب منها. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ حَصِيداً خامدين ﴾. قال : كخمود النار إذا طفئت. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : اللهو : الولد. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : النساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ يقول : لا يرجعون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ قال : بعباده ﴿ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾ قال : عن أعمالهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس قال : ما في الأرض قوم أبغض إليّ من القدرية، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدرة الله، قال الله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾.
﴿ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ أي ما زالت هذه الكلمة دعواهم أي : دعوتهم، والكلمة هي قولهم :﴿ يا ويلنا ﴾ أي يدعون بها ويردّدونها ﴿ حتى جعلناهم حَصِيداً ﴾ أي بالسيوف كما يحصد الزرع بالمنجل، والحصيد هنا بمعنى المحصود، ومعنى ﴿ خامدين ﴾ أنهم ميتون من خمدت النار إذا طفئت، فشبه خمود الحياة بخمود النار، كما يقال لمن مات : قد طفئ.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ قال : شرفكم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : فيه حديثكم. وفي رواية عنه قال : فيه دينكم. وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : بعث الله نبياً من حمير يقال له : شعيب، فوثب إليه عبد فضربه بعصا، فسار إليهم بختنصر [ فقاتلتهم ] فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء، وفيهم أنزل الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد، وابن المنذر عن الكلبي في قوله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ قال : هي حضور بني أزد، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ﴾ قال : ارجعوا إلى دوركم وأموالكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ قال : هم أهل حضور كانوا قتلوا نبيهم، فأرسل الله عليهم بختنصر فقتلهم، وفي قوله :﴿ فجعلناهم حَصِيداً خامدين ﴾ قال : بالسيف ضرب الملائكة وجوههم حتى رجعوا إلى مساكنهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال : حدّثني رجل من الجزريين قال : كان اليمن قريتان، يقال لإحداهما : حضور، وللأخرى قلابة، فبطروا وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم، فلما أترفوا بعث الله إليهم نبياً فدعاهم فقتلوه، فألقى الله في قلب بختنصر أن يغزوهم، فجهز لهم جيشاً، فقاتلوهم فهزموا جيشه فرجعوا منهزمين إليه، فجهز إليهم جيشاً آخر أكثف من الأوّل، فهزموهم أيضاً ؛ فلما رأى بختنصر ذلك غزاهم هو بنفسه، فقاتلوهم فهزمهم حتى خرجوا منها يركضون، فسمعوا منادياً يقول :﴿ لاَ تَرْكُضُوا وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومساكنكم ﴾ فرجعوا فسمعوا صوتاً منادياً يقول : يا لثارات النبي فقتلوا بالسيف، فهي التي قال الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾ قلت : وقرى حضور معروفة الآن بينها وبين مدينة صنعاء نحو بريد في جهة الغرب منها. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ حَصِيداً خامدين ﴾. قال : كخمود النار إذا طفئت. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : اللهو : الولد. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : النساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ يقول : لا يرجعون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ قال : بعباده ﴿ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾ قال : عن أعمالهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس قال : ما في الأرض قوم أبغض إليّ من القدرية، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدرة الله، قال الله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾.
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ ﴾ أي لم نخلقهما عبثاً ولا باطلاً، بل للتنبيه على أن لهما خالقاً قادراً يجب امتثال أمره. وفيه إشارة إجمالية إلى تكوين العالم، والمراد بما بينهما سائر المخلوقات الكائنة بين السماء والأرض على اختلاف أنواعها وتباين أجناسها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ قال : شرفكم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : فيه حديثكم. وفي رواية عنه قال : فيه دينكم. وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : بعث الله نبياً من حمير يقال له : شعيب، فوثب إليه عبد فضربه بعصا، فسار إليهم بختنصر [ فقاتلتهم ] فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء، وفيهم أنزل الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد، وابن المنذر عن الكلبي في قوله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ قال : هي حضور بني أزد، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ﴾ قال : ارجعوا إلى دوركم وأموالكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ قال : هم أهل حضور كانوا قتلوا نبيهم، فأرسل الله عليهم بختنصر فقتلهم، وفي قوله :﴿ فجعلناهم حَصِيداً خامدين ﴾ قال : بالسيف ضرب الملائكة وجوههم حتى رجعوا إلى مساكنهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال : حدّثني رجل من الجزريين قال : كان اليمن قريتان، يقال لإحداهما : حضور، وللأخرى قلابة، فبطروا وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم، فلما أترفوا بعث الله إليهم نبياً فدعاهم فقتلوه، فألقى الله في قلب بختنصر أن يغزوهم، فجهز لهم جيشاً، فقاتلوهم فهزموا جيشه فرجعوا منهزمين إليه، فجهز إليهم جيشاً آخر أكثف من الأوّل، فهزموهم أيضاً ؛ فلما رأى بختنصر ذلك غزاهم هو بنفسه، فقاتلوهم فهزمهم حتى خرجوا منها يركضون، فسمعوا منادياً يقول :﴿ لاَ تَرْكُضُوا وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومساكنكم ﴾ فرجعوا فسمعوا صوتاً منادياً يقول : يا لثارات النبي فقتلوا بالسيف، فهي التي قال الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾ قلت : وقرى حضور معروفة الآن بينها وبين مدينة صنعاء نحو بريد في جهة الغرب منها. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ حَصِيداً خامدين ﴾. قال : كخمود النار إذا طفئت. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : اللهو : الولد. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : النساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ يقول : لا يرجعون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ قال : بعباده ﴿ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾ قال : عن أعمالهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس قال : ما في الأرض قوم أبغض إليّ من القدرية، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدرة الله، قال الله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾.
﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ اللهو : ما يتلهى به، قيل : اللهو : الزوجة والولد. وقيل : الزوجة فقط. وقيل : الولد فقط. قال الجوهري : قد [ يكنّى ] باللهو عن الجماع، يدل على ما قاله قول امرئ القيس :
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني *** كبرت وألا يحسن اللهو أمثالي
ومنه قول الآخر :
وفيهنّ ملهى للصديق ومنظر ***. . .
والجملة مستأنفة لتقرير مضمون ما قبلها، وجواب " لو " قوله :﴿ لاتخذناه مِن لَدُنَّا ﴾ أي من عندنا ومن جهة قدرتنا لا من عندكم. قال المفسرون أي من الحور العين، وفي هذا رد على من قال بإضافة الصاحبة والولد إلى الله، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً. وقيل : أراد الردّ على من قال : الأصنام أو الملائكة بنات الله. وقال ابن قتيبة : الآية ردٌّ على النصارى. ﴿ إِن كُنَّا فاعلين ﴾ قال الواحدي : قال المفسرون : ما كنا فاعلين. قال الفراء والمبرد والزجاج : يجوز «أن » تكون «إن » للنفي كما ذكره المفسرون، أي ما فعلنا ذلك ولم نتخذ صاحبة ولا ولداً ؛ ويجوز أن تكون للشرط، أي إن كنا ممن يفعل ذلك لاتخذناه من لدنا. قال الفراء : وهذا أشبه الوجهين بمذهب العربية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ قال : شرفكم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : فيه حديثكم. وفي رواية عنه قال : فيه دينكم. وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : بعث الله نبياً من حمير يقال له : شعيب، فوثب إليه عبد فضربه بعصا، فسار إليهم بختنصر [ فقاتلتهم ] فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء، وفيهم أنزل الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد، وابن المنذر عن الكلبي في قوله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ قال : هي حضور بني أزد، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ﴾ قال : ارجعوا إلى دوركم وأموالكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ قال : هم أهل حضور كانوا قتلوا نبيهم، فأرسل الله عليهم بختنصر فقتلهم، وفي قوله :﴿ فجعلناهم حَصِيداً خامدين ﴾ قال : بالسيف ضرب الملائكة وجوههم حتى رجعوا إلى مساكنهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال : حدّثني رجل من الجزريين قال : كان اليمن قريتان، يقال لإحداهما : حضور، وللأخرى قلابة، فبطروا وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم، فلما أترفوا بعث الله إليهم نبياً فدعاهم فقتلوه، فألقى الله في قلب بختنصر أن يغزوهم، فجهز لهم جيشاً، فقاتلوهم فهزموا جيشه فرجعوا منهزمين إليه، فجهز إليهم جيشاً آخر أكثف من الأوّل، فهزموهم أيضاً ؛ فلما رأى بختنصر ذلك غزاهم هو بنفسه، فقاتلوهم فهزمهم حتى خرجوا منها يركضون، فسمعوا منادياً يقول :﴿ لاَ تَرْكُضُوا وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومساكنكم ﴾ فرجعوا فسمعوا صوتاً منادياً يقول : يا لثارات النبي فقتلوا بالسيف، فهي التي قال الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾ قلت : وقرى حضور معروفة الآن بينها وبين مدينة صنعاء نحو بريد في جهة الغرب منها. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ حَصِيداً خامدين ﴾. قال : كخمود النار إذا طفئت. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : اللهو : الولد. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : النساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ يقول : لا يرجعون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ قال : بعباده ﴿ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾ قال : عن أعمالهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس قال : ما في الأرض قوم أبغض إليّ من القدرية، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدرة الله، قال الله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾.
﴿ بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل ﴾ هذا إضراب عن اتخاذ اللهو، أي دع ذلك الذي قالوا فإنه كذب وباطل، بل شأننا أن نرمي بالحق على الباطل ﴿ فَيَدْمَغُهُ ﴾ أي يقهره، وأصل الدمغ : شج الرأس حتى يبلغ الدماغ، ومنه الدامغة. قال الزجاج : المعنى : نذهبه ذهاب الصغار والإذلال، وذلك أن أصله إصابة الدماغ بالضرب. قيل أراد بالحق : الحجة اه، وبالباطل : شبههم. وقيل : الحق المواعظ، والباطل المعاصي. وقيل : الباطل : الشيطان. وقيل : كذبهم، ووصفهم الله سبحانه بغير صفاته ﴿ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ أي : زائل ذاهب، وقيل : هالك تالف، والمعنى متقارب، و«إذا » هي الفجائية ﴿ وَلَكُمُ الويل مِما تَصِفُونَ ﴾ أي العذاب في الآخرة بسبب وصفكم لله بما لا يجوز عليه، وقيل : الويل : وادٍ في جهنم، وهو وعيد لقريش بأن لهم من العذاب مثل الذي لأولئك ؛ و " من " : هي التعليلية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ قال : شرفكم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : فيه حديثكم. وفي رواية عنه قال : فيه دينكم. وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : بعث الله نبياً من حمير يقال له : شعيب، فوثب إليه عبد فضربه بعصا، فسار إليهم بختنصر [ فقاتلتهم ] فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء، وفيهم أنزل الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد، وابن المنذر عن الكلبي في قوله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ قال : هي حضور بني أزد، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ﴾ قال : ارجعوا إلى دوركم وأموالكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ قال : هم أهل حضور كانوا قتلوا نبيهم، فأرسل الله عليهم بختنصر فقتلهم، وفي قوله :﴿ فجعلناهم حَصِيداً خامدين ﴾ قال : بالسيف ضرب الملائكة وجوههم حتى رجعوا إلى مساكنهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال : حدّثني رجل من الجزريين قال : كان اليمن قريتان، يقال لإحداهما : حضور، وللأخرى قلابة، فبطروا وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم، فلما أترفوا بعث الله إليهم نبياً فدعاهم فقتلوه، فألقى الله في قلب بختنصر أن يغزوهم، فجهز لهم جيشاً، فقاتلوهم فهزموا جيشه فرجعوا منهزمين إليه، فجهز إليهم جيشاً آخر أكثف من الأوّل، فهزموهم أيضاً ؛ فلما رأى بختنصر ذلك غزاهم هو بنفسه، فقاتلوهم فهزمهم حتى خرجوا منها يركضون، فسمعوا منادياً يقول :﴿ لاَ تَرْكُضُوا وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومساكنكم ﴾ فرجعوا فسمعوا صوتاً منادياً يقول : يا لثارات النبي فقتلوا بالسيف، فهي التي قال الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾ قلت : وقرى حضور معروفة الآن بينها وبين مدينة صنعاء نحو بريد في جهة الغرب منها. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ حَصِيداً خامدين ﴾. قال : كخمود النار إذا طفئت. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : اللهو : الولد. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : النساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ يقول : لا يرجعون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ قال : بعباده ﴿ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾ قال : عن أعمالهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس قال : ما في الأرض قوم أبغض إليّ من القدرية، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدرة الله، قال الله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾.
﴿ وَلَهُ مَن فِي السماوات والأرض ﴾ عبيداً وملكاً، وهو خالقهم ورازقهم ومالكهم، فكيف يجوز أن يكون له بعض مخلوقاته شريكاً يعبد كما يعبد، وهذه الجملة مقررة لما قبلها ﴿ وَمَنْ عِندَهُ ﴾ يعني : الملائكة، وفيه ردّ على القائلين بأن الملائكة بنات الله، وفي التعبير عنهم بكونهم ﴿ عنده ﴾ إشارة إلى تشريفهم وكرامتهم، وأنهم بمنزلة المقربين عند الملوك، ثم وصفهم بقوله :﴿ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ﴾ أي لا يتعاظمون ولا يأنفون عن عبادة الله سبحانه والتذلل له ﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ أي لا يعيون، مأخوذ من الحسير، وهو البعير المنقطع بالإعياء والتعب، يقال : حسر البعير يحسر حسوراً : أعيا وكلّ، واستحسر وتحسر : مثله وحسرته أنا حسراً، يتعدى ولا يتعدى. قال أبو زيد : لا يكلون، وقال ابن الأعرابي : لا يفشلون. قال الزجاج : معنى الآية أن هؤلاء الذين ذكرتم أنهم أولاد الله، عباد الله لا يأنفون عن عبادته ولا يتعظمون عنها كقوله :﴿ إِنَّ الذين عِندَ رَبّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ﴾ [ الأعراف : ٢٠٦ ]. وقيل : المعنى لا ينقطعون عن عبادته. وهذه المعاني متقاربة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ قال : شرفكم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : فيه حديثكم. وفي رواية عنه قال : فيه دينكم. وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : بعث الله نبياً من حمير يقال له : شعيب، فوثب إليه عبد فضربه بعصا، فسار إليهم بختنصر [ فقاتلتهم ] فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء، وفيهم أنزل الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد، وابن المنذر عن الكلبي في قوله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ قال : هي حضور بني أزد، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ﴾ قال : ارجعوا إلى دوركم وأموالكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ قال : هم أهل حضور كانوا قتلوا نبيهم، فأرسل الله عليهم بختنصر فقتلهم، وفي قوله :﴿ فجعلناهم حَصِيداً خامدين ﴾ قال : بالسيف ضرب الملائكة وجوههم حتى رجعوا إلى مساكنهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال : حدّثني رجل من الجزريين قال : كان اليمن قريتان، يقال لإحداهما : حضور، وللأخرى قلابة، فبطروا وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم، فلما أترفوا بعث الله إليهم نبياً فدعاهم فقتلوه، فألقى الله في قلب بختنصر أن يغزوهم، فجهز لهم جيشاً، فقاتلوهم فهزموا جيشه فرجعوا منهزمين إليه، فجهز إليهم جيشاً آخر أكثف من الأوّل، فهزموهم أيضاً ؛ فلما رأى بختنصر ذلك غزاهم هو بنفسه، فقاتلوهم فهزمهم حتى خرجوا منها يركضون، فسمعوا منادياً يقول :﴿ لاَ تَرْكُضُوا وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومساكنكم ﴾ فرجعوا فسمعوا صوتاً منادياً يقول : يا لثارات النبي فقتلوا بالسيف، فهي التي قال الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾ قلت : وقرى حضور معروفة الآن بينها وبين مدينة صنعاء نحو بريد في جهة الغرب منها. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ حَصِيداً خامدين ﴾. قال : كخمود النار إذا طفئت. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : اللهو : الولد. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : النساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ يقول : لا يرجعون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ قال : بعباده ﴿ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾ قال : عن أعمالهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس قال : ما في الأرض قوم أبغض إليّ من القدرية، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدرة الله، قال الله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾.
﴿ يُسَبّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ ﴾ أي ينزهون الله سبحانه دائماً لا يضعفون عن ذلك ولا يسأمون. وقيل : يصلون الليل والنهار. قال الزجاج : مجرى التسبيح منهم كمجرى النفس منا لا يشغلنا عن النفس شيء، فكذلك تسبيحهم دائم، وهذه الجملة إما مستأنفة جواب سؤال مقدّر، أو في محل نصب على الحال.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ قال : شرفكم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : فيه حديثكم. وفي رواية عنه قال : فيه دينكم. وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : بعث الله نبياً من حمير يقال له : شعيب، فوثب إليه عبد فضربه بعصا، فسار إليهم بختنصر [ فقاتلتهم ] فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء، وفيهم أنزل الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد، وابن المنذر عن الكلبي في قوله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ قال : هي حضور بني أزد، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ﴾ قال : ارجعوا إلى دوركم وأموالكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ قال : هم أهل حضور كانوا قتلوا نبيهم، فأرسل الله عليهم بختنصر فقتلهم، وفي قوله :﴿ فجعلناهم حَصِيداً خامدين ﴾ قال : بالسيف ضرب الملائكة وجوههم حتى رجعوا إلى مساكنهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال : حدّثني رجل من الجزريين قال : كان اليمن قريتان، يقال لإحداهما : حضور، وللأخرى قلابة، فبطروا وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم، فلما أترفوا بعث الله إليهم نبياً فدعاهم فقتلوه، فألقى الله في قلب بختنصر أن يغزوهم، فجهز لهم جيشاً، فقاتلوهم فهزموا جيشه فرجعوا منهزمين إليه، فجهز إليهم جيشاً آخر أكثف من الأوّل، فهزموهم أيضاً ؛ فلما رأى بختنصر ذلك غزاهم هو بنفسه، فقاتلوهم فهزمهم حتى خرجوا منها يركضون، فسمعوا منادياً يقول :﴿ لاَ تَرْكُضُوا وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومساكنكم ﴾ فرجعوا فسمعوا صوتاً منادياً يقول : يا لثارات النبي فقتلوا بالسيف، فهي التي قال الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾ قلت : وقرى حضور معروفة الآن بينها وبين مدينة صنعاء نحو بريد في جهة الغرب منها. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ حَصِيداً خامدين ﴾. قال : كخمود النار إذا طفئت. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : اللهو : الولد. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : النساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ يقول : لا يرجعون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ قال : بعباده ﴿ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾ قال : عن أعمالهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس قال : ما في الأرض قوم أبغض إليّ من القدرية، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدرة الله، قال الله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾.
﴿ أَمِ اتخذوا آلِهَةً منَ الأرض ﴾ قال المفضل : مقصود هذا الاستفهام : الجحد، أي لم يتخذوا آلهة تقدر على الإحياء، و«أم » : هي المنقطعة، والهمزة لإنكار الوقوع. قال المبرد : إن «أم » هنا بمعنى هل، أي هل اتخذ هؤلاء المشركون آلهة من الأرض يحيون الموتى، ولا تكون «أم » هنا بمعنى بل، لأن ذلك يوجب لهم إنشاء الموتى إلا أن تقدّر «أم » مع الاستفهام، فتكون «أم » المنقطعة، فيصح المعنى، و﴿ من الأرض ﴾ متعلق باتخذوا، أو بمحذوف هو صفة لآلهة، ومعنى ﴿ هُمْ يُنشِرُونَ ﴾ : هم يبعثون الموتى، والجملة صفة لآلهة، وهذه الجملة هي التي يدور عليها الإنكار والتجهيل، لا نفس الاتخاذ، فإنه واقع منهم لا محالة. والمعنى : بل اتخذوا آلهة من الأرض هم خاصة مع حقارتهم ينشرون الموتى، وليس الأمر كذلك، فإن ما اتخذوها آلهة بمعزل عن ذلك. قرأ الجمهور :﴿ ينشرون ﴾ بضم الياء وكسر الشين من أنشره أي : أحياه، وقرأ الحسن بفتح الياء، أي يحيون ولا يموتون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ قال : شرفكم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : فيه حديثكم. وفي رواية عنه قال : فيه دينكم. وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : بعث الله نبياً من حمير يقال له : شعيب، فوثب إليه عبد فضربه بعصا، فسار إليهم بختنصر [ فقاتلتهم ] فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء، وفيهم أنزل الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد، وابن المنذر عن الكلبي في قوله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ قال : هي حضور بني أزد، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ﴾ قال : ارجعوا إلى دوركم وأموالكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ قال : هم أهل حضور كانوا قتلوا نبيهم، فأرسل الله عليهم بختنصر فقتلهم، وفي قوله :﴿ فجعلناهم حَصِيداً خامدين ﴾ قال : بالسيف ضرب الملائكة وجوههم حتى رجعوا إلى مساكنهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال : حدّثني رجل من الجزريين قال : كان اليمن قريتان، يقال لإحداهما : حضور، وللأخرى قلابة، فبطروا وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم، فلما أترفوا بعث الله إليهم نبياً فدعاهم فقتلوه، فألقى الله في قلب بختنصر أن يغزوهم، فجهز لهم جيشاً، فقاتلوهم فهزموا جيشه فرجعوا منهزمين إليه، فجهز إليهم جيشاً آخر أكثف من الأوّل، فهزموهم أيضاً ؛ فلما رأى بختنصر ذلك غزاهم هو بنفسه، فقاتلوهم فهزمهم حتى خرجوا منها يركضون، فسمعوا منادياً يقول :﴿ لاَ تَرْكُضُوا وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومساكنكم ﴾ فرجعوا فسمعوا صوتاً منادياً يقول : يا لثارات النبي فقتلوا بالسيف، فهي التي قال الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾ قلت : وقرى حضور معروفة الآن بينها وبين مدينة صنعاء نحو بريد في جهة الغرب منها. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ حَصِيداً خامدين ﴾. قال : كخمود النار إذا طفئت. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : اللهو : الولد. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : النساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ يقول : لا يرجعون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ قال : بعباده ﴿ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾ قال : عن أعمالهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس قال : ما في الأرض قوم أبغض إليّ من القدرية، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدرة الله، قال الله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾.
ثم إنه سبحانه أقام البرهان على بطلان تعدّد الآلهة، فقال :﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا ﴾ أي : لو كان في السماوات والأرض آلهة معبودون غير الله لفسدتا، أي لبطلتا، يعني السماوات والأرض بما فيهما من المخلوقات، قال الكسائي وسيبويه والأخفش والزجاج وجمهور النحاة : إن «إلا » هنا ليست للاستثناء بل بمعنى " غير " صفة لآلهة، ولذلك ارتفع الاسم الذي بعدها وظهر فيه إعراب غير التي جاءت «إلا » بمعناها، ومنه قول الشاعر :
وكل أخ مفارقه أخوه *** لعمر أبيك إلا الفرقدان
وقال الفراء : إن «إلا » هنا بمعنى سوى، والمعنى : لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسدتا، ووجه الفساد أن كون مع الله إلها آخر يستلزم أن يكون كل واحد منهما قادراً على الاستبداد بالتصرف، فيقع عند ذلك التنازع والاختلاف ويحدث بسببه الفساد اه ﴿ فسبحان الله رَبّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من ثبوت الوحدانية بالبرهان، أي تنزّه عزّ وجلّ عما لا يليق به من ثبوت الشريك له، وفيه إرشاد للعباد أن ينزّهوا الربّ سبحانه عما لا يليق به.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ قال : شرفكم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : فيه حديثكم. وفي رواية عنه قال : فيه دينكم. وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : بعث الله نبياً من حمير يقال له : شعيب، فوثب إليه عبد فضربه بعصا، فسار إليهم بختنصر [ فقاتلتهم ] فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء، وفيهم أنزل الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد، وابن المنذر عن الكلبي في قوله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ قال : هي حضور بني أزد، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ﴾ قال : ارجعوا إلى دوركم وأموالكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ قال : هم أهل حضور كانوا قتلوا نبيهم، فأرسل الله عليهم بختنصر فقتلهم، وفي قوله :﴿ فجعلناهم حَصِيداً خامدين ﴾ قال : بالسيف ضرب الملائكة وجوههم حتى رجعوا إلى مساكنهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال : حدّثني رجل من الجزريين قال : كان اليمن قريتان، يقال لإحداهما : حضور، وللأخرى قلابة، فبطروا وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم، فلما أترفوا بعث الله إليهم نبياً فدعاهم فقتلوه، فألقى الله في قلب بختنصر أن يغزوهم، فجهز لهم جيشاً، فقاتلوهم فهزموا جيشه فرجعوا منهزمين إليه، فجهز إليهم جيشاً آخر أكثف من الأوّل، فهزموهم أيضاً ؛ فلما رأى بختنصر ذلك غزاهم هو بنفسه، فقاتلوهم فهزمهم حتى خرجوا منها يركضون، فسمعوا منادياً يقول :﴿ لاَ تَرْكُضُوا وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومساكنكم ﴾ فرجعوا فسمعوا صوتاً منادياً يقول : يا لثارات النبي فقتلوا بالسيف، فهي التي قال الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾ قلت : وقرى حضور معروفة الآن بينها وبين مدينة صنعاء نحو بريد في جهة الغرب منها. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ حَصِيداً خامدين ﴾. قال : كخمود النار إذا طفئت. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : اللهو : الولد. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : النساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ يقول : لا يرجعون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ قال : بعباده ﴿ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾ قال : عن أعمالهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس قال : ما في الأرض قوم أبغض إليّ من القدرية، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدرة الله، قال الله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾.
﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ هذه الجملة مستأنفة مبينة أنه سبحانه لقوّة سلطانه وعظيم جلاله لا يسأله أحد من خلقه عن شيء من قضائه وقدره ﴿ وَهُمْ ﴾ أي : العباد ﴿ يُسْألُونَ ﴾ عما يفعلون أي : يسألهم الله عن ذلك لأنهم عبيده. وقيل : إن المعنى : أنه سبحانه لا يؤاخذ على أفعاله وهم يؤاخذون. قيل : والمراد بذلك أنه سبحانه بين لعباده أن من يسأل عن أعماله كالمسيح والملائكة لا يصلح لأن يكون إلها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ قال : شرفكم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : فيه حديثكم. وفي رواية عنه قال : فيه دينكم. وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : بعث الله نبياً من حمير يقال له : شعيب، فوثب إليه عبد فضربه بعصا، فسار إليهم بختنصر [ فقاتلتهم ] فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء، وفيهم أنزل الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد، وابن المنذر عن الكلبي في قوله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ قال : هي حضور بني أزد، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ﴾ قال : ارجعوا إلى دوركم وأموالكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ قال : هم أهل حضور كانوا قتلوا نبيهم، فأرسل الله عليهم بختنصر فقتلهم، وفي قوله :﴿ فجعلناهم حَصِيداً خامدين ﴾ قال : بالسيف ضرب الملائكة وجوههم حتى رجعوا إلى مساكنهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال : حدّثني رجل من الجزريين قال : كان اليمن قريتان، يقال لإحداهما : حضور، وللأخرى قلابة، فبطروا وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم، فلما أترفوا بعث الله إليهم نبياً فدعاهم فقتلوه، فألقى الله في قلب بختنصر أن يغزوهم، فجهز لهم جيشاً، فقاتلوهم فهزموا جيشه فرجعوا منهزمين إليه، فجهز إليهم جيشاً آخر أكثف من الأوّل، فهزموهم أيضاً ؛ فلما رأى بختنصر ذلك غزاهم هو بنفسه، فقاتلوهم فهزمهم حتى خرجوا منها يركضون، فسمعوا منادياً يقول :﴿ لاَ تَرْكُضُوا وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومساكنكم ﴾ فرجعوا فسمعوا صوتاً منادياً يقول : يا لثارات النبي فقتلوا بالسيف، فهي التي قال الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾ قلت : وقرى حضور معروفة الآن بينها وبين مدينة صنعاء نحو بريد في جهة الغرب منها. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ حَصِيداً خامدين ﴾. قال : كخمود النار إذا طفئت. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : اللهو : الولد. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : النساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ يقول : لا يرجعون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ قال : بعباده ﴿ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾ قال : عن أعمالهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس قال : ما في الأرض قوم أبغض إليّ من القدرية، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدرة الله، قال الله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾.
﴿ أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ﴾ أي بل اتخذوا، وفيه إضراب وانتقال من إظهار بطلان كونها آلهة بالبرهان السابق، إلى إظهار بطلان اتخاذها آلهة مع توبيخهم بطلب البرهان منهم، ولهذا قال :﴿ قُلْ هَاتُوا برهانكم ﴾ على دعوى أنها آلهة، أو على جواز اتخاذ آلهة سوى الله، ولا سبيل لهم إلى شيء من ذلك، لا من عقل ولا نقل، لأن دليل العقل قد مرّ بيانه، وأما دليل النقل فقد أشار إليه بقوله :﴿ هذا ذِكْرُ مَن مَعِي وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ﴾ أي هذا الوحي الوارد في شأن التوحيد المتضمن للبرهان القاطع ذكر أمتي وذكر الأمم السالفة وقد أقمته عليكم وأوضحته لكم، فأقيموا أنتم برهانكم. وقيل : المعنى هذا القرآن وهذه الكتب التي أنزلت قبلي فانظروا : هل في واحد منها أن الله أمر باتخاذ إله سواه. قال الزجاج : قيل لهم : هاتوا برهانكم بأن رسولاً من الرسل أنبأ أمته بأن لهم إلها غير الله، فهل ذكر من معي وذكر من قبلي إلا توحيد الله ؟ وقيل معنى الكلام : الوعيد والتهديد، أي افعلوا ما شئتم فعن قريب ينكشف الغطاء. وحكى أبو حاتم : أن يحيى بن يعمر وطلحة بن مصرف قرآ :«هذا ذكر من معي وذكر من قبلي » بالتنوين وكسر الميم، وزعم أنه لا وجه لهذه القراءة. وقال الزجاج في توجيه هذه القراءة : إن المعنى : هذا ذكر مما أنزل إليّ ومما هو معي وذكر من قبلي. وقيل : ذكر كائن من قبلي، أي جئت بما جاءت به الأنبياء من قبلي. ثم لما توجهت الحجة عليهم ذمهم بالجهل بمواضع الحق فقال :﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الحق ﴾ وهذا إضراب من جهته سبحانه وانتقال من تبكيتهم بمطالبتهم بالبرهان إلى بيان أنه لا يؤثر فيهم إقامة البرهان، لكونهم جاهلين للحق لا يميزون بينه وبين الباطل. وقرأ ابن محيصن والحسن :«الحق » بالرفع على معنى هذا الحق، أو هو الحق، وجملة :﴿ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ تعليل لما قبله من كون أكثرهم لا يعلمون أي فهم لأجل هذا الجهل المستولي على أكثرهم معرضون عن قبول الحق مستمرّون على الإعراض عن التوحيد واتباع الرسول، فلا يتأملون حجة، ولا يتدبرون في برهان، ولا يتفكرون في دليل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ قال : شرفكم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : فيه حديثكم. وفي رواية عنه قال : فيه دينكم. وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : بعث الله نبياً من حمير يقال له : شعيب، فوثب إليه عبد فضربه بعصا، فسار إليهم بختنصر [ فقاتلتهم ] فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء، وفيهم أنزل الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد، وابن المنذر عن الكلبي في قوله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ قال : هي حضور بني أزد، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ﴾ قال : ارجعوا إلى دوركم وأموالكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ قال : هم أهل حضور كانوا قتلوا نبيهم، فأرسل الله عليهم بختنصر فقتلهم، وفي قوله :﴿ فجعلناهم حَصِيداً خامدين ﴾ قال : بالسيف ضرب الملائكة وجوههم حتى رجعوا إلى مساكنهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال : حدّثني رجل من الجزريين قال : كان اليمن قريتان، يقال لإحداهما : حضور، وللأخرى قلابة، فبطروا وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم، فلما أترفوا بعث الله إليهم نبياً فدعاهم فقتلوه، فألقى الله في قلب بختنصر أن يغزوهم، فجهز لهم جيشاً، فقاتلوهم فهزموا جيشه فرجعوا منهزمين إليه، فجهز إليهم جيشاً آخر أكثف من الأوّل، فهزموهم أيضاً ؛ فلما رأى بختنصر ذلك غزاهم هو بنفسه، فقاتلوهم فهزمهم حتى خرجوا منها يركضون، فسمعوا منادياً يقول :﴿ لاَ تَرْكُضُوا وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومساكنكم ﴾ فرجعوا فسمعوا صوتاً منادياً يقول : يا لثارات النبي فقتلوا بالسيف، فهي التي قال الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾ قلت : وقرى حضور معروفة الآن بينها وبين مدينة صنعاء نحو بريد في جهة الغرب منها. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ حَصِيداً خامدين ﴾. قال : كخمود النار إذا طفئت. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : اللهو : الولد. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : النساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ يقول : لا يرجعون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ قال : بعباده ﴿ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾ قال : عن أعمالهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس قال : ما في الأرض قوم أبغض إليّ من القدرية، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدرة الله، قال الله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾.
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ يُوحَى إِلَيْهِ ﴾ قرأ حفص وحمزة والكسائي :﴿ نوحي ﴾ بالنون، وقرأ الباقون بالياء أي : نوحي إليه ﴿ أَنَّهُ لا إله إِلا أَنَا ﴾ وفي هذا تقرير لأمر التوحيد وتأكيد لما تقدّم من قوله :﴿ هذا ذِكْرُ مَن مَعِي ﴾ وختم الآية بالأمر لعباده بعبادته، فقال :﴿ فاعبدون ﴾ فقد اتضح لكم دليل العقل، ودليل النقل وقامت عليكم حجة الله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ قال : شرفكم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : فيه حديثكم. وفي رواية عنه قال : فيه دينكم. وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : بعث الله نبياً من حمير يقال له : شعيب، فوثب إليه عبد فضربه بعصا، فسار إليهم بختنصر [ فقاتلتهم ] فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء، وفيهم أنزل الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد، وابن المنذر عن الكلبي في قوله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ قال : هي حضور بني أزد، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ﴾ قال : ارجعوا إلى دوركم وأموالكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ قال : هم أهل حضور كانوا قتلوا نبيهم، فأرسل الله عليهم بختنصر فقتلهم، وفي قوله :﴿ فجعلناهم حَصِيداً خامدين ﴾ قال : بالسيف ضرب الملائكة وجوههم حتى رجعوا إلى مساكنهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال : حدّثني رجل من الجزريين قال : كان اليمن قريتان، يقال لإحداهما : حضور، وللأخرى قلابة، فبطروا وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم، فلما أترفوا بعث الله إليهم نبياً فدعاهم فقتلوه، فألقى الله في قلب بختنصر أن يغزوهم، فجهز لهم جيشاً، فقاتلوهم فهزموا جيشه فرجعوا منهزمين إليه، فجهز إليهم جيشاً آخر أكثف من الأوّل، فهزموهم أيضاً ؛ فلما رأى بختنصر ذلك غزاهم هو بنفسه، فقاتلوهم فهزمهم حتى خرجوا منها يركضون، فسمعوا منادياً يقول :﴿ لاَ تَرْكُضُوا وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومساكنكم ﴾ فرجعوا فسمعوا صوتاً منادياً يقول : يا لثارات النبي فقتلوا بالسيف، فهي التي قال الله :﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ إلى قوله :﴿ خامدين ﴾ قلت : وقرى حضور معروفة الآن بينها وبين مدينة صنعاء نحو بريد في جهة الغرب منها. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ حَصِيداً خامدين ﴾. قال : كخمود النار إذا طفئت. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : اللهو : الولد. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ﴾ قال : النساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ يقول : لا يرجعون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ قال : بعباده ﴿ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾ قال : عن أعمالهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس قال : ما في الأرض قوم أبغض إليّ من القدرية، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدرة الله، قال الله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ ﴾.
وَفِي قَوْلِهِ: جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ قَالَ: بِالسَّيْفِ ضَرَبَ الْمَلَائِكَةُ وُجُوهَهُمْ حَتَّى رَجَعُوا إِلَى مَسَاكِنِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مَنِ الْجَزَرِيِّينَ قَالَ: كَانَ اليمن قريتان، يُقَالُ لِإِحْدَاهُمَا حَضُورٌ وَلِلْأُخْرَى قِلَابَةُ، فَبَطَرُوا وَأُتْرِفُوا حَتَّى مَا كَانُوا يُغْلِقُونَ أَبْوَابَهُمْ، فَلِمَا أُتْرِفُوا بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ نَبِيًّا فَدَعَاهُمْ فَقَتَلُوهُ، فَأَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِ بُخْتُنَصَّرَ أَنْ يَغْزُوَهُمْ، فَجَهَّزَ لَهُمْ جَيْشًا، فَقَاتَلُوهُمْ فَهَزَمُوا جَيْشَهُ فَرَجَعُوا مُنْهَزِمِينَ إِلَيْهِ، فَجَهَّزَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا آخَرَ أَكْثَفَ مِنَ الْأَوَّلِ، فَهَزَمُوهُمْ أَيْضًا فَلَمَّا رَأَى بُخْتُنَصَّرُ ذَلِكَ غَزَاهُمْ هُوَ بِنَفْسِهِ، فَقَاتَلُوهُمْ فَهَزَمَهُمْ حَتَّى خَرَجُوا مِنْهَا يَرْكُضُونَ، فَسَمِعُوا مُنَادِيًا يَقُولُ: لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ فَرَجَعُوا، فَسَمِعُوا صَوْتًا مُنَادِيًا يَقُولُ: يَا لَثَارَاتِ النَّبِيِّ فَقُتِلُوا بِالسَّيْفِ، فَهِيَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ: وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَى قَوْلِهِ: خامِدِينَ. قُلْتُ: وَقُرَى حَضُورٍ مَعْرُوفَةٌ الْآنَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَدِينَةِ صَنْعَاءَ نَحْوُ بَرِيدٍ «١» فِي جِهَةِ الْغَرْبِ مِنْهَا. وأخرج ابن بالمنذر عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: حَصِيداً خامِدِينَ قَالَ: كَخُمُودِ النَّارِ إِذَا طُفِئَتْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً قَالَ: اللَّهْوُ: الْوَلَدُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً قَالَ: النِّسَاءُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يَقُولُ: لَا يَرْجِعُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ قتادة في قوله: لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ قال:
بعباده وَهُمْ يُسْئَلُونَ قَالَ: عَنْ أَعْمَالِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا فِي الْأَرْضِ قَوْمٌ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ، وما ذلك إلا لأنهم لَا يَعْلَمُونَ قُدْرَةَ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ: لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٢٦ الى ٣٥]
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠)
وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣) وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥)
قَوْلُهُ: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ هُمْ خُزَاعَةُ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَقِيلَ: هُمُ الْيَهُودُ، وَيَصِحُّ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى كُلِّ مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ وَلَدًا. وَقَدْ قَالَتِ اليهود: عزير ابن الله، وقالت
(١). البريد: يساوي نحو (٢٠) كم تقريبا على بعض التقديرات.
477
النَّصَارَى: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعَرَبِ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ. ثُمَّ نَزَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَفْسَهُ. فَقَالَ:
سُبْحانَهُ أَيْ: تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مَقُولٌ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعِبَادِ. ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ قَوْلِهِمْ وَأَبْطَلَهُ فَقَالَ:
بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ أَيْ: لَيْسُوا كَمَا قَالُوا، بَلْ هم عباد الله سُبْحَانَهُ مُكْرَمُونَ بِكَرَامَتِهِ لَهُمْ، مُقَرَّبُونَ عِنْدَهُ.
وَقُرِئَ مُكْرَمُونَ بِالتَّشْدِيدِ، وَأَجَازَ الزَّجَّاجُ وَالْفَرَّاءُ نَصْبَ عِبَادٍ عَلَى مَعْنَى: بَلِ اتَّخَذَ عِبَادًا، ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِصِفَةٍ أُخْرَى فَقَالَ: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ أَيْ: لَا يَقُولُونَ شَيْئًا حَتَّى يَقُولَهُ أَوْ يَأْمُرُهُمْ بِهِ. كَذَا قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ طَاعَتِهِمْ وَانْقِيَادِهِمْ. وَقُرِئَ «لَا يَسْبُقُونَهُ» بِضَمِّ الْبَاءِ مِنْ سَبَقْتُهُ أَسْبِقُهُ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ أَيْ: هُمُ الْعَامِلُونَ بِمَا يَأْمُرُهُمُ اللَّهُ بِهِ، التَّابِعُونَ لَهُ الْمُطِيعُونَ لِرَبِّهِمْ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا، أَيْ: يَعْلَمُ مَا عَمِلُوا وَمَا هُمْ عَامِلُونَ، أَوْ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَهُوَ الْآخِرَةُ، وَمَا خَلْفَهُمْ وَهُوَ الدُّنْيَا، وَوَجْهُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُمْ إِذَا عَلِمُوا بِأَنَّهُ عَالِمٌ بِمَا قَدَّمُوا وَأَخَّرُوا، لَمْ يَعْمَلُوا عَمَلًا وَلَمْ يَقُولُوا قَوْلًا إِلَّا بِأَمْرِهِ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى
أَيْ: يَشْفَعُ الشَّافِعُونَ لَهُ، وَهُوَ مَنْ رَضِيَ عَنْهُ، وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُشَفَّعُونَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ. وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ أَيْ: مِنْ خَشْيَتِهِمْ مِنْهُ، فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ، وَالْخَشْيَةُ: الْخَوْفُ مع التعظيم، والإشفاق: الخوف مع التَّوَقُّعِ وَالْحَذَرِ، أَيْ: لَا يَأْمَنُونَ مَكْرَ اللَّهِ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ أَيْ:
مِنْ يَقُلْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنِّي إِلَهٌ مَنْ دُونِ اللَّهِ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: عَنَى بِهَذَا إِبْلِيسَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنِّي إِلَهٌ إِلَّا إِبْلِيسَ، وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ إِلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ أَيْ: فَذَلِكَ الْقَائِلُ، عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ، نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ بِسَبَبِ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ، كَمَا نَجْزِي غَيْرَهُ مِنَ الْمُجْرِمِينَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ أَيْ: مِثْلَ ذَلِكَ الْجَزَاءِ الْفَظِيعِ نَجْزِي الظَّالِمِينَ، أَوْ مِثْلَ مَا جَعَلْنَا جَزَاءَ هَذَا الْقَائِلَ جَهَنَّمَ، فَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ الْوَاضِعِينَ الْإِلَهِيَّةَ وَالْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَالْمُرَادُ بِالظَّالِمِينَ الْمُشْرِكُونَ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا الْهَمْزَةُ لِلْإِنْكَارِ، وَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى مقدّر، والرؤية هي القلبية، أي: لم يتفكروا ولم يَعْلَمُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً قَالَ الْأَخْفَشُ: إِنَّمَا قَالَ كَانَتَا، لِأَنَّهُمَا صِنْفَانِ، أَيْ: جَمَاعَتَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا «١» وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّمَا قَالَ كَانَتَا لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ عَنِ السَّمَاوَاتِ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ، لِأَنَّ السَّمَاوَاتِ كَانَتْ سَمَاءً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ الْأَرَضُونَ، وَالرَّتْقُ: السَّدُّ، ضِدُّ الْفَتْقِ، يُقَالُ: رَتَقْتُ الْفَتْقَ أَرْتُقُهُ فَارْتَتَقَ، أَيِ: الْتَأَمَ، وَمِنْهُ الرَّتْقَاءُ لِلْمُنْضَمَّةِ الْفَرْجِ، يَعْنِي: أَنَّهُمَا كَانَتَا شَيْئًا وَاحِدًا مُلْتَزِقَتَيْنِ فَفَصَلَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ رَتْقًا وَلَمْ يَقُلْ رَتْقَيْنِ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: كَانَتَا ذَوَاتِي رَتْقٍ، وَمَعْنَى فَفَتَقْناهُما فَفَصَلْنَاهُمَا أَيْ: فَصَلْنَا بَعْضَهُمَا مِنْ بَعْضٍ، فَرَفَعْنَا السَّمَاءَ، وَأَبْقَيْنَا الْأَرْضَ مَكَانَهَا وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَيْ: أَحْيَيْنَا بِالْمَاءِ الَّذِي نُنْزِلُهُ مِنَ السَّمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ، فَيَشْمَلُ الْحَيَوَانَ وَالنَّبَاتَ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَاءَ سَبَبُ حَيَاةِ كُلِّ شَيْءٍ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمَاءِ هُنَا النُّطْفَةُ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَهَذَا احْتِجَاجٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَبَدِيعِ صُنْعِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ، وَالْهَمْزَةُ فِي أَفَلا يُؤْمِنُونَ لِلْإِنْكَارِ
(١). فاطر: ٤١.
478
عَلَيْهِمْ، حَيْثُ لَمْ يُؤْمِنُوا مَعَ وُجُودِ مَا يَقْتَضِيهِ مِنَ الْآيَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ. وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَيْ:
جِبَالًا ثَوَابِتَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ الْمَيْدُ: التَّحَرُّكُ وَالدَّوَرَانُ، أَيْ: لِئَلَّا تَتَحَرَّكَ وَتَدُورَ بِهِمْ، أَوْ كَرَاهَةِ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي النَّحْلِ مُسْتَوْفًى. وَجَعَلْنا فِيها أَيْ: فِي الرَّوَاسِي، أَوْ فِي الْأَرْضِ فِجاجاً، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ الْمَسَالِكُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ مخترق بين جبلين فهو فج وسُبُلًا تَفْسِيرٌ لِلْفِجَاجِ لِأَنَّ الْفَجَّ قَدْ لَا يَكُونُ طَرِيقًا نَافِذًا مَسْلُوكًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ إِلَى مَصَالِحَ مَعَاشِهِمْ، وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ حَاجَاتُهُمْ وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً عَنْ أَنْ يَقَعَ وَيَسْقُطَ عَلَى الْأَرْضِ، كَقَوْلِهِ: وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ «١» وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَحْفُوظًا بِالنُّجُومِ مِنَ الشَّيْطَانِ، كَقَوْلِهِ: وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ «٢» وَقِيلَ: مَحْفُوظًا لَا يَحْتَاجُ إِلَى عِمَادٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمَحْفُوظِ هُنَا الْمَرْفُوعُ، وَقِيلَ: مَحْفُوظًا عَنِ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي، وَقِيلَ: مَحْفُوظًا عَنِ الْهَدْمِ وَالنَّقْضِ وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ أَضَافَ الْآيَاتِ إِلَى السَّمَاءِ لِأَنَّهَا مَجْعُولَةٌ فِيهَا، وَذَلِكَ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَنَحْوِهِمَا، وَمَعْنَى الْإِعْرَاضِ أَنَّهُمْ لَا يَتَدَبَّرُونَ فِيهَا، وَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِيمَا تُوجِبُهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ هَذَا تَذْكِيرٌ لَهُمْ بِنِعْمَةٍ أُخْرَى مِمَّا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ خَلَقَ لَهُمُ اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ، وَالنَّهَارَ لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ فِي مَعَايِشِهِمْ، وَخَلَقَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، أَيْ:
جَعْلَ الشَّمْسَ آيَةَ النَّهَارِ، وَالْقَمَرَ آيَةَ اللَّيْلِ، لِيَعْلَمُوا عَدَدَ الشُّهُورِ وَالْحِسَابِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُبْحَانَ «٣».
كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ، أَيْ: يَجْرُونَ فِي وَسَطِ الْفَلَكِ، وَيَسِيرُونَ بِسُرْعَةٍ كَالسَّابِحِ فِي الْمَاءِ، وَالْجَمْعُ فِي الْفِعْلِ بِاعْتِبَارِ الْمَطَالِعِ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ عَنْهُنَّ بِفِعْلِ مَنْ يَعْقِلُ، وَجَعَلَهُنَّ فِي الطَّاعَةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَعْقِلُ، جَعَلَ الضَّمِيرَ عَنْهُنَّ ضَمِيرَ الْعُقَلَاءِ، وَلَمْ يَقُلْ يَسْبَحْنَ أَوْ تَسْبَحُ، وَكَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: إِنَّمَا قَالَ يَسْبَحُونَ لِأَنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ، وَالْفَلَكُ وَاحِدُ أَفْلَاكِ النُّجُومِ، وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنَ الدوران، ومنه فلكة الْمِغْزَلُ لِاسْتِدَارَتِهَا وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَيْ: دَوَامَ الْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا أَفَإِنْ مِتَّ بِأَجَلِكَ الْمَحْتُومِ فَهُمُ الْخالِدُونَ أَيْ: أَفْهُمُ الْخَالِدُونَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: جَاءَ بِالْفَاءِ لِتَدُلَّ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّهُ جَوَابُ قَوْلِهِمْ سَيَمُوتُ. قَالَ: وَيَجُوزُ حَذْفُ الْفَاءِ وَإِضْمَارُهَا، وَالْمَعْنَى: إِنْ مِتَّ فَهُمْ يَمُوتُونَ أَيْضًا، فَلَا شَمَاتَةَ فِي الْمَوْتِ. وَقُرِئَ مِتَّ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ، وَكَانَ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَ الْمُشْرِكِينَ فِيمَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُمْ: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ «٤». كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ أَيْ: ذَائِقَةٌ مُفَارِقَةٌ جَسَدَهَا، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ ذَوَاتِ الْأَنْفُسِ الْمَخْلُوقَةِ كَائِنًا مَا كَانَ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً أَيْ: نَخْتَبِرُكُمْ بِالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، لِنَنْظُرَ كَيْفَ شُكْرُكُمْ وَصَبْرُكُمْ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ مَنْ يَبْلُوهُمْ، وَفِتْنَةٌ مَصْدَرٌ لِنَبْلُوَكُمْ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ لَا إِلَى غَيْرِنَا فَنُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ إِنَّ اللَّهَ عزّ وجلّ صاهر الجنّ فكانت بنيهم الْمَلَائِكَةُ، فَقَالَ اللَّهُ تَكْذِيبًا لَهُمْ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ أَيِ: الْمَلَائِكَةُ لَيْسَ كَمَا قَالُوا، بَلْ عباد أكرمهم بعبادته
(١). الحج: ٦٥.
(٢). الحجر: ١٧.
(٣). أي سورة الإسراء.
(٤). الطور: ٣٠.
479
ثم وصفهم بصفة أخرى فقال :﴿ لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول ﴾ أي لا يقولون شيئاً حتى يقوله أو يأمرهم به. كذا قال ابن قتيبة وغيره، وفي هذا دليل على كمال طاعتهم وانقيادهم. وقرئ :«لا يسبقونه » بضم الباء من سبقته أسبقه ﴿ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ أي هم العاملون بما يأمرهم الله به، التابعون له المطيعون لربهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : قالت اليهود : إن الله عزّ وجلّ صاهر الجنّ فكانت بنيهم الملائكة، فقال الله تكذيباً لهم ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ﴾ أي الملائكة ليس كما قالوا، بل عباد أكرمهم بعبادته. ﴿ لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول ﴾ يثني عليهم ﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ ﴾ قال : لا تشفع الملائكة يوم القيامة ﴿ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال : لأهل التوحيد وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال : لأهل التوحيد لمن رضي عنه. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الآية قال : قول لا إله إلا الله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في الآية قال : الذين ارتضاهم لشهادة أن لا إله إلا الله. وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن جابر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال :( إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ). وأخرج الفريابي وعبد بن حميد، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانَتَا رَتْقاً ففتقناهما ﴾ قال : فتقت السماء بالغيث، وفتقت الأرض بالنبات. وأخرج ابن أبي حاتم عنه ﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال : لا يخرج منهما شيء، وذكر مثل ما تقدم. وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عنه أيضاً من طريق أخرى. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال : ملتصقتين. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي العالية في قوله :﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْء حَيّ ﴾ قال : نطفة الرجل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً ﴾ قال : بين الجبال. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ قال : دوران ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ قال : يجرون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عنه :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ قال : فلك كفلكة المغزل ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ قال : يدورون في أبواب السماء، كما تدور الفلكة في المغزل. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو فلك السماء. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن عائشة قال : دخل أبو بكر على النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد مات فقبّله وقال : وانبياه واخليلاه واصفياه، ثم تلا :﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ من قَبْلِكَ الخلد ﴾ الآية، وقوله :﴿ إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ ﴾ [ الزمر : ٣٠ ]. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً ﴾ قال : نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة.
﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ هذه الجملة تعليل لما قبلها، أي يعلم ما عملوا وما هم عاملون، أو يعلم ما بين أيديهم وهو الآخرة، وما خلفهم وهو الدنيا، ووجه التعليل أنهم إذا علموا بأنه عالم بما قدّموا وأخروا، لم يعملوا عملاً ولم يقولوا قولاً إلا بأمره ﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ أي : يشفع الشافعون له، وهو من رضي عنه، وقيل : هم أهل لا إله إلا الله، وقد ثبت في الصحيح أن الملائكة يشفعون في الدار الآخرة ﴿ وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ أي من خشيتهم منه فالمصدر مضاف إلى المفعول، والخشية : الخوف مع التعظيم، والإشفاق : الخوف مع التوقع والحذر، أي لا يأمنون مكر الله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : قالت اليهود : إن الله عزّ وجلّ صاهر الجنّ فكانت بنيهم الملائكة، فقال الله تكذيباً لهم ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ﴾ أي الملائكة ليس كما قالوا، بل عباد أكرمهم بعبادته. ﴿ لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول ﴾ يثني عليهم ﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ ﴾ قال : لا تشفع الملائكة يوم القيامة ﴿ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال : لأهل التوحيد وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال : لأهل التوحيد لمن رضي عنه. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الآية قال : قول لا إله إلا الله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في الآية قال : الذين ارتضاهم لشهادة أن لا إله إلا الله. وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن جابر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال :( إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ). وأخرج الفريابي وعبد بن حميد، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانَتَا رَتْقاً ففتقناهما ﴾ قال : فتقت السماء بالغيث، وفتقت الأرض بالنبات. وأخرج ابن أبي حاتم عنه ﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال : لا يخرج منهما شيء، وذكر مثل ما تقدم. وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عنه أيضاً من طريق أخرى. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال : ملتصقتين. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي العالية في قوله :﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْء حَيّ ﴾ قال : نطفة الرجل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً ﴾ قال : بين الجبال. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ قال : دوران ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ قال : يجرون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عنه :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ قال : فلك كفلكة المغزل ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ قال : يدورون في أبواب السماء، كما تدور الفلكة في المغزل. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو فلك السماء. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن عائشة قال : دخل أبو بكر على النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد مات فقبّله وقال : وانبياه واخليلاه واصفياه، ثم تلا :﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ من قَبْلِكَ الخلد ﴾ الآية، وقوله :﴿ إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ ﴾ [ الزمر : ٣٠ ]. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً ﴾ قال : نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة.
﴿ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّي إله مّن دُونِهِ ﴾ أي من يقل من الملائكة إني إله من دون الله. قال المفسرون : عني بهذا إبليس ؛ لأنه لم يقل أحد من الملائكة إني إله إلا إبليس ؛ وقيل : الإشارة إلى جميع الملائكة ﴿ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ﴾ أي فذلك القائل على سبيل الفرض، والتقدير : نجزيه جهنم بسبب هذا القول الذي قاله، كما نجزي غيره من المجرمين ﴿ كذلك نَجْزِي الظالمين ﴾ أي مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي الظالمين، أو مثل ما جعلنا جزاء هذا القائل جهنم، فكذلك نجزي الظالمين الواضعين الألوهية والعبادة في غير موضعها، والمراد بالظالمين : المشركون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : قالت اليهود : إن الله عزّ وجلّ صاهر الجنّ فكانت بنيهم الملائكة، فقال الله تكذيباً لهم ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ﴾ أي الملائكة ليس كما قالوا، بل عباد أكرمهم بعبادته. ﴿ لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول ﴾ يثني عليهم ﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ ﴾ قال : لا تشفع الملائكة يوم القيامة ﴿ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال : لأهل التوحيد وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال : لأهل التوحيد لمن رضي عنه. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الآية قال : قول لا إله إلا الله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في الآية قال : الذين ارتضاهم لشهادة أن لا إله إلا الله. وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن جابر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال :( إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ). وأخرج الفريابي وعبد بن حميد، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانَتَا رَتْقاً ففتقناهما ﴾ قال : فتقت السماء بالغيث، وفتقت الأرض بالنبات. وأخرج ابن أبي حاتم عنه ﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال : لا يخرج منهما شيء، وذكر مثل ما تقدم. وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عنه أيضاً من طريق أخرى. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال : ملتصقتين. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي العالية في قوله :﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْء حَيّ ﴾ قال : نطفة الرجل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً ﴾ قال : بين الجبال. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ قال : دوران ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ قال : يجرون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عنه :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ قال : فلك كفلكة المغزل ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ قال : يدورون في أبواب السماء، كما تدور الفلكة في المغزل. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو فلك السماء. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن عائشة قال : دخل أبو بكر على النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد مات فقبّله وقال : وانبياه واخليلاه واصفياه، ثم تلا :﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ من قَبْلِكَ الخلد ﴾ الآية، وقوله :﴿ إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ ﴾ [ الزمر : ٣٠ ]. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً ﴾ قال : نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة.
﴿ أَوَ لَمْ يَرَ الذين كَفَرُوا ﴾ الهمزة للإنكار، والواو للعطف على مقدّر، والرؤية هي القلبية، أي ألم يتفكروا أو لم يعلموا ﴿ أن السماوات والأرض * كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال الأخفش : إنما قال :﴿ كانتا ﴾، لأنهما صنفان أي جماعتا السماوات والأرضين كما قال سبحانه :﴿ إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ ﴾ [ فاطر : ٤١ ] وقال الزجاج : إنما قال ﴿ كانتا ﴾ لأنه يعبر عن السماوات بلفظ الواحد، لأن السماوات كانت سماء واحدة، وكذلك الأرضون. والرتق. السد ضدّ الفتق، يقال : رتقت الفتق أرتقه فارتتق، أي التأم، ومنه الرتقاء للمنضمة الفرج، يعني : أنهما كانتا شيئاً واحداً ملتزقتين ففصل الله بينهما، وقال ﴿ رتقاً ﴾ ولم يقل «رتقين » لأنه مصدر، والتقدير : كانتا ذواتي رتق، ومعنى ﴿ ففتقناهما ﴾ ففصلناهما، أي فصلنا بعضهما من بعض، فرفعنا السماء، وأبقينا الأرض مكانها ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْء حَيّ ﴾ أي أحيينا بالماء الذي ننزله من السماء كل شيء، فيشمل الحيوان والنبات، والمعنى : أن الماء سبب حياة كل شيء. وقيل : المراد بالماء هنا : النطفة، وبه قال أكثر المفسرين، وهذا احتجاج على المشركين بقدرة الله سبحانه وبديع صنعه، وقد تقدم تفسير هذه الآية، والهمزة في ﴿ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ للإنكار عليهم، حيث لم يؤمنوا مع وجود ما يقتضيه من الآيات الربانية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : قالت اليهود : إن الله عزّ وجلّ صاهر الجنّ فكانت بنيهم الملائكة، فقال الله تكذيباً لهم ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ﴾ أي الملائكة ليس كما قالوا، بل عباد أكرمهم بعبادته. ﴿ لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول ﴾ يثني عليهم ﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ ﴾ قال : لا تشفع الملائكة يوم القيامة ﴿ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال : لأهل التوحيد وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال : لأهل التوحيد لمن رضي عنه. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الآية قال : قول لا إله إلا الله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في الآية قال : الذين ارتضاهم لشهادة أن لا إله إلا الله. وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن جابر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال :( إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ). وأخرج الفريابي وعبد بن حميد، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانَتَا رَتْقاً ففتقناهما ﴾ قال : فتقت السماء بالغيث، وفتقت الأرض بالنبات. وأخرج ابن أبي حاتم عنه ﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال : لا يخرج منهما شيء، وذكر مثل ما تقدم. وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عنه أيضاً من طريق أخرى. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال : ملتصقتين. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي العالية في قوله :﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْء حَيّ ﴾ قال : نطفة الرجل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً ﴾ قال : بين الجبال. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ قال : دوران ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ قال : يجرون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عنه :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ قال : فلك كفلكة المغزل ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ قال : يدورون في أبواب السماء، كما تدور الفلكة في المغزل. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو فلك السماء. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن عائشة قال : دخل أبو بكر على النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد مات فقبّله وقال : وانبياه واخليلاه واصفياه، ثم تلا :﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ من قَبْلِكَ الخلد ﴾ الآية، وقوله :﴿ إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ ﴾ [ الزمر : ٣٠ ]. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً ﴾ قال : نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة.
﴿ وَجَعَلْنَا فِي الأرض رَوَاسِيَ ﴾ أي جبالاً ثوابت ﴿ أَن تَمِيدَ بِهِمْ ﴾ الميد التحرّك والدوران، أي لئلا تتحرك وتدور بهم، أو كراهة ذلك، وقد تقدم تفسير ذلك في النحل مستوفى ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا ﴾ أي في الرواسي، أو في الأرض ﴿ فِجَاجاً ﴾ قال أبو عبيدة : هي المسالك. وقال الزجاج : كل مخترق بين جبلين فهو فج و﴿ سُبُلاً ﴾ تفسير للفجاج، لأن الفج قد لا يكون طريقاً نافذاً مسلوكاً ﴿ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ إلى مصالح معاشهم، وما تدعو إليه حاجاتهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : قالت اليهود : إن الله عزّ وجلّ صاهر الجنّ فكانت بنيهم الملائكة، فقال الله تكذيباً لهم ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ﴾ أي الملائكة ليس كما قالوا، بل عباد أكرمهم بعبادته. ﴿ لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول ﴾ يثني عليهم ﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ ﴾ قال : لا تشفع الملائكة يوم القيامة ﴿ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال : لأهل التوحيد وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال : لأهل التوحيد لمن رضي عنه. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الآية قال : قول لا إله إلا الله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في الآية قال : الذين ارتضاهم لشهادة أن لا إله إلا الله. وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن جابر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال :( إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ). وأخرج الفريابي وعبد بن حميد، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانَتَا رَتْقاً ففتقناهما ﴾ قال : فتقت السماء بالغيث، وفتقت الأرض بالنبات. وأخرج ابن أبي حاتم عنه ﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال : لا يخرج منهما شيء، وذكر مثل ما تقدم. وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عنه أيضاً من طريق أخرى. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال : ملتصقتين. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي العالية في قوله :﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْء حَيّ ﴾ قال : نطفة الرجل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً ﴾ قال : بين الجبال. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ قال : دوران ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ قال : يجرون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عنه :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ قال : فلك كفلكة المغزل ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ قال : يدورون في أبواب السماء، كما تدور الفلكة في المغزل. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو فلك السماء. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن عائشة قال : دخل أبو بكر على النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد مات فقبّله وقال : وانبياه واخليلاه واصفياه، ثم تلا :﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ من قَبْلِكَ الخلد ﴾ الآية، وقوله :﴿ إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ ﴾ [ الزمر : ٣٠ ]. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً ﴾ قال : نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة.
﴿ وَجَعَلْنَا السماء سَقْفاً مَحْفُوظاً ﴾ عن أن يقع ويسقط على الأرض كقوله :﴿ وَيُمْسِكُ السماء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض ﴾ [ الحج : ٦٥ ]. وقال الفراء : محفوظاً بالنجوم من الشيطان كقوله :﴿ وحفظناها مِن كُلّ شيطان رَجِيمٍ ﴾ [ الحجر : ١٧ ]. وقيل : محفوظاً : لا يحتاج إلى عماد، وقيل : المراد بالمحفوظ هنا : المرفوع. وقيل : محفوظاً عن الشرك والمعاصي. وقيل : محفوظاً عن الهدم والنقض ﴿ وَهُمْ عَنْ آياتها مُعْرِضُونَ ﴾ أضاف الآيات إلى السماء، لأنها مجعولة فيها، وذلك كالشمس والقمر ونحوهما، ومعنى الإعراض : أنهم لا يتدبرون فيها، ولا يتفكرون فيما توجبه من الإيمان.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : قالت اليهود : إن الله عزّ وجلّ صاهر الجنّ فكانت بنيهم الملائكة، فقال الله تكذيباً لهم ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ﴾ أي الملائكة ليس كما قالوا، بل عباد أكرمهم بعبادته. ﴿ لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول ﴾ يثني عليهم ﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ ﴾ قال : لا تشفع الملائكة يوم القيامة ﴿ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال : لأهل التوحيد وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال : لأهل التوحيد لمن رضي عنه. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الآية قال : قول لا إله إلا الله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في الآية قال : الذين ارتضاهم لشهادة أن لا إله إلا الله. وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن جابر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال :( إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ). وأخرج الفريابي وعبد بن حميد، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانَتَا رَتْقاً ففتقناهما ﴾ قال : فتقت السماء بالغيث، وفتقت الأرض بالنبات. وأخرج ابن أبي حاتم عنه ﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال : لا يخرج منهما شيء، وذكر مثل ما تقدم. وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عنه أيضاً من طريق أخرى. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال : ملتصقتين. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي العالية في قوله :﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْء حَيّ ﴾ قال : نطفة الرجل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً ﴾ قال : بين الجبال. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ قال : دوران ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ قال : يجرون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عنه :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ قال : فلك كفلكة المغزل ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ قال : يدورون في أبواب السماء، كما تدور الفلكة في المغزل. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو فلك السماء. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن عائشة قال : دخل أبو بكر على النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد مات فقبّله وقال : وانبياه واخليلاه واصفياه، ثم تلا :﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ من قَبْلِكَ الخلد ﴾ الآية، وقوله :﴿ إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ ﴾ [ الزمر : ٣٠ ]. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً ﴾ قال : نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة.
﴿ وَهُوَ الذي خَلَقَ الليل والنهار والشمس والقمر ﴾ هذا تذكير لهم بنعمة أخرى مما أنعم به عليهم، وذلك بأنه خلق لهم الليل ليسكنوا فيه، والنهار ليتصرفوا فيه في معايشهم، وخلق الشمس والقمر أي جعل الشمس آية النهار، والقمر آية الليل، ليعلموا عدد الشهور والحساب كما تقدّم بيانه في سبحان ﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ أي كل واحد من الشمس والقمر والنجوم في فلك يسبحون، أي يجرون في وسط الفلك، ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء، والجمع في الفعل باعتبار المطالع، قال سيبويه : إنه لما أخبر عنهنّ بفعل من يعقل، وجعلهنّ في الطاعة بمنزلة من يعقل، جعل الضمير عنهنّ ضمير العقلاء، ولم يقل يسبحن أو تسبح، وكذا قال الفراء. وقال الكسائي : إنما قال :﴿ يسبحون ﴾ لأنه رأس آية. والفلك واحد أفلاك النجوم. وأصل الكلمة من الدوران، ومنه فلك المغزل لاستدارتها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : قالت اليهود : إن الله عزّ وجلّ صاهر الجنّ فكانت بنيهم الملائكة، فقال الله تكذيباً لهم ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ﴾ أي الملائكة ليس كما قالوا، بل عباد أكرمهم بعبادته. ﴿ لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول ﴾ يثني عليهم ﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ ﴾ قال : لا تشفع الملائكة يوم القيامة ﴿ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال : لأهل التوحيد وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال : لأهل التوحيد لمن رضي عنه. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الآية قال : قول لا إله إلا الله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في الآية قال : الذين ارتضاهم لشهادة أن لا إله إلا الله. وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن جابر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال :( إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ). وأخرج الفريابي وعبد بن حميد، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانَتَا رَتْقاً ففتقناهما ﴾ قال : فتقت السماء بالغيث، وفتقت الأرض بالنبات. وأخرج ابن أبي حاتم عنه ﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال : لا يخرج منهما شيء، وذكر مثل ما تقدم. وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عنه أيضاً من طريق أخرى. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال : ملتصقتين. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي العالية في قوله :﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْء حَيّ ﴾ قال : نطفة الرجل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً ﴾ قال : بين الجبال. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ قال : دوران ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ قال : يجرون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عنه :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ قال : فلك كفلكة المغزل ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ قال : يدورون في أبواب السماء، كما تدور الفلكة في المغزل. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو فلك السماء. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن عائشة قال : دخل أبو بكر على النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد مات فقبّله وقال : وانبياه واخليلاه واصفياه، ثم تلا :﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ من قَبْلِكَ الخلد ﴾ الآية، وقوله :﴿ إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ ﴾ [ الزمر : ٣٠ ]. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً ﴾ قال : نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة.
﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ من قَبْلِكَ الخلد ﴾ أي دوام البقاء في الدنيا ﴿ أَفَإن متَّ ﴾ بأجلك المحتوم ﴿ فَهُمُ الخالدون ﴾ أي أفهم الخالدون ؟ قال الفراء : جاء بالفاء لتدل على الشرط لأنه جواب قولهم سيموت. قال : ويجوز حذف الفاء وإضمارها، والمعنى : إن متّ فهم يموتون أيضاً، فلا شماتة في الموت. وقرئ :«مت » بكسر الميم وضمها لغتان : وكان سبب نزول هذه الآية قول المشركين فيما حكاه الله عنهم :﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون ﴾ [ الطور : ٣٠ ].
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : قالت اليهود : إن الله عزّ وجلّ صاهر الجنّ فكانت بنيهم الملائكة، فقال الله تكذيباً لهم ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ﴾ أي الملائكة ليس كما قالوا، بل عباد أكرمهم بعبادته. ﴿ لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول ﴾ يثني عليهم ﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ ﴾ قال : لا تشفع الملائكة يوم القيامة ﴿ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال : لأهل التوحيد وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال : لأهل التوحيد لمن رضي عنه. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الآية قال : قول لا إله إلا الله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في الآية قال : الذين ارتضاهم لشهادة أن لا إله إلا الله. وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن جابر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال :( إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ). وأخرج الفريابي وعبد بن حميد، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانَتَا رَتْقاً ففتقناهما ﴾ قال : فتقت السماء بالغيث، وفتقت الأرض بالنبات. وأخرج ابن أبي حاتم عنه ﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال : لا يخرج منهما شيء، وذكر مثل ما تقدم. وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عنه أيضاً من طريق أخرى. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال : ملتصقتين. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي العالية في قوله :﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْء حَيّ ﴾ قال : نطفة الرجل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً ﴾ قال : بين الجبال. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ قال : دوران ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ قال : يجرون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عنه :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ قال : فلك كفلكة المغزل ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ قال : يدورون في أبواب السماء، كما تدور الفلكة في المغزل. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو فلك السماء. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن عائشة قال : دخل أبو بكر على النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد مات فقبّله وقال : وانبياه واخليلاه واصفياه، ثم تلا :﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ من قَبْلِكَ الخلد ﴾ الآية، وقوله :﴿ إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ ﴾ [ الزمر : ٣٠ ]. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً ﴾ قال : نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة.
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت ﴾ أي ذائقة مفارقة جسدها، فلا يبقى أحد من ذوات الأنفس المخلوقة كائناً ما كان ﴿ وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً ﴾ أي نختبركم بالشدّة والرخاء، لننظر كيف شكركم وصبركم. والمراد : أنه سبحانه يعاملهم معاملة من يبلوهم، و﴿ فتنة ﴾ مصدر ﴿ لنبلوكم ﴾ من غير لفظه ﴿ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ لا إلى غيرنا فنجازيكم بأعمالكم إن خيراً فخير، وإن شراً فشرّ.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : قالت اليهود : إن الله عزّ وجلّ صاهر الجنّ فكانت بنيهم الملائكة، فقال الله تكذيباً لهم ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ﴾ أي الملائكة ليس كما قالوا، بل عباد أكرمهم بعبادته. ﴿ لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول ﴾ يثني عليهم ﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ ﴾ قال : لا تشفع الملائكة يوم القيامة ﴿ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال : لأهل التوحيد وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال : لأهل التوحيد لمن رضي عنه. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الآية قال : قول لا إله إلا الله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في الآية قال : الذين ارتضاهم لشهادة أن لا إله إلا الله. وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن جابر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ قال :( إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ). وأخرج الفريابي وعبد بن حميد، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانَتَا رَتْقاً ففتقناهما ﴾ قال : فتقت السماء بالغيث، وفتقت الأرض بالنبات. وأخرج ابن أبي حاتم عنه ﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال : لا يخرج منهما شيء، وذكر مثل ما تقدم. وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عنه أيضاً من طريق أخرى. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال : ملتصقتين. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي العالية في قوله :﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْء حَيّ ﴾ قال : نطفة الرجل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً ﴾ قال : بين الجبال. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ قال : دوران ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ قال : يجرون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عنه :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ قال : فلك كفلكة المغزل ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ قال : يدورون في أبواب السماء، كما تدور الفلكة في المغزل. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو فلك السماء. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن عائشة قال : دخل أبو بكر على النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد مات فقبّله وقال : وانبياه واخليلاه واصفياه، ثم تلا :﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ من قَبْلِكَ الخلد ﴾ الآية، وقوله :﴿ إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ ﴾ [ الزمر : ٣٠ ]. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً ﴾ قال : نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة.
لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ يُثْنِي عَلَيْهِمْ وَلا يَشْفَعُونَ قَالَ: لَا تَشْفَعُ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى قَالَ: لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ لِمَنْ رَضِيَ عَنْهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي الْآيَةِ قَالَ: قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: الَّذِينَ ارْتَضَاهُمْ لِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ، عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى قَالَ: إِنَّ شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي».
وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما قَالَ: فُتِقَتِ السَّمَاءُ بِالْغَيْثِ، وَفُتِقَتِ الْأَرْضُ بِالنَّبَاتِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ كانَتا رَتْقاً قَالَ: لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا شَيْءٌ، وَذَكَرَ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، عَنْهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ كانَتا رَتْقاً قَالَ: مُلْتَصِقَتَيْنِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنِ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ قَالَ: نُطْفَةُ الرَّجُلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا قَالَ: بَيْنَ الْجِبَالُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: كُلٌّ فِي فَلَكٍ قَالَ: دَوَرَانٌ يَسْبَحُونَ قَالَ: يَجْرُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، عَنْهُ كُلٌّ فِي فَلَكٍ قَالَ: فَلَكٌ كَفَلَكَةِ الْمِغْزَلِ يَسْبَحُونَ قَالَ: يَدُورُونَ فِي أَبْوَابِ السَّمَاءِ.
كَمَا تَدُورُ الْفَلَكَةُ فِي الْمِغْزَلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: هُوَ فَلَكُ السَّمَاءِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عن عائشة قالت: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم وقد مات فقبله وقال: وا نبياه وا خليلاه وا صفياه، ثُمَّ تَلَا وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ الْآيَةَ، وَقَوْلَهُ:
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ «١». وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً قَالَ: نَبْتَلِيكُمْ بِالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالطَّاعَةِ والمعصية، والهدى والضلالة.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٣٦ الى ٤٣]
وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠)
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤١) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (٤٣)
(١). الزمر: ٣٠.
480
قَوْلُهُ: وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا يَعْنِي الْمُسْتَهْزِئِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَيْ:
مَا يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا مَهْزُوءًا بِكَ، وَالْهَزْءُ: السُّخْرِيَةُ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ «١» وَالْمَعْنَى: مَا يَفْعَلُونَ بِكَ إِلَّا اتَّخَذُوكَ هُزُؤًا أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ، أَيْ: يَقُولُونَ أَهَذَا الَّذِي، فَعَلَى هَذَا هُوَ جَوَابُ إِذَا، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً اعْتِرَاضًا بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ، وَمَعْنَى يَذْكُرُهَا يَعِيبُهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: يُقَالُ فُلَانٌ يَذْكُرُ النَّاسَ، أَيْ: يَغْتَابُهُمْ، وَيَذْكُرُهُمْ بِالْعُيُوبِ، وَفُلَانٌ يَذْكُرُ اللَّهَ، أَيْ: يَصِفُهُ بِالتَّعْظِيمِ وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُحْذَفُ مَعَ الذَّكَرِ مَا عُقِلَ مَعْنَاهُ، وَعَلَى مَا قَالُوا لَا يَكُونُ الذِّكْرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْعَيْبُ، وَحَيْثُ يُرَادُ بِهِ الْعَيْبُ يُحْذَفُ مِنْهُ السُّوءُ، قِيلَ: وَمِنْ هَذَا قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
لَا تَذْكُرِي مُهْرِي وَمَا أَطْعَمْتُهُ فَيَكُونُ جِلْدُكَ مِثْلَ جَلْدِ الْأَجْرَبِ
أَيْ: لَا تَعِيبِي مُهْرِي، وَجُمْلَةُ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ:
وَهُمْ بِالْقُرْآنِ كَافِرُونَ، أَوْ هُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ الَّذِي خَلَقَهُمْ كَافِرُونَ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَعِيبُونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَنْ يَذْكُرَ آلِهَتَهُمُ الَّتِي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ بِالسُّوءِ، وَالْحَالُ أَنَّهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ التَّوْحِيدِ، أَوِ الْقُرْآنِ كَافِرُونَ، فَهُمْ أَحَقُّ بِالْعَيْبِ لَهُمْ وَالْإِنْكَارِ عليهم، فالضمير الأوّل مبتدأ خبره كافرون، و «بذكر» مُتَعَلِّقٌ بِالْخَبَرِ، وَالضَّمِيرُ الثَّانِي تَأْكِيدٌ خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ أَيْ: جُعِلَ لِفَرْطِ اسْتِعْجَالِهِ كَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنَ الْعَجَلِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: كَأَنَّهُ يَقُولُ بَنَيْتُهُ وَخَلَقْتُهُ مِنَ الْعَجَلَةِ وَعَلَى الْعَجَلَةِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: خُوطِبَتِ الْعَرَبُ بِمَا تَعْقِلُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلَّذِي يَكْثُرُ مِنْهُ الشَّيْءُ خُلِقْتَ مِنْهُ، كَمَا تَقُولُ: أَنْتَ مِنْ لَعِبٍ، وَخُلِقْتَ مَنْ لَعِبٍ، تُرِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي وَصْفِهِ بِذَلِكَ. وَيَدُلُّ عَلَى هذا المعنى قوله: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا «٢» وَالْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ الْجِنْسُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ آدَمُ، فَإِنَّهُ لَمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ صَارَ الرُّوحُ فِي رَأْسِهِ، فَذَهَبَ لِيَنْهَضَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ الرُّوحُ إِلَى رِجْلَيْهِ فَوَقَعَ، فَقِيلَ: خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ، كَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالسُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَكَثِيرٌ مَنْ أَهْلِ الْمَعَانِي: الْعَجَلُ الطين بلغة حمير. وأنشدوا:
..............
والنخل ينبت بَيْنَ الْمَاءِ وَالْعَجَلِ «٣»
وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ الْقَائِلُ: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ «٤» وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي قُرَيْشٍ لِأَنَّهُمُ اسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: مَعْنَى «خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ» أَنَّهُ قِيلَ لَهُ كُنْ فَكَانَ. وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنَ الْمَقْلُوبِ، أَيْ: خُلِقَ الْعَجَلُ مِنَ الْإِنْسَانِ، وَقَدْ حُكِيَ هَذَا عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَالنَّحَّاسِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى. سَأُرِيكُمْ آياتِي أَيْ: سَأُرِيكُمْ نَقِمَاتِي مِنْكُمْ بِعَذَابِ النَّارِ فَلا تَسْتَعْجِلُونِ أَيْ: لَا تَسْتَعْجِلُونِي بِالْإِتْيَانِ بِهِ، فَإِنَّهُ نَازِلٌ بِكُمْ لَا مَحَالَةَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْآيَاتِ ما
(١). الحجر: ٩٥.
(٢). الإسراء: ١١.
(٣). وصدره: والنبع في الصخرة الصمّاء منبته.
(٤). الأنفال: ٣٢. [.....]
481
دَلَّ عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ، وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْعَاقِبَةِ الْمَحْمُودَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أَيْ: مَتَى حُصُولُ هَذَا الْوَعْدِ الَّذِي تَعِدُنَا بِهِ مِنَ الْعَذَابِ، قَالُوا ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْوَعْدِ هُنَا الْقِيَامَةُ، وَمَعْنَى إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إِنْ كُنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ صَادِقِينَ فِي وَعْدِكُمْ، وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَتْلُونَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ الْمُنْذِرَةَ بِمَجِيءِ السَّاعَةِ وَقُرْبِ حُضُورِ الْعَذَابِ، وَجُمْلَةُ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وما بَعْدَهَا مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا، أَيْ: لَوْ عَرَفُوا ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: لَوْ عَلِمُوا الْوَقْتَ الَّذِي لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ لَمَا اسْتَعْجَلُوا الْوَعِيدَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي تَقْدِيرِ الجواب:
لعلموا صِدْقَ الْوَعْدِ، وَقِيلَ: لَوْ عَلِمُوهُ مَا أَقَامُوا عَلَى الْكُفْرِ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِ السَّاعَةِ، أَيْ: لَوْ عَلِمُوهُ عِلْمَ يَقِينٍ لَعَلِمُوا أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً وَتَخْصِيصُ الْوُجُوهِ وَالظُّهُورِ بالذكر بمعنى الأمام وَالْخَلْفِ لِكَوْنِهِمَا أَشْهَرَ الْجَوَانِبِ فِي اسْتِلْزَامِ الْإِحَاطَةِ بِهَا لِلْإِحَاطَةِ بِالْكُلِّ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِهَا مِنْ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِهِمْ، وَمَحَلُّ حِينَ لَا يَكُفُّونَ النَّصْبَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ الْعِلْمِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْوَقْتِ الْمَوْعُودِ الَّذِي كَانُوا يَسْتَعْجِلُونَهُ، وَمَعْنَى وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ: وَلَا يَنْصُرُهُمْ أَحَدٌ مِنِ الْعِبَادِ فَيَدْفَعُ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَجُمْلَةُ «بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً» مَعْطُوفَةٌ عَلَى «يَكُفُّونَ»، أَيْ: لَا يَكُفُّونَهَا، بَلْ تَأْتِيهِمُ الْعِدَّةُ أَوِ النَّارُ أَوِ السَّاعَةُ بَغْتَةً، أَيْ: فَجْأَةً فَتَبْهَتُهُمْ قَالَ الجوهري: بهته بهتا: أَخْذَهُ بَغْتًا، وَقَالَ الْفَرَّاءُ:
«فَتَبْهَتُهُمْ» أَيْ: تُحَيِّرُهُمْ، وَقِيلَ: فَتَفْجَؤُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها أَيْ: صَرْفَهَا عَنْ وُجُوهِهِمْ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ، فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى النَّارِ، وَقِيلَ: رَاجِعٌ إِلَى الْوَعْدِ بِتَأْوِيلِهِ بِالْعِدَّةِ، وَقِيلَ: رَاجِعٌ إِلَى الْحِينِ بِتَأْوِيلِهِ بِالسَّاعَةِ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ أَيْ: يُمْهَلُونَ وَيُؤَخَّرُونَ لِتَوْبَةٍ وَاعْتِذَارٍ، وَجُمْلَةُ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ مَسُوقَةٌ لِتَسْلِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْزِيَتِهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: إِنِ اسْتَهْزَأَ بِكَ هَؤُلَاءِ فَقَدْ فُعِلَ ذَلِكَ بِمَنْ قَبْلَكَ مِنَ الرُّسُلِ عَلَى كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَخَطَرِ شَأْنِهِمْ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ أَيْ: أَحَاطَ وَدَارَ بِسَبَبِ ذلك بالذين سخروا من أولئك الرسل وهزءوا بهم ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ «مَا» مَوْصُولَةٌ، أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ: فَأَحَاطَ بِهِمُ الأمر الذي كانوا يستهزءون بِهِ، أَوْ فَأَحَاطَ بِهِمُ اسْتِهْزَاؤُهُمْ. أَيْ: جَزَاؤُهُ، عَلَى وَضْعِ السَّبَبِ مَوْضِعَ الْمُسَبَّبِ، أَوْ نَفْسِ الِاسْتِهْزَاءِ، إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْعَذَابُ الْأُخْرَوِيُّ قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ أَيْ: يَحْرُسُكُمْ وَيَحْفَظُكُمْ، وَالْكَلَاءَةُ: الْحِرَاسَةُ وَالْحِفْظُ، يُقَالُ: كَلَأَهُ الله كلاء بِالْكَسْرِ: أَيْ حَفِظَهُ وَحَرَسَهُ. قَالَ ابْنُ هَرْمَةَ:
إِنَّ سُلَيْمَى وَاللَّهُ يَكْلَؤُهَا ضَنَّتْ بِشَيْءٍ مَا كَانَ يَرْزَؤُهَا
أَيْ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِأُولَئِكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِطَرِيقِ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ: مَنْ يَحْرُسُكُمْ وَيَحْفَظُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ بَأْسِ الرَّحْمَنِ وَعَذَابِهِ الَّذِي تَسْتَحِقُّونَ حُلُولَهُ بِكُمْ وَنُزُولَهُ عَلَيْكُمْ؟ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ مَنْ يَحْفَظُكُمْ مِنْ بَأْسِ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمَعْنَى مَنْ يَحْفَظُكُمْ مِمَّا يُرِيدُ الرَّحْمَنُ إِنْزَالَهُ بِكُمْ مِنْ عُقُوبَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَحَكَى الكسائي والفراء: «من يكلوكم» بِفَتْحِ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ
482
﴿ خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ ﴾ أي جعل لفرط استعجاله كأنه مخلوق من العجل. قال الفراء : كأنه يقول : بنيته وخلقته من العجلة وعلى العجلة. وقال الزجاج : خوطبت العرب بما تعقل، والعرب تقول للذي يكثر منه الشيء : خلقت منه كما تقول : أنت من لعب، وخلقت من لعب، تريد المبالغة في وصفه بذلك. ويدل على هذا المعنى قوله :﴿ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً ﴾ [ الإسراء : ١١ ]. والمراد بالإنسان : الجنس. وقيل : المراد بالإنسان : آدم، فإنه لما خلقه الله ونفخ فيه الروح صار الروح في رأسه، فذهب لينهض قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه فوقع، فقيل :﴿ خلق الإنسان من عجل ﴾، كذا قال عكرمة وسعيد بن جبير والسديّ والكلبي ومجاهد وقال أبو عبيدة وكثير من أهل المعاني : العجل : الطين بلغة حمير. وأنشدوا :
والنخل تنبت بين الماء والعجل ***. . .
وقيل : إن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث، وهو القائل :﴿ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ ﴾ [ الأنفال : ٣٢ ]. وقيل : نزلت في قريش لأنهم استعجلوا العذاب. وقال الأخفش : معنى خلق الإنسان من عجل أنه قيل له كن فكان. وقيل : إن هذه الآية من المقلوب، أي خلق العجل من الإنسان وقد حكي هذا عن أبي عبيدة والنحاس، والقول الأوّل أولى ﴿ سأريكم آياتي ﴾ أي : سأريكم نقماتي منكم بعذاب النار ﴿ فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ ﴾ أي لا تستعجلوني بالإتيان به، فإنه نازل بكم لا محالة، وقيل : المراد بالآيات ما دل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم من المعجزات وما جعله الله له من العاقبة المحمودة، والأوّل أولى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السديّ قال :( مرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان وأبي جهل وهما يتحدثان، فلما رآه أبو جهل ضحك وقال لأبي سفيان : هذا نبيّ بني عبد مناف، فغضب أبو سفيان فقال : ما تنكرون أن يكون لبني عبد مناف نبيّ، فسمعها النبيّ صلى الله عليه وسلم، فرجع إلى أبي جهل فوقع به وخوّفه وقال :( ما أراك منتهياً حتى يصيبك ما أصاب عمك )، وقال لأبي سفيان :( أما إنك لم تقل ما قلت إلا حمية )، فنزلت هذه الآية :﴿ وَإِذَا رَآكَ الذين كَفَرُوا ﴾. قلت : ينظر من الذي روى عنه السديّ ؟. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال : لما نفخ في آدم الروح صار في رأسه فعطس فقال : الحمد لله، فقالت الملائكة : يرحمك الله، فذهب لينهض قبل أن تمور في رجليه فوقع، فقال الله :﴿ خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ ﴾. وقد أخرج نحو هذا ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير. وأخرج نحوه أيضاً ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد، وكذا أخرج ابن المنذر عن ابن جريج. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم ﴾ قال : يحرسكم، وفي قوله :﴿ وَلاَ هُمْ منَّا يُصْحَبُونَ ﴾ قال : لا ينصرون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ هُمْ منَّا يُصْحَبُونَ ﴾ قال : لا يجارون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في الآية : قال لا يمنعون.
ويدل عليه قولهم :﴿ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صادقين ﴾ أي متى حصول هذا الوعد، الذي تعدنا به من العذاب، قالوا ذلك على جهة الاستهزاء والسخرية، وقيل : المراد بالوعد هنا : القيامة، ومعنى ﴿ إِن كُنتُمْ صادقين ﴾ : إن كنتم يا معشر المسلمين صادقين في وعدكم، والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين الذين يتلون الآيات القرآنية المنذرة بمجيء الساعة وقرب حضور العذاب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السديّ قال :( مرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان وأبي جهل وهما يتحدثان، فلما رآه أبو جهل ضحك وقال لأبي سفيان : هذا نبيّ بني عبد مناف، فغضب أبو سفيان فقال : ما تنكرون أن يكون لبني عبد مناف نبيّ، فسمعها النبيّ صلى الله عليه وسلم، فرجع إلى أبي جهل فوقع به وخوّفه وقال :( ما أراك منتهياً حتى يصيبك ما أصاب عمك )، وقال لأبي سفيان :( أما إنك لم تقل ما قلت إلا حمية )، فنزلت هذه الآية :﴿ وَإِذَا رَآكَ الذين كَفَرُوا ﴾. قلت : ينظر من الذي روى عنه السديّ ؟. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال : لما نفخ في آدم الروح صار في رأسه فعطس فقال : الحمد لله، فقالت الملائكة : يرحمك الله، فذهب لينهض قبل أن تمور في رجليه فوقع، فقال الله :﴿ خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ ﴾. وقد أخرج نحو هذا ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير. وأخرج نحوه أيضاً ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد، وكذا أخرج ابن المنذر عن ابن جريج. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم ﴾ قال : يحرسكم، وفي قوله :﴿ وَلاَ هُمْ منَّا يُصْحَبُونَ ﴾ قال : لا ينصرون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ هُمْ منَّا يُصْحَبُونَ ﴾ قال : لا يجارون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في الآية : قال لا يمنعون.
وجملة :﴿ لَوْ يَعْلَمُ الذين كَفَرُوا ﴾ ما بعدها مقرّرة لما قبلها، أي لو عرفوا ذلك الوقت، وجواب لو محذوف، والتقدير : لو علموا الوقت الذي ﴿ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النار وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ لما [ استعجلوا ] الوعيد. وقال الزجاج : في تقدير الجواب لعلموا صدق الوعد. وقيل : لو علموه ما أقاموا على الكفر. وقال الكسائي : هو تنبيه على تحقيق وقوع الساعة، أي لو علموه علم يقين لعلموا أن الساعة آتية، ويدلّ عليه قوله :﴿ بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السديّ قال :( مرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان وأبي جهل وهما يتحدثان، فلما رآه أبو جهل ضحك وقال لأبي سفيان : هذا نبيّ بني عبد مناف، فغضب أبو سفيان فقال : ما تنكرون أن يكون لبني عبد مناف نبيّ، فسمعها النبيّ صلى الله عليه وسلم، فرجع إلى أبي جهل فوقع به وخوّفه وقال :( ما أراك منتهياً حتى يصيبك ما أصاب عمك )، وقال لأبي سفيان :( أما إنك لم تقل ما قلت إلا حمية )، فنزلت هذه الآية :﴿ وَإِذَا رَآكَ الذين كَفَرُوا ﴾. قلت : ينظر من الذي روى عنه السديّ ؟. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال : لما نفخ في آدم الروح صار في رأسه فعطس فقال : الحمد لله، فقالت الملائكة : يرحمك الله، فذهب لينهض قبل أن تمور في رجليه فوقع، فقال الله :﴿ خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ ﴾. وقد أخرج نحو هذا ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير. وأخرج نحوه أيضاً ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد، وكذا أخرج ابن المنذر عن ابن جريج. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم ﴾ قال : يحرسكم، وفي قوله :﴿ وَلاَ هُمْ منَّا يُصْحَبُونَ ﴾ قال : لا ينصرون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ هُمْ منَّا يُصْحَبُونَ ﴾ قال : لا يجارون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في الآية : قال لا يمنعون.
﴿ بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً ﴾ وتخصيص الوجوه والظهور بالذكر بمعنى الأمام والخلف لكونهما أشهر الجوانب الجوانب في استلزام الإحاطة بها للإحاطة بالكلّ، بحيث لا يقدرون على دفعها من جانب من جوانبهم، ومحل ﴿ حين لا يكفون ﴾ النصب على أنه مفعول العلم، وهو عبارة عن الوقت الموعود الذي كانوا يستعجلونه، ومعنى ﴿ ولا هم ينصرون ﴾ : ولا ينصرهم أحد من العباد فيدفع ذلك عنهم، وجملة ﴿ بل تأتيهم بغتة ﴾ معطوفة على ﴿ يكفون ﴾ أي لا يكفونها بل تأتيهم العدّة أو النار أو الساعة بغتة، أي فجأة ﴿ فَتَبْهَتُهُمْ ﴾ قال الجوهري : بهته بهتاً أخذه بغتة، وقال الفراء : فتبهتهم، أي تحيرهم. وقيل : فتفجؤهم ﴿ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا ﴾ أي صرفها عن وجوههم ولا عن ظهورهم، فالضمير راجع إلى النار. وقيل : راجع إلى الوعد بتأويله بالعدة. وقيل : راجع إلى الحين بتأويله بالساعة ﴿ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ أي يمهلون ويؤخرون لتوبة واعتذار.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السديّ قال :( مرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان وأبي جهل وهما يتحدثان، فلما رآه أبو جهل ضحك وقال لأبي سفيان : هذا نبيّ بني عبد مناف، فغضب أبو سفيان فقال : ما تنكرون أن يكون لبني عبد مناف نبيّ، فسمعها النبيّ صلى الله عليه وسلم، فرجع إلى أبي جهل فوقع به وخوّفه وقال :( ما أراك منتهياً حتى يصيبك ما أصاب عمك )، وقال لأبي سفيان :( أما إنك لم تقل ما قلت إلا حمية )، فنزلت هذه الآية :﴿ وَإِذَا رَآكَ الذين كَفَرُوا ﴾. قلت : ينظر من الذي روى عنه السديّ ؟. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال : لما نفخ في آدم الروح صار في رأسه فعطس فقال : الحمد لله، فقالت الملائكة : يرحمك الله، فذهب لينهض قبل أن تمور في رجليه فوقع، فقال الله :﴿ خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ ﴾. وقد أخرج نحو هذا ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير. وأخرج نحوه أيضاً ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد، وكذا أخرج ابن المنذر عن ابن جريج. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم ﴾ قال : يحرسكم، وفي قوله :﴿ وَلاَ هُمْ منَّا يُصْحَبُونَ ﴾ قال : لا ينصرون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ هُمْ منَّا يُصْحَبُونَ ﴾ قال : لا يجارون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في الآية : قال لا يمنعون.
وجملة ﴿ وَلَقَدِ استهزئ بِرُسُلٍ من قَبْلِكَ ﴾ مسوقة لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزيته، كأنه قال : إن استهزأ بك هؤلاء فقد فعل ذلك بمن قبلك من الرسل على كثرة عددهم وخطر شأنهم ﴿ فَحَاقَ بالذين سَخِرُوا مِنْهُمْ ﴾ أي أحاط ودار بسبب ذلك بالذين سخروا من أولئك الرسل وهزأوا بهم ﴿ مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤونَ ﴾ :«ما » موصولة، أو مصدرية، أي فأحاط بهم الأمر الذي كانوا يستهزئون به، أو فأحاط بهم استهزاؤهم، أي جزاؤه على وضع السبب موضع المسبب، أو نفس الاستهزاء، إن أريد به العذاب الأخروي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السديّ قال :( مرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان وأبي جهل وهما يتحدثان، فلما رآه أبو جهل ضحك وقال لأبي سفيان : هذا نبيّ بني عبد مناف، فغضب أبو سفيان فقال : ما تنكرون أن يكون لبني عبد مناف نبيّ، فسمعها النبيّ صلى الله عليه وسلم، فرجع إلى أبي جهل فوقع به وخوّفه وقال :( ما أراك منتهياً حتى يصيبك ما أصاب عمك )، وقال لأبي سفيان :( أما إنك لم تقل ما قلت إلا حمية )، فنزلت هذه الآية :﴿ وَإِذَا رَآكَ الذين كَفَرُوا ﴾. قلت : ينظر من الذي روى عنه السديّ ؟. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال : لما نفخ في آدم الروح صار في رأسه فعطس فقال : الحمد لله، فقالت الملائكة : يرحمك الله، فذهب لينهض قبل أن تمور في رجليه فوقع، فقال الله :﴿ خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ ﴾. وقد أخرج نحو هذا ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير. وأخرج نحوه أيضاً ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد، وكذا أخرج ابن المنذر عن ابن جريج. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم ﴾ قال : يحرسكم، وفي قوله :﴿ وَلاَ هُمْ منَّا يُصْحَبُونَ ﴾ قال : لا ينصرون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ هُمْ منَّا يُصْحَبُونَ ﴾ قال : لا يجارون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في الآية : قال لا يمنعون.
﴿ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بالليل والنهار مِنَ الرحمن ﴾ أي يحرسكم ويحفظكم.
والكلاءة : الحراسة والحفظ، يقال : كلأه الله كلاء بالكسر، أي حفظه وحرسه. قال ابن هرمة :
إن سليمى والله يكلؤها ضنت بشيء ما كان يرزؤها
أي قل يا محمد لأولئك المستهزئين بطريق التقريع والتوبيخ : من يحرسكم ويحفظكم بالليل والنهار من بأس الرحمن وعذابه الذي تستحقون حلوله بكم ونزوله عليكم ؟ وقال الزجاج : معناه : من يحفظكم من بأس الرحمن. وقال الفراء : المعنى : من يحفظكم مما يريد الرحمن إنزاله بكم من عقوبات الدنيا والآخرة. وحكى الكسائي والفراء : من يكلوكم بفتح اللام وإسكان الواو ﴿ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبّهِمْ مُعْرِضُونَ ﴾ أي عن ذكره سبحانه فلا يذكرونه ولا يخطرونه ببالهم، بل يعرضون عنه، أو عن القرآن، أو عن مواعظ الله، أو عن معرفته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السديّ قال :( مرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان وأبي جهل وهما يتحدثان، فلما رآه أبو جهل ضحك وقال لأبي سفيان : هذا نبيّ بني عبد مناف، فغضب أبو سفيان فقال : ما تنكرون أن يكون لبني عبد مناف نبيّ، فسمعها النبيّ صلى الله عليه وسلم، فرجع إلى أبي جهل فوقع به وخوّفه وقال :( ما أراك منتهياً حتى يصيبك ما أصاب عمك )، وقال لأبي سفيان :( أما إنك لم تقل ما قلت إلا حمية )، فنزلت هذه الآية :﴿ وَإِذَا رَآكَ الذين كَفَرُوا ﴾. قلت : ينظر من الذي روى عنه السديّ ؟. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال : لما نفخ في آدم الروح صار في رأسه فعطس فقال : الحمد لله، فقالت الملائكة : يرحمك الله، فذهب لينهض قبل أن تمور في رجليه فوقع، فقال الله :﴿ خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ ﴾. وقد أخرج نحو هذا ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير. وأخرج نحوه أيضاً ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد، وكذا أخرج ابن المنذر عن ابن جريج. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم ﴾ قال : يحرسكم، وفي قوله :﴿ وَلاَ هُمْ منَّا يُصْحَبُونَ ﴾ قال : لا ينصرون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ هُمْ منَّا يُصْحَبُونَ ﴾ قال : لا يجارون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في الآية : قال لا يمنعون.
﴿ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا ﴾ :«أم » هي المنقطعة التي بمعنى بل، والهمزة للإضراب والانتقال عن الكلام السابق المشتمل على بيان جهلهم بحفظه سبحانه إياهم إلى توبيخهم وتقريعهم باعتمادهم على من هو عاجز عن نفع نفسه، والدفع عنها. والمعنى : بل لهم آلهة تمنعهم من عذابنا. وقيل : فيه تقديم وتأخير، والتقدير : أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم. ثم وصف آلهتهم هذه التي زعموا أنها تنصرهم بما يدلّ على الضعف والعجز فقال :﴿ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مّنَّا يُصْحَبُونَ ﴾ أي هم عاجزون عن نصر أنفسهم فكيف يستطيعون أن ينصروا غيرهم ﴿ ولا هم منا يصحبون ﴾ أي ولا هم يجارون من عذابنا. قال ابن قتيبة : أي لا يجيرهم منا أحد، لأن المجير صاحب الجار، والعرب تقول : صحبك الله، أي حفظك وأجارك، ومنه قول الشاعر :
ينادي بأعلى صوته متعوّذا ليصحب منا والرماح دواني
تقول العرب : أنا لك جار وصاحب من فلان، أي مجير منه. قال المازني : هو من أصحبت الرجل : إذا منعته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السديّ قال :( مرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان وأبي جهل وهما يتحدثان، فلما رآه أبو جهل ضحك وقال لأبي سفيان : هذا نبيّ بني عبد مناف، فغضب أبو سفيان فقال : ما تنكرون أن يكون لبني عبد مناف نبيّ، فسمعها النبيّ صلى الله عليه وسلم، فرجع إلى أبي جهل فوقع به وخوّفه وقال :( ما أراك منتهياً حتى يصيبك ما أصاب عمك )، وقال لأبي سفيان :( أما إنك لم تقل ما قلت إلا حمية )، فنزلت هذه الآية :﴿ وَإِذَا رَآكَ الذين كَفَرُوا ﴾. قلت : ينظر من الذي روى عنه السديّ ؟. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال : لما نفخ في آدم الروح صار في رأسه فعطس فقال : الحمد لله، فقالت الملائكة : يرحمك الله، فذهب لينهض قبل أن تمور في رجليه فوقع، فقال الله :﴿ خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ ﴾. وقد أخرج نحو هذا ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير. وأخرج نحوه أيضاً ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد، وكذا أخرج ابن المنذر عن ابن جريج. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم ﴾ قال : يحرسكم، وفي قوله :﴿ وَلاَ هُمْ منَّا يُصْحَبُونَ ﴾ قال : لا ينصرون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ هُمْ منَّا يُصْحَبُونَ ﴾ قال : لا يجارون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في الآية : قال لا يمنعون.
أَيْ: عَنْ ذِكْرِهِ سُبْحَانَهُ فَلَا يَذْكُرُونَهُ وَلَا يخطر بِبَالِهِمْ، بَلْ يُعْرِضُونَ عَنْهُ، أَوْ عَنِ الْقُرْآنِ، أَوْ عَنْ مَوَاعِظِ اللَّهِ، أَوْ عَنْ مَعْرِفَتِهِ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا «أَمْ» هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ الَّتِي بِمَعْنَى بَلْ وَالْهَمْزَةُ، لِلْإِضْرَابِ وَالِانْتِقَالِ عَنِ الْكَلَامِ السَّابِقِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى بَيَانِ جَهْلِهِمْ بِحِفْظِهِ سُبْحَانَهُ إِيَّاهُمْ إِلَى تَوْبِيخِهِمْ وَتَقْرِيعِهِمْ بِاعْتِمَادِهِمْ عَلَى مَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ نَفْعِ نَفْسِهِ، وَالدَّفْعِ عَنْهَا. وَالْمَعْنَى: بَلْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ عَذَابِنَا. وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ مِنْ دُونِنَا تَمْنَعُهُمْ. ثُمَّ وَصَفَ آلِهَتَهُمْ هَذِهِ الَّتِي زَعَمُوا أَنَّهَا تَنْصُرُهُمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الضَّعْفِ وَالْعَجْزِ، فَقَالَ: لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ أَيْ: هُمْ عَاجِزُونَ عَنْ نَصْرِ أَنْفُسِهِمْ فَكَيْفَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْصُرُوا غَيْرَهُمْ «وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ»، أَيْ: وَلَا هُمْ يُجَارُونَ مِنْ عَذَابِنَا. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَيْ: لَا يُجِيرُهُمْ مِنَّا أَحَدٌ لِأَنَّ الْمُجِيرَ صَاحِبُ الْجَارِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: صَحِبَكَ اللَّهُ، أَيْ: حَفِظَكَ وَأَجَارَكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ مُتَعَوِّذًا لِيُصْحَبَ مِنَّا وَالرِّمَاحُ دَوَانِي
تَقُولُ الْعَرَبُ: أَنَا لَكَ جَارٌ وَصَاحِبٌ مِنْ فُلَانٍ، أَيْ: مُجِيرٌ مِنْهُ. قَالَ الْمَازِنِيُّ: هُوَ مِنْ أَصْحَبْتُ الرَّجُلَ إِذَا مَنَعْتَهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم على أبي سفيان وأبي جهل وهما يَتَحَدَّثَانِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو جَهْلٍ ضَحِكَ وَقَالَ لأبي سفيان: هذا نبيّ عَبْدِ مَنَافٍ، فَغَضِبَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: مَا تُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ نَبِيٌّ؟! فسمعها النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَرَجَعَ إِلَى أَبِي جَهْلٍ فَوَقَعَ بِهِ وَخَوَّفَهُ وَقَالَ: مَا أَرَاكَ مُنْتَهِيًا حَتَّى يُصِيبَكَ مَا أَصَابَ عَمَّكَ، وَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ: أَمَّا إِنَّكَ لَمْ تَقُلْ مَا قُلْتَ إِلَّا حَمِيَّةً» فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا. قُلْتُ: يَنْظُرُ مَنِ الَّذِي رَوَى عَنْهُ السُّدِّيُّ؟. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا نُفِخَ فِي آدَمَ الرُّوحَ صَارَ فِي رَأْسِهِ فَعَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَتْ: الْمَلَائِكَةُ، يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَذَهَبَ لِيَنْهَضَ قَبْلَ أَنْ تَمُورَ فِي رِجْلَيْهِ فَوَقَعَ، فَقَالَ اللَّهُ: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ وَقَدْ أَخْرَجَ نَحْوَ هَذَا ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ أَيْضًا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَكَذَا أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ قَالَ:
يَحْرُسُكُمْ، وَفِي قَوْلُهُ: وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ قَالَ: لَا يُنْصَرُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ قَالَ: لَا يُجَارُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ فِي الْآيَةِ:
قَالَ: لَا يمنعون.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٤٤ الى ٥٦]
بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (٤٤) قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا مَا يُنْذَرُونَ (٤٥) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨)
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩) وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠) وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣)
قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦)
483
لَمَّا أَبْطَلَ كَونَ الْأَصْنَامِ نَافِعَةً أَضْرَبَ عَنْ ذَلِكَ مُنْتَقِلًا إِلَى بَيَانِ أَنَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالتَّمَتُّعِ بِالْحَيَاةِ الْعَاجِلَةِ هُوَ من اللَّهِ، لَا مِنْ مَانِعٍ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْهَلَاكِ، وَلَا مِنْ نَاصِرٍ يَنْصُرُهُمْ عَلَى أَسْبَابِ التَّمَتُّعِ، فَقَالَ: بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ، مَتَّعَهُمُ اللَّهُ بِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ فَاغْتَرُّوا بِذَلِكَ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ، فَرَدَّ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ قَائِلًا أَفَلا يَرَوْنَ أَيْ: أَفَلَا يَنْظُرُونَ فَيَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَيْ: أرض الكفر، ننقصها بالظهور عليها مِنْ أَطْرَافِهَا، فَنَفْتَحُهَا بَلَدًا بَعْدَ بَلَدٍ، وَأَرْضًا بَعْدَ أَرْضٍ، وَقِيلَ: نَنْقُصُهَا بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ، وَقَدْ مَضَى فِي الرَّعْدِ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا مُسْتَوْفًى، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: أَفَهُمُ الْغالِبُونَ لِلْإِنْكَارِ، وَالْفَاءُ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ كَنَظَائِرِهِ، أَيْ: كَيْفَ يَكُونُونَ غَالِبِينَ بَعْدَ نَقْصِنَا لِأَرْضِهِمْ مِنْ أَطْرَافِهَا؟ وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْغَالِبِينَ هُمُ الْمُسْلِمُونَ قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ أَيْ: أُخَوِّفُكُمْ وَأُحَذِّرُكُمْ بِالْقُرْآنِ، وَذَلِكَ شَأْنِي وَمَا أَمَرَنِي اللَّهُ بِهِ، وَقَوْلُهُ: وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِمَّا مِنْ تَتِمَّةِ الْكَلَامِ الَّذِي أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ، أَوْ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ أَصَمَّ اللَّهُ سَمْعَهُ، وَخَتَمَ عَلَى قَلْبِهِ، وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً، لَا يَسْمَعُ الدُّعَاءَ. قَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرحمن السلمي ومحمد بن السميقع «وَلَا يُسْمَعُ» بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وأبو حيوة ويحيى ابن الْحَارِثِ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ مَضْمُومَةً وَكَسْرِ الْمِيمِ، أَيْ: إِنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَا تُسْمِعُ هَؤُلَاءِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ:
وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَامِرٍ لَكَانَ: إِذَا مَا تُنْذِرُهُمْ، فَيَحْسُنُ نَظْمُ الْكَلَامِ، فَأَمَّا إِذا مَا يُنْذَرُونَ فَحَسَنٌ أَنْ يَتَّبِعَ قِرَاءَةَ الْعَامَّةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَرَفْعِ الصُّمِّ عَلَى أَنَّهُ الْفَاعِلُ وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ الْمُرَادُ بِالنَّفْحَةِ الْقَلِيلُ، مَأْخُوذٌ مِنْ نَفْحِ الْمِسْكِ قَالَهُ ابْنُ كَيْسَانَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «١» :
وَعُمْرَةٌ من سروات النّساء تَنْفَحُ بِالْمِسْكِ أَرْدَانُهَا
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: النَّفْحَةُ: الدَّفْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ الَّتِي دُونَ مُعْظَمِهِ، يُقَالُ: نَفَحَهُ نَفْحَةً بِالسَّيْفِ إِذَا ضَرَبَهُ ضَرْبَةً خَفِيفَةً، وَقِيلَ: هي النصيب، وَقِيلَ: هِيَ الطَّرْفُ. وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ، أَيْ: وَلَئِنْ مَسَّهُمْ أَقَلُّ شَيْءٍ مِنَ الْعَذَابِ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ أَيْ: لَيَدْعُونَ عَلَى أنفسهم بالويل والهلاك، ويعترفون عليها بالظلم
(١). هو قيس بن الخطيم.
484
وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ الْمَوَازِينُ: جَمْعُ مِيزَانٍ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ مَوَازِينَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ مِيزَانٌ وَاحِدٌ، عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ فِي صِفَةِ الْمِيزَانِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَقَدْ مَضَى فِي الْأَعْرَافِ، وَفِي الْكَهْفِ فِي هَذَا مَا يُغْنِي عَنِ الْإِعَادَةِ، وَالْقِسْطِ صِفَةٌ لِلْمَوَازِينِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: قِسْطٌ مَصْدَرٌ يُوصَفُ بِهِ، تَقُولُ: مِيزَانُ قِسْطٍ وَمَوَازِينُ قِسْطٍ. وَالْمَعْنَى: ذَوَاتُ قِسْطٍ، وَالْقِسْطُ: الْعَدْلُ. وَقُرِئَ «الْقِصْطُ» بِالصَّادِّ وَالطَّاءِ. وَمَعْنَى لِيَوْمِ الْقِيامَةِ لِأَهْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقِيلَ: اللَّامُ بِمَعْنَى فِي، أَيْ: فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً أَيْ: لَا يُنْقَصُ مِنْ إِحْسَانِ مُحْسِنٍ، وَلَا يُزَادُ فِي إِسَاءَةِ مُسِيءٍ وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ قَرَأَ نَافِعٌ وَشَيْبَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِرَفْعِ مِثْقَالُ عَلَى أَنَّ كَانَ تَامَّةٌ، أَيْ: إِنْ وَقَعَ أَوْ وَجَدَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِنَصْبِ الْمِثْقَالِ، عَلَى تَقْدِيرِ: وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِوَضْعِ الْمَوَازِينِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ، كَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: وَإِنْ كَانَ الظُّلَامَةُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ لِتَقَدُّمِ قَوْلِهِ: «فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا»، وَمِثْقَالُ الشَّيْءِ: مِيزَانُهُ، أَيْ: وَإِنْ كَانَ فِي غَايَةِ الْخِفَّةِ وَالْحَقَارَةِ، فَإِنَّ حَبَّةَ الْخَرْدَلِ مَثَلٌ فِي الصِّغَرِ أَتَيْنا بِها قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالْقَصْرِ، أَيْ: أَحْضَرْنَاهَا وَجِئْنَا بها للمجازاة عليها، و «بها» أي: بحبة الخردل.
وقرأ مجاهد وعكرمة «آتينا» بالمدّ على معنى جازينا بها، يُقَالُ: آتِي يُؤَاتِي مُؤَاتَاةً جَازَى وَكَفى بِنا حاسِبِينَ أَيْ: كَفَى بِنَا مُحْصِينَ، وَالْحَسْبُ فِي الْأَصْلِ مَعْنَاهُ الْعَدُّ، وَقِيلَ: كَفَى بِنَا عَالِمِينَ لِأَنَّ مَنْ حَسَبَ شَيْئًا عَلِمَهُ وَحَفِظَهُ، وَقِيلَ: كَفَى بِنَا مُجَازِينَ عَلَى مَا قَدَّمُوهُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ. ثُمَّ شَرَعَ سُبْحَانَهُ فِي تَفْصِيلِ مَا أَجْمَلَهُ سَابِقًا بِقَوْلِهِ: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ «١» فَقَالَ: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ الْمُرَادُ بِالْفُرْقَانِ هُنَا التَّوْرَاةُ لِأَنَّ فِيهَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَقِيلَ: الْفُرْقَانُ هُنَا هُوَ النَّصْرُ عَلَى الْأَعْدَاءِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ «٢». قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَمَعْنَى «وَضِيَاءٌ» أَنَّهُمُ اسْتَضَاءُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ وَالْغِوَايَةِ، وَمَعْنَى «وَذِكْرًا» الْمَوْعِظَةُ، أَيْ: أَنَّهُمْ يَتَّعِظُونَ بِمَا فِيهَا، وَخَصَّ الْمُتَّقِينَ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِذَلِكَ، وَوَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لِأَنَّ هَذِهِ الْخَشْيَةَ تُلَازِمُ التَّقْوَى. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُولُ بَدَلًا مِنَ الْمُتَّقِينَ، أَوْ بَيَانًا لَهُ، وَمَحَلُّ «بِالْغَيْبِ» النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: يَخْشَوْنَ عَذَابَهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُمْ، أَوْ هُمْ غَائِبُونَ عَنْهُ لِأَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَالْعَذَابُ فِي الْآخِرَةِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ ضِياءً بغير واو. قال الفراء: حذف الْوَاوُ وَالْمَجِيءُ بِهَا وَاحِدٌ، وَاعْتَرَضَهُ الزَّجَّاجُ بِأَنَّ الْوَاوَ تَجِيءُ لِمَعْنًى، فَلَا تُزَادُ. وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ أَيْ:
وَهُمْ مِنَ الْقِيَامَةِ خَائِفُونَ وَجِلُونَ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ إِلَى الْقُرْآنِ. قَالَ الزَّجَّاجُ:
الْمَعْنَى: وَهَذَا الْقُرْآنُ ذِكْرٌ لِمَنْ تَذَكَّرَ بِهِ وَمَوْعِظَةٌ لِمَنِ اتَّعَظَ بِهِ، وَالْمُبَارَكُ: كَثِيرُ الْبَرَكَةِ وَالْخَيْرِ. وَقَوْلُهُ:
أَنْزَلْناهُ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِلذِّكْرِ، أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ لِلْإِنْكَارِ لِمَا وَقَعَ مِنْهُمْ مِنَ الْإِنْكَارِ، أَيْ: كَيْفَ تُنْكِرُونَ كَوْنَهُ مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مَعَ اعْتِرَافِكُمْ بِأَنَّ التَّوْرَاةَ مُنَزَّلَةٌ مِنْ عِنْدِهِ؟
وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ أَيِ: الرُّشْدَ اللَّائِقَ بِهِ وَبِأَمْثَالِهِ مِنَ الرُّسُلِ، وَمَعْنَى مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ أُعْطِيَ
(١). الأنبياء: ٧.
(٢). الأنفال: ٤١.
485
رُشْدَهُ قَبْلَ إِيتَاءِ مُوسَى وَهَارُونَ التَّوْرَاةَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمَعْنَى أَعْطَيْنَاهُ هُدَاهُ مِنْ قَبْلِ النُّبُوَّةِ: أَيْ وَفَّقْنَاهُ لِلنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ لَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ فَرَأَى الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنَّجْمَ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ أَقَلُّهُمْ:
وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ أَنَّهُ مَوْضِعٌ لِإِيتَاءِ الرُّشْدِ، وَأَنَّهُ يَصْلُحُ لِذَلِكَ، وَالظَّرْفُ فِي قَوْلِهِ: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِآتَيْنَا أَوْ بِمَحْذُوفٍ، أَيِ: اذْكُرْ حِينَ قَالَ، وَأَبُوهُ هُوَ آزَرُ وَقَوْمِهِ نَمْرُوذُ وَمَنِ اتَّبَعَهُ، وَالتَّمَاثِيلُ:
الْأَصْنَامُ، وَأَصْلُ التِّمْثَالِ الشَّيْءُ الْمَصْنُوعُ مُشَابِهًا لِشَيْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، يُقَالُ: مَثَّلْتُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ إِذَا جَعَلْتُهُ مُشَابِهًا لَهُ، وَاسْمُ ذَلِكَ الْمُمَثَّلِ تِمْثَالٌ، أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عِبَادَتَهَا بِقَوْلِهِ: مَا هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ وَالْعُكُوفُ: عِبَارَةٌ عَنِ اللُّزُومِ وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَى الشَّيْءِ، وَاللَّامُ فِي «لَهَا» لِلِاخْتِصَاصِ، وَلَوْ كَانَتْ لِلتَّعْدِيَةِ لَجِيءَ بِكَلِمَةِ عَلَى، أَيْ: مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ الَّتِي أَنْتُمْ مُقِيمُونَ عَلَى عِبَادَتِهَا؟ وَقِيلَ: إِنَّ الْعُكُوفَ مُضَمَّنٌ مَعْنَى الْعِبَادَةِ قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ أَجَابُوهُ بِهَذَا الْجَوَابِ الَّذِي هُوَ الْعَصَا الَّتِي يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا كُلُّ عَاجِزٍ، وَالْحَبْلُ الَّذِي يَتَشَبَّثُ بِهِ كُلُّ غَرِيقٍ، وَهُوَ التَّمَسُّكُ بِمُجَرَّدِ تَقْلِيدِ الْآبَاءِ، أَيْ: وَجَدْنَا آبَاءَنَا يَعْبُدُونَهَا فَعَبَدْنَاهَا اقْتِدَاءً بِهِمْ وَمَشْيًا عَلَى طَرِيقَتِهِمْ، وَهَكَذَا يُجِيبُ هَؤُلَاءِ الْمُقَلِّدَةُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِذَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمُ الْعَمَلَ بِمَحْضِ الرَّأْيِ الْمَدْفُوعِ بِالدَّلِيلِ قَالُوا هَذَا قَدْ قَالَ بِهِ إِمَامُنَا الَّذِي وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهُ مُقَلِّدِينَ وَبِرَأْيِهِ آخِذِينَ، وَجَوَابُهُمْ هُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الْخَلِيلُ هَاهُنَا قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أَيْ: فِي خُسْرَانٍ وَاضِحٍ ظَاهِرٍ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَلْتَبِسُ عَلَى ذِي عَقْلٍ، فَإِنَّ قَوْمَ إِبْرَاهِيمَ عَبَدُوا الْأَصْنَامَ الَّتِي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ، وَلَيْسَ بَعْدَ هَذَا الضَّلَالِ ضَلَالٌ، وَلَا يُسَاوِي هَذَا الْخُسْرَانَ خُسْرَانٌ، وَهَؤُلَاءِ الْمُقَلِّدَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ اسْتَبْدَلُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِسُنَّةِ رَسُولِهِ كِتَابًا قَدْ دُوِّنَتْ فِيهِ اجْتِهَادَاتُ عَالِمٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى دَلِيلٍ يُخَالِفُهَا، إِمَّا لِقُصُورٍ مِنْهُ أَوْ لِتَقْصِيرٍ فِي الْبَحْثِ فَوَجَدَ ذَلِكَ الدَّلِيلَ مَنْ وَجَدَهُ، وَأَبْرَزَهُ وَاضِحُ الْمَنَارِ:
............
كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارٌ «١»
وَقَالَ: هَذَا كِتَابُ اللَّهِ أَوْ هَذِهِ سُنَّةُ رَسُولِهِ، وَأَنْشَدَهُمْ:
دَعُوا كُلَّ قَوْلٍ عِنْدَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَمَا آمِنٌ فِي دِينِهِ كَمُخَاطِرِ
فَقَالُوا كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ «٢» :
مَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ غَوَيْتُ وَإِنْ تُرْشَدَ غَزِيَّةُ أُرْشَدِ
وَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ:
يَأْبَى الْفَتَى إِلَّا اتِّبَاعَ الْهَوَى وَمَنْهَجُ الْحَقِّ لَهُ وَاضِحٌ
(١). وصدره: وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به. «العلم» : الجبل. والبيت للخنساء.
(٢). هو دريد بن الصّمّة.
486
﴿ قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بالوحي ﴾ أي أخوّفكم وأحذركم بالقرآن، وذلك شأني وما أمرني الله به، وقوله :﴿ وَلاَ يَسْمَعُ الصم الدعاء ﴾ إما من تتمة الكلام الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله لهم، أو من جهة الله تعالى. والمعنى : أن من أصمّ الله سمعه وختم على قلبه وجعل على بصره غشاوة لا يسمع الدعاء. قرأ أبو عبد الرحمن السلمي ومحمد بن السميفع «ولا يسمع » بضم الياء وفتح الميم على ما لم يسم فاعله. وقرأ ابن عامر وأبو حيوة ويحيى بن الحارث بالتاء الفوقية مضمومة وكسر الميم، أي إنك يا محمد لا تسمع هؤلاء. قال أبو علي الفارسي : ولو كان كما قال ابن عامر لكان : إذا ما تنذرهم، فيحسن نظم الكلام، فأما ﴿ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ﴾ فحسن أن يتبع قراءة العامة. وقرأ الباقون بفتح الياء وفتح الميم ورفع الصم على أنه الفاعل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد والترمذي، وابن جرير في تهذيبه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن عائشة ( أن رجلاً قال : يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعتابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا عليك ولا لك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم اقتصّ لهم منك الفضل )، فجعل الرجل يبكي ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أما تقرأ كتاب الله :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حاسبين ﴾ ) فقال له الرجل : يا رسول الله، ما أجد لي ولهم خيراً من مفارقتهم أشهدك أنهم أحرار ). رواه أحمد هكذا : حدّثنا أبو نوح الأقراد، أخبرنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة، عن عائشة فذكره، وفي معناه أحاديث. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء ﴾. وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان ﴾ قال : التوراة. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال :﴿ الفرقان ﴾ : الحقّ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة :﴿ وهذا ذِكْرٌ مبَارَكٌ ﴾ أي القرآن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ ﴾ قال : هديناه صغيراً، وفي قوله :﴿ مَا هذه التماثيل ﴾ قال : الأصنام.
﴿ وَلَئِن مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مّنْ عَذَابِ رَبّكَ ﴾ المراد بالنفحة : القليل، مأخوذ من نفح المسك قاله ابن كيسان، ومنه قول الشاعر :
وعمرة من سروات النسا ء تنفَّحُ بالمسك أردانها
وقال المبرد : النفحة : الدفعة من الشيء التي دون معظمه، يقال : نفحه نفحة بالسيف إذا ضربه ضربة خفيفة. وقيل : هي النصيب، وقيل هي الطرف. والمعنى متقارب، أي ولئن مسهم أقلّ شيء من العذاب ﴿ لَيَقُولُنَّ يا ويلنا إِنَّا كُنَّا ظالمين ﴾ أي ليدعون على أنفسهم بالويل والهلاك ويعترفون عليها بالظلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد والترمذي، وابن جرير في تهذيبه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن عائشة ( أن رجلاً قال : يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعتابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا عليك ولا لك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم اقتصّ لهم منك الفضل )، فجعل الرجل يبكي ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أما تقرأ كتاب الله :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حاسبين ﴾ ) فقال له الرجل : يا رسول الله، ما أجد لي ولهم خيراً من مفارقتهم أشهدك أنهم أحرار ). رواه أحمد هكذا : حدّثنا أبو نوح الأقراد، أخبرنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة، عن عائشة فذكره، وفي معناه أحاديث. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء ﴾. وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان ﴾ قال : التوراة. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال :﴿ الفرقان ﴾ : الحقّ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة :﴿ وهذا ذِكْرٌ مبَارَكٌ ﴾ أي القرآن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ ﴾ قال : هديناه صغيراً، وفي قوله :﴿ مَا هذه التماثيل ﴾ قال : الأصنام.
﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة ﴾ الموازين جمع ميزان، وهو يدل على أن هناك موازين، ويمكن أن يراد ميزان واحد، عبر عنه بلفظ الجمع، وقد ورد في السنة في صفة الميزان ما فيه كفاية، وقد مضى في الأعراف، وفي الكهف في هذا ما يغني عن الإعادة، والقسط : صفة للموازين. قال الزجاج : قسط : مصدر يوصف به، تقول : ميزان قسط وموازين قسط، والمعنى : ذوات قسط، والقسط : العدل. وقرئ «القصط » بالصاد والطاء، ومعنى ﴿ لِيَوْمِ القيامة ﴾ لأهل يوم القيامة. وقيل : اللام بمعنى في، أي في يوم القيامة ﴿ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ﴾ أي لا ينقص من إحسان محسن ولا يزاد في إساءة مسيء ﴿ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ ﴾ قرأ نافع وشيبة وأبو جعفر برفع ﴿ مثقال ﴾ على أن كان تامة، أي إن وقع أو وجد مثقال حبة. وقرأ الباقون بنصب المثقال على تقدير : وإن كان العمل المدلول عليه بوضع الموازين مثقال حبة، كذا قال الزجاج. وقال أبو عليّ الفارسي : وإن كان الظلامة مثقال حبة. قال الواحدي : وهذا أحسن لتقدّم قوله :﴿ فلا تظلم نفس شيئاً ﴾، ومثقال الشيء ميزانه، أي وإن كان في غاية الخفة والحقارة، فإن حبة الخردل مثل في الصغر ﴿ أَتَيْنَا بِهَا ﴾ قرأ الجمهور بالقصر، أي أحضرناها وجئنا بها للمجازاة عليها، و﴿ بها ﴾ أي بحبة الخردل. وقرأ مجاهد وعكرمة :«آتينا » بالمدّ على معنى : جازينا بها، يقال : آتى يؤاتي مؤاتاة جازى ﴿ وكفى بِنَا حاسبين ﴾ أي كفى بنا محصين. والحسب في الأصل معناه : العدّ ؛ وقيل : كفى بنا عالمين، لأن من حسب شيئاً علمه وحفظه، وقيل : كفى بنا مجازين على ما قدّموه من خير وشرّ.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد والترمذي، وابن جرير في تهذيبه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن عائشة ( أن رجلاً قال : يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعتابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا عليك ولا لك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم اقتصّ لهم منك الفضل )، فجعل الرجل يبكي ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أما تقرأ كتاب الله :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حاسبين ﴾ ) فقال له الرجل : يا رسول الله، ما أجد لي ولهم خيراً من مفارقتهم أشهدك أنهم أحرار ). رواه أحمد هكذا : حدّثنا أبو نوح الأقراد، أخبرنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة، عن عائشة فذكره، وفي معناه أحاديث. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء ﴾. وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان ﴾ قال : التوراة. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال :﴿ الفرقان ﴾ : الحقّ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة :﴿ وهذا ذِكْرٌ مبَارَكٌ ﴾ أي القرآن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ ﴾ قال : هديناه صغيراً، وفي قوله :﴿ مَا هذه التماثيل ﴾ قال : الأصنام.
ثم شرع سبحانه في تفصيل ما أجمله سابقاً بقوله :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمُ ﴾ [ الأنبياء : ٧ ] فقال :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ المراد بالفرقان : هنا : التوراة، لأن فيها الفرق بين الحلال والحرام، وقيل : الفرقان هنا هو : النصر على الأعداء كما في قوله :﴿ وَمَا أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا يَوْمَ الفرقان ﴾ [ الأنفال : ٤١ ]. قال الثعلبي : وهذا القول أشبه بظاهر الآية، ومعنى ﴿ وضياء ﴾ : أنهم استضاؤوا بها في ظلمات الجهل والغواية، ومعنى ﴿ وذكرا ﴾ الموعظة، أي أنهم يتعظون بما فيها، وخصّ المتقين لأنهم الذين ينتفعون بذلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد والترمذي، وابن جرير في تهذيبه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن عائشة ( أن رجلاً قال : يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعتابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا عليك ولا لك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم اقتصّ لهم منك الفضل )، فجعل الرجل يبكي ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أما تقرأ كتاب الله :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حاسبين ﴾ ) فقال له الرجل : يا رسول الله، ما أجد لي ولهم خيراً من مفارقتهم أشهدك أنهم أحرار ). رواه أحمد هكذا : حدّثنا أبو نوح الأقراد، أخبرنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة، عن عائشة فذكره، وفي معناه أحاديث. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء ﴾. وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان ﴾ قال : التوراة. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال :﴿ الفرقان ﴾ : الحقّ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة :﴿ وهذا ذِكْرٌ مبَارَكٌ ﴾ أي القرآن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ ﴾ قال : هديناه صغيراً، وفي قوله :﴿ مَا هذه التماثيل ﴾ قال : الأصنام.
ووصفهم بقوله :﴿ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالغيب ﴾ لأن هذه الخشية تلازم التقوى. ويجوز أن يكون الموصول بدلاً من المتقين أو بياناً له، ومحل ﴿ بالغيب ﴾ النصب على الحال، أي يخشون عذابه وهو غائب عنهم، أو هم غائبون عنه لأنهم في الدنيا، والعذاب في الآخرة. وقرأ ابن عباس وعكرمة :﴿ ضياء ﴾ بغير واو. قال الفراء : حذف الواو والمجيء بها واحد، واعترضه الزجاج بأن الواو تجيء لمعنى فلا تزاد ﴿ وَهُمْ مّنَ الساعة مُشْفِقُونَ ﴾ أي وهم من القيامة خائفون وجلون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد والترمذي، وابن جرير في تهذيبه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن عائشة ( أن رجلاً قال : يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعتابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا عليك ولا لك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم اقتصّ لهم منك الفضل )، فجعل الرجل يبكي ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أما تقرأ كتاب الله :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حاسبين ﴾ ) فقال له الرجل : يا رسول الله، ما أجد لي ولهم خيراً من مفارقتهم أشهدك أنهم أحرار ). رواه أحمد هكذا : حدّثنا أبو نوح الأقراد، أخبرنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة، عن عائشة فذكره، وفي معناه أحاديث. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء ﴾. وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان ﴾ قال : التوراة. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال :﴿ الفرقان ﴾ : الحقّ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة :﴿ وهذا ذِكْرٌ مبَارَكٌ ﴾ أي القرآن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ ﴾ قال : هديناه صغيراً، وفي قوله :﴿ مَا هذه التماثيل ﴾ قال : الأصنام.
والإشارة بقوله :﴿ وهذا ذِكْرٌ مبَارَكٌ ﴾ إلى القرآن. قال الزجاج : المعنى : وهذا القرآن ذكر لمن تذكر به وموعظة لمن اتعظ به، والمبارك كثير البركة والخير. وقوله :﴿ أنزلناه ﴾ صفة ثانية للذكر، أو خبر بعد خبر، والاستفهام في قوله :﴿ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ للإنكار لما وقع منهم من الإنكار، أي كيف تنكرون كونه منزلاً من عند الله مع اعترافكم بأن التوراة منزلة من عنده.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد والترمذي، وابن جرير في تهذيبه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن عائشة ( أن رجلاً قال : يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعتابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا عليك ولا لك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم اقتصّ لهم منك الفضل )، فجعل الرجل يبكي ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أما تقرأ كتاب الله :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حاسبين ﴾ ) فقال له الرجل : يا رسول الله، ما أجد لي ولهم خيراً من مفارقتهم أشهدك أنهم أحرار ). رواه أحمد هكذا : حدّثنا أبو نوح الأقراد، أخبرنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة، عن عائشة فذكره، وفي معناه أحاديث. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء ﴾. وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان ﴾ قال : التوراة. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال :﴿ الفرقان ﴾ : الحقّ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة :﴿ وهذا ذِكْرٌ مبَارَكٌ ﴾ أي القرآن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ ﴾ قال : هديناه صغيراً، وفي قوله :﴿ مَا هذه التماثيل ﴾ قال : الأصنام.
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ ﴾ أي الرشد اللائق به وبأمثاله من الرسل، ومعنى ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ : أنه أعطى رشده قبل إيتاء موسى وهارون التوراة. وقال الفراء : المعنى : أعطيناه هداه من قبل النبوّة، أي وفقناه للنظر والاستدلال لما جنّ عليه الليل فرأى الشمس والقمر والنجم، وعلى هذا أكثر المفسرين، وبالأوّل قال أقلهم ﴿ وَكُنَّا بِهِ عالمين ﴾ أنه موضع لإيتاء الرشد، وأنه يصلح لذلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد والترمذي، وابن جرير في تهذيبه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن عائشة ( أن رجلاً قال : يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعتابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا عليك ولا لك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم اقتصّ لهم منك الفضل )، فجعل الرجل يبكي ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أما تقرأ كتاب الله :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حاسبين ﴾ ) فقال له الرجل : يا رسول الله، ما أجد لي ولهم خيراً من مفارقتهم أشهدك أنهم أحرار ). رواه أحمد هكذا : حدّثنا أبو نوح الأقراد، أخبرنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة، عن عائشة فذكره، وفي معناه أحاديث. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء ﴾. وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان ﴾ قال : التوراة. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال :﴿ الفرقان ﴾ : الحقّ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة :﴿ وهذا ذِكْرٌ مبَارَكٌ ﴾ أي القرآن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ ﴾ قال : هديناه صغيراً، وفي قوله :﴿ مَا هذه التماثيل ﴾ قال : الأصنام.
والظرف في قوله :﴿ إِذْ قَالَ لأبِيهِ ﴾ متعلق بآتينا أو بمحذوف، أي اذكر حين قال، وأبوه هو آزر ﴿ وَقَوْمِهِ ﴾ نمروذ ومن اتبعه، والتماثيل : الأصنام. وأصل التمثال : الشيء المصنوع مشابهاً لشيء من مخلوقات الله سبحانه، يقال :[ مثلت ] الشيء بالشيء : إذا جعلته مشابهاً له، واسم ذلك الممثل تمثال، أنكر عليهم عبادتها بقوله :﴿ مَا هذه التماثيل التي أَنتُمْ لَهَا عاكفون ﴾ والعكوف عبارة عن اللزوم والاستمرار على الشيء، واللام في ﴿ لها ﴾ للاختصاص، ولو كانت للتعدية لجيء بكلمة على، أي ما هذه الأصنام التي أنتم مقيمون على عبادتها ؟ وقيل : إن العكوف مضمن معنى العبادة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد والترمذي، وابن جرير في تهذيبه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن عائشة ( أن رجلاً قال : يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعتابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا عليك ولا لك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم اقتصّ لهم منك الفضل )، فجعل الرجل يبكي ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أما تقرأ كتاب الله :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حاسبين ﴾ ) فقال له الرجل : يا رسول الله، ما أجد لي ولهم خيراً من مفارقتهم أشهدك أنهم أحرار ). رواه أحمد هكذا : حدّثنا أبو نوح الأقراد، أخبرنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة، عن عائشة فذكره، وفي معناه أحاديث. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء ﴾. وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان ﴾ قال : التوراة. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال :﴿ الفرقان ﴾ : الحقّ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة :﴿ وهذا ذِكْرٌ مبَارَكٌ ﴾ أي القرآن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ ﴾ قال : هديناه صغيراً، وفي قوله :﴿ مَا هذه التماثيل ﴾ قال : الأصنام.
﴿ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عابدين ﴾ أجابوه بهذا الجواب الذي هو العصا التي يتوكأ عليها كل عاجز، والحبل الذي يتشبث به كل غريق، وهو التمسك بمجرد تقليد الآباء، أي وجدنا آباءنا يعبدونها فعبدناها اقتداء بهم ومشياً على طريقتهم، وهكذا يجيب هؤلاء المقلدة من أهل هذه الملة الإسلامية، وإن العالم بالكتاب والسنّة إذا أنكر عليهم العمل بمحض الرأي المدفوع بالدليل قالوا : هذا قد قال به إمامنا الذي وجدنا آباءنا له مقلدين وبرأيه آخذين، وجوابهم : هو ما أجاب به الخليل ها هنا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد والترمذي، وابن جرير في تهذيبه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن عائشة ( أن رجلاً قال : يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعتابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا عليك ولا لك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم اقتصّ لهم منك الفضل )، فجعل الرجل يبكي ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أما تقرأ كتاب الله :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حاسبين ﴾ ) فقال له الرجل : يا رسول الله، ما أجد لي ولهم خيراً من مفارقتهم أشهدك أنهم أحرار ). رواه أحمد هكذا : حدّثنا أبو نوح الأقراد، أخبرنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة، عن عائشة فذكره، وفي معناه أحاديث. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء ﴾. وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان ﴾ قال : التوراة. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال :﴿ الفرقان ﴾ : الحقّ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة :﴿ وهذا ذِكْرٌ مبَارَكٌ ﴾ أي القرآن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ ﴾ قال : هديناه صغيراً، وفي قوله :﴿ مَا هذه التماثيل ﴾ قال : الأصنام.
﴿ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضلال مُّبِينٍ ﴾ أي في خسران واضح ظاهر لا يخفى على أحد ولا يلتبس على ذي عقل، فإن قوم إبراهيم عبدوا الأصنام التي لا تضرّ ولا تنفع ولا تسمع ولا تبصر، وليس بعد هذا الضلال ضلال، ولا يساوي هذا الخسران خسران، وهؤلاء المقلدة من أهل الإسلام استبدلوا بكتاب الله وبسنّة رسوله كتاباً قد دوّنت فيه اجتهادات عالم من علماء الإسلام زعم أنه لم يقف على دليل يخالفها، إما لقصور منه أو لتقصير في البحث فوجد ذلك الدليل من وجده وأبرزه واضح المنار :
كأنه علم في رأسه نار ***. . .
وقال : هذا كتاب الله أو هذه سنّة رسوله، وأنشدهم :
دعوا كل قول عند قول محمد *** فما آمن في دينه كمخاطر
فقالوا كما قال الأوّل :
ما أنا إلا من غزية إن غوت *** غويت وأن ترشد غزية أرشد
وقد أحسن من قال :
يأبى الفتى إلا اتباع الهوى *** ومنهج الحقّ له واضح
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد والترمذي، وابن جرير في تهذيبه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن عائشة ( أن رجلاً قال : يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعتابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا عليك ولا لك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم اقتصّ لهم منك الفضل )، فجعل الرجل يبكي ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أما تقرأ كتاب الله :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حاسبين ﴾ ) فقال له الرجل : يا رسول الله، ما أجد لي ولهم خيراً من مفارقتهم أشهدك أنهم أحرار ). رواه أحمد هكذا : حدّثنا أبو نوح الأقراد، أخبرنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة، عن عائشة فذكره، وفي معناه أحاديث. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء ﴾. وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان ﴾ قال : التوراة. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال :﴿ الفرقان ﴾ : الحقّ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة :﴿ وهذا ذِكْرٌ مبَارَكٌ ﴾ أي القرآن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ ﴾ قال : هديناه صغيراً، وفي قوله :﴿ مَا هذه التماثيل ﴾ قال : الأصنام.
ثم لما سمع أولئك مقالة الخليل قالوا :﴿ أَجِئْتَنَا بالحق أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين ﴾ أي أجادّ أنت فيما تقول أم أنت لاعب مازح ؟ قال : مضرباً عما بنوا عليه مقالتهم من التقليد :﴿ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد والترمذي، وابن جرير في تهذيبه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن عائشة ( أن رجلاً قال : يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعتابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا عليك ولا لك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم اقتصّ لهم منك الفضل )، فجعل الرجل يبكي ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أما تقرأ كتاب الله :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حاسبين ﴾ ) فقال له الرجل : يا رسول الله، ما أجد لي ولهم خيراً من مفارقتهم أشهدك أنهم أحرار ). رواه أحمد هكذا : حدّثنا أبو نوح الأقراد، أخبرنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة، عن عائشة فذكره، وفي معناه أحاديث. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء ﴾. وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان ﴾ قال : التوراة. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال :﴿ الفرقان ﴾ : الحقّ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة :﴿ وهذا ذِكْرٌ مبَارَكٌ ﴾ أي القرآن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ ﴾ قال : هديناه صغيراً، وفي قوله :﴿ مَا هذه التماثيل ﴾ قال : الأصنام.
﴿ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض *الذي فطَرَهُنَّ ﴾ أي خلقهنّ وأبدعهنّ ﴿ وَأَنَا على ذلكم ﴾ الذي ذكرته لكم من كون ربكم هو ربّ السماوات والأرض دون ما عداه ﴿ مّنَ الشاهدين ﴾ أي العالمين به المبرهنين عليه، فإن الشاهد على الشيء هو من كان عالماً به مبرهناً عليه مبيناً له.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج أحمد والترمذي، وابن جرير في تهذيبه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن عائشة ( أن رجلاً قال : يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعتابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا عليك ولا لك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم اقتصّ لهم منك الفضل )، فجعل الرجل يبكي ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أما تقرأ كتاب الله :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حاسبين ﴾ ) فقال له الرجل : يا رسول الله، ما أجد لي ولهم خيراً من مفارقتهم أشهدك أنهم أحرار ). رواه أحمد هكذا : حدّثنا أبو نوح الأقراد، أخبرنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة، عن عائشة فذكره، وفي معناه أحاديث. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء ﴾. وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وهارون الفرقان ﴾ قال : التوراة. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال :﴿ الفرقان ﴾ : الحقّ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة :﴿ وهذا ذِكْرٌ مبَارَكٌ ﴾ أي القرآن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ ﴾ قال : هديناه صغيراً، وفي قوله :﴿ مَا هذه التماثيل ﴾ قال : الأصنام.
ثُمَّ لَمَّا سَمِعَ أُولَئِكَ مَقَالَةَ الْخَلِيلِ قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ أَيْ: أَجَادٌّ أَنْتَ فِيمَا تَقُولُ أَمْ أَنْتَ لَاعِبٌ مَازِحٌ؟ قَالَ مُضْرِبًا عَمَّا بَنَوْا عَلَيْهِ مَقَالَتَهُمْ مِنَ التَّقْلِيدِ: بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ أَيْ: خَلَقَهُنَّ وَأَبْدَعَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ الَّذِي ذَكَرْتُهُ لَكُمْ مِنْ كَوْنِ رَبِّكُمْ هو ربّ السموات وَالْأَرْضِ دُونَ مَا عَدَاهُ مِنَ الشَّاهِدِينَ أَيِ: الْعَالِمِينَ بِهِ الْمُبَرْهِنِينَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَلَى الشَّيْءِ هُوَ مَنْ كَانَ عَالِمًا بِهِ، مُبَرْهِنًا عَلَيْهِ، مُبَيِّنًا لَهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ فِي تَهْذِيبِهِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبيهقي في الشعب، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَمْلُوكِينَ يُكَذِّبُونَنِي وَيَخُونُونَنِي وَيَعْصُونَنِي، وَأَضْرِبُهُمْ وَأَشْتُمُهُمْ، فَكَيْفَ أَنَا مِنْهُمْ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إِيَّاهُمْ، فَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ دُونَ ذُنُوبِهِمْ كَانَ فَضْلًا لَكَ، وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ كَانَ كَفَافًا لَا عَلَيْكَ وَلَا لَكَ، وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ فَوْقَ ذُنُوبِهِمُ اقْتُصَّ لَهُمْ مِنْكَ الْفَضْلُ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَبْكِي وَيَهْتِفُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَهُمْ خَيْرًا مِنْ مُفَارَقَتِهِمْ، أُشْهِدُكَ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ»، رَوَاهُ أحمد هكذا: حدّثنا أبو نوح قراد، أَخْبَرَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَهُ، وفي معناه أحاديث. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ قَالَ: التَّوْرَاةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ زَيْدٍ قَالَ: الْفُرْقانَ: الْحَقُّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَيِ: الْقُرْآنُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ قَالَ: هَدَيْنَاهُ صَغِيرًا، وَفِي قَوْلِهِ:
مَا هذِهِ التَّماثِيلُ قال: الأصنام.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٥٧ الى ٧٠]
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨) قالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٦٠) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١)
قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنا يَا إِبْراهِيمُ (٦٢) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣) فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥) قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦)
أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧) قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨) قُلْنا يَا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (٧٠)
487
قَوْلُهُ: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ سَيَنْتَقِلُ مِنَ الْمُحَاجَّةِ بِاللِّسَانِ إِلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْفِعْلِ ثقة بالله وَمُحَامَاةً عَلَى دِينِهِ، وَالْكَيْدُ: الْمَكْرُ، يُقَالُ: كَادَهُ يَكِيدُهُ كَيْدًا وَمَكِيدَةً، وَالْمُرَادُ هُنَا الِاجْتِهَادُ فِي كَسْرِ الْأَصْنَامِ. قِيلَ إِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ ذَلِكَ سِرًّا، وَقِيلَ: سَمِعَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ أَيْ: بَعْدَ أَنْ تَرْجِعُوا مِنْ عِبَادَتِهَا ذَاهِبِينَ مُنْطَلِقِينَ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ لَهُمْ عِيدٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ، فَقَالُوا لِإِبْرَاهِيمَ:
لَوْ خَرَجْتَ مَعَنَا إِلَى عِيدِنَا أَعْجَبَكَ دِينُنَا، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ. وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً فَصِيحَةٌ، أَيْ: فَوَلَّوْا، فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا، الْجَذُّ: الْقَطْعُ وَالْكَسْرُ، يُقَالُ: جَذَذْتُ الشَّيْءَ قَطَعْتُهُ وَكَسَرْتُهُ، الْوَاحِدُ: جَذَاذَةٌ، وَالْجُذَاذُ: مَا كُسِرَ مِنْهُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ الْكِسَائِيُّ: وَيُقَالُ لِحِجَارَةِ الذَّهَبِ الْجُذَاذُ لِأَنَّهَا تُكْسَرُ. قَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَالْأَعْمَشُ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ «جِذَاذًا» بِكَسْرِ الْجِيمِ، أَيْ: كَسْرًا وَقَطْعًا، جَمْعُ جَذِيذٍ، وَهُوَ الْهَشِيمُ، مِثْلُ خَفِيفٍ وَخِفَافٍ، وَظَرِيفٍ وَظِرَافٍ. قَالَ الشَّاعِرُ:
جذّذ الأصام فِي مِحْرَابِهَا ذَاكَ فِي اللَّهِ الْعَلِيِّ الْمُقْتَدِرِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ، أَيِ: الْحُطَامُ وَالرِّقَاقُ، فِعَالُ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَهَذَا هُوَ الْكَيْدُ الَّذِي وَعَدَهُمْ به. وقرأ ابن عباس وأبو السمال «جَذَاذًا» بِفَتْحِ الْجِيمِ. إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ أَيْ: لِلْأَصْنَامِ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ أَيْ: إِلَى إِبْرَاهِيمَ يَرْجِعُونَ فَيُحَاجُّهُمْ بِمَا سَيَأْتِي فَيَحُجُّهُمْ، وَقِيلَ: لَعَلَّهُمْ إِلَى الصَّنَمِ الْكَبِيرِ يَرْجِعُونَ فَيَسْأَلُونَهُ عَنِ الْكَاسِرِ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمَعْبُودِ أَنْ يُرْجَعَ إِلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ، فَإِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِ لَمْ يَجِدُوا عِنْدَهُ خَبَرًا، فَيَعْلَمُونَ حِينَئِذٍ أَنَّهَا لَا تَجْلِبُ نَفْعًا وَلَا تَدْفَعُ ضَرَرًا، وَلَا تَعْلَمُ بِخَيْرٍ وَلَا شَرٍّ، وَلَا تُخْبِرُ عَنِ الَّذِي يَنُوبُهَا مِنَ الْأَمْرِ وَقِيلَ: لَعَلَّهُمْ إِلَى اللَّهِ يَرْجِعُونَ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا قالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: فَلَمَّا رَجَعُوا مِنْ عِيدِهِمْ، وَرَأَوْا مَا حَدَثَ بِآلِهَتِهِمْ، قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّوْبِيخِ وَقِيلَ: إِنَّ «مَنْ» لَيْسَتِ اسْتِفْهَامِيَّةً، بَلْ هِيَ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهَا «إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ»، أَيْ: فَاعِلِ هَذَا ظَالِمٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِمْ: سَمِعْنا فَتًى إِلَخْ، فَإِنَّهُ قَالَ بِهَذَا بَعْضُهُمْ مُجِيبًا لِلْمُسْتَفْهِمِينَ لَهُمْ، وَهَذَا الْقَائِلُ هُوَ الَّذِي سَمِعَ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ. وَمَعْنَى يَذْكُرُهُمْ: يَعِيبُهُمْ، وَقَدْ سَبَقَ تَحْقِيقُ مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَجُمْلَةُ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِفَتًى.
قَالَ الزَّجَّاجُ: وَارْتَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى مَعْنَى: يُقَالُ لَهُ هُوَ إِبْرَاهِيمُ، فَهُوَ عَلَى هَذَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَقِيلَ: ارْتِفَاعُهُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَقِيلَ: مُرْتَفِعٌ عَلَى النِّدَاءِ.
وَمِنْ غَرَائِبِ التَّدْقِيقَاتِ النَّحْوِيَّةِ، وَعَجَائِبِ التَّوْجِيهَاتِ الْإِعْرَابِيَّةِ، أَنَّ الْأَعْلَمَ الشَّنْتَمَرِيَّ الْأَشْبِيلِيَّ قَالَ:
إِنَّهُ مُرْتَفِعٌ عَلَى الْإِهْمَالِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ذَهَبَ إِلَى رَفْعِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ. وَالْفَتَى: هُوَ الشَّابُّ، وَالْفَتَاةُ الشَّابَّةُ قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ الْقَائِلُونَ هُمُ السّائلون، أمروا بعضهم أن يأتوا بِهِ ظَاهِرًا بِمَرْأًى مِنَ النَّاسِ. قِيلَ:
إِنَّهُ لَمَّا بَلَغَ الْخَبَرُ نَمْرُوذَ وَأَشْرَافَ قَوْمِهِ كَرِهُوا أَنْ يَأْخُذُوهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَقَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ لِيَكُونَ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْهِ يَسْتَحِلُّونَ بِهَا مِنْهُ مَا قَدْ عَزَمُوا عَلَى أَنْ يَفْعَلُوهُ بِهِ، وَمَعْنَى لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ لَعَلَّهُمْ يَحْضُرُونَ عِقَابَهُ حَتَّى يَنْزَجِرَ غَيْرُهُ عَنِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَقِيلَ: لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ يَكْسِرُ الْأَصْنَامَ، أَوْ لَعَلَّهُمْ
488
يَشْهَدُونَ طَعْنَهُ عَلَى أَصْنَامِهِمْ، وَجُمْلَةُ قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنا يَا إِبْراهِيمُ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ حِينَ أَتَوْا بِهِ فَاسْتَفْهَمُوهُ هَلْ فَعَلَ ذَلِكَ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فِي زَعْمِهِمْ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا أَيْ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ مُقِيمًا لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، مُبَكِّتًا لَهُمْ، بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا، مُشِيرًا إِلَى الصَّنَمِ الَّذِي تَرَكَهُ ولم يكسره فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ أَيْ: إِنْ كَانُوا مِمَّنْ يُمْكِنُهُ النُّطْقَ وَيَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ وَيَفْهَمُ مَا يقال له فيجيب عنه بما يطابقه، أراد عليه الصلاة والسلام أن يبيّن لهم أن من لا يتكلم ولا يعلم ليس بمستحق للعبادة، وَلَا يَصِحُّ فِي الْعَقْلِ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إِلَهٌ. فَأُخْرِجَ الْكَلَامُ مَخْرَجَ التَّعْرِيضِ لَهُمْ بِمَا يُوقِعُهُمْ فِي الِاعْتِرَافِ بِأَنَّ الْجَمَادَاتِ الَّتِي عَبَدُوهَا لَيْسَتْ بِآلِهَةٍ، لِأَنَّهُمْ إِذَا قَالُوا إِنَّهُمْ لَا يَنْطِقُونَ، قَالَ لَهُمْ: فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مَنْ يَعْجَزُ عَنِ النُّطْقِ، وَيَقْصُرُ عَنْ أَنْ يَعْلَمَ بِمَا يَقَعُ عِنْدَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ؟ فَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ بَابِ فَرْضِ الْبَاطِلِ مَعَ الْخَصْمِ حَتَّى تَلْزَمَهُ الْحُجَّةُ وَيَعْتَرِفَ بِالْحَقِّ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْطَعُ لِشُبْهَتِهِ وَأَدْفَعُ لِمُكَابَرَتِهِ، وَقِيلَ أَرَادَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِنِسْبَةِ الْفِعْلِ إِلَى ذَلِكَ الْكَبِيرِ مِنَ الْأَصْنَامِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَارَ وَغَضِبَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ وَتُعْبَدَ الصِّغَارُ مَعَهُ إِرْشَادًا لَهُمْ إِلَى أَنَّ عِبَادَةَ هَذِهِ الْأَصْنَامِ الَّتِي لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ، وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَدْفَعُ، لَا تُسْتَحْسَنُ فِي الْعَقْلِ مَعَ وُجُودِ خَالِقِهَا وَخَالِقِهِمْ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وقرأ ابن السّميقع بَلْ فَعَلَهُ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ، عَلَى مَعْنَى بَلْ فَلَعَلَّ الْفَاعِلَ كَبِيرُهُمْ فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ أَيْ: رَجَعَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ رُجُوعَ الْمُنْقَطِعِ عَنْ حُجَّتِهِ، الْمُتَفَطِّنِ لِصِحَّةِ حُجَّةِ خَصْمِهِ الْمُرَاجِعِ لِعَقْلِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ تَنَبَّهُوا وَفَهِمُوا عِنْدَ هَذِهِ الْمُقَاوَلَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا عَلَى الْإِضْرَارِ بِمَنْ فَعَلَ بِهِ مَا فَعَلَهُ إِبْرَاهِيمُ بِتِلْكَ الْأَصْنَامِ، يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا لِلْعِبَادَةِ، وَلِهَذَا فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ أَيْ:
قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ لِأَنْفُسِكُمْ بِعِبَادَةِ هَذِهِ الْجَمَادَاتِ، وَلَيْسَ الظَّالِمُ مَنْ نَسَبْتُمُ الظُّلْمَ إِلَيْهِ بِقَوْلِكُمْ:
إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ أَيْ: رَجَعُوا إِلَى جَهْلِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، شَبَّهَ سُبْحَانَهُ عَوْدَهُمْ إِلَى الْبَاطِلِ بِصَيْرُورَةِ أَسْفَلِ الشَّيْءِ أَعْلَاهُ، وقيل: المعنى: أنهم طأطئوا رؤوسهم خجلا مِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ نكسوا رؤوسهم بِفَتْحِ الْكَافِ، وَإِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَيْهِمْ، حَتَّى يَصِحَّ هذا التفسير، بل قال: «نكسوا على رؤوسهم» وَقُرِئَ «نُكِّسُوا» بِالتَّشْدِيدِ، ثُمَّ قَالُوا بَعْدَ أَنْ نُكِسُوا مُخَاطِبِينَ لِإِبْرَاهِيمَ: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ أَيْ: قَائِلِينَ لِإِبْرَاهِيمَ لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ النطق ليس من شأن هذه الأصنام، ف قالَ إِبْرَاهِيمُ مُبَكِّتًا لَهُمْ، وَمُزْرِيًا عَلَيْهِمْ: أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً مِنَ النَّفْعِ وَلا يَضُرُّكُمْ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ، ثُمَّ تَضَجَّرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْهُمْ، فَقَالَ: أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَفِي هَذَا تَحْقِيرٌ لَهُمْ وَلِمَعْبُودَاتِهِمْ، وَاللَّامُ فِي «لَكُمْ» لِبَيَانِ الْمُتَأَفَّفِ بِهِ أَيْ: لَكُمْ وَلِآلِهَتِكُمْ، وَالتَّأَفُّفُ: صَوْتٌ يَدُلُّ عَلَى التَّضَجُّرِ أَفَلا تَعْقِلُونَ أَيْ: لَيْسَ لَكُمْ عُقُولٌ تَتَفَكَّرُونَ بِهَا، فَتَعْلَمُونَ هَذَا الصُّنْعَ الْقَبِيحَ الَّذِي صَنَعْتُمُوهُ قالُوا حَرِّقُوهُ أَيْ: قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لَمَّا أَعْيَتْهُمُ الْحِيلَةُ فِي دَفْعِ إِبْرَاهِيمَ، وَعَجَزُوا عَنْ مُجَادَلَتِهِ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ مَسَالِكُ الْمُنَاظَرَةِ: حَرِّقُوا إِبْرَاهِيمَ، انْصِرَافًا مِنْهُمْ إِلَى طَرِيقِ الظُّلْمِ وَالْغَشْمِ، وَمَيْلًا مِنْهُمْ إِلَى إِظْهَارِ الْغَلَبَةِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَعَلَى أَيِّ أَمْرٍ اتَّفَقَ، وَلِهَذَا قَالُوا: وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ أَيِ: انْصُرُوهَا
489
بِالِانْتِقَامِ مِنْ هَذَا الَّذِي فَعَلَ بِهَا مَا فَعَلَ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ لِلنَّصْرِ وَقِيلَ: هَذَا الْقَائِلُ هُوَ نُمْرُوذُ وَقِيلَ: رَجُلٌ مِنَ الْأَكْرَادِ قُلْنا يَا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَأَضْرَمُوا النَّارَ، وَذَهَبُوا بِإِبْرَاهِيمَ إِلَيْهَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ قُلْنَا: يَا نَارُ كُونِي ذَاتَ بَرْدٍ وَسَلَامٍ وَقِيلَ: إِنَّ انْتِصَابَ سَلَامًا عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: وَسَلَّمْنَا سَلَامًا عَلَيْهِ وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً أَيْ: مَكْرًا فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ أَيْ:
أَخْسَرَ مِنْ كُلِّ خَاسِرٍ وَرَدَدْنَا مَكْرَهُمْ عَلَيْهِمْ فَجَعَلْنَا لَهُمْ عَاقِبَةَ السُّوءِ كَمَا جَعَلْنَا لِإِبْرَاهِيمَ عَاقِبَةَ الْخَيْرِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ إِلَى عِيدِهِمْ مَرُّوا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا إِبْرَاهِيمُ أَلَا تَخْرُجُ مَعَنَا؟ قَالَ: إِنِّي سَقِيمٌ، وَقَدْ كَانَ بالأمس قال: تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فَسَمِعَهُ نَاسٌ مِنْهُمْ، فَلَمَّا خَرَجُوا انْطَلَقَ إِلَى أَهْلِهِ، فَأَخَذَ طَعَامًا، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: أَلَا تَأْكُلُونَ؟ فَكَسَرَهَا إِلَا كَبِيرَهُمْ، ثُمَّ رَبَطَ فِي يَدِهِ الَّذِي كَسَرَ بِهِ آلِهَتَهُمْ، فَلَمَّا رَجَعَ الْقَوْمُ مِنْ عِيدِهِمْ دَخَلُوا، فَإِذَا هُمْ بِآلِهَتِهِمْ قَدْ كُسِرَتْ، وَإِذَا كَبِيرُهُمْ فِي يَدِهِ الَّذِي كَسَّرَ الْأَصْنَامَ، قَالُوا: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا؟
فَقَالَ الَّذِينَ سَمِعُوا إِبْرَاهِيمَ يقول: تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ فَجَادَلَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: جُذاذاً قَالَ: حُطَامًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: فُتَاتًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَيْضًا بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا قَالَ: عَظِيمُ آلِهَتِهِمْ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ كُلُّهُنَّ فِي اللَّهِ: قَوْلُهُ: إِنِّي سَقِيمٌ وَلَمْ يَكُنْ سَقِيمًا، وَقَوْلُهُ لِسَارَّةَ: أُخْتِي «١»، وَقَوْلُهُ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا» وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا. وَقَدْ رَوَى نَحْوَ هذا أبو يعلى من حديث أَبِي سَعِيدٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا جُمِعَ لِإِبْرَاهِيمَ مَا جُمِعَ، وَأُلْقِيَ فِي النَّارِ، جَعَلَ خَازِنُ الْمَطَرَ يَقُولُ: مَتَى أُومَرُ بِالْمَطَرِ فَأُرْسِلَهُ؟ فَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ أَسْرَعَ، قَالَ اللَّهُ: كُونِي بَرْداً وَسَلاماً فَلَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ نَارٌ إِلَّا طُفِئَتْ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ أبي حاتم والطبراني عَنْ عَائِشَةُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ لَمْ تَكُنْ دَابَّةٌ إِلَّا تُطْفِئُ عَنْهُ النَّارَ، غَيْرَ الْوَزَغِ فَإِنَّهُ كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، فَأَمْرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَوَّلُ كَلِمَةٍ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ «٢». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ:
يا نارُ كُونِي قَالَ: كَانَ جِبْرِيلُ هُوَ الَّذِي نَادَاهَا. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَوْ لَمْ يُتْبِعْ بَرْدَهَا سَلَامًا لَمَاتَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بَرْدِهَا. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ يُوثَقُ لِيُلْقَى فِي النَّارِ، فَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَلَكَ حَاجَةٌ؟
قَالَ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: مَا أَحْرَقَتِ النار من إبراهيم
(١). يراجع فتح الباري حديث رقم (٦/ ٣٣٥٨).
(٢). آل عمران: ١٧٣.
490
والفاء في قوله :﴿ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً ﴾ فصيحة، أي فولوا، فجعلهم جذاذاً، الجذّ : القطع والكسر، يقال : جذذت الشيء قطعته وكسرته، والواحد : جذاذة، والجذاذ ما كسر منه. قاله الجوهري. قال الكسائي : ويقال لحجارة الذهب : الجذاذ ؛ لأنها تكسر. قرأ الكسائي والأعمش وابن محيصن :«جذاذاً » بكسر الجيم، أي كسراً وقطعاً، جمع جذيذ، وهو الهشيم، مثل خفيف وخفاف، وظريف وظراف. قال الشاعر :
جذذ الأصنام في محرابها ذاك في الله العليّ المقتدر
وقرأ الباقون بالضم، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم، أي الحطام والرقاق، فعال بمعنى مفعول، وهذا هو الكيد الذي وعدهم به. وقرأ ابن عباس وأبو السماك «جذاذاً » بفتح الجيم ﴿ إِلاَّ كَبِيراً لهُمْ ﴾ أي للأصنام ﴿ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ ﴾ أي إلى إبراهيم ﴿ يَرْجِعُونَ ﴾ فيحاجهم بما سيأتي فيحجهم ؛ وقيل : لعلهم إلى الصنم الكبير يرجعون فيسألونه عن الكاسر، لأن من شأن المعبود أن يرجع إليه في المهمات، فإذا رجعوا إليه لم يجدوا عنده خبراً، فيعلمون حينئذٍ أنها لا تجلب نفعاً ولا تدفع ضرراً، ولا تعلم بخير ولا شرّ، ولا تخبر عن الذي ينوبها ؛ من الأمر، وقيل : لعلهم إلى الله يرجعون، وهو بعيد جدّاً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مرّوا عليه، فقالوا : يا إبراهيم ألا تخرج معنا ؟ قال : إني سقيم، وقد كان بالأمس، قال :﴿ تالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ فسمعه ناس منهم. فلما خرجوا انطلق إلى أهله، فأخذ طعاماً ثم انطلق إلى آلهتهم فقرّبه إليهم، فقال : ألا تأكلون ؟ فكسرها إلا كبيرهم، ثم ربط في يده الذي كسر به آلهتهم، فلما رجع القوم من عيدهم دخلوا، فإذا هم بآلهتهم قد كسرت، وإذا كبيرهم في يده الذي كسر به الأصنام، قالوا : من فعل هذا بآلهتنا ؟ فقال الذين سمعوا إبراهيم يقول :﴿ تالله * لأكِيدَنَّ أصنامكم ﴾، ﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ فجادلهم عند ذلك إبراهيم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ جُذَاذاً ﴾ قال : حطاماً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : فتاتاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ قال : عظيم آلهتهم. وأخرج أبو داود والترمذي [ وابن المنذر ] وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث كلهنّ في الله : قوله :﴿ إِنّي سَقِيمٌ ﴾ ولم يكن سقيماً، وقوله لسارة : أختي، وقوله :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ ). وهذا الحديث هو في الصحيحين من حديث أبي هريرة بأطول من هذا. وقد روى نحو هذا أبو يعلى من حديث أبي سعيد. وأخرح ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما جمع لإبراهيم ما جمع، وألقي في النار جعل خازن المطر يقول : متى أومر بالمطر فأرسله ؟ فكان أمر الله أسرع، قال الله :﴿ كُونِي بَرْداً وسلاما ﴾ فلم يبق في الأرض نار إلا طفئت. وأخرج أحمد وابن ماجه وابن حبان وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني عن عائشة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم ) ( فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ). وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر عن ابن عمر، قال : أوّل كلمة قالها إبراهيم حين ألقي في النار ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ في قوله :﴿ قُلْنَا يا نار كُونِي ﴾ قال : كان جبريل هو الذي ناداها. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ نحوه. وأخرج ابن جرير عن معتمر بن سليمان التيمي عن بعض أصحابه قال : جاء جبريل إلى إبراهيم وهو يوثق ليلقى في النار، فقال : يا إبراهيم، ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن كعب قال : ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن المنهال بن عمرو قال : أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار، فكان فيها إما خمسين وإما أربعين، قال : ما كنت أياماً وليالي قط أطيب عيشاً إذ كنت فيها، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها.
﴿ قَالُوا مَن فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين ﴾ في الكلام حذف، والتقدير : فلما رجعوا من عيدهم ورأوا ما حدث بآلهتهم قالوا هذه المقالة، والاستفهام للتوبيخ. وقيل : إن " من " ليست استفهامية، بل هي مبتدأ وخبرها ﴿ إنه لمن الظالمين ﴾ أي فاعل هذا ظالم. والأوّل أولى لقولهم :﴿ سَمِعْنَا فَتًى ﴾ إلخ، فإنه قال بهذا بعضهم مجيباً للمستفهمين لهم، وهذا القائل هو الذي سمع إبراهيم يقول :﴿ تالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مرّوا عليه، فقالوا : يا إبراهيم ألا تخرج معنا ؟ قال : إني سقيم، وقد كان بالأمس، قال :﴿ تالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ فسمعه ناس منهم. فلما خرجوا انطلق إلى أهله، فأخذ طعاماً ثم انطلق إلى آلهتهم فقرّبه إليهم، فقال : ألا تأكلون ؟ فكسرها إلا كبيرهم، ثم ربط في يده الذي كسر به آلهتهم، فلما رجع القوم من عيدهم دخلوا، فإذا هم بآلهتهم قد كسرت، وإذا كبيرهم في يده الذي كسر به الأصنام، قالوا : من فعل هذا بآلهتنا ؟ فقال الذين سمعوا إبراهيم يقول :﴿ تالله * لأكِيدَنَّ أصنامكم ﴾، ﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ فجادلهم عند ذلك إبراهيم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ جُذَاذاً ﴾ قال : حطاماً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : فتاتاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ قال : عظيم آلهتهم. وأخرج أبو داود والترمذي [ وابن المنذر ] وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث كلهنّ في الله : قوله :﴿ إِنّي سَقِيمٌ ﴾ ولم يكن سقيماً، وقوله لسارة : أختي، وقوله :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ ). وهذا الحديث هو في الصحيحين من حديث أبي هريرة بأطول من هذا. وقد روى نحو هذا أبو يعلى من حديث أبي سعيد. وأخرح ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما جمع لإبراهيم ما جمع، وألقي في النار جعل خازن المطر يقول : متى أومر بالمطر فأرسله ؟ فكان أمر الله أسرع، قال الله :﴿ كُونِي بَرْداً وسلاما ﴾ فلم يبق في الأرض نار إلا طفئت. وأخرج أحمد وابن ماجه وابن حبان وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني عن عائشة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم ) ( فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ). وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر عن ابن عمر، قال : أوّل كلمة قالها إبراهيم حين ألقي في النار ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ في قوله :﴿ قُلْنَا يا نار كُونِي ﴾ قال : كان جبريل هو الذي ناداها. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ نحوه. وأخرج ابن جرير عن معتمر بن سليمان التيمي عن بعض أصحابه قال : جاء جبريل إلى إبراهيم وهو يوثق ليلقى في النار، فقال : يا إبراهيم، ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن كعب قال : ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن المنهال بن عمرو قال : أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار، فكان فيها إما خمسين وإما أربعين، قال : ما كنت أياماً وليالي قط أطيب عيشاً إذ كنت فيها، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها.
ومعنى ﴿ يَذْكُرُهُمْ ﴾ : يعيبهم، وقد سبق تحقيق مثل هذه العبارة، وجملة :﴿ يُقَالُ لَهُ إبراهيم ﴾ صفة ثانية لفتى. قال الزجاج : وارتفع إبراهيم على معنى : يقال له هو إبراهيم، فهو على هذا خبر مبتدأ محذوف، وقيل : ارتفاعه على أنه مفعول ما لم يسمّ فاعله، وقيل : مرتفع على النداء.
ومن غرائب التدقيقات النحوية، وعجائب التوجيهات الإعرابية، أن الأعلم الشنتمري الأشبيلي قال : إنه مرتفع على الإهمال. قال ابن عطية : ذهب إلى رفعه بغير شيء. والفتى : هو الشاب، والفتاة الشابة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مرّوا عليه، فقالوا : يا إبراهيم ألا تخرج معنا ؟ قال : إني سقيم، وقد كان بالأمس، قال :﴿ تالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ فسمعه ناس منهم. فلما خرجوا انطلق إلى أهله، فأخذ طعاماً ثم انطلق إلى آلهتهم فقرّبه إليهم، فقال : ألا تأكلون ؟ فكسرها إلا كبيرهم، ثم ربط في يده الذي كسر به آلهتهم، فلما رجع القوم من عيدهم دخلوا، فإذا هم بآلهتهم قد كسرت، وإذا كبيرهم في يده الذي كسر به الأصنام، قالوا : من فعل هذا بآلهتنا ؟ فقال الذين سمعوا إبراهيم يقول :﴿ تالله * لأكِيدَنَّ أصنامكم ﴾، ﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ فجادلهم عند ذلك إبراهيم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ جُذَاذاً ﴾ قال : حطاماً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : فتاتاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ قال : عظيم آلهتهم. وأخرج أبو داود والترمذي [ وابن المنذر ] وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث كلهنّ في الله : قوله :﴿ إِنّي سَقِيمٌ ﴾ ولم يكن سقيماً، وقوله لسارة : أختي، وقوله :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ ). وهذا الحديث هو في الصحيحين من حديث أبي هريرة بأطول من هذا. وقد روى نحو هذا أبو يعلى من حديث أبي سعيد. وأخرح ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما جمع لإبراهيم ما جمع، وألقي في النار جعل خازن المطر يقول : متى أومر بالمطر فأرسله ؟ فكان أمر الله أسرع، قال الله :﴿ كُونِي بَرْداً وسلاما ﴾ فلم يبق في الأرض نار إلا طفئت. وأخرج أحمد وابن ماجه وابن حبان وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني عن عائشة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم ) ( فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ). وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر عن ابن عمر، قال : أوّل كلمة قالها إبراهيم حين ألقي في النار ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ في قوله :﴿ قُلْنَا يا نار كُونِي ﴾ قال : كان جبريل هو الذي ناداها. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ نحوه. وأخرج ابن جرير عن معتمر بن سليمان التيمي عن بعض أصحابه قال : جاء جبريل إلى إبراهيم وهو يوثق ليلقى في النار، فقال : يا إبراهيم، ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن كعب قال : ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن المنهال بن عمرو قال : أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار، فكان فيها إما خمسين وإما أربعين، قال : ما كنت أياماً وليالي قط أطيب عيشاً إذ كنت فيها، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها.
﴿ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ على أَعْيُنِ الناس ﴾ القائلون هم السائلون، أمروا بعضهم أن يأتي به ظاهراً بمرأى من الناس. قيل : إنه لما بلغ الخبر نمروذ وأشراف قومه كرهوا أن يأخذوه بغير بينة، فقالوا هذه المقالة، ليكون ذلك حجة عليه يستحلون بها منه ما قد عزموا على أن يفعلوه به. ومعنى ﴿ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴾ : لعلهم يحضرون عقابه حتى ينزجر غيره عن الاقتداء به في مثل هذا. وقيل : لعلهم يشهدون عليه بأنهم رأوه يكسر الأصنام، أو لعلهم يشهدون طعنه على أصنامهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مرّوا عليه، فقالوا : يا إبراهيم ألا تخرج معنا ؟ قال : إني سقيم، وقد كان بالأمس، قال :﴿ تالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ فسمعه ناس منهم. فلما خرجوا انطلق إلى أهله، فأخذ طعاماً ثم انطلق إلى آلهتهم فقرّبه إليهم، فقال : ألا تأكلون ؟ فكسرها إلا كبيرهم، ثم ربط في يده الذي كسر به آلهتهم، فلما رجع القوم من عيدهم دخلوا، فإذا هم بآلهتهم قد كسرت، وإذا كبيرهم في يده الذي كسر به الأصنام، قالوا : من فعل هذا بآلهتنا ؟ فقال الذين سمعوا إبراهيم يقول :﴿ تالله * لأكِيدَنَّ أصنامكم ﴾، ﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ فجادلهم عند ذلك إبراهيم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ جُذَاذاً ﴾ قال : حطاماً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : فتاتاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ قال : عظيم آلهتهم. وأخرج أبو داود والترمذي [ وابن المنذر ] وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث كلهنّ في الله : قوله :﴿ إِنّي سَقِيمٌ ﴾ ولم يكن سقيماً، وقوله لسارة : أختي، وقوله :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ ). وهذا الحديث هو في الصحيحين من حديث أبي هريرة بأطول من هذا. وقد روى نحو هذا أبو يعلى من حديث أبي سعيد. وأخرح ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما جمع لإبراهيم ما جمع، وألقي في النار جعل خازن المطر يقول : متى أومر بالمطر فأرسله ؟ فكان أمر الله أسرع، قال الله :﴿ كُونِي بَرْداً وسلاما ﴾ فلم يبق في الأرض نار إلا طفئت. وأخرج أحمد وابن ماجه وابن حبان وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني عن عائشة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم ) ( فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ). وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر عن ابن عمر، قال : أوّل كلمة قالها إبراهيم حين ألقي في النار ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ في قوله :﴿ قُلْنَا يا نار كُونِي ﴾ قال : كان جبريل هو الذي ناداها. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ نحوه. وأخرج ابن جرير عن معتمر بن سليمان التيمي عن بعض أصحابه قال : جاء جبريل إلى إبراهيم وهو يوثق ليلقى في النار، فقال : يا إبراهيم، ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن كعب قال : ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن المنهال بن عمرو قال : أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار، فكان فيها إما خمسين وإما أربعين، قال : ما كنت أياماً وليالي قط أطيب عيشاً إذ كنت فيها، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها.
وجملة :﴿ قَالُوا أأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنَا يا إبراهيم ﴾ مستأنفة جواب سؤال مقدّر، وفي الكلام حذف تقديره : فجاء إبراهيم حين أتوا به فاستفهموه هل فعل ذلك لإقامة الحجة عليه في زعمهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مرّوا عليه، فقالوا : يا إبراهيم ألا تخرج معنا ؟ قال : إني سقيم، وقد كان بالأمس، قال :﴿ تالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ فسمعه ناس منهم. فلما خرجوا انطلق إلى أهله، فأخذ طعاماً ثم انطلق إلى آلهتهم فقرّبه إليهم، فقال : ألا تأكلون ؟ فكسرها إلا كبيرهم، ثم ربط في يده الذي كسر به آلهتهم، فلما رجع القوم من عيدهم دخلوا، فإذا هم بآلهتهم قد كسرت، وإذا كبيرهم في يده الذي كسر به الأصنام، قالوا : من فعل هذا بآلهتنا ؟ فقال الذين سمعوا إبراهيم يقول :﴿ تالله * لأكِيدَنَّ أصنامكم ﴾، ﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ فجادلهم عند ذلك إبراهيم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ جُذَاذاً ﴾ قال : حطاماً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : فتاتاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ قال : عظيم آلهتهم. وأخرج أبو داود والترمذي [ وابن المنذر ] وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث كلهنّ في الله : قوله :﴿ إِنّي سَقِيمٌ ﴾ ولم يكن سقيماً، وقوله لسارة : أختي، وقوله :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ ). وهذا الحديث هو في الصحيحين من حديث أبي هريرة بأطول من هذا. وقد روى نحو هذا أبو يعلى من حديث أبي سعيد. وأخرح ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما جمع لإبراهيم ما جمع، وألقي في النار جعل خازن المطر يقول : متى أومر بالمطر فأرسله ؟ فكان أمر الله أسرع، قال الله :﴿ كُونِي بَرْداً وسلاما ﴾ فلم يبق في الأرض نار إلا طفئت. وأخرج أحمد وابن ماجه وابن حبان وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني عن عائشة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم ) ( فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ). وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر عن ابن عمر، قال : أوّل كلمة قالها إبراهيم حين ألقي في النار ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ في قوله :﴿ قُلْنَا يا نار كُونِي ﴾ قال : كان جبريل هو الذي ناداها. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ نحوه. وأخرج ابن جرير عن معتمر بن سليمان التيمي عن بعض أصحابه قال : جاء جبريل إلى إبراهيم وهو يوثق ليلقى في النار، فقال : يا إبراهيم، ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن كعب قال : ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن المنهال بن عمرو قال : أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار، فكان فيها إما خمسين وإما أربعين، قال : ما كنت أياماً وليالي قط أطيب عيشاً إذ كنت فيها، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها.
﴿ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ أي قال إبراهيم مقيماً للحجة عليهم مبكتاً لهم، بل فعله كبيرهم هذا مشيراً إلى الصنم الذي تركه ولم يكسره ﴿ فاسألوهم إن كانوا ينطقون ﴾ أي إن كانوا ممن يمكنه النطق ويقدر على الكلام ويفهم ما يقال له، فيجيب عنه بما يطابقه. أراد عليه الصلاة والسلام أن يبين لهم أن من لا يتكلم ولا يعلم ليس بمستحق للعبادة، ولا يصح في العقل أن يطلق عليه أنه إله. فأخرج الكلام مخرج التعريض لهم بما يوقعهم في الاعتراف بأن الجمادات التي عبدوها ليست بآلهة، لأنهم إذا قالوا : إنهم لا ينطقون، قال لهم : فكيف تعبدون من يعجز عن النطق، ويقصر عن أن يعلم بما يقع عنده في المكان الذي هو فيه ؟ فهذا الكلام من باب فرض الباطل مع الخصم حتى تلزمه الحجة ويعترف بالحق، فإن ذلك أقطع لشبهته وأدفع لمكابرته. وقيل : أراد إبراهيم عليه السلام بنسبة الفعل إلى ذلك الكبير من الأصنام أنه فعل ذلك لأنه غار وغضب من أن يعبد وتعبد الصغار معه إرشاداً لهم إلى أن عبادة هذه الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تدفع لا تستحسن في العقل مع وجود خالقها وخالقهم، والأوّل أولى. وقرأ ابن السميفع :«بل فعله » بتشديد اللام على معنى بل فلعل الفاعل كبيرهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مرّوا عليه، فقالوا : يا إبراهيم ألا تخرج معنا ؟ قال : إني سقيم، وقد كان بالأمس، قال :﴿ تالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ فسمعه ناس منهم. فلما خرجوا انطلق إلى أهله، فأخذ طعاماً ثم انطلق إلى آلهتهم فقرّبه إليهم، فقال : ألا تأكلون ؟ فكسرها إلا كبيرهم، ثم ربط في يده الذي كسر به آلهتهم، فلما رجع القوم من عيدهم دخلوا، فإذا هم بآلهتهم قد كسرت، وإذا كبيرهم في يده الذي كسر به الأصنام، قالوا : من فعل هذا بآلهتنا ؟ فقال الذين سمعوا إبراهيم يقول :﴿ تالله * لأكِيدَنَّ أصنامكم ﴾، ﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ فجادلهم عند ذلك إبراهيم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ جُذَاذاً ﴾ قال : حطاماً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : فتاتاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ قال : عظيم آلهتهم. وأخرج أبو داود والترمذي [ وابن المنذر ] وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث كلهنّ في الله : قوله :﴿ إِنّي سَقِيمٌ ﴾ ولم يكن سقيماً، وقوله لسارة : أختي، وقوله :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ ). وهذا الحديث هو في الصحيحين من حديث أبي هريرة بأطول من هذا. وقد روى نحو هذا أبو يعلى من حديث أبي سعيد. وأخرح ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما جمع لإبراهيم ما جمع، وألقي في النار جعل خازن المطر يقول : متى أومر بالمطر فأرسله ؟ فكان أمر الله أسرع، قال الله :﴿ كُونِي بَرْداً وسلاما ﴾ فلم يبق في الأرض نار إلا طفئت. وأخرج أحمد وابن ماجه وابن حبان وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني عن عائشة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم ) ( فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ). وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر عن ابن عمر، قال : أوّل كلمة قالها إبراهيم حين ألقي في النار ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ في قوله :﴿ قُلْنَا يا نار كُونِي ﴾ قال : كان جبريل هو الذي ناداها. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ نحوه. وأخرج ابن جرير عن معتمر بن سليمان التيمي عن بعض أصحابه قال : جاء جبريل إلى إبراهيم وهو يوثق ليلقى في النار، فقال : يا إبراهيم، ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن كعب قال : ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن المنهال بن عمرو قال : أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار، فكان فيها إما خمسين وإما أربعين، قال : ما كنت أياماً وليالي قط أطيب عيشاً إذ كنت فيها، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها.
﴿ فَرَجَعُوا إلى أَنفُسِهِمْ ﴾ أي : رجع بعضهم إلى بعض رجوع المنقطع عن حجته المتفطن لصحة حجة خصمه المراجع لعقله، وذلك أنهم تنبهوا وفهموا عند هذه المقاولة بينهم وبين إبراهيم أن من لا يقدر على دفع المضرّة عن نفسه ولا على الإضرار بمن فعل به ما فعله إبراهيم بتلك الأصنام، يستحيل أن يكون مستحقاً للعبادة، ولهذا ﴿ قَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظالمون ﴾ أي قال بعضهم لبعض : أنتم الظالمون لأنفسكم بعبادة هذه الجمادات، وليس الظالم من نسبتم الظلم إليه بقولكم : إنه لمن الظالمين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مرّوا عليه، فقالوا : يا إبراهيم ألا تخرج معنا ؟ قال : إني سقيم، وقد كان بالأمس، قال :﴿ تالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ فسمعه ناس منهم. فلما خرجوا انطلق إلى أهله، فأخذ طعاماً ثم انطلق إلى آلهتهم فقرّبه إليهم، فقال : ألا تأكلون ؟ فكسرها إلا كبيرهم، ثم ربط في يده الذي كسر به آلهتهم، فلما رجع القوم من عيدهم دخلوا، فإذا هم بآلهتهم قد كسرت، وإذا كبيرهم في يده الذي كسر به الأصنام، قالوا : من فعل هذا بآلهتنا ؟ فقال الذين سمعوا إبراهيم يقول :﴿ تالله * لأكِيدَنَّ أصنامكم ﴾، ﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ فجادلهم عند ذلك إبراهيم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ جُذَاذاً ﴾ قال : حطاماً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : فتاتاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ قال : عظيم آلهتهم. وأخرج أبو داود والترمذي [ وابن المنذر ] وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث كلهنّ في الله : قوله :﴿ إِنّي سَقِيمٌ ﴾ ولم يكن سقيماً، وقوله لسارة : أختي، وقوله :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ ). وهذا الحديث هو في الصحيحين من حديث أبي هريرة بأطول من هذا. وقد روى نحو هذا أبو يعلى من حديث أبي سعيد. وأخرح ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما جمع لإبراهيم ما جمع، وألقي في النار جعل خازن المطر يقول : متى أومر بالمطر فأرسله ؟ فكان أمر الله أسرع، قال الله :﴿ كُونِي بَرْداً وسلاما ﴾ فلم يبق في الأرض نار إلا طفئت. وأخرج أحمد وابن ماجه وابن حبان وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني عن عائشة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم ) ( فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ). وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر عن ابن عمر، قال : أوّل كلمة قالها إبراهيم حين ألقي في النار ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ في قوله :﴿ قُلْنَا يا نار كُونِي ﴾ قال : كان جبريل هو الذي ناداها. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ نحوه. وأخرج ابن جرير عن معتمر بن سليمان التيمي عن بعض أصحابه قال : جاء جبريل إلى إبراهيم وهو يوثق ليلقى في النار، فقال : يا إبراهيم، ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن كعب قال : ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن المنهال بن عمرو قال : أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار، فكان فيها إما خمسين وإما أربعين، قال : ما كنت أياماً وليالي قط أطيب عيشاً إذ كنت فيها، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها.
﴿ ثُمَّ نُكِسُوا على رُؤوسِهِمْ ﴾ أي رجعوا إلى جهلهم وعنادهم، شبه سبحانه عودهم إلى الباطل بصيرورة أسفل الشيء أعلاه. وقيل : المعنى : أنهم طأطأوا رؤوسهم خجلة من إبراهيم، وهو ضعيف ؛ لأنه لم يقل : نكسوا رؤوسهم بفتح الكاف وإسناد الفعل إليهم حتى يصح هذا التفسير، بل قال : نكسوا على رؤوسهم، وقرئ «نكسوا » بالتشديد، ثم قالوا بعد أن نكسوا مخاطبين لإبراهيم ﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ ﴾ أي : قائلين لإبراهيم لقد علمت أن النطق ليس من شأن هذه الأصنام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مرّوا عليه، فقالوا : يا إبراهيم ألا تخرج معنا ؟ قال : إني سقيم، وقد كان بالأمس، قال :﴿ تالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ فسمعه ناس منهم. فلما خرجوا انطلق إلى أهله، فأخذ طعاماً ثم انطلق إلى آلهتهم فقرّبه إليهم، فقال : ألا تأكلون ؟ فكسرها إلا كبيرهم، ثم ربط في يده الذي كسر به آلهتهم، فلما رجع القوم من عيدهم دخلوا، فإذا هم بآلهتهم قد كسرت، وإذا كبيرهم في يده الذي كسر به الأصنام، قالوا : من فعل هذا بآلهتنا ؟ فقال الذين سمعوا إبراهيم يقول :﴿ تالله * لأكِيدَنَّ أصنامكم ﴾، ﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ فجادلهم عند ذلك إبراهيم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ جُذَاذاً ﴾ قال : حطاماً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : فتاتاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ قال : عظيم آلهتهم. وأخرج أبو داود والترمذي [ وابن المنذر ] وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث كلهنّ في الله : قوله :﴿ إِنّي سَقِيمٌ ﴾ ولم يكن سقيماً، وقوله لسارة : أختي، وقوله :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ ). وهذا الحديث هو في الصحيحين من حديث أبي هريرة بأطول من هذا. وقد روى نحو هذا أبو يعلى من حديث أبي سعيد. وأخرح ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما جمع لإبراهيم ما جمع، وألقي في النار جعل خازن المطر يقول : متى أومر بالمطر فأرسله ؟ فكان أمر الله أسرع، قال الله :﴿ كُونِي بَرْداً وسلاما ﴾ فلم يبق في الأرض نار إلا طفئت. وأخرج أحمد وابن ماجه وابن حبان وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني عن عائشة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم ) ( فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ). وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر عن ابن عمر، قال : أوّل كلمة قالها إبراهيم حين ألقي في النار ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ في قوله :﴿ قُلْنَا يا نار كُونِي ﴾ قال : كان جبريل هو الذي ناداها. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ نحوه. وأخرج ابن جرير عن معتمر بن سليمان التيمي عن بعض أصحابه قال : جاء جبريل إلى إبراهيم وهو يوثق ليلقى في النار، فقال : يا إبراهيم، ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن كعب قال : ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن المنهال بن عمرو قال : أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار، فكان فيها إما خمسين وإما أربعين، قال : ما كنت أياماً وليالي قط أطيب عيشاً إذ كنت فيها، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها.
ف﴿ قال ﴾ إبراهيم مبكتاً لهم ومزرياً عليهم :﴿ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً ﴾ من النفع ﴿ وَلاَ يَضُرُكُمْ ﴾ بنوع من أنواع الضرر، ثم تضجر عليه السلام منهم، فقال :﴿ أُفّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مرّوا عليه، فقالوا : يا إبراهيم ألا تخرج معنا ؟ قال : إني سقيم، وقد كان بالأمس، قال :﴿ تالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ فسمعه ناس منهم. فلما خرجوا انطلق إلى أهله، فأخذ طعاماً ثم انطلق إلى آلهتهم فقرّبه إليهم، فقال : ألا تأكلون ؟ فكسرها إلا كبيرهم، ثم ربط في يده الذي كسر به آلهتهم، فلما رجع القوم من عيدهم دخلوا، فإذا هم بآلهتهم قد كسرت، وإذا كبيرهم في يده الذي كسر به الأصنام، قالوا : من فعل هذا بآلهتنا ؟ فقال الذين سمعوا إبراهيم يقول :﴿ تالله * لأكِيدَنَّ أصنامكم ﴾، ﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ فجادلهم عند ذلك إبراهيم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ جُذَاذاً ﴾ قال : حطاماً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : فتاتاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ قال : عظيم آلهتهم. وأخرج أبو داود والترمذي [ وابن المنذر ] وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث كلهنّ في الله : قوله :﴿ إِنّي سَقِيمٌ ﴾ ولم يكن سقيماً، وقوله لسارة : أختي، وقوله :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ ). وهذا الحديث هو في الصحيحين من حديث أبي هريرة بأطول من هذا. وقد روى نحو هذا أبو يعلى من حديث أبي سعيد. وأخرح ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما جمع لإبراهيم ما جمع، وألقي في النار جعل خازن المطر يقول : متى أومر بالمطر فأرسله ؟ فكان أمر الله أسرع، قال الله :﴿ كُونِي بَرْداً وسلاما ﴾ فلم يبق في الأرض نار إلا طفئت. وأخرج أحمد وابن ماجه وابن حبان وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني عن عائشة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم ) ( فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ). وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر عن ابن عمر، قال : أوّل كلمة قالها إبراهيم حين ألقي في النار ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ في قوله :﴿ قُلْنَا يا نار كُونِي ﴾ قال : كان جبريل هو الذي ناداها. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ نحوه. وأخرج ابن جرير عن معتمر بن سليمان التيمي عن بعض أصحابه قال : جاء جبريل إلى إبراهيم وهو يوثق ليلقى في النار، فقال : يا إبراهيم، ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن كعب قال : ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن المنهال بن عمرو قال : أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار، فكان فيها إما خمسين وإما أربعين، قال : ما كنت أياماً وليالي قط أطيب عيشاً إذ كنت فيها، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها.
﴿ أُفّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله ﴾ وفي هذا تحقير لهم ولمعبوداتهم، واللام في ﴿ لكم ﴾ لبيان المتأفف به، أي لكم ولآلهتكم، والتأفف : صوت يدلّ على التضجر ﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ أي ليس لكم عقول تتفكرون بها، فتعلمون هذا الصنع القبيح الذي صنعتموه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مرّوا عليه، فقالوا : يا إبراهيم ألا تخرج معنا ؟ قال : إني سقيم، وقد كان بالأمس، قال :﴿ تالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ فسمعه ناس منهم. فلما خرجوا انطلق إلى أهله، فأخذ طعاماً ثم انطلق إلى آلهتهم فقرّبه إليهم، فقال : ألا تأكلون ؟ فكسرها إلا كبيرهم، ثم ربط في يده الذي كسر به آلهتهم، فلما رجع القوم من عيدهم دخلوا، فإذا هم بآلهتهم قد كسرت، وإذا كبيرهم في يده الذي كسر به الأصنام، قالوا : من فعل هذا بآلهتنا ؟ فقال الذين سمعوا إبراهيم يقول :﴿ تالله * لأكِيدَنَّ أصنامكم ﴾، ﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ فجادلهم عند ذلك إبراهيم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ جُذَاذاً ﴾ قال : حطاماً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : فتاتاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ قال : عظيم آلهتهم. وأخرج أبو داود والترمذي [ وابن المنذر ] وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث كلهنّ في الله : قوله :﴿ إِنّي سَقِيمٌ ﴾ ولم يكن سقيماً، وقوله لسارة : أختي، وقوله :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ ). وهذا الحديث هو في الصحيحين من حديث أبي هريرة بأطول من هذا. وقد روى نحو هذا أبو يعلى من حديث أبي سعيد. وأخرح ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما جمع لإبراهيم ما جمع، وألقي في النار جعل خازن المطر يقول : متى أومر بالمطر فأرسله ؟ فكان أمر الله أسرع، قال الله :﴿ كُونِي بَرْداً وسلاما ﴾ فلم يبق في الأرض نار إلا طفئت. وأخرج أحمد وابن ماجه وابن حبان وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني عن عائشة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم ) ( فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ). وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر عن ابن عمر، قال : أوّل كلمة قالها إبراهيم حين ألقي في النار ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ في قوله :﴿ قُلْنَا يا نار كُونِي ﴾ قال : كان جبريل هو الذي ناداها. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ نحوه. وأخرج ابن جرير عن معتمر بن سليمان التيمي عن بعض أصحابه قال : جاء جبريل إلى إبراهيم وهو يوثق ليلقى في النار، فقال : يا إبراهيم، ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن كعب قال : ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن المنهال بن عمرو قال : أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار، فكان فيها إما خمسين وإما أربعين، قال : ما كنت أياماً وليالي قط أطيب عيشاً إذ كنت فيها، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها.
﴿ قَالُوا حَرّقُوهُ ﴾ أي قال بعضهم لبعض لما أعيتهم الحيلة في دفع إبراهيم، وعجزوا عن مجادلته، وضاقت عليهم مسالك المناظرة، حرّقوا إبراهيم. انصرافاً منهم إلى طريق الظلم والغشم، وميلاً منهم إلى إظهار الغلبة بأي وجه كان، وعلى أيّ أمر اتفق، ولهذا قالوا :﴿ وانصروا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فاعلين ﴾ أي انصروها بالانتقام من هذا الذي فعل بها ما فعل إن كنتم فاعلين للنصر. وقيل : هذا القائل هو نمروذ ؛ وقيل : رجل من الأكراد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مرّوا عليه، فقالوا : يا إبراهيم ألا تخرج معنا ؟ قال : إني سقيم، وقد كان بالأمس، قال :﴿ تالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ فسمعه ناس منهم. فلما خرجوا انطلق إلى أهله، فأخذ طعاماً ثم انطلق إلى آلهتهم فقرّبه إليهم، فقال : ألا تأكلون ؟ فكسرها إلا كبيرهم، ثم ربط في يده الذي كسر به آلهتهم، فلما رجع القوم من عيدهم دخلوا، فإذا هم بآلهتهم قد كسرت، وإذا كبيرهم في يده الذي كسر به الأصنام، قالوا : من فعل هذا بآلهتنا ؟ فقال الذين سمعوا إبراهيم يقول :﴿ تالله * لأكِيدَنَّ أصنامكم ﴾، ﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ فجادلهم عند ذلك إبراهيم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ جُذَاذاً ﴾ قال : حطاماً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : فتاتاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ قال : عظيم آلهتهم. وأخرج أبو داود والترمذي [ وابن المنذر ] وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث كلهنّ في الله : قوله :﴿ إِنّي سَقِيمٌ ﴾ ولم يكن سقيماً، وقوله لسارة : أختي، وقوله :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ ). وهذا الحديث هو في الصحيحين من حديث أبي هريرة بأطول من هذا. وقد روى نحو هذا أبو يعلى من حديث أبي سعيد. وأخرح ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما جمع لإبراهيم ما جمع، وألقي في النار جعل خازن المطر يقول : متى أومر بالمطر فأرسله ؟ فكان أمر الله أسرع، قال الله :﴿ كُونِي بَرْداً وسلاما ﴾ فلم يبق في الأرض نار إلا طفئت. وأخرج أحمد وابن ماجه وابن حبان وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني عن عائشة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم ) ( فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ). وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر عن ابن عمر، قال : أوّل كلمة قالها إبراهيم حين ألقي في النار ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ في قوله :﴿ قُلْنَا يا نار كُونِي ﴾ قال : كان جبريل هو الذي ناداها. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ نحوه. وأخرج ابن جرير عن معتمر بن سليمان التيمي عن بعض أصحابه قال : جاء جبريل إلى إبراهيم وهو يوثق ليلقى في النار، فقال : يا إبراهيم، ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن كعب قال : ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن المنهال بن عمرو قال : أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار، فكان فيها إما خمسين وإما أربعين، قال : ما كنت أياماً وليالي قط أطيب عيشاً إذ كنت فيها، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها.
﴿ قُلْنَا يا نار كُونِي بَرْداً وسلاما على إبراهيم ﴾ في الكلام حذف تقديره : فأضرموا النار، وذهبوا بإبراهيم إليها، فعند ذلك قلنا : يا نار كوني ذات بردٍ وسلامٍ. وقيل : إن انتصاب ﴿ سلاماً ﴾ على أنه مصدر لفعل محذوف، أي وسلمنا سلاماً عليه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مرّوا عليه، فقالوا : يا إبراهيم ألا تخرج معنا ؟ قال : إني سقيم، وقد كان بالأمس، قال :﴿ تالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ فسمعه ناس منهم. فلما خرجوا انطلق إلى أهله، فأخذ طعاماً ثم انطلق إلى آلهتهم فقرّبه إليهم، فقال : ألا تأكلون ؟ فكسرها إلا كبيرهم، ثم ربط في يده الذي كسر به آلهتهم، فلما رجع القوم من عيدهم دخلوا، فإذا هم بآلهتهم قد كسرت، وإذا كبيرهم في يده الذي كسر به الأصنام، قالوا : من فعل هذا بآلهتنا ؟ فقال الذين سمعوا إبراهيم يقول :﴿ تالله * لأكِيدَنَّ أصنامكم ﴾، ﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ فجادلهم عند ذلك إبراهيم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ جُذَاذاً ﴾ قال : حطاماً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : فتاتاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ قال : عظيم آلهتهم. وأخرج أبو داود والترمذي [ وابن المنذر ] وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث كلهنّ في الله : قوله :﴿ إِنّي سَقِيمٌ ﴾ ولم يكن سقيماً، وقوله لسارة : أختي، وقوله :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ ). وهذا الحديث هو في الصحيحين من حديث أبي هريرة بأطول من هذا. وقد روى نحو هذا أبو يعلى من حديث أبي سعيد. وأخرح ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما جمع لإبراهيم ما جمع، وألقي في النار جعل خازن المطر يقول : متى أومر بالمطر فأرسله ؟ فكان أمر الله أسرع، قال الله :﴿ كُونِي بَرْداً وسلاما ﴾ فلم يبق في الأرض نار إلا طفئت. وأخرج أحمد وابن ماجه وابن حبان وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني عن عائشة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم ) ( فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ). وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر عن ابن عمر، قال : أوّل كلمة قالها إبراهيم حين ألقي في النار ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ في قوله :﴿ قُلْنَا يا نار كُونِي ﴾ قال : كان جبريل هو الذي ناداها. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ نحوه. وأخرج ابن جرير عن معتمر بن سليمان التيمي عن بعض أصحابه قال : جاء جبريل إلى إبراهيم وهو يوثق ليلقى في النار، فقال : يا إبراهيم، ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن كعب قال : ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن المنهال بن عمرو قال : أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار، فكان فيها إما خمسين وإما أربعين، قال : ما كنت أياماً وليالي قط أطيب عيشاً إذ كنت فيها، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها.
﴿ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً ﴾ أي مكراً ﴿ فجعلناهم الأخسرين ﴾ أي أخسر من كل خاسر ؛ ورددنا مكرهم عليهم ؛ فجعلنا لهم عاقبة السوء ؛ كما جعلنا لإبراهيم عاقبة الخير.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مرّوا عليه، فقالوا : يا إبراهيم ألا تخرج معنا ؟ قال : إني سقيم، وقد كان بالأمس، قال :﴿ تالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ فسمعه ناس منهم. فلما خرجوا انطلق إلى أهله، فأخذ طعاماً ثم انطلق إلى آلهتهم فقرّبه إليهم، فقال : ألا تأكلون ؟ فكسرها إلا كبيرهم، ثم ربط في يده الذي كسر به آلهتهم، فلما رجع القوم من عيدهم دخلوا، فإذا هم بآلهتهم قد كسرت، وإذا كبيرهم في يده الذي كسر به الأصنام، قالوا : من فعل هذا بآلهتنا ؟ فقال الذين سمعوا إبراهيم يقول :﴿ تالله * لأكِيدَنَّ أصنامكم ﴾، ﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ فجادلهم عند ذلك إبراهيم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ جُذَاذاً ﴾ قال : حطاماً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : فتاتاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ قال : عظيم آلهتهم. وأخرج أبو داود والترمذي [ وابن المنذر ] وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث كلهنّ في الله : قوله :﴿ إِنّي سَقِيمٌ ﴾ ولم يكن سقيماً، وقوله لسارة : أختي، وقوله :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ ). وهذا الحديث هو في الصحيحين من حديث أبي هريرة بأطول من هذا. وقد روى نحو هذا أبو يعلى من حديث أبي سعيد. وأخرح ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما جمع لإبراهيم ما جمع، وألقي في النار جعل خازن المطر يقول : متى أومر بالمطر فأرسله ؟ فكان أمر الله أسرع، قال الله :﴿ كُونِي بَرْداً وسلاما ﴾ فلم يبق في الأرض نار إلا طفئت. وأخرج أحمد وابن ماجه وابن حبان وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني عن عائشة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم ) ( فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ). وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر عن ابن عمر، قال : أوّل كلمة قالها إبراهيم حين ألقي في النار ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ في قوله :﴿ قُلْنَا يا نار كُونِي ﴾ قال : كان جبريل هو الذي ناداها. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ نحوه. وأخرج ابن جرير عن معتمر بن سليمان التيمي عن بعض أصحابه قال : جاء جبريل إلى إبراهيم وهو يوثق ليلقى في النار، فقال : يا إبراهيم، ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن كعب قال : ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن المنهال بن عمرو قال : أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار، فكان فيها إما خمسين وإما أربعين، قال : ما كنت أياماً وليالي قط أطيب عيشاً إذ كنت فيها، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها.
إِلَّا وَثَاقَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، فَكَانَ فِيهَا إِمَّا خَمْسِينَ وَإِمَّا أَرْبَعِينَ، قَالَ: مَا كُنْتُ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ قَطُّ أَطْيَبَ عَيْشًا إِذْ كُنْتُ فِيهَا، وَدِدْتُ أَنَّ عَيْشِي وَحَيَاتِي كُلَّهَا مِثْلَ عيشي إذ كنت فيها.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٧١ الى ٧٧]
وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (٧١) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ (٧٢) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (٧٣) وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (٧٤) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥)
وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧)
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لُوطًا هُوَ ابْنُ أَخِي إِبْرَاهِيمَ، فَحَكَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَاهُنَا أَنَّهُ نَجَّى إِبْرَاهِيمَ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وَهِيَ أَرْضُ الشَّامِ، وَكَانَا بِالْعِرَاقِ، وَسَمَّاهَا سُبْحَانَهُ مُبَارَكَةً لِكَثْرَةِ خِصْبِهَا وَثِمَارِهَا وَأَنْهَارِهَا، وَلِأَنَّهَا مَعَادِنُ الْأَنْبِيَاءِ وَأَصْلُ الْبَرَكَةِ ثُبُوتُ الْخَيْرِ، وَمِنْهُ بَرَكَ الْبَعِيرُ إِذَا لَزِمَ مَكَانَهُ فَلَمْ يَبْرَحْ، وَقِيلَ: الْأَرْضُ الْمُبَارَكَةُ مَكَّةُ وَقِيلَ: بَيْتُ الْمَقْدِسِ لِأَنَّ مِنْهَا بَعَثَ اللَّهُ أَكْثَرَ الْأَنْبِيَاءِ، وَهِيَ أَيْضًا كَثِيرَةُ الْخِصْبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تفسير العالمين. ثم قال سبحانه ممتنا على إبراهيم وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً النَّافِلَةُ: الزِّيَادَةُ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ قَدْ سَأَلَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ وَلَدًا، فَوَهَبَ لَهُ إِسْحَاقَ، ثُمَّ وَهَبَ لِإِسْحَاقَ يَعْقُوبَ مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ، فَكَانَ ذَلِكَ نَافِلَةً، أَيْ: زِيَادَةً وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالنَّافِلَةِ هُنَا الْعَطِيَّةُ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ وَقِيلَ:
النَّافِلَةُ هُنَا وَلَدُ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْوَلَدِ، وَانْتِصَابُ نَافِلَةً عَلَى الْحَالِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: النَّافِلَةُ: يَعْقُوبُ خَاصَّةً لِأَنَّهُ وَلَدُ الْوَلَدِ وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ أَيْ: وَكُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ: إِبْرَاهِيمَ وَلُوطٍ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، لَا بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ جَعَلْنَاهُ صَالِحًا عَامِلًا بِطَاعَةِ اللَّهِ تَارِكًا لِمَعَاصِيهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالصَّلَاحِ هُنَا النُّبُوَّةُ وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا أَيْ: رُؤَسَاءَ يُقْتَدَى بِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ وَأَعْمَالِ الطَّاعَاتِ، وَمَعْنَى بِأَمْرِنَا: بِأَمْرِنَا لَهُمْ بِذَلِكَ، أَيْ: بِمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْوَحْيِ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ أَيْ: أَنْ يَفْعَلُوا الطَّاعَاتِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْخَيْرَاتِ شَرَائِعُ النُّبُوَّاتِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ أَيْ: كَانُوا لَنَا خَاصَّةً دُونَ غَيْرِنَا مُطِيعِينَ، فَاعِلِينَ لِمَا نَأْمُرُهُمْ بِهِ، تَارِكِينَ مَا نَنْهَاهُمْ عَنْهُ وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً انْتِصَابُ لُوطًا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ «آتَيْنَاهُ»، أَيْ: وَآتَيْنَا لُوطًا آتَيْنَاهُ وَقِيلَ: بِنَفْسِ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ وَقِيلَ: بِمَحْذُوفٍ هُوَ اذْكُرْ، وَالْحُكْمُ: النُّبُوَّةُ، وَالْعِلْمُ: الْمَعْرِفَةُ بِأَمْرِ الدِّينِ وَقِيلَ: الْحُكْمُ: هُوَ فَصْلُ الْخُصُومَاتِ بِالْحَقِّ وَقِيلَ: هُوَ الْفَهْمُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ الْقَرْيَةُ هِيَ سَدُومُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَعْنَى «تعمل الخبائث» : يعمل أهلها الخبائث، فوصفت الْقَرْيَةَ بِوَصْفِ أَهْلِهَا، وَالْخَبَائِثُ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا هي
ثم قال سبحانه ممتناً على إبراهيم ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾ النافلة : الزيادة، وكان إبراهيم قد سأل الله سبحانه أن يهب له ولداً، فوهب له إسحاق، ثم وهب لإسحاق يعقوب من غير دعاء، فكان ذلك نافلة، أي زيادة ؛ وقيل : المراد بالنافلة هنا : العطية، قاله الزجاج. وقيل : النافلة هنا : ولد الولد، لأنه زيادة على الولد، وانتصاب ﴿ نافلة ﴾ على الحال. قال الفراء : النافلة : يعقوب خاصة، لأنه ولد الولد ﴿ وَكُلاًّ جَعَلْنَا صالحين ﴾ [ الأنبياء : ٧٢ ] أي وكل واحد من هؤلاء الأربعة : إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب، لا بعضهم دون بعض جعلناه صالحاً عاملاً بطاعة الله تاركاً لمعاصيه. وقيل : المراد بالصلاح هنا : النبوّة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبيّ بن كعب في قوله :﴿ إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ قال : الشام. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مالك نحوه. وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : لوط كان ابن أخي إبراهيم. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق ﴾ قال : ولداً ﴿ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾ قال : ابن الابن. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحكم نحوه أيضاً. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق ﴾ قال : أعطيناه ﴿ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾ قال : عطية.
﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾ أي رؤساء يقتدى بهم في الخيرات وأعمال الطاعات، ومعنى ﴿ بأمرنا ﴾ بأمرنا لهم بذلك، أي بما أنزلنا عليهم من الوحي ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخيرات ﴾ أي أن يفعلوا الطاعات. وقيل : المراد بالخيرات : شرائع النبوّات ﴿ وَكَانُوا لَنَا عابدين ﴾ أي كانوا لنا خاصة دون غيرنا مطيعين، فاعلين لما نأمرهم به، تاركين ما ننهاهم عنه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبيّ بن كعب في قوله :﴿ إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ قال : الشام. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مالك نحوه. وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : لوط كان ابن أخي إبراهيم. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق ﴾ قال : ولداً ﴿ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾ قال : ابن الابن. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحكم نحوه أيضاً. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق ﴾ قال : أعطيناه ﴿ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾ قال : عطية.
﴿ وَلُوطاً آتيناه حُكْماً وَعِلْماً ﴾ انتصاب ﴿ لوطاً ﴾ بفعل مضمر دلّ عليه قوله :﴿ آتيناه ﴾ أي وآتينا لوطاً آتيناه ؛ وقيل : بنفس الفعل المذكور بعده ؛ وقيل : بمحذوف هو : اذكر، والحكم : النبوّة. والعلم : المعرفة بأمر الدين. وقيل : الحكم : هو فصل الخصومات بالحق. وقيل : هو الفهم. ﴿ ونجيناه مِنَ القرية التي كَانَت تَعْمَلُ الخبائث ﴾ القرية هي سدوم كما تقدّم، ومعنى ﴿ تعمل الخبائث ﴾ : يعمل أهلها الخبائث، فوصفت القرية بوصف أهلها، والخبائث التي كانوا يعملونها هي اللواطة والضراط وخذف الحصى كما سيأتي، ثم علل سبحانه ذلك بقوله :﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْء فاسقين ﴾ أي خارجين عن طاعة الله. والفسوق : الخروج كما تقدّم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبيّ بن كعب في قوله :﴿ إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ قال : الشام. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مالك نحوه. وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : لوط كان ابن أخي إبراهيم. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق ﴾ قال : ولداً ﴿ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾ قال : ابن الابن. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحكم نحوه أيضاً. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق ﴾ قال : أعطيناه ﴿ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾ قال : عطية.
﴿ وأدخلناه فِي رَحْمَتِنَا ﴾ بإنجائنا إياه من القوم المذكورين، ومعنى في ﴿ رحمتنا ﴾ : في أهل رحمتنا، وقيل : في النبوّة. وقيل : في الإسلام. وقيل : في الجنة ﴿ إِنَّهُ مِنَ الصالحين ﴾ الذين سبقت لهم منّا الحسنى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبيّ بن كعب في قوله :﴿ إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ قال : الشام. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مالك نحوه. وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : لوط كان ابن أخي إبراهيم. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق ﴾ قال : ولداً ﴿ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾ قال : ابن الابن. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحكم نحوه أيضاً. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق ﴾ قال : أعطيناه ﴿ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾ قال : عطية.
﴿ وَنُوحاً إِذْ نادى ﴾ أي واذكر نوحاً إذ نادى ربه ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ أي : من قبل هؤلاء الأنبياء المذكورين ﴿ فاستجبنا لَهُ ﴾ دعاءه ﴿ فنجيناه وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم ﴾ أي من الغرق بالطوفان، والكرب : الغمّ الشديد، والمراد بأهله : المؤمنون منهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبيّ بن كعب في قوله :﴿ إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ قال : الشام. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مالك نحوه. وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : لوط كان ابن أخي إبراهيم. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق ﴾ قال : ولداً ﴿ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾ قال : ابن الابن. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحكم نحوه أيضاً. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق ﴾ قال : أعطيناه ﴿ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾ قال : عطية.
﴿ ونصرناه مِنَ القوم الذين كَذَّبُوا بآياتنا ﴾ أي نصرناه نصراً مستتبعاً للانتقام من القوم المذكورين. وقيل : المعنى منعناه من القوم. وقال أبو عبيدة : من بمعنى على، ثم علل سبحانه ذلك بقوله :﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْء فأغرقناهم أَجْمَعِينَ ﴾ أي لم نترك منهم أحداً، بل أغرقنا كبيرهم وصغيرهم بسبب إصرارهم على الذنب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبيّ بن كعب في قوله :﴿ إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ قال : الشام. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مالك نحوه. وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : لوط كان ابن أخي إبراهيم. وأخرج ابن جرير عنه ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق ﴾ قال : ولداً ﴿ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾ قال : ابن الابن. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحكم نحوه أيضاً. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق ﴾ قال : أعطيناه ﴿ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾ قال : عطية.
اللِّوَاطَةُ وَالضُّرَاطُ وَخَذْفُ الْحَصَى «١» كَمَا سَيَأْتِي، ثُمَّ عَلَّلَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ أَيْ: خَارِجِينَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْفُسُوقُ: الْخُرُوجُ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا بِإِنْجَائِنَا إِيَّاهُ مِنَ الْقَوْمِ الْمَذْكُورِينَ، وَمَعْنَى «فِي رَحْمَتِنَا» : فِي أَهْلِ رَحْمَتِنَا، وَقِيلَ: فِي النُّبُوَّةِ، وَقِيلَ: فِي الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: فِي الْجَنَّةِ إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى وَنُوحاً إِذْ نَادَى أَيْ: وَاذْكُرْ نُوحًا إِذْ نَادَى رَبَّهُ مِنْ قَبْلُ أَيْ: مِنْ قَبْلِ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ الْمَذْكُورِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ دُعَاءَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ أَيْ: مِنَ الْغَرَقِ بِالطُّوفَانِ، وَالْكَرْبُ: الْغَمُّ الشَّدِيدُ، وَالْمُرَادُ بِأَهْلِهِ الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُمْ وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أَيْ: نَصَرْنَاهُ نَصْرًا مُسْتَتْبَعًا لِلِانْتِقَامِ مِنَ الْقَوْمِ الْمَذْكُورِينَ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى: مَنَعْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مِنْ بِمَعْنَى عَلَى. ثُمَّ عَلَّلَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ أَيْ: لَمْ نَتْرُكْ مِنْهُمْ أَحَدًا، بَلْ أَغْرَقْنَا كَبِيرَهُمْ وَصَغِيرَهُمْ بِسَبَبِ إِصْرَارِهِمْ عَلَى الذَّنْبِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ: إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها قَالَ: الشَّامُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لُوطٌ كَانَ ابْنَ أَخِي إِبْرَاهِيمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ قَالَ: وَلَدًا وَيَعْقُوبَ نافِلَةً قَالَ: ابْنُ الِابْنِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَكَمِ نَحْوَهُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عن مُجَاهِدٍ وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ قَالَ: أَعْطَيْنَاهُ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً قال: عطية.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٧٨ الى ٨٨]
وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (٧٩) وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (٨٢)
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤) وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٦) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧)
فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨)
(١). أي: رميها.
492
قَوْلُهُ: وَداوُدَ مَعْطُوفٌ عَلَى «نُوحاً» وَمَعْمُولٌ لِعَامِلِهِ الْمَذْكُورِ، أَوِ الْمُقَدَّرِ كَمَا مَرَّ وَسُلَيْمانَ مَعْطُوفٌ عَلَى دَاوُدَ، وَالظَّرْفُ فِي إِذْ يَحْكُمانِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا عَمِلَ فِي دَاوُدَ، أَيْ: وَاذْكُرْهُمَا وَقْتَ حُكْمِهِمَا، وَالْمُرَادُ مِنْ ذِكْرِهِمَا ذِكْرُ خَبَرِهِمَا. وَمَعْنَى فِي الْحَرْثِ في شأن الحرث، قيل: كَانَ زَرْعًا، وَقِيلَ: كَرْمًا، وَاسْمُ الْحَرْثِ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ أَيْ: تَفَرَّقَتْ وَانْتَشَرَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ:
النَّفَشُ بِالتَّحْرِيكِ أَنْ تَنْتَشِرَ الْغَنَمُ بِاللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ رَاعٍ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ أَيْ: لِحُكْمِ الْحَاكِمَيْنِ، وَفِيهِ جَوَازُ إِطْلَاقِ الْجَمْعِ عَلَى الِاثْنَيْنِ، وَهُوَ مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ كَالزَّمَخْشَرِيِّ وَالرَّضِيِّ، وَتَقَدَّمَهُمَا إِلَى الْقَوْلِ بِهِ الْفَرَّاءُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْحَاكِمَانِ وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى «شَاهِدِينَ» : حَاضِرِينَ، وَالْجُمْلَةُ اعْتِرَاضِيَّةٌ، وَجُمْلَةُ فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى «إِذْ يَحْكُمَانِ» لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَاضِي، وَالضَّمِيرُ فِي «فَفَهَّمْنَاهَا» يَعُودُ إِلَى الْقَضِيَّةِ الْمَفْهُومَةِ مِنَ الْكَلَامِ، أَوِ الْحُكُومَةِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِذِكْرِ الْحُكْمِ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ:
دَخَلَ رَجُلَانِ عَلَى دَاوُدَ، وَعِنْدَهُ ابْنُهُ سُلَيْمَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبُ حَرْثٍ، وَالْآخَرُ صَاحِبُ غَنَمٍ، فَقَالَ صَاحِبُ الْحَرْثِ: إِنَّ هَذَا انْفَلَتَتْ غَنَمُهُ لَيْلًا فَوَقَعَتْ فِي حَرْثِي فَلَمْ تُبْقِ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ: لَكَ رِقَابُ الْغَنَمِ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ:
أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، يَنْطَلِقُ أَصْحَابُ الْكَرْمِ بِالْغَنَمِ فَيُصِيبُونَ مِنْ أَلْبَانِهَا وَمَنَافِعِهَا، وَيَقُومُ أَصْحَابُ الْغَنَمِ عَلَى الْكَرْمِ، حَتَّى إِذَا كَانَ كَلَيْلَةِ نَفَشَتْ فِيهِ دَفَعَ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ غَنَمَهُمْ، وَدَفَعَ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ كَرْمَهُمْ، فَقَالَ دَاوُدُ:
الْقَضَاءُ مَا قَضَيْتَ، وَحَكَمَ بِذَلِكَ. قَالَ النَّحَّاسُ: إِنَّمَا قَضَى دَاوُدُ بِالْغَنَمِ لِصَاحِبِ الْحَرْثِ لِأَنَّ ثَمَنَهَا كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ، وَأَمَّا فِي حُكْمِ سُلَيْمَانَ فَقَدْ قِيلَ: كَانَتْ قِيمَةُ مَا نَالَ مِنَ الْغَنَمِ، وَقِيمَةُ مَا أَفْسَدَتِ الْغَنَمُ، سَوَاءً. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ دَاوُدَ حَكَمَ بِوَحْيٍ، وَحَكَمَ سُلَيْمَانُ بِوَحْيٍ نَسَخَ اللَّهُ بِهِ حُكْمَ دَاوُدَ، فَيَكُونُ التَّفْهِيمُ عَلَى هَذَا بِطْرِيقِ الْوَحْيِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّ حُكْمَهُمَا كَانَ بِاجْتِهَادٍ، وَكَلَامُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي حُكْمِ اجْتِهَادِ الْأَنْبِيَاءِ مَعْرُوفٌ وَهَكَذَا مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَهَلْ كَلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ أَوِ الْحَقُّ مَعَ وَاحِدٍ؟
وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْمُسْتَدِلُّونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ على أنّ كلّ مجتهد مصيب، ولا شك أنها تدل على رفع الإثم عن المخطئ، وأما كون كل واحد منهما مصيبا، فَلَا تَدُلُّ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا غَيْرُهَا، بَلْ صَرَّحَ الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنِ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ، فَسَمَّاهُ النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ مُخْطِئًا، فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّهُ مُصِيبٌ لِحُكْمِ اللَّهِ مُوَافِقٌ لَهُ، فَإِنَّ حُكْمَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَإِلَّا لَزِمَ تَوَقُّفُ حُكْمِهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى اجْتِهَادَاتِ الْمُجْتَهِدِينَ، واللازم باطل فالملزوم مثله. وأيضا يُسْتَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الَّتِي اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ المجتهدين فيها بالحلّ والحرمة حلالا وحراما في حكم الله سبحانه. وهذا اللازم باطل بالإجماع، فالملزوم مثله. وأيضا يلزم أن حكم الله سبحانه لا يزال يتجدد عند وجود كُلُّ مُجْتَهِدٍ لَهُ اجْتِهَادٌ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ، وَلَا يَنْقَطِعُ مَا يُرِيدُهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِيهَا إِلَّا بِانْقِطَاعِ الْمُجْتَهِدِينَ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ. وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِمَا لَا مَزِيدَ عليه في المؤلّف الَّذِي سَمَّيْنَاهُ «الْقَوْلَ الْمُفِيدَ فِي حُكْمِ التَّقْلِيدِ» وَفِي «أَدَبِ الطَّلَبِ وَمُنْتَهَى الْأَرَبِ» فَمَنْ أَحَبَّ الْوُقُوفَ عَلَى تَحْقِيقِ الْحَقِّ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِمَا.
فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا حُكْمُ هَذِهِ الْحَادِثَةِ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا دَاوُدُ وَسُلَيْمَانُ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، وَالْمِلَّةِ
493
الْإِسْلَامِيَّةِ؟ قُلْتُ: قَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَنَّهُ شَرَّعَ لِأُمَّتِهِ أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ حِفْظَهَا بِاللَّيْلِ، وَعَلَى أَصْحَابِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَأَنَّ مَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ مَضْمُونٌ عَلَى أَهْلِهَا، وَهَذَا الضَّمَانُ هُوَ مِقْدَارُ الذَّاهِبِ عَيْنًا أَوْ قِيمَةً. وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى الْعَمَلِ بِمَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْحَدِيثُ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ إِلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَنْسُوخٌ، وَأَنَّ الْبَهَائِمَ إِذَا أَفْسَدَتْ زَرْعًا فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ صَاحِبَهَا شَيْءٌ، وَأَدْخَلُوا فَسَادَهَا فِي عُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» «١» قِيَاسًا لِجَمِيعِ أَفْعَالِهَا عَلَى جُرْحِهَا. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ، لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ، وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ رَبُّ الْمَاشِيَةِ مَا أَفْسَدَتْهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ مِنْ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ كَانَا بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَا بِاجْتِهَادٍ. قَوْلُهُ: وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَنَا بِأَنَّهُ أَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، وَهُمَا إِنْ كَانَا خَاصَّيْنِ فَصِدْقُهُمَا عَلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الَّتِي حَكَاهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُمَا مُقَدَّمٌ عَلَى صِدْقِهِمَا عَلَى غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَا عَامَّيْنِ فَهَذَا الْفَرْدُ مِنَ الْحُكْمِ وَالْعِلْمِ، وَهُوَ مَا وَقَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ أَحَقُّ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْعَامِّ بِدُخُولِهِ تَحْتَهُ وَدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ، وَمِمَّا يستفاد من دَفْعُ مَا عَسَى يُوهِمُهُ تَخْصِيصُ سُلَيْمَانَ بِالتَّفْهِيمِ، مِنْ عَدَمِ كَوْنِ حُكْمِ دَاوُدَ حُكْمًا شَرْعِيًّا، أَيْ: وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعْطَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا كَثِيرًا، لَا سُلَيْمَانَ وَحْدَهُ. وَلَمَّا مَدَحَ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ، ذَكَرَ مَا يَخْتَصُّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَبَدَأَ بِدَاوُدَ فَقَالَ: وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ التَّسْبِيحُ إِمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ، وَقَدْ قَالَ بِالْأَوَّلِ جَمَاعَةٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَذَلِكَ أَنَّ دَاوُدَ كَانَ إِذَا سَبَّحَ سَبَّحَتِ الْجِبَالُ مَعَهُ وَقِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي مَعَهُ إِذَا صَلَّى، وَهُوَ مَعْنَى التَّسْبِيحِ. وَقَالَ بِالْمَجَازِ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ، وَحَمَلُوا التَّسْبِيحَ عَلَى تَسْبِيحِ مَنْ رَآهَا تَعَجُّبًا مِنْ عَظِيمِ خَلْقِهَا وَقُدْرَةِ خَالِقِهَا وَقِيلَ: كَانَتِ الْجِبَالُ تَسِيرُ مَعَ دَاوُدَ، فَكَانَ مَنْ رَآهَا سَائِرَةً مَعَهُ سَبَّحَ. وَالطَّيْرَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْجِبَالِ، وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: وَالطَّيْرُ مُسَخَّرَاتٌ، وَلَا يَصِحُّ الْعَطْفُ عَلَى الضَّمِيرِ فِي «يُسَبِّحْنَ» لِعَدَمِ التَّأْكِيدِ وَالْفَصْلِ.
وَكُنَّا فاعِلِينَ يَعْنِي مَا ذُكِرَ مِنَ التَّفْهِيمِ، وَإِيتَاءِ الْحُكْمِ وَالتَّسْخِيرِ وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ اللَّبُوسُ عِنْدَ الْعَرَبِ السِّلَاحُ كُلُّهُ دِرْعًا كَانَ أَوْ جَوْشَنًا «٢»، أَوْ سَيْفًا، أَوْ رُمْحًا. قَالَ الْهُذَلِيُّ:
وَعِنْدِي لَبُوسٌ فِي اللِّبَاسِ كأنه، إلخ «٣»
......
(١). «العجماء» : الدابة. و «الجبار» : الهدر.
(٢). «الجوشن» : الدرع.
(٣). في تفسير القرطبي (١١/ ٣٢١) : ومعي لبوس للبئيس كأنه.
وعجزه: روق بجبهة ذي نعاج مجفل.
«البئيس» : الشجاع. «الروق» : القرن. «ذو نعاج» : الثور الوحشي.
494
وَالْمُرَادُ فِي الْآيَةِ الدُّرُوعُ خَاصَّةً، وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَلْبُوسِ، كَالرَّكُوبِ وَالْحَلُوبُ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ أَعْنِي «لَكُمْ» متعلّق ب «علّمناه» ليحصنكم مِنْ بَأْسِكُمْ قَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ وَرَوْحٌ «لِتُحْصِنَكُمْ» بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ، بِإِرْجَاعِ الضَّمِيرِ إِلَى الصَّنْعَةِ، أَوْ إِلَى اللَّبُوسِ بِتَأْوِيلِ الدِّرْعِ. وَقَرَأَ شَيْبَةُ وَأَبُو بَكْرٍ وَالْمُفَضَّلُ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ «لِنُحَصِّنَكُمْ» بِالنُّونِ بِإِرْجَاعِ الضَّمِيرِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ بِإِرْجَاعِ الضَّمِيرِ إِلَى اللَّبُوسِ، أَوْ إِلَى دَاوُدَ، أَوْ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ. وَمَعْنَى مِنْ بَأْسِكُمْ مِنْ حَرْبِكُمْ، أَوْ مِنْ وَقْعِ السِّلَاحِ فِيكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ لِهَذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي أَنْعَمْنَا بِهَا عَلَيْكُمْ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا خَصَّ بِهِ سُلَيْمَانَ، فَقَالَ وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ أَيْ: وسخرنا الرِّيحَ عاصِفَةً أَيْ: شَدِيدَةَ الْهُبُوبِ. يُقَالُ: عَصَفَتِ الرِّيحُ، أَيِ: اشْتَدَّتْ، فَهِيَ رِيحٌ عَاصِفٌ وَعَصُوفٌ، وَانْتِصَابُ الرِّيحِ عَلَى الْحَالِ.
وَقَرَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ وَالسُّلَمِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ «وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحُ» بِرَفْعِ الرِّيحِ عَلَى الْقَطْعِ مِمَّا قَبْلَهُ، وَيَكُونُ مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ «تَجْرِي». وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ النَّصْبِ فَيَكُونُ مَحَلُّ تَجْرِي بِأَمْرِهِ النَّصْبَ أَيْضًا عَلَى الْحَالِيَّةِ، أَوْ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَهِيَ أَرْضُ الشَّامِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ أي:
بتدبير كُلِّ شَيْءٍ وَمِنَ الشَّياطِينِ أَيْ: وَسَخَّرْنَا مِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ فِي الْبِحَارِ وَيَسْتَخْرِجُونَ مِنْهَا مَا يَطْلُبُهُ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: إِنَّ «مِنْ» مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَا قَبْلَهُ، وَالْغَوْصُ: النُّزُولُ تَحْتَ الْمَاءِ، يُقَالُ: غَاصَ فِي الْمَاءِ، وَالْغَوَّاصُ: الَّذِي يَغُوصُ فِي الْبَحْرِ عَلَى اللُّؤْلُؤِ. وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ سِوَى ذَلِكَ، وقيل: يراد بِذَلِكَ الْمَحَارِيبَ وَالتَّمَاثِيلَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُسَخِّرُهُمْ فِيهِ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ أَيْ: لِأَعْمَالِهِمْ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: حَافِظِينَ لَهُمْ مِنْ أَنْ يَهْرُبُوا أَوْ يَتَمَنَّعُوا، أَوْ حَفِظْنَاهُمْ مِنْ أَنْ يَخْرُجُوا عَنْ أَمْرِهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: كَانَ يَحْفَظُهُمْ مِنْ أَنْ يُفْسِدُوا مَا عَمِلُوا، وَكَانَ دَأْبُهُمْ أَنْ يُفْسِدُوا بِاللَّيْلِ مَا عَمِلُوا بِالنَّهَارِ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَالْعَامِلُ فِيهِ: إِمَّا الْمَذْكُورُ أَوِ الْمُقَدَّرُ كَمَا مَرَّ، وَالْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ وَهُوَ «إِذْ نَادَى رَبَّهُ» هُوَ الْعَامِلُ فِي أَيْوبَ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ أَيْ: بِأَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ. وَقُرِئَ بِكَسْرِ «إِنِّي».
وَاخْتُلِفَ فِي الضُّرِّ الَّذِي نَزَلَ بِهِ مَاذَا هُوَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ قَامَ لِيُصَلِّيَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّهُوضِ وَقِيلَ: إِنَّهُ أَقَرَّ بِالْعَجْزِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُنَافِيًا لِلصَّبْرِ وَقِيلَ: انْقَطَعَ الْوَحْيُ عَنْهُ أربعين عاما وَقِيلَ: إِنَّ دُودَةً سَقَطَتْ مِنْ لَحْمِهِ فَأَخَذَهَا وَرَدَّهَا فِي مَوْضِعِهَا فَأَكَلَتْ مِنْهُ، فَصَاحَ: مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَقِيلَ: كَانَ الدُّودُ تَنَاوَلَ بَدَنَهُ فَيَصْبِرُ حَتَّى تَنَاوَلَتْ دُودَةٌ قَلْبَهُ وَقِيلَ: إِنَّ ضُرَّهُ قَوْلُ إِبْلِيسَ لِزَوْجَتِهِ اسْجُدِي لِي، فَخَافَ ذَهَابَ إِيمَانِهَا وَقِيلَ:
إِنَّهُ تَقَذَّرَهُ قَوْمُهُ وَقِيلَ: أَرَادَ بِالضُّرِّ الشَّمَاتَةَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَلَمَّا نَادَى رَبَّهُ مُتَضَرِّعًا إِلَيْهِ وَصَفَهُ بِغَايَةِ الرَّحْمَةِ فَقَالَ: وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِاسْتِجَابَتِهِ لِدُعَائِهِ، فَقَالَ: فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ أَيْ: شَفَاهُ اللَّهُ مِمَّا كَانَ بِهِ، وَأَعَاضَهُ بِمَا ذَهَبَ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ: وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ قِيلَ: تَرَكَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ، وَأَعْطَاهُ مِثْلَهُمْ فِي الدُّنْيَا. قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْإِسْنَادُ بِذَلِكَ صَحِيحٌ، وَقَدْ كَانَ مَاتَ أَهْلُهُ جَمِيعًا إِلَّا امْرَأَتَهُ، فَأَحْيَاهُمُ اللَّهُ فِي أَقَلَّ مِنْ طَرْفِ الْبَصَرِ، وَآتَاهُ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ، وَقِيلَ: كَانَ
495
ذَلِكَ بِأَنْ وُلِدَ لَهُ ضِعْفُ الَّذِينَ أَمَاتَهُمُ اللَّهُ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا: آتَيْنَاهُ مِثْلَ أَهْلِهِ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ، وَانْتِصَابُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا عَلَى الْعِلَّةِ، أَيْ: آتَيْنَاهُ ذَلِكَ لِرَحْمَتِنَا لَهُ وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ أَيْ: وَتَذْكِرَةً لِغَيْرِهِ مِنَ الْعَابِدِينَ لِيَصْبِرُوا كَمَا صَبَرَ.
وَاخْتُلِفَ فِي مُدَّةِ إِقَامَتِهِ عَلَى الْبَلَاءِ، فَقِيلَ: سَبْعُ سِنِينَ وَسَبْعَةُ أَشْهُرٍ وَسَبْعَةُ أَيامٍ وَسَبْعُ لَيَالٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ أَيْ: وَاذْكُرْ هَؤُلَاءِ، وَإِدْرِيسَ هُوَ أَخْنُوخُ، وَذَا الْكِفْلِ إِلْيَاسُ، وَقِيلَ: يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَقِيلَ: زَكَرِيَّا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ لَا يَتَوَرَّعُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْمَعَاصِي، فَتَابَ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَقِيلَ: إِنَّ الْيَسَعَ لَمَّا كَبِرَ قَالَ: مَنْ يَتَكَفَّلُ لِي بِكَذَا وَكَذَا مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ حَتَّى أَسْتَخْلِفَهُ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، فَاسْتَخْلَفَهُ وَسُمِّيَ ذَا الْكِفْلِ. وَقِيلَ: كَانَ رَجُلًا يَتَكَفَّلُ بِشَأْنِ كُلِّ إِنْسَانٍ إِذَا وَقَعَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُهِمَّاتِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هُوَ نَبِيٌّ. ثُمَّ وَصَفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَؤُلَاءِ بِالصَّبْرِ فَقَالَ: كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنَ الصَّابِرِينَ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا كَلَّفَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا أَيْ: فِي الْجَنَّةِ، أَوْ فِي النُّبُوَّةِ، أَوْ فِي الْخَيْرِ عَلَى عُمُومِهِ، ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ أَيِ: الْكَامِلِينَ فِي الصَّلَاحِ وَذَا النُّونِ أَيْ: وَاذْكُرْ ذَا النُّونِ، وَهُوَ يُونُسُ بْنُ مَتَّى، وَلُقِّبَ «ذَا النُّونِ» لِابْتِلَاعِ الْحُوتِ لَهُ، فَإِنَّ النُّونَ مِنْ أَسْمَاءِ الْحُوتِ وَقِيلَ: سُمِّيَ «ذَا النُّونِ» لِأَنَّهُ رَأَى صَبِيًّا مَلِيحًا فَقَالَ دَسِّمُوا نُونَتَهُ لِئَلَّا تُصِيبَهُ الْعَيْنُ.
وَحَكَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ نُونَةَ الصَّبِيِّ هِيَ الثُّقْبَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي ذَقَنِ الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ، وَمَعْنَى دَسِّمُوا:
سَوِّدُوا إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً أَيِ: اذْكُرْ ذَا النُّونِ وَقْتَ ذَهَابِهِ مُغَاضِبًا، أي: مراغما. قال الحسن والشعبي وسعيد بْنُ جُبَيْرٍ: ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جرير والقتبي وَالْمَهْدَوِيُّ. وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَرُبَّمَا أَنْكَرَ هَذَا مِنْ لَا يَعْرِفُ اللُّغَةَ، وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ. وَالْمَعْنَى: مُغَاضِبًا مِنْ أَجْلِ رَبِّهِ، كَمَا تَقُولُ غَضِبْتُ لَكَ، أَيْ: مِنْ أَجْلِكَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ. وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمُ الْأَخْفَشُ: إِنَّمَا خَرَجَ مُغَاضِبًا لِلْمَلِكِ الَّذِي كَانَ فِي وَقْتِهِ وَاسْمُهُ حِزْقِيَا وَقِيلَ: لَمْ يُغَاضِبْ رَبَّهُ وَلَا قَوْمَهُ وَلَا الْمَلِكَ، وَلَكِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ غَضِبَ إِذَا أَنِفَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَعَدَ قَوْمَهُ بِالْعَذَابِ وَخَرَجَ عَنْهُمْ تَابُوا وَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، فَلَمَّا رَجَعَ وَعَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يُهْلَكُوا أَنِفَ مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ عَنْهُمْ وَمِنِ اسْتِعْمَالِ الْغَضَبِ فِي هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَأَغْضَبُ أَنْ تُهْجَى تَمِيمٌ بِعَامِرٍ «١» أَيْ: آنَفُ. فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ «نَقْدِرَ» بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الدَّالِ.
وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَقِيلَ: مَعْنَاهَا: أَنَّهُ وَقَعَ فِي ظَنِّهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ عَلَى مُعَاقَبَتِهِ.
وَقَدْ حُكِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنِ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ هَذَا الظَّنَّ بِاللَّهِ كُفْرٌ، ومثل ذلك
(١). في تفسير القرطبي (١١/ ٣٣١) : بدارم.
496
لَا يَقَعُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَعْنَاهَا: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ:
يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ «١» أَيْ: يُضَيِّقُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ يُقَالُ: قَدَرَ وَقَدَّرَ، وَقَتَرَ وَقَتَّرَ أَيْ: ضَيَّقَ وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْقَدَرِ الَّذِي هُوَ الْقَضَاءُ وَالْحُكْمُ أَيْ: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْضِيَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ، وَاخْتَارَهُ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْقَدَرِ وَهُوَ الْحُكْمُ دُونَ الْقُدْرَةِ وَالِاسْتِطَاعَةِ.
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ: هُوَ مِنَ التَّقْدِيرِ لَيْسَ مِنَ الْقُدْرَةِ، يُقَالُ مِنْهُ: قَدَّرَ اللَّهُ لَكَ الْخَيْرَ يُقَدِّرُهُ قَدَرًا، وَأَنْشَدَ ثَعْلَبٌ:
فَلَيْسَتْ عَشِيَّاتُ اللَّوَى بِرَوَاجِعٍ لَنَا أَبَدًا مَا أَبْرَمَ «٢» السَّلْمَ النَّضِرُ
وَلَا عَائِدٌ ذَاكَ الزمان الذي مضى تباركت ما تقدر يقع وذلك «٣» الشُّكْرِ
أَيْ: مَا تُقَدِّرُهُ وَتَقْضِي بِهِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ قِرَاءَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهَرِيِّ «فَظَنَّ أَنْ نُقَدِّرَ» بِضَمِّ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ، مِنَ التَّقْدِيرِ. وَحَكَى هَذِهِ الْقِرَاءَةَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا قِرَاءَةُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَقَتَادَةَ وَالْأَعْرَجِ «أَنْ لَنْ يُقَدَّرَ» بِضَمِّ الْيَاءِ وَالتَّشْدِيدِ مَبْنِيًّا للمفعول، وقرأ يعقوب وعبد الله ابن إِسْحَاقَ وَالْحَسَنُ «يُقْدَرُ» بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ مُخَفَّفًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ لِأَهْلِهِ أَنْ يَحْرِقُوهُ إذا مات، ثم قال: فو الله لَئِنْ قَدَّرَ اللَّهُ عَلَيَّ... الْحَدِيثَ. كَمَا اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا يَطُولُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَاهُنَا مَا لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ النَّاظِرُ إِلَى غَيْرِهِ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَنادى فِي الظُّلُماتِ فَصِيحَةٌ أَيْ: كَانَ مَا كَانَ مِنِ الْتِقَامِ الْحُوتِ لَهُ، فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ، وَالْمُرَادُ بِالظُّلُمَاتِ: ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةُ الْبَحْرِ، وَظُلْمَةُ بَطْنِ الْحُوتِ، وَكَانَ نِدَاؤُهُ: هُوَ قَوْلُهُ: أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ أَيْ:
بِأَنْ لَا إِلَهَ إلّا أنت... إِلَخْ، وَمَعْنَى سُبْحَانَكَ: تَنْزِيهًا لَكَ مِنْ أَنْ يُعْجِزَكَ شَيْءٌ، إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَظْلِمُونَ أَنْفُسَهُمْ قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هَذَا الْقَوْلُ مِنْ يُونُسَ اعْتِرَافٌ بِذَنْبِهِ وَتَوْبَةٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ، قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ اسْتَجَابَ لَهُ فَقَالَ: فَاسْتَجَبْنا لَهُ دُعَاءَهُ الَّذِي دَعَانَا بِهِ فِي ضِمْنِ اعْتِرَافِهِ بِالذَّنْبِ عَلَى أَلْطَفِ وَجْهٍ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ بِإِخْرَاجِنَا لَهُ مَنْ بَطْنِ الْحُوتِ حَتَّى قَذَفَهُ إِلَى السَّاحِلِ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ أَيْ: نُخَلِّصُهُمْ مَنْ هَمِّهِمْ بِمَا سَبَقَ مِنْ علمهم، وَمَا أَعْدَدْنَاهُ لَهُمْ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَهَذَا هُوَ معنى الآية الأخرى، وهي قَوْلُهُ: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ- لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ «٤». قَرَأَ الْجُمْهُورُ نُنَجِّي بِنُونَيْنِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ «نُجِّي» بِنُونٍ وَاحِدَةٍ وَجِيمٍ مُشَدَّدَةٍ وَتَسْكِينُ الْيَاءِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي وَإِضْمَارُ الْمَصْدَرِ، وَكَذَلِكَ نُجِّي النجاء الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا تَقُولُ ضَرَبَ زَيْدًا، أَي: ضَرَبَ
(١). الرعد: ٢٦ وفي غيرها.
(٢). في تفسير القرطبي (١١/ ٣٣٢) : أورق. [.....]
(٣). في تفسير القرطبي (١١/ ٣٣٢) : ولك.
(٤). الصافات: ١٤٣- ١٤٤.
497
الضَّرْبَ زَيْدًا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «١» :
وَلَوْ وَلَدَتْ قفيرة «٢» جِرْوَ كَلْبٍ لَسُبَّ بِذَلِكَ الْجِرْوِ الْكِلَابَا
هَكَذَا قَالَ فِي تَوْجِيهِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عبيد وثعلب، وخطأها أَبُو حَاتِمٍ وَالزَّجَّاجُ وَقَالَا: هِيَ لَحْنٌ لِأَنَّهُ نَصَبَ اسْمَ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ نُجِّيَ الْمُؤْمِنُونَ. وَلِأَبِي عُبَيْدَةَ قَوْلٌ آخَرُ، وهو أنه أدغم النون في الجيم، وبه قال القتبي. وَاعْتَرَضَهُ النَّحَّاسُ فَقَالَ: هَذَا الْقَوْلُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّحْوِيِّينَ لِبُعْدِ مَخْرَجِ النُّونِ مِنْ مَخْرَجِ الْجِيمِ فَلَا يُدْغَمُ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ النَّحَّاسُ: لَمْ أَسْمَعْ فِي هَذَا أَحْسَنَ مِنْ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَخْفَشِ قَالَ: الْأَصْلُ نُنْجِي، فَحُذِفَ إِحْدَى النُّونَيْنِ لاجتماعهما، كما تحذف إِحْدَى التَّاءَيْنِ لِاجْتِمَاعِهِمَا، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَفَرَّقُوا «٣» وَالْأَصْلُ: وَلَا تَتَفَرَّقُوا. قُلْتُ: وَكَذَا الْوَاحِدِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ النُّونَ الثَّانِيَةَ تَخْفَى مَعَ الْجِيمِ، وَلَا يَجُوزُ تَبْيِينِهَا، فَالْتَبَسَ عَلَى السَّامِعِ الْإِخْفَاءُ بِالْإِدْغَامِ، فَظَنَّ أَنَّهُ إِدْغَامٌ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا إِسْكَانُهُ الْيَاءَ مِنْ نَجَّى وَنَصْبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ مَا سَكَّنَ الْيَاءَ وَلَوَجَبَ أَنْ يَرْفَعَ الْمُؤْمِنِينَ. قُلْتُ: وَلَا نُسَلِّمُ قَوْلَهُ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَبْيِينُهَا فَقَدْ بُيِّنَتْ فِي قراءة الجمهور، وقرأ محمد بن السّميقع وأبو العالية وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ: نَجَّى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُرَّةَ فِي قَوْلِهِ: إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ قَالَ: كَانَ الْحَرْثُ نَبْتًا فَنَفَشَتْ فِيهِ لَيْلًا، فَاخْتَصَمُوا فِيهِ إِلَى دَاوُدَ، فَقَضَى بِالْغَنَمِ لِأَصْحَابِ الْحَرْثِ، فَمَرُّوا عَلَى سُلَيْمَانَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: لَا، تُدْفَعُ الْغَنَمُ فَيُصِيبُونَ مِنْهَا، وَيَقُومُ هَؤُلَاءِ عَلَى حَرْثِهِمْ، فَإِذَا كَانَ كَمَا كَانَ رَدُّوا عَلَيْهِمْ، فَنَزَلَتْ فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ قَالَ: كَرْمٌ قَدْ أَنْبَتَتْ عَنَاقِيدُهُ فَأَفْسَدَتْهُ الْغَنَمُ، فَقَضَى دَاوُدُ بِالْغَنَمِ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: غَيْرُ هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ:
وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: يُدْفَعُ الْكَرْمُ إِلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ فَيَقُومُ عَلَيْهِ حَتَّى يَعُودَ كَمَا كَانَ، وَتُدْفَعُ الْغَنَمُ إِلَى صَاحِبِ الْكَرْمِ فَيُصِيبُ مِنْهَا، حَتَّى إِذَا عَادَ الْكَرْمُ كَمَا كَانَ دَفَعْتَ الْكَرْمَ إِلَى صَاحِبِهِ وَالْغَنَمَ إِلَى صَاحِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:
فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْكَرْمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ نَحْوَهُ بِأَطْوَلَ مِنْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا نَفَشَتْ قَالَ: رَعَتْ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ: أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْ فِيهِ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَأَنَّ مَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا. وَقَدْ عُلِّلَ هَذَا الْحَدِيثُ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي «شَرْحِ الْمُنْتَقَى». وَأَخْرَجَ ابْنُ مردويه من حديث عائشة نحوه،
(١). هو جرير.
(٢). أم الفرزدق.
(٣). آل عمران ١٠٣.
498
وَزَادَ فِي آخِرِهِ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ الْآيَةَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَانِ، جَاءَ الذِّئْبُ فأخذ أحد الاثنين، فتحا كما إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا فَدَعَاهُمَا سُلَيْمَانُ فَقَالَ: هَاتُوا السِّكِّينَ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا، فَقَالَتِ الصُّغْرَى: رَحِمَكَ اللَّهُ، هُوَ ابْنُهَا لَا تَشُقَّهُ، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى»، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِيمَا حَكَتْهُ الْآيَةُ مِنْ حُكْمِهِمَا، لَكِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا وَقَعَ لَهُمَا.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ قَالَ: يُصَلِّينَ مَعَ دَاوُدَ إِذَا صَلَّى، وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ قَالَ: كَانَتْ صَفَائِحَ، فَأَوَّلُ مَنْ سَرَدَهَا وحلّقها داود عليه السَّلَامُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ سُلَيْمَانُ يُوضَعُ لَهُ سِتُّمِائَةُ أَلْفِ كُرْسِيِّ، ثُمَّ يَجِيءُ أَشْرَافُ الْإِنْسِ فَيَجْلِسُونَ مِمَّا يَلِيهِ، ثُمَّ يَجِيءُ أَشْرَافُ الْجِنِّ فَيَجْلِسُونَ مِمَّا يَلِي أَشْرَافَ الْإِنْسِ، ثُمَّ يَدْعُو الطَّيْرَ فَتُظِلُّهُمْ، ثُمَّ يَدْعُو الرِّيحَ فَتَحْمِلُهُمْ، تَسِيرُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ فِي الْغَدَاةِ الْوَاحِدَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ وَالدَّيْلَمِيُّ وَابْنُ النَّجَّارِ عَنْ عُقْبَةَ ابن عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللَّهُ لِأَيُّوبَ: تَدْرِي مَا جُرْمَكَ عَلَيَّ حَتَّى ابْتَلَيْتُكَ؟ قَالَ: لَا، يَا رَبِّ، قَالَ: لِأَنَّكَ دَخَلْتَ عَلَى فِرْعَوْنَ فَدَاهَنْتَ عِنْدَهُ فِي كَلِمَتَيْنِ». وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَنْبُ أَيُّوبَ أَنَّهُ اسْتَعَانَ بِهِ مِسْكِينٌ عَلَى ظَالِمٍ يَدْرَؤُهُ فَلَمْ يُعِنْهُ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَمْ يَنْهَ الظَّالِمَ عَنْ ظُلْمِ الْمِسْكِينِ، فَابْتَلَاهُ اللَّهُ. وَفِي إِسْنَادِهِ جُوَيْبِرٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كَانَ لِأَيُّوبَ أَخَوَانِ، جَاءَا يَوْمًا فَلَمْ يَسْتَطِيعَا أَنْ يَدْنُوَا مِنْهُ مِنْ رِيحِهِ، فَقَامَا مِنْ بَعِيدٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: لَوْ كَانَ عَلِمَ اللَّهُ مِنْ أَيُّوبَ خَيْرًا مَا ابْتَلَاهُ بِهَذَا، فَجَزِعَ أَيْوبُ مِنْ قَوْلِهِمَا جَزَعًا لَمْ يَجْزَعْ مِنْ شَيْءٍ قَطُّ مِثْلَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَبِتْ لَيْلَةً قَطُّ شَبْعَانَ، وَأَنَا أَعْلَمُ مَكَانَ جَائِعٍ فَصَدِّقْنِي فَصُدِّقَ مِنَ السَّمَاءِ وَهُمَا يَسْمَعَانِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَلْبَسْ قَمِيصًا قَطُّ وَأَنَا أَعْلَمُ مَكَانَ عَارٍ فَصَدِّقْنِي، فَصُدِّقَ مِنَ السَّمَاءِ وَهُمَا يَسْمَعَانِ، ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا وَقَالَ: اللَّهُمَّ بِعِزَّتِكَ لَا أَرْفَعُ رَأْسِي حَتَّى تَكْشِفَ عَنِّي، فَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى كَشْفَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَرْفُوعًا بِنَحْوِ هَذَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ قَالَ: قِيلَ لَهُ: يَا أَيُّوبُ إِنَّ أَهْلَكَ لَكَ في الجنة، فإن شئت أتيناك بهم، وإن شئت تركناهم لك في الجنة وعوّضناك مثلهم، قال: لا، بل اتركهم لي في الجنة، قال: فتركوا له في الجنة، وعوّض مثله فِي الدُّنْيَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: بَلَغَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ قَالَ: أُوتِيَ أَهْلًا غَيْرَ أَهْلِهِ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: بَلْ أُوتِيَ أَهْلَهُ بِأَعْيَانِهِمْ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالرُّويَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَيُّوبَ لَبِثَ بِهِ بَلَاؤُهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةٍ، فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ
499
وَالْبَعِيدُ إِلَّا رَجُلَيْنِ مِنْ إِخْوَانِهِ كَانَا مِنْ أَخَصِّ إِخْوَانِهِ، كَانَا يَغْدُوَانِ إِلَيْهِ وَيَرُوحَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ ذَاتَ يَوْمٍ: تَعْلَمُ وَاللَّهِ لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا مَا أَذَنَبَهُ أَحَدٌ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: مُنْذُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةٍ لَمْ يَرْحَمْهُ اللَّهُ فَيَكْشِفْ عَنْهُ مَا بِهِ، فَلَمَّا رَاحَا إِلَى أَيُّوبَ لَمْ يَصْبِرِ الرَّجُلُ حَتَّى ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ أَيُّوبُ:
لَا أدري ما تقول غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنِّي أَمُرُّ بِالرَّجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ يَذْكُرَانِ اللَّهَ فَأَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي فَأُكَفِّرُ عَنْهُمَا كَرَاهَةَ أَنْ يُذْكَرَ اللَّهُ إِلَّا فِي حَقٍّ، وَكَانَ يَخْرُجُ لِحَاجَتِهِ فَإِذَا قَضَى حَاجَتَهُ أَمْسَكَتِ امْرَأَتُهُ بِيَدِهِ حَتَّى يَبْلُغَ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَبْطَأَ عَلَيْهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى أَيُّوبَ فِي مَكَانِهِ أَنِ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ فَاسْتَبْطَأَتْهُ فَتَلَقَّتْهُ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهَا قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ مَا بِهِ مِنَ الْبَلَاءِ وَهُوَ أَحْسَنُ مَا كَانَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: أَيْ، بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، هَلْ رَأَيْتَ نَبِيَّ اللَّهِ الْمُبْتَلَى، وَاللَّهِ على ذاك مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشْبَهَ بِهِ مِنْكَ إِذْ كَانَ صَحِيحًا. قَالَ: فَإِنِّي أَنَا هُوَ، قَالَ: وَكَانَ لَهُ أَنْدَرَانِ «١» : أَنْدَرٌ لِلْقَمْحِ، وَأَنْدَرٌ لِلشَّعِيرِ، فَبَعَثَ اللَّهُ سَحَابَتَيْنِ، فَلَمَّا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى أَنْدَرِ الْقَمْحِ أَفْرَغَتْ فِيهِ الذَّهَبَ حَتَّى فَاضَ، وَأَفْرَغَتِ الْأُخْرَى فِي أَنْدَرِ الشَّعِيرِ الْوَرِقَ «٢» حَتَّى فَاضَ».
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَذَا الْكِفْلِ قَالَ: رَجُلٌ صَالِحٌ غَيْرُ نَبِيٍّ تَكَفَّلَ لِنَبِيِّ قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له، وَيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَسُمِّيَ ذَا الْكِفْلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قَاضٍ فَحَضَرَهُ الْمَوْتُ، فَقَالَ: مَنْ يَقُومُ مَقَامِي عَلَى أَنْ لَا يَغْضَبَ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، فَسُمِّيَ ذَا الْكِفْلِ، فَكَانَ لَيْلُهُ جَمِيعًا يُصَلِّي، ثُمَّ يصبح صائما فيقضي بين الناس، وذكر قصة. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: مَا كَانَ ذُو الْكِفْلِ نَبِيًّا، وَلَكِنْ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ صَالِحٌ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ صَلَاةٍ فَتُوُفِّيَ، فَتَكَفَّلَ لَهُ ذُو الْكِفْلِ مِنْ بَعْدِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ صَلَاةٍ، فَسُمِّيَ ذَا الْكِفْلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، مِنْ طَرِيقِ سَعْدٍ مَوْلَى طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ الْكِفْلُ «٣» مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ ارْتَعَدَتْ وَبَكَتْ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ أَكْرَهْتُكِ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنَّهُ عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ قَطُّ، وَمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ إِلَّا الْحَاجَةُ، فَقَالَ: تَفْعَلِينَ أَنْتِ هَذَا وَمَا فَعَلْتِهِ؟! اذْهَبِي فَهِيَ لَكِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَعْصِي اللَّهَ بَعْدَهَا أَبَدًا، فَمَاتَ مِنْ ليلته فأصبح مكتوبا عَلَى بَابِهِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِلْكِفْلِ».
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ سَعْدٍ مَوْلَى طَلْحَةَ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ من
(١). «الأندر» : البيدر.
(٢). أي الفضّة.
(٣). رواه ابن حبان بلفظ (ذو الكفل) برقم (٣٨٧) ورواه الترمذي برقم: (٢٤٩٦) وأحمد برقم (٢/ ٢٣) بلفظ:
(الكفل).
500
وجملة ﴿ ففهمناها سليمان ﴾ معطوفة على ﴿ إذ يحكمان ﴾ لأنه في حكم الماضي، والضمير في ﴿ ففهمناها ﴾، يعود إلى القضية المفهومة من الكلام، أو الحكومة المدلول عليها بذكر الحكم. قال المفسرون : دخل رجلان على داود، وعنده ابنه سليمان، أحدهما : صاحب حرث، والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث : إن هذا انفلتت غنمه ليلاً فوقعت في حرثي فلم تبق منه شيئاً، فقال : لك رقاب الغنم، فقال سليمان : أو غير ذلك، ينطلق أصحاب الكرم بالغنم فيصيبون من ألبانها ومنافعها ويقوم أصحاب الغنم على الكرم حتى إذا كان كليلة نفشت فيه دفع هؤلاء إلى هؤلاء غنمهم، ودفع هؤلاء إلى هؤلاء كرمهم، فقال داود : القضاء ما قضيت، وحكم بذلك. قال النحاس : إنما قضى داود بالغنم لصاحب الحرث لأن ثمنها كانا قريباً منه، وأما في حكم سليمان فقد قيل : كانت قيمة ما نال من الغنم، وقيمة ما أفسدت الغنم سواء. قال جماعة من العلماء : إن داود حكم بوحي، وحكم سليمان بوحي نسخ الله به حكم داود، فيكون التفهيم على هذا بطريق الوحي. وقال الجمهور : إن حكمهما كان باجتهاد، وكلام أهل العلم في حكم اجتهاد الأنبياء معروف، وهكذا ما ذكره أهل العلم في اختلاف المجتهدين، وهل كل مجتهد مصيب، أو الحق مع واحد ؟ وقد استدل المستدلون بهذه الآية على أن كل مجتهد مصيب، ولا شك أنها تدل على رفع الإثم عن المخطئ، وأما كون كل واحد منهما مصيباً، فلا تدلّ عليه هذه الآية ولا غيرها، بل صرّح الحديث المتفق عليه في الصحيحين وغيرهما أن الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر، فسماه النبيّ صلى الله عليه وسلم مخطئاً، فكيف يقال إنه مصيب لحكم الله موافق له، فإن حكم الله سبحانه واحد لا يختلف باختلاف المجتهدين، وإلا لزم توقف حكمه عزّ وجلّ على اجتهادات المجتهدين، واللازم باطل فالملزوم مثله. وأيضاً يستلزم أن تكون العين التي اختلف اجتهاد المجتهدين فيها بالحلّ والحرمة حلالاً حراماً في حكم الله سبحانه. وهذا اللازم باطل بالإجماع، فالملزوم مثله. وأيضاً يلزم أن حكم الله سبحانه لا يزال يتجدد عند وجود كل مجتهد له اجتهاد في تلك الحادثة، ولا ينقطع ما يريده الله سبحانه فيها إلا بانقطاع المجتهدين واللازم باطل فالملزوم مثله. وقد أوضحنا هذه المسألة بما لا مزيد عليه في المؤلف الذي سميناه «القول المفيد في حكم التقليد » وفي «أدب الطلب ومنتهى الأرب » فمن أحبّ الوقوف على تحقيق الحق فليرجع إليهما. فإن قلت : فما حكم هذه الحادثة التي حكم فيها داود وسليمان في هذه الشريعة المحمدية، والملة الإسلامية ؟ قلت : قد ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من حديث البراء أنه شرع لأمته أن على أهل الماشية حفظها بالليل، وعلى أصحاب الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل مضمون على أهلها، وهذا الضمان هو مقدار الذاهب عيناً أو قيمة. وقد ذهب جمهور العلماء إلى العمل بما تضمنه هذا الحديث. وذهب أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من الكوفيين إلى أن هذا الحكم منسوخ، وأن البهائم إذا أفسدت زرعاً في ليل أو نهار أنه لا يلزم صاحبها شيء، وأدخلوا فسادها في عموم قول النبيّ صلى الله عليه وسلم :( جرح العجماء جبار ) قياساً لجميع أفعالها على جرحها. ويجاب عنه بأن هذا القياس فاسد الاعتبار، لأنه في مقابلة النص، ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه يضمن ربّ الماشية ما أفسدته من غير فرق بين الليل والنهار. ويجاب عنه بحديث البراء. ومما يدل على أن هذين الحكمين من داود وسليمان كانا بوحي من الله سبحانه لا باجتهاد. قوله :﴿ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً ﴾ فإن الله سبحانه أخبرنا بأنه أعطى كل واحد منهما هذين الأمرين، وهما إن كانا خاصين فصدقهما على هذه القضية التي حكاها الله سبحانه عنهما مقدّم على صدقهما على غيرها، وإن كانا عامين فهذا الفرد من الحكم والعلم، وهو ما وقع من كل واحد منهما في هذه القضية أحق أفراد ذلك العام بدخوله تحته ودلالته عليه، ومما يستفاد من ذلك دفع ما عسى يوهمه تخصيص سليمان بالتفهيم، من عدم كون حكم داود حكماً شرعياً، أي وكل واحد منهما أعطيناه حكماً وعلماً كثيراً، لا سليمان وحده. ولما مدح داود وسليمان على سبيل الاشتراك، ذكر ما يختص بكل واحد منهما، فبدأ بداود فقال :﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدُ الجبال يُسَبّحْنَ ﴾ التسبيح إما حقيقة أو مجاز، وقد قال بالأوّل جماعة وهو الظاهر. وذلك أن داود كان إذا سبح سبحت الجبال معه. وقيل : إنها كانت تصلي معه إذا صلى، وهو معنى التسبيح. وقال بالمجاز جماعة آخرون وحملوا التسبيح على تسبيح من رآها تعجباً من عظيم خلقها وقدرة خالقها ؛ وقيل : كانت الجبال تسير مع داود، فكان من رآها سائرة معه سبح ﴿ والطير ﴾ معطوف على الجبال، وقرئ بالرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف، أي والطير مسخرات، ولا يصح العطف على الضمير في ﴿ يسبحن ﴾ لعدم التأكيد والفصل ﴿ وَكُنَّا فاعلين ﴾ يعني ما ذكر من التفهيم، وإيتاء الحكم والتسخير.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن مرّة في قوله :﴿ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث ﴾ قال : كان الحرث نبتاً فنفشت فيه ليلاً فاختصموا فيه إلى داود، فقضى بالغنم لأصحاب الحرث، فمرّوا على سليمان فذكروا ذلك له. فقال : لا، تدفع الغنم فيصيبون منها ويقوم هؤلاء على حرثهم، فإذا كان كما كان ردّوا عليهم فنزلت :﴿ ففهمناها سليمان ﴾ وقد روي هذا عن مرّة عن ابن مسعود. وأخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن ابن مسعود في قوله :﴿ وَدَاوُدَ وسليمان إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث ﴾ قال : كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته الغنم، فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان : غير هذا يا نبيّ الله قال : وما ذاك ؟ قال : يدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها، حتى إذا عاد الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه والغنم إلى [ صاحبيها ]، فذلك قوله :﴿ ففهمناها سليمان ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مسروق نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه، ولكنه لم يذكر الكرم. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن جرير وابن المنذر، وابن مردويه عنه نحوه بأطول منه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ نَفَشَتْ ﴾ قال : رعت. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن حرام بن محيصة : أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطاً فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها. وقد علل هذا الحديث، وقد بسطنا الكلام عليه في شرح المنتقي. وأخرج ابن مردويه من حديث عائشة نحوه، وزاد في آخره، ثم تلا هذه الآية ﴿ وَدَاوُدَ وسليمان ﴾ الآية. وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( بينما امرأتان معهما ابنان جاء الذئب فأخذ أحد الابنين، فتحاكما إلى داود فقضى به للكبرى، فخرجتا فدعاهما سليمان فقال : هاتوا السكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى : رحمك الله، هو ابنها لا تشقه، فقضى به للصغرى )، وهذا الحديث وإن لم يكن داخلاً فيما حكته الآية من حكمهما لكنه من جملة ما وقع لهما. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن قتادة في قوله :﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ * دَاوُودُ *الجبال يُسَبّحْنَ والطير ﴾ قال : يصلين مع داود إذا صلى ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ﴾ قال : كانت صفائح، فأوّل من سردها وحلقها داود عليه السلام. وأخرج ابن أبي شيبة، والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كان سليمان يوضع له ستمائة ألف كرسي، ثم يجيء أشراف الإنس فيجلسون مما يليه، ثم يجيء أشراف الجنّ فيجلسون مما يلي أشراف الإنس ثم يدعو الطير فتظلهم، ثم يدعو الريح فتحملهم تسير مسيرة شهر في الغداة الواحدة. وأخرج ابن عساكر، والديلمي، وابن النجار عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قال الله لأيوب : تدري ما جرمك عليّ حتى ابتليتك ؟ قال : لا يا رب، قال : لأنك دخلت على فرعون فداهنت عنده في كلمتين ). وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : إنما كان ذنب أيوب أنه استعان به مسكين على ظالم يدرؤه فلم يعنه، ولم يأمر بالمعروف، ولم ينه الظالم عن ظلم المسكين فابتلاه الله، وفي إسناده جويبر. وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : كان لأيوب أخوان [ جاءا ] يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه، فقاما من بعيد، فقال أحدهما للآخر : لو كان علم الله من أيوب خيراً ما ابتلاه بهذا، فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم يجزع من شيء قط مثله، فقال : اللّهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعان، وأنا أعلم مكان جائع فصدّقني ؛ فصدّق من السماء وهما يسمعان، ثم قال : اللّهم إن كنت تعلم أني لم ألبس قميصاً قط وأنا أعلم مكان عار فصدّقني، فصدّق من السماء وهما يسمعان ثم خرّ ساجداً وقال :( اللّهم بعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني، فما رفع رأسه حتى كشف الله عنه. وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر مرفوعاً بنحو هذا. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾ قال : قيل له : يا أيوب، إن أهلك لك في الجنة، فإن شئت أتيناك بهم، وإن شئت تركناهم لك في الجنة وعوضناك مثلهم، قال : لا، بل اتركهم لي في الجنة، قال : فتركوا له في الجنة وعوّض مثلهم في الدنيا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن الضحاك قال : بلغ ابن مسعود أن مروان قال في هذه الآية :﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾ قال : أوتي أهلاً غير أهله، فقال ابن مسعود : بل أوتي أهله بأعيانهم ومثلهم معهم. وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والروياني وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخصّ إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد. قال : وما ذاك ؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف عنه ما به، فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر له ذلك، فقال أيوب : لا أدري ما يقول غير أن الله يعلم أني أمرّ بالرجلين يتنازعان يذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفّر عنهما كراهة أن يذكر الله إلا في حق، وكان يخرج لحاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن ﴿ اركض بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [ ص : ٤٢ ] فاستبطأته فتلقته وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان، فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك هل رأيت نبيّ الله المبتلى، والله على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً ؟ قال : فإني أنا هو، قال : وكان له أندران : أندر للقمح، وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض. وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض ). وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَذَا الكفل ﴾ قال : رجل صالح غير نبيّ تكفل لنبيّ قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضي بينهم بالعدل، ففعل ذلك، فسمي ذا الكفل. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل قاضٍ فحضره الموت، فقال : من يقوم مقامي على أن لا يغضب ؟ فقال رجل : أنا، فسمي : ذا الكفل، فكان ليله جميعاً يصلي، ثم يصبح صائماً فيقضي بين الناس، وذكر قصة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري قال : ما كان ذو الكفل نبياً، ولكن كان في بني إسرائيل رجل صالح يصلي كلّ يوم مائة صلاة فتوفي، فتكفل له ذو الكفل من بعده، فكان يصلي كل يوم مائة صلاة، فسمي ذا الكفل. وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن حبان والطبراني والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان من طريق سعد مولى طلحة عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :-( كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورّع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرتعدت وبكت، فقال : ما يبكيك : أكرهتك ؟ قالت : لا، ولكنه عمل ما عملته قط، وما حملني عليه إلا الحاجة، فقال : تفعلين أنت هذا وما فعلته، اذهبي فهي لك، وقال : والله لا أعصي الله بعدها أبداً، فمات من ليلته فأصبح مكتوب على بابه : إن الله قد غفر للكفل ). وأخرجه الترمذي وحسنه، والحاكم وابن مردويه من طريق سعد مولى طلحة. وأخرجه ابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمرو قال : فيه ذو الكفل. وأخرج ابن جرير، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ وَذَا النون إِذ ذهَبَ مغاضبا ﴾ يقول : غضب على قومه ﴿ فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ يقول : أن لن نقضي عليه عقوبة ولا بلاء فيما صنع بقومه في غضبه عليهم وفراره، قال : وعقوبته أخذ النون إياه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله :﴿ فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ قال : ظنّ أن لن يأخذه العذاب الذي أصابه. وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن ابن مسعود :﴿ فنادى فِي الظلمات ﴾ قال : ظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر. وأخرج أحمد والترمذي والنسائي، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن سعد بن أبي وقاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له ) وأخرج ابن جرير عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( اسم الله الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متى )، قلت : يا رسول الله، هل ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين ؟ قال :( هي ليونس خاصة وللمؤمنين عامة إذا دعوا به، ألم تسمع قول الله :﴿ وكذلك نُنجِي المؤمنين ﴾ فهو شرط من الله لمن دعاه ) وأخرج الحاكم من حديثه أيضاً نحوه، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى ). وروي أيضاً في الصحيح وغيره من حديث ابن مسعود. وروي أيضاً في الصحيحين من حديث أبي هريرة.
﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ﴾ اللبوس عند العرب : السلاح كله درعاً كان أو جوشناً، أو سيفاً، أو رمحاً. قال الهذلي :
وعندي لبوس في اللباس كأنه ***. . .
والمراد في الآية الدروع خاصة، وهو بمعنى الملبوس، كالركوب والجلوب، والجار والمجرور أعني لكم متعلق بعلمنا ﴿ لِتُحْصِنَكُمْ من بَأْسِكُمْ ﴾ قرأ الحسن وأبو جعفر وابن عامر وحفص وروح ﴿ لتحصنكم ﴾ بالتاء الفوقية، بإرجاع الضمير إلى الصنعة، أو إلى اللبوس بتأويل الدرع. وقرأ شيبة وأبو بكر والمفضل وابن أبي إسحاق «لنحصنكم » بالنون بإرجاع الضمير إليه سبحانه. وقرأ الباقون بالياء بإرجاع الضمير إلى اللبوس، أو إلى داود، أو إلى الله سبحانه. ومعنى ﴿ من بَأْسِكُمْ ﴾ : من حربكم، أو من وقع [ السلاح ] فيكم ﴿ فَهَلْ أَنتُمْ شاكرون ﴾ لهذه النعمة التي أنعمنا بها عليكم، والاستفهام في معنى الأمر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن مرّة في قوله :﴿ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث ﴾ قال : كان الحرث نبتاً فنفشت فيه ليلاً فاختصموا فيه إلى داود، فقضى بالغنم لأصحاب الحرث، فمرّوا على سليمان فذكروا ذلك له. فقال : لا، تدفع الغنم فيصيبون منها ويقوم هؤلاء على حرثهم، فإذا كان كما كان ردّوا عليهم فنزلت :﴿ ففهمناها سليمان ﴾ وقد روي هذا عن مرّة عن ابن مسعود. وأخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن ابن مسعود في قوله :﴿ وَدَاوُدَ وسليمان إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث ﴾ قال : كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته الغنم، فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان : غير هذا يا نبيّ الله قال : وما ذاك ؟ قال : يدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها، حتى إذا عاد الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه والغنم إلى [ صاحبيها ]، فذلك قوله :﴿ ففهمناها سليمان ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مسروق نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه، ولكنه لم يذكر الكرم. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن جرير وابن المنذر، وابن مردويه عنه نحوه بأطول منه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ نَفَشَتْ ﴾ قال : رعت. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن حرام بن محيصة : أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطاً فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها. وقد علل هذا الحديث، وقد بسطنا الكلام عليه في شرح المنتقي. وأخرج ابن مردويه من حديث عائشة نحوه، وزاد في آخره، ثم تلا هذه الآية ﴿ وَدَاوُدَ وسليمان ﴾ الآية. وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( بينما امرأتان معهما ابنان جاء الذئب فأخذ أحد الابنين، فتحاكما إلى داود فقضى به للكبرى، فخرجتا فدعاهما سليمان فقال : هاتوا السكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى : رحمك الله، هو ابنها لا تشقه، فقضى به للصغرى )، وهذا الحديث وإن لم يكن داخلاً فيما حكته الآية من حكمهما لكنه من جملة ما وقع لهما. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن قتادة في قوله :﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ * دَاوُودُ *الجبال يُسَبّحْنَ والطير ﴾ قال : يصلين مع داود إذا صلى ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ﴾ قال : كانت صفائح، فأوّل من سردها وحلقها داود عليه السلام. وأخرج ابن أبي شيبة، والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كان سليمان يوضع له ستمائة ألف كرسي، ثم يجيء أشراف الإنس فيجلسون مما يليه، ثم يجيء أشراف الجنّ فيجلسون مما يلي أشراف الإنس ثم يدعو الطير فتظلهم، ثم يدعو الريح فتحملهم تسير مسيرة شهر في الغداة الواحدة. وأخرج ابن عساكر، والديلمي، وابن النجار عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قال الله لأيوب : تدري ما جرمك عليّ حتى ابتليتك ؟ قال : لا يا رب، قال : لأنك دخلت على فرعون فداهنت عنده في كلمتين ). وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : إنما كان ذنب أيوب أنه استعان به مسكين على ظالم يدرؤه فلم يعنه، ولم يأمر بالمعروف، ولم ينه الظالم عن ظلم المسكين فابتلاه الله، وفي إسناده جويبر. وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : كان لأيوب أخوان [ جاءا ] يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه، فقاما من بعيد، فقال أحدهما للآخر : لو كان علم الله من أيوب خيراً ما ابتلاه بهذا، فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم يجزع من شيء قط مثله، فقال : اللّهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعان، وأنا أعلم مكان جائع فصدّقني ؛ فصدّق من السماء وهما يسمعان، ثم قال : اللّهم إن كنت تعلم أني لم ألبس قميصاً قط وأنا أعلم مكان عار فصدّقني، فصدّق من السماء وهما يسمعان ثم خرّ ساجداً وقال :( اللّهم بعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني، فما رفع رأسه حتى كشف الله عنه. وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر مرفوعاً بنحو هذا. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾ قال : قيل له : يا أيوب، إن أهلك لك في الجنة، فإن شئت أتيناك بهم، وإن شئت تركناهم لك في الجنة وعوضناك مثلهم، قال : لا، بل اتركهم لي في الجنة، قال : فتركوا له في الجنة وعوّض مثلهم في الدنيا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن الضحاك قال : بلغ ابن مسعود أن مروان قال في هذه الآية :﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾ قال : أوتي أهلاً غير أهله، فقال ابن مسعود : بل أوتي أهله بأعيانهم ومثلهم معهم. وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والروياني وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخصّ إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد. قال : وما ذاك ؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف عنه ما به، فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر له ذلك، فقال أيوب : لا أدري ما يقول غير أن الله يعلم أني أمرّ بالرجلين يتنازعان يذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفّر عنهما كراهة أن يذكر الله إلا في حق، وكان يخرج لحاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن ﴿ اركض بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [ ص : ٤٢ ] فاستبطأته فتلقته وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان، فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك هل رأيت نبيّ الله المبتلى، والله على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً ؟ قال : فإني أنا هو، قال : وكان له أندران : أندر للقمح، وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض. وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض ). وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَذَا الكفل ﴾ قال : رجل صالح غير نبيّ تكفل لنبيّ قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضي بينهم بالعدل، ففعل ذلك، فسمي ذا الكفل. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل قاضٍ فحضره الموت، فقال : من يقوم مقامي على أن لا يغضب ؟ فقال رجل : أنا، فسمي : ذا الكفل، فكان ليله جميعاً يصلي، ثم يصبح صائماً فيقضي بين الناس، وذكر قصة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري قال : ما كان ذو الكفل نبياً، ولكن كان في بني إسرائيل رجل صالح يصلي كلّ يوم مائة صلاة فتوفي، فتكفل له ذو الكفل من بعده، فكان يصلي كل يوم مائة صلاة، فسمي ذا الكفل. وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن حبان والطبراني والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان من طريق سعد مولى طلحة عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :-( كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورّع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرتعدت وبكت، فقال : ما يبكيك : أكرهتك ؟ قالت : لا، ولكنه عمل ما عملته قط، وما حملني عليه إلا الحاجة، فقال : تفعلين أنت هذا وما فعلته، اذهبي فهي لك، وقال : والله لا أعصي الله بعدها أبداً، فمات من ليلته فأصبح مكتوب على بابه : إن الله قد غفر للكفل ). وأخرجه الترمذي وحسنه، والحاكم وابن مردويه من طريق سعد مولى طلحة. وأخرجه ابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمرو قال : فيه ذو الكفل. وأخرج ابن جرير، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ وَذَا النون إِذ ذهَبَ مغاضبا ﴾ يقول : غضب على قومه ﴿ فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ يقول : أن لن نقضي عليه عقوبة ولا بلاء فيما صنع بقومه في غضبه عليهم وفراره، قال : وعقوبته أخذ النون إياه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله :﴿ فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ قال : ظنّ أن لن يأخذه العذاب الذي أصابه. وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن ابن مسعود :﴿ فنادى فِي الظلمات ﴾ قال : ظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر. وأخرج أحمد والترمذي والنسائي، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن سعد بن أبي وقاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له ) وأخرج ابن جرير عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( اسم الله الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متى )، قلت : يا رسول الله، هل ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين ؟ قال :( هي ليونس خاصة وللمؤمنين عامة إذا دعوا به، ألم تسمع قول الله :﴿ وكذلك نُنجِي المؤمنين ﴾ فهو شرط من الله لمن دعاه ) وأخرج الحاكم من حديثه أيضاً نحوه، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى ). وروي أيضاً في الصحيح وغيره من حديث ابن مسعود. وروي أيضاً في الصحيحين من حديث أبي هريرة.
ثم ذكر سبحانه ما خص به سليمان. فقال :﴿ ولسليمان الريح ﴾ أي وسخرنا له الريح ﴿ عَاصِفَةً ﴾ أي شديدة الهبوب. يقال : عصفت الريح، أي اشتدت، فهي ريح عاصف وعصوف، وانتصاب ﴿ الريح ﴾ على الحال. وقرأ عبد الرحمن الأعرج والسلمي وأبو بكر ﴿ ولسليمان الريح ﴾ برفع الريح على القطع مما قبله، ويكون مبتدأ وخبره تجري، وأما على قراءة النصب فيكون محل ﴿ تَجْرِي بِأَمْرِهِ ﴾ النصب أيضاً على الحالية، أو على البدلية ﴿ إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ وهي أرض الشام كما تقدّم ﴿ وَكُنَّا بِكُلّ شَيْء عالمين ﴾ أي بتدبير كلّ شيء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن مرّة في قوله :﴿ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث ﴾ قال : كان الحرث نبتاً فنفشت فيه ليلاً فاختصموا فيه إلى داود، فقضى بالغنم لأصحاب الحرث، فمرّوا على سليمان فذكروا ذلك له. فقال : لا، تدفع الغنم فيصيبون منها ويقوم هؤلاء على حرثهم، فإذا كان كما كان ردّوا عليهم فنزلت :﴿ ففهمناها سليمان ﴾ وقد روي هذا عن مرّة عن ابن مسعود. وأخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن ابن مسعود في قوله :﴿ وَدَاوُدَ وسليمان إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث ﴾ قال : كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته الغنم، فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان : غير هذا يا نبيّ الله قال : وما ذاك ؟ قال : يدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها، حتى إذا عاد الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه والغنم إلى [ صاحبيها ]، فذلك قوله :﴿ ففهمناها سليمان ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مسروق نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه، ولكنه لم يذكر الكرم. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن جرير وابن المنذر، وابن مردويه عنه نحوه بأطول منه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ نَفَشَتْ ﴾ قال : رعت. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن حرام بن محيصة : أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطاً فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها. وقد علل هذا الحديث، وقد بسطنا الكلام عليه في شرح المنتقي. وأخرج ابن مردويه من حديث عائشة نحوه، وزاد في آخره، ثم تلا هذه الآية ﴿ وَدَاوُدَ وسليمان ﴾ الآية. وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( بينما امرأتان معهما ابنان جاء الذئب فأخذ أحد الابنين، فتحاكما إلى داود فقضى به للكبرى، فخرجتا فدعاهما سليمان فقال : هاتوا السكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى : رحمك الله، هو ابنها لا تشقه، فقضى به للصغرى )، وهذا الحديث وإن لم يكن داخلاً فيما حكته الآية من حكمهما لكنه من جملة ما وقع لهما. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن قتادة في قوله :﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ * دَاوُودُ *الجبال يُسَبّحْنَ والطير ﴾ قال : يصلين مع داود إذا صلى ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ﴾ قال : كانت صفائح، فأوّل من سردها وحلقها داود عليه السلام. وأخرج ابن أبي شيبة، والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كان سليمان يوضع له ستمائة ألف كرسي، ثم يجيء أشراف الإنس فيجلسون مما يليه، ثم يجيء أشراف الجنّ فيجلسون مما يلي أشراف الإنس ثم يدعو الطير فتظلهم، ثم يدعو الريح فتحملهم تسير مسيرة شهر في الغداة الواحدة. وأخرج ابن عساكر، والديلمي، وابن النجار عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قال الله لأيوب : تدري ما جرمك عليّ حتى ابتليتك ؟ قال : لا يا رب، قال : لأنك دخلت على فرعون فداهنت عنده في كلمتين ). وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : إنما كان ذنب أيوب أنه استعان به مسكين على ظالم يدرؤه فلم يعنه، ولم يأمر بالمعروف، ولم ينه الظالم عن ظلم المسكين فابتلاه الله، وفي إسناده جويبر. وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : كان لأيوب أخوان [ جاءا ] يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه، فقاما من بعيد، فقال أحدهما للآخر : لو كان علم الله من أيوب خيراً ما ابتلاه بهذا، فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم يجزع من شيء قط مثله، فقال : اللّهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعان، وأنا أعلم مكان جائع فصدّقني ؛ فصدّق من السماء وهما يسمعان، ثم قال : اللّهم إن كنت تعلم أني لم ألبس قميصاً قط وأنا أعلم مكان عار فصدّقني، فصدّق من السماء وهما يسمعان ثم خرّ ساجداً وقال :( اللّهم بعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني، فما رفع رأسه حتى كشف الله عنه. وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر مرفوعاً بنحو هذا. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾ قال : قيل له : يا أيوب، إن أهلك لك في الجنة، فإن شئت أتيناك بهم، وإن شئت تركناهم لك في الجنة وعوضناك مثلهم، قال : لا، بل اتركهم لي في الجنة، قال : فتركوا له في الجنة وعوّض مثلهم في الدنيا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن الضحاك قال : بلغ ابن مسعود أن مروان قال في هذه الآية :﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾ قال : أوتي أهلاً غير أهله، فقال ابن مسعود : بل أوتي أهله بأعيانهم ومثلهم معهم. وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والروياني وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخصّ إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد. قال : وما ذاك ؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف عنه ما به، فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر له ذلك، فقال أيوب : لا أدري ما يقول غير أن الله يعلم أني أمرّ بالرجلين يتنازعان يذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفّر عنهما كراهة أن يذكر الله إلا في حق، وكان يخرج لحاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن ﴿ اركض بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [ ص : ٤٢ ] فاستبطأته فتلقته وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان، فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك هل رأيت نبيّ الله المبتلى، والله على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً ؟ قال : فإني أنا هو، قال : وكان له أندران : أندر للقمح، وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض. وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض ). وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَذَا الكفل ﴾ قال : رجل صالح غير نبيّ تكفل لنبيّ قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضي بينهم بالعدل، ففعل ذلك، فسمي ذا الكفل. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل قاضٍ فحضره الموت، فقال : من يقوم مقامي على أن لا يغضب ؟ فقال رجل : أنا، فسمي : ذا الكفل، فكان ليله جميعاً يصلي، ثم يصبح صائماً فيقضي بين الناس، وذكر قصة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري قال : ما كان ذو الكفل نبياً، ولكن كان في بني إسرائيل رجل صالح يصلي كلّ يوم مائة صلاة فتوفي، فتكفل له ذو الكفل من بعده، فكان يصلي كل يوم مائة صلاة، فسمي ذا الكفل. وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن حبان والطبراني والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان من طريق سعد مولى طلحة عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :-( كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورّع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرتعدت وبكت، فقال : ما يبكيك : أكرهتك ؟ قالت : لا، ولكنه عمل ما عملته قط، وما حملني عليه إلا الحاجة، فقال : تفعلين أنت هذا وما فعلته، اذهبي فهي لك، وقال : والله لا أعصي الله بعدها أبداً، فمات من ليلته فأصبح مكتوب على بابه : إن الله قد غفر للكفل ). وأخرجه الترمذي وحسنه، والحاكم وابن مردويه من طريق سعد مولى طلحة. وأخرجه ابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمرو قال : فيه ذو الكفل. وأخرج ابن جرير، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ وَذَا النون إِذ ذهَبَ مغاضبا ﴾ يقول : غضب على قومه ﴿ فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ يقول : أن لن نقضي عليه عقوبة ولا بلاء فيما صنع بقومه في غضبه عليهم وفراره، قال : وعقوبته أخذ النون إياه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله :﴿ فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ قال : ظنّ أن لن يأخذه العذاب الذي أصابه. وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن ابن مسعود :﴿ فنادى فِي الظلمات ﴾ قال : ظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر. وأخرج أحمد والترمذي والنسائي، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن سعد بن أبي وقاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له ) وأخرج ابن جرير عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( اسم الله الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متى )، قلت : يا رسول الله، هل ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين ؟ قال :( هي ليونس خاصة وللمؤمنين عامة إذا دعوا به، ألم تسمع قول الله :﴿ وكذلك نُنجِي المؤمنين ﴾ فهو شرط من الله لمن دعاه ) وأخرج الحاكم من حديثه أيضاً نحوه، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى ). وروي أيضاً في الصحيح وغيره من حديث ابن مسعود. وروي أيضاً في الصحيحين من حديث أبي هريرة.
﴿ وَمِنَ الشياطين ﴾ أي وسخرنا من الشياطين ﴿ مَن يَغُوصُونَ لَهُ ﴾ في البحار ويستخرجون منها ما يطلبه منهم. وقيل : إن «من » مبتدأ وخبره ما قبله، والغوص : النزول تحت الماء، يقال : غاص في الماء، والغوّاص : الذي يغوص في البحر على اللؤلؤ ﴿ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلك ﴾ قال الفراء : أي سوى ذلك، وقيل :[ أراد ] بذلك المحاريب والتماثيل وغير ذلك مما يسخرهم فيه ﴿ وَكُنَّا لَهُمْ حافظين ﴾ أي لأعمالهم. وقال الفراء : حافظين لهم من أن يهربوا أو يتمنعوا، أو حفظناهم من أن يخرجوا عن أمره. قال الزجاج : كان يحفظهم من أن يفسدوا ما عملوا، وكان دأبهم أن يفسدوا بالليل ما عملوا بالنهار.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن مرّة في قوله :﴿ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث ﴾ قال : كان الحرث نبتاً فنفشت فيه ليلاً فاختصموا فيه إلى داود، فقضى بالغنم لأصحاب الحرث، فمرّوا على سليمان فذكروا ذلك له. فقال : لا، تدفع الغنم فيصيبون منها ويقوم هؤلاء على حرثهم، فإذا كان كما كان ردّوا عليهم فنزلت :﴿ ففهمناها سليمان ﴾ وقد روي هذا عن مرّة عن ابن مسعود. وأخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن ابن مسعود في قوله :﴿ وَدَاوُدَ وسليمان إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث ﴾ قال : كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته الغنم، فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان : غير هذا يا نبيّ الله قال : وما ذاك ؟ قال : يدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها، حتى إذا عاد الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه والغنم إلى [ صاحبيها ]، فذلك قوله :﴿ ففهمناها سليمان ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مسروق نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه، ولكنه لم يذكر الكرم. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن جرير وابن المنذر، وابن مردويه عنه نحوه بأطول منه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ نَفَشَتْ ﴾ قال : رعت. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن حرام بن محيصة : أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطاً فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها. وقد علل هذا الحديث، وقد بسطنا الكلام عليه في شرح المنتقي. وأخرج ابن مردويه من حديث عائشة نحوه، وزاد في آخره، ثم تلا هذه الآية ﴿ وَدَاوُدَ وسليمان ﴾ الآية. وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( بينما امرأتان معهما ابنان جاء الذئب فأخذ أحد الابنين، فتحاكما إلى داود فقضى به للكبرى، فخرجتا فدعاهما سليمان فقال : هاتوا السكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى : رحمك الله، هو ابنها لا تشقه، فقضى به للصغرى )، وهذا الحديث وإن لم يكن داخلاً فيما حكته الآية من حكمهما لكنه من جملة ما وقع لهما. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن قتادة في قوله :﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ * دَاوُودُ *الجبال يُسَبّحْنَ والطير ﴾ قال : يصلين مع داود إذا صلى ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ﴾ قال : كانت صفائح، فأوّل من سردها وحلقها داود عليه السلام. وأخرج ابن أبي شيبة، والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كان سليمان يوضع له ستمائة ألف كرسي، ثم يجيء أشراف الإنس فيجلسون مما يليه، ثم يجيء أشراف الجنّ فيجلسون مما يلي أشراف الإنس ثم يدعو الطير فتظلهم، ثم يدعو الريح فتحملهم تسير مسيرة شهر في الغداة الواحدة. وأخرج ابن عساكر، والديلمي، وابن النجار عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قال الله لأيوب : تدري ما جرمك عليّ حتى ابتليتك ؟ قال : لا يا رب، قال : لأنك دخلت على فرعون فداهنت عنده في كلمتين ). وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : إنما كان ذنب أيوب أنه استعان به مسكين على ظالم يدرؤه فلم يعنه، ولم يأمر بالمعروف، ولم ينه الظالم عن ظلم المسكين فابتلاه الله، وفي إسناده جويبر. وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : كان لأيوب أخوان [ جاءا ] يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه، فقاما من بعيد، فقال أحدهما للآخر : لو كان علم الله من أيوب خيراً ما ابتلاه بهذا، فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم يجزع من شيء قط مثله، فقال : اللّهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعان، وأنا أعلم مكان جائع فصدّقني ؛ فصدّق من السماء وهما يسمعان، ثم قال : اللّهم إن كنت تعلم أني لم ألبس قميصاً قط وأنا أعلم مكان عار فصدّقني، فصدّق من السماء وهما يسمعان ثم خرّ ساجداً وقال :( اللّهم بعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني، فما رفع رأسه حتى كشف الله عنه. وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر مرفوعاً بنحو هذا. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾ قال : قيل له : يا أيوب، إن أهلك لك في الجنة، فإن شئت أتيناك بهم، وإن شئت تركناهم لك في الجنة وعوضناك مثلهم، قال : لا، بل اتركهم لي في الجنة، قال : فتركوا له في الجنة وعوّض مثلهم في الدنيا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن الضحاك قال : بلغ ابن مسعود أن مروان قال في هذه الآية :﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾ قال : أوتي أهلاً غير أهله، فقال ابن مسعود : بل أوتي أهله بأعيانهم ومثلهم معهم. وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والروياني وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخصّ إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد. قال : وما ذاك ؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف عنه ما به، فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر له ذلك، فقال أيوب : لا أدري ما يقول غير أن الله يعلم أني أمرّ بالرجلين يتنازعان يذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفّر عنهما كراهة أن يذكر الله إلا في حق، وكان يخرج لحاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن ﴿ اركض بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [ ص : ٤٢ ] فاستبطأته فتلقته وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان، فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك هل رأيت نبيّ الله المبتلى، والله على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً ؟ قال : فإني أنا هو، قال : وكان له أندران : أندر للقمح، وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض. وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض ). وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَذَا الكفل ﴾ قال : رجل صالح غير نبيّ تكفل لنبيّ قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضي بينهم بالعدل، ففعل ذلك، فسمي ذا الكفل. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل قاضٍ فحضره الموت، فقال : من يقوم مقامي على أن لا يغضب ؟ فقال رجل : أنا، فسمي : ذا الكفل، فكان ليله جميعاً يصلي، ثم يصبح صائماً فيقضي بين الناس، وذكر قصة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري قال : ما كان ذو الكفل نبياً، ولكن كان في بني إسرائيل رجل صالح يصلي كلّ يوم مائة صلاة فتوفي، فتكفل له ذو الكفل من بعده، فكان يصلي كل يوم مائة صلاة، فسمي ذا الكفل. وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن حبان والطبراني والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان من طريق سعد مولى طلحة عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :-( كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورّع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرتعدت وبكت، فقال : ما يبكيك : أكرهتك ؟ قالت : لا، ولكنه عمل ما عملته قط، وما حملني عليه إلا الحاجة، فقال : تفعلين أنت هذا وما فعلته، اذهبي فهي لك، وقال : والله لا أعصي الله بعدها أبداً، فمات من ليلته فأصبح مكتوب على بابه : إن الله قد غفر للكفل ). وأخرجه الترمذي وحسنه، والحاكم وابن مردويه من طريق سعد مولى طلحة. وأخرجه ابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمرو قال : فيه ذو الكفل. وأخرج ابن جرير، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ وَذَا النون إِذ ذهَبَ مغاضبا ﴾ يقول : غضب على قومه ﴿ فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ يقول : أن لن نقضي عليه عقوبة ولا بلاء فيما صنع بقومه في غضبه عليهم وفراره، قال : وعقوبته أخذ النون إياه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله :﴿ فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ قال : ظنّ أن لن يأخذه العذاب الذي أصابه. وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن ابن مسعود :﴿ فنادى فِي الظلمات ﴾ قال : ظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر. وأخرج أحمد والترمذي والنسائي، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن سعد بن أبي وقاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له ) وأخرج ابن جرير عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( اسم الله الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متى )، قلت : يا رسول الله، هل ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين ؟ قال :( هي ليونس خاصة وللمؤمنين عامة إذا دعوا به، ألم تسمع قول الله :﴿ وكذلك نُنجِي المؤمنين ﴾ فهو شرط من الله لمن دعاه ) وأخرج الحاكم من حديثه أيضاً نحوه، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى ). وروي أيضاً في الصحيح وغيره من حديث ابن مسعود. وروي أيضاً في الصحيحين من حديث أبي هريرة.
﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ ﴾ معطوف على ما قبله، والعامل فيه : إما المذكور أو المقدّر كما مرّ، والعامل في الظرف وهو ﴿ إذ نادى ربه ﴾ هو العامل في أيوب ﴿ أَنّي مَسَّنِيَ الضر ﴾ أي بأني مسني الضرّ. وقرئ بكسر «إني ».
واختلف في الضرّ الذي نزل به ماذا هو ؟ فقيل : إنه قام ليصلي فلم يقدر على النهوض. وقيل : إنه أقرّ بالعجز، فلا يكون ذلك منافياً للصبر. وقيل : انقطع الوحي عنه أربعين يوماً. وقيل : إن دودة سقطت من لحمه، فأخذها وردّها في موضعها فأكلت منه، فصاح : مسني الضرّ ؛ وقيل : كان الدود تناول بدنه فيصبر حتى تناولت دودة قلبه. وقيل : إن ضرّه قول إبليس لزوجته : اسجدي لي، فخاف ذهاب إيمانها، وقيل : إنه تقذره قومه. وقيل : أراد بالضرّ الشماتة، وقيل : غير ذلك. ولما نادى ربه متضرّعاً إليه وصفه بغاية الرحمة فقال :﴿ وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين ﴾.
سورة الأنبياء
وهي مكية، قال القرطبي في قول الجميع
وهي مائة واثنتا عشرة آية
وأخرج البخاري وغيره عن ابن مسعود قال : بنو إسرائيل والكهف ومريم والأنبياء هن من العتاق الأول، هن من تلادي. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن عامر بن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب، فأكرم عامر مثواه، وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه الرجل فقال : إني استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وادياً ما في العرب واد أفضل منه، وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك، فقال عامر : لا حاجة لي في قطعتك، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا.
فأخبر الله سبحانه باستجابته لدعائه فقال :﴿ فاستجبنا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ ﴾ أي شفاه الله مما كان به وأعاضه بما ذهب عليه، ولهذا قال سبحانه :﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾ قيل : تركهم الله عزّ وجلّ له، وأعطاه مثلهم في الدنيا. قال النحاس : والإسناد بذلك صحيح، وقد كان مات أهله جميعاً إلا امرأته، فأحياهم الله في أقلّ من طرف البصر، وآتاه مثلهم معهم. وقيل : كان ذلك بأن ولد له ضعف الذين أماتهم الله، فيكون معنى الآية على هذا : آتيناه مثل أهله ومثلهم معهم، وانتصاب ﴿ رَحْمَةً منْ عِندِنَا ﴾ على العلة أي آتيناه ذلك لرحمتنا له ﴿ وذكرى للعابدين ﴾ أي وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كما صبر.
واختلف في مدّة إقامته على البلاء : فقيل : سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ليال. وقيل : ثلاثين سنة. وقيل : ثماني عشرة سنة.
﴿ وإسماعيل وَإِدْرِيسَ وَذَا الكفل ﴾ أي واذكر هؤلاء، وإدريس هو أخنوخ، وذا الكفل : إلياس. وقيل : يوشع بن نون. وقيل : زكريا. والصحيح أنه رجل من بني إسرائيل كان لا يتورّع عن شيء من المعاصي، فتاب فغفر الله له. وقيل : إن اليسع لما كبر قال : من يتكفل لي بكذا وكذا من خصال الخير حتى أستخلفه ؟ فقال رجل : أنا، فاستخلفه وسمي ذا الكفل. وقيل : كان رجلاً يتكفل بشأن كل إنسان إذا وقع في شيء من المهمات، وقيل غير ذلك. وقد ذهب الجمهور إلى أنه ليس بنبيّ. وقال جماعة : هو نبيّ. ثم وصف الله سبحانه هؤلاء بالصبر فقال :﴿ كُلٌّ منَ الصابرين ﴾ أي كل واحد من هؤلاء من الصابرين على القيام بما كلفهم الله به.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن مرّة في قوله :﴿ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث ﴾ قال : كان الحرث نبتاً فنفشت فيه ليلاً فاختصموا فيه إلى داود، فقضى بالغنم لأصحاب الحرث، فمرّوا على سليمان فذكروا ذلك له. فقال : لا، تدفع الغنم فيصيبون منها ويقوم هؤلاء على حرثهم، فإذا كان كما كان ردّوا عليهم فنزلت :﴿ ففهمناها سليمان ﴾ وقد روي هذا عن مرّة عن ابن مسعود. وأخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن ابن مسعود في قوله :﴿ وَدَاوُدَ وسليمان إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث ﴾ قال : كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته الغنم، فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان : غير هذا يا نبيّ الله قال : وما ذاك ؟ قال : يدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها، حتى إذا عاد الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه والغنم إلى [ صاحبيها ]، فذلك قوله :﴿ ففهمناها سليمان ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مسروق نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه، ولكنه لم يذكر الكرم. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن جرير وابن المنذر، وابن مردويه عنه نحوه بأطول منه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ نَفَشَتْ ﴾ قال : رعت. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن حرام بن محيصة : أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطاً فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها. وقد علل هذا الحديث، وقد بسطنا الكلام عليه في شرح المنتقي. وأخرج ابن مردويه من حديث عائشة نحوه، وزاد في آخره، ثم تلا هذه الآية ﴿ وَدَاوُدَ وسليمان ﴾ الآية. وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( بينما امرأتان معهما ابنان جاء الذئب فأخذ أحد الابنين، فتحاكما إلى داود فقضى به للكبرى، فخرجتا فدعاهما سليمان فقال : هاتوا السكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى : رحمك الله، هو ابنها لا تشقه، فقضى به للصغرى )، وهذا الحديث وإن لم يكن داخلاً فيما حكته الآية من حكمهما لكنه من جملة ما وقع لهما. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن قتادة في قوله :﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ * دَاوُودُ *الجبال يُسَبّحْنَ والطير ﴾ قال : يصلين مع داود إذا صلى ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ﴾ قال : كانت صفائح، فأوّل من سردها وحلقها داود عليه السلام. وأخرج ابن أبي شيبة، والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كان سليمان يوضع له ستمائة ألف كرسي، ثم يجيء أشراف الإنس فيجلسون مما يليه، ثم يجيء أشراف الجنّ فيجلسون مما يلي أشراف الإنس ثم يدعو الطير فتظلهم، ثم يدعو الريح فتحملهم تسير مسيرة شهر في الغداة الواحدة. وأخرج ابن عساكر، والديلمي، وابن النجار عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قال الله لأيوب : تدري ما جرمك عليّ حتى ابتليتك ؟ قال : لا يا رب، قال : لأنك دخلت على فرعون فداهنت عنده في كلمتين ). وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : إنما كان ذنب أيوب أنه استعان به مسكين على ظالم يدرؤه فلم يعنه، ولم يأمر بالمعروف، ولم ينه الظالم عن ظلم المسكين فابتلاه الله، وفي إسناده جويبر. وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : كان لأيوب أخوان [ جاءا ] يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه، فقاما من بعيد، فقال أحدهما للآخر : لو كان علم الله من أيوب خيراً ما ابتلاه بهذا، فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم يجزع من شيء قط مثله، فقال : اللّهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعان، وأنا أعلم مكان جائع فصدّقني ؛ فصدّق من السماء وهما يسمعان، ثم قال : اللّهم إن كنت تعلم أني لم ألبس قميصاً قط وأنا أعلم مكان عار فصدّقني، فصدّق من السماء وهما يسمعان ثم خرّ ساجداً وقال :( اللّهم بعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني، فما رفع رأسه حتى كشف الله عنه. وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر مرفوعاً بنحو هذا. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾ قال : قيل له : يا أيوب، إن أهلك لك في الجنة، فإن شئت أتيناك بهم، وإن شئت تركناهم لك في الجنة وعوضناك مثلهم، قال : لا، بل اتركهم لي في الجنة، قال : فتركوا له في الجنة وعوّض مثلهم في الدنيا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن الضحاك قال : بلغ ابن مسعود أن مروان قال في هذه الآية :﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾ قال : أوتي أهلاً غير أهله، فقال ابن مسعود : بل أوتي أهله بأعيانهم ومثلهم معهم. وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والروياني وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخصّ إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد. قال : وما ذاك ؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف عنه ما به، فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر له ذلك، فقال أيوب : لا أدري ما يقول غير أن الله يعلم أني أمرّ بالرجلين يتنازعان يذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفّر عنهما كراهة أن يذكر الله إلا في حق، وكان يخرج لحاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن ﴿ اركض بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [ ص : ٤٢ ] فاستبطأته فتلقته وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان، فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك هل رأيت نبيّ الله المبتلى، والله على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً ؟ قال : فإني أنا هو، قال : وكان له أندران : أندر للقمح، وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض. وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض ). وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَذَا الكفل ﴾ قال : رجل صالح غير نبيّ تكفل لنبيّ قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضي بينهم بالعدل، ففعل ذلك، فسمي ذا الكفل. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل قاضٍ فحضره الموت، فقال : من يقوم مقامي على أن لا يغضب ؟ فقال رجل : أنا، فسمي : ذا الكفل، فكان ليله جميعاً يصلي، ثم يصبح صائماً فيقضي بين الناس، وذكر قصة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري قال : ما كان ذو الكفل نبياً، ولكن كان في بني إسرائيل رجل صالح يصلي كلّ يوم مائة صلاة فتوفي، فتكفل له ذو الكفل من بعده، فكان يصلي كل يوم مائة صلاة، فسمي ذا الكفل. وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن حبان والطبراني والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان من طريق سعد مولى طلحة عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :-( كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورّع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرتعدت وبكت، فقال : ما يبكيك : أكرهتك ؟ قالت : لا، ولكنه عمل ما عملته قط، وما حملني عليه إلا الحاجة، فقال : تفعلين أنت هذا وما فعلته، اذهبي فهي لك، وقال : والله لا أعصي الله بعدها أبداً، فمات من ليلته فأصبح مكتوب على بابه : إن الله قد غفر للكفل ). وأخرجه الترمذي وحسنه، والحاكم وابن مردويه من طريق سعد مولى طلحة. وأخرجه ابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمرو قال : فيه ذو الكفل. وأخرج ابن جرير، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ وَذَا النون إِذ ذهَبَ مغاضبا ﴾ يقول : غضب على قومه ﴿ فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ يقول : أن لن نقضي عليه عقوبة ولا بلاء فيما صنع بقومه في غضبه عليهم وفراره، قال : وعقوبته أخذ النون إياه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله :﴿ فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ قال : ظنّ أن لن يأخذه العذاب الذي أصابه. وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن ابن مسعود :﴿ فنادى فِي الظلمات ﴾ قال : ظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر. وأخرج أحمد والترمذي والنسائي، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن سعد بن أبي وقاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له ) وأخرج ابن جرير عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( اسم الله الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متى )، قلت : يا رسول الله، هل ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين ؟ قال :( هي ليونس خاصة وللمؤمنين عامة إذا دعوا به، ألم تسمع قول الله :﴿ وكذلك نُنجِي المؤمنين ﴾ فهو شرط من الله لمن دعاه ) وأخرج الحاكم من حديثه أيضاً نحوه، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى ). وروي أيضاً في الصحيح وغيره من حديث ابن مسعود. وروي أيضاً في الصحيحين من حديث أبي هريرة.
﴿ وأدخلناهم فِي رَحْمَتِنَا ﴾ أي في الجنة، أو في النبوّة، أو في الجير على عمومه، ثم علل ذلك بقوله :﴿ إِنَّهُمْ منَ الصالحين ﴾ أي : الكاملين في الصلاح.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن مرّة في قوله :﴿ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث ﴾ قال : كان الحرث نبتاً فنفشت فيه ليلاً فاختصموا فيه إلى داود، فقضى بالغنم لأصحاب الحرث، فمرّوا على سليمان فذكروا ذلك له. فقال : لا، تدفع الغنم فيصيبون منها ويقوم هؤلاء على حرثهم، فإذا كان كما كان ردّوا عليهم فنزلت :﴿ ففهمناها سليمان ﴾ وقد روي هذا عن مرّة عن ابن مسعود. وأخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن ابن مسعود في قوله :﴿ وَدَاوُدَ وسليمان إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث ﴾ قال : كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته الغنم، فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان : غير هذا يا نبيّ الله قال : وما ذاك ؟ قال : يدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها، حتى إذا عاد الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه والغنم إلى [ صاحبيها ]، فذلك قوله :﴿ ففهمناها سليمان ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مسروق نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه، ولكنه لم يذكر الكرم. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن جرير وابن المنذر، وابن مردويه عنه نحوه بأطول منه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ نَفَشَتْ ﴾ قال : رعت. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن حرام بن محيصة : أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطاً فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها. وقد علل هذا الحديث، وقد بسطنا الكلام عليه في شرح المنتقي. وأخرج ابن مردويه من حديث عائشة نحوه، وزاد في آخره، ثم تلا هذه الآية ﴿ وَدَاوُدَ وسليمان ﴾ الآية. وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( بينما امرأتان معهما ابنان جاء الذئب فأخذ أحد الابنين، فتحاكما إلى داود فقضى به للكبرى، فخرجتا فدعاهما سليمان فقال : هاتوا السكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى : رحمك الله، هو ابنها لا تشقه، فقضى به للصغرى )، وهذا الحديث وإن لم يكن داخلاً فيما حكته الآية من حكمهما لكنه من جملة ما وقع لهما. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن قتادة في قوله :﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ * دَاوُودُ *الجبال يُسَبّحْنَ والطير ﴾ قال : يصلين مع داود إذا صلى ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ﴾ قال : كانت صفائح، فأوّل من سردها وحلقها داود عليه السلام. وأخرج ابن أبي شيبة، والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كان سليمان يوضع له ستمائة ألف كرسي، ثم يجيء أشراف الإنس فيجلسون مما يليه، ثم يجيء أشراف الجنّ فيجلسون مما يلي أشراف الإنس ثم يدعو الطير فتظلهم، ثم يدعو الريح فتحملهم تسير مسيرة شهر في الغداة الواحدة. وأخرج ابن عساكر، والديلمي، وابن النجار عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قال الله لأيوب : تدري ما جرمك عليّ حتى ابتليتك ؟ قال : لا يا رب، قال : لأنك دخلت على فرعون فداهنت عنده في كلمتين ). وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : إنما كان ذنب أيوب أنه استعان به مسكين على ظالم يدرؤه فلم يعنه، ولم يأمر بالمعروف، ولم ينه الظالم عن ظلم المسكين فابتلاه الله، وفي إسناده جويبر. وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : كان لأيوب أخوان [ جاءا ] يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه، فقاما من بعيد، فقال أحدهما للآخر : لو كان علم الله من أيوب خيراً ما ابتلاه بهذا، فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم يجزع من شيء قط مثله، فقال : اللّهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعان، وأنا أعلم مكان جائع فصدّقني ؛ فصدّق من السماء وهما يسمعان، ثم قال : اللّهم إن كنت تعلم أني لم ألبس قميصاً قط وأنا أعلم مكان عار فصدّقني، فصدّق من السماء وهما يسمعان ثم خرّ ساجداً وقال :( اللّهم بعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني، فما رفع رأسه حتى كشف الله عنه. وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر مرفوعاً بنحو هذا. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾ قال : قيل له : يا أيوب، إن أهلك لك في الجنة، فإن شئت أتيناك بهم، وإن شئت تركناهم لك في الجنة وعوضناك مثلهم، قال : لا، بل اتركهم لي في الجنة، قال : فتركوا له في الجنة وعوّض مثلهم في الدنيا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن الضحاك قال : بلغ ابن مسعود أن مروان قال في هذه الآية :﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾ قال : أوتي أهلاً غير أهله، فقال ابن مسعود : بل أوتي أهله بأعيانهم ومثلهم معهم. وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والروياني وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخصّ إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد. قال : وما ذاك ؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف عنه ما به، فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر له ذلك، فقال أيوب : لا أدري ما يقول غير أن الله يعلم أني أمرّ بالرجلين يتنازعان يذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفّر عنهما كراهة أن يذكر الله إلا في حق، وكان يخرج لحاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن ﴿ اركض بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [ ص : ٤٢ ] فاستبطأته فتلقته وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان، فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك هل رأيت نبيّ الله المبتلى، والله على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً ؟ قال : فإني أنا هو، قال : وكان له أندران : أندر للقمح، وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض. وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض ). وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَذَا الكفل ﴾ قال : رجل صالح غير نبيّ تكفل لنبيّ قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضي بينهم بالعدل، ففعل ذلك، فسمي ذا الكفل. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل قاضٍ فحضره الموت، فقال : من يقوم مقامي على أن لا يغضب ؟ فقال رجل : أنا، فسمي : ذا الكفل، فكان ليله جميعاً يصلي، ثم يصبح صائماً فيقضي بين الناس، وذكر قصة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري قال : ما كان ذو الكفل نبياً، ولكن كان في بني إسرائيل رجل صالح يصلي كلّ يوم مائة صلاة فتوفي، فتكفل له ذو الكفل من بعده، فكان يصلي كل يوم مائة صلاة، فسمي ذا الكفل. وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن حبان والطبراني والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان من طريق سعد مولى طلحة عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :-( كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورّع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرتعدت وبكت، فقال : ما يبكيك : أكرهتك ؟ قالت : لا، ولكنه عمل ما عملته قط، وما حملني عليه إلا الحاجة، فقال : تفعلين أنت هذا وما فعلته، اذهبي فهي لك، وقال : والله لا أعصي الله بعدها أبداً، فمات من ليلته فأصبح مكتوب على بابه : إن الله قد غفر للكفل ). وأخرجه الترمذي وحسنه، والحاكم وابن مردويه من طريق سعد مولى طلحة. وأخرجه ابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمرو قال : فيه ذو الكفل. وأخرج ابن جرير، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ وَذَا النون إِذ ذهَبَ مغاضبا ﴾ يقول : غضب على قومه ﴿ فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ يقول : أن لن نقضي عليه عقوبة ولا بلاء فيما صنع بقومه في غضبه عليهم وفراره، قال : وعقوبته أخذ النون إياه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله :﴿ فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ قال : ظنّ أن لن يأخذه العذاب الذي أصابه. وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن ابن مسعود :﴿ فنادى فِي الظلمات ﴾ قال : ظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر. وأخرج أحمد والترمذي والنسائي، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن سعد بن أبي وقاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له ) وأخرج ابن جرير عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( اسم الله الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متى )، قلت : يا رسول الله، هل ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين ؟ قال :( هي ليونس خاصة وللمؤمنين عامة إذا دعوا به، ألم تسمع قول الله :﴿ وكذلك نُنجِي المؤمنين ﴾ فهو شرط من الله لمن دعاه ) وأخرج الحاكم من حديثه أيضاً نحوه، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى ). وروي أيضاً في الصحيح وغيره من حديث ابن مسعود. وروي أيضاً في الصحيحين من حديث أبي هريرة.
﴿ وَذَا النون ﴾ أي واذكر ذا النون، وهو يونس بن متى، ولقب ذا النون لابتلاع الحوت له. فإن النون من أسماء الحوت، وقيل : سمي ذا النون لأنه رأى صبياً مليحاً فقال : دسموا نونته، لئلا تصيبه العين. وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي أن نونة الصبيّ هي الثقبة التي تكون في ذقن الصبي الصغير، ومعنى دسموا سوّدوا ﴿ إِذ ذَهَبَ مغاضبا ﴾ أي اذكر ذا النون وقت ذهابه مغاضباً، أي مراغماً. قال الحسن والشعبي وسعيد بن جبير : ذهب مغاضباً لربه، واختاره ابن جرير والقتيبي والمهدوي. وحكى عن ابن مسعود : قال النحاس : وربما أنكر هذا من لا يعرف اللغة، وهو قول صحيح. والمعنى : مغاضباً من أجل ربه، كما تقول غضبت لك، أي من أجلك. وقال الضحاك : ذهب مغاضباً لقومه، وحكي عن ابن عباس. وقالت فرقة منهم الأخفش : إنما خرج مغاضباً للملك الذي كان في وقته واسمه حزقيا وقيل : لم يغاضب ربه ولا قومه ولا الملك، ولكنه مأخوذ من غضب إذا أنف، وذلك أنه لما وعد قومه بالعذاب وخرج عنهم تابوا وكشف الله عنهم العذاب فلما رجع وعلم أنهم لم يهلكوا أنف من ذلك فخرج عنهم، ومن استعمال الغضب في هذا المعنى قول الشاعر :
وأغضب أن تهجى تميم بعامر ***. . .
أي آنف ﴿ فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ قرأ الجمهور ﴿ نقدر ﴾ بفتح النون وكسر الدال. واختلف في معنى الآية على هذه القراءة. فقيل : معناها : أنه وقع في ظنه أن الله تعالى لا يقدر على معاقبته. وقد حكي هذا القول عن الحسن وسعيد بن جبير، وهو قول مردود، فإن هذا الظنّ بالله كفر، ومثل ذلك لا يقع من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وذهب جمهور العلماء أن معناها : فظنّ أن لن نضيق عليه، كقوله :﴿ يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ ﴾ [ الشورى : ١٢ ]، أي يضيق، ومنه قوله :﴿ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ﴾ [ الطلاق : ٧ ]. يقال : وقَدَر وقُدِر وقَتَر وقُتِر، أي ضيق. وقيل : هو من القدر الذي هو القضاء والحكم، أي فظنّ أن لن نقضي عليه العقوبة، قاله قتادة ومجاهد، واختاره الفراء والزجاج، مأخوذ من القدر وهو الحكم دون القدرة والاستطاعة. قال أحمد بن يحيى ثعلب : هو من التقدير ليس من القدرة، يقال منه : قدّر الله لك الخير يقدره قدراً، وأنشد ثعلب :
فليست عشيات اللوى برواجع *** لنا أبداً ما أروق السلم النضر
ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى *** تباركت ما تقدر مع ذلك الشكر
أي ما تقدره وتقضي به، ومما يؤيد ما قاله هؤلاء قراءة عمر بن عبد العزيز والزهري :«فظنّ أن لن نقدّر » بضم النون وتشديد الدال من التقدير. وحكى هذه القراءة الماوردي عن ابن عباس، ويؤيد ذلك أيضاً قراءة عبيد بن عمير وقتادة والأعرج :«أن لن يقدّر » بضم الياء والتشديد مبنياً للمفعول، وقرأ يعقوب وعبد الله بن أبي إسحاق والحسن :«يقدر » بضم الياء وفتح الدال مخففاً مبنياً للمفعول.
وقد اختلف العلماء في تأويل الحديث الصحيح في قول الرجل الذي لم يعمل خيراً قط لأهله أن يحرقوه إذا مات، ثم قال : فوالله لئن قدّر الله عليّ، الحديث كما اختلفوا في تأويل هذه الآية، والكلام في هذا يطول وقد ذكرنا ها هنا ما لا يحتاج معه الناظر إلى غيره. والفاء في قوله :﴿ فنادى فِي الظلمات ﴾ فصيحة أي كان ما كان من التقام الحوت له، فنادى في الظلمات، والمراد بالظلمات : ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، وكان نداؤه : هو قوله :﴿ أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سبحانك إِنّي كُنتُ مِنَ الظالمين ﴾ أي بأن لا إله إلا أنت. . . إلخ، ومعنى ﴿ سبحانك ﴾ تنزيهاً لك من أن يعجزك شيء، إني كنت من الظالمين الذين يظلمون أنفسهم، قال الحسن وقتادة : هذا القول من يونس اعتراف بذنبه وتوبة من خطيئته، قال ذلك وهو في بطن الحوت.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن مرّة في قوله :﴿ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث ﴾ قال : كان الحرث نبتاً فنفشت فيه ليلاً فاختصموا فيه إلى داود، فقضى بالغنم لأصحاب الحرث، فمرّوا على سليمان فذكروا ذلك له. فقال : لا، تدفع الغنم فيصيبون منها ويقوم هؤلاء على حرثهم، فإذا كان كما كان ردّوا عليهم فنزلت :﴿ ففهمناها سليمان ﴾ وقد روي هذا عن مرّة عن ابن مسعود. وأخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن ابن مسعود في قوله :﴿ وَدَاوُدَ وسليمان إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث ﴾ قال : كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته الغنم، فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان : غير هذا يا نبيّ الله قال : وما ذاك ؟ قال : يدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها، حتى إذا عاد الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه والغنم إلى [ صاحبيها ]، فذلك قوله :﴿ ففهمناها سليمان ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مسروق نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه، ولكنه لم يذكر الكرم. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن جرير وابن المنذر، وابن مردويه عنه نحوه بأطول منه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ نَفَشَتْ ﴾ قال : رعت. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن حرام بن محيصة : أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطاً فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها. وقد علل هذا الحديث، وقد بسطنا الكلام عليه في شرح المنتقي. وأخرج ابن مردويه من حديث عائشة نحوه، وزاد في آخره، ثم تلا هذه الآية ﴿ وَدَاوُدَ وسليمان ﴾ الآية. وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( بينما امرأتان معهما ابنان جاء الذئب فأخذ أحد الابنين، فتحاكما إلى داود فقضى به للكبرى، فخرجتا فدعاهما سليمان فقال : هاتوا السكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى : رحمك الله، هو ابنها لا تشقه، فقضى به للصغرى )، وهذا الحديث وإن لم يكن داخلاً فيما حكته الآية من حكمهما لكنه من جملة ما وقع لهما. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن قتادة في قوله :﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ * دَاوُودُ *الجبال يُسَبّحْنَ والطير ﴾ قال : يصلين مع داود إذا صلى ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ﴾ قال : كانت صفائح، فأوّل من سردها وحلقها داود عليه السلام. وأخرج ابن أبي شيبة، والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كان سليمان يوضع له ستمائة ألف كرسي، ثم يجيء أشراف الإنس فيجلسون مما يليه، ثم يجيء أشراف الجنّ فيجلسون مما يلي أشراف الإنس ثم يدعو الطير فتظلهم، ثم يدعو الريح فتحملهم تسير مسيرة شهر في الغداة الواحدة. وأخرج ابن عساكر، والديلمي، وابن النجار عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قال الله لأيوب : تدري ما جرمك عليّ حتى ابتليتك ؟ قال : لا يا رب، قال : لأنك دخلت على فرعون فداهنت عنده في كلمتين ). وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : إنما كان ذنب أيوب أنه استعان به مسكين على ظالم يدرؤه فلم يعنه، ولم يأمر بالمعروف، ولم ينه الظالم عن ظلم المسكين فابتلاه الله، وفي إسناده جويبر. وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : كان لأيوب أخوان [ جاءا ] يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه، فقاما من بعيد، فقال أحدهما للآخر : لو كان علم الله من أيوب خيراً ما ابتلاه بهذا، فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم يجزع من شيء قط مثله، فقال : اللّهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعان، وأنا أعلم مكان جائع فصدّقني ؛ فصدّق من السماء وهما يسمعان، ثم قال : اللّهم إن كنت تعلم أني لم ألبس قميصاً قط وأنا أعلم مكان عار فصدّقني، فصدّق من السماء وهما يسمعان ثم خرّ ساجداً وقال :( اللّهم بعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني، فما رفع رأسه حتى كشف الله عنه. وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر مرفوعاً بنحو هذا. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾ قال : قيل له : يا أيوب، إن أهلك لك في الجنة، فإن شئت أتيناك بهم، وإن شئت تركناهم لك في الجنة وعوضناك مثلهم، قال : لا، بل اتركهم لي في الجنة، قال : فتركوا له في الجنة وعوّض مثلهم في الدنيا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن الضحاك قال : بلغ ابن مسعود أن مروان قال في هذه الآية :﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾ قال : أوتي أهلاً غير أهله، فقال ابن مسعود : بل أوتي أهله بأعيانهم ومثلهم معهم. وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والروياني وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخصّ إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد. قال : وما ذاك ؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف عنه ما به، فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر له ذلك، فقال أيوب : لا أدري ما يقول غير أن الله يعلم أني أمرّ بالرجلين يتنازعان يذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفّر عنهما كراهة أن يذكر الله إلا في حق، وكان يخرج لحاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن ﴿ اركض بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [ ص : ٤٢ ] فاستبطأته فتلقته وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان، فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك هل رأيت نبيّ الله المبتلى، والله على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً ؟ قال : فإني أنا هو، قال : وكان له أندران : أندر للقمح، وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض. وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض ). وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَذَا الكفل ﴾ قال : رجل صالح غير نبيّ تكفل لنبيّ قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضي بينهم بالعدل، ففعل ذلك، فسمي ذا الكفل. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل قاضٍ فحضره الموت، فقال : من يقوم مقامي على أن لا يغضب ؟ فقال رجل : أنا، فسمي : ذا الكفل، فكان ليله جميعاً يصلي، ثم يصبح صائماً فيقضي بين الناس، وذكر قصة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري قال : ما كان ذو الكفل نبياً، ولكن كان في بني إسرائيل رجل صالح يصلي كلّ يوم مائة صلاة فتوفي، فتكفل له ذو الكفل من بعده، فكان يصلي كل يوم مائة صلاة، فسمي ذا الكفل. وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن حبان والطبراني والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان من طريق سعد مولى طلحة عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :-( كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورّع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرتعدت وبكت، فقال : ما يبكيك : أكرهتك ؟ قالت : لا، ولكنه عمل ما عملته قط، وما حملني عليه إلا الحاجة، فقال : تفعلين أنت هذا وما فعلته، اذهبي فهي لك، وقال : والله لا أعصي الله بعدها أبداً، فمات من ليلته فأصبح مكتوب على بابه : إن الله قد غفر للكفل ). وأخرجه الترمذي وحسنه، والحاكم وابن مردويه من طريق سعد مولى طلحة. وأخرجه ابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمرو قال : فيه ذو الكفل. وأخرج ابن جرير، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ وَذَا النون إِذ ذهَبَ مغاضبا ﴾ يقول : غضب على قومه ﴿ فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ يقول : أن لن نقضي عليه عقوبة ولا بلاء فيما صنع بقومه في غضبه عليهم وفراره، قال : وعقوبته أخذ النون إياه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله :﴿ فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ قال : ظنّ أن لن يأخذه العذاب الذي أصابه. وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن ابن مسعود :﴿ فنادى فِي الظلمات ﴾ قال : ظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر. وأخرج أحمد والترمذي والنسائي، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن سعد بن أبي وقاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له ) وأخرج ابن جرير عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( اسم الله الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متى )، قلت : يا رسول الله، هل ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين ؟ قال :( هي ليونس خاصة وللمؤمنين عامة إذا دعوا به، ألم تسمع قول الله :﴿ وكذلك نُنجِي المؤمنين ﴾ فهو شرط من الله لمن دعاه ) وأخرج الحاكم من حديثه أيضاً نحوه، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى ). وروي أيضاً في الصحيح وغيره من حديث ابن مسعود. وروي أيضاً في الصحيحين من حديث أبي هريرة.
ثم أخبر الله سبحانه بأنه استجاب له فقال :﴿ فاستجبنا لَهُ ﴾ دعاءه الذي دعانا به في ضمن اعترافه بالذنب على ألطف وجه ﴿ ونجيناه مِنَ الغم ﴾ بإخراجنا له من بطن الحوت حتى قذفه إلى الساحل ﴿ وكذلك نُنجِي المؤمنين ﴾ أي نخلصهم من همهم بما سبق من عملهم وما أعددناه لهم من الرحمة، وهذا هو معنى الآية الأخرى، وهي قوله :﴿ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [ الصافات : ١٤٣، ١٤٤ ] قرأ الجمهور :«ننجي » بنونين. وقرأ ابن عامر «نُجّي » بنون واحدة وجيم مشدّدة وتسكين الياء على الفعل الماضي وإضمار المصدر، أي وكذلك نُجّي النجاءُ المؤمنين كما تقول : ضُرب زيداً، أي ضُرب الضربُ زيداً، ومنه قول الشاعر :
ولو ولدت فَقيرة جرو كلب لسبّ بذلك الجرو الكلابا
هكذا قال في توجيه هذه القراءة الفرّاء وأبو عبيد وثعلب، وخطأها أبو حاتم والزجاج وقالا : هي لحن لأنه نصب اسم ما لم يسمّ فاعله، وإنما يقال : نجي المؤمنون. ولأبي عبيدة قول آخر، وهو أنه أدغم النون في الجيم وبه قال القتيبي. واعترضه النحاس فقال : هذا القول لا يجوز عند أحد من النحويين لبعد مخرج النون من مخرج الجيم فلا يدغم فيها، ثم قال النحاس : لم أسمع في هذا أحسن من شيء سمعته من عليّ بن سليمان الأخفش قال : الأصل : ننجي، فحذف إحدى النونين لاجتماعهما كما يحذف إحدى التاءين لاجتماعهما نحو قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَفَرَّقُوا ﴾ [ آل عمران : ١٠٣ ]. والأصل : ولا تتفرّقوا. قلت : وكذا الواحدي عن أبي عليّ الفارسي أنه قال : إن النون الثانية تخفى مع الجيم، ولا يجوز تبيينها، فالتبس على السامع الإخفاء بالإدغام، فظن أنه إدغام، ويدلّ على هذا إسكانه الياء من نجي ونصب المؤمنين، ولو كان على ما لم يسم فاعله ما سكن الياء ولوجب أن يرفع المؤمنين. قلت : ولا نسلم قوله : إنه لا يجوز تبيينها فقد بينت في قراءة الجمهور، وقرأ محمد بن السميفع وأبو العالية «وكذلك نجى المؤمنين » على البناء للفاعل، أي نجى الله المؤمنين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن مرّة في قوله :﴿ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث ﴾ قال : كان الحرث نبتاً فنفشت فيه ليلاً فاختصموا فيه إلى داود، فقضى بالغنم لأصحاب الحرث، فمرّوا على سليمان فذكروا ذلك له. فقال : لا، تدفع الغنم فيصيبون منها ويقوم هؤلاء على حرثهم، فإذا كان كما كان ردّوا عليهم فنزلت :﴿ ففهمناها سليمان ﴾ وقد روي هذا عن مرّة عن ابن مسعود. وأخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن ابن مسعود في قوله :﴿ وَدَاوُدَ وسليمان إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث ﴾ قال : كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته الغنم، فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان : غير هذا يا نبيّ الله قال : وما ذاك ؟ قال : يدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها، حتى إذا عاد الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه والغنم إلى [ صاحبيها ]، فذلك قوله :﴿ ففهمناها سليمان ﴾. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مسروق نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه، ولكنه لم يذكر الكرم. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن جرير وابن المنذر، وابن مردويه عنه نحوه بأطول منه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً ﴿ نَفَشَتْ ﴾ قال : رعت. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن حرام بن محيصة : أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطاً فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها. وقد علل هذا الحديث، وقد بسطنا الكلام عليه في شرح المنتقي. وأخرج ابن مردويه من حديث عائشة نحوه، وزاد في آخره، ثم تلا هذه الآية ﴿ وَدَاوُدَ وسليمان ﴾ الآية. وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( بينما امرأتان معهما ابنان جاء الذئب فأخذ أحد الابنين، فتحاكما إلى داود فقضى به للكبرى، فخرجتا فدعاهما سليمان فقال : هاتوا السكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى : رحمك الله، هو ابنها لا تشقه، فقضى به للصغرى )، وهذا الحديث وإن لم يكن داخلاً فيما حكته الآية من حكمهما لكنه من جملة ما وقع لهما. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن قتادة في قوله :﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ * دَاوُودُ *الجبال يُسَبّحْنَ والطير ﴾ قال : يصلين مع داود إذا صلى ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ﴾ قال : كانت صفائح، فأوّل من سردها وحلقها داود عليه السلام. وأخرج ابن أبي شيبة، والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كان سليمان يوضع له ستمائة ألف كرسي، ثم يجيء أشراف الإنس فيجلسون مما يليه، ثم يجيء أشراف الجنّ فيجلسون مما يلي أشراف الإنس ثم يدعو الطير فتظلهم، ثم يدعو الريح فتحملهم تسير مسيرة شهر في الغداة الواحدة. وأخرج ابن عساكر، والديلمي، وابن النجار عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قال الله لأيوب : تدري ما جرمك عليّ حتى ابتليتك ؟ قال : لا يا رب، قال : لأنك دخلت على فرعون فداهنت عنده في كلمتين ). وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : إنما كان ذنب أيوب أنه استعان به مسكين على ظالم يدرؤه فلم يعنه، ولم يأمر بالمعروف، ولم ينه الظالم عن ظلم المسكين فابتلاه الله، وفي إسناده جويبر. وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : كان لأيوب أخوان [ جاءا ] يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه، فقاما من بعيد، فقال أحدهما للآخر : لو كان علم الله من أيوب خيراً ما ابتلاه بهذا، فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم يجزع من شيء قط مثله، فقال : اللّهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعان، وأنا أعلم مكان جائع فصدّقني ؛ فصدّق من السماء وهما يسمعان، ثم قال : اللّهم إن كنت تعلم أني لم ألبس قميصاً قط وأنا أعلم مكان عار فصدّقني، فصدّق من السماء وهما يسمعان ثم خرّ ساجداً وقال :( اللّهم بعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني، فما رفع رأسه حتى كشف الله عنه. وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر مرفوعاً بنحو هذا. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾ قال : قيل له : يا أيوب، إن أهلك لك في الجنة، فإن شئت أتيناك بهم، وإن شئت تركناهم لك في الجنة وعوضناك مثلهم، قال : لا، بل اتركهم لي في الجنة، قال : فتركوا له في الجنة وعوّض مثلهم في الدنيا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن الضحاك قال : بلغ ابن مسعود أن مروان قال في هذه الآية :﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾ قال : أوتي أهلاً غير أهله، فقال ابن مسعود : بل أوتي أهله بأعيانهم ومثلهم معهم. وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والروياني وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخصّ إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد. قال : وما ذاك ؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف عنه ما به، فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر له ذلك، فقال أيوب : لا أدري ما يقول غير أن الله يعلم أني أمرّ بالرجلين يتنازعان يذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفّر عنهما كراهة أن يذكر الله إلا في حق، وكان يخرج لحاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن ﴿ اركض بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [ ص : ٤٢ ] فاستبطأته فتلقته وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان، فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك هل رأيت نبيّ الله المبتلى، والله على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً ؟ قال : فإني أنا هو، قال : وكان له أندران : أندر للقمح، وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض. وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض ). وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَذَا الكفل ﴾ قال : رجل صالح غير نبيّ تكفل لنبيّ قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضي بينهم بالعدل، ففعل ذلك، فسمي ذا الكفل. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل قاضٍ فحضره الموت، فقال : من يقوم مقامي على أن لا يغضب ؟ فقال رجل : أنا، فسمي : ذا الكفل، فكان ليله جميعاً يصلي، ثم يصبح صائماً فيقضي بين الناس، وذكر قصة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري قال : ما كان ذو الكفل نبياً، ولكن كان في بني إسرائيل رجل صالح يصلي كلّ يوم مائة صلاة فتوفي، فتكفل له ذو الكفل من بعده، فكان يصلي كل يوم مائة صلاة، فسمي ذا الكفل. وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن حبان والطبراني والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان من طريق سعد مولى طلحة عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :-( كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورّع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرتعدت وبكت، فقال : ما يبكيك : أكرهتك ؟ قالت : لا، ولكنه عمل ما عملته قط، وما حملني عليه إلا الحاجة، فقال : تفعلين أنت هذا وما فعلته، اذهبي فهي لك، وقال : والله لا أعصي الله بعدها أبداً، فمات من ليلته فأصبح مكتوب على بابه : إن الله قد غفر للكفل ). وأخرجه الترمذي وحسنه، والحاكم وابن مردويه من طريق سعد مولى طلحة. وأخرجه ابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمرو قال : فيه ذو الكفل. وأخرج ابن جرير، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ وَذَا النون إِذ ذهَبَ مغاضبا ﴾ يقول : غضب على قومه ﴿ فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ يقول : أن لن نقضي عليه عقوبة ولا بلاء فيما صنع بقومه في غضبه عليهم وفراره، قال : وعقوبته أخذ النون إياه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله :﴿ فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ قال : ظنّ أن لن يأخذه العذاب الذي أصابه. وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن ابن مسعود :﴿ فنادى فِي الظلمات ﴾ قال : ظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر. وأخرج أحمد والترمذي والنسائي، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن سعد بن أبي وقاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له ) وأخرج ابن جرير عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( اسم الله الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متى )، قلت : يا رسول الله، هل ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين ؟ قال :( هي ليونس خاصة وللمؤمنين عامة إذا دعوا به، ألم تسمع قول الله :﴿ وكذلك نُنجِي المؤمنين ﴾ فهو شرط من الله لمن دعاه ) وأخرج الحاكم من حديثه أيضاً نحوه، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى ). وروي أيضاً في الصحيح وغيره من حديث ابن مسعود. وروي أيضاً في الصحيحين من حديث أبي هريرة.
طَرِيقِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو قَالَ: فِيهِ ذُو الْكِفْلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً يَقُولُ: غَضِبَ عَلَى قَوْمِهِ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ يَقُولُ: أَنْ لَنْ نَقْضِيَ عَلَيْهِ عُقُوبَةً وَلَا بَلَاءً فِيمَا صَنَعَ بِقَوْمِهِ فِي غَضَبِهِ عَلَيْهِمْ وَفِرَارِهِ، قَالَ: وَعُقُوبَتُهُ أَخَذُ النُّونِ «١» إِيَّاهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ قَالَ: ظَنَّ أَنْ لَنْ يَأْخُذَهُ الْعَذَابُ الَّذِي أَصَابَهُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَنادى فِي الظُّلُماتِ قَالَ: ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةُ بَطْنِ الْحُوتِ، وَظُلْمَةُ الْبَحْرِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَالْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ، وَالْبَزَّارُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ هُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ رَبَّهُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ». وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«اسْمَ اللَّهِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى: دَعْوَةُ يُونُسَ بْنِ مَتَّى، قَلَّتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لِيُونُسَ خَاصَّةً أَمْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: هِيَ لِيُونُسَ خَاصَّةً وَلِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً إِذَا دَعَوْا بِهِ، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللَّهِ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ شَرْطٌ مِنَ اللَّهِ لِمَنْ دَعَاهُ». وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا نَحْوَهُ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خير من يونس بن مَتَّى». وَرُوِيَ أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرُوِيَ أَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ من حديث أبي هريرة.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٨٩ الى ٩٧]
وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (٩٠) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (٩١) إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣)
فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (٩٤) وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (٩٥) حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (٩٧)
قَوْلُهُ: وَزَكَرِيَّا أَيْ: وَاذْكُرْ خَبَرَ زَكَرِيَّا وَقْتَ نِدَائِهِ لِرَبِّهِ قَالَ: رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً أَيْ:
مُنْفَرِدًا وَحِيدًا لَا وَلَدَ لِي. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي آلِ عِمْرَانَ. وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ أي:
(١). أي الحوت.
501
خَيْرُ مَنْ يَبْقَى بَعْدَ كُلِّ مَنْ يَمُوتُ، فَأَنْتَ حَسْبِي إِنْ لَمْ تَرْزُقْنِي وَلَدًا، فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ لَا تُضَيِّعُ دِينَكَ، وَأَنَّهُ سَيَقُومُ بِذَلِكَ مِنْ عِبَادِكَ مَنْ تَخْتَارُهُ لَهُ وَتَرْتَضِيهِ لِلتَّبْلِيغِ فَاسْتَجَبْنا لَهُ دُعَاءَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى. وَقَدْ تَقَدَّمَ مُسْتَوْفًى فِي سُورَةِ مَرْيَمَ. وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ، قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهَا كَانَتْ عَاقِرًا فَجَعَلَهَا اللَّهُ وَلُودًا، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِإِصْلَاحِ زَوْجِهِ وَقِيلَ: كَانَتْ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ، فَجَعَلَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ حَسَنَةَ الْخُلُقِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ إِرَادَةِ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، وَذَلِكَ بِأَنْ يُصْلِحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ذَاتَهَا، فَتَكُونُ وَلُودًا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ عَاقِرًا، وَيُصْلِحُ أَخْلَاقَهَا، فَتَكُونُ أَخْلَاقُهَا مَرْضِيَّةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْضِيَّةٍ. وَجُمْلَةُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ لِلتَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهَا مِنْ إِحْسَانِهِ سُبْحَانَهُ إِلَى أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَالضَّمِيرُ الْمَذْكُورُ رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ، وَقِيلَ:
هُوَ رَاجِعٌ إِلَى زَكَرِيَّا وَامْرَأَتِهِ وَيَحْيَى. ثُمَّ وَصَفَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدْعُونَهُ رَغَباً وَرَهَباً أَيْ:
يَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ فِي حَالِ الرَّخَاءِ وَحَالِ الشِّدَّةِ، وَقِيلَ: الرَّغْبَةُ: رَفْعُ بُطُونِ الْأَكُفِّ إِلَى السَّمَاءِ، وَالرَّهْبَةُ رَفْعُ ظُهُورِهَا. وَانْتِصَابُ رَغَبًا وَرَهَبًا عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ، أَيْ: يَرْغَبُونَ رَغَبًا وَيَرْهَبُونَ رَهَبًا، أَوْ عَلَى الْعِلَّةِ، أَيْ: لِلرَّغَبِ وَالرَّهَبِ، أَوْ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: رَاغِبِينَ وَرَاهِبِينَ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ وَيَدْعُونَا بِنُونٍ وَاحِدَةٍ، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ بِضَمِّ الرَّاءِ فِيهِمَا وَإِسْكَانِ مَا بَعْدَهُ، وَقَرَأَ ابْنُ وثّاب بفتح الراء فيهما مع إسكان ما بعده، ورويت هذه القراءة عن أبي عمرو، وقرأ الباقون بفتح الراء وَفَتْحِ مَا بَعْدَهُ فِيهِمَا. وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ أَيْ: مُتَوَاضِعِينَ مُتَضَرِّعِينَ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها أَيْ: وَاذْكُرْ خَبَرَهَا، وَهِيَ مَرْيَمُ، فَإِنَّهَا أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَلَمْ يَمْسَسْهَا بَشَرٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا مَعَ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْهُمْ، لِأَجْلِ ذِكْرِ عِيسَى، وَمَا فِي ذِكْرِ قِصَّتِهَا مِنَ الْآيَةِ الْبَاهِرَةِ فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا أَضَافَ سُبْحَانَهُ الرُّوحَ إِلَيْهِ، وَهُوَ لِلْمَلَكِ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا، وَهُوَ يُرِيدُ رُوحَ عِيسَى وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ قال الزجّاج: الآية فيهما وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ وَقِيلَ: إِنَّ التَّقْدِيرَ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ: وَجَعَلْنَاهَا آيَةً وَجَعَلْنَا ابْنَهَا آيَةً، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ «١»، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ قِصَّتَهُمَا آيَةً تَامَّةً مَعَ تَكَاثُرِ آيَاتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْآيَةِ الْجِنْسَ الشَّامِلَ، لِمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْآيَاتِ، وَمَعْنَى أَحْصَنَتْ: عَفَّتْ فَامْتَنَعَتْ مِنَ الْفَاحِشَةِ وَغَيْرِهَا وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْفَرْجِ جَيْبُ الْقَمِيصِ أَيْ: أَنَّهَا طَاهِرَةُ الْأَثْوَابِ، وَقَدْ مَضَى بَيَانُ مِثْلِ هَذَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَمَرْيَمَ. ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ الْأَنْبِيَاءَ بَيَّنَ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَى التَّوْحِيدِ فَقَالَ: إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَالْأُمَّةُ: الدِّينُ كَمَا قال ابن قتيبة، ومنه: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ «٢» أَيْ: عَلَى دِينٍ، كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّ هَذَا دِينُكُمْ دِينٌ وَاحِدٌ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَمِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي التَّوْحِيدِ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا الْكَفَرَةُ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ وَقِيلَ: الْمَعْنَى: إِنَّ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ الَّتِي بَيَّنْتُهَا لَكُمْ فِي كِتَابِكُمْ شَرِيعَةٌ وَاحِدَةٌ وَقِيلَ: الْمَعْنَى:
إِنَّ هَذِهِ مِلَّتُكُمْ مِلَّةً وَاحِدَةً، وَهِيَ مِلَّةُ الْإِسْلَامِ. وَانْتِصَابُ أُمَّةً وَاحِدَةً عَلَى الْحَالِ، أَيْ: مُتَّفِقَةً غَيْرَ مُخْتَلِفَةٍ، وَقُرِئَ: إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ بِنَصْبِ أُمَّتَكُمْ عَلَى الْبَدَلِ مِنِ اسْمِ إِنَّ وَالْخَبَرُ «أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ». وَقُرِئَ بِرَفْعِ أُمَّتُكُمْ وَرَفْعِ أُمَّةٌ عَلَى أَنَّهُمَا خَبَرَانِ وَقِيلَ: عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ، أَيْ: هِيَ أمة واحدة. وقرأ
(١). التوبة: ٦٢.
(٢). الزخرف: ٢٢.
502
الْجُمْهُورُ بِرَفْعِ أُمَّتُكُمْ عَلَى أَنَّهُ الْخَبَرُ وَنَصْبِ أُمَّةً عَلَى الْحَالِ كَمَا قَدَّمْنَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ عَلَى الْقَطْعِ بِسَبَبِ مَجِيءِ النَّكِرَةِ بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ. وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ خَاصَّةً لَا تَعْبُدُوا غَيْرِي كَائِنًا مَا كَانَ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ أَيْ: تَفَرَّقُوا فِرَقًا فِي الدِّينِ حَتَّى صَارَ كَالْقِطَعِ الْمُتَفَرِّقَةِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَهُوَ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: أَيْ: تَفَرَّقُوا فِي أَمْرِهِمْ، فَنَصَبَ أَمْرَهُمْ بِحَذْفِ فِي، وَالْمَقْصُودُ بِالْآيَةِ الْمُشْرِكُونَ، ذَمَّهُمُ اللَّهُ بِمُخَالَفَةِ الْحَقِّ وَاتِّخَاذِهِمْ آلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ جَمِيعُ الْخَلْقِ، وَأَنَّهُمْ جَعَلُوا أَمْرَهُمْ فِي أَدْيَانِهِمْ قِطَعًا وَتَقَسَّمُوهُ بَيْنَهُمْ، فَهَذَا مُوَحِّدٌ، وَهَذَا يَهُودِيٌّ، وَهَذَا نَصْرَانِيٌّ، وَهَذَا مَجُوسِيٌّ، وَهَذَا عَابِدُ وَثَنٍ. ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِأَنَّ مَرْجِعَ الْجَمِيعِ إِلَيْهِ فَقَالَ: كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْفِرَقِ رَاجِعٌ إِلَيْنَا بِالْبَعْثِ، لَا إِلَى غَيْرِنَا. فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ أَيْ: مَنْ يَعْمَل بَعْضَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، لَا كُلَّهَا، إِذْ لَا يَطِيقُ ذَلِكَ أَحَدٌ وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ أَيْ:
لَا جُحُودَ لِعَمَلِهِ، وَلَا تَضْيِيعَ لِجَزَائِهِ، وَالْكُفْرُ ضِدُّ الْإِيمَانِ، وَالْكُفْرُ أَيْضًا: جُحُودُ النِّعْمَةِ، وَهُوَ ضِدُّ الشُّكْرِ، يُقَالُ: كَفَرَ كُفُورًا وَكُفْرَانًا، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ «فَلَا كُفْرَ لِسَعْيِهِ». وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ أَيْ: لِسَعْيِهِ حَافِظُونَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى «١». وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها قَرَأَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَحَرامٌ، وَقَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ «وَحَرَمٌ» وَقَدِ اخْتَارَ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ، وَرُوِيَتِ الْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ حِلٌّ وَحَلَالٌ. وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ «وَحَرِمَ» بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ. وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ «حَرُمَ» بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَالْمِيمِ. وَمَعْنَى أَهْلَكْناها: قَدَّرْنَا إِهْلَاكَهَا، وَجُمْلَةُ أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ حَرَامٌ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ لَهُ سَادٌّ مَسَدَّ خَبَرِهِ. وَالْمَعْنَى: وَمُمْتَنِعٌ أَلْبَتَّةَ عَدَمُ رُجُوعِهِمْ إِلَيْنَا لِلْجَزَاءِ وَقِيلَ: إِنَّ لَا فِي «لَا يَرْجِعُونَ» زَائِدَةٌ، أَيْ: حَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنْ يَرْجِعُوا بَعْدَ الْهَلَاكِ إِلَى الدُّنْيَا. وَاخْتَارَ هَذَا أَبُو عُبَيْدَةَ وَقِيلَ: إِنَّ لَفْظَ حَرَامٌ هُنَا بِمَعْنَى الْوَاجِبِ: أَيْ وَاجِبٌ عَلَى قَرْيَةٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَنْسَاءِ:
وَإِنَّ حَرَامًا لَا أَرَى الدَّهْرَ بَاكِيًا عَلَى شَجْوهِ إِلَّا بَكَيْتُ عَلَى صَخْرِ وَقِيلَ: حَرَامٌ، أَيْ: مُمْتَنِعٌ رُجُوعُهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ، عَلَى أَنَّ «لَا» زَائِدَةٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْآيَةُ مُشْكِلَةٌ، وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِيهَا وَأَجَلِّهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ عُلَيَّةَ وَهُشَيْمٌ وَابْنُ إِدْرِيسَ وَمُحَمَّدُ بن فضيل وسليمان بن حيان وَمُعَلًّى عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَعْنَى الْآيَةِ قَالَ: وَاجِبٌ أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ، أَيْ: لَا يَتُوبُونَ. قَالَ الزَّجَّاجُ وَأَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: إِنَّ فِي الْكَلَامِ إِضْمَارًا، أَيْ: وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ حَكَمْنَا بِاسْتِئْصَالِهَا، أَوْ بِالْخَتْمِ عَلَى قُلُوبِ أَهْلِهَا، أَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْهُمْ عَمَلٌ لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ، أَيْ: لَا يَتُوبُونَ. حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ «حَتَّى» هَذِهِ هِيَ الَّتِي يُحْكَى بَعْدَهَا الكلام، ويأجوج ومأجوج قبيلتان من الإنس، والمراد بفتح يأجوج ومأجوج فتح السدّ الذي عليهم، على حذف المضاف وقيل: إنّ «حتى»
(١). آل عمران: ١٩٥.
503
هَذِهِ هِيَ الَّتِي لِلْغَايَةِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ سَابِقًا مُسْتَمِرُّونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهِيَ يَوْمُ فَتْحِ سَدِّ يأجوج ومأجوج وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ الضَّمِيرُ لِيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ. وَالْحَدَبُ:
كُلُّ أَكَمَةٍ مِنَ الْأَرْضِ مُرْتَفِعَةٍ وَالْجَمْعُ أَحْدَابٌ، مَأْخُوذٌ مِنْ حَدَبَةِ الْأَرْضِ، وَمَعْنَى يَنْسِلُونَ: يُسْرِعُونَ، وَقِيلَ: يَخْرُجُونَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَالنَّسَلَانُ: مِشْيَةُ الذِّئْبِ إِذَا أَسْرَعَ. يُقَالُ: نَسَلَ فُلَانٌ فِي الْعَدْوِ يَنْسِلُ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ نَسْلًا وَنُسُولًا وَنُسْلَانًا أَيْ: أَنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِنْ كُلِّ مُرْتَفِعٍ مِنَ الْأَرْضِ يُسْرِعُونَ الْمَشْيَ، وَيَتَفَرَّقُونَ فِي الْأَرْضِ وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: «وَهُمْ» لِجَمِيعِ الْخَلْقِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ إِلَى أَرْضِ الْمَوْقِفِ وَهُمْ يُسْرِعُونَ مِنْ كُلِّ مُرْتَفَعٍ مِنَ الْأَرْضِ. وَقُرِئَ بِضَمِّ السِّينِ، حَكَى ذَلِكَ الْمَهْدَوِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَحَكَى هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَيْضًا الثَّعْلَبِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَأَبِي الصَّهْبَاءِ. وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ عَطْفٌ عَلَى «فُتِحَتْ»، وَالْمُرَادُ مَا بَعْدَ الْفَتْحِ مِنَ الْحِسَابِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا: الْمُرَادُ بِالْوَعْدِ الْحَقِّ الْقِيَامَةُ، وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ وَالْمَعْنَى:
حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ وَهُوَ الْقِيَامَةُ، فَاقْتَرَبَ جَوَابُ إِذَا، وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ:
فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الْحَيِّ وَانْتَحَى «١»
.................
أَيِ: انْتَحَى. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ- وَنادَيْناهُ «٢»، وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ إِذَا فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ: الْجَوَابُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: قَالُوا يَا وَيْلَنَا. وَبِهِ قَالَ الزَّجَّاجُ، وَالضَّمِيرُ فِي فَإِذا هِيَ لِلْقِصَّةِ، أَوْ مُبْهَمٌ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ، وَإِذَا لِلْمُفَاجَأَةِ وَقِيلَ إِنَّ الْكَلَامَ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ هِيَ، وَالتَّقْدِيرُ: فَإِذَا هِيَ، يَعْنِي الْقِيَامَةَ بَارِزَةٌ وَاقِعَةٌ كَأَنَّهَا آتِيَةٌ حَاضِرَةٌ، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا، عَلَى تَقْدِيمِ الْخَبَرِ عَلَى المبتدأ، أي: أبصار الذين كفروا شاخصة، ويا وَيْلَنا عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا أَيْ: مِنْ هَذَا الَّذِي دَهَمَنَا مِنَ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ أَضْرَبُوا عَنْ وَصْفِ أَنْفُسِهِمْ بِالْغَفْلَةِ، أَيْ: لَمْ نَكُنْ غَافِلِينَ، بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ لِأَنْفُسِنَا بِالتَّكْذِيبِ وَعَدَمِ الِانْقِيَادِ لِلرُّسُلِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ قَالَ: كَانَ فِي لِسَانِ امْرَأَةِ زَكَرِيَّا طُولٌ فَأَصْلَحَهُ اللَّهُ. وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: وَهَبْنَا لَهُ وَلَدَهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَتْ عَاقِرًا فجعلها الله وَلُودًا، وَوَهَبَ لَهُ مِنْهَا يَحْيَى، وَفِي قَوْلِهِ: وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ قَالَ: أَذِلَّاءَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حاتم عن ابن جريج في قوله: يَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً قَالَ: رَغَبًا فِي رَحْمَةِ اللَّهِ ورهبا من
(١). البيت لامرئ القيس، وتمامه: بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل.
«البطن» : مكان مطمئن حوله أماكن مرتفعة. «الخبت» أرض مطمئنة. «الحقف» : رمل مشرف معوج.
«العقنقل» : الرمل المنعقد المتلبّد.
(٢). الصافات: ١٠٣، ١٠٤. [.....]
504
عَذَابِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ:
وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً قَالَ: «رَغَبًا هَكَذَا وَرَهَبًا هَكَذَا، وَبَسَطَ كَفَّيْهِ، يَعْنِي جَعْلَ ظَهَرَهُمَا لِلْأَرْضِ فِي الرَّغْبَةِ وَعَكَسَهُ فِي الرَّهْبَةِ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حكيم قَالَ: خَطَبَنَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأَنْ تُثْنُوا عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَأَنْ تَخْلِطُوا الرَّغْبَةَ بِالرَّهْبَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَثْنَى عَلَى زَكَرِيَّا وَأَهْلِ بَيْتِهِ فَقَالَ: إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً قَالَ:
إِنَّ هَذَا دِينُكُمْ دِينًا وَاحِدًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ قَالَ: تَقَطَّعُوا:
اخْتَلَفُوا فِي الدِّينِ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها قَالَ: وَجَبَ إِهْلَاكُهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ قَالَ: لَا يَتُوبُونَ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: وَحَرُمَ عَلَى قَرْيَةٍ قَالَ: وَجَبَ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ كَمَا قَالَ: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ «١». وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مِنْ كُلِّ حَدَبٍ قَالَ: شَرَفٍ يَنْسِلُونَ قَالَ: يُقْبِلُونَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي صِفَةِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَفِي وَقْتِ خُرُوجِهِمْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ لا يتعلّق بذكرها هنا كثير فائدة.
(١). يس: ٣١.
505
﴿ فاستجبنا لَهُ ﴾ دعاءه ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى ﴾. وقد تقدّم مستوفى في سورة مريم ﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾. قال أكثر المفسرين : إنها كانت عاقراً فجعلها الله ولوداً. فهذا هو المراد بإصلاح زوجه. وقيل : كانت سيئة الخلق فجعلها الله سبحانه حسنة الخلق، ولا مانع من إرادة الأمرين جميعاً، وذلك بأن يصلح الله سبحانه ذاتها، فتكون ولوداً بعد أن كانت عاقراً، ويصلح أخلاقها فتكون أخلاقها مرضية بعد أن كانت غير مرضية، وجملة :﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخيرات ﴾ للتعليل لما قبلها من إحسانه سبحانه إلى أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، فالضمير المذكور راجع إليهم، وقيل : هو راجع إلى زكريا وامرأته ويحيى. ثم وصفهم الله سبحانه بأنهم كانوا يدعونه ﴿ رَغَباً وَرَهَباً ﴾ أي يتضرّعون إليه في حال الرّخاء وحال الشدّة، وقيل الرغبة : رفع بطون الأكف إلى السماء، والرهب : رفع ظهورها، وانتصاب رغباً ورهباً على المصدرية أي : يرغبون رغباً ويرهبون رهباً، أو على العلة أي للرّغب والرّهب، أو على الحال، أي راغبين وراهبين. وقرأ طلحة بن مصرِّف «ويدعونا » بنون واحدة، وقرأ الأعمش بضم الراء فيهما وإسكان ما بعده، وقرأ ابن وثاب بفتح الراء فيهما مع إسكان ما بعده، ورويت هذه القراءة عن أبي عمرو، وقرأ الباقون بفتح الراء وفتح ما بعده فيهما ﴿ وَكَانُوا لَنَا خاشعين ﴾ أي : متواضعين متضرّعين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ قال : كان في لسان امرأة زكريا طول فأصلحه الله. وروي نحو ذلك عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : وهبنا له ولدها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : كانت عاقراً فجعلها الله ولوداً ووهب له منها يحيى، وفي قوله :﴿ وَكَانُوا لَنَا خاشعين ﴾ قال : أذلاء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله :﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ قال : رغباً في رحمة الله ورهباً من عذاب الله. وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله سبحانه :﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ قال :( رغباً هكذا ورهباً هكذا وبسط كفيه )، يعني : جعل ظهرهما للأرض في الرغبة وعكسه في الرهبة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن حكيم قال : خطبنا أبو بكر الصديق فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، فإن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال :﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خاشعين ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ قال : إن هذا دينكم ديناً واحداً. وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله :﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ قال : تقطعوا : اختلفوا في الدين. وأخرج الفريابي وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أهلكناها ﴾ قال : وجب إهلاكها ﴿ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ قال : لا يتوبون. وأخرج سعيد بن منصور وعبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ابن مردويه عن ابن عباس أنه كان يقرأ :«وَحَرَّمَ على قَرْيَةٍ» قال : وجب على قرية ﴿ أهلكناها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ كما قال :﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ [ يس : ٣١ ]. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وسعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ من كُلّ حَدَبٍ ﴾ قال : شرف ﴿ يَنسِلُونَ ﴾ قال : يقبلون، وقد ورد في صفة يأجوج ومأجوج وفي وقت خروجهم أحاديث كثيرة لا يتعلق بذكرها ها هنا كثير فائدة.
﴿ والتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾ أي واذكر خبرها، وهي مريم، فإنها أحصنت فرجها من الحلال والحرام ولم يمسسها بشر، وإنما ذكرها مع الأنبياء وإن لم تكن منهم لأجل ذكر عيسى، وما في ذكر قصتها من الآية الباهرة ﴿ فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُوحِنَا ﴾ أضاف سبحانه الروح إليه، وهو للملك تشريفاً وتعظيماً، وهو يريد روح عيسى ﴿ وجعلناها وابنها آيةً للعالمين ﴾ قال الزجاج : الآية فيهما واحدة لأنها ولدته من غير فحل. وقيل : إن التقدير على مذهب سيبويه : وجعلناها آية وجعلنا ابنها آية كقوله سبحانه :﴿ والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ﴾ [ التوبة : ٦٢ ] والمعنى : أن الله سبحانه جعل قصتهما آية تامة مع تكاثر آيات كل واحد منهما. وقيل : أراد بالآية الجنس الشامل، لما لكل واحد منهما من آيات، ومعنى :﴿ أحصنت ﴾ عفت فامتنعت من الفاحشة وغيرها. وقيل : المراد بالفرج : جيب القميص، أي أنها طاهرة الأثواب، وقد مضى بيان مثل هذا في سورة النساء ومريم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ قال : كان في لسان امرأة زكريا طول فأصلحه الله. وروي نحو ذلك عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : وهبنا له ولدها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : كانت عاقراً فجعلها الله ولوداً ووهب له منها يحيى، وفي قوله :﴿ وَكَانُوا لَنَا خاشعين ﴾ قال : أذلاء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله :﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ قال : رغباً في رحمة الله ورهباً من عذاب الله. وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله سبحانه :﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ قال :( رغباً هكذا ورهباً هكذا وبسط كفيه )، يعني : جعل ظهرهما للأرض في الرغبة وعكسه في الرهبة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن حكيم قال : خطبنا أبو بكر الصديق فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، فإن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال :﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خاشعين ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ قال : إن هذا دينكم ديناً واحداً. وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله :﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ قال : تقطعوا : اختلفوا في الدين. وأخرج الفريابي وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أهلكناها ﴾ قال : وجب إهلاكها ﴿ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ قال : لا يتوبون. وأخرج سعيد بن منصور وعبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ابن مردويه عن ابن عباس أنه كان يقرأ :«وَحَرَّمَ على قَرْيَةٍ» قال : وجب على قرية ﴿ أهلكناها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ كما قال :﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ [ يس : ٣١ ]. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وسعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ من كُلّ حَدَبٍ ﴾ قال : شرف ﴿ يَنسِلُونَ ﴾ قال : يقبلون، وقد ورد في صفة يأجوج ومأجوج وفي وقت خروجهم أحاديث كثيرة لا يتعلق بذكرها ها هنا كثير فائدة.
ثم لما ذكر سبحانه الأنبياء بيّن أنهم كلهم مجتمعون على التوحيد فقال :﴿ إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ والأمة :[ الدّين ] كما قال ابن قتيبة، ومنه :﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا على أمة ﴾ [ الزخرف : ٢٢ ] أي على دين، كأنه قال : إن هذا دينكم دين واحد لا خلاف بين الأمم المختلفة في التوحيد، ولا يخرج عن ذلك إلا الكفرة المشركون بالله، وقيل : المعنى إن هذه الشريعة التي بينتها لكم في كتابكم شريعة واحدة، وقيل : المعنى إن هذه ملتكم ملة واحدة، وهي ملة الإسلام. وانتصاب ﴿ أمة واحدة ﴾ على الحال، أي متفقة غير مختلفة، وقرئ :«إن هذه أمتكم » بنصب أمتكم على البدل من " اسم " إنّ والخبر أمة واحدة. وقرئ برفع ﴿ أمتكم ﴾ ورفع ﴿ أمة ﴾ على أنهما خبران ؛ وقيل : على إضمار مبتدأ أي : هي أمة واحدة. وقرأ الجمهور برفع ( أمتكم ) على أنه الخبر ونصب ( أمة ) على الحال كما قدّمنا. وقال الفراء والزجاج : على القطع بسبب مجيء النكرة بعد تمام الكلام ﴿ وَأَنَا رَبُّكُمْ فاعبدون ﴾ خاصة، لا تعبدوا غيري كائناً ما كان.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ قال : كان في لسان امرأة زكريا طول فأصلحه الله. وروي نحو ذلك عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : وهبنا له ولدها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : كانت عاقراً فجعلها الله ولوداً ووهب له منها يحيى، وفي قوله :﴿ وَكَانُوا لَنَا خاشعين ﴾ قال : أذلاء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله :﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ قال : رغباً في رحمة الله ورهباً من عذاب الله. وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله سبحانه :﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ قال :( رغباً هكذا ورهباً هكذا وبسط كفيه )، يعني : جعل ظهرهما للأرض في الرغبة وعكسه في الرهبة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن حكيم قال : خطبنا أبو بكر الصديق فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، فإن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال :﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خاشعين ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ قال : إن هذا دينكم ديناً واحداً. وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله :﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ قال : تقطعوا : اختلفوا في الدين. وأخرج الفريابي وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أهلكناها ﴾ قال : وجب إهلاكها ﴿ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ قال : لا يتوبون. وأخرج سعيد بن منصور وعبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ابن مردويه عن ابن عباس أنه كان يقرأ :«وَحَرَّمَ على قَرْيَةٍ» قال : وجب على قرية ﴿ أهلكناها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ كما قال :﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ [ يس : ٣١ ]. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وسعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ من كُلّ حَدَبٍ ﴾ قال : شرف ﴿ يَنسِلُونَ ﴾ قال : يقبلون، وقد ورد في صفة يأجوج ومأجوج وفي وقت خروجهم أحاديث كثيرة لا يتعلق بذكرها ها هنا كثير فائدة.
﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ أي تفرّقوا فرقاً في الدين حتى صار كالقطع المتفرّقة. وقال الأخفش : اختلفوا فيه، وهو كالقول الأوّل. قال الأزهري : أي تفرّقوا في أمرهم، فنصب أمرهم بحذف في، والمقصود بالآية المشركون، ذمهم الله بمخالفة الحق واتخاذهم آلهة من دون الله. وقيل : المراد : جميع الخلق وأنهم جعلوا أمرهم في أديانهم قطعاً وتقسموه بينهم، فهذا موحّد، وهذا يهوديّ، وهذا نصرانيّ، وهذا مجوسيّ، وهذا عابد وثن. ثم أخبر سبحانه بأن مرجع الجميع إليه فقال :﴿ كُلٌّ إِلَيْنَا راجعون ﴾ أي : كل واحد من هذه الفرق راجع إلينا بالبعث، لا إلى غيرنا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ قال : كان في لسان امرأة زكريا طول فأصلحه الله. وروي نحو ذلك عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : وهبنا له ولدها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : كانت عاقراً فجعلها الله ولوداً ووهب له منها يحيى، وفي قوله :﴿ وَكَانُوا لَنَا خاشعين ﴾ قال : أذلاء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله :﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ قال : رغباً في رحمة الله ورهباً من عذاب الله. وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله سبحانه :﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ قال :( رغباً هكذا ورهباً هكذا وبسط كفيه )، يعني : جعل ظهرهما للأرض في الرغبة وعكسه في الرهبة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن حكيم قال : خطبنا أبو بكر الصديق فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، فإن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال :﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خاشعين ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ قال : إن هذا دينكم ديناً واحداً. وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله :﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ قال : تقطعوا : اختلفوا في الدين. وأخرج الفريابي وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أهلكناها ﴾ قال : وجب إهلاكها ﴿ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ قال : لا يتوبون. وأخرج سعيد بن منصور وعبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ابن مردويه عن ابن عباس أنه كان يقرأ :«وَحَرَّمَ على قَرْيَةٍ» قال : وجب على قرية ﴿ أهلكناها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ كما قال :﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ [ يس : ٣١ ]. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وسعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ من كُلّ حَدَبٍ ﴾ قال : شرف ﴿ يَنسِلُونَ ﴾ قال : يقبلون، وقد ورد في صفة يأجوج ومأجوج وفي وقت خروجهم أحاديث كثيرة لا يتعلق بذكرها ها هنا كثير فائدة.
﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات ﴾ أي من يعمل بعض الأعمال الصالحة، لا كلها، إذ لا يطيق ذلك أحد ﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ بالله ورسله واليوم الآخر ﴿ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ﴾ أي لا جحود لعمله، ولا تضييع لجزائه، والكفر ضدّ الإيمان، والكفر أيضاً جحود النعمة وهو ضدّ الشكر، يقال : كفر كفوراً وكفراناً، وفي قراءة ابن مسعود :«فلا كفر لسعيه ». ﴿ وَإِنَّا لَهُ كاتبون ﴾ أي لسعيه حافظون، ومثله قوله سبحانه :﴿ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى ﴾ [ آل عمران : ١٩٥ ].
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ قال : كان في لسان امرأة زكريا طول فأصلحه الله. وروي نحو ذلك عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : وهبنا له ولدها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : كانت عاقراً فجعلها الله ولوداً ووهب له منها يحيى، وفي قوله :﴿ وَكَانُوا لَنَا خاشعين ﴾ قال : أذلاء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله :﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ قال : رغباً في رحمة الله ورهباً من عذاب الله. وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله سبحانه :﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ قال :( رغباً هكذا ورهباً هكذا وبسط كفيه )، يعني : جعل ظهرهما للأرض في الرغبة وعكسه في الرهبة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن حكيم قال : خطبنا أبو بكر الصديق فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، فإن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال :﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خاشعين ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ قال : إن هذا دينكم ديناً واحداً. وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله :﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ قال : تقطعوا : اختلفوا في الدين. وأخرج الفريابي وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أهلكناها ﴾ قال : وجب إهلاكها ﴿ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ قال : لا يتوبون. وأخرج سعيد بن منصور وعبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ابن مردويه عن ابن عباس أنه كان يقرأ :«وَحَرَّمَ على قَرْيَةٍ» قال : وجب على قرية ﴿ أهلكناها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ كما قال :﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ [ يس : ٣١ ]. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وسعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ من كُلّ حَدَبٍ ﴾ قال : شرف ﴿ يَنسِلُونَ ﴾ قال : يقبلون، وقد ورد في صفة يأجوج ومأجوج وفي وقت خروجهم أحاديث كثيرة لا يتعلق بذكرها ها هنا كثير فائدة.
﴿ وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أهلكناها ﴾. قرأ زيد بن ثابت وأهل المدينة ﴿ وحرام ﴾ وقرأ أهل الكوفة :«وحرم » وقد اختار القراءة الأولى أبو عبيد وأبو حاتم، ورويت القراءة الثانية عن عليّ وابن مسعود وابن عباس : وهما لغتان مثل حلّ وحلال. وقرأ سعيد بن جبير «وحرم » بفتح الحاء وكسر الراء وفتح الميم. وقرأ عكرمة وأبو العالية «حرم » بضم الراء وفتح الحاء والميم، ومعنى ﴿ أهلكناها ﴾ : قدّرنا إهلاكها، وجملة :﴿ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ في محل رفع على أنه مبتدأ وخبره ﴿ حرام ﴾ أو على أنه فاعل له سادّ مسدّ خبره. والمعنى : وممتنع ألبتة عدم رجوعهم إلينا للجزاء، وقيل : إن ﴿ لا ﴾ في ﴿ لا يرجعون ﴾ زائدة أي حرام على قرية أهلكناها أن يرجعوا بعد الهلاك إلى الدنيا، واختار هذا أبو عبيدة ؛ وقيل : إن لفظ حرام هنا بمعنى الواجب، أي واجب على قرية، ومنه قول الخنساء :
وإن حراماً لا أرى الدهر باكياً على شجوه إلا بكيت على صخر
وقيل : حرام : أي ممتنع رجوعهم إلى التوبة، على أن لا زائدة. قال النحاس : والآية مشكلة، ومن أحسن ما قيل فيها وأجلّه ما رواه ابن عيينة وابن علية وهشيم وابن إدريس ومحمد بن فضل، وسليمان بن حبان ومعلى عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس في معنى الآية قال : واجب أنهم لا يرجعون، أي لا يتوبون. قال الزجاج وأبو علي الفارسي : إن في الكلام إضماراً، أي وحرام على قرية حكمنا باستئصالها، أو بالختم على قلوب أهلها، أن يتقبل منهم عمل لأنهم لا يرجعون، أي لا يتوبون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ قال : كان في لسان امرأة زكريا طول فأصلحه الله. وروي نحو ذلك عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : وهبنا له ولدها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : كانت عاقراً فجعلها الله ولوداً ووهب له منها يحيى، وفي قوله :﴿ وَكَانُوا لَنَا خاشعين ﴾ قال : أذلاء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله :﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ قال : رغباً في رحمة الله ورهباً من عذاب الله. وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله سبحانه :﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ قال :( رغباً هكذا ورهباً هكذا وبسط كفيه )، يعني : جعل ظهرهما للأرض في الرغبة وعكسه في الرهبة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن حكيم قال : خطبنا أبو بكر الصديق فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، فإن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال :﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خاشعين ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ قال : إن هذا دينكم ديناً واحداً. وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله :﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ قال : تقطعوا : اختلفوا في الدين. وأخرج الفريابي وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أهلكناها ﴾ قال : وجب إهلاكها ﴿ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ قال : لا يتوبون. وأخرج سعيد بن منصور وعبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ابن مردويه عن ابن عباس أنه كان يقرأ :«وَحَرَّمَ على قَرْيَةٍ» قال : وجب على قرية ﴿ أهلكناها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ كما قال :﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ [ يس : ٣١ ]. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وسعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ من كُلّ حَدَبٍ ﴾ قال : شرف ﴿ يَنسِلُونَ ﴾ قال : يقبلون، وقد ورد في صفة يأجوج ومأجوج وفي وقت خروجهم أحاديث كثيرة لا يتعلق بذكرها ها هنا كثير فائدة.
﴿ حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ﴾ :«حتى » هذه هي التي يحكى بعدها الكلام، ويأجوج ومأجوج قبيلتان من الإنس، والمراد بفتح يأجوج ومأجوج فتح السدّ الذي عليهم، على حذف المضاف، وقيل : إن حتى هذه هي التي للغاية. والمعنى : أن هؤلاء المذكورين سابقاً مستمرّون على ما هم عليه إلى يوم القيامة، وهي يوم فتح سدّ يأجوج ومأجوج ﴿ وَهُمْ من كُلّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ﴾ الضمير ليأجوج ومأجوج، والحدب، كلّ أكمة من الأرض مرتفعة والجمع أحداب، مأخوذ من حدبة الأرض، ومعنى ﴿ يَنسِلُونَ ﴾ يسرعون. وقيل : يخرجون. قال الزجاج : والنسلان مشية الذئب إذا أسرع. يقال : نسل فلان في العدو ينسل بالكسر والضم نسلاً ونسولاً ونسلاناً، أي أن يأجوج ومأجوج من كلّ مرتفع من الأرض يسرعون المشي ويتفرقون في الأرض ؛ وقيل : الضمير في قوله :﴿ وهم ﴾ لجميع الخلق، والمعنى : أنهم يحشرون إلى أرض الموقف وهم يسرعون من كلّ مرتفع من الأرض. وقرئ بضم السين. حكى ذلك المهدوي عن ابن مسعود. وحكى هذه القراءة أيضاً الثعلبي، عن مجاهد، وأبي الصهباء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ قال : كان في لسان امرأة زكريا طول فأصلحه الله. وروي نحو ذلك عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : وهبنا له ولدها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : كانت عاقراً فجعلها الله ولوداً ووهب له منها يحيى، وفي قوله :﴿ وَكَانُوا لَنَا خاشعين ﴾ قال : أذلاء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله :﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ قال : رغباً في رحمة الله ورهباً من عذاب الله. وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله سبحانه :﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ قال :( رغباً هكذا ورهباً هكذا وبسط كفيه )، يعني : جعل ظهرهما للأرض في الرغبة وعكسه في الرهبة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن حكيم قال : خطبنا أبو بكر الصديق فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، فإن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال :﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خاشعين ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ قال : إن هذا دينكم ديناً واحداً. وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله :﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ قال : تقطعوا : اختلفوا في الدين. وأخرج الفريابي وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أهلكناها ﴾ قال : وجب إهلاكها ﴿ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ قال : لا يتوبون. وأخرج سعيد بن منصور وعبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ابن مردويه عن ابن عباس أنه كان يقرأ :«وَحَرَّمَ على قَرْيَةٍ» قال : وجب على قرية ﴿ أهلكناها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ كما قال :﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ [ يس : ٣١ ]. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وسعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ من كُلّ حَدَبٍ ﴾ قال : شرف ﴿ يَنسِلُونَ ﴾ قال : يقبلون، وقد ورد في صفة يأجوج ومأجوج وفي وقت خروجهم أحاديث كثيرة لا يتعلق بذكرها ها هنا كثير فائدة.
﴿ واقترب الوعد ﴾ عطف على ﴿ فتحت ﴾، والمراد : ما بعد الفتح من الحساب. وقال الفراء والكسائي وغيرهما : المراد بالوعد الحق : القيامة والواو زائدة ؛ والمعنى : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق وهو القيامة، فاقترب جواب إذا، وأنشد الفراء :
فلما أجزنا ساحة الحي والتحى ***. . .
أي انتحى، ومنه قوله تعالى :﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وناديناه ﴾ [ الصافات : ١٠٣، ١٠٤ ]. وأجاز الفراء أن يكون جواب إذا ﴿ فَإِذَا هِيَ شاخصة أبصار الذين كَفَرُوا ﴾ وقال البصريون : الجواب محذوف، والتقدير : قالوا : يا ويلنا. وبه قال الزجاج، والضمير في ﴿ فَإِذَا هِيَ ﴾ للقصة، أو مبهم يفسره ما بعده، وإذا للمفاجأة. وقيل : إن الكلام تمّ عند قوله ﴿ هي ﴾، والتقدير : فإذا هي، يعني : القيامة بارزة واقعة كأنها آتية حاضرة، ثم ابتدأ فقال :﴿ شاخصة أبصار الذين كفروا ﴾ على تقديم الخبر على المبتدأ، أي أبصار الذين كفروا شاخصة، و﴿ يا ويلنا ﴾ على تقدير القول :﴿ قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ منْ هذا ﴾ أي من هذا الذي دهمنا من العبث والحساب ﴿ بَلْ كُنَّا ظالمين ﴾ أضربوا عن وصف أنفسهم بالغفلة، أي لم نكن غافلين بل كنا ظالمين لأنفسنا بالتكذيب وعدم الانقياد للرسل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ قال : كان في لسان امرأة زكريا طول فأصلحه الله. وروي نحو ذلك عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : وهبنا له ولدها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : كانت عاقراً فجعلها الله ولوداً ووهب له منها يحيى، وفي قوله :﴿ وَكَانُوا لَنَا خاشعين ﴾ قال : أذلاء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله :﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ قال : رغباً في رحمة الله ورهباً من عذاب الله. وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله سبحانه :﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ قال :( رغباً هكذا ورهباً هكذا وبسط كفيه )، يعني : جعل ظهرهما للأرض في الرغبة وعكسه في الرهبة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن حكيم قال : خطبنا أبو بكر الصديق فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، فإن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال :﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خاشعين ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ قال : إن هذا دينكم ديناً واحداً. وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله :﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ قال : تقطعوا : اختلفوا في الدين. وأخرج الفريابي وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أهلكناها ﴾ قال : وجب إهلاكها ﴿ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ قال : لا يتوبون. وأخرج سعيد بن منصور وعبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ابن مردويه عن ابن عباس أنه كان يقرأ :«وَحَرَّمَ على قَرْيَةٍ» قال : وجب على قرية ﴿ أهلكناها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ كما قال :﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ [ يس : ٣١ ]. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وسعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ من كُلّ حَدَبٍ ﴾ قال : شرف ﴿ يَنسِلُونَ ﴾ قال : يقبلون، وقد ورد في صفة يأجوج ومأجوج وفي وقت خروجهم أحاديث كثيرة لا يتعلق بذكرها ها هنا كثير فائدة.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٩٨ الى ١١٢]

إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (٩٩) لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لَا يَسْمَعُونَ (١٠٠) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (١٠٢)
لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣) يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (١٠٤) وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (١٠٦) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧)
قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (١٠٩) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (١١٠) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (١١١) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى مَا تَصِفُونَ (١١٢)
بَيَّنَ سُبْحَانَهُ حَالَ مَعْبُودِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ وَهَذَا خِطَابٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ «وَمَا تَعْبُدُونَ» : الْأَصْنَامُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ حَصَبُ بِالصَّادِّ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ: وَقُودُ جَهَنَّمَ وَحَطَبُهَا، وَكُلُّ مَا أَوْقَدْتَ بِهِ النَّارَ أَوْ هَيَّجْتَهَا بِهِ فَهُوَ حَصَبٌ، كَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كُلُّ مَا قَذَفْتَهُ فِي النَّارِ فَقَدْ حَصَبْتَهَا بِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ «١» وَقَرَأَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَائِشَةُ حَطَبُ جَهَنَّمَ بِالطَّاءِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ «حَضَبُ» بِالضَّادِ المعجمة. قال القراء: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَضَبَ فِي لُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ الْحَطَبُ، وَوَجْهُ إِلْقَاءِ الْأَصْنَامِ فِي النَّارِ، مَعَ كَوْنِهَا جَمَادَاتٍ لَا تَعْقِلُ ذَلِكَ وَلَا تُحِسُّ بِهِ: التَّبْكِيتُ لِمَنْ عَبَدَهَا، وَزِيَادَةُ التَّوْبِيخِ لَهُمْ، وَتَضَاعُفُ الْحَسْرَةِ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ: إِنَّهَا تُحْمَى فَتُلْصَقُ بِهِمْ زِيَادَةً فِي تَعْذِيبِهِمْ، وَجُمْلَةُ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ إِمَّا مُسْتَأْنَفَةٌ أَوْ بَدَلٌ مِنْ «حَصَبُ جَهَنَّمَ»، وَالْخِطَابُ لَهُمْ وَلِمَا يَعْبُدُونَ تَغْلِيبًا، وَاللَّامُ فِي «لَها» لِلتَّقْوِيَةِ لِضَعْفِ عَمَلِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى عَلَى، وَالْمُرَادُ بِالْوُرُودِ هُنَا الدُّخُولُ. قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عِيسَى وَعُزَيْرٌ وَالْمَلَائِكَةُ لِأَنَّ مَا لِمَنْ لَا يَعْقِلُ، وَلَوْ أَرَادَ الْعُمُومَ لَقَالَ: «وَمَنْ يَعْبُدُونَ».
قَالَ الزَّجَّاجُ: وَلِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مُشْرِكُو مَكَّةَ دُونَ غَيْرِهِمْ لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوها أَيْ:
لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَصْنَامُ آلِهَةً كَمَا تَزْعُمُونَ مَا وَرَدُوهَا، أَيْ: مَا وَرَدَ الْعَابِدُونَ هُمْ وَالْمَعْبُودُونَ النَّارَ وَقِيلَ: مَا وَرَدَ الْعَابِدُونَ فَقَطْ، لَكِنَّهُمْ وَرَدُوهَا فَلَمْ يَكُونُوا آلِهَةً، وَفِي هَذَا تَبْكِيتٌ لِعُبَّادِ الْأَصْنَامِ وَتَوْبِيخٌ شَدِيدٌ، وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ أَيْ: كُلُّ الْعَابِدِينَ وَالْمَعْبُودِينَ فِي النَّارِ خَالِدُونَ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا. لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ أَيْ:
لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَرَدُوا النَّارَ، وَالزَّفِيرُ: صَوْتُ نَفَسِ الْمَغْمُومِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَنِينُ وَالتَّنَفُّسُ الشَّدِيدُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي هُودٍ. وَهُمْ فِيها لَا يَسْمَعُونَ أَيْ: لَا يَسْمَعُ بَعْضُهُمْ زَفِيرَ بَعْضٍ لِشِدَّةِ الْهَوْلِ وَقِيلَ: لَا يَسْمَعُونَ شَيْئًا لِأَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ صُمًّا، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا «٢» وَإِنَّمَا سُلِبُوا السَّمَاعَ لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ تَرَوُّحٍ وَتَأَنُّسٍ وَقِيلَ: لَا يَسْمَعُونَ مَا يَسُرُّهُمْ، بَلْ يَسْمَعُونَ مَا يَسُوءُهُمْ. ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ حَالَ هَؤُلَاءِ الْأَشْقِيَاءِ شَرَعَ فِي بَيَانِ حَالِ السُّعَدَاءِ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أَيِ: الْخَصْلَةُ الْحُسْنَى الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الْخِصَالِ وَهِيَ السَّعَادَةُ، وَقِيلَ: التَّوْفِيقُ، أَوِ التَّبْشِيرُ بِالْجَنَّةِ، أَوْ نَفْسُ الْجَنَّةِ أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَوْصُوفِينَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ عَنْها أَيْ: عَنْ جَهَنَّمَ مُبْعَدُونَ لِأَنَّهُمْ قَدْ صَارُوا فِي الْجَنَّةِ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها الْحِسُّ وَالْحَسِيسُ: الصَّوْتُ تَسْمَعُهُ مِنَ الشَّيْءِ يَمُرُّ قَرِيبًا مِنْكَ. وَالْمَعْنَى: لَا يَسْمَعُونَ حَرَكَةَ النَّارِ وَحَرَكَةَ أَهْلِهَا، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ بَدَلٌ مِنْ مُبْعَدُونَ، أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِهِ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ أَيْ: دَائِمُونَ، وَفِي الْجَنَّةِ مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وتلذّ
(١). البقرة: ٢٤.
(٢). الإسراء: ٩٧.
506
بِهِ الْأَعْيُنُ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: وَلَكُمْ فِيها مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها مَا تَدَّعُونَ
«١». لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ «لَا يُحْزِنُهُمْ» بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ لَا يَحْزُنُهُمُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الزَّايِ. قَالَ الْيَزِيدِيُّ: حَزَنَهُ لُغَةُ قُرَيْشٍ، وَأَحْزَنَهُ لُغَةُ تَمِيمٍ، وَالْفَزَعُ الْأَكْبَرُ: أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنَ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ وَالْعِقَابِ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ أَيْ: تَسْتَقْبِلُهُمْ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يُهَنِّئُونَهُمْ، وَيَقُولُونَ لَهُمْ: هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ أَيْ: تُوعَدُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَتُبَشَّرُونَ بِمَا فِيهِ، هَكَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى إِلَى هُنَا هُمْ كَافَّةُ الْمَوْصُوفِينَ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، لَا الْمَسِيحُ وَعُزَيْرٌ وَالْمَلَائِكَةُ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ لَمَّا نَزَلَ إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ الْآيَةَ أَتَى ابْنُ الزِّبَعْرَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عُزَيْرًا رَجُلٌ صَالِحٌ، وَأَنَّ عِيسَى رَجُلٌ صَالِحٌ، وَأَنَّ مَرْيَمَ امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ؟ قَالَ: بَلَى، فَقَالَ: فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ وَعِيسَى وَعُزَيْرًا وَمَرْيَمَ يُعْبَدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَهَؤُلَاءِ فِي النَّارِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَنْ أَخْرَجَ هَذَا قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ قرأ أبو جعفر ابن الْقَعْقَاعِ وَشَيْبَةُ وَالْأَعْرَجُ وَالزُّهْرِيُّ «تُطْوَى» بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ مَضْمُومَةٍ وَرَفْعِ السَّمَاءِ، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ «يَطْوِي» بِالتَّحْتِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ عَلَى مَعْنَى يَطْوِي اللَّهُ السَّمَاءَ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ نَطْوِي بِنُونِ الْعَظَمَةِ. وَانْتِصَابِ يَوْمَ بِقَوْلِهِ: نُعِيدُهُ أَيْ: نُعِيدُهُ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ، وَقِيلَ: هُوَ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَحْذُوفِ في «تُوعَدُونَ»، والتقدير: الذي كُنْتُمْ تُوعَدُونَهُ يَوْمَ نَطْوِي وَقِيلَ بِقَوْلِهِ «لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ» وَقِيلَ: بِقَوْلِهِ «تَتَلَقَّاهُمُ» وَقِيلَ: مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، وَهُوَ اذْكُرْ، وَهَذَا أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ، وَالطَّيُّ: ضِدُّ النَّشْرِ، وَقِيلَ: الْمَحْوُ، وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاءِ الْجِنْسُ، وَالسِّجِلِّ:
الصَّحِيفَةُ، أَيْ: طَيًّا كَطَيِّ الطُّومَارِ «٢» وَقِيلَ: السِّجِلُّ: الصَّكُّ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمُسَاجَلَةِ وَهِيَ الْمُكَاتَبَةُ، وَأَصْلُهَا مِنَ السَّجْلِ، وَهُوَ الدَّلْوُ، يُقَالُ: سَاجَلْتُ الرَّجُلَ إِذَا نَزَعْتَ دَلْوًا وَنَزَعَ دَلْوًا، ثُمَّ اسْتُعِيرَتْ لِلْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاجَعَةِ فِي الْكَلَامِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ:
مَنْ يُسَاجِلْنِي يُسَاجِلْ مَاجِدًا يَمْلَأُ الدَّلْوَ إِلَى عَقْدِ الْكَرَبِ «٣»
وَقَرَأَ أَبُو زُرْعَةَ بن عمرو بن جَرِيرٍ: «السُّجُلِّ» بِضَمِّ السِّينِ وَالْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ، وَالطَّيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا الطَّيُّ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النَّشْرِ، ومنه قوله: وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، وَالثَّانِي الْإِخْفَاءُ وَالتَّعْمِيَةُ وَالْمَحْوُ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَمْحُو وَيَطْمِسُ رُسُومَهَا وَيُكَدِّرُ نُجُومَهَا. وَقِيلَ: السِّجِلُّ اسْمُ مَلَكٍ، وَهُوَ الَّذِي يَطْوِي كُتُبَ بَنِي آدَمَ وَقِيلَ:
هُوَ اسْمُ كَاتِبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَفْصٌ وَحَمْزَةُ والكسائي ويحيى وخلف «للكتب» جمعا، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ «لِلْكِتَابِ»، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنَ السِّجِلِّ، أَيْ: كَطَيِّ السِّجِلِّ كَائِنًا لِلْكُتُبِ، أَوْ صِفَةٌ لَهُ، أَيِ: الْكَائِنُ لِلْكُتُبِ، فَإِنَّ الْكُتُبَ عِبَارَةٌ عَنِ الصَّحَائِفِ وَمَا كُتِبَ فِيهَا، فسجلها
(١). فصلت: ٣١.
(٢). الطومار: الصحيفة.
(٣). «الكرب» : حبل يشدّ على عراقي الدلو، ثم يثنى ثم يثلث ليكون هو الذي يلي الماء فلا يعفن الحبل الكبير.
507
بَعْضُ أَجْزَائِهَا، وَبِهِ يَتَعَلَّقُ الطَّيُّ حَقِيقَةً. وَأَمَّا عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ فَالْكِتَابُ مَصْدَرٌ، وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ: كَمَا يُطْوَى الطُّومَارُ لِلْكِتَابَةِ، أَيْ: لِيُكْتَبَ فِيهِ، أَوْ لِمَا يُكْتَبُ فِيهِ مِنَ الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ، وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّيِّ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، وَهُوَ ضِدُّ النَّشْرِ. كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ أَيْ: كَمَا بَدَأْنَاهُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَأَخْرَجْنَاهُمْ إِلَى الْأَرْضِ حُفَاةً عُرَاةً غرلا، كذلك نعيدهم يوم القيامة، ف «أول خَلْقٍ» مَفْعُولُ «نُعِيدُ» مُقَدَّرًا يُفَسِّرُهُ نُعِيدُهُ الْمَذْكُورُ، أو مفعول ل «بدأنا»، و «ما» كَافَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ، وَالْكَافُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ:
نُعِيدُ مِثْلَ الَّذِي بَدَأْنَاهُ نُعِيدُهُ، وَعَلَى هَذَا الوجه يكون أوّل ظرف لبدأنا، أو حال، وَإِنَّمَا خَصَّ أَوَّلَ الْخَلْقِ بِالذِّكْرِ تَصْوِيرًا لِلْإِيجَادِ عَنِ الْعَدَمِ، وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ صِحَّةِ الْإِعَادَةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَبْدَأِ لِشُمُولِ الْإِمْكَانِ الذَّاتِيِّ لَهُمَا وَقِيلَ:
مَعْنَى الْآيَةِ: نُهْلِكُ كُلَّ نَفْسٍ كَمَا كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَعَلَى هَذَا فَالْكَلَامُ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ وَقِيلَ: الْمَعْنَى نُغَيِّرُ السَّمَاءَ، ثُمَّ نُعِيدُهَا مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ طَيِّهَا وَزَوَالِهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ «١»، ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ: وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ انْتِصَابُ «وَعْدًا» عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ، أَيْ: وَعَدْنَا وَعْدًا عَلَيْنَا إِنْجَازُهُ وَالْوَفَاءُ بِهِ. وَهُوَ الْبَعْثُ وَالْإِعَادَةُ، ثُمَّ أَكَّدَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ: إِنَّا كُنَّا قَادِرِينَ عَلَى مَا نَشَاءُ وَقِيلَ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ مَا وَعَدْنَاكُمْ، ومثله قوله: كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا «٢» - وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ الزُّبُرُ فِي الْأَصْلِ الْكُتُبُ، يُقَالُ زَبَرْتُ: أَيْ كَتَبْتُ، وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ إِطْلَاقُ الزَّبُورِ عَلَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَعَلَى كِتَابِ دَاوُدَ الْمُسَمَّى بِالزَّبُورِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا كِتَابُ دَاوُدَ، وَمَعْنَى مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَيِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَقِيلَ هُوَ التَّوْرَاةُ: أَيْ والله لقد كَتَبْنَا فِي كِتَابِ دَاوُدَ مِنْ بَعْدِ مَا كَتَبْنَا فِي التَّوْرَاةِ أَوْ مِنْ بَعْدِ مَا كَتَبْنَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ. قال الزجاج: الزبور جميع الْكُتُبِ: التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالْقُرْآنُ، لِأَنَّ الزَّبُورَ وَالْكِتَابَ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، يُقَالُ زَبَرْتُ وَكَتَبْتُ، وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ فِي الزُّبُورِ بِضَمِّ الزَّايِ، فَإِنَّهُ جَمْعُ زُبُرٍ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ فَقِيلَ: الْمُرَادُ أَرْضُ الْجَنَّةِ، وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِهَذَا بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ «٣» وَقِيلَ: هِيَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ، وَقِيلَ:
هِيَ أَرْضُ الْأُمَمِ الْكَافِرَةِ يَرِثُهَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ بِفَتْحِهَا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، بِدَلِيلِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها «٤» وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا تَبْشِيرٌ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ بِوِرَاثَةِ أَرْضِ الْكَافِرِينَ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ عِبَادِي بِتَسْكِينِ الْيَاءِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَحْرِيكِهَا. إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً أَيْ: فِيمَا جَرَى ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الْوَعْظِ وَالتَّنْبِيهِ لَبَلَاغًا لَكِفَايَةً، يُقَالُ: فِي هَذَا الشَّيْءِ بلاغ وبلغة وتبلغ، أَيْ: كِفَايَةٌ، وَقِيلَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ فِي هَذَا إِلَى الْقُرْآنِ لِقَوْمٍ عابِدِينَ أَيْ: مَشْغُولِينَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ مُهْتَمِّينَ بِهَا، وَالْعِبَادَةُ: هِيَ الْخُضُوعُ وَالتَّذَلُّلُ، وَهُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأَسُ الْعِبَادَةِ الصَّلَاةُ. وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ أَيْ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ
(١). الأنعام: ٩٤.
(٢). المزمل: ١٨.
(٣). الزمر: ٧٤.
(٤). الأعراف: ١٣٧.
508
بِالشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ إِلَّا رَحْمَةً لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ وَالْعِلَلِ، أَيْ: مَا أَرْسَلْنَاكَ لِعِلَّةٍ مِنَ الْعِلَلِ إِلَّا لِرَحْمَتِنَا الْوَاسِعَةِ، فَإِنَّ مَا بُعِثْتَ بِهِ سَبَبٌ لِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ. قِيلَ: وَمَعْنَى كَوْنِهِ رَحْمَةً لِلْكُفَّارِ:
أَنَّهُمْ أَمِنُوا بِهِ مِنَ الْخَسْفِ وَالْمَسْخِ وَالِاسْتِئْصَالِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْعَالَمِينَ الْمُؤْمِنُونَ خَاصَّةً، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ «١» ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ أَصْلَ تِلْكَ الرَّحْمَةِ هُوَ التَّوْحِيدُ وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ، فَقَالَ: قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ إِنْ كَانَتْ مَا مَوْصُولَةً، فَالْمَعْنَى: أَنَّ الَّذِي يُوحَى إِلَيَّ هُوَ أَنَّ وَصْفَهُ تَعَالَى مَقْصُورٌ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ لَا يَتَجَاوَزُهَا إِلَى مَا يُنَاقِضُهَا أَوْ يُضَادُّهَا، وَإِنْ كَانَتْ «مَا» كَافَّةً فَالْمَعْنَى: أَنَّ الْوَحْيَ إِلَيَّ مَقْصُورٌ عَلَى اسْتِئْثَارِ اللَّهِ بِالْوَحْدَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَصْرَ أَبَدًا يَكُونُ لِمَا يَلِي إِنَّمَا، فَإِنَّمَا الْأُولَى: لِقَصْرِ الْوَصْفِ عَلَى الشَّيْءِ، كَقَوْلِكَ: إِنَّمَا يَقُومُ زَيْدٌ، أَيْ: مَا يَقُومُ إِلَّا زَيْدٌ. وَالثَّانِيَةُ:
لِقَصْرِ الشَّيْءِ عَلَى الْحُكْمِ، كَقَوْلِكَ: إِنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ، أَيْ: لَيْسَ بِهِ إِلَّا صِفَةُ الْقِيَامِ. فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ مُنْقَادُونَ مُخْلِصُونَ لِلْعِبَادَةِ وَلِتَوْحِيدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَإِنْ تَوَلَّوْا أَيْ: أَعْرَضُوا عَنِ الْإِسْلَامِ فَقُلْ لَهُمْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ أَيْ: أَعْلَمْتُكُمْ أَنَّا وَإِيَّاكُمْ حَرْبٌ لَا صُلْحَ بَيْنَنَا كَائِنِينَ عَلَى سَوَاءٍ فِي الْإِعْلَامِ لَمْ أَخُصَّ بِهِ بَعْضَكُمْ دُونَ بَعْضٍ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ
«٢» أَيْ:
أَعْلِمْهُمْ أَنَّكَ نَقَضْتَ الْعَهْدَ نَقْضًا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ فِيهِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى أَعْلَمْتُكُمْ مَا يُوحَى إِلَيَّ عَلَى اسْتِوَاءٍ فِي الْعِلْمِ بِهِ، وَلَا أُظْهِرُ لِأَحَدٍ شَيْئًا كَتَمْتُهُ عَلَى غَيْرِهِ. وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ أي: ما أدري ما تُوعَدُونَ بِهِ قَرِيبٌ حُصُولُهُ أَمْ بَعِيدٌ، وَهُوَ غلبة الإسلام وأهله عَلَى الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِمَا تُوعَدُونَ الْقِيَامَةُ، وَقِيلَ: آذَنْتُكُمْ بِالْحَرْبِ، وَلَكِنْ لَا أَدْرِي مَا يُؤْذَنُ لِي فِي مُحَارَبَتِكُمْ. إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ أَيْ: يَعْلَمُ سُبْحَانَهُ مَا تُجَاهِرُونَ بِهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالطَّعْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَمَا تَكْتُمُونَهُ مِنْ ذَلِكَ وَتُخْفُونَهُ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ أَيْ: مَا أَدْرِي لَعَلَّ الْإِمْهَالَ فِتْنَةٌ لَكُمْ واختبار ليرى كيف صنيعكم وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ أَيْ: وَتَمْتِيعٌ إِلَى وَقْتٍ مُقَدَّرٍ تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ. ثُمَّ حَكَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دعاء نبيه صلّى الله عليه وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ أَيِ: احْكُمْ بَيْنِي وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِمَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدَكَ، فَفَوَّضَ الْأَمْرَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ «رَبُّ» بضم الباء. قال النَّحَّاسُ: وَهَذَا لَحْنٌ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ لَا يَجُوزُ عندهم: رجل أقبل، حتى تقول: يَا رَجُلُ. وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ وَطَلْحَةُ وَيَعْقُوبُ «أَحْكَمُ» بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّ الْمِيمِ، أَيْ: قال محمد: ربي أحكم بالحقّ من كل حاكم. وقرأ الجحدري «أحكم» بصيغة الماضي أي: أحكم الأمور بِالْحَقِّ. وَقُرِئَ «قُلْ» بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، أَيْ: قُلْ يا محمد. قال أبو عبيدة: الصفة هنا أقيمت مقام الموصوف، والتقدير: ربّ احكم بحكمك الحق، وَرَبِّ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لِأَنَّهُ مُنَادًى مُضَافٌ إِلَى الضَّمِيرِ، وَقَدِ اسْتَجَابَ سُبْحَانَهُ دُعَاءَ نَبِيِّهِ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ فَعَذَّبَهُمْ بِبَدْرٍ، ثُمَّ جَعَلَ الْعَاقِبَةَ وَالْغَلَبَةَ وَالنَّصْرَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ مُتَمِّمًا لِتِلْكَ الْحِكَايَةِ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى مَا تَصِفُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ، فَرَبُّنَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ الرَّحْمَنُ، أَيْ: هُوَ كثير الرحمة
(١). الأنفال: ٣٣.
(٢). الأنفال: ٥٨.
509
لِعِبَادِهِ، وَالْمُسْتَعَانُ خَبَرٌ آخَرُ، أَيِ: الْمُسْتَعَانُ بِهِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا مَا تَصِفُونَهُ مِنْ أَنَّ الشَّوْكَةَ تَكُونُ لَكُمْ، وَمِنْ قَوْلِكُمْ: هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ «١» وقولكم: اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً «٢» وَكَثِيرًا مَا يُسْتَعْمَلُ الْوَصْفُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِمَعْنَى الْكَذِبِ، كَقَوْلِهِ: وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ «٣»، وقوله:
سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ «٤» وَقَرَأَ الْمُفَضَّلُ وَالسُّلَمِيُّ «عَلَى مَا يَصِفُونَ» بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْخِطَابِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي نَاسِخِهِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: فَالْمَلَائِكَةُ وَعِيسَى وَعُزَيْرٌ يُعْبَدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَنَزَلَتْ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ عِيسَى وَعُزَيْرٌ وَالْمَلَائِكَةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ، عَنْهُ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةَ: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ قَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى: قَدْ عُبِدَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْمَلَائِكَةُ وَعُزَيْرٌ وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ كُلُّ هَؤُلَاءِ فِي النَّارِ مَعَ آلِهَتِنَا، فَنَزَلَتْ: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ- وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ «٥»، ثُمَّ نَزَلَتْ:
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي نَاسِخِهِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ أَيْضًا نَحْوَهُ بِأَطْوَلَ مِنْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى قَالَ: «عِيسَى وَعُزَيْرٌ وَالْمَلَائِكَةُ». وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: حَصَبُ جَهَنَّمَ قَالَ: شَجَرُ جَهَنَّمَ، وَفِي إِسْنَادِهِ الْعَوْفِيُّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ حَصَبُ جَهَنَّمَ: وَقُودُهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: هُوَ حَطَبُ جَهَنَّمَ بِالزِّنْجِيَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها قَالَ: «حَيَّاتٌ عَلَى الصِّرَاطِ تَقُولُ: حَسِّ حَسِّ». وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها قَالَ: حَيَّاتٌ عَلَى الصِّرَاطِ تَلْسَعُهُمْ، فَإِذَا لَسَعَتْهُمْ قَالُوا:
حَسِّ حَسِّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى قَالَ: هُوَ عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها يَقُولُ: لَا يَسْمَعُ أَهْلُ الْجَنَّةِ حَسِيسَ النَّارِ إذا نزلوا منزلهم من الجنة.
(١). الأنبياء: ٣.
(٢). الأنبياء: ٢٦. [.....]
(٣). الأنبياء: ١٨.
(٤). الأنعام: ١٣٩.
(٥). الزخرف: ٥٧- ٥٨.
510
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ قَالَ:
النَّفْخَةُ الْآخِرَةُ، وَفِي إِسْنَادِهِ الْعَوْفِيُّ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ لَا يَهُولُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ رَاضُونَ، وَرَجُلٌ كَانَ يُؤَذِّنُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَعَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ». وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ: كَطَيِّ السِّجِلِّ قَالَ: مَلَكٌ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَطِيَّةَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: السِّجِلُّ: مَلَكٌ، فَإِذَا صَعِدَ بِالِاسْتِغْفَارِ قَالَ: اكْتُبُوهَا نُورًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ قَالَ: السِّجِلُّ: مَلَكٌ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَنْدَهْ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: السِّجِلُّ: كَاتِبٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَدِيٍّ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِبٌ يُسَمَّى السِّجِلَّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ قَالَ: كَمَا يَطْوِي السِّجِلُّ الْكِتَابَ كَذَلِكَ نَطْوِي السَّمَاءَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَنْدَهْ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْخَطِيبُ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِبٌ يُقَالُ لَهُ السِّجِلُّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْدَ إِخْرَاجِ هَذَا الْحَدِيثِ: وَهَذَا مُنْكَرٌ جِدًّا مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، لَا يَصِحُّ أَصْلًا. قَالَ: وَكَذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ أَيْضًا. وَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنِ الْحُفَّاظِ بِوَضْعِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، مِنْهُمْ شَيْخُنَا الحافظ الكبير أبو الحجّاج المزي، وقد أفردت لهذا الْحَدِيثِ جُزْءًا لَهُ عَلَى حِدَةٍ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. قال: وقد تصدّى الإمام أبو جعفر ابن جَرِيرٍ لِلْإِنْكَارِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَرَدَّهُ أَتَمَّ رَدٍّ، وَقَالَ: وَلَا نَعْرِفُ فِي الصَّحَابَةِ أَحَدًا اسْمُهُ سِجِلُّ، وَكُتَّابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا مَعْرُوفِينَ، وَلَيْسَ فِيهِمْ أَحَدٌ اسْمُهُ السِّجِلُّ، وَصَدَقَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى نَكَارَةِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَأَمَّا مَنْ ذَكَرَ فِي أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ هَذَا فَإِنَّمَا اعْتَمَدَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ لَا عَلَى غَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: وَالصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ السِّجِلَّ هُوَ الصَّحِيفَةُ، قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَالْعَوْفِيُّ عَنْهُ. وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ، أَيْ: عَلَى الْكِتَابِ، يَعْنِي الْمَكْتُوبَ، كقوله:
فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ «١» أَيْ: عَلَى الْجَبِينِ، وَلَهُ نَظَائِرُ فِي اللُّغَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْتُ: أَمَّا كَوْنُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَا، فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ وَالْعَوْفِيَّ ضَعِيفَانِ، فَالْأَوْلَى التَّعْوِيلُ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ. وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
السِّجِلِّ هُوَ الرَّجُلُ، زَادَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ قَالَ: كَطَيِّ الصَّحِيفَةِ عَلَى الْكِتَابِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ يَقُولُ: نُهْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ:
(١). الصافات: ١٠٣.
511
وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ قَالَ: الْقُرْآنِ أَنَّ الْأَرْضَ قَالَ: أَرْضُ الْجَنَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ قَالَ: الْكُتُبِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ قَالَ: التَّوْرَاةِ. وَفِي إِسْنَادِهِ الْعَوْفِيُّ.
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ أَيْضًا، قَالَ: الزَّبُورُ وَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالْقُرْآنُ. وَالذِّكْرُ: الْأَصْلُ الَّذِي نُسِخَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْكُتُبُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ. وَالْأَرْضُ: أَرْضُ الْجَنَّةِ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ قَالَ: أَرْضُ الْجَنَّةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حاتم عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ في التوراة والزبور وسابق علمه قَبْلَ أَنْ تَكُونَ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أَنْ يُورِثَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ الْأَرْضَ، وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ، وَهُمُ الصَّالِحُونَ، وَفِي قَوْلِهِ: لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ قَالَ: عَالِمِينَ، وَفِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ.
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ قَالَ: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ قَالَ: «فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ شُغْلًا لِلْعِبَادَةِ». وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ قَالَ: هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ جَمَاعَةٌ». وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ قَالَ: مَنْ آمَنَ تَمَّتْ لَهُ الرَّحْمَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ عُوفِيَ مِمَّا كَانَ يُصِيبُ الْأُمَمَ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا مِنَ الْعَذَابِ مِنَ الْخَسْفِ وَالْمَسْخِ وَالْقَذْفِ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً».
وَأَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
«أن اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَهُدًى لِلْمُتَّقِينَ». وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ سَلْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«أَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي سَبَبْتُهُ سَبَّةً فِي غَضَبِي، أَوْ لَعَنْتُهُ لَعْنَةً، فَإِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ، أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُونَ، وَإِنَّمَا بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، فَاجْعَلْهَا عَلَيْهِ صَلَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَى هَذَا مِنْ طُرُقٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فُلَانًا، وَهُوَ بَعْضُ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ يَقُولُ:
هَذَا الْمَلِكِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ يَقُولُ: مَا أَخْبَرَكُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالسَّاعَةِ، لَعَلَّ تَأْخِيرَ ذَلِكَ عَنْكُمْ فِتْنَةٌ لَكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ قَالَ: لَا يَحْكُمُ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَإِنَّمَا يَسْتَعْجِلُ بِذَلِكَ فِي الدنيا يسأل ربّه [على قومه] «١».
(١). من تفسير ابن جرير (١٧/ ١٠٨).
512
﴿ لَوْ كَانَ هَؤُلاء آلِهَةً ما وَرَدُوهَا ﴾ أي لو كانت هذه الأصنام آلهة كما تزعمون، ما وردوها أي : ما ورد العابدون هم والمعبودون النار ؛ وقيل : ما ورد العابدون فقط، لكنهم وردوها فلم يكونوا آلهة، وفي هذا تبكيت لعباد الأصنام وتوبيخ شديد ﴿ وَكُلٌّ فِيهَا خالدون ﴾ أي : كلّ العابدين والمعبودين في النار خالدون لا يخرجون منها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد، وأبو داود في ناسخه، وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال المشركون : فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله، فنزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ عيسى وعزير والملائكة. وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة عنه قال : جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال ابن الزبعري : قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا، فنزلت :
﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [ الزخرف : ٥٧، ٥٨ ]. ثم نزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والطبراني من وجه آخر عنه أيضاً نحوه بأطول منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال :«عيسى وعزير والملائكة». وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله :﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ قال : شجر جهنم، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من وجه آخر أن ﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ وقودها. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو حطب جهنم بالزنجية. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال :«حيات على الصراط تقول حس حس» وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال : حيات على الصراط تلسعهم، فإذا لسعتهم قالوا : حس حس. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن حاطب قال : سئل عليّ عن هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال : هو عثمان وأصحابه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ يقول : لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا [ نزلوا ] منزلهم من الجنة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ قال : النفخة الآخرة، وفي إسناده العوفي. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة : رجل أمّ قوماً وهم له راضون، ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة. وعبد أدّى حق الله وحقّ مواليه ). وأخرج عبد بن حميد عن عليّ في قوله :﴿ كَطَيّ السجل ﴾ قال : ملك. وأخرج عبد بن حميد عن عطية مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : السجل ملك، فإذا صعد بالاستغفار قال : اكتبوها نوراً. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر قال : السجل ملك. وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، وابن منده في المعرفة، وابن مردويه، والبيهقي في سننه وصححه عن ابن عباس قال : السجل كاتب للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن المنذر وابن عديّ وابن عساكر عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى : السجل، وهو قوله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل للكتب ﴾ قال : كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء. وأخرج ابن المنذر، وأخرج بن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر قال : كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له : السجل، فأنزل الله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل ﴾ قال ابن كثير في تفسيره بعد إخراج هذا الحديث : وهذا منكر جداً من حديث نافع عن ابن عمر، لا يصح أصلاً. قال : وكذلك ما تقدّم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضاً. وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه، وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج وقد أفردت لهذا الحديث جزءاً له على حدة، ولله الحمد. قال : وقد تصدّى الإمام أبو جعفر ابن جرير للإنكار على هذا الحديث وردّه أتمّ ردّ، وقال : ولا نعرف في الصحابة أحداً اسمه سجلّ، وكتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا معروفين، وليس فيهم أحد اسمه السجل. وصدق رحمه الله في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث. وأما من ذكر في أسماء الصحابة هذا فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره والله أعلم. قال : والصحيح عن ابن عباس : أن السجلّ هو الصحيفة، قاله عليّ بن أبي طلحة والعوفي عنه. ونصّ على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد، واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة، فعلى هذا يكون معنى الكلام : يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ للكتاب أي : على الكتاب، يعني المكتوب كقوله :﴿ فلما أَسْلَمَا وَتَلَهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [ الصافات : ١٠٣ ]، أي : على الجبين، وله نظائر في اللغة والله أعلم. قلت : أما كون هذا هو الصحيح عن ابن عباس فلا، فإن عليّ بن أبي طلحة والعوفيّ ضعيفان، فالأولى التعويل على المعنى اللغوي والمصير إليه. وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال :﴿ السجل ﴾ هو الرجل، زاد ابن مردويه : بلغة الحبشة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسير الآية قال : كطيّ الصحيفة على الكتاب. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ يقول : نهلك كل شيء كما كان أوّل مرّة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : القرآن ﴿ أَنَّ الأرض ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور ﴾ قال : الكتب ﴿ مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : التوراة وفي إسناده العوفي. وأخرج سعيد بن منصور عنه أيضاً، قال : الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن. والذكر : الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب الذي في السماء، والأرض : أرض الجنة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد الأرض، ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون، وفي قوله :﴿ لبلاغا لّقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : عالمين، وفي إسناده عليّ بن أبي طلحة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : الصلوات الخمس. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( في قول الله :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : في الصلوات الخمس شغلاً للعبادة ). وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية :﴿ لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال :( هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين ﴾ قال : من آمن تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف. وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال :( قيل : يا رسول الله ادع الله على المشركين، قال :( إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة ). وأخرج الطيالسي وأحمد والطبراني، وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين ). وأخرج أحمد والطبراني عن سلمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي أو لعنته لعنة، فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليه صلاة يوم القيامة ). وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنما أنا رحمة مهداة» وقد روي معنى هذا من طرق. وأخرج ابن أبي خيثمة وابن عساكر عن الربيع بن أنس قال : لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم رأى فلاناً، وهو بعض بني أمية على المنبر يخطب الناس، فشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ ﴾ يقول : هذا الملك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ ﴾ يقول : ما أخبركم به من العذاب والساعة، لعلّ تأخير ذلك عنكم فتنة لكم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله :﴿ قُل رَبّ احكم بالحق ﴾ قال : لا يحكم الله إلا بالحق، وإنما يستعجل بذلك في الدنيا يسأل ربه.

﴿ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ ﴾ أي لهؤلاء الذين وردوا النار، والزفير صوت نفس المغموم، والمراد هنا : الأنين والتنفس الشديد، وقد تقدّم بيان هذا في هود ﴿ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ ﴾ أي لا يسمع بعضهم زفير بعض لشدّة الهول. وقيل : لا يسمعون شيئاً، لأنهم يحشرون صماً كما قال سبحانه :﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا ﴾ [ الإسراء : ٩٧ ]. وإنما سلبوا السماع، لأن فيه بعض تروّح وتأنس، وقيل : لا يسمعون ما يسرهم، بل يسمعون ما يسوؤهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد، وأبو داود في ناسخه، وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال المشركون : فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله، فنزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ عيسى وعزير والملائكة. وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة عنه قال : جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال ابن الزبعري : قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا، فنزلت :
﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [ الزخرف : ٥٧، ٥٨ ]. ثم نزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والطبراني من وجه آخر عنه أيضاً نحوه بأطول منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال :«عيسى وعزير والملائكة». وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله :﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ قال : شجر جهنم، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من وجه آخر أن ﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ وقودها. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو حطب جهنم بالزنجية. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال :«حيات على الصراط تقول حس حس» وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال : حيات على الصراط تلسعهم، فإذا لسعتهم قالوا : حس حس. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن حاطب قال : سئل عليّ عن هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال : هو عثمان وأصحابه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ يقول : لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا [ نزلوا ] منزلهم من الجنة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ قال : النفخة الآخرة، وفي إسناده العوفي. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة : رجل أمّ قوماً وهم له راضون، ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة. وعبد أدّى حق الله وحقّ مواليه ). وأخرج عبد بن حميد عن عليّ في قوله :﴿ كَطَيّ السجل ﴾ قال : ملك. وأخرج عبد بن حميد عن عطية مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : السجل ملك، فإذا صعد بالاستغفار قال : اكتبوها نوراً. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر قال : السجل ملك. وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، وابن منده في المعرفة، وابن مردويه، والبيهقي في سننه وصححه عن ابن عباس قال : السجل كاتب للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن المنذر وابن عديّ وابن عساكر عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى : السجل، وهو قوله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل للكتب ﴾ قال : كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء. وأخرج ابن المنذر، وأخرج بن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر قال : كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له : السجل، فأنزل الله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل ﴾ قال ابن كثير في تفسيره بعد إخراج هذا الحديث : وهذا منكر جداً من حديث نافع عن ابن عمر، لا يصح أصلاً. قال : وكذلك ما تقدّم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضاً. وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه، وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج وقد أفردت لهذا الحديث جزءاً له على حدة، ولله الحمد. قال : وقد تصدّى الإمام أبو جعفر ابن جرير للإنكار على هذا الحديث وردّه أتمّ ردّ، وقال : ولا نعرف في الصحابة أحداً اسمه سجلّ، وكتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا معروفين، وليس فيهم أحد اسمه السجل. وصدق رحمه الله في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث. وأما من ذكر في أسماء الصحابة هذا فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره والله أعلم. قال : والصحيح عن ابن عباس : أن السجلّ هو الصحيفة، قاله عليّ بن أبي طلحة والعوفي عنه. ونصّ على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد، واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة، فعلى هذا يكون معنى الكلام : يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ للكتاب أي : على الكتاب، يعني المكتوب كقوله :﴿ فلما أَسْلَمَا وَتَلَهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [ الصافات : ١٠٣ ]، أي : على الجبين، وله نظائر في اللغة والله أعلم. قلت : أما كون هذا هو الصحيح عن ابن عباس فلا، فإن عليّ بن أبي طلحة والعوفيّ ضعيفان، فالأولى التعويل على المعنى اللغوي والمصير إليه. وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال :﴿ السجل ﴾ هو الرجل، زاد ابن مردويه : بلغة الحبشة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسير الآية قال : كطيّ الصحيفة على الكتاب. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ يقول : نهلك كل شيء كما كان أوّل مرّة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : القرآن ﴿ أَنَّ الأرض ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور ﴾ قال : الكتب ﴿ مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : التوراة وفي إسناده العوفي. وأخرج سعيد بن منصور عنه أيضاً، قال : الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن. والذكر : الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب الذي في السماء، والأرض : أرض الجنة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد الأرض، ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون، وفي قوله :﴿ لبلاغا لّقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : عالمين، وفي إسناده عليّ بن أبي طلحة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : الصلوات الخمس. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( في قول الله :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : في الصلوات الخمس شغلاً للعبادة ). وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية :﴿ لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال :( هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين ﴾ قال : من آمن تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف. وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال :( قيل : يا رسول الله ادع الله على المشركين، قال :( إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة ). وأخرج الطيالسي وأحمد والطبراني، وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين ). وأخرج أحمد والطبراني عن سلمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي أو لعنته لعنة، فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليه صلاة يوم القيامة ). وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنما أنا رحمة مهداة» وقد روي معنى هذا من طرق. وأخرج ابن أبي خيثمة وابن عساكر عن الربيع بن أنس قال : لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم رأى فلاناً، وهو بعض بني أمية على المنبر يخطب الناس، فشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ ﴾ يقول : هذا الملك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ ﴾ يقول : ما أخبركم به من العذاب والساعة، لعلّ تأخير ذلك عنكم فتنة لكم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله :﴿ قُل رَبّ احكم بالحق ﴾ قال : لا يحكم الله إلا بالحق، وإنما يستعجل بذلك في الدنيا يسأل ربه.

ثم لما بيّن سبحانه حال هؤلاء الأشقياء شرع في بيان حال السعداء فقال :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى ﴾ أي الخصلة الحسنى التي هي أحسن الخصال وهي السعادة. وقيل : التوفيق، أو التبشير بالجنة، أو نفس الجنة. ﴿ أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ إشارة إلى الموصوفين بتلك الصفة ﴿ عَنْهَا ﴾ أي عن جهنم ﴿ مُبْعَدُونَ ﴾ لأنهم قد صاروا في الجنة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد، وأبو داود في ناسخه، وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال المشركون : فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله، فنزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ عيسى وعزير والملائكة. وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة عنه قال : جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال ابن الزبعري : قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا، فنزلت :
﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [ الزخرف : ٥٧، ٥٨ ]. ثم نزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والطبراني من وجه آخر عنه أيضاً نحوه بأطول منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال :«عيسى وعزير والملائكة». وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله :﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ قال : شجر جهنم، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من وجه آخر أن ﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ وقودها. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو حطب جهنم بالزنجية. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال :«حيات على الصراط تقول حس حس» وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال : حيات على الصراط تلسعهم، فإذا لسعتهم قالوا : حس حس. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن حاطب قال : سئل عليّ عن هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال : هو عثمان وأصحابه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ يقول : لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا [ نزلوا ] منزلهم من الجنة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ قال : النفخة الآخرة، وفي إسناده العوفي. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة : رجل أمّ قوماً وهم له راضون، ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة. وعبد أدّى حق الله وحقّ مواليه ). وأخرج عبد بن حميد عن عليّ في قوله :﴿ كَطَيّ السجل ﴾ قال : ملك. وأخرج عبد بن حميد عن عطية مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : السجل ملك، فإذا صعد بالاستغفار قال : اكتبوها نوراً. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر قال : السجل ملك. وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، وابن منده في المعرفة، وابن مردويه، والبيهقي في سننه وصححه عن ابن عباس قال : السجل كاتب للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن المنذر وابن عديّ وابن عساكر عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى : السجل، وهو قوله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل للكتب ﴾ قال : كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء. وأخرج ابن المنذر، وأخرج بن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر قال : كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له : السجل، فأنزل الله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل ﴾ قال ابن كثير في تفسيره بعد إخراج هذا الحديث : وهذا منكر جداً من حديث نافع عن ابن عمر، لا يصح أصلاً. قال : وكذلك ما تقدّم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضاً. وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه، وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج وقد أفردت لهذا الحديث جزءاً له على حدة، ولله الحمد. قال : وقد تصدّى الإمام أبو جعفر ابن جرير للإنكار على هذا الحديث وردّه أتمّ ردّ، وقال : ولا نعرف في الصحابة أحداً اسمه سجلّ، وكتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا معروفين، وليس فيهم أحد اسمه السجل. وصدق رحمه الله في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث. وأما من ذكر في أسماء الصحابة هذا فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره والله أعلم. قال : والصحيح عن ابن عباس : أن السجلّ هو الصحيفة، قاله عليّ بن أبي طلحة والعوفي عنه. ونصّ على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد، واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة، فعلى هذا يكون معنى الكلام : يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ للكتاب أي : على الكتاب، يعني المكتوب كقوله :﴿ فلما أَسْلَمَا وَتَلَهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [ الصافات : ١٠٣ ]، أي : على الجبين، وله نظائر في اللغة والله أعلم. قلت : أما كون هذا هو الصحيح عن ابن عباس فلا، فإن عليّ بن أبي طلحة والعوفيّ ضعيفان، فالأولى التعويل على المعنى اللغوي والمصير إليه. وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال :﴿ السجل ﴾ هو الرجل، زاد ابن مردويه : بلغة الحبشة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسير الآية قال : كطيّ الصحيفة على الكتاب. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ يقول : نهلك كل شيء كما كان أوّل مرّة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : القرآن ﴿ أَنَّ الأرض ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور ﴾ قال : الكتب ﴿ مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : التوراة وفي إسناده العوفي. وأخرج سعيد بن منصور عنه أيضاً، قال : الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن. والذكر : الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب الذي في السماء، والأرض : أرض الجنة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد الأرض، ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون، وفي قوله :﴿ لبلاغا لّقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : عالمين، وفي إسناده عليّ بن أبي طلحة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : الصلوات الخمس. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( في قول الله :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : في الصلوات الخمس شغلاً للعبادة ). وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية :﴿ لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال :( هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين ﴾ قال : من آمن تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف. وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال :( قيل : يا رسول الله ادع الله على المشركين، قال :( إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة ). وأخرج الطيالسي وأحمد والطبراني، وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين ). وأخرج أحمد والطبراني عن سلمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي أو لعنته لعنة، فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليه صلاة يوم القيامة ). وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنما أنا رحمة مهداة» وقد روي معنى هذا من طرق. وأخرج ابن أبي خيثمة وابن عساكر عن الربيع بن أنس قال : لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم رأى فلاناً، وهو بعض بني أمية على المنبر يخطب الناس، فشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ ﴾ يقول : هذا الملك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ ﴾ يقول : ما أخبركم به من العذاب والساعة، لعلّ تأخير ذلك عنكم فتنة لكم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله :﴿ قُل رَبّ احكم بالحق ﴾ قال : لا يحكم الله إلا بالحق، وإنما يستعجل بذلك في الدنيا يسأل ربه.

﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ الحسّ والحسيس : الصوت تسمعه من الشيء يمرّ قريباً منك. والمعنى : لا يسمعون حركة النار وحركة أهلها، وهذه الجملة بدل من ﴿ مبعدون ﴾ أو حال من ضميره ﴿ وَهُمْ فِيمَا اشتهت أَنفُسُهُمْ خالدون ﴾ أي دائمون، وفي الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذّ به الأعين كما قال سبحانه :﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾ [ فصلت : ٣١ ].
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد، وأبو داود في ناسخه، وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال المشركون : فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله، فنزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ عيسى وعزير والملائكة. وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة عنه قال : جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال ابن الزبعري : قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا، فنزلت :
﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [ الزخرف : ٥٧، ٥٨ ]. ثم نزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والطبراني من وجه آخر عنه أيضاً نحوه بأطول منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال :«عيسى وعزير والملائكة». وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله :﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ قال : شجر جهنم، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من وجه آخر أن ﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ وقودها. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو حطب جهنم بالزنجية. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال :«حيات على الصراط تقول حس حس» وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال : حيات على الصراط تلسعهم، فإذا لسعتهم قالوا : حس حس. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن حاطب قال : سئل عليّ عن هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال : هو عثمان وأصحابه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ يقول : لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا [ نزلوا ] منزلهم من الجنة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ قال : النفخة الآخرة، وفي إسناده العوفي. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة : رجل أمّ قوماً وهم له راضون، ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة. وعبد أدّى حق الله وحقّ مواليه ). وأخرج عبد بن حميد عن عليّ في قوله :﴿ كَطَيّ السجل ﴾ قال : ملك. وأخرج عبد بن حميد عن عطية مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : السجل ملك، فإذا صعد بالاستغفار قال : اكتبوها نوراً. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر قال : السجل ملك. وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، وابن منده في المعرفة، وابن مردويه، والبيهقي في سننه وصححه عن ابن عباس قال : السجل كاتب للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن المنذر وابن عديّ وابن عساكر عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى : السجل، وهو قوله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل للكتب ﴾ قال : كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء. وأخرج ابن المنذر، وأخرج بن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر قال : كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له : السجل، فأنزل الله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل ﴾ قال ابن كثير في تفسيره بعد إخراج هذا الحديث : وهذا منكر جداً من حديث نافع عن ابن عمر، لا يصح أصلاً. قال : وكذلك ما تقدّم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضاً. وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه، وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج وقد أفردت لهذا الحديث جزءاً له على حدة، ولله الحمد. قال : وقد تصدّى الإمام أبو جعفر ابن جرير للإنكار على هذا الحديث وردّه أتمّ ردّ، وقال : ولا نعرف في الصحابة أحداً اسمه سجلّ، وكتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا معروفين، وليس فيهم أحد اسمه السجل. وصدق رحمه الله في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث. وأما من ذكر في أسماء الصحابة هذا فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره والله أعلم. قال : والصحيح عن ابن عباس : أن السجلّ هو الصحيفة، قاله عليّ بن أبي طلحة والعوفي عنه. ونصّ على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد، واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة، فعلى هذا يكون معنى الكلام : يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ للكتاب أي : على الكتاب، يعني المكتوب كقوله :﴿ فلما أَسْلَمَا وَتَلَهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [ الصافات : ١٠٣ ]، أي : على الجبين، وله نظائر في اللغة والله أعلم. قلت : أما كون هذا هو الصحيح عن ابن عباس فلا، فإن عليّ بن أبي طلحة والعوفيّ ضعيفان، فالأولى التعويل على المعنى اللغوي والمصير إليه. وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال :﴿ السجل ﴾ هو الرجل، زاد ابن مردويه : بلغة الحبشة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسير الآية قال : كطيّ الصحيفة على الكتاب. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ يقول : نهلك كل شيء كما كان أوّل مرّة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : القرآن ﴿ أَنَّ الأرض ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور ﴾ قال : الكتب ﴿ مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : التوراة وفي إسناده العوفي. وأخرج سعيد بن منصور عنه أيضاً، قال : الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن. والذكر : الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب الذي في السماء، والأرض : أرض الجنة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد الأرض، ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون، وفي قوله :﴿ لبلاغا لّقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : عالمين، وفي إسناده عليّ بن أبي طلحة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : الصلوات الخمس. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( في قول الله :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : في الصلوات الخمس شغلاً للعبادة ). وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية :﴿ لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال :( هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين ﴾ قال : من آمن تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف. وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال :( قيل : يا رسول الله ادع الله على المشركين، قال :( إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة ). وأخرج الطيالسي وأحمد والطبراني، وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين ). وأخرج أحمد والطبراني عن سلمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي أو لعنته لعنة، فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليه صلاة يوم القيامة ). وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنما أنا رحمة مهداة» وقد روي معنى هذا من طرق. وأخرج ابن أبي خيثمة وابن عساكر عن الربيع بن أنس قال : لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم رأى فلاناً، وهو بعض بني أمية على المنبر يخطب الناس، فشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ ﴾ يقول : هذا الملك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ ﴾ يقول : ما أخبركم به من العذاب والساعة، لعلّ تأخير ذلك عنكم فتنة لكم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله :﴿ قُل رَبّ احكم بالحق ﴾ قال : لا يحكم الله إلا بالحق، وإنما يستعجل بذلك في الدنيا يسأل ربه.

﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ قرأ أبو جعفر وابن محيصن :«لا يحزنهم » بضم الياء وكسر الزاي، وقرأ الباقون ﴿ لا يحزنهم ﴾ بفتح الياء وضم الزاي. قال اليزيدي : حزنه لغة قريش، وأحزنه لغة تميم. والفزع الأكبر : أهوال يوم القيامة من البعث والحساب والعقاب ﴿ وتتلقاهم الملائكة ﴾ أي تستقبلهم على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم :﴿ هذا يَوْمُكُمُ الذي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ أي توعدون به في الدنيا وتبشرون بما فيه، هكذا قال جماعة من المفسرين إن المراد بقوله :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى ﴾ إلى هنا هم كافة الموصوفين بالإيمان والعمل الصالح، لا المسيح وعزير والملائكة، وقال أكثر المفسرين : إنه لما نزل ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ﴾ الآية ( أتى ابن الزبعري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ألست تزعم أن عزيراً رجل صالح، وأن عيسى رجل صالح، وأن مريم امرأة صالحة ؟ قال : بلى، فقال : فإن الملائكة وعيسى وعزيراً ومريم يعبدون من دون الله، فهؤلاء في النار، فأنزل الله ﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ ) وسيأتي بيان من أخرج هذا قريباً إن شاء الله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد، وأبو داود في ناسخه، وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال المشركون : فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله، فنزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ عيسى وعزير والملائكة. وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة عنه قال : جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال ابن الزبعري : قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا، فنزلت :
﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [ الزخرف : ٥٧، ٥٨ ]. ثم نزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والطبراني من وجه آخر عنه أيضاً نحوه بأطول منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال :«عيسى وعزير والملائكة». وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله :﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ قال : شجر جهنم، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من وجه آخر أن ﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ وقودها. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو حطب جهنم بالزنجية. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال :«حيات على الصراط تقول حس حس» وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال : حيات على الصراط تلسعهم، فإذا لسعتهم قالوا : حس حس. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن حاطب قال : سئل عليّ عن هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال : هو عثمان وأصحابه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ يقول : لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا [ نزلوا ] منزلهم من الجنة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ قال : النفخة الآخرة، وفي إسناده العوفي. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة : رجل أمّ قوماً وهم له راضون، ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة. وعبد أدّى حق الله وحقّ مواليه ). وأخرج عبد بن حميد عن عليّ في قوله :﴿ كَطَيّ السجل ﴾ قال : ملك. وأخرج عبد بن حميد عن عطية مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : السجل ملك، فإذا صعد بالاستغفار قال : اكتبوها نوراً. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر قال : السجل ملك. وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، وابن منده في المعرفة، وابن مردويه، والبيهقي في سننه وصححه عن ابن عباس قال : السجل كاتب للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن المنذر وابن عديّ وابن عساكر عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى : السجل، وهو قوله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل للكتب ﴾ قال : كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء. وأخرج ابن المنذر، وأخرج بن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر قال : كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له : السجل، فأنزل الله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل ﴾ قال ابن كثير في تفسيره بعد إخراج هذا الحديث : وهذا منكر جداً من حديث نافع عن ابن عمر، لا يصح أصلاً. قال : وكذلك ما تقدّم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضاً. وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه، وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج وقد أفردت لهذا الحديث جزءاً له على حدة، ولله الحمد. قال : وقد تصدّى الإمام أبو جعفر ابن جرير للإنكار على هذا الحديث وردّه أتمّ ردّ، وقال : ولا نعرف في الصحابة أحداً اسمه سجلّ، وكتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا معروفين، وليس فيهم أحد اسمه السجل. وصدق رحمه الله في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث. وأما من ذكر في أسماء الصحابة هذا فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره والله أعلم. قال : والصحيح عن ابن عباس : أن السجلّ هو الصحيفة، قاله عليّ بن أبي طلحة والعوفي عنه. ونصّ على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد، واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة، فعلى هذا يكون معنى الكلام : يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ للكتاب أي : على الكتاب، يعني المكتوب كقوله :﴿ فلما أَسْلَمَا وَتَلَهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [ الصافات : ١٠٣ ]، أي : على الجبين، وله نظائر في اللغة والله أعلم. قلت : أما كون هذا هو الصحيح عن ابن عباس فلا، فإن عليّ بن أبي طلحة والعوفيّ ضعيفان، فالأولى التعويل على المعنى اللغوي والمصير إليه. وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال :﴿ السجل ﴾ هو الرجل، زاد ابن مردويه : بلغة الحبشة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسير الآية قال : كطيّ الصحيفة على الكتاب. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ يقول : نهلك كل شيء كما كان أوّل مرّة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : القرآن ﴿ أَنَّ الأرض ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور ﴾ قال : الكتب ﴿ مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : التوراة وفي إسناده العوفي. وأخرج سعيد بن منصور عنه أيضاً، قال : الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن. والذكر : الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب الذي في السماء، والأرض : أرض الجنة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد الأرض، ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون، وفي قوله :﴿ لبلاغا لّقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : عالمين، وفي إسناده عليّ بن أبي طلحة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : الصلوات الخمس. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( في قول الله :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : في الصلوات الخمس شغلاً للعبادة ). وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية :﴿ لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال :( هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين ﴾ قال : من آمن تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف. وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال :( قيل : يا رسول الله ادع الله على المشركين، قال :( إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة ). وأخرج الطيالسي وأحمد والطبراني، وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين ). وأخرج أحمد والطبراني عن سلمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي أو لعنته لعنة، فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليه صلاة يوم القيامة ). وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنما أنا رحمة مهداة» وقد روي معنى هذا من طرق. وأخرج ابن أبي خيثمة وابن عساكر عن الربيع بن أنس قال : لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم رأى فلاناً، وهو بعض بني أمية على المنبر يخطب الناس، فشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ ﴾ يقول : هذا الملك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ ﴾ يقول : ما أخبركم به من العذاب والساعة، لعلّ تأخير ذلك عنكم فتنة لكم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله :﴿ قُل رَبّ احكم بالحق ﴾ قال : لا يحكم الله إلا بالحق، وإنما يستعجل بذلك في الدنيا يسأل ربه.

﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل للكتب ﴾ قرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج والزهري :«تطوي » بمثناة فوقية مضمومة ورفع السماء، وقرأ مجاهد :«يطوي » بالتحتية المفتوحة مبنياً للفاعل على معنى يطوي الله السماء، وقرأ الباقون ﴿ نطوي ﴾ بنون العظمة وانتصاب ﴿ يوم ﴾ بقوله :﴿ نُعِيدُهُ ﴾ أي نعيده يوم نطوي السماء، وقيل : هو بدل من الضمير المحذوف في توعدون، والتقدير : الذي كنتم توعدونه يوم نطوي. وقيل : بقوله :﴿ لا يحزنهم الفزع ﴾ وقيل : بقوله :﴿ تتلقاهم ﴾. وقيل : متعلق بمحذوف، وهو اذكر، وهذا أظهر وأوضح، والطيّ ضد النشر. وقيل : المحو، والمراد بالسماء : الجنس، والسجل : الصحيفة، أي طياً كطيّ الطومار. وقيل : السجل : الصك، وهو مشتق من المساجلة وهي المكاتبة، وأصلها من السجل، وهو الدلو، يقال : ساجلت الرجل : إذا نزعت دلواً ونزع دلواً، ثم استعيرت للمكاتبة والمراجعة في الكلام، ومنه قول الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب :
من يساجلني يساجل ماجداً يملأ الدلو إلى عقد الكرب
وقرأ أبو زرعة بن عمرو بن جرير :«السجل » بضم السين والجيم وتشديد اللام، وقرأ الأعمش وطلحة بفتح السين وإسكان الجيم وتخفيف اللام، والطيّ في هذه الآية يحتمل معنيين أحدهما : الطيّ الذي هو ضدّ النشر، ومنه قوله :
﴿ والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ ﴾ [ الزمر : ٦٧ ]. والثاني : الإخفاء والتعمية والمحو، لأن الله سبحانه يمحو ويطمس رسومها ويكدّر نجومها. وقيل : السجل اسم ملك، وهو الذي يطوي كتب بني آدم. وقيل : هو اسم كاتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والأوّل أولى. قرأ الأعمش وحفص وحمزة والكسائي ويحيى وخلف :﴿ للكتب ﴾ جمعاً، وقرأ الباقون :﴿ للكتاب ﴾ وهو متعلق بمحذوف حال من السجل، أي كطيّ السجل كائناً للكتب أو صفة له أي الكائن للكتب، فإن الكتب عبارة عن الصحائف وما كتب فيها، فسجلها بعض أجزائها، وبه يتعلق الطيّ حقيقة. وأما على القراءة الثانية فالكتاب مصدر، واللام للتعليل، أي كما يطوي الطومار للكتابة، أي ليكتب فيه، أو لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة، وهذا على تقدير أن المراد بالطيّ المعنى الأوّل، وهو ضدّ النشر ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ أي كما بدأناهم في بطون أمهاتهم وأخرجناهم إلى الأرض حفاة عراة غرلاً كذلك نعيدهم يوم القيامة، فأوّل خلق مفعول نعيد مقدّراً يفسره نعيده المذكور، أو مفعول ل " بدأنا "، وما كافة أو موصولة، والكاف متعلقة بمحذوف، أي نعيد مثل الذي بدأناه نعيده، وعلى هذا الوجه يكون أوّل ظرف لبدأنا، أو حال، وإنما خص أوّل الخلق بالذكر تصويراً للإيجاد عن العدم، والمقصود بيان صحة الإعادة بالقياس على المبدأ للشمول الإمكان الذاتي لهما، وقيل معنى الآية : نهلك كلّ نفس كما كان أوّل مرّة، وعلى هذا فالكلام متصل بقوله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء ﴾. وقيل : المعنى نغير السماء، ثم نعيدها مرّة أخرى بعد طيها وزوالها، والأوّل أولى، وهو مثل قوله :﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ [ الأنعام : ٩٤ ]. ثم قال سبحانه :﴿ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فاعلين ﴾ انتصاب ﴿ وعداً ﴾ على أنه مصدر أي وعدنا وعداً علينا إنجازه والوفاء به. وهو البعث والإعادة، ثم أكد سبحانه ذلك بقوله :﴿ إِنَّا كُنَّا فاعلين ﴾. قال الزجاج : معنى ﴿ إنا كنا فاعلين ﴾ : إنا كنا قادرين على ما نشاء. وقيل : إنا كنا فاعلين ما وعدناكم، ومثله قوله :﴿ [ وكَانَ ] وَعْدُهُ مَفْعُولاً ﴾ [ المزمل : ١٨ ].
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد، وأبو داود في ناسخه، وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال المشركون : فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله، فنزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ عيسى وعزير والملائكة. وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة عنه قال : جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال ابن الزبعري : قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا، فنزلت :
﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [ الزخرف : ٥٧، ٥٨ ]. ثم نزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والطبراني من وجه آخر عنه أيضاً نحوه بأطول منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال :«عيسى وعزير والملائكة». وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله :﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ قال : شجر جهنم، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من وجه آخر أن ﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ وقودها. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو حطب جهنم بالزنجية. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال :«حيات على الصراط تقول حس حس» وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال : حيات على الصراط تلسعهم، فإذا لسعتهم قالوا : حس حس. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن حاطب قال : سئل عليّ عن هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال : هو عثمان وأصحابه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ يقول : لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا [ نزلوا ] منزلهم من الجنة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ قال : النفخة الآخرة، وفي إسناده العوفي. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة : رجل أمّ قوماً وهم له راضون، ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة. وعبد أدّى حق الله وحقّ مواليه ). وأخرج عبد بن حميد عن عليّ في قوله :﴿ كَطَيّ السجل ﴾ قال : ملك. وأخرج عبد بن حميد عن عطية مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : السجل ملك، فإذا صعد بالاستغفار قال : اكتبوها نوراً. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر قال : السجل ملك. وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، وابن منده في المعرفة، وابن مردويه، والبيهقي في سننه وصححه عن ابن عباس قال : السجل كاتب للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن المنذر وابن عديّ وابن عساكر عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى : السجل، وهو قوله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل للكتب ﴾ قال : كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء. وأخرج ابن المنذر، وأخرج بن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر قال : كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له : السجل، فأنزل الله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل ﴾ قال ابن كثير في تفسيره بعد إخراج هذا الحديث : وهذا منكر جداً من حديث نافع عن ابن عمر، لا يصح أصلاً. قال : وكذلك ما تقدّم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضاً. وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه، وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج وقد أفردت لهذا الحديث جزءاً له على حدة، ولله الحمد. قال : وقد تصدّى الإمام أبو جعفر ابن جرير للإنكار على هذا الحديث وردّه أتمّ ردّ، وقال : ولا نعرف في الصحابة أحداً اسمه سجلّ، وكتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا معروفين، وليس فيهم أحد اسمه السجل. وصدق رحمه الله في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث. وأما من ذكر في أسماء الصحابة هذا فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره والله أعلم. قال : والصحيح عن ابن عباس : أن السجلّ هو الصحيفة، قاله عليّ بن أبي طلحة والعوفي عنه. ونصّ على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد، واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة، فعلى هذا يكون معنى الكلام : يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ للكتاب أي : على الكتاب، يعني المكتوب كقوله :﴿ فلما أَسْلَمَا وَتَلَهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [ الصافات : ١٠٣ ]، أي : على الجبين، وله نظائر في اللغة والله أعلم. قلت : أما كون هذا هو الصحيح عن ابن عباس فلا، فإن عليّ بن أبي طلحة والعوفيّ ضعيفان، فالأولى التعويل على المعنى اللغوي والمصير إليه. وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال :﴿ السجل ﴾ هو الرجل، زاد ابن مردويه : بلغة الحبشة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسير الآية قال : كطيّ الصحيفة على الكتاب. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ يقول : نهلك كل شيء كما كان أوّل مرّة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : القرآن ﴿ أَنَّ الأرض ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور ﴾ قال : الكتب ﴿ مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : التوراة وفي إسناده العوفي. وأخرج سعيد بن منصور عنه أيضاً، قال : الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن. والذكر : الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب الذي في السماء، والأرض : أرض الجنة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد الأرض، ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون، وفي قوله :﴿ لبلاغا لّقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : عالمين، وفي إسناده عليّ بن أبي طلحة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : الصلوات الخمس. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( في قول الله :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : في الصلوات الخمس شغلاً للعبادة ). وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية :﴿ لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال :( هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين ﴾ قال : من آمن تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف. وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال :( قيل : يا رسول الله ادع الله على المشركين، قال :( إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة ). وأخرج الطيالسي وأحمد والطبراني، وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين ). وأخرج أحمد والطبراني عن سلمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي أو لعنته لعنة، فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليه صلاة يوم القيامة ). وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنما أنا رحمة مهداة» وقد روي معنى هذا من طرق. وأخرج ابن أبي خيثمة وابن عساكر عن الربيع بن أنس قال : لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم رأى فلاناً، وهو بعض بني أمية على المنبر يخطب الناس، فشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ ﴾ يقول : هذا الملك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ ﴾ يقول : ما أخبركم به من العذاب والساعة، لعلّ تأخير ذلك عنكم فتنة لكم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله :﴿ قُل رَبّ احكم بالحق ﴾ قال : لا يحكم الله إلا بالحق، وإنما يستعجل بذلك في الدنيا يسأل ربه.

﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور ﴾ الزبر في الأصل : الكتب، يقال : زبرت، أي كتبت، وعلى هذا يصح إطلاق الزبور على التوراة والإنجيل، وعلى كتاب داود المسمى بالزبور، وقيل : المراد به هنا : كتاب داود، ومعنى ﴿ مِن بَعْدِ الذكر ﴾ أي اللوح المحفوظ. وقيل : هو التوراة، أي والله لقد كتبنا في كتاب داود من بعد ما كتبنا في التوراة أو من بعد ما كتبنا في اللوح المحفوظ ﴿ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون ﴾. قال الزجاج : الزبور جميع الكتب : التوراة والإنجيل والقرآن، لأن الزبور والكتاب في معنى واحد، يقال : زبرت وكتبت، ويؤيد ما قاله قراءة حمزة في الزبور بضم الزاي، فإنه جمع زبر.
وقد اختلف في معنى ﴿ يَرِثُهَا عِبَادِي الصالحون ﴾ فقيل : المراد : أرض الجنة، واستدل القائلون بهذا بقوله سبحانه :﴿ وَقَالُوا الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرض ﴾ [ الزمر : ٧٤ ]. وقيل : هي الأرض المقدسة. وقيل : هي أرض الأمم الكافرة يرثها نبينا صلى الله عليه وسلم وأمته بفتحها، وقيل : المراد بذلك : بنو إسرائيل، بدليل قوله سبحانه :﴿ وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مشارق الأرض ومغاربها التي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ [ الأعراف : ١٣٧ ] والظاهر أن هذا تبشير لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بوراثة أرض الكافرين، وعليه أكثر المفسرين. وقرأ حمزة :" عباديْ " بتسكين الياء، وقرأ الباقون بتحريكها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد، وأبو داود في ناسخه، وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال المشركون : فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله، فنزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ عيسى وعزير والملائكة. وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة عنه قال : جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال ابن الزبعري : قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا، فنزلت :
﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [ الزخرف : ٥٧، ٥٨ ]. ثم نزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والطبراني من وجه آخر عنه أيضاً نحوه بأطول منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال :«عيسى وعزير والملائكة». وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله :﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ قال : شجر جهنم، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من وجه آخر أن ﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ وقودها. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو حطب جهنم بالزنجية. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال :«حيات على الصراط تقول حس حس» وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال : حيات على الصراط تلسعهم، فإذا لسعتهم قالوا : حس حس. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن حاطب قال : سئل عليّ عن هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال : هو عثمان وأصحابه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ يقول : لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا [ نزلوا ] منزلهم من الجنة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ قال : النفخة الآخرة، وفي إسناده العوفي. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة : رجل أمّ قوماً وهم له راضون، ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة. وعبد أدّى حق الله وحقّ مواليه ). وأخرج عبد بن حميد عن عليّ في قوله :﴿ كَطَيّ السجل ﴾ قال : ملك. وأخرج عبد بن حميد عن عطية مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : السجل ملك، فإذا صعد بالاستغفار قال : اكتبوها نوراً. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر قال : السجل ملك. وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، وابن منده في المعرفة، وابن مردويه، والبيهقي في سننه وصححه عن ابن عباس قال : السجل كاتب للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن المنذر وابن عديّ وابن عساكر عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى : السجل، وهو قوله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل للكتب ﴾ قال : كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء. وأخرج ابن المنذر، وأخرج بن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر قال : كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له : السجل، فأنزل الله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل ﴾ قال ابن كثير في تفسيره بعد إخراج هذا الحديث : وهذا منكر جداً من حديث نافع عن ابن عمر، لا يصح أصلاً. قال : وكذلك ما تقدّم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضاً. وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه، وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج وقد أفردت لهذا الحديث جزءاً له على حدة، ولله الحمد. قال : وقد تصدّى الإمام أبو جعفر ابن جرير للإنكار على هذا الحديث وردّه أتمّ ردّ، وقال : ولا نعرف في الصحابة أحداً اسمه سجلّ، وكتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا معروفين، وليس فيهم أحد اسمه السجل. وصدق رحمه الله في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث. وأما من ذكر في أسماء الصحابة هذا فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره والله أعلم. قال : والصحيح عن ابن عباس : أن السجلّ هو الصحيفة، قاله عليّ بن أبي طلحة والعوفي عنه. ونصّ على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد، واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة، فعلى هذا يكون معنى الكلام : يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ للكتاب أي : على الكتاب، يعني المكتوب كقوله :﴿ فلما أَسْلَمَا وَتَلَهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [ الصافات : ١٠٣ ]، أي : على الجبين، وله نظائر في اللغة والله أعلم. قلت : أما كون هذا هو الصحيح عن ابن عباس فلا، فإن عليّ بن أبي طلحة والعوفيّ ضعيفان، فالأولى التعويل على المعنى اللغوي والمصير إليه. وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال :﴿ السجل ﴾ هو الرجل، زاد ابن مردويه : بلغة الحبشة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسير الآية قال : كطيّ الصحيفة على الكتاب. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ يقول : نهلك كل شيء كما كان أوّل مرّة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : القرآن ﴿ أَنَّ الأرض ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور ﴾ قال : الكتب ﴿ مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : التوراة وفي إسناده العوفي. وأخرج سعيد بن منصور عنه أيضاً، قال : الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن. والذكر : الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب الذي في السماء، والأرض : أرض الجنة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد الأرض، ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون، وفي قوله :﴿ لبلاغا لّقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : عالمين، وفي إسناده عليّ بن أبي طلحة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : الصلوات الخمس. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( في قول الله :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : في الصلوات الخمس شغلاً للعبادة ). وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية :﴿ لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال :( هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين ﴾ قال : من آمن تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف. وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال :( قيل : يا رسول الله ادع الله على المشركين، قال :( إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة ). وأخرج الطيالسي وأحمد والطبراني، وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين ). وأخرج أحمد والطبراني عن سلمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي أو لعنته لعنة، فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليه صلاة يوم القيامة ). وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنما أنا رحمة مهداة» وقد روي معنى هذا من طرق. وأخرج ابن أبي خيثمة وابن عساكر عن الربيع بن أنس قال : لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم رأى فلاناً، وهو بعض بني أمية على المنبر يخطب الناس، فشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ ﴾ يقول : هذا الملك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ ﴾ يقول : ما أخبركم به من العذاب والساعة، لعلّ تأخير ذلك عنكم فتنة لكم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله :﴿ قُل رَبّ احكم بالحق ﴾ قال : لا يحكم الله إلا بالحق، وإنما يستعجل بذلك في الدنيا يسأل ربه.

﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا ﴾ أي فيما جرى ذكره في هذه السورة من الوعظ والتنبيه ﴿ لبلاغاً ﴾ : لكفاية، يقال : في هذا الشيء بلاغ وبلغة وتبلغ، أي كفاية. وقيل : الإشارة بقوله :﴿ إِنَّ فِي هذا ﴾ إلى القرآن ﴿ لقَوْمٍ عابدين ﴾ أي مشغولين بعبادة الله مهتمين بها. والعبادة هي : الخضوع والتذلل، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ورأس العبادة الصلاة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد، وأبو داود في ناسخه، وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال المشركون : فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله، فنزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ عيسى وعزير والملائكة. وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة عنه قال : جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال ابن الزبعري : قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا، فنزلت :
﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [ الزخرف : ٥٧، ٥٨ ]. ثم نزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والطبراني من وجه آخر عنه أيضاً نحوه بأطول منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال :«عيسى وعزير والملائكة». وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله :﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ قال : شجر جهنم، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من وجه آخر أن ﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ وقودها. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو حطب جهنم بالزنجية. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال :«حيات على الصراط تقول حس حس» وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال : حيات على الصراط تلسعهم، فإذا لسعتهم قالوا : حس حس. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن حاطب قال : سئل عليّ عن هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال : هو عثمان وأصحابه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ يقول : لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا [ نزلوا ] منزلهم من الجنة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ قال : النفخة الآخرة، وفي إسناده العوفي. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة : رجل أمّ قوماً وهم له راضون، ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة. وعبد أدّى حق الله وحقّ مواليه ). وأخرج عبد بن حميد عن عليّ في قوله :﴿ كَطَيّ السجل ﴾ قال : ملك. وأخرج عبد بن حميد عن عطية مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : السجل ملك، فإذا صعد بالاستغفار قال : اكتبوها نوراً. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر قال : السجل ملك. وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، وابن منده في المعرفة، وابن مردويه، والبيهقي في سننه وصححه عن ابن عباس قال : السجل كاتب للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن المنذر وابن عديّ وابن عساكر عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى : السجل، وهو قوله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل للكتب ﴾ قال : كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء. وأخرج ابن المنذر، وأخرج بن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر قال : كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له : السجل، فأنزل الله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل ﴾ قال ابن كثير في تفسيره بعد إخراج هذا الحديث : وهذا منكر جداً من حديث نافع عن ابن عمر، لا يصح أصلاً. قال : وكذلك ما تقدّم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضاً. وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه، وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج وقد أفردت لهذا الحديث جزءاً له على حدة، ولله الحمد. قال : وقد تصدّى الإمام أبو جعفر ابن جرير للإنكار على هذا الحديث وردّه أتمّ ردّ، وقال : ولا نعرف في الصحابة أحداً اسمه سجلّ، وكتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا معروفين، وليس فيهم أحد اسمه السجل. وصدق رحمه الله في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث. وأما من ذكر في أسماء الصحابة هذا فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره والله أعلم. قال : والصحيح عن ابن عباس : أن السجلّ هو الصحيفة، قاله عليّ بن أبي طلحة والعوفي عنه. ونصّ على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد، واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة، فعلى هذا يكون معنى الكلام : يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ للكتاب أي : على الكتاب، يعني المكتوب كقوله :﴿ فلما أَسْلَمَا وَتَلَهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [ الصافات : ١٠٣ ]، أي : على الجبين، وله نظائر في اللغة والله أعلم. قلت : أما كون هذا هو الصحيح عن ابن عباس فلا، فإن عليّ بن أبي طلحة والعوفيّ ضعيفان، فالأولى التعويل على المعنى اللغوي والمصير إليه. وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال :﴿ السجل ﴾ هو الرجل، زاد ابن مردويه : بلغة الحبشة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسير الآية قال : كطيّ الصحيفة على الكتاب. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ يقول : نهلك كل شيء كما كان أوّل مرّة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : القرآن ﴿ أَنَّ الأرض ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور ﴾ قال : الكتب ﴿ مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : التوراة وفي إسناده العوفي. وأخرج سعيد بن منصور عنه أيضاً، قال : الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن. والذكر : الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب الذي في السماء، والأرض : أرض الجنة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد الأرض، ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون، وفي قوله :﴿ لبلاغا لّقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : عالمين، وفي إسناده عليّ بن أبي طلحة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : الصلوات الخمس. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( في قول الله :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : في الصلوات الخمس شغلاً للعبادة ). وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية :﴿ لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال :( هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين ﴾ قال : من آمن تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف. وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال :( قيل : يا رسول الله ادع الله على المشركين، قال :( إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة ). وأخرج الطيالسي وأحمد والطبراني، وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين ). وأخرج أحمد والطبراني عن سلمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي أو لعنته لعنة، فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليه صلاة يوم القيامة ). وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنما أنا رحمة مهداة» وقد روي معنى هذا من طرق. وأخرج ابن أبي خيثمة وابن عساكر عن الربيع بن أنس قال : لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم رأى فلاناً، وهو بعض بني أمية على المنبر يخطب الناس، فشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ ﴾ يقول : هذا الملك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ ﴾ يقول : ما أخبركم به من العذاب والساعة، لعلّ تأخير ذلك عنكم فتنة لكم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله :﴿ قُل رَبّ احكم بالحق ﴾ قال : لا يحكم الله إلا بالحق، وإنما يستعجل بذلك في الدنيا يسأل ربه.

﴿ وَمَا أرسلناك إِلاَ رَحْمَةً للعالمين ﴾ أي وما أرسلناك يا محمد بالشرائع والأحكام إلا رحمة لجميع الناس، والاستثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال والعلل، أي ما أرسلناك لعلة من العلل إلا لرحمتنا الواسعة، فإن ما بعثت به سبب لسعادة الدارين، قيل : ومعنى كونه رحمة للكفار : أنهم أمنوا به من الخسف والمسخ والاستئصال، وقيل : المراد بالعالمين : المؤمنون خاصة، والأوّل أولى بدليل قوله سبحانه :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ].
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد، وأبو داود في ناسخه، وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال المشركون : فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله، فنزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ عيسى وعزير والملائكة. وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة عنه قال : جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال ابن الزبعري : قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا، فنزلت :
﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [ الزخرف : ٥٧، ٥٨ ]. ثم نزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والطبراني من وجه آخر عنه أيضاً نحوه بأطول منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال :«عيسى وعزير والملائكة». وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله :﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ قال : شجر جهنم، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من وجه آخر أن ﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ وقودها. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو حطب جهنم بالزنجية. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال :«حيات على الصراط تقول حس حس» وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال : حيات على الصراط تلسعهم، فإذا لسعتهم قالوا : حس حس. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن حاطب قال : سئل عليّ عن هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال : هو عثمان وأصحابه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ يقول : لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا [ نزلوا ] منزلهم من الجنة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ قال : النفخة الآخرة، وفي إسناده العوفي. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة : رجل أمّ قوماً وهم له راضون، ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة. وعبد أدّى حق الله وحقّ مواليه ). وأخرج عبد بن حميد عن عليّ في قوله :﴿ كَطَيّ السجل ﴾ قال : ملك. وأخرج عبد بن حميد عن عطية مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : السجل ملك، فإذا صعد بالاستغفار قال : اكتبوها نوراً. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر قال : السجل ملك. وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، وابن منده في المعرفة، وابن مردويه، والبيهقي في سننه وصححه عن ابن عباس قال : السجل كاتب للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن المنذر وابن عديّ وابن عساكر عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى : السجل، وهو قوله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل للكتب ﴾ قال : كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء. وأخرج ابن المنذر، وأخرج بن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر قال : كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له : السجل، فأنزل الله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل ﴾ قال ابن كثير في تفسيره بعد إخراج هذا الحديث : وهذا منكر جداً من حديث نافع عن ابن عمر، لا يصح أصلاً. قال : وكذلك ما تقدّم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضاً. وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه، وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج وقد أفردت لهذا الحديث جزءاً له على حدة، ولله الحمد. قال : وقد تصدّى الإمام أبو جعفر ابن جرير للإنكار على هذا الحديث وردّه أتمّ ردّ، وقال : ولا نعرف في الصحابة أحداً اسمه سجلّ، وكتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا معروفين، وليس فيهم أحد اسمه السجل. وصدق رحمه الله في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث. وأما من ذكر في أسماء الصحابة هذا فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره والله أعلم. قال : والصحيح عن ابن عباس : أن السجلّ هو الصحيفة، قاله عليّ بن أبي طلحة والعوفي عنه. ونصّ على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد، واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة، فعلى هذا يكون معنى الكلام : يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ للكتاب أي : على الكتاب، يعني المكتوب كقوله :﴿ فلما أَسْلَمَا وَتَلَهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [ الصافات : ١٠٣ ]، أي : على الجبين، وله نظائر في اللغة والله أعلم. قلت : أما كون هذا هو الصحيح عن ابن عباس فلا، فإن عليّ بن أبي طلحة والعوفيّ ضعيفان، فالأولى التعويل على المعنى اللغوي والمصير إليه. وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال :﴿ السجل ﴾ هو الرجل، زاد ابن مردويه : بلغة الحبشة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسير الآية قال : كطيّ الصحيفة على الكتاب. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ يقول : نهلك كل شيء كما كان أوّل مرّة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : القرآن ﴿ أَنَّ الأرض ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور ﴾ قال : الكتب ﴿ مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : التوراة وفي إسناده العوفي. وأخرج سعيد بن منصور عنه أيضاً، قال : الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن. والذكر : الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب الذي في السماء، والأرض : أرض الجنة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد الأرض، ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون، وفي قوله :﴿ لبلاغا لّقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : عالمين، وفي إسناده عليّ بن أبي طلحة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : الصلوات الخمس. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( في قول الله :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : في الصلوات الخمس شغلاً للعبادة ). وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية :﴿ لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال :( هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين ﴾ قال : من آمن تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف. وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال :( قيل : يا رسول الله ادع الله على المشركين، قال :( إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة ). وأخرج الطيالسي وأحمد والطبراني، وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين ). وأخرج أحمد والطبراني عن سلمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي أو لعنته لعنة، فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليه صلاة يوم القيامة ). وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنما أنا رحمة مهداة» وقد روي معنى هذا من طرق. وأخرج ابن أبي خيثمة وابن عساكر عن الربيع بن أنس قال : لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم رأى فلاناً، وهو بعض بني أمية على المنبر يخطب الناس، فشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ ﴾ يقول : هذا الملك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ ﴾ يقول : ما أخبركم به من العذاب والساعة، لعلّ تأخير ذلك عنكم فتنة لكم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله :﴿ قُل رَبّ احكم بالحق ﴾ قال : لا يحكم الله إلا بالحق، وإنما يستعجل بذلك في الدنيا يسأل ربه.

ثم بيّن سبحانه أن أصل تلك الرحمة هو التوحيد والبراءة من الشرك فقال :﴿ قُلْ إِنَّمَا يوحى إِلَيَّ إنَّمَا إلهكم إله واحد ﴾ إن كانت «ما » موصولة فالمعنى : أن الذي يوحى إليّ هو أن وصفه تعالى مقصور على الوحدانية لا يتجاوزها إلى ما يناقضها أو يضادّها، وإن كانت «ما » كافة فالمعنى : أن الوحي إليّ مقصور على استئثار الله بالوحدة، ووجه ذلك أن القصر أبداً يكون لما يلي إنما، فإنما الأولى لقصر الوصف على الشيء كقولك : إنما يقوم زيد، أي ما يقوم إلا زيد. والثانية لقصر الشيء على الحكم كقولك : إنما زيد قائم، أي ليس به إلا صفة القيام ﴿ فَهَلْ أَنتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ منقادون مخلصون للعبادة ولتوحيد الله سبحانه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد، وأبو داود في ناسخه، وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال المشركون : فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله، فنزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ عيسى وعزير والملائكة. وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة عنه قال : جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال ابن الزبعري : قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا، فنزلت :
﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [ الزخرف : ٥٧، ٥٨ ]. ثم نزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والطبراني من وجه آخر عنه أيضاً نحوه بأطول منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال :«عيسى وعزير والملائكة». وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله :﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ قال : شجر جهنم، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من وجه آخر أن ﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ وقودها. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو حطب جهنم بالزنجية. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال :«حيات على الصراط تقول حس حس» وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال : حيات على الصراط تلسعهم، فإذا لسعتهم قالوا : حس حس. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن حاطب قال : سئل عليّ عن هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال : هو عثمان وأصحابه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ يقول : لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا [ نزلوا ] منزلهم من الجنة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ قال : النفخة الآخرة، وفي إسناده العوفي. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة : رجل أمّ قوماً وهم له راضون، ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة. وعبد أدّى حق الله وحقّ مواليه ). وأخرج عبد بن حميد عن عليّ في قوله :﴿ كَطَيّ السجل ﴾ قال : ملك. وأخرج عبد بن حميد عن عطية مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : السجل ملك، فإذا صعد بالاستغفار قال : اكتبوها نوراً. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر قال : السجل ملك. وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، وابن منده في المعرفة، وابن مردويه، والبيهقي في سننه وصححه عن ابن عباس قال : السجل كاتب للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن المنذر وابن عديّ وابن عساكر عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى : السجل، وهو قوله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل للكتب ﴾ قال : كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء. وأخرج ابن المنذر، وأخرج بن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر قال : كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له : السجل، فأنزل الله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل ﴾ قال ابن كثير في تفسيره بعد إخراج هذا الحديث : وهذا منكر جداً من حديث نافع عن ابن عمر، لا يصح أصلاً. قال : وكذلك ما تقدّم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضاً. وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه، وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج وقد أفردت لهذا الحديث جزءاً له على حدة، ولله الحمد. قال : وقد تصدّى الإمام أبو جعفر ابن جرير للإنكار على هذا الحديث وردّه أتمّ ردّ، وقال : ولا نعرف في الصحابة أحداً اسمه سجلّ، وكتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا معروفين، وليس فيهم أحد اسمه السجل. وصدق رحمه الله في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث. وأما من ذكر في أسماء الصحابة هذا فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره والله أعلم. قال : والصحيح عن ابن عباس : أن السجلّ هو الصحيفة، قاله عليّ بن أبي طلحة والعوفي عنه. ونصّ على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد، واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة، فعلى هذا يكون معنى الكلام : يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ للكتاب أي : على الكتاب، يعني المكتوب كقوله :﴿ فلما أَسْلَمَا وَتَلَهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [ الصافات : ١٠٣ ]، أي : على الجبين، وله نظائر في اللغة والله أعلم. قلت : أما كون هذا هو الصحيح عن ابن عباس فلا، فإن عليّ بن أبي طلحة والعوفيّ ضعيفان، فالأولى التعويل على المعنى اللغوي والمصير إليه. وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال :﴿ السجل ﴾ هو الرجل، زاد ابن مردويه : بلغة الحبشة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسير الآية قال : كطيّ الصحيفة على الكتاب. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ يقول : نهلك كل شيء كما كان أوّل مرّة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : القرآن ﴿ أَنَّ الأرض ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور ﴾ قال : الكتب ﴿ مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : التوراة وفي إسناده العوفي. وأخرج سعيد بن منصور عنه أيضاً، قال : الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن. والذكر : الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب الذي في السماء، والأرض : أرض الجنة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد الأرض، ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون، وفي قوله :﴿ لبلاغا لّقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : عالمين، وفي إسناده عليّ بن أبي طلحة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : الصلوات الخمس. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( في قول الله :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : في الصلوات الخمس شغلاً للعبادة ). وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية :﴿ لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال :( هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين ﴾ قال : من آمن تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف. وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال :( قيل : يا رسول الله ادع الله على المشركين، قال :( إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة ). وأخرج الطيالسي وأحمد والطبراني، وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين ). وأخرج أحمد والطبراني عن سلمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي أو لعنته لعنة، فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليه صلاة يوم القيامة ). وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنما أنا رحمة مهداة» وقد روي معنى هذا من طرق. وأخرج ابن أبي خيثمة وابن عساكر عن الربيع بن أنس قال : لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم رأى فلاناً، وهو بعض بني أمية على المنبر يخطب الناس، فشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ ﴾ يقول : هذا الملك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ ﴾ يقول : ما أخبركم به من العذاب والساعة، لعلّ تأخير ذلك عنكم فتنة لكم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله :﴿ قُل رَبّ احكم بالحق ﴾ قال : لا يحكم الله إلا بالحق، وإنما يستعجل بذلك في الدنيا يسأل ربه.

﴿ فَإِن تَوَلَّوْا ﴾ أي أعرضوا عن الإسلام ﴿ فَقُلْ ﴾ لهم ﴿ آذنتكم على سَوَاء ﴾ أي : أعلمتكم أنا وإياكم حرب لا صلح بيننا كائنين على سواء في الإعلام لم أخصّ به بعضكم دون بعض كقوله سبحانه :﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فانبذ إِلَيْهِمْ على سَوَاء ﴾ [ الأنفال : ٥٨ ] أي أعلمهم أنك نقضت العهد نقضاً سوّيت بينهم فيه. وقال الزجاج : المعنى : أعلمتكم ما يوحى إليّ على استواء في العلم به، ولا أظهر لأحد شيئاً كتمته على غيره ﴿ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ ﴾ أي ما أدري أما توعدون به قريب حصوله أم بعيد، وهو غلبة الإسلام وأهله على الكفر وأهله ؛ وقيل : المراد بما توعدون : القيامة.
وقيل : آذنتكم بالحرب ولكن لا أدري ما يؤذن لي في محاربتكم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد، وأبو داود في ناسخه، وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال المشركون : فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله، فنزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ عيسى وعزير والملائكة. وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة عنه قال : جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال ابن الزبعري : قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا، فنزلت :
﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [ الزخرف : ٥٧، ٥٨ ]. ثم نزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والطبراني من وجه آخر عنه أيضاً نحوه بأطول منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال :«عيسى وعزير والملائكة». وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله :﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ قال : شجر جهنم، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من وجه آخر أن ﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ وقودها. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو حطب جهنم بالزنجية. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال :«حيات على الصراط تقول حس حس» وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال : حيات على الصراط تلسعهم، فإذا لسعتهم قالوا : حس حس. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن حاطب قال : سئل عليّ عن هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال : هو عثمان وأصحابه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ يقول : لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا [ نزلوا ] منزلهم من الجنة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ قال : النفخة الآخرة، وفي إسناده العوفي. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة : رجل أمّ قوماً وهم له راضون، ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة. وعبد أدّى حق الله وحقّ مواليه ). وأخرج عبد بن حميد عن عليّ في قوله :﴿ كَطَيّ السجل ﴾ قال : ملك. وأخرج عبد بن حميد عن عطية مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : السجل ملك، فإذا صعد بالاستغفار قال : اكتبوها نوراً. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر قال : السجل ملك. وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، وابن منده في المعرفة، وابن مردويه، والبيهقي في سننه وصححه عن ابن عباس قال : السجل كاتب للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن المنذر وابن عديّ وابن عساكر عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى : السجل، وهو قوله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل للكتب ﴾ قال : كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء. وأخرج ابن المنذر، وأخرج بن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر قال : كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له : السجل، فأنزل الله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل ﴾ قال ابن كثير في تفسيره بعد إخراج هذا الحديث : وهذا منكر جداً من حديث نافع عن ابن عمر، لا يصح أصلاً. قال : وكذلك ما تقدّم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضاً. وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه، وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج وقد أفردت لهذا الحديث جزءاً له على حدة، ولله الحمد. قال : وقد تصدّى الإمام أبو جعفر ابن جرير للإنكار على هذا الحديث وردّه أتمّ ردّ، وقال : ولا نعرف في الصحابة أحداً اسمه سجلّ، وكتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا معروفين، وليس فيهم أحد اسمه السجل. وصدق رحمه الله في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث. وأما من ذكر في أسماء الصحابة هذا فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره والله أعلم. قال : والصحيح عن ابن عباس : أن السجلّ هو الصحيفة، قاله عليّ بن أبي طلحة والعوفي عنه. ونصّ على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد، واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة، فعلى هذا يكون معنى الكلام : يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ للكتاب أي : على الكتاب، يعني المكتوب كقوله :﴿ فلما أَسْلَمَا وَتَلَهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [ الصافات : ١٠٣ ]، أي : على الجبين، وله نظائر في اللغة والله أعلم. قلت : أما كون هذا هو الصحيح عن ابن عباس فلا، فإن عليّ بن أبي طلحة والعوفيّ ضعيفان، فالأولى التعويل على المعنى اللغوي والمصير إليه. وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال :﴿ السجل ﴾ هو الرجل، زاد ابن مردويه : بلغة الحبشة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسير الآية قال : كطيّ الصحيفة على الكتاب. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ يقول : نهلك كل شيء كما كان أوّل مرّة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : القرآن ﴿ أَنَّ الأرض ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور ﴾ قال : الكتب ﴿ مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : التوراة وفي إسناده العوفي. وأخرج سعيد بن منصور عنه أيضاً، قال : الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن. والذكر : الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب الذي في السماء، والأرض : أرض الجنة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد الأرض، ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون، وفي قوله :﴿ لبلاغا لّقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : عالمين، وفي إسناده عليّ بن أبي طلحة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : الصلوات الخمس. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( في قول الله :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : في الصلوات الخمس شغلاً للعبادة ). وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية :﴿ لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال :( هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين ﴾ قال : من آمن تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف. وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال :( قيل : يا رسول الله ادع الله على المشركين، قال :( إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة ). وأخرج الطيالسي وأحمد والطبراني، وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين ). وأخرج أحمد والطبراني عن سلمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي أو لعنته لعنة، فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليه صلاة يوم القيامة ). وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنما أنا رحمة مهداة» وقد روي معنى هذا من طرق. وأخرج ابن أبي خيثمة وابن عساكر عن الربيع بن أنس قال : لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم رأى فلاناً، وهو بعض بني أمية على المنبر يخطب الناس، فشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ ﴾ يقول : هذا الملك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ ﴾ يقول : ما أخبركم به من العذاب والساعة، لعلّ تأخير ذلك عنكم فتنة لكم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله :﴿ قُل رَبّ احكم بالحق ﴾ قال : لا يحكم الله إلا بالحق، وإنما يستعجل بذلك في الدنيا يسأل ربه.

﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر مِنَ القول وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ ﴾ أي يعلم سبحانه ما تجاهرون به من الكفر والطعن على الإسلام وأهله وما تكتمونه من ذلك وتخفونه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد، وأبو داود في ناسخه، وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال المشركون : فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله، فنزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ عيسى وعزير والملائكة. وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة عنه قال : جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال ابن الزبعري : قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا، فنزلت :
﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [ الزخرف : ٥٧، ٥٨ ]. ثم نزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والطبراني من وجه آخر عنه أيضاً نحوه بأطول منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال :«عيسى وعزير والملائكة». وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله :﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ قال : شجر جهنم، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من وجه آخر أن ﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ وقودها. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو حطب جهنم بالزنجية. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال :«حيات على الصراط تقول حس حس» وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال : حيات على الصراط تلسعهم، فإذا لسعتهم قالوا : حس حس. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن حاطب قال : سئل عليّ عن هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال : هو عثمان وأصحابه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ يقول : لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا [ نزلوا ] منزلهم من الجنة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ قال : النفخة الآخرة، وفي إسناده العوفي. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة : رجل أمّ قوماً وهم له راضون، ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة. وعبد أدّى حق الله وحقّ مواليه ). وأخرج عبد بن حميد عن عليّ في قوله :﴿ كَطَيّ السجل ﴾ قال : ملك. وأخرج عبد بن حميد عن عطية مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : السجل ملك، فإذا صعد بالاستغفار قال : اكتبوها نوراً. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر قال : السجل ملك. وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، وابن منده في المعرفة، وابن مردويه، والبيهقي في سننه وصححه عن ابن عباس قال : السجل كاتب للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن المنذر وابن عديّ وابن عساكر عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى : السجل، وهو قوله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل للكتب ﴾ قال : كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء. وأخرج ابن المنذر، وأخرج بن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر قال : كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له : السجل، فأنزل الله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل ﴾ قال ابن كثير في تفسيره بعد إخراج هذا الحديث : وهذا منكر جداً من حديث نافع عن ابن عمر، لا يصح أصلاً. قال : وكذلك ما تقدّم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضاً. وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه، وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج وقد أفردت لهذا الحديث جزءاً له على حدة، ولله الحمد. قال : وقد تصدّى الإمام أبو جعفر ابن جرير للإنكار على هذا الحديث وردّه أتمّ ردّ، وقال : ولا نعرف في الصحابة أحداً اسمه سجلّ، وكتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا معروفين، وليس فيهم أحد اسمه السجل. وصدق رحمه الله في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث. وأما من ذكر في أسماء الصحابة هذا فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره والله أعلم. قال : والصحيح عن ابن عباس : أن السجلّ هو الصحيفة، قاله عليّ بن أبي طلحة والعوفي عنه. ونصّ على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد، واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة، فعلى هذا يكون معنى الكلام : يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ للكتاب أي : على الكتاب، يعني المكتوب كقوله :﴿ فلما أَسْلَمَا وَتَلَهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [ الصافات : ١٠٣ ]، أي : على الجبين، وله نظائر في اللغة والله أعلم. قلت : أما كون هذا هو الصحيح عن ابن عباس فلا، فإن عليّ بن أبي طلحة والعوفيّ ضعيفان، فالأولى التعويل على المعنى اللغوي والمصير إليه. وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال :﴿ السجل ﴾ هو الرجل، زاد ابن مردويه : بلغة الحبشة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسير الآية قال : كطيّ الصحيفة على الكتاب. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ يقول : نهلك كل شيء كما كان أوّل مرّة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : القرآن ﴿ أَنَّ الأرض ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور ﴾ قال : الكتب ﴿ مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : التوراة وفي إسناده العوفي. وأخرج سعيد بن منصور عنه أيضاً، قال : الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن. والذكر : الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب الذي في السماء، والأرض : أرض الجنة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد الأرض، ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون، وفي قوله :﴿ لبلاغا لّقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : عالمين، وفي إسناده عليّ بن أبي طلحة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : الصلوات الخمس. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( في قول الله :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : في الصلوات الخمس شغلاً للعبادة ). وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية :﴿ لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال :( هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين ﴾ قال : من آمن تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف. وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال :( قيل : يا رسول الله ادع الله على المشركين، قال :( إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة ). وأخرج الطيالسي وأحمد والطبراني، وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين ). وأخرج أحمد والطبراني عن سلمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي أو لعنته لعنة، فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليه صلاة يوم القيامة ). وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنما أنا رحمة مهداة» وقد روي معنى هذا من طرق. وأخرج ابن أبي خيثمة وابن عساكر عن الربيع بن أنس قال : لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم رأى فلاناً، وهو بعض بني أمية على المنبر يخطب الناس، فشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ ﴾ يقول : هذا الملك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ ﴾ يقول : ما أخبركم به من العذاب والساعة، لعلّ تأخير ذلك عنكم فتنة لكم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله :﴿ قُل رَبّ احكم بالحق ﴾ قال : لا يحكم الله إلا بالحق، وإنما يستعجل بذلك في الدنيا يسأل ربه.

﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ ﴾ أي ما أدري لعلّ الإمهال فتنة لكم واختبار ليرى كيف صنعكم ﴿ ومتاع إلى حِينٍ ﴾ أي وتمتيع إلى وقت مقدّر تقتضيه حكمته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد، وأبو داود في ناسخه، وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال المشركون : فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله، فنزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ عيسى وعزير والملائكة. وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة عنه قال : جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال ابن الزبعري : قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا، فنزلت :
﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [ الزخرف : ٥٧، ٥٨ ]. ثم نزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والطبراني من وجه آخر عنه أيضاً نحوه بأطول منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال :«عيسى وعزير والملائكة». وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله :﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ قال : شجر جهنم، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من وجه آخر أن ﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ وقودها. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو حطب جهنم بالزنجية. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال :«حيات على الصراط تقول حس حس» وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال : حيات على الصراط تلسعهم، فإذا لسعتهم قالوا : حس حس. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن حاطب قال : سئل عليّ عن هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال : هو عثمان وأصحابه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ يقول : لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا [ نزلوا ] منزلهم من الجنة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ قال : النفخة الآخرة، وفي إسناده العوفي. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة : رجل أمّ قوماً وهم له راضون، ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة. وعبد أدّى حق الله وحقّ مواليه ). وأخرج عبد بن حميد عن عليّ في قوله :﴿ كَطَيّ السجل ﴾ قال : ملك. وأخرج عبد بن حميد عن عطية مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : السجل ملك، فإذا صعد بالاستغفار قال : اكتبوها نوراً. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر قال : السجل ملك. وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، وابن منده في المعرفة، وابن مردويه، والبيهقي في سننه وصححه عن ابن عباس قال : السجل كاتب للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن المنذر وابن عديّ وابن عساكر عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى : السجل، وهو قوله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل للكتب ﴾ قال : كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء. وأخرج ابن المنذر، وأخرج بن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر قال : كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له : السجل، فأنزل الله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل ﴾ قال ابن كثير في تفسيره بعد إخراج هذا الحديث : وهذا منكر جداً من حديث نافع عن ابن عمر، لا يصح أصلاً. قال : وكذلك ما تقدّم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضاً. وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه، وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج وقد أفردت لهذا الحديث جزءاً له على حدة، ولله الحمد. قال : وقد تصدّى الإمام أبو جعفر ابن جرير للإنكار على هذا الحديث وردّه أتمّ ردّ، وقال : ولا نعرف في الصحابة أحداً اسمه سجلّ، وكتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا معروفين، وليس فيهم أحد اسمه السجل. وصدق رحمه الله في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث. وأما من ذكر في أسماء الصحابة هذا فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره والله أعلم. قال : والصحيح عن ابن عباس : أن السجلّ هو الصحيفة، قاله عليّ بن أبي طلحة والعوفي عنه. ونصّ على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد، واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة، فعلى هذا يكون معنى الكلام : يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ للكتاب أي : على الكتاب، يعني المكتوب كقوله :﴿ فلما أَسْلَمَا وَتَلَهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [ الصافات : ١٠٣ ]، أي : على الجبين، وله نظائر في اللغة والله أعلم. قلت : أما كون هذا هو الصحيح عن ابن عباس فلا، فإن عليّ بن أبي طلحة والعوفيّ ضعيفان، فالأولى التعويل على المعنى اللغوي والمصير إليه. وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال :﴿ السجل ﴾ هو الرجل، زاد ابن مردويه : بلغة الحبشة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسير الآية قال : كطيّ الصحيفة على الكتاب. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ يقول : نهلك كل شيء كما كان أوّل مرّة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : القرآن ﴿ أَنَّ الأرض ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور ﴾ قال : الكتب ﴿ مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : التوراة وفي إسناده العوفي. وأخرج سعيد بن منصور عنه أيضاً، قال : الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن. والذكر : الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب الذي في السماء، والأرض : أرض الجنة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد الأرض، ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون، وفي قوله :﴿ لبلاغا لّقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : عالمين، وفي إسناده عليّ بن أبي طلحة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : الصلوات الخمس. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( في قول الله :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : في الصلوات الخمس شغلاً للعبادة ). وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية :﴿ لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال :( هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين ﴾ قال : من آمن تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف. وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال :( قيل : يا رسول الله ادع الله على المشركين، قال :( إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة ). وأخرج الطيالسي وأحمد والطبراني، وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين ). وأخرج أحمد والطبراني عن سلمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي أو لعنته لعنة، فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليه صلاة يوم القيامة ). وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنما أنا رحمة مهداة» وقد روي معنى هذا من طرق. وأخرج ابن أبي خيثمة وابن عساكر عن الربيع بن أنس قال : لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم رأى فلاناً، وهو بعض بني أمية على المنبر يخطب الناس، فشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ ﴾ يقول : هذا الملك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ ﴾ يقول : ما أخبركم به من العذاب والساعة، لعلّ تأخير ذلك عنكم فتنة لكم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله :﴿ قُل رَبّ احكم بالحق ﴾ قال : لا يحكم الله إلا بالحق، وإنما يستعجل بذلك في الدنيا يسأل ربه.

ثم حكى سبحانه وتعالى دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله :﴿ قَالَ رَبّ احكم بالحق ﴾ أي احكم بيني وبين هؤلاء المكذبين بما هو الحق عندك ففوّض الأمر إليه سبحانه. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وابن محيصن :«رب » بضم الباء. قال النحاس : وهذا لحن عند النحويين لا يجوز عندهم : رجل أقبل، حتى يقول : يا رجل. وقرأ الضحاك وطلحة ويعقوب :«أحكم » بقطع الهمزة وفتح الكاف وضم الميم، أي قال محمد : ربي أحكم بالحقّ من كل حاكم. وقرأ الجحدري :«أحكم » بصيغة الماضي، أي أحكم الأمور بالحق. وقرىء :«قل » بصيغة الأمر، أي قل يا محمد. قال أبو عبيدة : الصفة هنا أقيمت مقام الموصوف، والتقدير : ربّ احكم بحكمك الحق، ﴿ وربّ ﴾ في موضع نصب، لأنه منادى مضاف إلى الضمير، وقد استجاب سبحانه دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم فعذبهم ببدر، ثم جعل العاقبة والغلبة والنصر لعباده المؤمنين والحمد لله ربّ العالمين. ثم قال سبحانه متمماً لتلك الحكاية ﴿ وَرَبُّنَا الرحمن المستعان على مَا تَصِفُونَ ﴾ من الكفر والتكذيب، ف﴿ ربنا ﴾ مبتدأ وخبره ﴿ الرحمن ﴾ أي هو كثير الرحمة لعباده، و﴿ المستعان ﴾ خبر آخر، أي المستعان به في الأمور التي من جملتها ما تصفونه من أن الشوكة تكون لكم، ومن قولكم :﴿ هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مثْلُكُمْ ﴾ [ الأنبياء : ٣ ] وقولكم :﴿ اتخذ الرحمن وَلَداً ﴾ [ مريم : ٨٨ ] وكثيراً ما يستعمل الوصف في كتاب الله بمعنى الكذب كقوله :﴿ وَلَكُمُ الويل مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١٨ ]، وقوله :﴿ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ﴾ [ الأنعام : ١٣٩ ] وقرأ المفضل والسلمي :«على ما يصفون » بالياء التحتية. وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد، وأبو داود في ناسخه، وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال المشركون : فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله، فنزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ عيسى وعزير والملائكة. وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة عنه قال : جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ قال ابن الزبعري : قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا، فنزلت :
﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [ الزخرف : ٥٧، ٥٨ ]. ثم نزلت :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والطبراني من وجه آخر عنه أيضاً نحوه بأطول منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال :«عيسى وعزير والملائكة». وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله :﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ قال : شجر جهنم، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من وجه آخر أن ﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ وقودها. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : هو حطب جهنم بالزنجية. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال :«حيات على الصراط تقول حس حس» وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ قال : حيات على الصراط تلسعهم، فإذا لسعتهم قالوا : حس حس. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن حاطب قال : سئل عليّ عن هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ قال : هو عثمان وأصحابه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ يقول : لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا [ نزلوا ] منزلهم من الجنة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ قال : النفخة الآخرة، وفي إسناده العوفي. وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة : رجل أمّ قوماً وهم له راضون، ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة. وعبد أدّى حق الله وحقّ مواليه ). وأخرج عبد بن حميد عن عليّ في قوله :﴿ كَطَيّ السجل ﴾ قال : ملك. وأخرج عبد بن حميد عن عطية مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : السجل ملك، فإذا صعد بالاستغفار قال : اكتبوها نوراً. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر قال : السجل ملك. وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، وابن منده في المعرفة، وابن مردويه، والبيهقي في سننه وصححه عن ابن عباس قال : السجل كاتب للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن المنذر وابن عديّ وابن عساكر عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى : السجل، وهو قوله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل للكتب ﴾ قال : كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء. وأخرج ابن المنذر، وأخرج بن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر قال : كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له : السجل، فأنزل الله :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل ﴾ قال ابن كثير في تفسيره بعد إخراج هذا الحديث : وهذا منكر جداً من حديث نافع عن ابن عمر، لا يصح أصلاً. قال : وكذلك ما تقدّم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضاً. وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه، وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج وقد أفردت لهذا الحديث جزءاً له على حدة، ولله الحمد. قال : وقد تصدّى الإمام أبو جعفر ابن جرير للإنكار على هذا الحديث وردّه أتمّ ردّ، وقال : ولا نعرف في الصحابة أحداً اسمه سجلّ، وكتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا معروفين، وليس فيهم أحد اسمه السجل. وصدق رحمه الله في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث. وأما من ذكر في أسماء الصحابة هذا فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره والله أعلم. قال : والصحيح عن ابن عباس : أن السجلّ هو الصحيفة، قاله عليّ بن أبي طلحة والعوفي عنه. ونصّ على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد، واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة، فعلى هذا يكون معنى الكلام : يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ للكتاب أي : على الكتاب، يعني المكتوب كقوله :﴿ فلما أَسْلَمَا وَتَلَهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [ الصافات : ١٠٣ ]، أي : على الجبين، وله نظائر في اللغة والله أعلم. قلت : أما كون هذا هو الصحيح عن ابن عباس فلا، فإن عليّ بن أبي طلحة والعوفيّ ضعيفان، فالأولى التعويل على المعنى اللغوي والمصير إليه. وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال :﴿ السجل ﴾ هو الرجل، زاد ابن مردويه : بلغة الحبشة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسير الآية قال : كطيّ الصحيفة على الكتاب. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ يقول : نهلك كل شيء كما كان أوّل مرّة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : القرآن ﴿ أَنَّ الأرض ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور ﴾ قال : الكتب ﴿ مِن بَعْدِ الذكر ﴾ قال : التوراة وفي إسناده العوفي. وأخرج سعيد بن منصور عنه أيضاً، قال : الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن. والذكر : الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب الذي في السماء، والأرض : أرض الجنة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون ﴾ قال : أرض الجنة. وأخرج بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد الأرض، ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون، وفي قوله :﴿ لبلاغا لّقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : عالمين، وفي إسناده عليّ بن أبي طلحة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : الصلوات الخمس. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( في قول الله :﴿ إِنَّ فِي هذا لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال : في الصلوات الخمس شغلاً للعبادة ). وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية :﴿ لبلاغا لقَوْمٍ عابدين ﴾ قال :( هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين ﴾ قال : من آمن تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف. وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال :( قيل : يا رسول الله ادع الله على المشركين، قال :( إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة ). وأخرج الطيالسي وأحمد والطبراني، وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين ). وأخرج أحمد والطبراني عن سلمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي أو لعنته لعنة، فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليه صلاة يوم القيامة ). وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنما أنا رحمة مهداة» وقد روي معنى هذا من طرق. وأخرج ابن أبي خيثمة وابن عساكر عن الربيع بن أنس قال : لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم رأى فلاناً، وهو بعض بني أمية على المنبر يخطب الناس، فشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ ﴾ يقول : هذا الملك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ ﴾ يقول : ما أخبركم به من العذاب والساعة، لعلّ تأخير ذلك عنكم فتنة لكم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله :﴿ قُل رَبّ احكم بالحق ﴾ قال : لا يحكم الله إلا بالحق، وإنما يستعجل بذلك في الدنيا يسأل ربه.

Icon